ذكور.. وإناث

المشكلة الكبرى التي يعاني منها المتشددون هو عدم قراءتهم للقرآن، أو عدم تدبرهم له، وإلا فلو أنهم قرؤوه، وتدبروه، وحاولوا أن يعيشوا القيم السامية التي يحملها، لخففوا الكثير من غلوائهم وتشددهم، ولتواضعوا لله، ولخلق الله.
وسأضرب مثالا على ذلك هنا ورد في القرآن في مواضع متعددة، وبأساليب مختلفة، لتتكرر قراءته، وتتقرر معانيه، وتترسخ.. وهو قوله تعالى في قصة آدم عليه السلام، ورفض إبليس السجود، وقوله حينذاك مخاطبا ربه: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]
لقد تكرر هذا المشهد أمامي مرات كثيرة جدا.. كان إبليس البشري، بل المتدين، يعود فيها كل مرة، ليرفض السجود، ويتعلل بنفس المبدأ، مبدأ الخيرية التي صنعها بهواه.. لا الخيرية التي يزكي بها الله من شاء من عباده.
وقع المشهد على كوكب الأرض، وفي شركة صناعية فيها، وقد دعيت إلى الحضور باعتباري شاهدا، وقد كان ذلك فرصة لي لتسجيل هذا الحوار الجديد.
في البداية صعدت امرأة إلى المنصة، وراحت تذكر مشاريعها التي تريد أن تقوم بها في صالح الشركة في حال انتخابها.. وكانت مشاريع كثيرة جدا.. وقد سئلت عن مدى واقعيتها، فذكرت التفاصيل الدقيقة الكثيرة التي برهنت على أنها مقتدرة، وأن فيها من الكفاءة والنزاهة والإخلاص ما يتيح لها الحق في الترشح.. وقد تعجبت من قوة ذاكرتها، وحفظها للأرقام الكثيرة، وتعجبت أكثر من حضور بديهتها، فهي تجيب عن كل ما تسأل عنه بسرعة، وكأنها كانت تعلم الأسئلة مسبقا.. وتعلم الإجابة عنها.
لا أخفي عليكم أني أعجبت بها كثيرا.. فقد كان لها من القدرات ما يسمح لها بتولي ذلك المنصب الخطير.. لكني مع ذلك لم أستعجل في الحكم لها، فقد يكون للمترشح الثاني من القدرات ومن المشاريع ما يفوق ما عندها..
بعد أن انتهى الوقت المحدد لها نزلت ليصعد رجل صاحب لحية كثيفة وقميص قصير، فأصابني بعض الرعب الذي يصيبني من أمثال هؤلاء نتيجة تجاربي المريرة معهم.. وقد استغفرت ربي عندما أصابني هذا.. وأنبت نفسي كثيرا لأني أسأت الظن من غير تحقيق ولا علم..
ولكني بعد ذلك عدت فاستغفرت من استغفاري.. وأنبت نفسي لتأنيبها لي.
سأحكي لكم مشروعه العظيم الذي راح يتقدم به ليدير تلك الشركة المهمة التي قد تنهض بالاقتصاد، وقد تهوي به.
صعد المنصة، وأخذ جزءا مهما من وقته المتاح له في تلك الخطبة الطويلة التي تعود أصحابه أن يقدموها، وكأنها فرض لازم.
ثم نظر إلى الجموع، وقال([1]): ألا وإن من أعظم ما يندى له الجبين، وتثلم به عرى الدين لهي هذه الدعوات من أوباش الخنا وأثمة الخائنين، تلك الدعوة البائرة التي لا تصدر إلا عن أحد اثنين: إما مائع مخنث، وإما دجال خبيث يتظاهر بالدعوة إلى إلغاء فوارق التأنيث، ليتقاضى من وراء ذلك مبالغ من الأموال عمالة من اليهود أو النصارى على إبعاد المرأة المسلمة عن كتاب ربها وسنة نبيها r بارتكاب أنواع الفواحش من تبرج واختلاط وخلع جلباب الحياء وغير ذلك من فنون الفساد وحيلها، فيا هول مصيبة المسلمين بهذا، وهل كانت أول فتنة بني إسرائيل وهلاكهم إلا من ذلك.
قاطعه رئيس الجلسة قائلا: أظن أن أخانا نسي الغرض الذي صعد من أجله.. نحن الآن نقيم مناظرة بينك وبين فلانة لننظر أيكما أصلح لإدارة هذه الشركة.. وقد تقدمت فلانة، ووضحت مشاريعها.. والآن دورك.. ما هو المشروع الذي تحمله؟
نظر المترشح إلى رئيس الجلسة بغضب، وقال: لا أظن إلا أنك من هؤلاء الذين ذكرتهم.. كيف تجرؤ على مقاطعتي في نفس الوقت الذي جبنت فيه على مقاطعتها.
قال رئيس الجلسة: أنا أدير الجلسة، ولو أنها خرجت عن الموضوع لقاطعتها.. هي وبشهادة الجميع لم تتحدث إلا في صلب الموضوع.
قال الرجل: وأنا أيضا كنت أتحدث في صلب الموضوع.
قال رئيس الجلسة: لم أفهم.. ما علاقة كلماتك تلك بمشروع شركتنا.
قال الرجل: لو أنك عرفت الدين، وقرأت ما قال علماء المسلمين لفهمت عني ما ذكرت.. لكنك لا تقرأ.. ولهذا لم تفهم ما عنيت.
التفت رئيس الجلسة إليه، وقال: لا بأس.. أنا جاهل وأمي، بل ومغفل أيضا.. ولهذا سأسأل الجمهور عن علاقة كلامك بموضوع جلستنا..
ثم التفت إلى الجمهور، وقال: ألكلامه علاقة بموضوع جلستنا؟
صاح رجل من الجمهور: أجل.. بل كلماته في الصميم.. ولو أنك ألقيت سمعك، لاكتفيت بها.
قال رئيس الجلسة: فما في كلماته من الاحتجاج لترشيح نفسه.
قال الرجل: مجرد كونه ذكرا دليل قوي على كونه هو الحقيق بهذا المنصب ما دام لم يزاحمه فيه رجل آخر.
قال رئيس الجلسة: ولكن هناك امرأة تزاحمه، وقد سمعتم حججها.
قال الرجل: كل حججها ملغية وغير معتبرة.. فهي أنثى.. وهو ذكر.. وكونه ذكرا كاف لترجيح كفته.
قال رئيس الجلسة: أنا لا أعلم أن هناك فوارق بين الجنسين..
حدثت ضجة كبيرة في القاعة بعد قوله هذا، إلى أن أوقفهم شيخ كان من جملة الحضور الذين دعوا.. تصورت في البداية أنه يريد أن يعيد الجميع إلى العقل والحكمة.. لكني فوجئت كما كنت أفاجأ كل مرة.
قال الشيخ: إن كانت هذه الشركة تريد أن تقوم على أصول شرعية، فعليها أن تطبق الشريعة على الجميع ابتداء من مديرها، وانتهاء بأبسط عامل فيها..
أما الذين يذكرون تساوي الجنسين فهي بدعة حادثة، بل هو كفر مخرج من الملة.
ثم أخرج كتابا من محفظته، ولوح به للجمهور، وقال: أنظروا هذا الكتاب (كشف الوعثاء بزجر الخبثاء الداعين إلى مساواة النساء بالرجال وإلغاء فوارق الأنثى)، ويسمى أيضا (النصح الحثيث لبعض المخانيث الداعين إلى مساواة النساء بالرجال وإلغاء فوارق التأنيث).. إنه للمحدث الكبير العلامة (أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري).. انظروا ما قال في مقدمة كتابه..
راح يقرأ: (هذا وليعلم أن الدعوة إلى إلغاء الفوارق بين الذكر والأنثى كفر أكبر مخرج من الملة، لأنه ردٌّ وتكذيبٌ لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله r )
هل سمعتم ما يقول هذا العلامة..
فيا أيها المسلمون والمسلمات أذكركم بالله عز وجل، وأذكركم بقوله سبحانه: {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]، وقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27]
ويا دعاة الرذيلة أذكركم الله عز وجل وأذكركم بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]
قال رئيس الجلسة: اسمح لي يا شيخ.. فنحن في جلسة رسمية.. وسينتج عنها انتخابات لمدير هذه الشركة.. فلذلك نرجو أن تؤجل مواعظك إلى الوقت الذي تنتهي فيه الجلسة.
غضب الشيخ غضبا شديد، وقال: أتريد مني أن أسكت على المنكر.. أتريد مني أن أترك الشيطان في هذا المجلس؟
قال رئيس الجلسة: إن لم تسكت، وتدعنا نكمل عملنا، فسأضطر لإخراجك من هنا.
بمجرد أن قال هذا، قامت فوضى كبيرة في المجلس، ثم قام بعضهم وأسرع إلى رئيس الجلسة ومعه رفقة من أصحاب الفتوة، وهو يقول: أنت الذي ستخرج من هذا المجلس..
ثم انهالوا عليه يضربونه، ويخرجونه.. وبعدها طلبوا من الشيخ أن يصعد إلى مجلس الرئيس، ويواصل خطابه..
صعد الشيخ، وراح يقول([2]): لقد اتفق سلفنا الصالح على أن المرأة ناقصة عقل ودين.. وأنها سفيهة.. وأنها ناقصة الظاهر والباطن.. في الصورة والمعنى.. ولهذا تكمل نقص ظاهرها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض الشعراء:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة يكمِّل من حسن إذا الحسن قصِّرا
وأما نقص معناها فإنَّها ضعيفة عاجزة عند الانتصار، فلا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بُشِّر ببنت: (والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء وبرها سرقة)
ونتيجة لنقصها الشديد، وخيرية الرجل عليها حرم عليها أن تتولى أي ولاية، أو تتسلط أي سلطة حتى سلطتها على بيتها، لقد قال البغوي في (شرح السنة): (اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماماً، ولا قاضياً، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمر المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة)([3])
وفوق ذلك فإن المرأة لا تستطيع أن تخرج من بيتها إلا مع محرم وللضرورة الشديدة، وقد قال العلامة الألباني، وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: (وما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من إتيان النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمعن درسًا من إحداهن ممن يتسمون بالداعيات -زعمن- فذلك من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في عهد السلف الصالحين، إنما المعهود أن يتولى تعليمهن العلماء الصالحون في مكان خاص كما في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعظ النساء، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد، فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئًا من العلم والفقه السليم المستقى من الكتاب والسنة فلا بأس من أن تعقد لهن مجلسًا خاصًا في بيتها أو في بيت أحداهن، ذلك خير لهن)([4])
بقي يتحدث بهذا وأمثاله إلى أن انتهى الوقت.. وبدأت الانتخابات.. وقد كانت المفاجأة أن الرجل هو الذي فاز فيها.. وعندما خرجت سألني بعض الصحفيين عن سبب انتصار الرجل عليها، فقلت من حيث لا أشعر: هو خير منها.. هو خلق ذكرا.. وهي خلقت أنثى.
بعد شهر واحد من تلك
الحادثة أعلنت الشركة إفلاسها، وطرد العمال.. أما الرئيس فقد فر بصحبة الشيخ إلى
سويسرا، ومعه حقيبة من المال.
([1]) هذا النص مقتبس من كتاب: (كشف الوعثاء بزجر الخبثاء الداعين إلى مساواة النساء بالرجال وإلغاء فوارق الأنثى) ليحي الحجوري.
([2]) النصوص الواردة هنا من الكتاب المذكور مع بعض التصرف البسيط.
([3]) شرح السنة، (10/77).
([4]) السلسلة الصحيحة: (6/401) تحت حديث رقم (2680)..