حشو .. لا تحقيق

من الأوصاف الأساسية للسلفية، والتي يمكن اعتبارها ركنا للعقل السلفي [الحشو]، وهو يعني الجمع من دون تمحيص ولا تحقيق ولا غربلة.. وقد اكتسب السلفية بفعل إدمانهم على الحشو لقب الحشوية، والذي لقبهم به الكثير من العلماء المتقدمين، وخاصة المتكلمين منهم.
ولتقريب هذا المعنى لواقعنا المعاصر، فإننا نشبههم في هذا بما يمارس في عالم الصحافة من سعي كل صحيفة أو قناة إخبارية للحصول على جمع أكبر قدر من المعلومات المرتبطة بالحادثة التي يريدون الحديث عنها من دون التحقق منها، أو التحقيق فيها، لأن الهدف هو الوصول إلى الخبر، وإمتاع فضول السامع به، ولا بأس ـ إن كان كاذبا ـ أن يصدر تكذيبه بعد ذلك.
وهكذا فعل سلف السلفية من المحدثين الذين راحوا يمارسون ما يمارسه الصحفيون من التنقل في البلدان، وتلقف كل حديث يردد، ثم تسجيله بإسناده، ونشره بين عامة الناس وخاصتهم.
بل إنهم ـ من أجل الحصول على السبق في الرواية ـ وقعوا فيما وقع فيه الصحفيون من التنافس الحاد، والبحث عن الغرائب، وجمع المتفرقات ليشكلوا منها موقفا أو صورة معينة.
وقد جعلهم ذلك كله كحاطب ليل يجمعون الصادق والكاذب من الأخبار، ويجمعون بين الطيب والخبيث من الأسانيد، ولا يبالون بأن يسجلوا كل ذلك، ثم يطرحوه ككتب ومصنفات لتفعل فعلها في الأمة.
ولهذا، ولأجل ذلك التنافس الشديد، لم يكن لهم وقت يسمح لهم بالتحقيق أو دراسة ما جمعوه لأن التنافس كان حادا بين الرواة والمحدثين، وكل منهم يريد أن يسبق الآخر.
فقد كانوا يتألمون ألما شديدا إن وجدوا من سبقهم برواية من الروايات، ويفخرون إن ظفر أحدهم برواية لم يسبق إليها.
وقد ذكر الشيخ المعلمي ـ وهو من علماء السلفية المعتبرين ـ هذه الخصلة مشيدا بها، فقال: (وكان من عادة المحدِّثين التباهي بالإغراب؛ يَحرِص كلٌّ منهم على أن يكون عنده من الروايات ما ليس عند الآخرين؛ لتظهر مزيَّته عليهم، وكانوا يتعنَّون شديدًا لتحصيل الغرائب، ويَحرِصُون على التفرد بها.. وكانوا إذا اجتمعوا تذاكروا، فيَحرِص كل واحدٍ منهم على أن يَذكُر شيئًا يُغرِبُ به على أصحابه؛ بأن يكون عنده دونهم، فإذا ظفر بذلك؛ افتخر به عليهم، واشتدَّ سروره وإعجابه وانكسارهم)([1])
ومن الأمثلة التي يوردها السلفية عن سلفهم مفتخرين بها، ما رووه عن أبي مسعود أحمد بن الفرات، قال: (كنا نتذاكر الأبواب، فخاضوا في باب، فجاؤوا فيه بخمسة أحاديث، فجئتهم آنا بآخر، فصار سادسًا، فنخس أحمد بن حنبل في صدري -يعني: لإعجابه به-)([2])
ورووا عن أحمد بن عمير بن جوصا قال: (كنا ببغداد، فرأيت أصحاب الحديث يتذاكرون بحديث أيوب السختياني وأشباهه، فأطلعت لهم رأسي، فقلت لهم: أيش أسند جنادة عن عبادة؟ فسكتوا، ثم قلت لهم: أيش أسند عمرو بن عمرو بن عبدة الأحموسي؟ فلم يجيبوا بشيء)([3])، يريد أنهم كانوا يتذاكرون في أحاديث العراقيين، فأغرب عليهم بأحاديث الشاميين، فلم يعرفوا منها شيئًا..
ويروون عن بعضهم، وهو شعبة بن الحجاج حزنه الشديد، لأنه وجد من الأحاديث عند بعضهم ما لم يكن لديه، قال: (ذاكرت قيس بن الربيع حديثَ أبي حصين، فلوددتُ أن البيت وقع عليَّ وعليه حتى نموت؛ من كثرة ما كان يُغرب عليَّ!)([4])
ويروون عن أبي حاتم الرازي قوله مفتخرا: (قلتُ على باب أبي الوليد الطيالسي: مَن أغرب عليَّ حديثًا غريبًا مسندًا صحيحًا لم أسمع به؛ فله عليَّ درهمٌ يتصدق به. وقد حضر على باب أبي الوليد خلقٌ من الخلق؛ أبو زرعة فمن دونه.. فما تهيَّأ لأحدٍ منهم أن يُغرب عليَّ حديثًا)([5])
وقد كان هذا التنافس الشديد فتنة للمحدثين جلعهم يقبلون أي شيء، ومن أي أحد حتى يشحنوا كتبهم بأكبر عدد من الروايات، قال أحمد بن محمد بن ياسين: سمعت أحمد بن منيع (ابن عبد الرحمن البغوي) يقول: سمعت جدي يقول: مر أحمد بن حنبل جائياً من الكوفة، وبيده خريطة فيها كتب، فأخذت بيده فقلت: مرة إلى الكـوفة! ومرة إلى البصرة! إذا كتب الرجل ثلاثين ألف حديث لم يكفه؟ فسكت، ثم قلت: ستين ألفاً؟ فسكت، فقلت: مائة ألف؟ فقال: حينئذ يعرف شيئاً. قال أحمد بن منيع: فنظرنا فإذا أحمد كتب ثلاثمائة ألف ([6]).
وكان ذلك التنافس أيضا سببا في ذلك السباق المحموم الذي كان يجري بينهم، بل كان يختلط بحياتهم.. لأن المقصر في هذا السباق لن تصير له الحظوة بين المحدثين.
ولهذا اعتبروا من علامات المحدث الناجح سرعة مشيه ليتمكن من الطواف على الشيوخ في وقت قصير، وسرعة كتابته وقراءته لاختصار الوقت وحفظه لأعمال أخرى.. وهذا كله لأجل زيادة التزود من العلم والشيوخ، بأقل مدة من الزمن والعمر.
وقد حكى ابن رجب عن المحدث إبي إسماعيل الهروي الأنصاري الحنبلي (المتوفى سنة 481) ـ والذي يمدح ابن تيمية سلفيته العقدية كثيرا في كتبه ـ قوله: (المحدث يجب أن يكون سريع المشي، سريع الكتابة، سريع القراءة)([7])
وقد علق عليه بعض المحدثين بقوله: (وكنت زدت عليها وصفا رابعا، وهو: أن يكون سريع الأكل، لأنه إذا لم يكن كذلك، وكان بطيء الطعام طويل الغرام به! فاته الوقت الذي جمعه بسرعة القراءة والكتابة والمشي، بطول وقت دخول الطعام وخروجه! ولم يحسن التصرف في وقته، ولا عرف كيف يستفيد من امتثال النصيحة على وجهها)([8])
ويذكرون عن يحيى بن البناء قوله: (كان الحميدي، من اجتهاده في العلم، ينسخ ويكتب العلم بالليل في شدة الحر، فكان يجلس في طست فيه ماء فيتبرد به ثم يشرع في الكتابة والنسخ)([9])
ويذكر ابن تيمية عن جده مجد الدين أبي البركات الحراني الحنبلي، (المتوفى 653)، أنه كان (إذا دخل الخلاء يقول له: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتى أسمع)([10])
ومما جاء في ترجمة شمس الدين أبي الثناء الأصبهاني (المتوفى 749) أنه (اشتغل في بلاده، ومهر وتقدم في الفنون.. فبهرت أهلها فضائله، وسمع كلامه الشيخ تقي الدين ابن تيمية، فبالغ في تعظيمه، قال مرة: اسكتوا حتى نسمع كلام هذا الفاضل الذي ما دخل البلاد مثله. ثم انتقل إلى القاهرة، وفيها توفى.. ومما يحكى عنه من حرصه على العلم وشحه أوقاته، أن بعض أصحابه كان يذكر أنه كان يمتنع كثيرا من الأكل، لئلا يحتاج إلى الشرب، فيحتاج إلى دخول الخلاء، فيضيع عليه الزمان)([11])
وهذا كله جعلهم لا يجدون الوقت الكافي للتحقيق والغربلة والتصفية.. لأنهم في سباق محموم، ولا يمكن أن يجد المسابق الفترة الكافية للنظر والتحقيق، بالإضافة إلى أنهم لو فعلوا ذلك، فستضيع الكثير من الروايات التي جمعوها، وأتعبوا أنفسهم فيها، وبذلك تقل الرغبة فيهم.. لأن من شروط المحدث الحافظ ـ كما سنرى ـ أن يصل إلى حفظ مئات الآلاف من الأحاديث.
وكمثال على ذلك أن ابن جرير الطبري كان يعلم بعدم أهلية سيف بن عمر([12]) للرواية، ولكن مع ذلك روى له.. لأنه لو أزال من كتابه تلك الروايات فسينقص عدد صفحات كتابه، وسينقص معها تقدير المحدثين له.
فقد كان للكم دوره الكبير في العقل السلفي، وقد حكى الخطيب هذه الرواية التي يهتم بها السلفية عند ذكرهم لهمم السلف، فقد رووا عن الطبري أنه قَالَ لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن. قالوا: كم يكون قدره؟ فقال ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قَالَ: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فذكر نحوا مما ذكره في التفسير فأجابوه بمثل ذلك.. فقال: إنا لله، ماتت الهمم ([13]).
ومن هذا الباب نراهم يشيدون بأئمتهم أصحاب التصانيف الكثيرة، والتي كتبوها بسرعة فائقة، فقد ذكروا أن ابن تيمية ألف كتابه في العقيدة التجسيمية المسمى (العقيدة الواسطية)، والذي لقي اهتماما كبيرا من السلفية، وشرح شروحا كثيرةـ في جَلسة بين الظهر والعصر، ومثله (الفتوى الحموية)، وهو مجلد ضخم، ألفه ـ كما ذكر ـ في جلسة بعد العصر، بعد أن جاءه استفتاء من أهل حماة، يسألونه عما يقول العلماء في آيات الصفات وأحاديث الصفات،
يقول ابن عبد الهادي الحنبلي (المتوفى: 744هـ)، وهو يذكر مناقبة في السرعة في التأليف: (وله الحموية الكبرى والحموية الصغرى فأما الحموية الكبرى فأملاها بين الظهر والعصر وهي جواب عن سؤال ورد من حماة سنة ثمان وتسعين وستمائة وجرى بسبب تأليفها أمور ومحن وتكلم الشيخ فيها على آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك)([14])
ويقول: (لو أراد الشيخ تقي الدين رحمه الله أو غيره حصرها يعني مؤلفات الشيخ لما قدروا لأنه ما زال يكتب وقد من الله عليه بسرعة الكتابة ويكتب من حفظه من غير نقل، وأخبرني غير واحد انه كتب مجلدا لطيفا في يوم وكتب غير مرة أربعين ورقة في جلسة وأكثر وأحصيت ما كتبه وبيضه في يوم فكان ثمان كراريس في مسألة من أشكل المسائل وكان يكتب على السؤال الواحد مجلدا)([15])
ويقول: (وأما جواب يكتب فيه خمسين ورقة وستين وأربعين وعشرين فكثير.. وكان يكتب الجواب فإن حضر من يبيضه وإلا أخذ السائل خطه وذهب.. ويكتب قواعد كثيرة في فنون من العلم في الأصول والفروع والتفسير وغير ذلك فإن وجد من نقله من خطه وإلا لم يشتهر ولم يعرف وربما أخذه بعض أصحابه فلا يقدر على نقله ولا يرده إليه فيذهب.. وكان كثيرا ما يقول قد كتبت في كذا وفي كذا.. ويسئل عن الشيء فيقول قد كتبت في هذا فلا يدري أين هو فيلتفت إلى اصحابه ويقول ردوا خطي وأظهروه لينقل فمن حرصهم عليه لا يردونه ومن عجزهم لا ينقلونه فيذهب ولا يعرف اسمه.. فلهذه الأسباب وغبرها تعذر إحصاء ما كتبه وما صنفه)([16])
وجاء في ترجمته عند ابن شاكر الكتبي في (فوات الوفيات): (إن تصانيفه تبلغ ثلاث مئة مجلد، قال الذهبي: وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمس مئة مجلد)([17])
وقال ابن رجب: (وأما تصانيفه فقد امتلأت بها الأمصار، وجاوزت حد الكثرة، فلا يمكن لأحد حصرها)([18])
قد يقال هنا بأن ذلك كله دليل الصدق والإخلاص، وأنه لولا جهود هؤلاء لضاعت السنة، وضاع معها الإسلام.
ونحن لا ننكر أن يكون في المحدثين صادقين ومخلصين.. ولكنا لا نستطيع كذلك أن نستبعد الكثير من الأسباب النفسية والاجتماعية التي كان لها دور كبير في دعم الإخلاص وتوجيهه لهذه الوجهة دون غيرها.
فمن تلك الأسباب التي يمكن اعتبارها نفسية أو اجتماعية ذلك القبول الذي يلقاه المحدثون ـ أو الذين يجمعون أكبر قدر من الروايات ـ بين الناس، مقارنة بغيرهم ممن يهتمون بالعلوم الأخرى كعلم الكلام أو التصوف أو الفلسفة أو غيرها.
ولهذا نرى السلفية ـ قديما وحديثا ـ يرددون مقولة الإمام أحمد: (قولوا لأهل البدع، بيننا وبينكم يوم الجنائز)([19])
والتي علق عليها ابن كثير بقوله: (وقد صدق الله قول أحمد في هذا، فإنه كان إمام السنة في زمانه. وعيون مخالفيه أحمد بن أبي دواد وهو قاضي قضاة الدنيا لم يحتفل أحد بموته، ولم يلتفت إليه. ولما مات، ماشيعه إلاٌ قليل من أعوان السٌلطان، وكذلك الحارث ابن أسد المحاسبي، مع زهده وورعه وتنقيره ومحاسبته نفسه في خطراته وحركاته، لم يصل عليه إلاٌ ثلاثة أو أربعة من الناس، وكذلك بشر بن غياث المريسي، لم يصل عليه إلا طائفة يسيرة جداً.فللٌه الأمر من قبل ومن بعد)([20])
ومما يمكن اعتباره من الأسباب ذلك القبول الذي يلقاه المحدثون لدى السلطات المحلية أو غير المحلية، فبقدر جمع المحدث لأكبر قدر من الروايات تكون شهرته، وبقدر شهرته تكون علاقته بالسلطة.
وللمحدثين في ذلك أسوة بالسابقين منهم ككعب الأحبار وأبي هريرة وغيرهم من الذين كانوا مقربين جدا من معاوية ومروان وغيرهما من الحكام.
وهكذا نرى ابن خزيمة يحدث عن مجلس لأمير من الأمراء حضره، قال يذكر ذكرياته عنه: (لما دخلت بخارى، ففي أول مجلسٍ حضرتُ مجلس الأمير إسماعيل بن أحمد، في جماعةٍ من أهل العلم، فذُكِرَت بحضرته أحاديث، فقال الأمير: حدثنا أبي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله k: (أمتي أمة مرحومة…) الحديث، فقلت: أيَّد الله الأمير، ما حَدَّث بهذا الحديث أنس، ولا حميد، ولا يزيد بن هارون. فسكت، وقال: وكيف؟، قلت: هذا حديث أبي موسى الأشعري، ومداره عليه. فلما قمنا من المجلس قال لي أبو علي صالح بن محمد البغدادي: يا أبا بكر، جزاك الله خيرًا؛ فإنه قد ذكر لنا هذا الإسنادَ غير مرة، ولم يجسر واحدٌ منا أن يردَّه عليه)([21])
وخطورة هذه الرواية هي في سكوت المحدثين أمام الأمير وعدم إنكارهم عليه، وهو شيء شائع وكثير، ولذلك يعتبره المحدثون من أسباب الوضع في الحديث كما يروون عن مثل قصة غياث بن إبراهيم النَّخَعي الكوفي مع أمير المؤمنين المهدي، حين دخل عليه وهو يلعب بالحَمَام، فساق بسنده إلى النبي k أنه قال: (لا سَبَق إلا في نَصْل أو خُفٍ أو حافر أو جَنَاح)، فزاد كلمة [أو جَنَاح] لأجل المهدي، فعرف المهدي ذلك، فأمر بذبح الحَمَام، وقال: أنا حملته على ذلك([22]).
وهذا يدل على أنه كان للمحدثين مكانة كبيرة عند الحكام، خاصة وأنهم جميعا متفقون على احترام السلطان، وعدم جواز انتقاده، ولهذا نرى الناس يستشفعون بالمحدثين لقضاء مصالحهم.. أما من يخالفهم فليس له من الجزاء إلا الشكاية به عند السلطان.
وقد رووا في ذلك عن أبي علي البلخي قوله: دخلت على أحمد ابن حنبل، فجاءه رسول الخليفة يسأله عن الاستعانة بأهل الأهواء ـ ويقصدون بهم كل المخالفين لهم ـ فقال أحمد: لا يستعان بهم، فقال: يستعان باليهود والنصارى ولا يستعان بهم، فقال: إن النصارى واليهود لا يدعون إلى أديانهم، وأصحاب الأهواء داعية([23]).
وروى البيهقي في [مناقب أحمد] عن محمد بن أحمد بن منصور المروذي أنه استأذن على أحمد بن حنبل، فأذن له، فجاء أربعة رسل المتوكل يسألونه فقالوا: الجهمية يستعان بهم على أمور السلطان قليلها وكثيرها أولى أم اليهود والنصارى؟ ففقال أحمد:(أما الجهمية فلا يستعان بهم على أمور السلطان قليلها وكثيرها، وأما اليهود والنصارى فلا بأس أن يستعان بهم في بعض الأمور التي لا يسلطون فيها على المسلمين حتى لا يكونوا تحت أيديهم، قد استعان بهم السلف)، قال محمد بن أحمد المروذي: أيستعان باليهود والنصارى وهما مشركان، ولا يستعان بالجهمي؟ قال: (يا بني يغتر بهم المسلمون وأولئك لا يغتر بهم المسلمون) ([24])
وإرسال المتوكل كل هؤلاء الرسل إلى الإمام أحمد يدل على المكانة الكبيرة التي يحظى بها المحدثون، وهي التي رغبت المجتمع بعد ذلك في أن يمارس هذه المهنة، فهي مع كونها شاقة إلا أن أرباحها مضمونة.
وهكذا نجد من الوثائق والأدلة ما يدل على أن الملوك والأمراء كانوا يشجعون الرعية على هذا النوع من العلم، فقد روي عن محمد بن سهل بن عسكر قال: (تقدم رجلٌ غريبٌ بيده محبرةٌ إلى المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع به، فقال: ما تحفظ في باب كذا وكذا؟ فلم يذكر شيئاً، فقال: حدثنا هشيم، وحدثنا يحيى، وحدثنا حجاج بن محمد… حتى ذكر الباب، ثم سأله عن باب آخر فلم يذكر شيئاً، فقال: حدثنا فلانٌ، وحدثنا فلانٌ، ثم قال لأصحابه: يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث، أعطوه ثلاثة دراهم)([25])
ومما يمكن اعتباره من الأسباب ذلك الإقبال الشعبي على المحدث، وخاصة بعد عودته من رحلته الطويلة، حيث يجلس بين يديه مئات التلاميذ أو آلافهم، ليروي لهم كان قد حصله في رحلته الطويلة.
وقد ذكر الحافظ العراقي (المتوفى 806 هـ)، تلك المجالس، فقال في مقدمة كتابه (الأربعين العشارية): (كان اتصال هذه الشريعة المطهرة بالأسانيد مما خصَّ الله به هذه الأمة بفضله، ولقد كانت مجالس الحديث غامرةً بأهله، حتى وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله، فانقطعت مجالس الإملاء لتقاعد الهمم عنها، ورغبة الطالبين عن عقد ذلك وحله..)
وقد ورد في ترجمة أبي مروان عبدالملك بن زيادة الله التميمي الطبْني (توفي في 457 هـ)، وكان من أهل (قُرطبة)، أنه كانت له رحلتان إلى المشرق كتب فيهما عن جماعة من أهل العلم، ثم لَمَّا رجع إلى قرطبة أملى فاجتمع إليه في مجلس الإملاء خَلْقٌ كثير، فلما رأى كثرتهم أنشد:
إني إذا احتوشتني ألف محبرة يكتبن حدثني طورا وأخبرني
نادت بعقوتي الأقلام معلنة هذي المفاخر لا قعبان من لبن
لكن المسكين قتل بعد ذلك في داره، ولسنا ندري هل كان لتلك المحابر دور في ذلك أم لا ([26]).
وورد في ترجمة أبي مسلم الكجي، البصري، الحافظ المسند (توفي 292 هـ) عن أحمد بن جعفر، قال: لَمَّا قدم علينا أبو مسلم الكجي أملى الحديث في رحبة (غسان)، وكان في مجلسه سبعة مستملين يبلغ كل واحدٍ منهم صاحبه الذي يليه، وكتب الناس عنه قيامًا بأيديهم المحابر، ثم مسحت الرحبة، وحسب من حضر بمحبرة فبلغ ذلك نيَّفًا وأربعين ألف محبرة سوى النظارة، قال ابن سلم: وبلغني أن أبا مسلم كان نذر أن يتصدَّق – إذا حدَّث – بعشرة آلاف درهم، قال الذهبي: (هذه حكاية ثابتة رواها الخطيب في تاريخه)([27])
وورد في ترجمة الحسن بن عيسى بن ماسرجس (توفي 240 هـ) وكان قبل إسلامه من رؤساء النصارى، أنه (رحل في طلب العلم ولقي المشايخ.. وعُدَّ في مجلسه بباب الطاق اثنا عشر ألف محبرة)([28])
ولسنا ندري ما الذي كان يميله هذا النصراني الذي أسلم، وهل كان يشبه ما كان يرويه كعب الأحبار ووهب بن المنبه أم كان يختلف عنهما؟
وهكذا نجد في ترجمة الفريابي، الذي تحدثنا عن كتابه القدر في كتاب [السلفية والوثنية المقدسة]، أنه كان في مجلسه من أصحاب المحابر من يكتب حدود عشرة آلاف إنسان، قال أبو أحمد بن عدي: (كنا نشهد مجلس جعفر الفريابي، وفيه عشرة آلاف أو أكثر، وكان الواحد يحتاج أن يبيت في المجلس؛ ليجد مع الغد موضعًا)([29])
ومما يمكن اعتباره من الأسباب ما عبر عنه الوزير ابن العميد بقوله: (ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوةً أَلَذّ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها؛ حتى شاهدتُ مذاكرةَ سليمان بن أحمد الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد، حتى ارتفعت أصواتها، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: (عندي حديثٌ ليس في الدنيا إلا عندي!)، فقال: هاته، فقال: حدثنا أبو خليفة، حدثنا سليمان بن أيوب…، وحدث بالحديث، فقال الطبراني: أنبأنا سليمان بن أيوب، ومني سمع أبو خليفة، فاسمع مني حتى يَعلُوَ إسنادُك؛ فإنك تروي عن أبي خليفة عني!)، فخجل الجعابي، وغلبه الطبراني، قال ابن العميد: (فوددت في مكاني أن الوزارة والرئاسة ليتها لم تكن لي، وكنت الطبراني، وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث)([30])
ولأجل هذه الأسباب جميعا كان المحدثون يصابون بالاكتئاب والإحباط وغيرها من الأمراض النفسية بسبب ما يسبقه به غيرهم من الحديث، ومما يروى في ذلك عن شعبة قوله: (إني لأُذاكر بالحديث يفوتني؛ فأمرض)([31])
وقال مظفر بن مدرك: (ذكروا لشعبة حديثًا لم يسمعه، فجعل يقول: واحزناه)([32])
وقال أحمد بن سلمة: (عُقِد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلسٌ للمذاكرة، فذُكر له حديثٌ لم يعرفه، فانصرف إلى منزله، وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: “لا يدخلن أحدٌ منكم هذا البيت”، فقيل له: أُهديت لنا سلةٌ فيها تمر. فقال: “قدِّموها إليَّ”، فقدَّموها إليه، فكان يطلب الحديث، ويأخذ تمرة تمرة، يمضغها، فأصبح وقد فَنِيَ التمر، ووجد الحديث). قال الحاكم: (زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مات)([33])
وكل تلك الأسباب النفسية أدت الى ظهور الوضع لأجل حشو أكبر قدر من الحديث، وعدم الظهور بمظهر الضعف أمام المنافس، يقول الحافظ صالح بن محمد الأسدي: (قال لي أبو زرعة الرازي ببغداد: أريد أن أجتمع مع سليمان الشاذكوني، فأناظره، فذهبت به إليه، فلما دخل عليه؛ قلت له: هذا أبو زرعة الرازي؛ أراد مذاكرتك. فتذاكرا حديث أستار الكعبة وما قطع منها، فكان الشاذكوني يضع الأسانيد في الوقت، ويذاكره بها، فتحيَّر أبو زرعة، وسكت، فلما قمنا من عنده قال لي أبو زرعة: اغتممتُ والله مما فعل هذا الشيخ!، فقلت له: هذه الأحاديث وَضَعَها الساعةَ، ولو ذاكرته بشيءٍ آخر لوضع مثلها)([34])
هذا ما يذكره السلفية عن سلفهم من المحدثين، ولم نزد على ما قالوا حرفا واحدا، وكل ما فعلناه هو مجرد وصف ونقل من الروايات التي يوردونها في كتبهم المعتبرة.
انطلاقا من هذا سنحاول هنا أن نبين آثار ذلك الاهتمام بالجمع والرواية والحشو على الأمة الإسلامية، ودينها الذي سلمته لهم.
وقد رأينا من خلال الاستقراء أن هناك انحرافين كبيرين نتجا عن ذلك الحشو، لا زلنا نعاني آثارهما إلى الآن، وهما: التصنيف المبتدع، والإغراب الكاذب.
وسنحاول هنا ـ باختصار ـ شرحهما، والبرهنة عليهما، وبينان آثارهما على الدين والدنيا.
من الآثار الخطيرة للحشو الذي قام به سلف السلفية، هو ذلك التصنيف المبتدع للقضايا الشرعية، وخاصة العقدية منها، وهو تصنيف حول العقيدة من مسارها القرآني الرباني التنزيهي العقلاني إلى مسار مختلف تماما.
فعندما نعود للقرآن الكريم في القضايا العقدية، نجده يكثر من ذكر أسماء الله الحسنى، والدعوة إلى التأمل والاستبصار في الأنفس والآفاق للتعرف على الله وعلى الوجود من خلالها.
بل إنه من خلال ذلك يدعو إلى قيام حضارة إنسانية راقية تسمو بالإنسان إلى الآفاق العليا، وتعيش فيها الإنسانية أجواء من التسامح والتعايش لم تظفر بها في تاريخها كله.
لكن كل هذا تبخر بسبب الحشو الذي مارسه المحدثون الذين راحوا ينافسون برواياتهم القرآن الكريم، فاستبدلوا بأسماء الله الحسنى والتأمل فيها، ما سموه بالصفات، وهم لا يقصدون منها إلا الأعضاء، واستبدلوا بالتسامح والتعايش بين أصحاب الملل والنحل، ما سموه كتب الردود، وهي كتب تفرق الأمة، وتمزقها، وتثير الفتن بينها.
وسنتحدث هنا عن كلا النوعين من التصانيف، مع ذكر نماذج عن ذلك، لنرى كيف استطاع العقل السلفي بسبب هذه الأداة [الحشو] أن ينحرف بالعقيدة التي هي أصل الدين، ليحولها إلى عقيدة وثنية، ويحول الإيمان من أداة للتواصل والمحبة مع الإنسانية جميعا إلى أداة للتفرقة والتكفير والفتنة.
وهي من الكتب التي يثني السلفية على أئمتهم بسبب تصنيفهم لها، بل يتصورون أنه لولا كثرة تصانيفهم فيها لما بقيت العقيدة الإسلامية، لأن التنزيه القرآني عندها سيصبح هو المسيطر، وبذلك يزول مذهب السلف، ويزول معه العقل السلفي من الأمة.
وقد أشار ابن تيمية إلى اهتمام السلف بهذا النوع من التصنيف، وتقديمه على غيره، فقال: (إن سلف الأمة وأئمتها ما زالوا يتكلمون ويفتون ويحدثون العامة والخاصة بما في الكتاب والسنة من الصفات، وهذا في كتب التفسير، والحديث، والسنن أكثر من أن يحصيه إلا الله، حتى إنه لما جمع الناس العلم، وبوبوه في الكتب، فصنف ابن جريج التفسير والسنن، وصنف معمر أيضا، وصنف مالك بن أنس، وصنف حماد بن سلمة، وهؤلاء أقدم من صنف في العلم، فصنف حماد بن سلمة كتابه في الصفات، كما صنف كتبه في سائر أبواب العلم، وقد قيل: إن مالكا إنما صنف الموطأ تبعا له، وقال: جمعت هذا خوفا من الجهمية أن يضلوا الناس لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل، وكذلك كان يجمعها ويحث بها غير واحد من أئمة السلف لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل)([35])
وقال في موضع آخر: (وأيضاً فقد جمع العلماء من أهل الحديث والفقه والكلام والتصوف هذه الآيات والأحاديث، وتكلموا في إثبات معانيها، وتقرير صفات الله التي دلت عليها هذه النصوص؛ لمَّا ابتدع الجهمية جحد ذلك والتكذيب له)([36])
وقد بدأت تلك التصانيف منذ القرون الأولى، وربما يمكن تقسيمها إلى نوعين:
النوع الأول: الكتب المصنفة في جميع الصفات
وهي الكتب التي تجمع ما ورد من الروايات حول ما يعتبرونه صفات الله تعالى، وهي كثيرة جدا، وقد ذكر ابن تيمية بعض أسمائها، داعيا إلى الاهتمام بها، فقال ـ بعد ذكره لما ورد في الصحاح والسنن من الأحاديث التي يسمونها أحاديث الصفات ـ: (فإن هذه مفردة لجميع أحاديث الصفات، وكذلك تضمن كتاب السنة من سنن ابن ماجة ما تضمنه، وكذلك تضمن صحيح مسلم، وجامع الترمذي، وموطأ مالك، ومسند الشافعي، ومسند أحمد بن حنبل، ومسند موسى بن أبي قرة الزبيدي، ومسند أبي داود الطيَّالسي، ومسند ابن وهب، ومسند أحمد بن منيع، ومسند مسدد، ومسند إسحاق بن راهوية، ومسند محمد بن أبي عمر العدني، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند بقي بن مخلد، ومسند الحميدي، ومسند الدارمي، ومسند عبيد بن حميد، ومسند أبي يعلى الموصلي، ومسند الحسن بن سفيان، ومسند أبي بكر البزَّار، ومعجم البغوي، والطبراني، وصحيح أبي حاتم بن حبان، وصحيح الحاكم، وصحيح الإسماعيلي، والبرقاني، وأبي نعيم، والجوزقي، وغير ذلك من المصنفات الأمهات التي لا يحصيها إلاَّ الله)([37])
ولا بأس أن نورد هنا بعض الأمثلة عن الكتب التي تعتبر عمدة في العقيدة السلفية، والتي أثنى عليها ابن تيمية، كما أثنى عليها المتأخرون من السلفية، بل لا تزال إلى الآن تطبع وتحقق وتنشر على مستويات عالية، لنرى آثار الحشو على العقيدة الإسلامية التنزيهية التي جاء الرسل عليهم الصلاة والسلام جميعا لتقريرها.
فمن الأمثلة على ذلك (كتاب السنة) لابن أبي عاصم، حيث نجد في هذا الكتاب الكثير من الأخبار المنكرة الغريبة، مثل خلق الله آدم على صورة وجهه، أو على صورة الرحمن، وأن الله تعالى تجلى للجبل منه مثل الخنصر، وأن العرش يئط به من ثقله، وأنه يقعد محمداً صلى الله عليه وآله وسلم معه على العرش، وأن المؤمنين يجالسون الله عز وجل في الجنة وغير ذلك.
وقد عقد بابا في هذا الكتاب يذكر فيه أن الله يمكن أن يسمى شخصا أورد فيه هذا الحديث: (لا شخص أغير من الله تعالى، ولا شخص أحب إليه العذر من الله عز وجل، ومن أجل ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله تعالى، ومن أجل ذلك وعد الجنة)([38])
ومن تلك الكتب (كتاب السنة) المنسوب إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل.. فمما اشتمل عليه هذا الكتاب من التجسيم: وصفُه الله تعالى بالجلوس على العرش، وإثبات صدر له وذراعين، وإثبات الثقل والصورة التي صور عليها آدم، وأنه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة، وأنه واضع رجليه على الكرسي، وأن الكرسي قد عاد كالنعل في قدميه، وأنه إذا أراد أن يخوف أحداً من عباده أبدى عن بعضه، وأنه قرَّب داودَ عليه السلام حتى مس بعضه وأخذ بقدمه وغير ذلك مما سيكشف عنه البحث.
ومن أمثلة تلك الكتب (كتاب السنة) لأبي بكر الخلال، والذي قرر فيه قعود النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الباري سبحانه على الفضلة التي تفضل من العرش.. وفيه أن الله عز وجل ينادي: يا داود اُدن مني فلا يزال يدنيه حتى يمس بعضه ويقول: كن أمامي فيقول رب ذنبي ذنبي، فيقول الله له كن خلفي خذ بقدمي([39]).
ومن أمثلة تلك الكتب (كتاب التوحيد) لأبي بكر بن خزيمة.. والذي عقد فيه بابا بعنوان إثبات الأصابع لله عز وجل، وبابا في إثبات القدم، ونحو ذلك.. ومنها ما جاء في أن الكرسي موضع قدميه، وأن العرش يئط به، وأنه تجلى منه مثل طرف الخنصر، وأنه يهبط ثم يرتفع، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته فينتفض تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وأن جنة عدن مسكنه، وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، وغير ذلك.
ومن أمثلة تلك الكتب (إبطال التأويلات) لأبي يعلى الفراء، والذي شحنه بأوصاف كثيرة لله يعف اللسان عن قولها، من أمثال([40]): (شاب، أمرد، أجعد، في حلة حمراء، عليه تاج، ونعلان من ذهب، وعلى وجهه فَرَاش من ذهب)
وهو ينص كل حين على أن من لم يؤمن بهذه الصفات العظيمة فهو (زنديق)، (معتزلي)، (جهمي)، (لا تقبل شهادته)، (لا يسلم عليه)، (لا يعاد)، ثم يقول:(وليس في قوله: شاب وأمرد وجعد وقطط وموفور إثبات تشبيه، لأننا نثبت ذلك تسمية كما جاء الخبر لا نعقل معناها، كما أثبتنا ذاتا ونفسا، ولأنه ليس في إثبات الفَرَاش والنعلين والتاج وأخضر أكثر من تقريب المحدث من القديم، وهذا غير ممتنع كما لم يمتنع وصفه بالجلوس على العرش..)([41])
وهو يرجع كثيرا إلى اليهود وتلاميذهم، فينقل عن كعب الأحبار أنه قال:(إن الله تعالى نظر إلى الأرض فقال: إني واطئ على بعضك، فانتسفت إليه الجبال فتضعضعت الصخرة فشكر الله لها ذلك فوضع عليها قدمه)([42])، ثم يعتبر هذا لإفك حقيقة عقدية، يدلل لها بالرواية التالية:(آخر وطأة وطئها رب العالمين بوَجّ)، ثم يذكر قول كعب الأحبار:(وَجّ مقدس، منه عَرَجَ الرب إلى السماء يوم قضى خلق الأرض)
ويعلق على هذه الترهات بقوله:(اعلم أنه غير ممتنع على أصولنا حمل هذا الخبر على ظاهره، وأن ذلك على معنى يليق بالذات دون الفعل)([43])
وينقل عنه هذه أنه قال لمن سأله أين ربنا:(هو على العرش العظيم متكئ واضع إحدى رجليه على الأخرى)، ثم يعلق عليها بقوله:(اعلم أن هذا الخبر يفيد أشياء: منها جواز إطلاق الاستلقاء عليه، لا على وجه الاستراحة بل على صفة لا نعقل معناها، وأن له رجلين كما له يدان، وأنه يضع إحداهما على الأخرى على صفة لا نعقلها)، ويدلل على هذا بهذه الرواية الموضوعة:(إن الله لما فرغ من خلقه استوى على عرشه واستلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال: إنها لا تصلح لبشر)([44])
هذه بعض النماذج عن التصنيف في الصفات، وهي توضح المنحدر السحيق الذي أوقع العقل السلفي فيه الأمة، ليخرجها من جمال التنزيه إلى وثنية التشبيه.
النوع الثاني: الكتب المصنفة في آحاد الصفات
وهي كثيرة جدا، ومن أمثلتها ما كتب حول إثبات الجهة والمكان لله تعالى، كالكتب المؤلفة حول العرش، مثل (كتاب العرش وماروي فيه) لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة.. وقد ذكر في هذا الكتاب أن أقرب الخلق إلى الله جبريل وميكائيل وإسرافيل، بينهم وبين ربهم مسيرة خمسمائة عام، وأن السماء منفطرة من ثقل الله، وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه في روضة خضراء وغير ذلك.
وهو مشحون بما يستدل به السلفية على التجسيم والتشبيه.. وقد قال محقق الكتاب في مقدمته تعظيما لشأنه: (ولقد صنف كثير من السلف وبخاصة في القرنين الثالث والرابع الهجريين مؤلفات ورسائل كثيرة في مسائل أسماء الله وصفاته، فبينوا فيها ما يجب على المسلم تجاه هذا الأمر العظيم، وقد اعتمدوا في تصانيفهم تلك على نصوص القرآن والسنة، وقد كان من ضمن تلك المؤلفات كتاب (العرش) للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وقد عالج المصنف- رحمه الله- في هذا الكتاب مسألة تعد من أهم مسائل الأسماء والصفات، بل ومن أهم مسائل العقيدة وأخطرها، ألا وهي: مسألة علو الله عز وجل على خلقه، واستوائه على عرشه)([45])
ومن أمثلتها (كتاب إثبات الحد لله عز وجل وبأنه قاعد وجالس على عرشه)، لأبي محمد محمود بن أبي القاسم بن بدران الآنمي الدشتي (المتوفى سنة661هـ)، والذي ذكر في مقدمة الكتاب دوافعه لتأليفه، فقال: (فإن سائلاً سألني، وقال: أحب أن تجمع ما جآء في إثبات الحد لله تعالى، ويعني بذالك حدٌ لا يعلمه إلا الله، وأما من زعم أن لله عز وجل حداً يعلمه غيره فهو ضالٌ مضل مبتدع، فأجبت إلى ذلك، وجمعت في كتابي هذا شيئاً يسيراً من مذهب علماء السلف وأئمتهم، وما روي وصح عنهم، وما احتجوا في ذالك من الكتاب والسنة، وما ذكروه في كتبهم وتصانيفهم، منهم: الإمام عبدالله بن المبارك، والإمام أبو عبدالله أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو عبد الله ابن بطة، وأبو إسماعيل الأنصاري، وأبو القاسم بن منده، وإسماعيل بن الفضل الأصبهاني، والقاضي أبو يعلى بن الفراء، والإمام أبو الحسن ابن الزاغوني، والحافظ أبو العلاء الهمذاني، رضي الله عنهم، وكل واحد منهم له تصانيف كثيرة، وإمام من أئمة الإسلام، وحافظ من الحفاظ، وعالم من العلماء، وفقيه من الفقهاء، وشيخ من المشايخ فكلهم من أصحاب الحديث، يعرفون تفسير القرآن العظيم، والأحاديث عن النبي k، وتأويلها، واحتجوا في إثبات الحد لله عز وجل بنص الكتاب والسنة، وما قالوا في ذلك بالمقاييس والآراء، ولا بأهواء أنفسهم، وإنما قالوا بدلائل وبراهين من الكتاب والسنة، ولا يكون على وجه الأرض أحدٌ أعلم بالكتاب والسنة من أصحاب الحديث، فمن يخالفهم ولا يقول ما قالوه، ولا يعتقد ما اعتقدوه؛ فهو مبتدع ضال مضل)([46])
ومن أمثلتها كتاب (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن)، للشيخ حمود بن عبدالله بن حمود التويجري، وهو من السلفية المعاصرين، وكتابه منتشر كثيرا، واعتنى به السلفية المعاصرون، بل قدم له شيخهم الكبير عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وقال في تقديمه له: (اطلعت على ما كتبه صاحب الفضيلة الشيخ حمود بن عبدالله التويجري وفقه الله وبارك في أعماله فيما ورد من الأحاديث في خلق آدم على صورة الرحمن.. فألفيته كتاباً قيماً كثير الفائدة قد ذكر فيه الأحاديث الصحيحة الواردة في خلق آدم على صورة الرحمن، وفيما يتعلق بمجيء الرحمن يوم القيامة على صورته، وقد أجاد وأفاد، وأوضح ما هو الحق في هذه المسألة، وهو أن الضمير في الحديث الصحيح في خلق آدم على صورته يعود إلى الله عز وجل، وهو موافق لما جاء في حديث ابن عمر أن الله خلق آدم على صورة الرحمن، وقد صححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والآجري وشيخ الإسلام ابن تيمية وآخرون من الأئمة رحمة الله عليهم جميعاً، وقد بين كثير من الأئمة خطأ الإمام ابن خزيمة رحمه الله في إنكار عود الضمير إلى الله سبحانه في حديث ابن عمر والصواب ما قاله الأئمة المذكورون وغيرهم في عود الضمير إلى الله عز وجل بلا كيف ولا تمثيل، بل صورة الله سبحانه تليق به وتناسبه كسائر صفاته ولا يشابهه فيها شيء من خلقه سبحانه وتعالى)([47])
وقد ذكر التويجري الدوافع لتأليفه، وهي دوافع لا تختلف كثيرا عن تلك الدوافع التي كان ينطلق منها الدارمي وابن خزيمة وابن تيمية، فقال: (ولا يزال القول بمذهب الجهمية مستمرا إلى زماننا. وقد رأيت ذلك في بعض مؤلفات المعاصرين وتعليقاتهم الخاطئة. وذكر لي عن بعض المنتسبين إلى العلم أنه ألقى ذلك على الطلبة في بعض المعاهد الكبار في مدينة الرياض. ولما ذكر له بعض الطلبة قول أهل السنة أعرض عنه وأصر على قول الجهمية. عافانا الله وسائر المسلمين مما ابتلاه به)([48])
وهو يقصد بالجهمة هنا كل منزهة الأمة، لأنهم جميعا، حتى مع تصحيح الحديث لا يقولون بمقتضاه الظاهر، بل يؤولونه بمختلف صنوف التأويلات.
وغيرها كثير.. وقد أشرنا إلى بعضها في كتاب [السلفية والوثنية المقدسة]
وهي كثيرة جدا في القديم والحديث، ولا يمكن حصرها، ونجدها في العادة مشحونة بالألفاظ النابية، والأحكام القاسية الشديدة، والتي أورثت ما نراه من تفرقة في الأمة وفتن بينها، بالإضافة إلى ما ملأت به قلب السلفي من أحقاد وغلظة، فلا نكاد نجد سلفيا مسالما، حتى لو تكلف كتم ذلك لسبب من الأسباب، فإن عرق الأحقاد الذي أمده به سلفه، سينفجر فيه حالما تتاح له الفرصة.
وكيف لا يكون كذلك، وهو يعتبر السلام مع الآخر ضلالا وبدعة، فمن أمهات عقائده الولاء والبراء، وهو يعني وجوب البراءة التامة من الآخر.. والآخر عنده هو غير السلفي.
حتى أنهم لا يكتفون بذكر أحكامهم القاسية بتكفير الأمة، بل يلزمونها فوق ذلك بأن تكفر من كفروا، فالساكت ـ عندهم ـ عن تكفير الكافر كافر.
ومن الأمثلة على ذلك الموقف من أبي حنيفة، فمع كونه إمام مذهب مشهور من المذاهب السنية، وله مئات الملايين من الأتباع إلا أن ذلك لم يشفع له عند هؤلاء، لسبب بسيط، وهو أنه يقول بخلق القرآن، أو يقول بأن صوتنا الذي نخرجه عندما نقرأ حروف القرآن الكريم صوت بشري وحادث، وليس قديما، فقد ساق عبد الله بن أحمد في كتابه (السنة) مجموعة كبيرة من الاتهامات والشتائم التي وجهها سلف السلفية لأبي حنيفة من أمثال: (كافر، زنديق، مات جهمياً، ينقض الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام أشأم ولا أضر على الأمة منه، وأنه أبو الخطايا، وأنه يكيد الدين، وأن الخمارين خير من أتباع أبي حنيفة، وأن الحنفية أشد على المسلمين من اللصوص، وأن أصحاب أبي حنيفة مثل الذين يكشفون عوراتهم في المساجد، وأن أباحنيفة سيكبه الله في النار، وأنه أبو جيفة، وأن المسلم يؤجر على بغض أبي حنيفة وأصحابه، وأنه لا يسكن البلد الذي يذكر فيه أبو حنيفة، وأن استقضاء الحنفية على بلد أشد على الأمة من ظهور الدجال، وأنه من المرجئة، ويرى السيف على الأمة، وأنه أول من قال القرآن مخلوق، وأنه ضيع الأصول، ولو كان خطؤه موزعاً على الأمة لوسعهم خطأً، وأنه يترك الحديث إلى الرأي، وأنه يجب اعتزاله كالأجرب المعدي بجربه، وأنه ترك الدين، وأن أبا حنيفة وأصحابه شر الطوائف جميعاً، وأنه لم يؤت الرفق في دينه، وأنه ما أصاب قط، وأنه استتيب من الكفر مرتين أو ثلاثاً، واستتيب من كلام الزنادقة مراراً، وأن بعض فتاواه تشبه فتاوى اليهود، وأنه ما ولد أضر على الإسلام من أبي حنيفة، وأن الله ضرب على قبر أبي حنيفة طاقاً من النار، وأن بعض العلماء حمدوا الله عندما سمعوا بوفاة أبي حنيفة، وأنه من الداء العضال، وأن كثيراً من العلماء على جواز لعن أبي حنيفة، وأنه كان أجرأ الناس على دين الله)([49])
وعلى هذا سار خلفهم الذين لم يدعوا أحدا إلا وكفروه، وطالبوا بتكفيره، ومن لم يكفره، فهو كافر، ومن الأمثلة على ذلك ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة إلى بعض أتباعه يقول فيها: (إذا عرفتم ذلك، فهؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم، من أهل الخرج وغيرهم مشهورون عند لخاص والعام بذلك، وأنهم يترشحون له، ويأمرون به الناس، كلهم كفار مرتدون عن الإسلام؛ ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفرهم، أو زعم أن فعلهم هذا، لو كان باطلا فلا يخرجهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل، أنه فاسق لا يقبل خطه ولا شهادته، ولا يصلى خلفه، بل لا يصح دين الإسلام، إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم)([50])
وهكذا كتب لمن يشكك في تكفير بعض من كفرهم، فقد كتب لهم يقول: (ما ذكرتم من قول الشيخ: كل من جحد كذا وكذا، وقامت عليه الحجة، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم، هل قامت عليهم الحجة؟ فهذا من العجب، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة؛ ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين، لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم)([51])
انطلاقا من هذا، فسنشير هنا إلى نماذج من كتب الردود التي ألفها سلف السلفية، والتي كانت سببا في تلك الأمراض النفسية التي يصاب بها عقل كل سلفي.
ومن تلك الكتب ما ألفه الدرامي، ومنها كتابان اهتم بهما ابن تيمية كثيرا، وكان ينقل عنهما، ويشير إليهما، وهما كتاب (الرد على الجهمية) وكتاب (نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد).. وقد قال ابن القيم تلميذ ابن تيمية يخبر عن اهتمام ابن تيمية بهما: (وكتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جداً. وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما)([52])
مع العم أن هذين الكتابين من أهم كتب التجسيم.. بالإضافة إلى ذلك، فقد عقد فيه باباً في تكفير الجهمية، وباباً في قتلهم واستتابتهم من الكفر.. مع العلم أن الجهمية مصطلح تشنيع لا يراد به الفرقة المنسوبة إلى الجهم بن صفوان فقط، لأن الجهم مات، وماتت معه أفكاره إلا أن الدارمي ومن تابعه يعنون بالجهمية من خالفهم في صفات الله عز وجل فيدخل في هذا الوصف المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والشيعة والصوفية والإباضية.. بل كل الأمة.
ومنهجه في الكتابين أنه بعد أن يذكر كل تلك التجسيمات لله يطالب بقتل كل من ينكرها باعتباره جهميا، فقد عقد فصلا مطولا لذلك حرض على قتلهم بكل صنوف القتل.. ومما جاء فيه قوله: (ولو لم يكن عندنا حجة في قتلهم وإكفارهم إلا قول حماد بن زيد، وسلام بن أبي مطيع، وابن المبارك، ووكيع، ويزيد بن هارون، وأبي توبة، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، ونظرائهم، رحمة الله عليهم أجمعين، لجبنا عن قتلهم وإكفارهم بقول هؤلاء، حتى نستبرئ ذلك عمن هو أعلم منه وأقدم، ولكنا نكفرهم بما تأولنا فيهم من كتاب الله عز وجل، وروينا فيهم من السنة، وبما حكينا عنهم من الكفر الواضح المشهور، الذي يعقله أكثر العوام، وبما ضاهوا مشركي الأمم قبلهم بقولهم في القرآن، فضلا على ما ردوا على الله ورسوله من تعطيل صفاته، وإنكار وحدانيته، ومعرفة مكانه، واستوائه على عرشه بتأويل ضلال، به هتك الله سترهم، وأبد سوءتهم، وعبر عن ضمائرهم، كلما أرادوا به احتجاجا ازدادت مذاهبهم اعوجاجا، وازداد أهل السنة بمخالفتهم ابتهاجا، ولما يخفون من خفايا زندقتهم استخراجا)([53])
وعلى هذا المنهج نجد متأخرو السلفية والمعاصرون لنا منهم لم يتركوا أحدا من المسلمين إلا وكتبوا عشرات الردود عليه، بالإضافة إلى التشهير به وسبه وتكفيره والتحريض عليه.
فمن منشوراتهم ومؤلفاتهم في الرد على شخص واحد مثل سيد قطب، نجد: الحد الفاصل بين الحق والباطل: حوار في عقيدة سيد قطب وفكره، وأضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره، والعواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم، ومطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله k، والتوضيح لما في خطاب محمد قطب عن كتب أخيه، وتأكيد ما ورد في مقال أطوار سيد قطب في وحدة الوجود ودفع شبه المعترضين، ومن أصول سيد قطب الباطلة المخالفة لأصول السلف، والانْـتِصار لِكتَابِ العَزيز الْجبَّار ولأصحابِ مُحَمَّد k الأَخْيار رضي الله عنهم على أعدائهم الأشرار، وقول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية، ونظرة سيد قطب إلى أصحاب رسول الله k، وكتب سيد قطب لا شر منها ولا اخطر منها حملت كل البدع.
ومثله نجد ما كتب حول الشيخ حسن بن فرحان المالكي، حيث كتبوا في الرد عليه: (الانتصار للصحابةِ الأخيار في ردِّ أباطيل حسن المالكي) للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر.. ومنها (الرد السديد على مطاعن حسن المالكي على أئمة الدعوة ومقررات التوحيد) للشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي.. ومنها (دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب) للشيخ ربيع المدخلي.. وغيرها كثير.
وهكذا نجد عالما مثل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني يكتب الكثير من الكتب حول معاصريه وغيرهم، ومن أمثلة ذلك كتابه (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي)، و(الرد على أرشد السلفي)، و(الرد على التعقيب الحثيث)، و(الرد على رسالة الشيخ التويجري في بحوث من صفة الصلاة)، و(الرد على السخاف فيما سوَّده على دفع شُبه التشبيه)، و(الرد على الشيخ إسماعيل الأنصاري في مسألة الذهب المحلّق)، و(الرد على عز الدين بيلق في منهاجه)، و(الرد على كتاب: تحرير المرأة في عصر الرسالة)، و(الرد على كتاب: ظاهرة الإرجاء)، و(الرد على كتاب المراجعات)، و(الرد على هدية البديع في مسألة القبض بعد الركوع)، و(الرد المفحم على من خالف العلماء)، و(كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات)، و(النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان)
وهكذا نجد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، الذي حول هو الآخر كل ما آتاه الله من مداد سهاما وجهها لحرب من يسميهم أعداء السلف.. فقد كتب (الطليعة في الرد على غلاة الشيعة)، و(رياض الجنة في الرد على أعداء السنة)، و(إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن)، و(الإلحاد الخميني في أرض الحرمين)، و(ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر)، و(المصارعة)، و(قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد)، و(غارة الأشرطة على أهل الجهل والفسفطة)، و(تحفة الشباب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني)، و(غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل)، و(إعلان النكير على أصحاب عيد الغدير)، و(إقامة البرهان على ضلال عبد الرحيم الطحان)، و(فضائح ونصائح)، و(البركان لنسف جامعة الإيمان)، و(إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي)، و(صعقة الزلزال لنسف أباطيل أهل الرفض والاعتزال)
أما ما كتب عن الأشاعرة والصوفية والشيعة والإباضية، فلا يمكن عده ولا حصره، وهكذا، فإننا لا يمكن أن نجد سلفيا إلا وهو مشحون بتلك الأحقاد التي تمليها على قلبه أمثال تلك الكتب.
وهو من الأسس التي يقوم عليها العقل السلفي، فهو لا يحب أن يتناول الأمور ببساطة، ويسلم لها بيسر، بل هو يحاول أن يعقدها، ويبحث عن تفاصيلها الحسية، لأنه يتصور أنها كلما كانت التفاصيل أكثر، كان العلم أعظم.
والسلفية في ذلك يهتدون بهدي سلفهم من اليهود، والذين حكى الله تعالى موقفهم من البقرة التي أمروا بذبحها، وكان في إمكانهم أن يذبحوا أي بقرة، لكنهم ظلوا يتساءلون عن لوبها وسنها وعملها وغير ذلك.. حتى أنهم لم يسلموا لموسى عليه السلام في شأنها إلا بعد أن ذكر لهم كل تلك التفاصيل، كما قال تعالى: ﴿قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: 71]
وهكذا نجد العقل السلفي يبحث عن أدق التفاصيل المرتبطة بذات الله وملائكته ويتساءل عن العرش ومكوناته وحجمه.. وقد كانت هذه التساؤلات سببا في وفور سوق الكذابين من اليهود وغيرهم، خاصة مع سهولة تقبل العقل السلفي لأي شيء.
وسنسوق هنا من باب المثال ما كتبه بعض أعلام سلفهم حول الملائكة عليهم السلام، لنرى الفرق بين الصورة الجميلة للملائكة عليهم السلام كما ذكرهم القرآن الكريم، وكما طولبنا بالإيمان بهم، وبين الصورة التي صورها بهم السلفية.
وهذا العلم السلفي المشهور، والذي نجده مصدرا أساسيا في العقائد السلفية هو أبو الشيخ صاحب كتاب العظمة، والذي قال فيه تلميذه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: (كان أحد الأعلام، صنف الأحكام والتفسير، وكان يفيد عن الشيوخ، ويصنف لهم ستين سنة، قال: وكان ثقة)([54])، وقال فيه أبو بكر الخطيب: (كان أبو الشيخ حافظا، ثبتا، متقنا)، وقال فيه أبو موسى المديني: (مع ما ذكر من عبادته كان يكتب كل يوم دستجة كاغد؛ لأنه كان يورق ويصنف، وعرض كتابه (ثواب الاعمال)على الطبراني، فاستحسنه، ويروى عنه أنه قال: ما عملت فيه حديثا إلا بعد أن استعملته)([55]).
وهكذا ترجم له الذهبي في السير، وقال عنه:(الإمام الحافظ الصادق، محدث أصبهان، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، المعروف بأبي الشيخ، صاحب التصانيف)([56])
ثم نقل كلام أهل العلم في الثناء عليه فقال: (قال ابن مردويه: ثقة مأمون، صنف التفسير والكتب الكثيرة في الأحكام وغير ذلك)، وقال عنه الصفدي: (كان حافظاً عارفاً بالرجال والأبواب، صنف تاريخ بلده، والتأريخ على السنين، وكتاب السنّة، وكتاب العظمة، وكتاب ثواب الأعمال، وكتاب السنن)([57])
وقد خصص كتابه هذا للروايات المرتبطة بعظمة الله تعالى، وقد رتب أبوابه عن المخلوقات ترتيبا من الأعلى إلى الأدنى، فبدأ بأعلى المخلوقات وأعظمها وهو العرش، وختم بأصغر المخلوقات وهي الجراد.. وذكر بينهما حجب ربنا سبحانه وتعالى، وخلق الملائكة، وجبريل، وميكائيل وإسرافيل، وحملة العرش، وصفة السموات، وذكر الجنات وصفتها، والشمس والقمر، والنجوم، والسحاب وصفته، والمطر ونزوله، وصفة الرعد، والبرق، والمجرة، والرياح، وابتداء الخلق، وصفة الأرضين، وصفة البحر والحوت وعظم خلقهما، وعجائبهما، وصفة النيل ومنتهاه، وقصة ذي القرنين، وذكر جبل قاف، وذكر إرم ذات العماد، وكرسي سليمان عليه السلام وقصة نمرود وأصحاب موسى، وقصة عوج بن عنق، والعمالقة وصفة إلياس عليه السلام، وذكر المائدة وصفتها، وخلق آدم وحواء، ولطيف صنع الله وحكمته، وذكر الجن وخلقهم، وذكر تسبيح الخلائق، وخلق الفرس، وذكرخلق الجراد.
والكتاب مليء بالغرائب التي استقى منها العقل السلفي تصوراته عن الكون من مبتدئه إلى منتهاه، وتشكل آثار اليهود وتلاميذهم فيه حجما ممتازا مقارنة بحجمة، فعدد الروايات التي رواها فيه عن وهب بن منبه وليست مسندة إلى الصحابة ولامرفوعة إلى النبي k سبعة وسبعون أثراً.. وبلغت روايات كعب الأحبار سبعا وعشرين رواية.. وبعض هذه الروايات أكثر من صفحتين.. أي أن كل رواية منها تساوي عشرات الروايات.
بعد هذا التعريف بالكاتب والكتاب، نسوق ـ باختصار ـ بعض الروايات التي أوردها في الأبواب التي خصصها للملائكة عليهم السلام، لنرى الصورة الجديدة للملائكة عند السلفية بدل الصورة القرآنية.
فمن الروايات التي أوردها في باب [ذكر خلق الملائكة وكثرة عددهم] ما رواه بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله k: (أتاني ملك برسالة من الله عز وجل، ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء، ورجله الأخرى ثابتة في الأرض لم يرفعها)([58])
وهذا خلاف ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ﴾ [فاطر: 1]
ومن الروايات الخطيرة التي رواها في هذا الباب ما رواه عن عبد الله بن عمرو، قال: (خلق الله عز وجل الملائكة من نور الصدر والذراعين)([59]).. وهذه الرواية الخطيرة ـ بالإضافة لما تحمله من تجسيم ـ تصور الملائكة باعتبارهم جزءا من الله، أو من نور الله، وهم بذلك يقعون فيما ذكره الله تعالى عن المشركين حين قال: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف: 15]
ويروي عن عبد الله بن عمرو الكيفية التي خلقت بها الملائكة، فيقول ـ بلغة تجسيمية وثنية ـ: (خلق الله عز وجل الملائكة من نور، وينفخ في ذلك، ثم يقول: ليكن منكم ألف ألفين، فإن من الملائكة خلقا أصغر من الذباب)([60])
بل يروي في ذلك عن رسول الله k، أنه قال: (إن في الجنة لنهرا ما يدخله جبريل عليه السلام من دخلة فيخرج فينتفض إلا خلق الله عز وجل من كل قطرة تقطر منه ملكا)([61])
ويروي تفاصيل أكثر عن وهب بن منبه، يقول فيها: (إن لله تبارك وتعالى نهرا في الهواء سعة الأرضين كلها سبع مرات، ينزل على ذلك النهر ملك من السماء فيملؤه ويسد ما بين أطرافه، ثم يغتسل منه، فإذا خرج قطرت منه قطرات من نور، فيخلق من كل قطرة منها ملك يسبح الله عز وجل بجميع تسبيح الخلائق كلهم)([62])
ويروي عن الضحاك قوله: (إن لله تبارك وتعالى ملكا إذا جهر بصوته صمتت الملائكة كلها تعظيما لذلك الملك، لا يذكرون إلا في أنفسهم، لأنهم لا يفترون عن التسبيح)، قيل له: وما ذلك الملك؟، قال: (ملك له ستون وثلاثمائة رأس، في كل رأس ستون وثلاثمائة لسان، لكل لسان ستون وثلاثمائة لغة)([63])
ويروي عن الأوزاعي قوله: (قال موسى عليه السلام: يا رب، من معك في السماء؟ قال: ملائكتي، قال: وكم هم يا رب؟ قال: اثنا عشر سبطا، قال: وكم عدد كل سبط؟ قال: عدد التراب)([64])
ويروي عن كعب، قال: (ما من شجرة ولا موضع إبرة إلا وملك موكل بها، يرفع علم ذلك إلى الله تبارك، وإن ملائكة السماء أكثر من عدد التراب، وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى منكبه مسيرة خمسمائة عام)([65])
ويروي عن عبد الله بن الحارث، قال: (ما من شجرة رطبة ولا يابسة إلا موكل بها ملك، يأتي الله عز وجل بعلمها ورطوبتها إذا رطبت، ويبسها إذا يبست كل يوم)، قال الأعمش: وهذا في الكتاب: ﴿ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 59])([66])
ولست أدري كيف عرف الأعمش أن هذا في كتاب الله مع أن الله تعالى ذكر في الآية أن كل شيء مكتوب عنده، أما علم الله بالأشياء، فلا يحتاج إلى ملك ولا إلى غيره. لكن الرؤية السلفية ـ كما ذكرنا في [السلفية والوثنية المقدسة] ـ تصور الله محتاجا لأن تأتيه الملائكة كل حين بالأخبار، ليطلع عليها ويقضي وقتا طويلا في الاطلاع عليها.
ويروي عن كعب في كيفية خلق الملائكة، وسر كثرتهم، فيقول: (لا تقطر عين ملك منهم إلا كانت ملكا يطير من خشية الله عز وجل) قال صفوان: وزاد فيه غيره: (وذلك أنها نطفة خشية، وليست نطفة شهوة، فمن هنالك كثرة الملائكة)([67])
ويروي عن العلاء بن هارون قوله: (لجبريل عليه السلام في كل يوم اغتماسة في الكوثر، ثم ينتفض، فكل قطرة يخلق منها ملك)([68])
ويروي عن شهر بن حوشب قوله: (إن لله تبارك وتعالى ملكا يقال له: صدلقن إن بحور الدنيا تسع في نقرة إبهامه)([69])
ويروي عن مالك قوله: (بلغنا أن في بعض السموات ملائكة، كلما سبح بينهم ملك وقع من تسبيحه ملك قائم يسبح، قال: وفي بعض السماوات ملك له من العيون عدد الحصى والثرى، وعدد نجوم السماء، ما فيها عين إلا وتحتها لسان وشفتان، يحمد الله عز وجل بلغة لا يفقهها صاحبها، قال: وإن حملة العرش لهم قرون، بين أطراف قرونهم ورؤوسهم مقدار خمسمائة سنة، والعرش فوق القرون) ([70])
ويروي عن نوف البكالي قوله: (إذا مضى ثلث الليل بعث الله تبارك وتعالى أربعة أفواج من الملائكة، فأخذ فوج منهم بشرقي السماء، وفوج منهم بغربي السماء، وفوج حيث تجيء الجنوب، وفوج منهم حيث تجيء الشمال، فقال هؤلاء: سبحان الله، وقال هؤلاء: الحمد لله، وقال هؤلاء: لا إله إلا الله، وقال هؤلاء: الله أكبر، حتى تصرخ الديوك من السحر)([71])
ويروي عن كعب الأحبار قوله: (إن لله عز وجل ملكا، يصوغ حلي أهل الجنة من يوم خلق إلى أن تقوم الساعة، لو أن حليا أخرج من حلي أهل الجنة لذهب بضوء الشمس)([72])
ويروي عن وهب خبرا طويلا يشكل وحده متنا من المتون التي يتشكل منها العقل السلفي، قال فيه: (ثم إن الله عز وجل أراد أن يخلق حملة العرش، فقال: كن، فكون من الملائكة بعدد القطر، والمطر، والشجر، والورق، وكل رطب، ويابس.. ثم قال لهم: أقلوا العرش، فما قدروا على إقلاله، ثم قال: كن، فأمدهم بصف ثان أمثالهم سبعة أضعاف في الشدة والقوة، والنجدة، والشجاعة، والغلظة، والعظمة، ملائكة متراصة أقدامهم، مصطكة مناكبهم، متلازقة أقدامهم، ثم قال لهم: أقلوا العرش، فما قدروا على إقلاله، ثم قال لهم: كن، فأمدهم بصف أمثالهم، سبعة متلازقة أكتافهم، أنصافهم الأعلى من النار، وأنصافهم الأسفل من الثلج، فلا ذلك النار يذيب الثلج بحره، ولا ذلك الثلج يطفئ النار ببرده، ثم قال لهم: أقلوا العرش، فما قدروا على إقلاله، ثم قال: كن، فأمدهم بصف رابع أمثالهم، سبعة أضعاف، ملائكة أنصافهم من البرق الخاطف، وأنصافهم من الرعد القاصف، ثم قال لهم: أقلوا العرش، فما قدروا على إقلاله، فأمدهم بصف خامس: ملائكة أنصافهم من الريح العاصف، وأنصافهم من السحاب العاكف، فلا ذلك العاصف يزيل ذلك العاكف، ولا ذلك العاكف يزيل ذلك العاصف، ثم قال لهم: أقلوا العرش، فما قدروا على إقلاله، ثم أمدهم بصف سادس أمثالهم، أنصافهم من الظلمة، وأنصافهم من النور، فلا ذلك النور يذهب سواد الظلمة، ولا تلك الظلمة تذهب بذلك النور، ثم قال لهم: أقلوا العرش، فما قدروا على إقلاله، ثم قال: كن، فأمدهم بصف سابع أمثالهم، ملائكة أنصافهم من الدر، وأنصافهم من الزمرد، فلا ذلك الدر يذهب شعاع ذلك الزمرد الأخضر، ولا ذلك الزمرد يزيل شعاع ذلك الدر، ثم قال لهم: أقلوا العرش، فما قدروا على إقلاله، فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي، وعلوي على خلقي وعظمتي، لو أمددتكم بأمثالكم، وأضعافكم أبد الآبدين، ودهر الداهرين ما قدرتم على إقلاله إلا بي، فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوها: فاستقل العرش على رءوسهم، فعظم عليهم، ومدت أرجلهم تهوي، فأمر الله عز وجل الملك أن يكتب اسمه الأعظم تحت أرجلهم، فاستقل العرش على رءوسهم، فالله تبارك وتعالى حامل عرشه، لا من حاجة إليهم، ولكن استعبدهم، فإذا أماتهم حمل الله عز وجل عرشه كما كان بديا)([73])
ويروي عن مكحول عن رسول الله k أنه قال: (إن في حملة العرش أربعة أملاك: ملك على صورة سيد الصور وهو ابن آدم، وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد، وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور، قال: فما زال غضبان مذ يوم العجل إلى ساعتي هذه، وملك على صورة سيد الطير وهو النسر)([74])
ومن الروايات التي أوردها في باب سماه [ذكر الملائكة الموكلين في السموات والأرضين] هذه الرواية الخطيرة التي رواها عن شريح بن عبيد، قال: لما صعد النبي k إلى السماء فأوحى الله عز وجل إلى عبده ما أوحى، قال: (فلما أحس جبريل بدنو الرب تبارك وتعالى خر ساجدا، فلم يزل يسبحه: سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة، ثم قضى الله عز وجل إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه، منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت، فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق، وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحيانا لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال)([75])
ومن الروايات التي أوردها في باب سماه [ذكر ميكائيل عليه السلام، والطيران، وعظم خلقه وما وكل به] هذه الرواية التجسيمية الخطيرة التي رفعها إلى رسول الله k: (جبريل عن يمينه، وميكائيل عن الأخرى)([76])
وروى عن عبد الرحمن بن سابط قال: (يدبر الدنيا والأمر أربعة أملاك: فجبريل على الريح والجنود، وميكائيل على القطر والنبات، وملك الموت على الأنفس، وكل هؤلاء ترفع إلى إسرافيل)([77])
وروى عن خالد بن أبي عمران، أنه قال: (جبريل أمين الله إلى رسله، وميكائيل يتلقى الكتب التي ترفع من أعمال الناس، وإسرافيل بمنزلة الحاجب)([78])
وروى عن عكرمة بن خالد هذه الرواية الخطيرة، وهي أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الخلق أكرم على الله؟ قال: (لا أدري).فجاءه جبريل فقال: (يا جبريل، أي الخلق أكرم على الله؟) قال: لا أدري. فعرج جبريل ثم هبط فقال: (أكرم الخلق على الله جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت عليهم السلام، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنبت وكل ورقة تسقط، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض كل روح عبد في بر أو بحر، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم) ([79])
وروى هذه الرواية التجسيمية الخطيرة يرفعها إلى رسول الله k: (أقرب الخلق إلى الله عز وجل جبريل، وميكائيل، وإسرافيل وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن الأخرى وإسرافيل بينهما)([80])
ومن الروايات التجسيمية الخطيرة التي أوردها في باب سماه [صفة إسرافيل عليه السلام، وما وكل به] ما رواه عن عائشة أن كعبا قال لها: هل سمعت رسول الله k يقول في إسرافيل شيئا؟ قالت: نعم، سمعت رسول الله k يقول: (له أربعة أجنحة، منها جناحان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب، واللوح بين عينيه، فإذا أراد الله عز وجل أن يكتب الوحي ينقر بين جبهته)([81])
وروى عن وهب بن منبه حديثه الطويل في كيفية خلق الكائنات المختلفة، قال: (.. ثم قال: كن فيكون، فكون الصور وهو من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة وله أربع شعب: شعبة تحت العرش، وشعبة في ثراء الثراء، وشعبة في مشرق المشرق، وشعبة في مغرب المغرب، ثم قال للعرش: خذ الصور، فتعلق بالعرش، ثم قال: كن، فكون إسرافيل وهو من أقرب الملائكة إلى الله تبارك وتعالى، فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وفيه ثقب بعدد كل روح مبدوة، وكل نفس منفوسة، لا يخرج روحان من ثقب واحد، ولا جسمان يدخلان في ثقب، بل كل ثقب لصغير الصغير الذي لا يعرف، ولخليل الخليل الذي لا يوصف وفي وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض، وإسرافيل واضع فمه على تلك الكوة، ثم قال له الرب عز وجل: قد وكلتك بالصور فأنت للنفخة والصيحة، فدخل إسرافيل في مقدم العرش فأدخل رجله اليمنى تحت العرش، وقدم اليسرى ولم يطرف مذ خلقه الله عز وجل ينتظر ما يؤمر به [ص:842] والعرش على كاهله، واللوح يقرع جبهته)([82])
ويروى وهيب بن الورد قال: (بلغني أن أقرب الخلق من الله عز وجل إسرافيل العرش على كاهله.. فإذا نزل الوحي دلي لوح من تحت العرش، قال: فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيدعو جبريل فيرسله، فإذا كان يوم القيامة أتى بإسرافيل – قال مؤمل: هكذا حفظي: إسرافيل، وقال بعض أصحابنا: اللوح ترعد فرائصه – فيقال: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل. فيدعى جبريل ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل. فيؤتى بالرسل ترعد فرائصهم فيقال: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغنا الناس. قال: فهو قوله عز وجل: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ [الأعراف: 6، 7]) ([83])
وروى عن وهب بن منبه من حديثه الطويل في كيفية خلق الكائنات قوله: (.. ثم يقول الله عز وجل: كن فيكون بحرا تحت الكرسي، وهو البحر المسجور، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: 1 – 6] أوله في علم الله تعالى وآخره في إرادة الله تعالى فيه ماء ثخين شبه ماء الرجل تمر الموجة خلف الموجة سبعين عاما لا تلحقها، يمطر الله عز وجل منه على الخلق إذا أماتهم)([84])
هذه نماذج عن بعض الروايات التي أوردها أبو الشيخ حول الملائكة عليهم السلام، ونجد أمثالها في الكثير من كتب العقائد التي يسمونها كتب سنة.
وهي كلها تدل على ما ذكرناه من حنين العقل السلفي إلى الغرائب، والتي تلجئه إلى الخرافة لا محالة، ولذلك شاع سوق القصاصين والكذابين في المجتمع الإسلامي.
ولو أن هذا العقل اكتفى بما ورد في القرآن الكريم عن خلق الملائكة، وسلم أمره لله فيهم، وعلم أن عقله مطالب بأن يسير في مناكب الأرض ليعمرها، ويملأها هداية وصلاحا لكف عن كل هذا الغثاء الذي شوه به الدين.
وقد أشار الحافظ ابن رجب الحنبلي (المتوفى 795) ـ مع سلفيته المختلطة بالتصوف ـ إلى هذه الظاهرة الخطيرة، فقال في كتابه (فضل علم السلف على الخلف) منتقدا لها: (وقد فتن كثير من المتأخرين بهذا – أي بكثرة الكلام – فظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين، فهو أعلم ممن ليس كذلك، وهذا جهل محض! وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومعاذ وابن مسعود وزيد بن ثابت، كيف كانوا: كلامهم أقل من كلام ابن عباس، وهم أعلم منه. وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة، والصحابة أعلم منهم، وكذلك تابعو التابعين كلامهم أكثر من كلام التابعين، والتابعون أعلم منهم. فليس العلم بكثرة الرواية، ولا بكثرة المقال، ولكنه نور يقذف في القلب، يفهم به العبد الحق، ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد. وقد كان النبي k أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارا، ولهذا ورد النهي عن كثرة الكلام، والتوسع في القيل والقال. وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم، لكثرة بيانه ومقاله، ومنهم من يقول: هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين، وهذا يلزم منه ما قبله، لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولا ممن كان قبلهم، فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله، كانوا هم أعلم ممن كان أقل منهم قولا بطريق أولى، كثالوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وطبقتهم، وممن قبلهم من التابعين والصحابة أيضا، فإن هؤلاء كلهم أقل كلاما ممن جاء بعدهم. وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح! وإساءة ظن بهم! ونسبة إلى الجهل وقصور العلم! ولا حول ولا قوة إلا بالله)([85])
وقد أشار الخطيب البغدادي إلى هذه الظاهرة في العقل السلفي، فقال منكرا لها: (وأكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا، والثابت مصدوفا عنه مطرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين)([86])
ثم روى عن أحمد قوله: (شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها)، وقوله: (تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب،ما أقل الفقه فيهم) ([87])
وما ذكره الإمام أحمد صحيح ودقيق، ولكن
العقل السلفي لا يقبل من أحمد إلا ما يوافق مزاجه.. لأن كل عقل ممتلئ بالحشو لابد
أن يكون عقلا مزاجيا، ذلك أنه لا ينطلق للوصول إلى الحقيقة من البحث العلمي الجاد،
وإنما ينطلق من إرضاء غريزته وفضوله.
([1]) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (2/522، 523)
([2]) تاريخ بغداد (4/343)
([3]) تاريخ دمشق (5/114)
([4]) الكامل (6/41)، تاريخ بغداد (12/457).
([5]) الجرح والتعديل (1/355).
([6]) مناقب الإمام أحمد ص28.
([7]) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 133)
([8]) قيمة الزمن عند العلماء (ص: 109)
([9]) تذكرة الحفاظ 4/1219 بتصرف.
([10]) ذيل طبقات الحنابلة: 2: 252،249..
([11]) الدرر الكامنة) 58:6، و (البدر الطالع) 298:2..
([12]) هو سيف بن عمر الأسديّ التميمي وهو مؤرخ كوفي كتب ما كتبه زمن هارون الرشيد، وقد تجاهله أغلب المؤرخين المبكرين؛ كالبلاذري وعمر بن شبة، بالإضافة إلى أن أصحاب الجرح والتعديل ضعفوه واتهموه بالكذب، فقد قال فيه النسائي صاحب السنن (المتوفى 303 هـ )، والمعاصر للطبري: (ضعيف متروك الحديث، ليس بثقة، ولا مأمون) ( الضعفاء والمتروكين: 187) لكنّ الطبري استند إليه استناداً واسعاً فيما تعلق بتاريخ الخلافة المبكرة من أبي بكر إلى علي. وعبر نقول الطبري عنه أثرت رواية سيف هذا تأثيراً بالغاً في الكتابة التاريخية.
([13]) تاريخ بغداد وذيوله (2/ 161)
([14]) العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ص: 83)
([15]) العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ص: 80)
([16]) العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ص: 81)
([17]) فوات الوفيات: 1: 42و38..
([18]) (ذيل طبقات الحنابلة) 403:2..
([19]) البداية والنهاية: 10 / 342.
([20]) البداية والنهاية: 10 / 342.
([21]) معرفة علوم الحديث (ص432).
([22]) وربما يكون من هذا الباب الأحاديث الكثيرة التي يتداولها السلفية حول الدعوة للخضوع المطلق للسلطة السياسية، وتحريم المجاهرة بنقدها، أو الاعتراض عليها، لمخالفتها الصريحة لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: 113].
([23]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 256)
([24]) نقلا عن الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 256)
([25]) سير أعلام النبلاء: (10/276]..
([26]) الصلة، (1 / 115).
([27]) تاريخ بغداد، (6 / 121)، وتذكرة الحفاظ، (2 / 146).
([28]) تاريخ بغداد، (7 / 351)، وتهذيب التهذيب، (2 / 272).
([29]) سير أعلام النبلاء، (14 / 62)، والديباج المذهب، (1/ 322).
([30]) الجامع (2/274، 275)
([31]) شرف أصحاب الحديث، للخطيب (ص115)
([32]) المعرفة والتاريخ (2/284).
([33]) تاريخ بغداد (13/103)
([34]) تاريخ بغداد (9/46، 47)، وانظر لفظًا آخر في تاريخ دمشق، لابن عساكر (38/26)
([35]) التسعينية: 1/158-160.
([36]) التسعينية: 1/167.
([37]) التسعينية: 1/131-147.
([38]) السنة لابن أبي عاصم (1/ 230)
([39]) السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 263)
([40]) إبطال التأويلات: 1/133.
([41]) إبطال التأويلات: 1/146.
([42]) إبطال التأويلات: 1/202.
([43]) إبطال التأويلات (ص: 379)
([44]) إبطال التأويلات (ص: 188)
([45]) العرش وما رُوِي فيه، أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، (ص: 6)
([46]) إثبات الحد لله عز وجل، ص8.
([47]) عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن (مقدمة/ 7)
([48]) عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن (1/ 6)
([49]) انظر السنة، لعبد الله بن الإمام أحمد من ص 180 -ص120.
([50]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 52)
([51]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 93)
([52]) اجتماع الجيوش 143
([53]) الرد على الجهمية للدارمي (ص: 213)
([54]) سير أعلام النبلاء( 16 / 279)
([55]) سير أعلام النبلاء( 16/278)
([56]) سير أعلام النبلاء (16/ 276)
([57]) الوافي بالوفيات 5/473.
([58]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/729)
([59]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/733)
([60]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/734)
([61]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/735)
([62]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/736)
([63]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/740)
([64]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/741)
([65]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/742)
([66]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/743)
([67]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/745)
([68]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/746)
([69]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/746)
([70]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/747)
([71]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/748)
([72]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/751)
([73]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/755)، اختصرت بعض الخبر.
([74]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/756)
([75]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (2/780)
([76]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/809)
([77]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/810)
([78]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/810)
([79]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/811)
([80]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/812)
([81]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/820)
([82]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/840)
([83]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/845)
([84]) العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/849)
([85]) فضل علم السلف على الخلف، ص 26و28و47.
([86]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 141)
([87]) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 141)