رسول الله.. والسحرة

رسول الله.. والسحرة

لم يكتف أصحاب السنة المذهبية ببيان ضعف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمام الشياطين، وتسلطهم عليه، بل أضافوا إلى ذلك أيضا ضعفه أمام السحرة، وتسلطهم عليه إلى درجة أنه قضى مدة ستة أشهر من عمر نبوته المباركة، وهو لا يعي ما يفعل.

ولسنا ندري كيف غاب على هؤلاء تلك الآيات الكريمة الكثيرة التي تبين عصمة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه لو كاده الإنس والجن، فلن يستطيعوا أن يفعلوا له شيئا، كما قال تعالى مقررا ذلك: ﴿أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67]

ولهذا فإن كل ذلك الأسطول من المشركين والمنافقين واليهود ومرضى القلوب لم يستطيعوا ـ مع كيدهم المتواصل ـ أن يفعلوا شيئا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وليت الذين اتهموا السحرة بالقدرة على النفوذ إلى المحال المقدسة للإدراك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اكتفوا بالصراع مع تلك الآيات الكريمة التي تعد بحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل سوء.. لأنهم قد يجدون بعض المنافذ والتبريرات التي تجعلهم يعطلون معناها أو يؤولونه..

لكن المشكلة أنهم يعطلون نصوصا قرآنية صريحة تنفي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساحرا، أو مسحورا، أو واقعا تحت تأثير أي سحر أو عين أو أي قوة غيبية غير القوة الإلهية.

بل إن الله تعالى يخبر أن ادعاء السحر، وربط أي أمر بالسحر من شأن الكفرة، لا من هذه الأمة فقط، بل من الأمم جميعا..

فالله تعالى يذكر عن موسى عليه السلام أنه لما جاء قومه بما جاءهم به من آيات الله البينات اتهموه بالسحر، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [النمل: 13]

ومثله المسيح عليه السلام الذي جاء بالبينات لكن مرضى القلوب لم يروها آيات من الله، بل رأوها خوارق من السحرة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصف: 6]

وهكذا كان الأمر مع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الذي بادره قومه بالاتهام بالسحر، قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام: 7]

وقال ـ يرسم مشهدا من مشاهد المواجهة بين دين الله ودين الشياطين ـ: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [سبأ: 43]

ولم يقتصر الأمر على دعوى السحر التي تجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلا ومؤثرا، بل ورد في النصوص المقدسة بيان اتهام المحاربين للنبوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كان خاضعا لتأثير السحرة والسحرة، قال تعالى مخبرا عن موقف المشركين من دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ﴾ [الإسراء: 47]

وقد أخبر القرآن الكريم أن ذلك لم يكن خاصا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل إن سائر الأنبياء اتهموا أيضا بأنهم كانوا خاضعين لتأثير السحرة، قال تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا ﴾ [الإسراء: 101]

ولكن مع كل هذه الآيات المقدسة التي تبرئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تبرئ الأنبياء قبله من الارتباط بالسحر تأثيرا وتأثرا نجد تلك الروايات العجيبة التي تتدنس بها كتب الحديث، والتي تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقع في فترة مهمة من حياته تحت تأثير السحرة.. وبذلك تبرئ تلك الأحاديث ـ من حيث لا يشعر أصحابها ـ المشركين واليهود والمنافقين من تلك الادعاءات التي كانوا يرفضون القرآن والدين على أساسها.

وسنورد هنا نص الرواية، ونرى مبلغ إساءتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ثم نناقشها بعد ذلك.

والرواية ـ للأسف الشديد ـ توجد في أمهات كتب الحديث المعتمدة كالبخاري ومسلم وأحمد وابن ماجة والنسائي والبيهقي وغيرها، وهذا يرينا كيف استطاع مرضى القلوب أن يتسللوا إلى هذه الدواوين العظيمة، ليبثوا فيها سمومهم، ويشوهوا من خلالها جمال الدين، وجمال رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ونص الحديث كما ـ في صحيح البخاري في كتاب الطب عن عائشة ـ قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل من بني زُريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخيلُ إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: (يا عائشة أشعرت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟)، قلت وما ذاك يا رسول الله؟ فقال: (أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: ما وجعُ الرجل، فقال: مطبوب (أي مسحور)، قال: ومن طَّبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي قال: في أي شيء؟ قال: في مُشط ومُشاطَة [أي الشعر المتساقط من الرأس واللحية عند ترجيلهما)، وجُفَّ طلعة ذكر [أي على الغشاء الذي يكون على الطلع]، قال: أين هو؟ قال: في بئر ذي أروان، فذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها، وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة، فقال: (والله لكأن ماءها نُقاعةُ الجفَّاء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين)، قلت: يا رسول الله أفأخرجته؟ قال: (لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثُوَر على الناس منه شراً)، وأُمر بها فدفنت البئر(1).

وفي رواية أخرى عن زيد بن أرقم قال: سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عُقداً في بئر كذا وكذا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستخرجها فَحلَّها، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأنما أُنْشِطَ من عِقَلٍ، فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط)(2).

بعد إيرادنا لهاتين الروايتين الغريبتين اللتين تشوهت بهما كتب السنة، نحب أن نناقش بعض ما فيها على ضوء العقل والنقل..

ونبدأ بالحالة نفسها، والتي صور بها الحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وأنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله.. وهي حالة خطيرة جدا بالنسبة لإنسان عادي، فكيف بنبي، فكيف بخاتم الأنبياء وسيدهم؟

لأن ذلك الشيء الذي يخيل إليه أنه فعله وهو لم يفعله قد يرتبط بتبليغ الدين.. وليس في الحديث ما ينفي ذلك.. وبذلك يكون جزء مهم من الدين لم يصل إلينا بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ تعالى عن ذلك علوا عظيما ـ كان قد توهم أنه بلَّغه مع أنه لم يبلغه..

وقد يجادلنا هنا مجادل، كما تعودوا، ويقول: لا.. ليس الأمر كما تظنون.. بل الأمر مرتبط بحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العادية.. وهنا يأتي الجواب القرآني الواضح والدقيق والدال على أن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها دعوة وبلاغ عن الله، قال تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾ [النجم: 2 – 4]

فإن جادلوا في الآية، أو أولوها، فليقرؤوا ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله اكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضا والغضب؟ قال: (نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا) ([1])

فإن جادلوا، وذكروا بأن هذا النوع من السحر انحصر أثره في علاقة النبي ﷺ الجسدية مع أزواجه، فكان يخيل إليه أنه يأتي نساءه من غير أن يكون ذلك حقيقة، كما رووا عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: (مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله، ولا يأتي)([2])، فذلك لا يقل عجبا، لأنه يضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في موضع تهم خطيرة يكفي تخيلها لنفور النفس منها.. لكن هؤلاء للأسف إما أنهم لا يعرفون معنى ما يقولون، أو أن صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيالهم لا تختلف عن صورة ذلك الذي أصيب بالهلوسة، فصار يتخيل ما لا يكون، ويفعل ما لا يعقل.

ولم يكتف هؤلاء بهذا، بل تصوروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي آتاه الله من القدرات الإدراكية ما ينقضي دونه العجب لم يعلم بالسحر طول تلك المدة، حتى جاءه ملكان، وأخبراه بعد أن تنصت صلى الله عليه وآله وسلم لقولهما..

ولست أدري ماذا يفعلون بقوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: 3 – 5]، وغيرها من الآيات الكريمة التي وعد الله فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بألا يتخلى عنه، وأن يعطيه كل ما يرضى، وأن يبعد عنه كل ما يؤذيه.

ولست أدري كيف غاب عنهم تلك الآيات الكريمة التي تذكر ما آتى الله أنبياءه عليهم الصلاة والسلام من معرفة المغيبات، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام: ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ [يوسف: 37]

وقال على لسان المسيح عليه السلام: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ﴾ [آل عمران: 49]

وهكذا ورد في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تنبئ عن قدرات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الخارقة في هذا المجال، وهي دليل على كمالاته الكثيرة، والتي هي نبع من فيض إيمانه وتقواه، والتي لأجلها حصلت له تلك العصمة والحفظ الإلهي من أن يتسلط عليه أي متسلط من الإنس أو الجن.

ومن الأمثلة على ذلك ما روي أن رجلا جاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: من أنت؟ قال:(أنا نبي)، قال: وما نبي؟ قال:(رسول الله)، قال: متى تقوم الساعة؟ قال:(غيب ولا يعلم الغيب الا الله)، قال: أرني سيفك، فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيفه، فهزه الرجل، ثم رده عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(أما انك لم تكن تستطيع ذلك الذي أردت)([3]).. وفي رواية: ثم قال رسول الله r:(إن هذا أقبل، فقال: آتيه، فاسأله ثم آخذ السيف، فاقتله ثم أغمد السيف)([4])

ومن الأمثلة على ذلك إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بعض أصحابه بما حدث به نفسه من قتله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن شيبة بن عثمان قال: لما فتح رسول الله r مكة، قلت: أسير مع قريش إلى هوازن، بحنين فعسى أن اختلطوا أن أصيب غرة من محمد فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا أتبع محمدا ما أتبعه أبدا، فكنت مرصدا لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة، فلما اختلط الناس، اقتحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بغلته، فدنوت منه، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره، فرفع لي شواط من نار كالبرق كاد يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه فالتفت الي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال:(ادن مني)، فدنوت فمسح صدري، وقال:(اللهم اعذه من الشيطان) فوالله لهو من حينئذ أحب الي من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله ما كان بي، فقال:(يا شيبة، الذي أراد الله بك خيرا مما أردت بنفسك؟) ثم حدثني بما اضمرت في نفسي! فقلت: بأبي أشهد أن لا اله الا الله، وأنك رسول الله، استغفر لي يا رسول الله، قال:(غفر الله لك)([5])

ومن الأمثلة على ذلك ما روي في السيرة من حديث عمير بن وهب لما جاء يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأله‏‏:‏‏ ما جاء بك يا عمير‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه ؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏‏:‏‏ فما بال السيف في عنقك‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ اصدقني، ما الذي جئت له ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ما جئت إلا لذلك، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: (بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت ‏‏:‏‏ لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بدَيْنك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك) ؛ قال عمير ‏‏:‏‏ أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏‏:‏‏ (فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره)([6])

وهكذا حمى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من حوادث كثيرة كان يمكن أن تودي به، ولكن الله تعالى أنبأه عنها قبل أن تقع.. وهذا ما يوقع أصحاب السنة المذهبية في حرج عظيم.. فكيف يخبر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن كل تلك الحوادث، ويخبره مباشرة عما يكاد له، من غير حاجة إلى ملاك أو غيره.. إلا في حديث السحر.. فهل كان للسحرة من الكيد والقدرة على التخفي ما لم يستطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلع عليه؟

والعجيب أن أصحاب السنة المذهبية ممن يبالغون في السحر، وفي تعلم الرقية منه، يذكرون في كتبهم أن لهم القدرة على اكتشاف السحر من غير حاجة إلى ملائكة معصومين يخبرونهم به.. فهل يجدون لأنفسهم من الطاقات للتواصل بعالم الغيب أكثر مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بل إنهم يذكرون فيها أن السحرة والشياطين يمتلئون رعبا منهم، ومن مشايخهم، وقصة حذاء الإمام أحمد ورعب الشياطين منها معروفة، وهي مما يحرص أصحاب السنة المذهبية على ترديده كل حين لبيان منزلة إمامهم أحمد..

فقد جاء في كتاب (طبقات الحنابلة) للقاضي أبي الحسين بن أبي يعلى الفراء: أن الإمام أحمد بن حنبل كان يجلس في مسجده، فأنفذ إليه الخليفة العباسي المتوكل صاحباً له يعلمه أن جارية بها صرع، وسأله أن يدعو الله لها بالعافية، فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له، وقال له: امض إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له، يعني الجن: قال لك أحمد: أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو تصفع بهذه النعل سبعين. فمضى إليه، وقال له مثل ما قال الإمام أحمد، فقال له المارد على لسان الجارية: (السمع والطاعة، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم بالعراق ما أقمنا به، إنه أطاع الله، ومن أطاع الله أطاعه كل شيء)، وخرج من الجارية وهدأت ورزقت أولاداً، فلما مات أحمد عاودها المارد، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية، فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك، أحمد بن حنبل أطاع الله، فأمرنا بطاعته([7]).

وإنما ذكرنا هذه القصة هنا لأن أصحاب السنة المذهبية يتفقون على العلاقة بين السحرة والشياطين، فقد نصوا على أن (السحر بجميع أنواعه فيه استخدام للشياطين واستعانة بها، والشياطين لا تخدم إلا من تقرب إليها بالذبح، أو بالاستغاثة، أو بالاستعاذة، ونحو ذلك. يعني أن يصرف إليها شيئاً من أنواع العبادة)([8])

والعجيب أنهم ينصون في هذه القصة وفي غيرها على أن من أطاع الله لا يضره شيء، وأنه محفوظ بحفظ الله، وأن نعل الإمام أحمد كانت لها كل تلك السلطة والسطوة على عالم العفاريت.. لكنهم إن جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هونوا من شأنه، وسلطوا عليه كل شيء.. وليتهم فقط اكتفوا بالتعامل معه كما تعاملوا مع الإمام أحمد.

بعد هذا نسأل عن مدى تطبيق الأحكام الواردة في الحديث، والذي بالغ فيه أهل السنة المذهبية أي مبالغة.. وكان في الأصل ـ بدل تلك المبالغات في تبديع منكريه ـ أن يستفيدوا منه عمليا، كما هي عادتهم.. ولكنا نجدهم في هذه الحديث يخالفونه مخالفة تامة، بل لا يستفيدون منه إلا شيئا واحد يضعونه ضمن عقائد أهل السنة، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمكن أن يسحر، وأنه سحر بالفعل، وبقي كذلك مدة طويلة.

وللدلالة على هذا نذكر حكمين ـ يمكن استنتاجهما من الحديث ـ وقد تخلفا تخلفا تاما في الواقع الفقهي لأصحاب السنة المذهبية:

أما الأول: فهو ما ورد في الحديث من عدم التعرض للسحرة، لا بقتلهم، ولا باستتابتهم، وهو أمر مخالف تماما لما يقول به أهل السنة المذهبية الذين يرون قتل الساحر، ويتشددون في ذلك..

وسأنقل لكم هنا نص خطبة حماسية لرجل دين يفتخر بتطبيق بلاده لحكم قتل الساحر، ويستند فيها لبعض الآثار الواردة عن الصحابة في ذلك([9])..

يقول الخطيب ـ بحماسته التي لا أستطيع تصويرها ـ: (عباد الله: وحكم الساحر القتل، وقد جاء قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم: عمر بن الخطاب، وحفصة أمُّ المؤمنين، وجندب الأزدي رضي الله عنهم أجمعين.. ففي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أن اقتلوا كل ساحر وساحرة)، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.. وروى الإمام مالك في موطئه وعبد الرزاق: أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها، فأمرت بها فقتلت.. وروى البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي قال: كان عند الوليد رجل يلعب فذبح إنساناً فعجبنا فأعاد رأسه، فجاء جندب الأزدي فقتله، وفي رواية أنه قال: (إن كان صادقاً فليحيِ نفسه)

وهكذا راح يذكر الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة والتابعين وغيرهم.. ولسنا ندري كيف غاب ذلك الحديث الصحيح عنه؟.. وهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتركه الساحر وعدم قتله له ـ في الحديث الذي يعتقد صحته ـ مقصرا؟

واستأنف الخطيب خطبته دون انتباه لسؤالي الذي لم يخطر على باله أصلا، فقال: (وقد اختلف أهل العلم في الساحر هل يستتاب أو يُقتل بدون استتابة؟ وظاهر عمل الصحابة في الآثار المتقدمة أنه يُقتل من غير استتابة. وذكر أقوال أهل العلم في المسألة وأدلة كل قول تجدها مبسوطة في كتب أهل العلم، ومن أجمع الكتب وأوعبها في هذه المسألة وغيرها من مسائل التوحيد (كتاب التوحيد) للإمام المجدد والشيخ المصلح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وشروحاته كثيرة ومن أحسنها وأجمعها كتاب (تيسير العزيز الحميد) لحفيده وتلميذه الشيخ سليمان بن عبد الله رحم الله الجميع وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء)

وبعد أن برر هذا الحكم من الناحية العقدية راح يبرره من الناحية الواقعية ـ التي غابت ـ حسب لازم قوله ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (عباد الله: إنَّ قتل الساحر وإزهاق روحه فيه تخليصٌ للمجتمع المسلم من أداة شر وتخريب وفتك بالمسلمين، فالساحر شروره كثيرة وأخطاره عديدة وجنايته على الإسلام والمسلمين كبيرة ؛ فهو يشتت رابطة المجتمع المسلم ويخلخل كيانه، ويفرِّق بين الأسر المسلمة، وينشر العداوة والبغضاء بين المسلمين، ويزعزع أمن المسلمين، ويخرب ديارهم، وينقلهم إلى الحضيض والهلكة)

بعد هذا يثني الثناء العطر على مملكته التي طبقت هذا الحكم الذي قصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في تصورهم ـ عن تطبيقه، فقال: (ولهذا عباد الله فإنَّا من هذا المنبر لنحمد الله تعالى ونثني عليه الخير كله على ما قيَّضه لحكومة هذه البلاد – أيَّدها الله وزادها من توفيقه وحرسها – من تتبُّع لهؤلاء المفسدين وقطع لدابرهم واستئصال لشأفَتهم وشرورهم. ومن ذلكم ما تم إعلانه يوم الجمعة الماضي من قِبل وزارة الداخلية من تنفيذ لحكم القتل في رجل ساحر لممارسته أعمال السحر والشعوذة ووجد في حيازته مجموعة من الكتب الشركية والخرافية، وجاء في القرار أنه نظراً لما يحدثه السحر والشعوذة من أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع في الدين والنفس والمال والعقل وأن ما فعله المدعى عليه فيه ضرر عظيم يستحق العقوبة الصارمة التي تقطع شره وتردع غيره، فقد تقرر الحكم بقتله وصُدِّق الحكم من هيئة التمييز ومن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وصدر الأمر السامي بإنفاذ ما تقرر شرعاً بحقه، ونُفِّذ الحكم يوم الجمعة الماضي. فلله الحمد أولاً وآخراً وله الشكر ظاهراً وباطنا على نعمه الجزيلة وآله العظيمة التي لا تعد ولا تحصى، ونسأله بمنِّه وكرمه أن يوفق ولاة الأمر في هذه البلاد لكل خير وأن يعينهم على تتبع هؤلاء المجرمين وقطع دابر هؤلاء المفسدين)

طبعا ليس لدينا الوسائل التي نتحقق بها من مدى عدالة هذا الحكم الذي طبق.. ولكنا مع ذلك نستغرب من هؤلاء القوم الذين يزعمون لأنفسهم السنة.. واحتكارها.. ومع ذلك يتركون مثل ذلك الحديث الذي لا يستفيدون منه سوى شيئا واحدا، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر في فترة من فترات حياته النبوية بهذه التجربة المريرة، ولم يخرج منها إلا بعد فترة طويلة.

والأمر الثاني الذي نستغرب ترك أهل السنة المذهبية لتطبيقه مع أن الحديث يدل عليه دلالة صريحة هو عدم تخريبهم للأماكن التي يوجد فيها السحر.. ولذلك يكتفون بإزالة ما يعتبرونه سحرا، أو يحرقونه، أو يتلفونه، دون إتلاف المحل الذي وضع فيه، كما قال الشيخ ابن باز: (ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر)([10])

مع أنه قد ورد في الحديث الوارد في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بدفن البئر نفسها([11]) مع أن الآبار في ذلك الحين كانت لها قيمتها.. ومع أن البئر ـ كما ورد في الحديث ـ كانت لرجل من الأنصار.. ومع ذلك يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بدفنها.

بعد هذه المناقشات نتعجب أن يرمى المنكرون لمثل هذه الأحاديث بالبدعة، مع أن الفقهاء وغيرهم ينكرون الكثير من الأحاديث، ولا يرون العمل بها، وقد رأينا في مقدمة الكتاب نموذجا عن موقف مالك وغيره من بعض الأحاديث.. ومع ذلك لم يرم مالك ولا غيره بالبدعة.. ولكن إذا تعلق الأمر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتنزيهه، فإن أهل السنة المذهبية تثور فيهم الحمية، ويشهرون سيوف الحرمان والتبديع والتضليل في وجه من يفعل ذلك حتى لو كانوا أعلاما كبارا لهم حرمتهم وجلالتهم.. ولكن لحومهم سرعان ما تصبح حلالا بمجرد أن يتجرؤوا فينكروا مثل تلك الروايات التي تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..

ولا يمكننا هنا نقل التصريحات التي صرح بها أصحاب السنة المذهبية بتبديع كل من تكلم في تلك الأحاديث ([12]).. ولذلك نكتفي بذكر بعض أقوال العلماء الذين بُدّعوا وحُذر منهم بسبب مواقفهم من أمثال تلك النصوص.

وأولهم المفسر الكبير الفخر الرازي الذي قال في تفسيره [مفاتيح الغيب] عند تفسير المعوذات في ذكر سبب نزولها وحديث سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قال القاضي هذه رواية باطلة،وكيف يمكن القول بصحتها، والله تعالى يقول:﴿ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67] وقال: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69] ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة ؛ ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى ضرر جميع الأنبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم، وكلُّ ذلك باطلٌ، ولكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور. فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوة، ولحصل فيه – عليه السلام – ذلك العيب، ومعلوم أن ذلك غير جائز)([13])

ومنهم الفقيه والمفسر الحنفي الكبير أبو بكر الجصاص الذي قال في كتابه [أحكام القرآن]: (زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُحر، وأن السحر عمل فيه حتى أنه يتخيل أنه يفعل الشيء ولم يفعله.. وقد قال الله تعالى مكذباً للكفار فيما أدعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الفرقان: 8].. ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعباً بالحشوا الطغام واستجرار لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام، والقدح فيها)([14])

ومنهم المحدث الكبير جمال الدين القاسمي الذي لم يمنعه تخصصه في علم الحديث من إنكار هذا الحديث، فقد قال: (ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وإن كان مخرَّجاً في الصحاح ؛ وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من النقد، سنداً أو معنى، كما يعرفوه الراسخون. على أن المناقشة في خبر الآحاد معروفة من عهد الصحابة)([15])

ومنهم الأستاذ محمد عبده الذي قال في تفسيره لسورة الفلق:(وقد رووا هنا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحره لبيد بن الأعصم، وأثّر سحره فيه حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله أو يأتي شيئًا وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك وأخرجت مواد السحر من بئر وعوفي صلى الله عليه وآله وسلم مما كان نزل به من ذلك ونزلت هذه السورة.ولا يخفى أن ثأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئًا وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل، آخذ بالروح، وهو مما يصدّق قول المشركين فيه: ﴿إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا﴾، وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله، وخيّل له أن شيئًا يقع وهو لا يقع، فيخيّل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه. وقد كان كثير من المقلّدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة وما يجب لها أن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح، فيلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر، وقد جاء القرآن بصحة السحر. فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح، والحق الصريح في نظر المقلّد بدعة، نعوذ بالله، يحتج على ثبوت السحر، ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعدّه من افتراء المشركين عليه، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك، مع أن الذي قصده المشركون ظاهر لأنّهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد، فإنه قد خالط عقله وإدراكه في زعمهم)([16])

ومن المحدثين الذين لم يستسيغوا حديث السحر محمد رشيد رضا، وقد كان موقفه ذلك سببا في تأليف الشيخ مقبل الوادعي ـ وهو علم كبير من أعلام السنة المذهبية ـ رسالة في الدفاع عن سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سماها (ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر)، ومما جاء في مقدمتها قوله: (إن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الدعوة إلى الله بل ومن الجهاد في سبيل الله بيان عقيدة أهل السنة والجماعة والذّب عنها، وكشف عوار أهل البدع والملحدين والتحذير منهم.. وجزى الله أهل السنة خيرًا فهم من زمن قديم يتصدون لأهل البدع، حتى فضّل بعضهم الرّدّ على أهل البدع على الجهاد في سبيل الله.. وفي هذا الزمن شاع وذاع أن جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده المصري، ومحمد رشيد رضا، من المجددين وأنّهم علماء الفكر الحر، فقام غير واحد من المعاصرين ببيان ضلالهم وأنّهم مجدّدون للضلال وترهات الإعتزال فعلمت حقيقتهم.. فصارت معرفة ضلالهم كلمة إجماع بين أهل السنة، لكن محمد رشيد رضا لم يوفّ حقه واغترّ بعض الناس ببعض كلماته في الردود على بعض أهل البدع، وما يدري أن عنده من البدع والضلال ما يقاربهم.. لذا رأيت أن أكتب هذه الرسالة الموسومة بـ (ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر وبيان بعد محمد رشيد رضا عن السلفية)([17])


(1) رواه البخاري رقم (5766) في الطب، باب السحر، وباب هل يستخرج السحر، وباب السحر وفي الجهاد باب هل يعفى الذمي إذا سحر، وفي الأدب باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾، ومسلم رقم (2189) في السلام، باب السحر، ورواه أيضاً أحمد والنسائي وابن سعد والحاكم وعبد بن حميد وابن مردويه، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) وغيرهم.

(2)  رواه النسائي (7/113،112) في تحريم الدم، باب سحرة أهل الكتاب.

([1])   رواه الترمذي.

([2])  رواه البخاري.

([3])   رواه الحاكم وصححه والطبراني.

([4])  رواه الطبراني.

([5])  رواه ابن سعد وابن عساكر.

([6])   سيرة ابن هشام: 1/ 662.

([7])   طبقات الحنابلة: 1/233.

([8])   التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ج 1 / ص 423)

([9])   الخطبة لعبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، وهي موجودة على النت.

([10])   مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: (8/144).

([11])   رواه البخاري ومسلم.

([12])   من ذلك قول النووى بعد إيراده لحديث السحر: (وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب أنه يحط من مقام النبوة وشرفها ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع) المنهاج شرح مسلم 7/430، وانظر: تأويل مختلف الحديث ص 164.

([13])   تفسير الرازي مفاتيح الغيب ج32ص172.

([14])   أحكام القرآن: [ 1: 49 ].

([15])   محاسن التأويل (9/ 577).

([16])   مجلة المنار (33/ 33)

([17])   مقدمة الكتاب.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *