رسول الله.. والقوة

رسول الله.. والقوة

يمكن اعتبار القوة صفة من صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكبرى التي يتفق العقل والنقل في إثباتها له..

فالعقل الفطري الذي لم يتدنس بدنس الحقد والأهواء يقر بأنه لم يوجد في الدنيا جميعا رجل استطاع ـ مع انعدام كل الوسائل المادية ـ أن ينشر من الهداية والنور ما نشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكأن العالم قبل وجوده يختلف تماما عن العالم بعد وجوده.. وكأن البشرية تحولت بعد بزوغ نوره بمرحلة متقدمة جدا في طور الإنسانية مقارنة بالمرحلة التي سبقت ظهوره.

وذلك كله لا يستطيع القيام به ـ من الناحية العقلية والمنطقية ـ إلا من أوتي من القوة بجميع أنواعها وحبالها.

بالإضافة إلى هذه البديهية العقلية، فإن التأمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والنظر إلى صورته في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة يثبت هذا، ويؤكده، بل يضيف إليه أبعادا لا يستطيع العقل المجرد أن يكتشفها.

فأول قوة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو تلك الطاقة العجيبة التي جعلته يتحمل وحي الله، ويصبح واسطة بين الله وعباده.. وهذه طاقة لا يستطيع العقل المجرد تصورها، وقد أشار الله تعالى إلى ثقلها وعظمها وشدتها، فقال: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: 5]، والقول الثقيل هنا ليس فقط بمعناه، وإنما باستقباله أيضا.

ولهذا ورد في السنة المطهرة ما يدل على تلك المعاناة الشديدة التي يتحملها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند تلقيه للوحي، فقد ورد في الحديث عن زيد بن ثابت قال: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفخذه على فخذي، فكادت ترض فخذي([1]).

وحدث عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله، هل تحس بالوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أسمع صلاصيل، ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيض)([2])

وحدثت عائشة قالت: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا هذا لفظه([3]).

وحدث غيرها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته، وضعت جرانها، فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه([4]).

وهكذا تواترت الروايات والشهادات عن قوة تحمله صلى الله عليه وآله وسلم أثناء تلقيه الوحي..

ولا يقف الأمر عند ذلك.. فالوحي يتطلب تنفيذا.. كما يتطلب تبليغا.. كما يتطلب مواجهة.. وفي كل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثال القوة في التنفيذ، والقوة في التبليغ، والقوة في المواجهة.

وكمثال على قوته في التنفيذ ذلك الأمر الإلهي الشديد الذي نزل عليه في أول نبوته، والتزمه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أخر لحظة من حياته.. قيام الليل.. فقد كان من أول ما نزل عليه قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)﴾ [المزمل: 1 – 4]

وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على تطبيق هذا الأمر الإلهي مع شدته، ومع الظروف الخطيرة التي مر بها، والتي كانت تستدعي منه أن يأخذ حظه من النوم بالليل، ولكنه كان يأبى ذلك.. ويجعل أكثر ليله قياما لله، بعد نهار ممتلئ بالمشاق والمتاعب..

وقد نقل حذيفة مشهدا من مشاهد قوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العبادة، فقال: صليّت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة. قال: ثُمّ مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه([5]).

وعن عبد الله بن مسعود، قال: صليّت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوءٍ. قلنا: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه([6]).

وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى قام حتى تتفطّر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً([7])؟

وهكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم في جميع الشعائر التعبدية، فقد كان ـ وفي تلك الصحراء شديدة الحر، ومع كل تلك الجهود العظيمة التي تنوء بها الجبال ـ يقضي معظم أيامه صائما، وفوق ذلك، وبعد أن يفطر الناس لا يسارع إلى الإفطار إذا حل وقته كما يسارع الناس، بل كان يواصل.. أي يصل في صومه ليله بنهاره.. فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(لا تواصلوا)، قالوا: إنك تواصل، قال:(لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى، أو إني أبيت أطعم وأسقى)([8])

وهكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه رسالة ربه.. فقد كان لا يرتاح لحظة واحدة دون تبليغها حتى أنه سافر إلى الطائف التي تبعد عن مكةَ المكرَّمةِ أكثر من خمسة وثمانين كيلو مترًا.. وسار إليها على قدمَيْه الشريفتين.. وبمجرد أن وصل إليها، ردوا عليه ردًّا منكَرًا، وسَخِروا منه واستهزؤوا به؛ بل قال له أحدهم: هو يَمْرُط (أي: أُمَزِّق) ثيابَ الكعبة إنْ كان الله أرسلَك. وقال الآخَر: أمَا وجَدَ الله أحدًا يرسله غيرك؟ وقال الثَّالث: والله لا أكلِّمك أبدًا، لئن كنتَ رسولاً من الله كما تقول، لأنتَ أعظمُ خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام، ولئن كنتَ تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلِّمك!.

وفوق ذلك كله أغروا به الصِّبيان والعبيد والسُّفهاء، ووقفوا صفَّيْن، وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون منه، ويسبُّونه بأقبح السباب والشتائم، حتَّى إنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرفع قدَمًا، ولا يضعها إلاَّ على الحجارة، وسالت الدِّماء من قدَميْه الشريفتين.

ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك كله، لم يتأثر، ولم ينفعل، ولم يدعو عليهم، بل دعا لهم، وقد ورد في الحديث أن عائشة سألته صلى الله عليه وآله وسلم: هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحُدٍ؟ قال: (لقَد لقيتُ من قومِك، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذْ عرَضْتُ نفسي على ابن عبد ياليلَ بن عبد كلالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلاَّ وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعتُ رأسي، وإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السَّلام فناداني، فقال: إنَّ الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملكُ الجبال، فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَكُ الجبال، وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؛ إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبَيْن، فقال النبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: (بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا)([9])

ولم يتوقف الأمر عند الطائف، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم لأجل أداء رسالة ربه مضطرا لمخالطة كل أصناف الناس بطباعهم المختلفة، وخاصة المستضعفين منهم، والذين أمره الله تعالى بالصبر على مخالطتهم، قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ (الكهف:28)

وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما اقتضته هذه الأوامر من واجبات خير قيام، فكان ينهض لكل مسكين، ويقوم لكل محتاج.. ونحن نعلم كثرة المساكين في ذلك الوقت، وكثرة الحاجات، وقد قال العباس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن رأى الجهد الذي يصيبه جراء ذلك: يا رسول الله إني أراهم قد آذوك، وآذاك غبارهم، فلو اتخذت عريشا تكلمهم فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا أزال بين أظهرهم يطئون عقبى وينازعوني ثوبي، ويؤذيني غبارهم، حتى يكون الله هو الذي يرحمني منهم)([10])

وكان فوق ذلك يتحمل ضنك الحياة، والبؤس الشديد حتى أنه كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، وكان تمر الأشهر ولا يوقد في بيته نار.. ومع ذلك لا نسمع منه إلا حمد الله، ولا نرى منه إلا ما يرضي الله.

هذه قطرة من بحر قوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل عليها العقل.. وكما يدل عليها القرآن الكريم والسنة النبوية.. لكن السنة المذهبية تنفخ سمومها على هذه الخصلة العظيمة لتنحرف بها انحرافا خطيرا يشوه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم تشويه.

وسأنقل هنا نماذج عن ذلك التشويه الخطير، والذي ينطلق من تفسير معنى قوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. والذي وردت به روايات متعددة منها ما روي عن أنس بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل أو النهار، وهن إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟! قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين)([11])

ومنها ما رواه عن محمد بن المنتشر قال: (ذكرته لعائشة، فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيطوف على نسائه، ثم يصبح محرما ينضخ طيبا)([12])

ومنها ما رواه قتادة عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة: قال – أي قتادة -: قلت لأنس بن مالك: فهل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة أربعين)([13])

وقد لقيت هذه الأحاديث الممتلئة بالغرابة، والمتعارضة تماما مع العقل والنقل، قبولا حسنا من أصحاب القلوب المريضة.. فراحت تستخدمها وسيلة لتشويه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصدت ذلك أم لم تقصد.

أما غرابة تلك الأحاديث من حيث العقل، فلا شك فيها.. فالرجل الذي يصيبه هذا الشغف وهذه الهستريا بحيث يقوم بجولة سريعة على إحدى عشرة امرأة وفي ساعة واحدة ليس إنسانا طبيعيا، فكيف يكون نبيا؟

بالإضافة إلى أن هذا من الناحية النفسية لا يحمل أي معنى من معاني الرجولة والشهامة والنبل، فالرجل الذي يأتي زوجته كالبهائم من دون مقدمات ليس رجلا أصلا، بل ورد في الأحاديث النهي عن المعاجلة في ذلك، وهذا الحديث يتناقض مع ذلك الهدي النبوي الذي حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته من مخالفته..

أما مخالفتها للنقل، فأدلته أكثر من أن تحصر.. ويكفي فيها تلك النصوص التي حذر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حكاية الحياة الشخصية الخاصة بين الرجل وزوجته.. فكيف يتجرأ شخص على حكاية الحياة الشخصية لنبي كريم؟ وما عهدنا ذلك إلا في حكايات الفضائح التي يقوم بها الساسة بعضهم مع بعض.

لكن مع كل ذلك نجد اهتماما كبيرا من لدن من يسمون أنفسهم أوصياء على السنة بهذه الأحاديث..

يقول ابن حجر بعد إيراده لبعض تلك الأحاديث: (وفي هذا الحديث من الفوائد… ما أعطي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية وصحة الذكورية)([14])

بل قام ابن حجر بحساب قوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطريقة بديعة، فقال تعليقا على ما رواه زيد بن أرقم: (إن الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع…)([15]): (فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف)([16])

وقال الصنعاني: (وفي الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان أكمل الرجال في الرجولية؛ حيث كان له هذه القوة)([17])

ومثلهما المناوي الذي راح يستنبط المعجزات من تلك الأحاديث، فقال: (فإن قلت: هل للتمدح بكثرة الجماع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من فائدة دينية أو عقلية لا يشاركه فيها غير الأنبياء من البرية؟ قلت: نعم – بل هي معجزة من معجزاته السنية، إذ قد تواتر تواترا معنويا، أنه كان قليل الأكل، وكان إذا تعشى لم يتغد، وعكسه، وربما طوى أياما، والعقل يقضي بأن كثرة الجماع إنما تنشأ عن كثرة الأكل، إذ الرحم يجذب قوة الرجل، ولا يجبر ذلك النقص إلا كثرة الغذاء، فكثرة الجماع لا تجتمع مع قلة الغذاء عقلا ولا طبا ولا عرفا، إلا أن يقع على وجه خرق العادة، فكان من قبيل الجمع بين الضدين، وذلك من أعظم المعجزات فتدبر)([18])

وحتى يؤكد أصحاب السنة المذهبية أمثال هذه التشويهات التي استنبطوا منها أصلا، وهو أن من خصائص النبي قوته الشهوانية، فقد رووا عن سليمان عليه السلام ما ينقضي دونه العجب.. ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: إن شاء الله. فلم يقل، ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لو قالها لجاهدوا في سبيل الله)([19])

ومع أن الحديث مضطرب اضطرابا شديدا، وقد اختلفت الروايات في عدد النساء، لكن ما أسهل أن يلتمس الحل لذلك، فقد قال ابن حجر في الجمع بين الروايات: (فمحصل الروايات: ستون، وسبعون، وتسعون، وتسع وتسعون، ومائة. والجمع بينها أن الستين كن حرائر، وما زاد عليهن كن سراري أو بالعكس، وأما السبعون فللمبالغة، وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين، فمن قال تسعون ألغى الكسر، ومن قال مائة جبره- أي أكمل الكسر-.. وقد حكى وهب بن منبه في المبتدأ أنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة مهيرة، وسبعمائة سرية)([20])

بعد هذه التبريرات اللامنطقية راح المحدثون يستنطون معاني القوة في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين هم خلاصة البشر وصفوتهم، فقد قال النووي تعليقا على هذا الحديث: (وفي هذا بيان ما خص به الأنبياء – صلوات الله تعالى وسلامه عليهم – من القوة على إطاقة هذا في ليلة واحدة، وكان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يطوف على إحدى عشرة امرأة له في الساعة الواحدة، كما ثبت في الصحيحين، وهذا كله من زيادة القوة)([21])

ويقول ابن حجر: (وفيه ما خص به الأنبياء من القوة على الجماع الدال ذلك على صحة البنية، وقوة الفحولية، وكمال الرجولية، مع ما هم فيه من الاشتغال بالعبادة والعلوم)([22])

ويقول المناوي: (إن سليمان – عليه السلام – تمنى أن يكون له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطي الملك، وأعطي القوة في الجماع؛ ليتم له الملك على خرق العادة من كل الجهات؛ لأن الملوك يتخذون من الحرائر والسراري بقدر ما أحل لهم ويستطيعونه، فأعطي سليمان – عليه السلام – تلك الخصوصية ليتميز بها عنهم، فكان نساؤه من جنس ملكه الذي لا ينبغي لأحد من بعده)([23])

وهكذا استطاعت أمثال هذه النصوص أن تنحرف بالنبوة عن معناها السامي الذي قصده القرآن الكريم إلى معان باهتة محتقرة تتفق تماما مع المنهج الذي كان يفكر به فرعون وهامان ومعاوية ويزيد.


([1])   رواه البخاري.

([2])   رواه أحمد.

([3])   رواه البخاري.

([4])   رواه أحمد.

([5]) رواه مسلم.

([6]) رواه البخاري ومسلم.

([7]) رواه البخاري ومسلم.

([8]) رواه أحمد والبخاري.

([9])   رواه البخاري ومسلم.

([10]) رواه ابن إسحاق الزجاجي في تاريخه.

([11])   رواه البخاري.

([12])   رواه البخاري ومسلم.

([13])   رواه أبو يعلى في مسنده، وصححه حسين سليم أسد في تعليقه على مسند أبي يعلى.

([14])   فتح الباري: 1/ 451.

([15])   رواه أحمد.

([16])   فتح الباري :1/ 450.

([17])   سبل السلام، الصنعاني، 6/ 128.

([18])   فيض القدير، المناوي، 1/ 130.

([19])   رواه البخاري ومسلم.

([20])   فتح الباري لابن حجر (6/ 460)

([21])   شرح صحيح مسلم، النووي: 6/ 2570.

([22])   فتح الباري بشرح صحيح البخاري، (6/ 533)..

([23])   فيض القدير، المناوي، (4/ 659)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *