رجب.. والتسابق إلى الخيرات

رجب.. والتسابق إلى الخيرات

شهر رجب من الأشهر المحرمة التي ورد في النصوص المقدسة ما يبين فضله وخيريته وكونه من أيام النفحات التي من تعرض لها لن يشقى أبدا..

فهو فرصة عظيمة لأصحاب الذنوب ليتطهروا من ذنوبهم، ويستعيدوا فطرتهم الأصلية، ونقاءهم الطبيعي، أو ـ باللغة المعاصرة ـ يعيدوا لذواتهم ضبطها الافتراضي الصحيح الخالي من كل شائبة.

وهو فرصة ـ كذلك ـ لأصحاب الحاجات ليرفعوا أيديهم لمخازن الرحمة الإلهية التي تفتح في هذا الشهر وما يليه، كما لا تفتح في غيره..

وهو فرصة أيضا لأصحاب الهمم العالية للعروج للحضرة المقدسة لينهلوا منها المعارف والأذواق ما لا يجدون مثله في سائر الأشهر.

وهكذا فإن لهذا الشهر العظيم نفحاته الخاصة، وبركاته المميزة، التي خصه الله بها، والله تعالى يخص ما يشاء بما شاء، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [القصص: 68]

وقد شاء ـ بحسب ما تدل عليه الروايات ـ أن يجعل هذا الشهر المعظم مناسبة من مناسبات فضله العظيم الذي لا يحد ولا يعد.

وبناء على هذا سارت الأمة بمذاهبها وطوائفها تعظم هذا الشهر، وتنتظر نفحاته، وتقوم بتهيئة نفسها لتلقي بركاته ومدده وفضله وخيره.. كل حسب طاقته وحسب الوجهة التي تولاها..

أما الصوفية، والذين يشكلون أكثر الأمة باعتبار أن أكثر أصحاب المذاهب الأربعة تبنوا في السلوك التحققي والتخلقي الطرق الصوفية.. فإن لرجب عندهم مكانة خاصة، ولهذا يشتغلون فيه بأنواع العبادات والأذكار التي يخصونها به دون غيره، بناء على الروايات الي يرفعونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتقدون فيها اعتقادا عظيما، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا إنَّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمّتي. فمن صام يوماً من رجب ايماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر وأسكنَ الفردوس الأعلى)

ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أكرموا رجب يكرمكم الله بألف كرامة يوم القيامة)

ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام)

ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أكثروا من الاستغفار في شهر رجب، فإن الله تعالى في كل ساعة منه عتقاء من النار وإن لله مدائن لا يدخلها إلا من صام رجب)

وهم ينقلون عن شيوخهم أن (رجب خصَّ بالمغفرة من الله تعالى، وشعبان خص بالشفاعة، ورمضان خص بتضعيف الحسنات)

وينقلون عنهم أن (رجب شهر التوبة وشعبان شهر المحبة ورمضان شهر القربة)

وينقلون عنهم أن (رجب ثلاثة حروف، راء وجيم وباء. فالراء رحمة الله، والجيم جول الله، والباء بِرّه)

وينقلون عنهم أن (اسمه رجب المرجم لأن الشياطين ترجم فيه لئلا يؤذوا المؤمنين)

وبناء على هذا راحت الطرق الصوفية تتنافس في إكرام هذا الشهر العظيم، وتأدية حقه، والتعرض لنفحاته وبركاته.

ومن النماذج على ذلك ما يقوم به رجال الطريقة النقشبندية أو بعض فروعها من عبادات وأذكار وآداب يستقبلون بها هذا الشهر، ويعيشون معها في ظلال نفحاته.

ومن تلك الأعمال هذا الدعاء العظيم الذي يستقبلون به هذا الشهر الكريم: (يا ربي، إنني نويت أن أتقدم نحو بحر وحدانيتك إلى مقام الفناء فيك، فلا تردني يا ربي يا الله خائباً حتى توصلني إلى ذاك المقام. يا رب العزة والعظمة والجبروت يا ربي يا الله حيث هذا الشهر هو شهرك، جئتك ضيفاً وناوياً أن أعمل عملاً بدون عوضٍ أو أن يكون فيه طلباً للفضيلة، قاصداً إياكَ، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي. يا ربي كل عمري قد أمضيته في المعاصي والشرك الخفي وإنني أُقر بأنني لم آتِ إلى بابك بعمل مقبولٍ عندك. أنت الله الذي لا يأتي أحدٌ إلى بابك بعمله، بل بفضلك وجودك وكرمك وإحسانكَ. أنت الله الذي لا ترد عبداً جاء إلى بابك فلا تردني يا الله. يا ربي كل أُموري فوضتها إليكَ حياتي ومماتي وبعد مماتي ويوم المحشر. كل أُموري حولتها عندك وفوضت أمري إليك، لا أملك من أمر نفسي شيئاً، لا نفعاً ولا ضراًّ ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. كلُّ أموري وحسابي وسؤالي وجوابي حولته عندك يا ربي يا الله. ناصيتي بيدك، وأنا عاجز عن الجواب ولو بمثقال ذرة. لو كان لك يا ربي بابين، أحدهما مخصص للتائبين من عبادك المؤمنين والآخر للتائبين من عبادك العاصين الكافرين، جئتك يا الله نحو بابك الذي يحتاج أن يدخل منه عبادك العاصين والكافرين وإني أُقر وأعترف أنه يجب أن أجدد إسلامي وإيماني من هذا الباب. وهذا العمل هو أول عمل لي بعد ما شهدت بالإسلام حقاًّ يا ربي وأنت وكيلي يا وكيل حيث نقول، الله على ما نقول وكيل وشهيد)

وبعد أن يقول هذا الدعاء الممتلئ بالرقة والطهارة والتوحيد ينطق المريد بكلمتي الشهادة (3 مرات)، وكأنه يجدد إسلامه من جديد.. ثم يقول: (يا ربي في يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، ماذا كان بيني وبينك من عهود قد قبلتها وتعهدت بها ورضيتُ بها جميعاً. وهذا تجديد للعهود المأخوذة في يوم العهد والميثاق في حضرة الله تعالى).

ويقول: (يا ربي يا الله، كم ظهر مني من ذنوب ومعاصي ظاهراً وباطناً وسراً من عهد إيجاد ذرتي وروحي ودخول روحي إلى جسمي وظهوري من العدم إلى الوجود وظهوري في عالم الدنيا وإلى يومنا هذا، رجعتُ عن الجميع إليك بالتوبة والإستغفار وإنني قد دخلتُ وسلكتُ في رحَماتِ شهركَ هذا المبارك، فلا تردني يا ربي عن بابك ولا تتركني لأحوال نفسي ولو لحظة، وأنا أستغفرك)

وبعد هذه التوبة وتجديد العهد مع الله يبدأ المريد في الكثير من الأعمال التي يشغل بها شهره، كالاستغفار وقراءة القرآن الكريم والكثير من الأدعية والمناجاة التي تزيد في توثيق صلته بربه، وتوثيق علاقته به.

وهكذا فإن للحضرة النبوية حظها العظيم في هذا الشهر لدى مريد الطريقة النقشبندية وغيرها من الطرق الصوفية.. فبالإضافة لكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يردد مريد الطريقة النقشبندية هذه الصلاة الخاصة: (اللهم صل على محمد النبي المختار، عدد من صلى عليه من الأخيار، وعدد من لم يصل عليه من الأشرار، وعدد قطرات الأمطار، وعدد أمواج البحار، وعدد الرمال والغفار، وعدد أوراق الأشجار، وعدد أنفاس المستغفرين بالأسحار، وعدد أكمام الأثمار، وعدد ما كان وما يكون إلى يوم الحشر والقرار، وصل عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصل عليه ما اختلف الملوان وتعاقب العصران وكرر الجديدان واستقبل الفرقدان، وبلغ روحه وأرواح أهل بيته منا تحية وتسليما وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد بعدد كل ذرة ألف ألف مرة، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم)

وهكذا نجد الأوراد المختلفة كهذا الورد العظيم: (اللهم إني أستغفرك من كل ما تبت عنه إليك ثم عدت فيه، وأستغفرك من كل ما أردت به وجهك فخالطني فيه ما ليس فيه رضاؤك، وأستغفرك للنعم التي تقويت بها على معصيتك، وأستغفرك من الذنوب التي لا يعلمها غيرك ولا يطلع عليها أحد سواك ولا تسعها إلا رحمتك ولا تنجي منها إلا مغفرتك وحلمك، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. اللهم إني أستغفرك من كل ظلم ظلمت به عبادك، فأيما عبد من عبادك أو أمة من إمائك ظلمت في بدنه أو عرضه أو ماله فأعطه من خزائنك التي لا تنقص، وأسألك أن تكرمني برحمتك التي وسعت كل شيء ولا تهينني بعذابك، وتعطيني ما أسألك فإني حقيق برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)

ومنها هذا الذكر العظيم: (بسم الله النور، نور على نور، والحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، وأنزل التوراة على جبل الطور في كتاب مسطور، والحمد لله الذي هو بالغنى مذكور، وبالعز والجلال مشهور، والحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، كهيعص حمعسق، إياك نعبد وإياك نستعين، يا حي يا قيوم، الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز، يا كافي كل شيء اكفني واصرف عني كل شيء، إنك قادر على كل شيء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، اللهم يا كثير النوال ويا دائم الوصال ويا حسن الفعال ويا رازق العباد على كل حال أسألك وأستغفرك من كل الشك في إيماني بك ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم إن دخل الشك والكفر في توحيدي إياك ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم إن دخلت الشبهة في معرفتي إياك ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم إن دخل العجب والرياء والسمعة في علمي ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم إن جرى الكذب على لساني ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم إن دخل النفاق في قلبي من الذنوب الصغائر والكبائر ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم ما أسديت إلي من خير ولم أشكرك ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم ما قدرت إلي من أمر ولم أرضه ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم ما أنعمت علي من نعمة فعصيتك وغفلت عن شكرك ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. اللهم ما مننت به علي من خير فلم أحمدك عليه ولم أعلم به، تبت عنه وأقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..) إلى آخر الدعاء والمناجاة.

ولا يمكننا إحصاء ما يقوم به مريدو هذه الطريقة من أعمال في هذا الشهر العظيم.. وهكذا نجد لكل طريقة أسلوبها الخاص في إحياء هذا الشهر العظيم وإكرامه والتعرض لنفحاته..

ومثلهم نجد الشيعة الإمامية الاثناعشرية يروون الروايات الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أهل بيت النبوة في إحياء هذا الشهر العظيم وإكرامه والتعرض لنفحاته..

ومن ذلك ما يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: (إنّ رجب شهر الله العظيم لايقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً.. ألا إنّ رجب شهر اللهُ، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. ألا فمن صام من رجب يوما استوجب رضوان الله الأكبر، وابتعد عنه غضب الله وأُغلق عنه باب من أبواب النار)([1])

ويروون عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (رجب شهر الاستغفار لاُمَّتي، فأكثروا فيه الاستغفار فإنه غفور رحيم. ويسمى رجب الاصبّ لانّ الرحمة على أُمّتي تصبُّ فيه صَبّا، فاستكثروا من قول: أَسْتَغْفِرُ الله وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَةَ)([2])

ويروون عن موسى الكاظم قوله: (من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسير سنة ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة)([3])، وقوله: (رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، من صام يوما من رجب سقاه الله عز وجل من ذلك النهر)([4])

ويروون عن عن سالم قال: دخلت على الصادق عليه‌السلام في أواخر شهر رجب، وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إلى قال لي: يا سالم، هل صمت في هذا الشهر شَيْئاً؟ قلت: لا والله يا بن رسول الله، فقال لي: فقد فاتك من الثواب مالم يعلم مبلغه إِلاّ الله عز وجل. إن هذا شهر قد فضّله الله وعظّم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فإن صمت مما بقي منه شَيْئاً هل أنا أفوز ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم، مَنْ صام يوماً من آخر هذا الشهر كان ذلك أمانا من شدة سكرات الموت، وأمانا له من هول المطلع وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر الشهر كان له بذلك جوازاً على الصّراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمن من يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأعطي براءة من النار)([5])

وهكذا نرى الروايات الكثيرة تبين فضل هذا الشهر، وتفصل أبواب الخير التي يؤديها المؤمن الموالي لآل بيت النبوة فيه..

وهي أعمال كثيرة جدا.. لكن أهمها ـ في رأيي المتواضع ـ هو تلك الأدعية العظيمة الممتلئة بالتوحيد والإخلاص والتوجه الصادق لله.. ولست أدري كيف عمي التكفيريون عنها، فراحوا ـ بدل أن يتنافسوا في ترديدها معهم ـ يكفرون من يلهجون بها موحدين مذعنين مسلمين.

وسأقتصر هنا على بعض النماذج التي ذكرها الشيخ عباس القمي في كتابه العظيم [مفاتيح الجنان] وهي موجودة على النت بأصوات جميلة مؤثرة.. وأسوقها هنا لصنفين من الناس: أولهما أولئك التكفيريون الذين اتهموا الأمة جميعا بالشرك من غير تحقيق ولا تدقيق ولا ورع.. وثانيهما أولئك الصادقون من المؤمنين الذين يتسابقون إلى الخيرات، ولا يهمهم من أي جهة صدرت، ولا من أي باب فتحت.. فهم ـ كما يقول الغزالي ـ يأكلون البقلة، ولا يسألون عن البقال، ويأخذون الحكمة من أي وعاء خرجت.

فمن تلك الأدعية والأذكار هذا الذكر الذي ذكر الشيخ القمي ـ بناء على بعض الروايات ـ أنّ من لم يقدر على الصوم في رجب يذكره ـ كبديل له ـ في كل يوم مائة مرة لينال أجر الصيام فيه، وهو (سبحان الاله الجليل سبحان من لاينبغي التسبيح إلا له سبحان الاعز الاكرم سبحان من لبس العز وهو له أهل(2)([6]

ومنها أن يدعو في كل يوم من رجب بهذا الدعاء الذي روي أن الإمام زين العابدين دعا به في الحجر في غرة رجب: (يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ضمير الصامتين لكل مسألة منك سمع حاضر وجواب عتيد، اللهم ومواعيدك الصادقة وأياديك الفاضلة ورحمتك الواسعة، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي حوائجي للدنيا والآخرة إنك على كل شي قدير)([7]

ومنها أن يدعو بهذا الدعاء الذي كان يدعو به الإمام جعفر الصادق في كل يوم من رجب: (خاب الوافدون على غيرك وخسر المتعرضون إلا لك وضاع الملمون إلا بك وأجدب المنتجعون إلا من انتجع فضلك، بابك مفتوح للراغبين وخيرك مبذول للطالبين وفضلك مباح للسائلين ونيلك متاح للاملين ورزقك مبسوط لمن عصاك وحلمك معترض لمن ناواك، عادتك الاحسان إلى المسيئين وسبيلك الإبقاء على المعتدين. اللهم فاهدني هدى المهتدين وارزقني اجتهاد المجتهدين ولا تجعلني من الغافلين المبعدين واغفر لي يوم الدين)([8]

ومنها ما روي عنه كذلك من قوله: (اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك وعمل الخائفين منك ويقين العابدين لك، اللهم أنت العلي العظيم وأنا عبدك البائس الفقير أنت الغني الحميد وأنا العبد الذليل، اللهم صل على محمد وآله وامنن بغناك على فقري وبحلمك على جهلي وبقوتك على ضعفي يا قوي يا عزيز، اللهم صل على محمد وآله الأوصياء المرضيين واكفني ما أهمني من أمر الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين)([9]

ومنها هذا الدعاء الذي يذكرون أنه يستحب أن يدعو به المؤمن كل يوم: (اللهم يا ذا المنن السابغة والآلاء الوازعة والرحمة الواسعة والقدرة الجامعة والنعم الجسيمة والمواهب العظيمة والايادي الجميلة والعطايا الجزيلة، يا من لا ينعت بتمثيل ولا يمثل بنظير ولا يغلب بظهير، يا من خلق فرزق وألهم فأنطق وابتدع فشرع وعلا فارتفع وقدر فأحسن وصور فأتقن واحتج فأبلغ وأنعم فأسبغ وأعطى فأجزل ومنح فأفضل، يا من سما في العز ففات نواظر الابصار ودنا في اللطف فجاز هواجس الافكار يا من توحد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه وتفرد بالآلاء والكبرياء فلا ضد له في جبروت شأنه، يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الاوهام وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الانام، يا من عنت الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لعظمته ووجلت القلوب من خيفته ؛ أسألك بهذه المدحة التي لا تنبغي إلا لك وبما وأيت به على نفسك لداعيك من المؤمنين وبما ضمنت الاجابة فيه على نفسك للداعين، يا أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأسرع الحاسبين، يا ذا القوة المتين صل على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته، واقسم لي في شهرنا هذا خير ما قسمت واحتم لي في قضائك خير ما حتمت واختم لي بالسعادة فيمن ختمت، وأحيني ما أحييتني موفورا وأمتني مسرورا ومغفورا، وتول أنت نجاتي من مسألة البرزخ وادرأ عني منكرا ونكيرا وأرعيني مبشرا وبشيرا، واجعل لي إلى رضوانك وجنانك مصيرا وعيشا قريرا وملكا كبيرا وصل على محمد وآله كثيرا)([10])

وغيرها من الأدعية الكثيرة.. بالإضافة للكم الكبير من الأذكار.. ومنها أن يستغفر في هذا الشهر ألف مرة قائلا: (أستغفر الله ذا الجلال والاكرام من جميع الذنوب والآثام)([11]

ومنها قراءة (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ) عشرة آلاف مرة أو ألف مرة أو مائة مرة بحسب الطاقة([12])

وغير ذلك من الأعمال الكثيرة التي لا يمكن إحصاؤها هنا.. والتي تبين أن الشيعة مثلهم مثل الصوفية يهتمون بإكرام هذا الشهر، ويتعرضون لنفحاته..

بل إننا نجد الكثير من الأعمال المشتركة.. بل الأدعية المشتركة التي تجعل الأمة جميعا أمة واحدة في توجهها إلى الله وتعرضها لنفحاته.

وفي وسط هذا الكم من الصادقين والمخلصين والمتسابقين لرضوان الله، نجد أولئك المشاغبين الذين لا هم لهم إلا التكفير والتبديع والتضليل..

فإن هؤلاء وحدهم، ولكسلهم عن أداء الأوراد، ولكبرهم وغرورهم وتصورهم أن الحق حكر لهم، وأن السنة لهم وحدهم دون غيرهم.. راحوا يبدعون هؤلاء جميعا ويضللونهم، ويتصورون أن كل تلك الأذكار والدعوات والصلوات في النار، لأنها بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ومن العجب أن يصبح الاستغفار والتهليل والتكبير والمناجاة وتعظيم الأشهر الحرم بدعة وضلالة.. بينما يصبح الصد عن سبيل الله وعن ذكره وعن التنافس في ذلك سنة وهداية.

وهم يوردون لهذا قول ابن حجر: (لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره)([13])

وهذا وأمثاله من الحجب التي تحول بينهم وبين التنافس في الخيرات.. ولو أنهم أعملوا عقولهم، وعلموا أن هذا الشهر من الأشهر المحرمة التي اتفقت الأمة جميعا على فضلها، وفضل العمل الصالح فيها، لاكتفوا بذلك.. ولتركوا لكل فصيل من فصائل الأمة الحق في أن يمارس ما يراه مناسبا من إكرام هذا الشهر والتقرب إلى الله فيه.

ولو أنهم تواضعوا أكثر لقبلوا تلك الروايات الكثيرة التي يرويها الشيعة والصوفية في فضل هذا الشهر، وفضل الأعمال الصالحة فيه.. لكنهم يطبقون على كذب الصوفية وكذب الشيعة في نفس الوقت الذي يقبلون فيه كل الهرطقات والخرافات التي يرويها كعب الأحبار ووهب بن منبه ومن تتلمذ عليهم من سلفهم الصالح.


([1]) رواه المجلسي في زاد المعاد : 5.

([2]) زاد المعاد : 5.

([3]) زاد المعاد : 5.

([4]) رواه الطوسي في التهذيب 4 / 306 ح 924.

([5]) زاد المعاد : 5.

([6]) زاد المعاد : 8.

([7]) زاد المعاد : 8.

([8]) زاد المعاد : 8..

([9]) مصباح المتهجّد : 802..

([10]) مصباح المتهجّد : 802.

([11]) المراقبات : لميرزا جواد ملكي في اعمال رجب ، 101..

([12]) الاقبال 3 / 217.

([13]) تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب ، لابن حجر ، ص6 ، وانظر: السنن والمبتدعات للشقيري ، ص125.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *