السلفية.. وتكفير المدارس السلفية

السلفية.. وتكفير المدارس السلفية

قد يستغرب البعض هذا العنوان، ويتساءل متعجبا أو متهما أو ساخرا: كيف تكفر السلفية السلفية؟.. وهل السلفية إلا شيء واحد؟.. وهل يمكن للواحد أن ينقسم على نفسه؟.. وهل يمكن للواحد أن يتصارع مع نفسه؟

وهذا سؤال وجيه، والإجابة عليه تحل إشكالات كثيرة، وتفضح مكرا خفيا يقوم به من يدافع عن السلفية في قضايا التكفير وغيرها من القضايا..

ذلك أن هذا اللقب [السلفية] تتنازعه قديما وحديثا الكثير من الشخصيات والمدارس والتوجهات، والصراع بينها شديد جدا، ولا يقل عن صراعها مع سائر المدارس، بل وصل الصراع إلى حد التكفير.. فالسلفية يكفر بعضهم بعضا إما على منهج التكفير المطلق، وإما على منهج التكفير المعين.. وبذلك فإننا لو طبقنا تلك المقاييس التي طبقناها على سائر المدارس الإسلامية، فلن يبقى سلفي في الدنيا إلا وأصابته سهام التكفير، لا من لدن أصحاب المدارس الأخرى التي يكفرها، وإنما من لدن زملائه في المدرسة السلفية الذين يتفق معهم على أكثر العقائد السلفية، ويتفق معهم على اعتبار ابن تيمية شيخا للإسلام، واعتبار ابن عبد الوهاب مجددا له.

وهذا الخلاف السلفي السلفي ليس مجرد كلمات قد نجتهد في البحث عن مظانها، وليس مجرد تلميحات قد نجتهد في البحث عن تفسيرها.. وإنما تمثله ثروة كبيرة من الكتب والرسائل التي نجد فيها من الصراحة والوضوح ما لا يحتاج معه الباحث لأي عناء أو تكلف..

فكما أن كل سلفي كتب في الرد على الجهمية والمعطلة والصوفية والشيعة.. فكذلك نجد له كتابات في الرد على الجامية أو المداخلة أو الحدادية أو السرورية أو الحزبية أو الجماعات المسلحة وهكذا..

بل نجد أن الجماعة الواحدة ذات التوجه الواحد، والتي تجتمع على خصومها سرعان ما يحصل الخلاف بينها في أي قضية من القضايا لتنشغل فترة طويلة في رد بعضها على بعض، إما على المواقع والمنتديات وإما بإصدار الكتب والبيانات والتحذيرات.

والذي لا يقر بهذا أو ينكره أو يتصور أننا نبالغ فيه أحد شخصين: إما جاهل لا يعرف الواقع، ولا يعرف التراث السلفي وما يصدر كل يوم منه، فهو يعيش في برجه العاجي يحمل صورة مثالية عن السلفية، ولم يشأ أن يلطخ نفسه بالواقع المرير الذي تعيشه.. وإما شخص يكذب على نفسه، ويحتال على الناس، ويفر من الحقيقة.

وما أسهل على العقلاء ـ من غير بذل أي جهد ـ أن يكتشفوا هذا، لا بمطالعة الكتب التي قد تشق عليهم، وإنما بالاكتفاء بالجلوس أمام شاشات التلفزيون ومتابعة الأخبار، ليرى ـ مثلا ـ أن السلفية التي اختارت العمل الحركي السياسي، وشكلت لذلك حزبا من الأحزاب، سرعان ما تنشق على نفسها، وتتحول إلى حزبين، ثم إلى أربعة وهكذا.

ومثل ذلك الحركات السلفية المسلحة.. فسرعان ما تتحول إلى الصراع فيما بينها مع كونها جميعا تقدس ابن تيمية، وتقتدي بابن عبد الوهاب، وتكفر المعطلة والجهمية والصوفية والشيعة وكل ما تتبناه جميع المدارس السلفية.

ومثل ذلك الخلاف الذي تفضحه شاشات التلفزيون، نجده في الكتب والمواقع والمحاضرات الكثيرة التي يتهجم فيها السلفية بعضهم على بعض إلى الدرجة التي يتصور القارئ أنه في غابة ممتلئة بالوحوش المفترسة، لا بين ناس عقلاء يدعون جميعا أنهم يحكمون القرآن والسنة ويرجعون إلى سلفهم الصالح في فهمهما وتطبيقهما.

وقد أشار الشيخ ربيع المدخلي إلى هذه الظاهرة، قال: (فبعض الناس ـ يقصد من السلفيين ـ الآن يطاردون السلفيين حتى وصلوا إلى العلماء وسموهم مميّعين! والآن ما بقي في الساحة عالم –تقريباً- إلا طعن به وفيه !وهذه –طبعاً- هي طريقة الإخوان وطريقة أهل البدع؛ فإن أهل البدع من أسلحتهم أن يبدأوا بإسقاط العلماء، بل هي طريقة يهودية، ماسونية: إذا أردت إسقاط فكرة فأسقط علماءها أو شخصياتها، فابتعدوا عن هذا الميراث الرديء، واحترموا العلماء. ووالله ما يسعى في الكلام فِيَّ –ولا الطعن في ما نحن فيه- إلا لتكون النتيجة إسقاط المنهج؛ فالذي يكره هذا المنهج يتكلم في علمائه، الذي يبغض هذا المنهج ويريد إسقاطه، يسير في هذا الطريق)([1])

وأشار إلى بعض زملائه الذين كانوا معه في نفس المدرسة ـ وهم الحدادية ـ فقال ـ عند ذكره للفروق بينه وبينهم ـ: (ومن صفاتهم أيضا عدم الترحم ؛كان إذا ترحمت على مثل ابن حجر والشوكاني والنووي قالوا: مبتدع، إذا قلت الحافظ، قالوا: مبتدع، إذا قلت: عندهم أشعرية قالوا:لابدّ أن تقول: مبتدع، إذا لم تقل مبتدع فأنت مبتدع.. قلنا لهم: إذا قلنا أشعري معناه أنه عنده بدعة؛ الإنسان يريد أن يتأدب في لفظه ليس لازما أن تقول عنه مبتدع.. أنا أقرأ لكم تراجم من البخاري؛ يمرّ على جابر الجعفي ويمر على غيره لا يقول مبتدع وهو يعرف أنه رافضي ولا يقول أنه مبتدع، لأن هذا ليس لازما، بيّن ضلاله نصحا للناس لكن ليس لازما أن تقول مبتدع أو غير مبتدع فأبوا. يتصل علي أناس من الخارج من أبها يقول لي:ما رأيك في ابن حجر، أقول له: عنده أشعرية، يقول لي:أبدا، أنت ضالّ لابدّ أن تقول مبتدع)([2])

بناء على هذا، فإنه لا يمكننا في هذا الفصل أن نحيط بكل ذلك الخلاف، ونشرح تفاصيله، فالكتب والرسائل في ذلك أكثر من أن تحصى إلى الدرجة التي يمكن اعتبار كل علم من أعلام السلفية مدرسة قائمة بذاتها، ولها أحكامها الخاصة بها على سائر السلفيين أعلامهم وعوامهم.

وكمثال على ذلك أننا عندما نبحث في تراث الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، والذي له جمهوره الكبير، وأتباعه الكثيرون، لا نجد ردوده فقط على سيد قطب أو الإخوان أو التبليغ أو الصوفية أو الشيعة.. وإنما نجد ردودا كثيرة له على إخوانه في المدرسة السلفية، يتهمهم فيها بعدم رعايتهم لشروط المنهج السلفي، وعدم تطبيقهم الجاد له، ولو طبقنا المقاييس التي يحكمون بها على من يفعل ذلك، فإننا لن نحكم على من اتهمهم إلا بالكفر.. بل إننا نجد تصريحات كثيرة بالكفر لمن تتلمذوا على يديه، ثم اتهموه بعد ذلك بالسكوت ومهادنة أهل البدع من السلفية كما سنرى.

ومن الأمثلة على ذلك اتهام الشيخ ربيع لعلماء السلفية المعاصرين بالمهادنة، والتقصير في مواجهة أهل البدع، فقد قال في [مجموع الكتب والرسائل] بعد أن نقل (قول رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: (يا أبا بكر! أسألك عن كلمة؟ فولى وهو يقول: ولا نصف كلمة): (هذا –والله- هو الولاء الصادق لله وللإسلام، ولو عامل (علماء السنة) في هذا الزمن أهل البدع هذه المعاملة الحازمة، لماتت البدع في جحورها، ولما استطاعت المطابع أن تطبع كتبهم!)([3])

وهكذا قال في حديثه عن علماء الهند والعراق والشام مع أن فيهم الكثير من أعلام السلفية: (والفطن يعرف من هم علماء الهند وإيران والعراق والشام؟! وأنهم الروافض، وأسوأ منهم!)([4])

وهكذا كان حديثه عن علماء السعودية مع تشددهم وسلفيتهم التي ورثوها أبا عن جد، وتتلمذوا عليها منذ نعومة أظفارهم، فقد قال عند حديثه عن تقصيرهم في الرد على الإخوان المسلمين: (ونسأل الله أن يطهر هذه البلاد من كتب أهل البدع الملمعة من كتب الإخوان المسلمين فإنه إلى الآن علماء هذه البلد ما أدركوا أن كتب الإخوان المسلمين أخطر من كتب كل أهل البدع لأنهم لم يقرأوها)([5])

وهكذا حكم على (هيئة كبار العلماء)، فقد قال عنهم: (ربيع، وزيد بن محمد هادي جاهدا أكثر من كثير من (هيئة كبار العلماء)، بعض(هيئة كبار العلماء) يجيئون في طبقة تلاميذ ربيع وزيد)([6])

وقال في الشيخ بكر عبد الله أبو زيد عند واصفه تعليقاته على كتاب (أضواء إسلامية): (يمكن أن نسمي هذه الأوراق بالصفحات الظالمة لأنها اشتملت على الباطل والإثم، وخلت خلوا كاملا من العلم وأساليب العلماء، وحشيت بالتلبيس الذي خدع الشباب الحزبي ورسخ في نفوسهم ما غرسه فيهم دعاة الباطل من تقديس من لا يجوز تصنيفه إلا في أئمة الضلال الجامعين للبدع الكبرى التي قل أن تجتمع إلا فيمن طبع الله على قلوبهم وأصمهم وأعمى أبصارهم، ولا يستمر على تقديسه والذب عنه بعد أن قيض الله من يكشف عواره ويبين ضلاله إلا كل من سقط من عين الله {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج: 18]، ولأنها قد تعمد صاحبها الإجمال والإطلاق كما هو شأن كل ناصر للباطل مدافع عنه)([7])

ويقول فيه: (فوالله ما عهدنا سنيا سلفيا غضب لأهل البدع والباطل مثلك ولا عرفنا أحدا ثأر لأهل البدع والباطل مثل ثأرك، وكان اللائق بك على الأقل أن تخلي الميدان لأهل البدع يصولون ويجولون فيه بالباطل والبهت لنصرة الأباطيل والضلالات والترهات)([8])

وقال مخاطبا الشيخ بكر: (إنني لأرثي لحال رجل حمل راية السنة ردحا من الزمن أن يصل به الأمر إلى هذه الحال الغريبة العجيبة من المجازفات في الأحكام، والجرأة على الطعن بالباطل، وتحريك الفتنة -بعد أن استسلمت للنوم عجزا عن مقارعة الحق)([9])

وقال: (فما الذي أعمى بكرا أبا زيد عن كل هذه الصحائف -حتى لو كان استعرض الكتاب مجرد استعراض-؟ إنه الهوى والرغبة الجامحة في الطعن والتشويه، وإن هذا العمل وأمثاله لا يصدر إلا من قلب مريض بالهوى- أعاذنا الله والمسلمين من الهوى وأمراض القلوب والنفوس-، ومع كل ما ارتكبه من ظلم يقول:(إن الله يحب العدل والإنصاف في كل شيء) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)([10])

وقال في الشيخ فالح الحربي الذي كان من المقربين منه: (كان فالح عبئا ثقيلا على الدعوة السلفية وأهلها منذ سلك نفسه في الدعاة إلى المنهج السلفي لا يراعي في تصرفاته ومواقفه وأحكامه مصالح ولا مفاسد ولا يأبه لها، بل كان زراعا للمشاكل في أوساط الشباب السلفي متعالما واضعا نفسه فوق منزلته يطعن في العلماء من مثل العلامة الألباني والشيخ مقبل الوادعي وغيرهما)([11])

وقال: (تبين كذب وفجور فالح على أيدي بعض الكتاب السلفيين بالأدلة الواضحة، ونحن اليوم مع فالح رائد الفتنة والشغب والكذب)([12])

وقال: (فالح وعصابته قد مرقوا من المنهج السلفي وأصبحوا من ألد خصومه، ويظهر للعاقل أنهم أشد خطرا عليه وعلى أهله من كل خصوم وطوائف أهل الضلال)([13])

مع العلم أنه هو نفسه الذي قال فيه عندما كان مقربا لديه: (المعروف أن الشيخ فالح أنه رجلٌ من أهل السنة من السائرين على منهج السلف ولا نعرف بأن له ابتداع أو له مخالفات لأهل السنة الرجل يصنَّف مع أهل السنة والجماعة ويغار على منهج السلف وينصر منهج السلف ويرد على أهل البدع وهذه طريقة السَّلف)([14])

وقال في الشيخ أبي إسحاق الحويني والشيخ محمد حسان وغيرهما من السلفيين المصريين: (الأصل فيهم أنهم من الإخوان، وتربية الإخوان.. والله أنا أرى أنهم مبتدعة.. ما يزداد إلاَّ بعدًا عن المنهج السلفي وتلاحمًا مع القطبيين،فهذا حاله، هذا حاله الآن، هو يدعي أنه من أهل السنّة ويقترب من أهل البدع، ويعاشرهم، ويتلاحم معهم.. فمثل هذا الرجل لا يجوز أخذ العلم عنه، بل يجب الحذر منه؛ وإن زكَّاه من زكَّاه من المنتسبين إلى العلم)([15])

وقال في الشيخ أحمد فريد ومصطفى العدوي: (الذي أعرفه عنهما؛ أنهما من مدرسة الإسكندرية، وهذه المدرسة مدرسة تكفيرية، عندهم خلل عظيم في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، وتعلق شديد بسيد قطب وأفكار سيد قطب المتعلقة بالحكم، وبعضهم أولياء بعض، يعني بعض أولئك لا يظهر عليهم التأييد الواضح لأفكار سيد قطب، أو اللهج بمسألة تكفير الحكام، لكنهم أولياء، وأنصار وأصدقاء، وأحباب، وأخلاء للمصرحين بذلك، ومن رؤوسهم: (ياسر برهامي، ومحمد بن إسماعيل المقدم، ومحمد عبد المقصود وهو من رؤوس الشر في مصر، وإن كان اشتهر بأنه فقيه وكذا، لكنه تكفيري محض، وكذلك أحمد حطيبة، وكذلك أحمد فريد، وكذلك أبو إسحاق الحويني، وكذلك محمد حسان، وكذلك النقيب)، ومجموعة كبيرة ممن يسمون بالمدرسة الإسكندرية؛ كلهم على هذا المنوال)([16])

وقال في الشيخ العيد شريفي الجزائري: (إن عيد شريفي قد عرف عند حملة العلم وطلابه في الجزائر أنه صاحب هوى وينتصر لبعض أهل الأهواء.. يا شيخ هذا من سنوات ونحن الناصح واسكت الناس عنه ولكن أبى الا مناصرة أهل الباطل والمضي في هذا السبيل، ورأيت أنه في الجدال يعني لا يعرف منطقا أبدا لا يعرف منطق الجدال، ومتبع لهواه فصبرنا صبرنا صبرنا عنه؛ فرأينا فيه من الشر والسوء؛ فنعوذ بالله فهـو من أنصار أبي الحسن في الباطن…من أهل الباطل وله طعن في الأبرياء واستنقاص من العلماء طعن يعني غريب، غريب، غريب؛ فنسأل الله له العافية هذا يعتبر يعني بيني وبينوا علاقة ومعرفة ومعرفة في الحق من أول مرة يجيء هنا وهو يعاملني هكذا أين الوفاء والمروءة وأين الوفاء للمنهج نفس يعني الخطأ واضح، جاء يحاججني بالباطل أكثر من أبي الحسن)([17])

وقال في الشيخ أبي الحسن المأربي اليمني: (إن أبا الحسن المصري المأربي أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان لا أجد له نظيرا في القدرة على الثرثرة وكثرة الكلام ويتمتع بقدرة هائلة عل تقليب الأمور وجعل الحق باطلا والباطل حقا والظالم مظلوما والمظلوم البريء ظالما وإلباس نفسه لباس التقوى والورع، وإلباس الأبرياء لباس الفجار الهدامين المفسدين الظالمين، كما فعل ذلك في عدد من أشرطته، مما يدل على خبرة طويلة راسخة ومهارة نادرة في هذه الميادين إلى درجه لا يلحق فيها ولا يبلغ فيها شأوه.. إن هذا الرجل صاحب فتنة عظيمة قد أعد لها العدة لعله منذ وطئت قدماه اليمن أو من قبل ذلك)([18])

وهكذا تعامل مع عدنان العرعور الذي ألف كتابين خاصين به أحدهما [انقضاض الشهب السلفية على أوكار عدنان الخلفية] و[دفع بغي عدنان]، ومما قال فيه: (عدنان عرعور هذا بلاء البلاء وفتنة الفتن، وما عرفت صاحب فتنة مثله أضر بالمنهج السلفي وأهله مثله، ما أعرف أحد يسعى في تمزيق السلفيين وتفريقهم وإلقاء الفتن والشحناء والبغضاء مثله، وأخشى أن يكون ظرفة من ظرف أعداء الله لتحقيق أهداف خبيثة لأن الأعداء يهود ونصارى يعرفون أن الدين الحق إنما هو هذا الحق الذي يدين به السلفيين فيسعى في تفريقهم وتمزيقهم، ثم يتباكى كذبا وزورا أنه يحذر الفتن ويخاف من الفتنة ومن أجل المصلحة وهو كذب في كذب، والله ما رأيت دجالا مثل هذا الإنسان ولعلكم تقرأون.. ابن صياد… أصدق من كلام الدجال المعاصر عدنان، أصدق بكثير، عدنان كله كذب ومرواغات وتلبيس وفتن.. فاحذروا هذا الدجال احذروا كل الحذر وهناك كتابات وأشرطة سوف تصلكم إن شاء الله لتعرفوا أن هذا دجال العصر، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لغير الدجال أخوفه عليكم من الدجال)، فهذا ممن يُخاف ويُخشى على الأمة، ورأينا شره وفتنته تشتعل في أوربا، ولا أشك أنه مجند من أهل البدع والأهواء، ولا أستبعد أنه مجند من غيرهم لهذه الفتن ولهذه الزلازل ولهذه القلاقل ولهذه البلابل التي يقولها هذا الرجل والتي يتجارى به أهل الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه؛ فهو يركض في مشارق الأرض ومغاربها بالأموال الطائلة التي اعترف عدنان بأنه صعلوك؛ فمن أين لهذا الصعلوك هذه الأموال إلا أنه يفعل ويفعل الأفاعيل للحصول على هذه الأموال لماذا؟ ليبدد السلفيين ويضرب بعضهم ببعض ويجعل بأسهم بينهم ألا فادعوا الله تبارك وتعالى أن يريح الإسلام والمسلمين من هذا الرجل وأمثاله)

وقال فيه: (كنّا نعدّه من جملة السلفيين بناءً على ما يظهر لنا من حاله آنذاك رغم قلة مجالستي له، لكن بناء في الوقت نفسه على ادعائه، وقول بعض السلفيين المخدوعين به. إذ: (المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم).. بدأ ينكشف لي بعض ما ينطوي عليه في إحدى زياراتي للرياض حيث بدأ يدافع ويناضل عن سيِّد قطب إذا انتقده بعض السلفيين؛ ويدعي له أنه صحيح التأصيل، وأن المنهج السلفي غير مؤصل، وأن السلفيين لا يؤصلون، ويخص منهم الشيخ ابن باز رأس السلفيين بأنه لا يؤصل، في نقاش وكلام طويل تظاهر فيه بالتراجع عن رأيه في تلك الجلسة ثم عاد لما كان عليه.. ثم أراد عدنان أن ينقذ نفسه من هذه الورطة الكبيرة والفعلة الشنيعة وأراد أن يغطي سوأته أمام السلفيين ولعل له أهدافاً أخرى، فكتب إليّ اعتذاراً بارداً ميتاً لا يساوي الحبر الذي كتب به، ولهوانه وسقوطه وركته لم أحفل به فلا أدري أأعاده الرسول لصاحبه أو بقي عندي والغالب أن الكتاب قد ضاع ولو وجدته لفضحته به)([19])

وهكذا راح يقص قصته الطويلة في الصراع معه، والتي تدل على ذلك الصراع الشديد في تعامل السلفية بعضهم مع بعض.

هذا مجرد مثال، وبناء عليه سنحاول في هذا الفصل أن نذكر المدارس الكبرى للسلفية، ونماذج عن صراع بعضها مع بعض، بل تكفير بعضها لبعض.

وقد رأينا أنه يمكن تقسيم المدارس السلفية بناء على تكفير بعضها بعضا إلى قسمين كبيرين: السلفية العلمية والسلفية الحركية.. ثم تنقسم السلفية العلمية إلى أقسام كثيرة أشهرها: الجامية والحدادية.. وأما السلفية الحركية، فتنقسم إلى قسمين كبيرين: المسلحة والحزبية.. وكلاهما ينقسم أقساما كثيرة.. وكلهم يضلل بعضهم بعضا، بل يصل التضليل أحيانا كثيرة إلى حد التكفير.

وقد أشار إلى بعض هذه الأقسام محمد عمارة في كتابه (السلفية.. واحدة؟.. أم سلفيات؟) تناول فيه قضية التنوع والتناقض بين المدارس السلفية على الساحة السياسية والإعلامية في العالم الإسلامي، بل على مستوى العالم ككل.

وقد خلص في نتيجة بحثه إلى أن السلفية (قد توزعتها العديد من التوجهات، فطرأ عليها الكثير من الانشقاقات فمنها ما يسمى بالسلفية العلمية التي تحاول استلهام المشروع التجديدي لابن تيمية.. ومنها السلفية الجهادية التي سلكت طريق العنف والتغيير.. ومن هذه السلفية المعاصرة فصيل بلغ في الغلو والجمود حدوداً فاقت الخيال حتى لقد كتب بعضهم في تفكير أئمة السلفية مثل ابن القيم الذي قالوا عنه: (إنه زائغ مبتدع كذاب وقح بليد غبي جاهل ضال مضل خارجي ملعون كافر)، وقال أحد كتاب هذه السلفية الظلامية عن ابن تيمية: (إنه لا تؤخذ منه أحكام الولاء والبراء، ولقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرجل المسكين)([20]

وفي موضع آخر عبر عن النتيجة التي يدل عليها الواقع الدعوي والسياسي المعاصر، فقال: (وهكذا نجد أنفسنا تاريخياً وحديثاً أمام عدد من السلفيات، وليس أمام سلفية واحدة كما يحسب كثير من السلفيين ومن خصوم السلفيين)([21])

وهكذا ذكر باحث آخر في دراسة عن الحركة السلفية في مصر وتنوعها، وهي دراسة ميدانية صنفت الحركات السلفية المصرية إلى أربع سلفيات: السلفية التقليدية، والسلفية العلمية، والسلفية الحركية، السلفية الحديثية (أهل الحديث)([22])

فالسلفية التقليدية: وتهدف – بحسب دعاتها – إلى تنقية الدين مما يرونه من البدع خاصة المرتبطة بالتصوف والأضرحة، وكذلك منع المسلمين من الإفتتان بالحضارة الغربية ومرتكزاتها الفكرية المخالفة للإسلام.. ووسيلة التغيير عندهم تنحصر في الدعوة عبر خطب الجمعة والدروس الدينية في المساجد بالإضافة إلى الدعوة الفردية.

السلفية العلمية: وهي السلفية التي تعتمد مهج الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وتتلخص رؤيتها في أن ما لحق بالمسلمين من تدهور حضاري سببه الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والآراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح.

السلفية الحركية: وقد نشأت في نفس الوقت الذي نشأت فيه السلفية العلمية (منتصف السبعينات من القرن العشرين الميلادي) بقيادة عدد من الدعاة الشباب حينذاك، ولم يختلف هذا الرافد السلفي عن السلفية العلمية إلا في شيء واحد وهو الاعلان عن كفر الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الاسلامية باسمه أيا كان اسمه.

سلفية أهل الحديث: وقد ظهر هذا الاتجاه – وإن كان في أصله تابع للسلفية العلمية – في أوائل الثمانينات، فانجرف بعض السلفيين نحو دراسة المصطلح وعلم العلل ومعرفة الصحيح من الضعيف، بالاضافة لإلقاء الخطب والدروس الوعظية والعلمية للعامة وللخاصة، ومن هؤلاء أبو إسحاق الحويني، ومصطفى العدوي، وأسامة القوصي، ومحمد  سعيد رسلان وغيرهم.

وقد عقب كاتب الدراسة على كلامه هذا بقوله عند ذكر بعض التيارات السلفية: (هذا الكلام قبل أحداث ثورة 25 يناير، ولنا كتاب (الدولة السلفية) نبين فيه التحولات السياسية والفكرية عند هذا الفصيل السلفي)

هذان نموذجان عن التصنيفات التي صنفت بها المدارس السلفية الحديثة، وهناك نماذج أخرى كثيرة، ذلك أن الانشاق بين السلفية يحصل كل حين، ولأتفه الأسباب، وبما أننا لا نستطيع أن نحصي خلافاتهم وما كتبوه في تضليل بعضهم بعضا، فسنقتصر على ذكر نماذج متنوعة من مواقفهم وفتاواهم وكتبهم لنرى بذلك مبلغ التكفير السلفي.

أولا ـ تكفير المدارس السلفية العلمية

المراد بالسلفية العلمية السلفية التي تركز جل اهتماماتها على مطالعة التراث السلفي وتدريسه ودعوة الناس إليه من غير أن يكون لها أي اهتمام بالوصول إلى السلطة لا عن طريق السلم، ولا عن طريق العنف.

وهم أقسام كثيرة، والصراع بينهم شديد جدا، لا يمكن الإحاطة به هنا، ولذلك سنكتفي بذكر نموذجين عن تكفيرهم من طرف أصحاب المدرسة الحركية، أحدهما من المدرسة السلفية الحركية المسالمة أو الحزبية، كما يطلقون عليها.. والثاني من المدرسة السلفية الحركية ذات الطابع المسلح، أو الجهادية كما يطلقون على أنفسهم.

النموذج الأول: كتب الدكتور عبدالرزاق بن خليفة الشايجي

وهو من السلفية الحركية المسالمة، والذين يطلق عليهم مخالفوهم لقب [السرورية]، وهو تلميذ عبد الرحمن عبد الخالق، وله عدة رسائل في الرد على الشيخ المدخلي والسلفية العلمية، منها: (الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية)، و(أضواء على فكر دعاة السلفية الجديدة)، و(البديع في بيان منهج د. ربيع.. دراسة نقدية وثائقية تكشف اللثام عن حقيقة د. ربيع بن هادي المدخلي في الحكم على الكتب والطوائف والرجال والجماعات)، وقد رد عليه الشيخ ربيع المدخلي برسالة مضادة.

وقد قال الشيخ الشايجي في خطاب مفتوح إلى الشيخ ربيع: (هل هذا هو منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف الذي ادعيتموه يا شيخ ربيع، وكتبتم فيه، ودعوتم إليه. لا شك أن هذا المنهج الذي يقوم على الظلم وتكفير المسلمين هو منهج الخوارج في تكفير المسلم، بل إن الخوارج لم يقولوا مثل هذا في الذين يكفرونهم، وهذا يوضح جليا الأصل الأول الذي ذكرناه عن الطائفة التي أدخلت في السلفية ما ليس فيها: أنهم خوارج مع الدعاة، مرجئة مع الحكام، رافضة مع الجماعات، قدرية مع اليهود والنصارى والكفار)

ومن أقوال الشيخ ربيع المدخلي في الرد عليه: (يدافع عن أهل البدع والباطل ويطعن بأهل السنة. منهجه فاسد. يخدم أهل البدع، ويخدم أهل الفتن. كل أساليبه مغالطات وكلامه فارغ وكله كذب، وأخس من أهل البدع. شيطان يعرف الحق ويحاربه، ويحارب أهله وينصر الباطل… سلفيته ما هي إلا مجرد لباس لضرب الحق وإيذائه. رجل لا خير فيه. مصيبة على الإسلام. يجب هجره ويفعل فيه أكثر من الهجران. رجل يكذب ويبالغ ما يصلح للمناظرة جاهل. هذا الرجل ليس له شيء من السلفية. ألف في أهل السنة كتابا فيه ثلاثون أصلا كلها قامت على الفجور والكذب والافتراء، وجعلتهم أخبث الفرق، وجمعوا شر ما عند الفرق. يلبس السلفية خداعا لتضليل الشباب. أساء إلى السلفيين أكثر من أهل البدع. يتبع بكتاباته أسلوب المنافقين فهم يظهرون الإسلام وهو يظهر السلفية، ثم يحارب أشد من المنافقين.. فالمنافقون في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يضعوا ثلاثين أصلا، هذا هو النفاق ويظهر السلفية ثم يكر على أهل السنة والمنهج السلفي ويحطمه. متستر يدافع عن أهل البدع ويلمعهم ويشوه أهل السنة. أخطر على الإسلام وعلى السلفية من أهل البدع الواضحين. يلبس لباس السلفية ثم يضرب في أهلها ضربا شديدا، ثم يمدح أهل البدع والضلال، ويدافع عنهم بقوة ثم لا يترك شرا في أهل البدع… أي جناية على الإسلام أشد من هذه؟!)([23])

وهذه الرسائل والكتب المتبادلة تدل على جزء بسيط جدا من الصراع السلفي الذي طفا على السطح، وإلا فالصراع بينهم أشد وأبلغ.

ومن بين الكتب التي ألفها الشيخ الشايجي، والتي لها أهميتها الكبرى في نقد السلفية العلمية وبيان الأصول التي تعتمد عليها والتي تقربها من الخوراج وغيرهم من الطوائف التي يكفرها السلفية كتاب [الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية]

وأهمية الكتاب تكمن في كونه صدر من البيت الداخلي للسلفية، وهو أعرف بطرقهم ومناهجهم، ولذلك كان حديثه عنهم، ونقده لهم أهم من حديث غيره أو نقده.

ولهذا لقي الكتاب ردود فعل شديدة من طرف أصحاب السلفية العلمية، فألفوا في الرد عليه، ومن تآليفهم في ذلك كتاب [بيننا وبينكم يوم الجنائز: كشــف أباطيل كتاب (الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة)] لمؤلفه د.عبدالعزيز بن إبراهيم بن عبدالرحمن الجبرين.

وقد قال الشايجي في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه: (هذه هي الطبعة الثانية من الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية، جمعنا فيها مجموعة أخرى من أصول هذه المجموعة التي ظهرت على المسلمين بالتبديع والتفسيق والتجريم والتكفير، واستعملت كل ألفاظ التنفير والتحقير مع دعاة الإسلام خاصة، كوصفهم بالزندقة، والإلحاد، والخروج… وقصرت عملها الدعوي على حرب الدعاة إلى الله وتصنيفهم، ومن نظر في أصولهم التي ابتدعوها أدرك يقينا أن هؤلاء هم الشرع والحكم، فكما وجد في الفرق الإسلامية معطلة الصفات وهم الجهمية، ومن نحا نحوهم ممن اخترعوا أصولا باطلة أدت بهم إلى تعطيل صفات الرب عز وجل، فقد جاءت هذه الطائفة الجديدة وباسم السلفية لتضع أصولا باطلة تفضي إلى تعطيل الحاكمية التي اختص الله بها {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } [الكهف: 26] فزعموا أن توحيد الحاكمية ليس من التوحيد، بل وليس هو من أصول الدين والإيمان، بل هو من الفروع، وتعطيل الشرع كله ما هو إلا كفر دون كفر، وكل من اعتنى بهذا الأصل فهو عندهم مبتدع يحمل فكر الخوارج، ولقبوه بكل وصف قبيح لمجرد مطالبته الأمة بالعودة إلى حكم الله ورسوله، وقد تفرع عن هذا الأصل الباطل عندهم وجوب ترك الحكام وشأنهم، وعدم التعرض لهم وإن صدر منهم ما صدر من الكفر البواح، وتمكين أعداء الإسلام ووجوب ترك الاشتغال بفقه الواقع وترك ما لله لله وما لقيصر لقيصر – كما صرح به أحد كبارهم – وهذه هي العلمانية بعينها، ومن ثم شنعوا على كل مجاهد في سبيل الله، وقدموا حربه على حرب أعداء الله فكانوا بذلك من دعاة التعطيل، وهم المعطلة للحاكمية والشرع كما كان الجهمية معطلة للصفات والأسماء)([24])

 وهكذا تحول السلفية العلمية إلى معطلة مثلهم مثل الجهمية تماما، وهذا يذكرنا بكتاب ألفه أبو محمد المقدسي بعنوان [تبصير العقلاء بتلبيسات أهل التجهّم والإرجاء]، حكم فيه على السلفية العلمية بمثل ما حكم به السلف الأول على المرجئة.

وقد ذكر الشايجي أسباب اعتبار السلفية العلمية معطلة، فقال: (.. وقام مذهبهم على التعطيل: تعطيل الجهاد، وتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بإذن الإمام – حسب زعمهم – وتعطيل الدعوة إلى الله، وتعطيل النظر في حال الأمة، وإشغالها بحرب الصالحين، وتتبع عوراتهم وزلاتهم، وتنفير الناس عنهم)([25])

ولم يكتف الكاتب بوصفهم بالمعطلة، بل راح يقارنهم بغيرهم من الفرق التي اتفقوا على تكفيرها، فهم ـ كما يقول ـ (خوارج مع الدعاة، مرجئة مع الحكام، رافضة مع الجماعات، قدرية مع اليهود والنصارى والكفار، وأنهم جمعوا شر ما عند الفرق، فهم مع الدعاة إلى الله خوارج يكفرونهم بالخطأ ويخرجونهم من الإسلام بالمعصية، ويستحلون دمهم ويوجبون قتلهم وقتالهم.. وأما مع الحكام فهم مرجئة يكتفون منهم بإسلام اللسان ولا يلزمونهم بالعمل، فالعمل عندهم بالنسبة للحاكم خارج عن مسمى الإيمان.. وأما مع الجماعات فقد انتهجوا معهم نهج الرافضة مع الصحابة وأهل السنة، فإن الرافضة جمعوا ما ظنوه أخطاء وقع فيها الصحابة الكرام ورموهم جميعا بها، وجمعوا زلات علماء أهل السنة وسقطاتهم واتهموا الجميع بها.. وهم مع الكفار من اليهود والنصارى قدرية جبرية يرون أنه لا مفر من تسلطهم ولا حيلة للمسلمين في دفعهم، وأن كل حركة وجهاد لدفع الكفار عن صدر أمة الإسلام فمصيره الإخفاق، ولذلك فلا جهاد حتى يخرج الإمام)([26])

ثم ختم هذه المقارنات بقوله: (فوا عجبا كيف جمع هؤلاء بدع هذه الفرق، وكيف استطاعوا أن يكيلوا في كل قضية بكيلين، فالكيل الذي يكيلون به للحكام غير الكيل الذي يكيلون به لعلماء الإسلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله)([27])

وقد ذكر من أصولهم التي حولتهم إلى خوارج وتكفيريين اعتبارهم (كل من وقع في الكفر كافر، وكل من وقع في البدع مبتدع.. دون نظرا في أن يكون قد قال هذا الكفر أو وقع منه خطأ أو تأولا أو جهلا أو إكراها.. وكل مسلم وقع في بدعة أو ما يتوهمونه بدعة، فهو مبتدع دون اعتبار أن يكون قائل البدعة أو فاعلها متأولا أو مجتهدا أو جاهلا.. وهم أحق الناس بوصف المبتدع باختراعهم هذا الأصل الذي هو من أصول أهل البدع وليس من اصول أهل السنة والجماعة)([28])

ومن أصولهم التي ذكرها، والتي تلحقهم بالخوارج اعتبارهم (من لم يبدع مبتدعا فهو مبتدع.. فإذا حكموا على رجل أنه مبتدع أو على جماعة دعوية أنها جماعة بدعة، ولم تأخذ برأيهم وحكمهم الفاسد فأنت: مبتدع، لأنك لم تبدع مبتدعا.. وهو أصل وقائي فإما أن تكون معنا أو تكون منهم، وهم على شاكلة من قبلهم في التكفير الذين قالوا: (من لم يكفر الكافر – عندهم – فهو كافر)، فإذا حكموا على رجل مسلم أنه كافر ولم توافقهم على ذلك فأنت كافر أيضا لأنك لم ترض باجتهادهم، فما أشبه هذا القول بقول الخوارج)([29])

ومن أصولهم الخطيرة التي ذكرها (استدلالهم بمنهجهم الفاسد في التبديع والتفسيق والهجر والتحذير من المبتدعة بقولهم أن الله سبحانه ذكر أخطاء الأنبياء.. وهذا من عظائمهم ومصائبهم الكبيرة.. فأين القياس في هذا يا أهل العقول، هل أصبح الأنبياء هم المبتدعة، الذين يجب التحذير منهم، مع العلم أن هذا الأصل لا يجوز تطبيقه عليهم من خلال إظهار مثالب دعاتهم وشيوخهم فيجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم ومن انتقدهم فقد انتقد السلف بأكملهم.. فهل أصبحوا في مقام الرب الذي يرشد الأنبياء.. وهل أراد الله سبحانه وتعالى بإرشاد أنبيائه- إلى بعض ما خالفوا فيه الأولى – تحذير الناس منهم كما يفعلون هم بالدعاة المهتدين.. وهل أراد الله من ذكر أخطاء الأنبياء – حسب قولهم – تنقيصهم، وتحقيرهم كما يفعلون هم بالدعاة إلى الله)([30])

ومن أصولهم الخطيرة التي ذكرها عدم حملهم المطلق على المقيد، ولا المجمل على المفسر (حتى يحكموا بالكفر والبدعة على من شاءوا من الدعاة، فبمجرد أن يجدوا في كلامه كلمة موهمة، أو عبارة غامضة، أو قول مجمل يمكن أن يحمل على معنى فاسد فإنهم يسارعون بحمل هذا القول على المعنى الفاسد الذي يريدون، ولا يشفع عندهم أن يكون قائل هذا القول المجمل قد فسره في مكان آخر تفسيرا صحيحا، أو قال بخلاف المعنى الفاسد المتوهم في مواضيع أخرى.. وهذا تصيد وترقب للخطأ من المسلم، وتحميل لكلام المسلم مالا يحتمله، وتفسير له بما يخالف نيته وقصده، مع استثنائهم لمشايخهم وأتباعهم)([31])

ومن أصولهم التكفيريهم التي تلحقهم بالخوارج ـ كما يذكر ـ (اعتبارهم أن الإنسان – أي إنسان عالما كان أم جاهلا بأمور الأحكام ومسائل الشريعة – لا يغتفر له جهله أو خطؤه في أصول الدين.. وقد جاء أصلهم هذا بناء على فهمهم السقيم لما ذكر العلماء من أن الاجتهاد لا يقبل في العقيدة.. ففهموا بفهمهم الباطل الخارجي أن من وقع في الخطأ في مسائل العقيدة فإنه غير مغفور له.. وبذلك أخرجوا علماء الأمة من الملة من حيث يشعرون أو لا يشعرون)([32])

ومن أصولهم التكفيريهم التي تلحقهم بالخوارج ـ كما يذكر ـ (إطلاق لفظ الزنديق على المسلم بلا دليل سوى الهوى.. والزنديق لا يطلق في لغة أهل العلم- في الأغلب – إلا على الكافر المظهر للإسلام، وبالخصوص على الثنوية والقائلين بإلهين، ومدعي النبوة والرسالة، والفرق الباطنية الذين يحملون معاني القرآن على عقائدهم الوثنية.. وقد تساهل أصحاب هذا الكفر الجديد بإطلاق لفظ الزنديق على المسلم المتبع للقرآن والسنة بخطأ أخطأ فيه)([33])

ومن أصولهم التكفيريهم التي تلحقهم بالخوارج ـ كما يذكر ـ اعتبارهم (إقامة الحجة لا تكون إلا في بلاد بعيدة عن الإسلام.. أما بلاد المسلمين فلا حاجة لمن وجد فيها إلى أن تقام الحجة عليه، وعلى هذا الأصل الخارجي يكون كل من وقع في الكفر أو الشرك وهو في بلاد التوحيد فهو مشرك كافر، ولا حاجة عند ذلك إلى إقامة الحجة عليه.. باستثناء الحكام فهم عندهم بحاجة لإقامة الحجة لينطبق عليهم الكفر من عدمه، أما العامة فلا حاجة عندهم لإقامة الحجة عليهم)([34])

ومن أصولهم ومكاييلهم المزدوجة التي ذكرها (تحريمهم العمل الجماعي والتنظيم الدعوي على الجماعات الإسلامية وإباحته لأنفسهم وأشياعهم، فمع أن هؤلاء افتوا بحرمة العمل الجماعي والتنظيم الدعوي بحجة أنه يدعو إلى الحزبية لكن أعمالهم جاءت مخالفة لفتواهم، فلديهم عمل منظم كالأسابيع الثقافية والمخيمات الربيعية وطبع الكتب والتواصل الفكري والتنظيمي بينهم في بقاع مختلفة، وبين قيادتهم المدينة المعروفة إلى غير ذلك مما لا سبيل إلى إنكاره)([35])

ومن أصولهم اهتمامهم (بجمع الأخطاء والمثالب التي وقع فيها بعض أفراد الجماعات الدولية لا لغرض تنبيه أفرادها وتبصيرها للنصح لهم، لكن من أجل هدمها والتنفير عنها وتبديعها بل تكفير المنتسبين إليها، وقد عمدوا في سبيل ذلك إلى ضرب الجميع بأخطاء البعض، فإذا كان في جماعة التبليغ أفراد من الصوفية أصبح كل تبليغي صوفي، وإذا كان في أفراد الاخوان من يوالي الروافض فكل الإخوان المسلمين كذلك وهكذا.. وهم يعلمون أنه ليس كل من ينتسب إلى جماعة التبليغ يدخل في الصوفية ضرورة، وهل إذا أساء بعض أهل بلد كان كل أهل البلد جميعهم مسيئين بسببه)([36])

ومن أصولهم التي تلحقهم بالخوارج ـ كما يرى المؤلف ـ اعتبارهم (أن الجماعات الإسلامية ماهي إلا امتداد للفرق الضالة من معتزلة وأشاعرة وخوارج وقدرية وجهمية، تنتهج منهج الخلف في العقيدة، فأصبح بدل أن يقال هؤلاء أشاعرة وهؤلاء معتزلة صار يقال هؤلاء إخوان، وهؤلاء تبليغ)([37])

ومن أصولهم التكفيرية ـ كما يذكر ـ اعتبارهم (أن الجماعات الدعوية أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى وأنه يجب تقديم حربهم على حرب اليهود والنصارى وجمع مثالبها من أجل هدمها، حتى زعم بعضهم أن هذه الجماعات هي جماعات ردة، وزعموا أن جميعها انحرفت عن المنهج الحق وأخذت بمنهج الخلف وعقيدتهم ودخلت إلى الساحة باسم جماعات الدعوة وجماعات خير وهي تسعى في الحقيقة إلى الإطاحة بدعوة التوحيد ومحاربته)([38])

ومن أصولهم التي تشبههم بالمعتزلة ـ كما يذكر ـ استعانتهم (بسوط السلطان لإسكات مخالفيهم بدلا من الحجة والبرهان.. فلا يتورع القوم عن تأليب السلطان على مخالفيهم في القضايا الاجتهادية، وذلك من خلال تصوير هؤلاء المخالفين بأنهم خطر على الدولة وبالتالي يجب اقتلاعهم، ومن هؤلاء من كتب مؤلبا في صفحات الجرائد العامة، ومنهج السلف مع السلاطين معروف، فهم يتجنبون أبواب السلطان، وإن كان عادلا مقسطا.. فكيف إذا كان يعمل بالنميمة ويرسل التقارير والأشرطة المسجلة، ليصطاد عبارة موهمة، أو يتجسس على شيخ ليتقرب بدمه عند السلطان.. وهؤلاء لا سلف لهم في أسلوبهم التحريضي إلا المعتزلة أيام المأمون والمعتصم حين استعانوا بسوط السلطان على أهل السنة، وحكايتهم مع الإمام أحمد مشهورة معلومة)([39])

ومن الأصول التكفيرية التي ذكرها (للطائفة التي اتخذت سب الدعاة إلى الله دينا: أن أهل البدع الكبرى كالرفض والتجهم والإرجاء واللادينيين يقولون عنهم: هؤلاء معروف أمرهم، ظاهر فعلهم ولذلك فلا يجوز أن ننشغل بهم بل يجب أن ننشغل بالدعاة إلى الله لنبين أخطاءهم لأنها تخفى على الناس.. فانظر كيف عمى هؤلاء عن حرب المحاربين للإسلام وانشغلوا بحرب أولياء الرحمن والدعاة إلى الله ونهش لحومهم وتفضيل جهادهم بدلا من مؤازرتهم والنصح لهم، وتسديد أخطائهم)([40])

ومن أصولهم التي ذكرها (التعبد لله بسب الصالحين وشتمهم ولعنهم. فالمسلم الداعية الذي يمكن أن يكون قد أخطأ تأولا أو جهلا يصبح وقوعه في هذا الخطأ الاجتهادي سببا في استحلال عرضه بل دمه.. وقائمة السباب عند هؤلاء الجراحين طويلة فـ (الخبيث)، و(الخنيث)، و(الزنديق)، و(المبتدع) أوصاف سهلة على ألسن هؤلاء الجراحين يقولونها في كل مناسبة، ويطلقونها على الصالحين من عباد الله دون أي تأثم أو مراجعة للنفس، بل بصدر منشرح، ويظنون أن هذا أرجى أعمالهم عند أعمالهم عند الله)([41])

ومن أصولهم التي ذكرها (أن هذه الفئة التي اتخذت سب المسلمين دينا أرادت أن تستدل لمنهجها في تجريح أهل الإسلام وتبديعهم وتفسيقهم واستباحة أعراضهم، ووجوب مفارقة الصالحين منهم وهجرهم، وتعطيل دعوتهم، أرادت أن تستدل لهذا المنهج الفاسد من القرآن… فاستدلت بالآيات النازلة في الكفار، وأن الرسل جاءوا للتفريق بين الأب وأبيه والزوج وزوجته، والأخ وأخيه، ويستدل بعضهم في دروسه بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد جاء فرقا بين الناس أو قد فرق بين الناس، ويجعلون هذا الحديث دليلا على وجوب التفريق بين المسلمين، فالسلفي غير الإحواني غير التبليغي… ويعقدون الولاء والبراء بين السلفيين وهؤلاء، كما هو الولاء والبراء مع الكفار)([42])

ومن أصولهم التي ذكرها أن (همهم الأول في الدعوة إلى الله هو الوقوف على أخطاء الدعاة، وجمع مثالبهم، وحفظ سقطاتهم برقم الصفحة، ونص كلامهم… والاهتمام بنشر هذه المثالب والسقطات بقصد تنفير الناس منهم لا بقصد تحذير الناس من الوقوع فيها، أو النصح لمن وقعوا فيها، وإنما بقصد أن ينفروا الناس عن الداعي إلى الله ويبطلوا جميع جهاده وكل حسناته، ويهدموا كل ما بناه، ويحرموا المسلمين من جميع مؤلفاته وعلمه ولو كان نافعا صالحا.. وهذا تخريب عظيم وسعي للإفساد في الأرض، فلو أن ساعيا سعى في جميع مثالب الأئمة والفقهاء لوجد الكثير، ولو أن جامعا جمع سقطات الفقهاء لجمع شيئا لا يحصى.. ولا يوجد عالم لم يتكلم فيه، ولو تذكر له جرحة أو سقطة إلا من رحم الله.. وهؤلاء الجراحون أنفسهم لو جمع جامع بعض سقطاتهم وزلاتهم من شريط أو شريطين أو كتاب أو كتابين أو محاضرة أو محاضرتين لكفت في إسقاط عدالتهم، وتبديعهم وتكفيرهم على حسب أصولهم الفاسدة في التبديع والتفسيق والتجهيل والتكفير)([43])

ومن أصولهم التي ذكرها (إنزالهم أنفسهم منزلة أئمة أهل السنة الكبار في تبديع مخالفيهم، ومن ذلك استدلالهم بكلام الثوري والأوزاعي في تبديع أحد الأئمة المشهورين على جواز ما يفعلونه من تبديع وتضليل لمخالفيهم، وهو بلا ريب قياس مع الفارق فإنما ساغ ذلك للثوري وغيره من أئمة السلف بسبب ما أوتوه من علم وعمل وقبول بين الناس، وشتان ما بين أحوال أولئك الأئمة وأحوال هؤلاء الطائشين المتعجلين)([44])

ومن أصولهم التي ذكرها اختراعهم (ليس على منهج السلف) أو (ليس على منهج أهل السنة والجماعة)(وهي عبارة مجملة ترقى عنهم إلى التكفير والإخراج من أهل السنة والجماعة، والفرقة الناجية.. ويطلقون هذه الكلمة على مجرد مخالفة يسيرة في أمر اجتهادي يسوغ فيه الخلاف، كالمشاركة في المجالس النيابية، بقصد الإصلاح ودفع الشر، وكالقول بأن وسائل الدعوة ليست توقيفية، وهذه الكلمة كلمة كبيرة، واصطلاح خطير لأنه أدى بكثير من هؤلاء الجراحين إلى التكفير بغير مكفر، والتبديع بغير مبدع للمسلمين الذين يؤمنون بالقرآن والسنة ولا يخرجون على إجماع الأمة ويعتقدون عقيدة السلف في الإيمان بالأسماء والصفات وسائر أمور الغيب ولا يقدمون قول أحد على قول الله ورسوله، ولكنهم قد يخالفون هؤلاء في أمر فرعي اجتهادي يسوغ فيه الخلاف.. فيطلق عليهم هؤلاء هذه الكلمة الكبيرة (ليس على منهج السلف) أو (ليس على منهج أهل السنة والجماعة)، وهذه الكلمة لا تطلق إلا على من وضع أصولا تخالف أصول أهل السنة كإنكار السنة أصلا أو الدخول في بدعة عقائدية كالخروج والرفض والإرجاء والتجهم والقدر، أو تقديم العقل والهوى على النصوص من القرآن والسنة، أو الفصل بين الدين والسياسة… ونحو ذلك من البدع العقائدية التي تهدم الدين أو جزءا منه)([45])

ومن أصولهم التي ذكرها اعتبارهم (هجر المبتدع وسيلة شرعية للإصلاح تخضع للمصالح والمفاسد وهو من أصول أهل السنة والجماعة.. وهؤلاء الجراحون استخدموا الهجر سلاحا لقتل الإسلام، وتفريق المسلمين فجعلوا كل صغير لم يصل الحلم جراحا وحاكما على الناس بالبدعة والسنة، وأمروا بهجر كل الدعاة والجماعات، وكل من أخطأ خطأ في نظرهم، فلم يبق أحد من المسلمين من أهل السنة والجماعة – إلا من رحم الله – إلا استحق عندهم الهجر، ثم كروا على أنفسهم فبدع بعضهم بعضا وهجر بعضهم بعضا وهكذا ارتد سلاحهم عليهم… وبهذا حول هؤلاء الجراحون سلاح هجر المبتدع الذي استعمله أهل السنة في محاربة البدعة إلى سلاح يحاربون به الإسلام والسنة)([46])

ومن أصولهم التي ذكرها (حملهم أقوال السلف في التحذير من أهل البدع على الدعاة المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة.. وعلى أساس منهجهم الفاسد في أن (كل من وقع في البدعة فهو مبتدع) فإنهم أخرجوا أناسا كثيرين من أهل السنة والجماعة لم يكونوا دعاة لبدعة وإن كانوا قد تلبس ببعضهم بها خطأ، وتأولا كالحافظ ابن حجر والإمام النووي من الأئمة الأعلام رحمهما الله، وغيرهما.. ولما رأى بعضهم خطورة ذلك وأنهم ربما يبدعون بذلك عددا كبيرا من علماء الأمة رجعوا عن تبديع هؤلاء الأقدمين، واستمروا في تبديع الدعاة المعاصرين، علما أن هؤلاء الدعاة وقعوا في بعض الأخطاء التي لا تخرجهم من عموم أهل السنة والجماعة، وهي أهون مما وقع فيه الحافظ ابن حجر والإمام النووي.. ومنهم من اتخذ التقية، دينا فكان يبدع هؤلاء الأقدمين سرا أو أمام خاصته، وينفي عنهم البدعة علنا)([47])

ومن أصولهم التي ذكرها (امتحان الدعاة إلى الله بالموقف من بعض أهل العلم.. فمن لم يقل بقولهم أخرجوه من السلفية، ومن قال بقولهم فهو السلفي الحقيقي عند هؤلاء القوم.. وبذلك أصبح للسلفية مقاييس خاصة عند هذه الطائفة)([48])

 ومن أصولهم التي ذكرها (موقفهم المتناقض من فتاوى أئمة أهل السنة والجماعة.. فإذا وجد هؤلاء فتوى لأحد من علماء السنة – قديما وحديثا – يشتم منها رائحة الموافقة لبعض آرائهم طاروا بها فرحا، وألزموا الناس بها من باب توقير أهل العلم والرجوع إلى أقوالهم.. أما إذا جاءت الفتوى ناسفة لأصولهم الكاسدة.. فإنهم يردونها ولو كانت من نفس العالم الذي طبلوا من قبل لفتاويه الأخرى)([49])

ومن أصولهم التي ذكرها (تعليم صغار طلاب العلم والمبتدئين سب الناس وتجريحهم قبل أن يعرف الشاب المبتدئ أركان الأيمان، وأصول الأخلاق، وأحكام العبادات… فهم يبدأون مع الشاب الذي بدأ في الالتزام والهداية فيعلمونه أن فلانا أخطأ في كذا، وابتدع كذا، وهذا العالم زنديق لأنه قال كذا، وذاك ضال لأنه فعل كذا، وهذه أمور تضره في دينه وتقسي قلبه، وهم مع ذلك يوهمونه أنه بذلك يكون كإمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل، والناقد الخبير يحيى بن معين، وأئمة الجرح والتعديل الذين جلسوا لتمييز الرواة، وجرح المجروحين، والذب عن الدين)([50])

ومن أصولهم التي ذكرها أنه (لما كانت حركة الابتداع الجديدة هذه تقوم في بعض جوانبها على مناصرة الحكام أيّا كانوا، وإبطال فريضة الجهاد وبعض صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشويه صورة كل داع إلى الحكم بشريعة الله، فإنهم عادوا المطالبة بتحكيم شرع الله في الأرض واعتبروا ما اصطلح على تسميته بتوحيد الحاكمية ابتداعا في الدين، وأنه لا يوجد نوع من التوحيد يسمى توحيد الحاكمية، وأن الأولى أن يدرج في أبواب الفقه، وجهل هؤلاء أن الصحابة أنفسهم لم يقسموا التوحيد اصطلاحا إلى ربوبية وألوهية والأسماء والصفات، وإنما هذا اصطلاح حادث)([51])

ومن أصولهم التي ذكرها والتي تقربهم من الجهمية (قول بعضهم أن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب، وهو بعينه قول جهم بن صفوان وبشر المريسي وابن الرواندي والصالحي، وغيرهم من الجهمية، ولهذا لما طبقوا هذا الأصل على الواقع صار حكم من نبذ الشريعة كلها وحكم بقوانين الكفار بحذافيرها وحارب من يدعو إلى تحكيم الشريعة وبالغ في أذاهم وتشويه دعوتهم أنه لا يكفر)([52])

ومن أصولهم التي ذكرها (إطلاق لفظ الخارجي على من أنكر منكر الإمام باللسان.. وأنه لا أمر بمعروف إلا بإذن الإمام)([53])

هذه بعض الأصول التي ذكرها في كتابه المهم والخطير والذي شن عليه السلفية حملتهم الشديدة، وهي تؤكد كل ما ذكرناه سابقا من كون السلفية أكبر مصدر للتكفير في الأمة.

وقد يتصور البعض أن هذا الداعية الذي ذكر هذا بمنأى عن التكفير.. وذلك غير صحيح، فالتكفير ركن من أركان التمذهب بمذهب السلف.. ولا يصير السلفي سلفيا إلا به.. وإنما ذكر الكاتب ما ذكره هنا من انتقادات وتهم لأصحاب التوجه السلفي العلمي من باب الدفاع عن النفس ضد تكفيرهم له.. وليس ضد التكفير مطلقا.

وقد أشار إلى ذلك في رسالة مفتوحة للشيخ ربيع المدخلي جاء فيها: ويقول: (ولما كان الشيخ ربيع بن هادي ينزع في نقده لي وفي غيري من طلبة العلم والدعاة إلى المنهج الذي اخترعه في النقد والذي سماه: (منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف)، وكان قد خرج على المسلمين بهذا المنهج الظالم الذي نسبه إلى سلف الأمة، وأهل السنة والذي يقوم على التعدي والظلم واتهام الناس بالباطل، وإخراج المسلمين من الإسلام، ورميهم بالبدعة والزندقة… فإنني رأيت دفعا للظلم الواقع علي، ودفاعا عن نفسي، والدفاع عن النفس مشروع بل واجب أحيانا لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] ، وكذلك دفاعا عن منهج أهل السنة والجماعة الحق في النقد والنصح لكل مسلم… رأيت أن أوجه هذا الخطاب إلى الشيخ ربيع بن هادي خاصة وللمسلمين عامة)([54])

النموذج الثاني: كتب أبي محمد المقدسي

وهو محمد عاصم بن محمد البرقاوي المقدسي (ولد 1378هـ)، صاحب الكتاب التكفيري المشهور [ملة إبراهيم]، وغيره من الكتب، وله أتباع كثيرون سواء من الملتحقين به في الجماعات المسلحة، أو غيرهم.

وهو يرى كفر المدرسة السلفية العلمية التي يسميها [الجامية والمدخلية] بسبب وقوفها مع الطغاة وعدم إنكارها عليهم، وأنهم بذلك وقعوا في نفس نواقض الإيمان التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

ومن كتبه التي ألفها في تكفير السلفية العلمية كتاب [تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية]، والذي قال في مقدمته: (حقيقة الفرقة المدخلية أنها فرقة من حزب الولاة المتولين للطواغيت المعادين لأهل الحق من المجاهدين وأنصار الدين؛ فرقة تعتقد أن في رقبتها بيعة للطاغوت المحارب  لدين الله تواليه وتظاهره على المجاهدين وتعادي كل من طعن فيه وتسميهم بالخوارج والتكفيريين والفئة الضالة.. وهم كما قلت في رسالة لي قديمة بعنوان (تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية): إن هؤلاء الجامية والمداخلة ومن سار على نهجهم ما هم في الحقيقة إلا لفيف من الضلال المارقين الموالين لحكام بلادهم عموما، ولآل سعود خصوصا فهم مجموعة من مشايخ السلطان ودعاته بل وكثير منهم من مخابراته ومباحثه وأنصاره وأوليائه)([55])

وقد نقل من أقوال السلف ما يدل على منهج التعامل معهم، فنقل عن سفيان بن عيينة قوله لما سئل عن الإرجاء: (الإرجاء على وجهين: قوم أرجوا أمر علي وعثمان، فقد مضى أولئك. فأما المرجئة اليوم فهم يقولون الإيمان قول بلا عمل. فلا تجالسوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم، ولا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم)([56])

وقد علق على هذا النص التكفيري بقوله: (لا شك أن أولئك أقل خبثا من هؤلاء المداخلة ؛لأنهم  رغم تعريفهم الفاسد للإيمان لم يظاهروا المشركين على الموحدين ولم يتولوا الطواغيت ولا رقعوا للمشرعين وأعداء الدين كما يفعل هؤلاء الخوالف من المداخلة الذين دخلوا في ولاية الطواغيت، وزادوا على ذلك فعلة لم يفعلها حتى غلاة المرجئة من الجهمية الذين لم يوالوا الروم ولا انحازوا إلى صف الصليبيين ضد المسلمين؛ أما هؤلاء الخوالف الضلال ؛ فلم يكتفوا بالجدال عن طواغيت الحكم، بل انبروا يدافعون ويجادلون عن أحلافهم من الصليبيين ويثنون عليهم بل ويدعون لهم، حتى نعب خطباؤهم على منبر المسجد الحرام قائلين (جزى الله أمريكا عنّا خيراً!!) وفي مقابل هذا كله تراهم يشنون غاراتهم على الموحدين ويطيلون ألسنتهم في الدعاة المعارضين للتحالف مع الصليبين والاستنصار بهم ويبيحون دماء المجاهدين لهم ويؤيدون طواغيت الحكم ويظاهرونهم ويؤزونهم ويحرضونهم علي قتلهم وإعدامهم)([57])

بناء على هذا راح يذكر رؤوسهم، ومواقف السلفية الحركية منهم، فمنهم([58]) ـ وعلى رأسهم ـ محمد أمان الجامي الذي قال فيه: (هو أثيوبي قدم إلى المدينة المنورة، وسهل له التدريس في المسجد النبوي،و الجامعة الإسلامية وهو صاحب التقارير الشهيرة للسلطان في المشايخ وطلبة العلم وقد هلك)

ومنهم (ربيع بن هادي المدخلي المدرس في الجامعة الإسلامية المتفرغ والمتفنن في الطعن في كل داعية محارب للطواغيت)

ومنهم (فالح بن نافع الحربي شيخ المباحث السعودية كما يعرفه إخواننا في الحجاز)

ومنهم (محمد بن هادي المدخلي ذنب أمراء آل سعود وشاعر بلاطهم؛ المحاضر في الجامعة الإسلامية.. وقد شابه الخوارج في ترحيبه باستباحة دماء المسلمين ومباركة قتلهم، وتحريم دماء الكفرة والمشركين وله شعر في ذلك.. وشعره هذا يشبه شعر عمران بن حطان من الخوارج الأزارقة)

ومنهم (علي الحلبي صاحب الفتوى الشهيرة في وجوب التبليغ عن الدعاة والمجاهدين الذين يسميهم هو ومقلدته بالتكفيريين؛ حيث وُجِّه إليه السؤال التالي: هل يجوز أن يُبلغ أمر هؤلاء التكفيريين إلى السلطان في هذا الزمان؟ فأجاب الحلبي بجواب ملخبط وحمّال أوجه بقوله: (إذا كان هنالك يترتب عليهم من الضرر، والإفساد للأمة، والتضليل لها، وبعث الشر فيها، فهذا واجب)، ثم سُئل بتاريخ 2 ربيع الأول 1420 عن فتواه هذه، فأنكرها بشدة، مدعياً بأن ديدن هؤلاء الكذب على الدعاة، فأُحضر الشريط الذي عليه السؤال والجواب بصوت الحلبي، فبُهِتَ أمام جمعٍ من الذين سمعوا إنكاره قبل دقائق وفي نفس الجلسة؛ التي تمت في بيت أحد الإخوة في مدينة الزرقاء (الأردن) بعد صلاة العشاء وحضرها قُرابة 40 شخصاً، فانقلب يُدافع عن فتواه هذه بحرارة، وبأنه قصد الذين يُفسدون على الأمة منهج سلفها الصالح.. فسئل: هل كُتب وآراء الشيخ سفر الحوالي، والشيخ سلمان العودة، والشيخ عمر عبد الرحمن وأمثالهم، هل هي تُفسد الشباب المسلم عن منهج السلف؟ فأجاب دون خجلٍ ولا وجلٍ: (هي باب للفساد لا شك ولا ريب)، وقد وافق بذلك فرقة اليزيدية من فرق الخوارج، وذلك في قولهم بتولي من شهد أن محمدا رسول الله ولو لم يدخل في دينه؛ مع تبرئهم من الموحدين واستباحتهم لهم، ولكن هناك فرق بينه وبين اليزيدية؛ وهو أن اليزيدية استباحوا الموحدين بالمعاصي، أما هؤلاء المارقة المعاصرين فقد استباحوهم بالطاعات مثل الجهاد والصدع بكلمة الحق والبراءة من الطواغيت وتكفيرهم ونحوه)

ومنهم (سليم الهلالي صاحب اللسان الطويل على المجاهدين والدعاة وصاحب السرقات الشهيرة من كتب الدعاة والعلماء)

ومنهم (سعد الحصين المستشار في السفارة السعودية في الأردن وهو سعودي الجنسية والولاء حتى النخاع يتتبع خطى الجاميين والمداخلة)

ومنهم (محمد بن عبد الرحمن المغراوي ولا يتورع من التهديد برفع أمور مخالفيه من الدعاة إلى السلاطين)

ومنهم (الجزائري عبد المالك بن أحمد رمضاني صاحب كتاب (مدارك النظر في السياسة..) وهو من أسوء وأردأ ما كتب في هذا الباب وحقيقته أنه يدعو إلى سياسة انبطاحية معيشية إرجائية مع الطغاة خارجية مع الدعاة؛ فهو يعتبر حكام الجزائر ولاة أمره الشرعيين فلا يجيز الخروج عليهم ولو باللسان والكلام إذ هو وللآن لم يبصر لغشاوة على بصره وطمس على بصيرته شيئا من الكفر البواح والشرك الصراح والحرب المعلنة على الدين التي يمارسها ولاة أمره هؤلاء، وفي مقابل هذا التعامي عن كفر الطواغيت والترقيع له؛ ترى هذا الغليم القُزَيّم على منهاج شيخه ربيع المدخلي يشن غارته على المجاهد العملاق سيد قطب فلا يعذره بتأويل ولا ينبّه على تراجعه عن كثير من الهنّات التي يصرّ هذا وأمثاله على إلصاقها به ولا يوردون على كلامه شيئا من ترقيعاتهم الواسعة لطوام الطواغيت)

وهكذا راح يذكر الكثير منهم، ويبين وجوه تضليله وتبديعه وتكفيره، وهو لم يكتف بالجاميين فقط، بل ضم إليهم الحركيين من السلفية الذين لم يوافقوا على العمل المسلح، ولم يكفروا الحكام، فقال: (في الكويت يسميهم إخواننا هناك بأصحاب المنهج الأنبطاحى لتخذيلهم عن الدعاة والمجاهدين وانبطاحهم لولاة الخمور، وينقسمون إلى قسمين؛ حزبيين وغير حزبيين؛ يتفاوتون بدرجة الأنبطاح لكنهم يلتقون على نفس الفكر والمنهج)([59])

ومن كتبه التكفيرية التي لقيت ردود فعل واسعة، وألفت في الرد عليها الكثير من الكتب كتابه [الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية]، والذي صرح فيه، وفي مواضع كثيرة على كفر كل السلفيين ـ وخصوصا العلماء منهم ـ ممن لم يؤمنوا بالسلفية الحركية المسلحة، وهو يستند في ذلك إلى نفس ما يستند إليهم السلفية في تكفير المدارس العقدية والصوفية وغيرها، بل يستعمل نفس أسلحتهم التي أشهروها على خصومهم.

وقد بدأ كتابه هذا بما ذكره القحطاني في نونيته من أبيات حول تهديد الأشاعرة وغيرهم، كقوله:

والله صيرني عليكم نقمة  ‍
أنا في حلوق جميعهم عود الحش  ‍
أنا همكم أنا غمكم أنا سقمكم
  ولهتك ستر جميعكم أبقاني
  اعيى أطبتكم غموض مكاني
  أنا سمكم في السر والإعلان

 وقد قال في مقدمته مشيرا إلى الأدوار التلبيسية التي يقوم بها آل سعود مع من يساندهم من مشايخ السلفية: (أماّ هذه الدّولة الخبيثة، فهي من أشدّ الدّول اليوم ممارسة لسياسة التّلبيس على العباد والاستخفاف بهم واللّعب بعقولهم مدّعية تطبيق الشّريعة الإسلامية ونبذ القوانين الوضعية. ولقد أجادت هذه الدّولة الخبيثة أساليب التّلبيس والتدليس وأحكمتها حتّى انطلى هذا على كثير ممّن ينتسبون للعلم والدّعوة، فشاركوا في التّلبيس والتّرقيع لها، فتجد كثيراً منهم يتكلّمون في الدّول الأخرى وطغيانها ويهاجمون تحاكمها للقوانين الوضعية ويصدرون الكتب والمؤلّفات في هذا الكفر والشّرك المستبين، بل وتقوم هذه الدّولة بطباعة هذه الكتب وتوزيعها على الخلق مجّاناً، حتى يتوهم ويظن المتابع لحماسهم في تلك الكتابات أن حكومتهم التي تطبع لهم تلك الكتب وتوزّعها حكومة تحارب القوانين وتنبذها وتأبى تطبيقها أو التّحاكم إليها)([60])

ثم قال مخاطبا علماء السلفية الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا سدنة وكهنة لآل سعود: (فيا قرّة عين طغاة آل سعود بأمثالكم ويا فرحتهم بأفهامكم وأفكاركم، فوالله لو اطّلعوا عليكم ووجدوا سبيلاً إليكم لشروكم بالملايين..  هذا والله من أعجب العجب)([61])

ومن الفصول التكفيرية التي عقدها في الكتاب لتكفير علماء السلفية العلمية فصل بعنوان [السعودية مقبرة العلماء وسجن الدعاة] بين فيه دور العلماء في كل ما تقوم به الحكومة السعودية من مواقف، فقال: (كثير من الكتاب والسياسيين عندما يتكلّمون عن هذه الدولة الخبيثة وركائزها ودعائهما وما تقوم عليه، يذكرون عدّة أمور أساسية من أهمّها وفي مقدمتها (فئة من العلماء والمشايخ تتخذهم هذه الدولة ستاراً وحاجزاً وركيزة من ركائز القوة فيها) نعم.. ووالله لقد أصابوا كبد الحقيقة وصدقوا في هذا، فإن ستار العلماء الذي وضعته هذه الحكومة الخبيثة أو تهيّأ لها بنفسه ورغبته.. يقدم لها دون شك خدمة عظيمة ومجهوداً جباراً في تثبيت أركانها.. بل إنّه يؤدي في هذا المجال دوراً هو أعظم وربّ الكعبة من دور القوات المسلّحة والحرس الوطني أو الملكي والقواعد الأمريكية وطائرات الواكس ومعاهدات الدفاع المشترك والمعاهدات الأمنية.فهو جهاز تخدير وتنويم وتلبيس وتدليس على الشعوب يعطي الصبغة الشرعية لكل ما تقوم به الحكومة وتفعله، ما دام هؤلاء العلماء في أحضانها.. فالنّاس يثقون بهم وينظرون إليهم ويقلّدونهم)([62])

ثم بين الأساليب والإغراءات التي يستخدمها حكام آل سعود لجلب العلماء والخطباء لنشر الفكر السلفي فقال: (فكم سمعنا عن عالم أو خطيب أو داعية صادق صادع كان في بلده قبل أن يستقدم إلى هذه الدولة الخبيثة، تهتز به المنابر وتسير إلى مجالسه وحلقه وخطبه الركبان، فما يلبث أن يتعاقد للتدريس عندنا فيدخل (ثلاجة) العلماء، فما تكاد تسمع له بعد ذلك حسا فمنهم من يخنس وينكب على المشاغل الكثيرة والتكليفات الواسعة التي يشغلونه ويلبسون عليه بها.. وينسى الصدع والدعوة وبيان الحق للناس وفضح الطغاة وطغيانهم، ويضيع ما تبقى من العمر في خدمة مؤتمرات أو إن شئت فسمّها مآمرات السلاطين وندواتهم ولجانهم وأوقاتهم وهيئاتهم وروابطهم التي هي في الحقيقة شيء قليل مما يلبس به الطّغاة على هذه الأمّة أمر دينها لصبغ دولتهم صبغة دينية شرعية، وفي الوقت نفسه يوجهون الناس إلى الدين الممسوخ الذي يريدونه هم، لا الذي يريده الله عزّ وجلّ والذي بعث من أجله رسله والذي أصل أصوله (لا إله إلا الله) توحيد الله وموالاة أوليائه الحقيقيين والبراءة من الشرك – جميع صور الشرك وأنواعها – وعداوة أهلها.. فمن أولئك المشايخ والدّعاة من يبقى على هذه الحال يفني عمره خادماً مطيعاً وكلباً أليفاً وجندياً وفياً للطغاة ومخططاتهم شعر أو لم يشعر.. قصد أو لم يقصد.. فهذا هو واقع الحال)([63])

ثم بين الأدوار والوظائف التي صار علماء السلفية العلمية يتولونها لخدمة الحكام، فقال: (فهذا هو الحاصل اليوم وهذا هو الواقع لا يجادل في ذلك إلا مطموس البصيرة.. فإنّ القلب والله ليذوب حسرة وكمداً على ما آل إليه حال العلم والعلماء في هذا الزمان، وها نحن نرى طلبتهم يملؤون البقاع لا هَمَّ لهم إلا الجدال عن الطّغاة والوقوف في وجه من يكفّرهم ويحرّض على حربهم وقتالهم.. فبئست الثمرة هذه إن كانت هي ثمرة العلم المزعوم.. وانشغلت طائفة أخرى بتحقيق المخطوطات حتى أمسى ذلك العمل ترفاً قاتلاً.. يحققون وينقحون ولا يعملون.. انشغلوا بالأسانيد وغفلوا أو تغافلوا عن المتون.. يجلس الواحد منهم شهوراً في تحقيق أحاديث غربة أهل الإسلام في آخر الزمان، ومنهجه ومسلكه المنحرف تجاه الطغاة من أعظم الدلائل على غربة الإسلام وغربة أهله العارفين له حق المعرفة.. ثم هو يستغرب ويتعجب بل ينكر ويهاجم كل من تكلم في شرك العصر، شرك الحكام والأحكام.. هذا حال طلبة العلم.. ولا غرابة من حالهم إذا كان مشايخهم على الحال التي عرفت)([64])

وتحدث المقدسي عن تلك التناقضات التي فرق أصحاب السلفية فيها بين شرك القبور وشرك القصور، فقال: (وقد قدمنا لك من ضلالات أبي بكر الجزائري ومجازفاته ما فيه الكفاية.. وأمثاله كثير ممن ليس لهم هم إلا الدفاع عن الطغاة وحكمهم والهجوم على الموحدين المعادين لهذه الدولة ورميهم ووصفهم بنعوت الخوارج والتكفير ليصرفوا الناس عن هذا الطريق القويم طريق التوحيد الحق، طريق الولاء والبراء إلى توحيد لا يغضب ولا يزعج أسيادهم من طغاة آل سعود ولا يؤثّر في سياساتهم ومناهجهم.. فالشرك عندهم هو عبادة القبور والأصنام ودعاء غير الله والنذر لغير الله والذبح لغير الله ومن حقق هذا كان موحداً كاملاً حق على الله أن يدخله الجنّة وإن والى أعداء الله وعادى أولياء الله ولبس الصليب وتحاكم إلى الطاغوت محلياً وإقليميا وعربيا ودوليا.. فالحكم والتشريع ونصرة الكفار على اختلاف مللهم بالنفس والمال ومودتهم وتوليهم وحرب الدين وأهله لا دخل لذلك كلّه – عند مشايخ آل سعود – بالشرك والكفر والتوحيد)([65])

وقد ضرب الأمثلة عن بعضهم، فقال: (فهذا أحدهم يكتب كتاباً يوزّع على عوام الناس بالآلاف، يخصّص فيه صفحة كاملة بعنوان (العقيدة أولاً أم الحاكمية) فاصلاً فيه عن العقيدة قضية هي من أهم قضايا العقيدة وتوحيد الألوهية.. فما الثمرة من هذا غير الجدال عن الطّغاة وصدّ كل من يعمل أو يتكلّم ضدّهم.. وذاك دكتور يشغل منصب رئيس قسم السند بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يؤلف كتابا كاملاً لأجل هذه الغاية، سمّاه (منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل) ويشن فيه الغارة بحكمته وعقله المعيشي المداهن على كل من يحارب كفرة الحكام ويجاهدهم.. وحاول بكل ما أوتي من جهد أن يبين أن طريقهم هذا خلاف منهج الأنبياء في الدّعوة إلى الله)([66])

ثانيا ـ تكفير السلفية الحركية

المراد بالسلفية الحركية السلفية التي حاولت أن تمزج بين توجهها السلفي والعمل الحركي لإقامة الدولة الإسلامية، متأثرة في ذلك ـ بالدرجة الأولى ـ بما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبناءه وأحفاده من بعده من تأسيسهم مع آل سعود للدولة السعودية، ومتأثرة كذلك بالإخوان المسلمين، وخصوصا بما كتبه سيد قطب مما يعتبرونه تكفيرا للحكام والأنظمة والمجتمعات، ولهذا يطلق عليهم المخالفون لهم لقب القطبيين والحزبيين وغيرهما من الألقاب.

وهؤلاء أيضا انقسموا إلى من ينتهج المنهج السلمي في الدعوة، ومنهم من ينتهج العنف وسيلة لذلك.. وهؤلاء جميعا سلميهم وحربيهم انقسموا أقساما كثيرة.

وأحكام هؤلاء جميعا تتراوح عند أصحاب السلفية العلمية بين الكفر، باعتبارهم خوراج، وبين اعتبارهم من أهل فرق الضلال الخارجين من أهل السنة والجماعة.

ولكثرة ما كتب فيهم، فسأكتفي هنا بذكر بعض النماذج من الفتاوى والتصريحات التي تدل على موقف السلفية العلمية منهم، من خلال المبحثين التاليين.

1 ـ موقف السلفية العلمية من السلفية الحركية

لا يمكننا إحصاء ما كتبه أصحاب الاتجاه السلفي العلمي بفروعه المختلفة في تبديع وتضليل وتكفير الجماعات السلفية الحركية.. وذلك لكثرة الجماعات من كلا الطرفين، ولكثرة المؤلفين في كل جماعة.. ذلك أن الجميع يعتبرون هذه الجماعات الحركية من أهل البدع المعاصرة الكبرى التي لا تقل عن الفرق التي واجهها سلفهم الأول.. وهم يريدون أن يتقربوا إلى الله بالرد عليهم، استنانا بسنة سلفهم.

ولكن مع ذلك، فسأكتفي هنا بنموذجين في الرد على شخصيتين كبيرتين في المدرسة السلفية الحركية، ولكليهما أتباع كثيرون فيها.

النموذج الأول: الموقف من السلفية السرورية

تعتبر السلفية السرورية من أوسع التيارات السلفية الحركية في العالم الإسلامي في العصر الحديث، وقد أسسها الشيخ محمد سرور زين العابدين الذي كان كان من الإخوان المسلمين ثم انشق عنهم، وحاول أن يجمع بين فكرهم وبين المدرسة السلفية العلمية.

وقد نشأت هذه المدرسة في البداية في السعودية. ثم انتشرت بعد ذلك في كثير من دول العالم الإسلامي، وهي تتفق مع السلفية الجهادية في كثير من مواقفها المتشددة من الحكومات الإسلامية.. كما تتفق مع السلفية العلمية في أطروحاتها المتشددة من الطوائف الإسلامية.

وللسلفية العلمية مواقف متشددة منها لاتقل عن مواقفها من الجماعات السلفية الجهادية، باعتبار فكرها يؤهل ويهيئ لظهور الجماعات المسلحة.

والسلفية العلمية ينقلون في التحذير منها وتكفيرها أقوال كبارهم أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز الذي سئل عن مقولة لشيخ السرورية يقول فيها: (نظرت في كتب العقيدة فرأيت أنها كتبت في غير عصرنا، وكانت حلولاً لقضايا ومشكلات العصر الذي كتبت فيه، ولعصرنا مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جديدة، ومن ثم فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف، لأنه نصوص وأحكام، ولهذا أعرض معظم الشباب عنها وزهدوا بها)([67])

فأجاب ابن باز  بقوله: (هذا غلط عظيم… كتب العقيدة: الصحيح أنها ليست جفاء، قال الله قال الرسول؛ فإذا كان يصف القرآن والسنة بأنها جفاء فهذا ردة عن الإسلام، هذه عبارة سقيمة خبيثة)، وسئل عن حكم بيع الكتاب فقال: (إن كان فيه هذا القول فلا يجوز بيعه، ويجب تمزيقه)([68])

وقال الألباني في وصف سرور لكتب العقيدة بالجفاف: (وهل يقول هذا مسلم)([69])

وقال الشيخ حماد الأنصاري: (مجلة السنة لسرور زين العابدين رأيتها بيد بعض الناس فأمرتهم بإحراقها، وقلت قولي هذا قبل أن اعرف هذا الرجل)([70]).

وقال الشيخ أحمد النجمي: (إن المنهج الإخواني بجميع فصائله من سرورية وقطبية وجماعة تكفير وحزب جهاد وتحرير وغير ذلك كلها تتفق على الفكرة الحركية الحزبية الثورية، كلهم يدعون إلى التخطيط السري والخروج المفاجئ عندما يرون قوتهم قد اكتملت، وإن كانوا يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة)([71]).

وقال الشيخ صالح الفوزان إجابة على سؤال يقول: (قرأت كتاباً اسمه:منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله لمؤلفه: محمد سرور بن نايف زين العابدين، قال فيه: (نظرت في كتب العقيدة فرأيت أنها كتبت في غير عصرنا، وكانت حلولا لقضايا ومشكلا ت العصر الذي كتبت فيه، ولعصرنا مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جديدة، ومن ثم فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف؛ لأنه نصوص وأحكام، ولهذا أعرض معظم الشباب عنها وزهدوا بها) فما هو تعليق فضيلتكم على هذا الكلام؟)، فأجاب بقوله: (لماذا نستورد أفكارنا من الخارج.. لماذا لا نرجع إلى الكتب التي بين أيدينا، من كتب السلف الصالح، وكتب علماء التوحيد التي صدرت عن علماء، ولم تصد ر عن كاتب أو مثقف لا يد ري عن مقاصده؟ ولا يدري أيضا ـــ عن مقدار علمه؟.. الرجل ـ محمد سرور -بكلامه هذا يضلل الشباب، ويصرفهم عن كتيب العقيدة الصحيحة وكتب السلف، ويوجههم إلى الأفكار الجديدة، والكتب الجديدة، التي تحمل أفكارا مشبوهة كتب العقيدة آفتها عند محمد سرور أنها نصوص وأحكام، فيها: قال الله وقال رسوله، وهو يريد أفكار فلان وفلان، لا يريد نصوصاً وأحكاماً. فعليكم أن تحذ روا من هذه الدسائس الباطلة، التي يراد بها صرف شبابنا عن كتب سلفنا الصالح)([72])

وقال الشيخ مقبل الوادعي: (الحزبيون غير موفّقين في دعوتهم بل يعتبرون نكبة على الدعوات، هذا وقد احتـــرق عبدالرحمن عبدالخالق بحمد الله، واحترق عملاؤه في اليمن بحمد الله، واحترق محمد سرور الذي كان صاحبنا قبل قضية الخليج، وأصبح وحفنة من أتباعه يحاربون العلماء، وينفرون عن العلماء، فتارة يطعن هو وأتباعه في الشيخ الألباني وأخرى في الشيخ ابن باز،وانهما لا يفهمان الواقع وأما عند التّحيل من أجل التزكيات ومن أجل المال فيأتون إلى الشيخ ابن باز ويقولون فعلنا وفعلنا)([73])

و سئل: (هل هناك أحد من الدعاة في السعودية تابع محمد سرور على نهجه؟)، فأجاب: (وجد من يتابعه بكثرة، وأيّدوا فكرته الخاطئة أنه لا يجوز الاستعانة بأمريكا على رد المعتدي صدام البعثي.. فهناك من تابعه على فكرته وتأثر بها، مثل سلمان العودة، وكذلك سفر الحوالي، لكن سفرًا أقل تأثرًا بها، ولو جالس سفرًا إخوان صالحون فما أظنه إلا سيرجع، أما سلمان فقد خبّط خبْط عشواء، وفي اليمن أيضًا تابعه بعض المخذولين من أصحاب جمعية الإحسان)([74]).

ومن الرسائل المؤلفة في الرد على السرورية رسالة بعنوان [عشرون مأخذا على السرورية]، وهي من تأليف الشيخ محمد بن عبدالوهاب الوصابي العبدلي، وهي في أصلها محاضرة ألقاها في سنة 1419هـ في دار الحديث السلفية بدماج، في التحذير من السروريين.

ومن المآخذ التي أخذها عليهم، وبدعهم على أساسها (ولاؤهم لمحمد سرور، وقد قال: كلمة (الكفر)، وهذه الكلمة هي التي ذكرها في كتابه [منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله].. وهذه الكلمة لما سُئل عنها الشيخ ابن عثيمين قال هذه الكلمة كفر،  ولما سئل عنها الشيخ الفوزان قال: (هذا كفر،  من قال هذا، قالوا: هذا محمد سرور قال: هذا رجل خبيث)، ولما سئل عنها الشيخ ابن باز – إلا أنها حرفت على السائل – بكلمة (جفاء) بدل (جفاف) فقال: (هذه (ردة) و(كلمة خبيثة) قالوا يا شيخ ما حكم بيع هذا الكتاب والقراءة فيه؟! قال: (يحرم بيعه ويجب تمزيقه).. وقوله في علماء العقيدة بأنهم عبيد عبيد عبيد العبيد وسيدهم الأخير نصراني، وبأنهم (كذبة) و(منافقون) و(جواسيس)، حيث طعن طعنات متعددة في كتب العقيدة وعلماء التوحيد كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين، والشيخ ربيع وغيرهم من علماء التوحيد)([75])

النموذج الثاني: الموقف من عبد الرحمن عبد الخالق ومدرسته

يشكل عبد الرحمن عبد الخالق وأتباعه الكثيرون عقبة كأداء بالنسبة للسلفية العلمية، ذلك أنه مع موافقته لهم في كل مواقفهم من الصوفية والشيعة وغيرهم إلا أنه مع ذلك ينتقدهم ويرد عليهم، بل ويتعامل معهم بالمنهج الذي يتعاملون به مع المبتدعة، وذلك ما أغاظهم، فهم يريدون أن ينتقدوا، ولا ينتقدوا، ويكفروا غيرهم، ولا يكفرهم أحد، لأن لحوم غيرهم حلال، ولحومهم مسمومة.

ولهذا تظهر اللهجة الحاقدة في حديثهم معه وعنه، مثلما تظهر مع الصوفية والشيعة وغيرهما، ومن أمثلة ذلك أن الشيخ مقبل الوادعي سئل: (هل عبدالرحمن عبدالخالق مبتدع؟)، فأجاب: (نعم مبتدع، ما دام يدعو إلى الحزبية.. وإذا كان من أهل العلم من يقول: أن المتعصب للمذاهب الأربعة أو لواحد منها يعد مبتدعًا.. فالتعصب لهذه الحزبيات الساقطة تعتبر بدعة، وكذلك محاربته لإخوانه أهل السنة وتنقصه لهم، واعترافه بالديمقراطية، والذي ينكر على أهل السنة أنّهم لا يقولون بالعمل الجماعي، فهو صاحب هوس، وإلا فمن الذي ينكر العمل الجماعي.. لكن في حدود الكتاب والسنة، وليس كما يقال: أمرنا الأمير أن نحلق لحانا فنحن نحلقها.. أو أمرنا الأمير أن نتصور فنتصور، وغيرها من المحرمات، وإنني أحمد الله على الخير الذي حققه على يدي الدعاة إلى السنة من أهل السنة في اليمن، اخرجوا إلى إخوانكم الذين تزوّدونهم بالدنانير تجدوهم أمواتًا غير أحياء وما يشعرون متى يسقطون، فهم يتوقعون السقوط، بخلاف دعوة أهل السنة.. فالحمد لله دعوة أهل السنة منتشرة في اليمن وفي غير اليمن، وأبشركم أنّها تأتيني أسئلة من بريطانيا ومن أمريكا ومن ألمانيا ومن كثير من البلاد يسألون عن عبدالرحمن عبدالخالق وعن جمعية إحياء التراث، ونحذرهم غاية التحذير من الوقوع في شباكهم)([76])

وقال: (فيجب على عبد الرحمن عبد الخالق أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يترك الدعوة إلى الله، فأنا أرى أن مثله ينبغي أن يتقاعد، وإن كان صغير السن، فقد صار ضرره أعظم من نفعه، وينبغي أن يحجر عليه؛ لكثرة فساده على الدعوات القائمة على الكتاب والسنة؛ وتنفيذ ما يريده أعداء الإسلام. وننصحه قبل هذا أن يتوب إلى الله تعالى ويبتعد عن هذه الحزبيات المغلفة)([77])

وهكذا ردوا عليه بشدة قوله: (وقد عجبت أشد العجب أن ينكر بعض تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يتنكروا لطريقة أستاذهم، ويقولوا كما يقول أعداء دعوته، كل من أسس جماعة للدعوة والجهاد فهو خارجي معتزلي. وليس النظام من دين الله، والتحزب ليس من الإسلام. والعجب كل العجب أن بعض هؤلاء أعطوا الأئمة من أشباه المسلمين حقوق لم تعطى للصديق، ولا الفاروق، ولا عرفها المسلمون في كل تاريخهم. ولا دونها حسب علمي عالم موثوق في شيء من كتب العلم، وأنه لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بإذن الإمام. ولا يجوز رد العدوان عن ديار المسلمين إلا بأمر السلطان، وهؤلاء وللأسف أعطوا الحاكم صفات الرب سبحانه وتعالى)([78])

فقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز تعليقا على هذا: (هذا كلام باطل، وغلط منه، ولم يقل به أحد، ولا يقول به مؤمن)([79])  

وقال فيه الشيخ محمد صالح بن عثيمين:  (كذب من وجه، وضلال من وجه.. لا أنصح الشباب أن يرتبطوا بمثل هؤلاء، يحذر منه، ويحقق معه)([80])

وقال الشيخ صالح الفوزان: (هذا الكلام يدل على حقد في قلبه على علماء الدعوة الموجودين الآن، وهذا قليل من كثير مما قاله-يعني: عبد الرحمن عبد الخالق-عليه مسئوليته أمام الله… على الطلبة أن يحذروا منه)([81])

وقال في قوله (أعطوا الحاكم صفات الرب): (هذا فيه تكفير للعلماء.. أنصح أن هؤلاء يحاربون)([82])

وقد انتقدوه بشدة في قوله: (تجد طائفة العلماء لا يحسنون العقيدة إلا ما تكلم به الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهي قضايا توحيد الألوهية والنهي عن عبادة القبور والتوسل بها.. مع العلم أن البيئة والقرى التي يتكلمون فيها هذا الكلام لا تجد فيها إنسان يقول بمثل هذا، لكن نشأ أفكار جديدة مثل الإلحاد والتشكيك في الدين.. لكن هم-يعني: العلماء-في عماء تام وجهل تام عن هذه المشكلات الجديدة إذاً هذه السلفية التقليدية لا تساوي شيئاً)([83])

فقد رد الشيخ صالح بن غصون على ذلك بقوله: (كلامه يصل إلى الكفر؛ لأنه يصف الحق أنه لا شيء، ويصف الاستقامة أنها لا شيء.. أنصح أن هؤلاء يحاربون، أما صاحب المقالة-عبد الرحمن عبد الخالق-مغرض إنسان خبيث فاجر مريض)([84])

ومن المسائل التي انتقدوه فيها بشدة قوله بالحاكمية، وقد قال في ذلك أبو أحمد السلفي مؤلف كتاب [العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق]: (يستند العلماء في نقد عبد الرحمن عبد الخالق التكفيري الخارجي على مضامين كتاب [الصراط] الذي أصدره مؤلفه في رمضان سنة 1417هـ أجمل فيه المؤلف- كعادته كما في كتبه الأخرى – القول بأن كل من لم يحكم بما أنزل الله كافر، وأن التوحيد ينقسم إلى أربعة أقسام، منها الحاكمية. وساق أقوال العلماء دون تفصيل.. ويقول العلماء إن مسألة التكفير المطلق لدى عبد الرحمن عبد الخالق موجودة في كتبه الأخرى، ويورد العلماء نماذج من ذلك في كتب مختلفة مثل [أصول العمل الجماعي] و[مشروعية الدخول إلى المجالس النيابية]، ويتخوف الذين يحذرون من هذه الكتابات من بوادر فتنة جديدة، خاصة أن هذه الأفكار التي تتعلق بالتكفير والحاكمية صار لها واقع ملموس في بعض الدول)([85])

 ومن المسائل التي انتقدوه فيها بشدة طعنه في كبار علماء السلفية، وفيهم بعض شيوخه، ومن ذلك قوله: (واليوم للأسف نملك شيوخاً يفهمون قشور الإسلام على مستوى عصور قديمة… لا نريد هذا الطابور من علماء المحنطين)، وذكر أن الشيخ ابن باز مضغوط عليه من الحكومة، وقال: (أقول لو أن الذين أفتوا بحرمة الجماعة والتجمع وأزالوا عن أعينهم غشاوة الجهل.. ما أقدموا عليه من الفتوى الباطلة والقول الجزاف)، وقال: (للأسف أن بعض الدعاة إلى الله قد لا يمارس من أساليب الدعوة إلا مجرد نشر كتاب أو إلقاء درس ويظن أنه سيخرج اليهود..  فهم مع ذلك ثرثارون متشدقون)، وقال: (أن يقتصدوا جداً في تعليم الطلاب: آداب الحاجة وشروط المياه و… كفانا إغراقاً في النوم وسعياً في الفوضى وعماية وجهالة … إننا نريد علماء على مستوى العصر)، ويقول في شيخه الشنقيطي: (مكتبة متنقلة ولكنها طبعة قديمة تحتاج إلى تنقيح وتصحيح)([86])

يقول الشيخ ربيع المدخلي في هذه التهمة بعد أن نقل نصوصا من أقواله: (هذه نظرة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق إلى علماء الإسلام عموماً وإلى علماء السنة والتوحيد في المملكة العربية السعودية خصوصاً وإلى علماء الجامعة الإسلامية وعلى رأسهم الشيخ الإمام محمد الأمين الشنقيطي فهم: شيوخ لا يفهمون إلا قشور الإسلام على مستوى عصور قديمة.. وهم طابور من العلماء المحنطين الذين يعيشون بأجسادهم في عصرنا ولكنهم يعيشون بعقولهم وفتاواهم في غير عصورنا فهو لايريدهم.. ويضرب مثلاً بشيخه الإمام الشنقيطي ويدعي أنه ما كان يدرك جواب شبهة يوردها عدو من أعداء الله، مع أنه يشهد بأنه لم تقع عينه على أعلم بكتاب اللَّـه منه؛ لكنه مكتبة متنقلة ولكنه طبعة قديمة تحتاج إلى تنقيح وتصحيح.. وأنه كان يدرس غيره عشرات في علوم الشريعة على هذا المستوى جهلا بالحياة وعلماً بالدين، ثم يقول: وهذا لا يكفي في عصرنا لا بد لنا من رجال يكونون على مستوى ثقافة وعلوم عصورهم ويكونون أيضاً على مستوى الفهم الجيد لكتاب اللَّـه وسنة رسوله  صلى الله عليه وآله وسلم)([87])

ومن الردود التي رد بها علماء السلفية العلمية على تلك الأقوال السابقة قول ابن عثيمين: (من يدعي أن هناك قسماً رابعاً للتوحيد تحت مسمى [توحيد الحاكمية] يعدّ مبتدعاً، فهذا تقسيم مبتدع صادر من جاهل لا يفقه من أمر العقيدة والدين شيئاً)([88])

وقال الشيخ صالح بن غانم السدلان: (ومن جعل الحاكمية قسماً رابعاً من أقسام التوحيد فهذا إما جاهل وإما مبتدع)([89])

وقال الشيخ ناصر العقل: (الحاكمية من الألفاظ المحدثة، مثلها مثل ما أحدثه الجهمية والمعتزلة وأصل الكلام من ألفاظ مبتدعة.. ولا يخلو مفهومها عند المعاصرين من الغلو والمبالغة والتنطع والتعمق في المعنى المراد عندهم، فالأولى اجتنابها)([90])

وقال الشيخ عثمان بن عبد السلام نوح تحت عنوان [ماذا يريد السلفيون من السلفيين] عند حديثه عن عبد الرحمن عبد الخالق: (دعاة السلفية في الإسكندرية جعلوا من مؤلفاته منهاجاً يسيرون عليه في طريقة الدعوة- مثل: منهاج الدعوة السلفية، ولكن الرجل له نزعة إخوانية في الانهزامية أمام الضغوط العصرية وتطويع نصوص الشرع إلى الواقع العصري، ويميل أيضاً إلى الترخصات الإخوانية، ويبدو عليه الافتنان ببعض المبادئ الأوربية في السياسة وغيرها)([91])

وقد أعطى الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق لأعدائه من السلفية العلمية وغيرهم الفرصة لنقده بكل سهولة، لأنه لا يمكن أن يجمع أبدا بين المنهج السلفي وبين ما يدعو إليه.

ومن أمثلة تلك التناقضات أن الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وفي برنامج على قناة الرحمة يسمى (جبريل يسأل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يجيب)، وكان معه محمد حسان ومحمد عبد المقصود، وقد سأله المقدم هذا السؤال: بعض الناس بيسأل هل يجوز الاحتفال بيوم 25 يناير؟ فأجاب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ـ بهذه النبرة الدبلوماسية ـ: (لا شك أن هذه مناسبة سعيدة، احتفالنا بها ليس إثارة عيد يعني، وإنما تذكر هذا اليوم، كان يوم فاصل بين عهدين، بين عهد مضى عهد الظلم والاستبداد، وعهد آتي إن شاء الله تعالى عهد للاستقرار والحرية والشورى في المجتمع فذكرى هذه المناسبة هو يعني الاحتفال بها أرى أنه أمر مشروع)، إلى أن قال: (هذه مناسبة ينبغي أن نذكرها ونقف عندها كما نذكر كما مثلاً نذكر يوم بدر، فإن هذا اليوم من أيام الله تبارك وتعالى، ثم ذكر يوم عاشوراء وأن المسلمين كانوا يصومونه)([92])

بينما هو نفسه يقول في كتابه [الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة] كل ما قاله سلفه عن بدعية إحياء المناسبات المختلفة حتى لو ارتبطت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه، فقد قال فيه: (ولقد أصل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أصلاً خطيراً، وهو تعمد مخالفة أهل الكتاب والأمم الأخرى، وذلك حتى تتحقق ميزة الأمة بالمنهج المستقل والأفعال المستقلة، وحتى لا تختلط أفعال الأمة وعباداتها بأفعال الأمم الأخرى وعباداتها.. ولهذا الأصل أدلة وشواهد لا تحصى كثرة، من أجمع الكتب المؤلفة في ذلك كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية والفصل الخاص بحرمة التشبه بالكفار من (حجاب المرأة المسلمة) للألباني، والمراد هنا التنبيه على أن الأمة الإسلامية يجب أن تكون أمة مستقلة في كل شيء: المنهج والعبادة، والسلوك والآداب والعبادات، وحتى اللباس والمظاهر والعادات)([93])

وقد علق بعض أصحاب المنهج التكفيري الصريح على التناقضات التي بدا بها الشيخ عبد الرحمن، فقال: (فإن المرء ليعجب أشد العجب عندما يرى هذا التقلب السريع لعبد الرحمن بن عبد الخالق، فبالأمس كان الحاكم لمجرد دخوله في معاهدة معينة مع بعض الكفار يكفر وأحكام هذه الهدنة ليست ملزمة، وإذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله فهذا مرتد بلا مثنوية، بل إذا انتسب الرجل لغير أبيه وهو يعلم فهو كافر كفراً أكبر كما في كتابه (السياسة الشرعية)، واليوم يجب أن نرضى بمن أتت به الصناديق ولو أتت برئيس علماني، كما قال في لقاءه في جريدة الوطن الكويتية عندما سأله الصحفي قائلا: (لو جاءت نتائج الانتخابات برئيس او عضو برلمان علماني او ليبرالي او غير سلفي عموما، فقال عبد الرحمن عبد الخالق (مقاطعا): (لابد ان نقبل به، فنحن قبلنا بالنظام ولابد ان نرضى بنتائجه، ولتعزز صناديق الانتخابات من تفرزه فالانتخابات عقد وعهد وينبغي ان نفي بهذه العهود والعقود لكن على الاغلبية الا تلغي الأقلية، فإذا انتخبنا مجلس أمة وطرح عليه موضوع اقتصادي كأن نسير في إطار اقتصاد حر أو اقتصاد مقيد، فلابد أن نرضى بقرار الأغلبية ونحترم رؤية الأقلية)، قد رد عليه الصحفي بقوله: (حقيقة للمرة الأولى التي استمع فيها الى (سلفي ديموقراطي) فهل أنت سلفي بالفعل؟)([94])

وقد كانت هذه التناقضات دافعا لدعاة لمنهج السلفي الصريح لكتابة الردود الكثيرة عليه، ولا يمكننا أن نتحدث عن كل تلك الردود فهي كثيرة جدا، تمتلئ بها الكتب والمواقع وغيرها.. ولذلك سأكتفي بأهم ما كتب عنه، وهو كتاب [جـمـاعة واحــــدة لاجـمـاعات وصــراط واحــــد لاعـــشرات: حِوَار مَع الشَّيْخ عَبْدالرَّحمَن بن عَبْدالـخَالِق] الذي ألفه الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي، والذي أصبح مدرسة بحد ذاتها، فقد رد عليه، ورد على الرد، وهكذا.

ومن تلك الردود التي تكفي آحادها لتكفيره على حسب المنهج التكفيري السلفي قوله: (هذه دعوة من عبدالرحمن لإقرار الباطل والبدع والتصوف والتعطيل لأسماء الله وصفاته)([95])  

وقال: (ونسي عبدالرحمن أنه بهذا الأسلوب يدافع عن نفسه وعن أهل البدع والباطل أسلوب دحلان والكوثري وأمثالهما من أهل الباطل)([96])

وقال: (إن عبدالرحمن يحترم رؤوس أهل البدع المعاصرين ورؤوس أهل الفتن الحزبيين)([97])

وقال: (الخلاصة أن عبدالرحمن بن عبدالخالق شديد الحنق على علماء المنهج السلفي وطلابه، ومن هذا المنطلق كثر طعنه فيهم ظلماً واستمر على هذا الطعن والتهويش والتشويش ما يقارب ثلاثين عاماً)([98])

وقال: (لم يقتصر عبدالرحمن على السلفيين وتشويهه لهم بل تجاوز ذلك إلى تشويه السلفية نفسها)([99])

وقال: (فمنذ تسع وعشرين سنة يسدد ضرباته وطعونه إلى أتباع المنهج السلفي علماء كباراً وطلاباً، ويشهر بهم وينسب إليهم ما هم براء منه في عدد من كتبه وأشرطته)([100])

وقال: (فوا حسرتاه على عبدالرحمن عبدالخالق، وعلى من ينخدع بتصرفاته الباطلة التي تهز المنهج السلفي، وتؤذي أهله وتخدم البدع وأهلها، وتشيدها، وتلمع أهلها)([101])

وقال: (فهو يطعن ويسخر بعلماء أهل السنة وأتباعهم والمنهج السلفي منذ تخرج من الجامعة الإسلامية إلى يومنا هذا)([102])

قال: (ونرى أنه إلى الآن في مخاطبة الشيخ ابن باز وهيئة كبار العلماء لا يعترف بخطئه)([103])

وقال: (ثم إن اعتذارك عما ذكره لك الشيخ من شريط المدرسة السلفية لا يكفي فإن الطعن واسع وعميق وقام على أصول لو رآها الشيخ ابن باز وغيره ورأوا طعونك الأخرى في كتبك لما قبلوا عذرك السياسي)([104])

وقال: (وقد أعلن عبدالرحمن تراجعه وندمه بسبب ضغط الشيخ ابن باز وضغط الواقع من حوله، وإدراكه أن تصميمه علي رأيه في هذه المسألة وغيرها سيدمره ففي تراجعه نظر)([105])

وقال: (الآن يا عبدالرحمن تتواضع وتتنازل لهيئة كبار العلماء بعد أن كنت شامخ الأنف رافع الرأس لا تقبل نصح الناصحين)([106])

وقال: (فأخطاء عبدالرحمن كثيرة وخطيرة وليست مؤلفاته كلها ولا جلها في إطار المنهج السلفي)([107])

وقال: (وأقسم بالله لو أن شخصاً واحداً تفرغ يومين فقط لقراءة بعض كتبك لوجد فيها ما يدينك أشد الإدانة)([108])

ويقول: (فرأيت وسمعت ما تشيب له النواصي من تجنيه على السلفيين وتشويه السلفية نفسها ودفاع عن أهل الباطل)([109])

2  ـ موقف السلفية العلمية من السلفية الجهادية

على الرغم من أن السلفية المسلحة لم تكن سوى نتيجة لتلك الدعوات الكثيرة الصريحة من دعوة السلفية العلمية للجهاد في أفغانستان، بل كان ابن باز وهيئة كبار العلماء هم أنفسهم من يتولى توجيه من يسمونهم المجاهدين لحرب الروس.. لكنهم وبمجرد أن انتهت الحرب الأفغانية، وانتهى استعمالهم فيها، وبدأ السلفيون المسلحون الذين ربوهم على أعينهم يوجهون حروبهم للعدو الأمريكي الجديد.. هنا تغير الموقف السلفي العلمي بسبب تغير الموقف السياسي، وتحول المجاهدون في لحظة واحدة إلى خوارج ومفسدين في الأرض.

ولهذا فقد حصل ارتباك كبير في المجتمع السلفي بسبب الموقف المتجدد من أسامة بن لادن حتى انتشر بينهم خبر يذكر أن اللجنة الدائمة للإفتاء ترى أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة على الحق ظاهرين وأن التنظيم خلافة إسلامية، ولهذا سارعت هذه اللجنة بإصدار بيان يكذب هذا، جاء فيه: (اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من بعض السائلين والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (336) وتاريخ 6/3/1432هـ حول ما نشر في بعض مواقع الشبكة العنكبوتية من فتوى مزورة ومكذوبة على اللجنة، وقد أعطيت رقماً وتاريخاً من فتوى أخرى ومهرت بتواقيع مركبة للأعضاء.​ وقد تضمنت هذه الفتوى المكذوبة أن اللجنة الدائمة تذكر أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة على الحق ظاهرين، وأن التنظيم خلافة إسلامية، إلى آخر ما جاء في هذه الفتوى من البهتان والزور والكذب على اللجنة الدائمة. وبناء على ذلك فإن اللجنة الدائمة تبين الأمور الآتية:​ أولاً: ما نسب إلى اللجنة في هذه الفتوى المزورة كذب وبهتان لا نقر به ولا نرضى عنه، والله حسيب وطليب من كتب هذه الفتوى وعمل على إخراجها.. ثانياً: لا يخفى حكم الشريعة فيمن تقول على شخص كلاماً لم يقله، ونسب إليه ما لم يصدر عنه، وأنه بفعله هذا آثم مرتكب لجرم يستحق عليه العقاب الشرعي.. ثالثاً: تقرر الجنة أن ما جاء في هذه الفتوى المزورة المكذوبة – هو بحمد لله تعالى – ظاهر البطلان، بيّن الكذب، لا ينطلي على من له أدنى معرفة بالبيانات والقرارات الصادرة عن هيئة كبار العلماء وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعلماء هذه البلاد، فإن المدعو الضال أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة متقرر لدى العلماء ضلال مسلكهم، وشناعة جرمهم، وأنهم بأقوالهم وأفعالهم ما جرّوا على الإسلام والمسلمين إلا الوبال والدمار، وكل عاقل، فضلاً عن عالم، يدرك انحراف هذا المسلك، وأنه لا يجوز لمسلم أن ينتسب إلى تنظيم القاعدة، ولا أن يرضى بأفعاله، ولا أن يتكتم على المنتسبين إليه.. رابعاً: لا يجوز التساهل مع مروجي الأقوال الكاذبة والشائعات الباطلة لا سيما إذا كانت منسوبة إلى أهل العلم الذين يبينون الشرع، ويفتون السائلين لما يؤدي إليه هذا التساهل من آثار خطيرة وكبيرة على المسلم فرداً والمسلمين جماعة)([110])

وبعد ذلك نشرت بيانات وفتاوى ومنشورات كثيرة تكفر هذه الجماعات، وتعتبرهم خوارج، وليسوا مجرد بغاة، ومن ذلك قول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في أسامة بن لادن ـ الذي كان يباركه، ويعتبره مجاهدا ومضحيا ـ: (إن أسامة بن لادن من المفسدين في الأرض، ويتحرى طرق الشر الفاسدة وخرج عن طاعة ولي الأمر)([111])

وفي لقاء مع الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في جريدة [الرأي العام الكويتية] قال الشيخ مقبل الوادعي: (أبرأ إلى الله من بن لادن فهوشؤم وبلاء على الأمة وأعماله شر)

وسئل في اللقاء: (الملاحظ أن المسلمين يتعرضون للمضايقات في الدول الغربية بمجرد حدوث انفجار في أي مكان في العالم؟)، فأجاب: (أعلم ذلك، وقد اتصل بي بعض الأخوة من بريطانيا يشكون التضييق عليهم، ويسألون عما إذا كان يجوز لهم إعلان البراءة من أسامة بن لادن، فقلنا لهم تبرأنا منه ومن أعماله منذ زمن بعيد، والواقع يشهد أن المسلمين في دول الغرب مضيق عليهم بسبب الحركات التي تغذيها حركة الإخوان المفلسين أو غيرهم، والله المستعان)

وسئل: ألم تقدم نصيحة إلى أسامة بن لادن؟، فأجاب: (لقد أرسلت نصائح لكن الله أعلم إن كانت وصلت أم لا، وقد جاءنا منهم إخوة يعرضون مساعدتهم لنا وإعانتهم حتى ندعو إلى الله، وبعد ذلك فوجئنا بهم يرسلون مالا ويطلبون منا توزيعه على رؤساء القبائل لشراء مدافع ورشاشات، ولكنني رفضت عرضهم، وطلبت منهم ألا يأتوا إلى منزلي ثانية، وأوضحت لهم أن عملنا هو دعوي فقط ولن نسمح لطلبتنا بغير ذلك)([112])

وهذا الحوار يشير إلى الدور الجهادي الذي كانت تقوم به السلفية العلمية قبل أن تولي ظهرها لهذه الحركات المسلحة، وإلا كيف يرسل الناس أموالا لشراء السلاح إن لم يكونوا قد وجهوا من قبل هذه الوجهة.. وكذلك في استئذانهم لإعلان البراءة من أسامة بن لادن، فذلك يدل أنهم كانوا قبل ذلك يقبلونه ويتولونه.

وسئل الشيخ أحمد النجمي:(أحسن الله إليك هذا سائل يقول قد صح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(لعن الله من آوى محدثاً)، هل هذا الحديث ينطبق على دولة طالبان وخاصة أنهم يؤون الخوارج ويعدونهم في معسكر الفاروق الذي يشرف عليه أسامة بن لادن)، فأجاب الشيخ: (لا شك أن هؤلاء يعتبروا محدثين،و هؤلاء الذين آووهم داخلون في هذا الوعيد الذي قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم واللعنة التي لعنها من فعل ذلك،(لعن الله من آوى محدثاً) فلو أن واحداً قتل بغير حق وأنت أويته وقلت لأصحاب الدم ما لكم عليه سبيل ومنعتهم، ألست تعتبر مؤوياً للمحدثين!)([113])

نكتفي بهذه النماذج من أقوالهم لشهرة إنكار السلفية العلمية على السلفية المسلحة، واعتبارهم من الخوارج، ولذلك لا نحتاج إلى ذكر أي نماذج من الكتب الكثيرة المؤلفة في حقهم.


([1]) مجموع الكتب والرسائل: (1/481-482)

([2]) مقال حول الفرق بين الحدادية والسلفية.

([3]) مجموع الكتب والرسائل (5\167-168)

([4]) مجموع الكتب والرسائل، (10\573)

([5]) مجموع الكتب والرسائل، (2\526)

([6]) مجموع الكتب والرسائل، (9\440)

([7]) مجموع الكتب والرسائل، (7\12-13)

([8]) مجموع الكتب والرسائل (7\20)

([9]) مجموع الكتب والرسائل (7\27)

([10]) مجموع الكتب والرسائل (7\87)

([11]) مجموع الكتب والرسائل، (4\69)

([12]) مجموع الكتب والرسائل (9\168)

([13]) مجموع الكتب والرسائل (9\417)

([14]) الثناء البارع على الشيخ فالح بن نافع، ص2.

([15]) هذا ما نقله أحمد بازمول عنه في تقديمه لكتاب خالد المصري (الحدود الفاصلة) (ص29)

([16]) نقلا عن: شبهات حول أحداث مصر، ص76.

([17]) مجموع الكتب والرسائل، (9\127)

([18]) مجموع الكتب والرسائل، (13\413)

([19]) انقضاض الشهب السلفية على أوكار عدنان الخلفية (ص: 3)

([20]) محمد عمارة، السلفية.. واحدة؟.. أم سلفيات؟ ، ص75.

([21]) محمد عمارة، السلفية.. واحدة؟.. أم سلفيات؟ ص77.

([22]) انظر: موقع التغيير، ولم أجد هذه الدراسة منشورة.

([23])   نقلا من مقال بعنوان: الانشقاقات الوهابية: محاولة للتأريخ.

([24]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص3.

([25]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص5.

([26]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص8.

([27]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص8.

([28]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص9.

([29]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص9.

([30]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص11.

([31]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص12.

([32]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص13.

([33]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص14.

([34]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص14.

([35]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص16.

([36]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص17.

([37]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص18.

([38]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص19.

([39]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص28.

([40]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص28.

([41]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص29.

([42]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص30.

([43]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص32.

([44]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص41.

([45]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص41.

([46]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص43.

([47]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص44.

([48]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص45.

([49]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص47.

([50]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص48.

([51]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص49.

([52]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص51.

([53]) الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة، ص55.

([54])   من مقال به بعنوان: [أدعياء السلفية وتنفيذهم للمخططات الامريكية: خطاب مفتوح إلى ربيع المدخلي]

([55]) تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية، ص3.

([56]) رواه الطبري في تهذيب الآثار (2/181)

([57]) تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية، ص5، فما بعدها.

([58]) تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية، ص7.

([59]) تحذير البرية من ضلالات الفرقة الجامية والمدخلية، ص9.

([60]) الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، ص6.

([61]) الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، ص6.

([62]) الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، ص231.

([63]) الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، ص233.

([64]) الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، ص233.

([65]) الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، ص234.

([66]) الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، ص235.

([67]) منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله 1/8.

([68]) الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص 50.

([69]) المقالات السلفية ص25..

([70]) المجموع في ترجمة الشيخ حماد الأنصاري 2/574.

([71]) المورد العذب الزلال ص237.

([72]) الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة.

([73]) إعلام الإخوان.

([74]) تحفة المجيب.

([75]) انظر: عشرون مأخذا على السرورية، ص7، فما بعدها.

([76]) تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب، ص143.

([77]) فضائح ونصائح، للشيخ مقبل الوادعي ص (53-54)

([78]) نقلا عن: العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص13.

([79]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص14.

([80]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص15.

([81]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص18.

([82]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص19.

([83]) نقلا عن: العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص19.

([84]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص20.

([85]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق، ص6.

([86]) نقلا عن كتاب: العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق.

([87]) جماعة واحدة لا جماعات، ص51.

([88]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق،ص (45)

([89]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق،ص 49.

([90]) العلماء يتولون تفنيد الدعاوى السياسية المنحرفة لعبد الرحمن عبد الخالق،ص 56.

([91]) الطريق إلى الجماعة الأم، ص (178)

([92]) عبد الرحمن عبد الخالق: يجوز الاحتفال بيوم 25 يناير وهو كيوم بدر وعاشوراء !. على شبكة سحاب السلفية.

([93]) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (ص: 29)

([94]) عبد الرحمن عبد الخالق: يجوز الاحتفال بيوم 25 يناير وهو كيوم بدر وعاشوراء !. على شبكة سحاب السلفية.

([95]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص45.

([96]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص31.

([97]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص194.

([98]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص194.

([99]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص196.

([100]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص118.

([101]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص15.

([102]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص19.

([103]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص12.

([104]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص34.

([105]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص132.

([106]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص12.

([107]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص7.

([108]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص9.

([109]) جماعة واحدة ولا جماعات، ص5.

([110]) فتوى رقم (25041) وتاريخ 6/3/1432هـ.

([111]) جريدة المسلمون والشرق الأوسط – 9 جمادى الأولى 1417هـ.

([112]) لقاء مع الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 19/12/1998 العدد: 11503.

([113]) أقوال العلماء في أسامة بن لادن، ص3.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *