التراث السلفي.. والقرآن

التراث السلفي.. والقرآن

لا ينكر أحد من الناس اهتمام السلفية بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة وترتيلا، حتى أنه روي عن سلفهم أنه كان منهم من يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعضهم يختم في قيام رمضان كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر.. ويروون عن قتادة أنه كان يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة.. وكان الزهريُّ إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، ويُقبِل على تلاوة القرآن من المصحف.. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن([1]).

وهكذا نجدهم في عصرنا الحديث يهتمون بتلاوة القرآن الكريم، وترتيله، ولهم قنواتهم الكثيرة المختصة بذلك، بالإضافة لكثرة قرائهم ومرتليهم الذين لقوا شهرة كبيرة بسبب أصواتهم العذبة، وأدائهم الماهر، وتدقيقهم الكبير في مخارج الحروف وأحكام التلاوة.

 بالإضافة إلى هذا نجد اهتمامهم الشديد ـ من لدن سلفهم الأول ـ بالتصنيف في تفسير القرآن الكريم وعلومه، بل إننا نجدهم أول من بادر إلى ذلك.. فمن أوائل ما صنف في التفسير يزيد بن هارون السلمى المتوفى سنة 117هـ، وشعبة بن الحجاج المتوفى سنة 160هـ، ووكيع بن الجراح المتوفى سنة 197هـ وسفيان بن عيينة المتوفى سنة 198هـ، وروح عن عبادة البصرى المتوفى سنة 205هـ، وعبد الرزاق بن همام المتوفى سنة 211هـ، وآدم بن أبى إياس المتوفى سنة 220هـ، وعبد بن حميد المتوفى سنة 249هـ وغيرهم، (وهؤلاء جميعاً كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعاً لباب من أبواب الحديث، ولم يكن جمعاً للتفسير على استقلال وانفراد، وجميع ما نقله هؤلاء الأعلام عن أسلافهم من أئمة التفسير نقلوه مسنداً إليهم)([2])

ثم عندما بدأت مرحلة التدوين في التفسير بشكل منفصل عن الحديث كان سلف السلفية أول من بادر إلى ذلك، وكانوا أول من وضع التفسير لكل آية من القرآن، ورُتَّب ذلك على حسب ترتب المصحف، فقد كان من أوائل من وضع كتبا في التفسير ابن ماجه المتوفى سنة 273هـ، وابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ، وأبو بكر بن المنذر النيسابورى المتوفى سنة 318هـ، وابن أبى حاتم المتوفى سنة 327هـ، وأبو الشيخ بن حبان المتوفى سنة 369هـ، والحاكم المتوفى سنة 405هـ، وأبو بكر بن مردويه المتوفى سنة 410هـ، وغيرهم من أهل الحديث الذين هم سلف السلفية([3])

وهكذا عندما نذهب للبحث عن الكتب المصنفة في أسباب النزول أو الناسخ والمنسوخ أو غريب القرآن أو غيرها من علوم القرآن الكريم، فإننا نجد سلف السلفية هم أول من بادر إلى ذلك، فقد كتب علي بن المديني شيخ البخاري المتوفى سنة (234 هـ) كتابا في (أسباب النزول)، وكتب أبو عبيد القاسم بن سلّام المتوفى سنة (224 هـ) في (الناسخ والمنسوخ)، وكتب أبو بكر السجستاني المتوفى (330 هـ) في (غريب القرآن)، وكتب عليّ بن سعيد الحوفي في (إعراب القرآن)

 وهكذا نجد في العصور التالية: ابن تيمية المتوفى سنة (728 هـ) يكتب رسالة في أصول التفسير، وهي مشتملة على بعض موضوعات علوم القرآن ([4]).

وقد كان جل اعتماد هذه الكتب على النقل عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولذلك لقيت عناية كبيرة من طرف السلفية الذين أثنوا عليها، بل اعتبروها مصادرهم الأساسية في فهم القرآن الكريم، بل لم يحلوا لأحد من الأمة أن يتجاوزها إن أراد أن يفهم كتابه المقدس غضا طريا كما أنزل.

يقول ابن تيمية، وهو يوضح منهج سلفه في التفسير: (إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها؛ ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح؛ لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين)([5])

وهذا الكلام من ابن تيمية ـ مع جماله الظاهري ـ يحوي مغالطة عظيمة ذلك أن المروي عن هؤلاء الراشدين المهديين ـ كما يقول ـ محصور جدا في كتب التفسير، بل لا يكاد يوجد.. حتى قال السيوطي ـ وهو من أكبر المهتمين بجمع كل ما روي من التفسير بالمأثور ـ: (لا أحفظ عن أبي بكر في التفسير إلا آثارا قليلة جدا لا تكاد تجاوز العشرة)([6])، بل إنهم يروون عنه أنه سئل عن آية، فقال: (أي أرض تسعني؟ أو أي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله ما لم يرد الله؟)([7])

ومثله روي أن عمر قرأ على المنبر قوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 27 – 31]، ثم قال: كل هذا قد عرفناه فما الأب؟ ثم رفع عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب، اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب، فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه)([8])

وهكذا لا نجد الصحابة الذين ذكرهم ابن تيمية في مصادر التفسير، فلا نجد بلالا ولا عمارا، ولا غيرهم من أهل بدر أو أحد.. ولو أن السلفية اكتفوا بهؤلاء لما وصل تفسير الطبري إلى 25 مجلدا.

لذلك فقد لجأ السلفية إلى التابعين، كما قال ابن تيمية: (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير كما قال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها وبه إلى الترمذي قال: حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا وبه إليه قال حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش قال: قال مجاهد: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه قال: فيقول له ابن عباس اكتب حتى سأله عن التفسير كله ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم)([9])

وكل هؤلاء الذين ذكرهم ابن تيمية هم في الحقيقة أركان التفسير الذي يعتمد عليه السلفية، لأن تفسيرهم القرآن بالقرآن محدود جدا، وفي آيات مخصوصة فقط، ومثله التفاسير المنقولة عن رسول الله k، بل لا يكاد يذكر منها شيء، ولو ذكر فإن سند الرواية فيه عن أولئك الذين تشبعوا بالروايات الإسرائيلية أو اختلطت أحاديثهم بأحاديث بني إسرائيل، فصارت الأحاديث المرفوعة في ذلك كأحاديث كعب الأحبار نفسها.

وبناء على هذا، فإن التفاسير السلفية معتمدة أساسا على التابعين، وكلهم بلا استثناء تتلمذوا على اليهود، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، واختلطت رواياتهم عن الصحابة برواياتهم عن اليهود.

ولذلك نجد علما كبيرا في التفسير كمجاهد والذي أثنى عليه ابن تيمية كثيرا باعتباره من تلاميذ ابن عباس، وقال فيه ابن سعد: (ثقة فقيه عالم، كثير الحديث)، وقال فيه يحيى القطان: (أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به)، وقال فيه الذهبي: (أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به)، وقال ابن كثير: (أحد أئمة التابعين والمفسرين، كان من أخصاء أصحاب ابن عباس، وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير حتى قيل: إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاووس)([10])

نجد هذا العلم الكبير الثقة مثله مثل سائر السلف يروي الكثير من الإسرائيليات، وهو دليل على أنه نقلها من أهل الكتاب، فقد كان يجمع بين تلمذته على ابن عباس، وتلمذته على الكثير من أهل الكتاب الذين أسلموا وخصوصا من اليهود منهم، كعطية القرظى.

ومن الأمثلة على هذا تفسيره لقوله تعالى: { وَقُولُوا حِطَّةٌ } [البقرة: 58]، فقد قال في تفسيرها: (باب حطة باب إلياء بيت المقدس، أمر قوم موسى أن يدخلوا الباب سجدا، ويقولوا: حطة، وطؤطيء الباب ليخفضوا رؤوسهم، فلما سجدوا قالوا: حنطة)([11])، وفسر قوله تعالى: {أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} [الفتح: 4] قال: (السكينة من الله عز وجل كهيئة الريح لها رأس مثل رأس الهرة وجناحان)([12])

وفسر قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة: 247] بقوله: (فكان طالوت على الجيش أميرا، فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته، فقال داود لطالوت: ماذا لي وأقتل جالوت؟، قال: لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي، فأخذ داود مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات – يعني ثلاثة أحجار – وسمى أحجاره إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فخرج الذي على اسم إبراهيم فجعله في مرجمته فرمى بها جالوت فخرق ثلاثا وثلاثين بيضة على رأسه، وقتل ما وراءه ثلاثين ألفا، يقول: { {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 247]، يعني: سلطانه، وقال ابن أبي نجيح: وسمعت مجاهدا يقول: أقبلت السكينة والصرد وجبريل عليه السلام مع إبراهيم خليل الرحمن عز وجل من الشام، قال مجاهد فبلغني أن السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان)([13])

بل إننا نجد أعلام السلفية يدافعون عمن وصفهم سلفهم بالكذب وبرواية الإسرائيليات بل بالبدع المختلفة، ومن ذلك دفاعهم المستميت عن عكرمة مولى ابن عباس على الرغم من تصريح بعض السلف بكونه كذابا، وذلك كاف لرده لو طبقوا منهجهم في الحكم على الأحاديث، وفي تقديم الجرح على التعديل.

يقول السمعوني في ترجمته: (احتج به البخاري وأصحاب السنن وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونا بسعيد بن جبير، وإنماتركه لكلام مالك فيه، وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك وصنفوا في الذب عن عكرمة منهم أبو جعفر بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وأبو عبد الله بن مندة وأبو حاتم ابن حبان وابن عبد البر وغيرهم)([14])

ثم ذكر التهم الخطيرة الموجهة له، فقال ـ مستصغرا لها ـ: (ومدار طعن الطاعنين فيه على ثلاثة أشياء: وهي الكذب، وموافقة الخوارج في مذهبهم، وقبول جوائز الأمراء)([15])

ثم ذكر جواب المدافعين عنه من أعلام السلفية، فقال: (ومدار جواب الذابين عنه على أن قبول جوائز الأمراء لا يوجب القدح إلا عند المشددين، وأهل العلم على جواز ذلك وقد صنف في ذلك ابن عبد البر، وأما البدعة فإن ثبتت عنه فلا تضر في روايته، لأنه لم يكن داعية، مع أنها لم تثبت عليه، وأما نسبته إلى الكذب، فأشد ما ورد في ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر أنه قال لنافع: (لا تكذب علي، كما كذب عكرمة على ابن عباس)، قال ابن حبان: (أهل الحجاز يطلقون كذب في موضع أخطأ، ويؤيد ذلك قول عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد، لما أخبر أنه يقول: إن الوتر واجب، مع أنه لم يقله راوية وإنما قاله اجتهادا، ولا يقال للمجتهد فيما أداه إليه اجتهاده إنه كذب فيه، وإنما يقال أخطأ فيه، وقد ذكر ابن عبد البر أمثلة كثيرة تدل على أن كذب تأتي بمعنى أخطأ، ويتلو ما روي عن ابن عمر في الشدة ما يروي عن ابن سيرين من قوله لمولاه برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس وقد عرفت ان كذب قد يكون بمعنى أهخطأ، وقال بعض العلماء: كان عكرمة ربما سمع الحديث من رجلين فيحدث به عن احدهما تارة وعن الآخر تارة أخرى فربما قالوا ما أكذبه فربما قالوا ما أكذبه وه صادق، وقال أيوب قال عكرمة أرأيت هؤلاء الذين يكذبونني من خلفي أفلا يكذبونني في وجهي، يعني انهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه والمخرج منه، وأما طعن مالك فيه فقد بين سببه أبو حاتم قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عكرمة فقال ثقة قلت يحتج بحديثه قال نعم إذا روى عنه الثقات والذي أنكر عليه به مالك إنما هو بسبب رأيه على انه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك، وإنما كان يوافقهم في بعض المسائل فنسبوه إليهم وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك) ([16])

وهكذا استطاع العقل السلفي أن يحتال له كما احتال لغيره، لأنه إن لم يحتل له، ولم يدافع عنه، فستضيع ثروة حديثية كثيرة، وتنقص معها صفحات كثيرة من تراث السلفية في التفسير والعقائد والفقه وغيرها.

وقد ذكر الطبري هذا المبرر عند دفاعه عنه، فقال: (لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه)([17])

وهكذا نجد أمثال هذه المرافعات الطويلة عن كل المفسرين من التابعين، والذين اعتمد عليهم التراث السلفي بالدرجة الأولى.. فلا نكاد نجد أحدا منهم إلا وتكلم فيه، ولا نجد أحدا منهم إلا ودافع السلفية عنه دفاع المستميت مستعملين كل أدوات الحيلة التي استفادوها نتيجة تواصلهم الدائم مع اليهود أو تلاميذهم.

وليس الأمر قاصرا على الروايات الإسرائيلية، بل تعداه إلى أمور خطيرة كثيرة، ساهمت في تشويه المعاني القرآنية، بتحويلها إلى معان بشرية مدنسة بالانحرافات التي وقعت فيها سائر الأديان.

لذلك فإن ما يعتبره السلفية مكرمة لسلفهم بالمبادرة لتفسير القرآن الكريم، نراها أكبر بدعة وانحراف ساهم في تحريف القرآن الكريم، وإبعاد الأمة عن معانيه السامية، نتيجة خلطه بتراث الأديان الأخرى، وبالمفاهيم البشرية القاصرة.

ومن العجيب أن السلفية الذين ذكروا من أسباب نهي سلفهم عن تدوين الحديث خشية اختلاطه بالقرآن الكريم، نجدهم هم أنفسهم يخلطون تراث الأمم الأخرى، ومفاهيمهم القاصرة بالقرآن الكريم.. فلا تجد آية حتى لو كانت واضحة الدلالة لا تحتاج إلى تفسير إلا وأمامها ما قال مجاهد أو عكرمة أوقتادة أو كعب أو غيره.

فمع وضوح معنى الكلب في قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18] لأن العرب كانت ولا تزال تطلقه على الحيوان المعروف، إلا أن مفسر السلفية الثقة والمشهور ابن جرير يقول في تفسير معنى [الكلب]: (اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بقوله: (وكلبهم باسط ذراعيه) فقال بعضهم: هو كلب من كلابهم كان معهم، وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى، وقال بعضهم: كان إنسانا من الناس طباخا لهم تبعهم)([18]).. وهكذا نرى كيف يحرف القرآن الكريم.. فيتحول الإنسان المحترم المبجل إلى كلب.

وهكذا نراه عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } [ص: 23]، فقد قال: (وإنما كنى بالنعجة ها هنا عن المرأة، والعرب تفعل ذلك، ومنه قول الأعشى:

قَدْ كُنْتُ رَائِدَهَا وَشاةِ مُحَاذِرٍ… حَذرًا يُقِلُّ بعَيْنِهِ إغْفَالَهَا

يعني بالشاة: امرأة رجل يحذر الناس عليها، وإنما يعني: لقد ظلمت بسؤال امرأتك الواحدة إلى التسع والتسعين من نسائه)([19])

بناء على هذا، سنحاول هنا أن نسلط مجهر التحقيق والنقد على التراث السلفي المتعلق بالقرآن الكريم لنرى أهم الانحرافات التي سربها للأمة من خلال هذا المصدر العظيم من مصادر الدين.

وقد رأينا أنه يمكن جمعها في انحرافين كبيرين: الأول: هو تشويه الحقائق القرآنية، والثاني: وهو تشويه القيم القرآنية.. وسنتحدث عن هذين المعنيين في المبحثين التاليين:

أولا ـ تشويه الحقائق القرآنية.

مع ورود النهي في القرآن الكريم عن سؤال أحد من الناس عن الحقائق القرآنية، وخاصة اليهود منهم، كما قال تعالى: {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22]، وقد فسرها مجاهد بأن المراد منهم اليهود([20]).

وهكذا نجد النصوص الكثيرة التي تحذر من خلط الحقائق القرآنية الناصعة بغيرها، إلا أننا نجد التراث السلفي، لم يصغ إلى كل تلك التنبيهات والتحذيرات، وانشغل بسبب هيامه بالحشو والرواية والتصنيف والمبالغة فيها إلى تشويه الحقائق القرآنية تشويها عظيما خلطها بالخرافة والدجل، فأصبح القرآن الكريم بذلك مطية لكل الأساطير والأوهام البشرية.

ومن العجيب أن السلفية ـ مع تشددهم الكبير ـ في فروع الأحكام الفقهية، وخاصة ما يتعلق منها بالشعائر التعيدية من الطهارة والصلاة وغيرها، حيث أنهم يتشددون مع الرواة، ويقومون بالكثير من المقارنات والتحقيقات، ويؤلفون في ذلك الكتب والرسائل، إلا أنهم وفي حقائق القرآن تساهلوا تساهلا عظيما، فأخذوها من كل من هب ودب، حتى قال الإمام أحمد: (ثلاثة كتب ليس لها أصول المغازي والملاحم والتفسير)([21])، وقد علق عليه الزركشي بقوله: (قال المحققون من أصحابه: ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة) ([22])

وهكذا نرى السيوطي ينقل عن الشافعي قوله: (لم يثبت عن ابن عباس في التفسير شبيهٌ بمئة حديث)([23])

وهكذا قال عبد الرحمن بن مهدي، وهو من من أعلام السلفية الكبار: (إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام، تشدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال)

بل هكذا نرى ابن تيمية نفسه يعتبر التحقيق في هذا نوعا من الفضول، وكأن الحقائق القرآنية لا أهمية لها حتى يتحدث فيها من شاء كما شاء، يقول في ذلك: (الاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يعلم بغير ذلك، إذ العلم إما نقل مصدق، وإما استدلال محقق، والمنقول إما عن المعصوم، وإما عن غير المعصوم، والمقصود بأن جنس المنقول سواء كان عن المعصوم أو غير المعصوم، وهذا هو النوع الأول منه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه. وهذا القسم الثاني من المنقول، وهو ما لا طريق لنا إلى الجزم بالصدق منه عامته مما لا فائدة فيه فالكلام فيه من فضول الكلام، وأما ما يحتاج المسلمون إلى معرفته فإن الله نصب على الحق فيه دليلا فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر ونحو ذلك، فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان من هذا منقولا نقلا صحيحا عن النبي k كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم وما لم يكن كذلك بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب – كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب – فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة.. وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي k أو من بعض من سمعه منه أقوى؛ ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ومع جزم)([24])

ونحب أن ننقل هنا للدلالة على هذا التساهل أو الحرص على الحفاظ على التراث الإسرائيلي في تفسير القرآن الكريم رسالة كتبها أحد أعلام السلفية المعاصرين، وهو أبو إسحق الحويني لشيخه الألباني.. وسبب كتابته لها هو أنه عندما أراد أن يخضع الروايات الواردة في التفسير عن السلف إلى منهج المحدثين ـ مع ما فيه من قصور ـ لقي معارضة على ذلك، فأرسل للألباني ليزكي عمله هذا.

قال الشيخ أبو إسحاق الحويني في مقدّمة تحقيقه لتفسير ابن كثير: (توقفتُ طويلاً في الحكم على الآثار التي يوردها ابن كثير: هل أخضعها لقواعد المحدّثين من النظر في رجال السند، واعتبار ما قيل فيهم من جرحٍ وتعديلٍ، أم أتساهل في ذلك وأداني البحثُ والتأمل أنه لا بد من إخضاع كل ذلك لقواعد المحدّثين، إذ الكل نقلٌ، وأصول الحديث إنما وضعها العلماء لذلك، ولأني أشعر بخطورة الأمر، عرضتُ ما وصلتُ إليه على مَن أثق بعلمه ورأيه من شيوخي وإخواني، فكتبتُ لشيخنا الشيخ الإمام، حسنة الأيام، أبي عبد الرحمن ناصر الدين الألباني حفظه الله ومتّع به أذكر له ما انتهى إليه بحثي، وما اخترتُهُ منهجاً لي في العمل.. فأجابني إلى ما أردتُ برغم مرضه الشديد – آنذاك – عافاه الله ورفع عنه)([25])

ونص رسالة الألباني ـ كما نقلها عنه الحويني ـ هي: (أما بعدُ، فقد ذكرتَ أنك في صدد تحقيق تفسير الحافظ ابن كثير، وأن العلماء وطلبة العلم اختلفوا عليك في إخضاع أسانيد التفسير كلِّها لقواعد المحدّثين إلى فريقين: أحدهما: يرى أن الإخضاع المذكور فيه تضييع للتفسير، إذ غالبُهُ نسخ وكتبٌ؛ كنسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وكتفسير السدّي وغيرها، ومن حجّتهم المقالةُ التي تُنسَب إلى الإمام أحمد قال: ثلاثة لا أصل لها؛ منها: التفسير، قالوا: معنى لا أصل لها؛ يعني: لا إسناد لها، فهذا يدلُّ على عدم اعتبار الإسناد في التفسير، فهل هذا صحيح؟.. والآخر: يرى – معك – ضرورة إخضاع ذلك لقواعد المحدّثين، ثم رجوتَ أن أسطر لك جوابي عليه، فأقول مستعيناً بالله، ومعتذراً لك عن الإيجاز فيه نظراً لظروفي الخاصّة: لا أرى – البته – عدم تطبيق قواعد علم الحديث على الآثار السلفيّة؛ كيف؟ وهي في المرتبة الثانية بعد السنّة المحمديّة في تفسير الآيات الكريمة، فينبغي أن تُساق مساقها في تحقيق الكلام على أسانيدها، وهو الذي جرى عليه مجرى العلماءُ المحقّقون، وقد فصّل السيوطي القول في نسخة (علي بن أبي طلحة عن ابن عباس)، وفي غيرها من الروايات، وبيّن ما يصحُّ منها وما لا يصحُّ على تساهل منه في التصحيح معروف، ثم نقل عن الشافعي أنه قال: (لم يثبت عن ابن عباس في التفسير شبيهٌ بمئة حديث)([26])، وكلمة الإمام أحمد التي احتجّ بها الفريقُ الأول هي – إن صحَّت – حجّةٌ عليهم إذا فسِّرت على ظاهرها، لأنه لا يجوز الجزم بما لا أصل له اتفاقاً، ولذلك فسّرها المحققون من أصحابه بأن مراده: أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاحٌ متصلة، وإلا فقد صحَّ من ذلك كثيرٌ، وعليه فلا يجوز أيضاً التسوية في تفسير كلام الله بين ما صحَّ من الآثار وما لم يصحّ، وأن تساق مساقاً واحداً، هذا ما لا يقوله عالمٌ، وإن قال خلافه عالم، فله وجهة نظر عنده، ولا يُجعل قاعدةً.. وختاماً: فإني أرى أنه لا بد من إخضاع أسانيد التفسير كلّها للنقد العلميِّ الحديثي، وبذلك نتخلّص من كثيرٍ من الآثار الواهية التي لا تزال في بطون كتب التفسير، وما كان سكوت العلماء عنها إلاّ لكثرتها وصعوبة التفرّغ لها)([27])

انطلاقا من هذا سنحاول هنا، وباختصار، أن نذكر نموذجين عن تأثير المنهج السلفي المعتمد في التفسير على الحقائق القرآنية، وهما يمثلان أصول الحقائق القرآنية، والتأثير فيهما تأثير في الدين جميعا، وقد اعتمدنا في الأمثلة والنماذج على التفاسير المعتبرة عند أعلام السلفية القدامى والمحدثين.

1 ـ تشويه الحقائق العقدية:

ربما يكون المنطلق الأول الذي بدأ فيه تشويه التراث السلفي للحقائق العقدية هو عدم إعمالهم للتفريق بين المحكم والمتشابه في القرآن الكريم، أو خلطهم بينهما، وسبب ذلك هو عدم رجوعهم للراسخين في العلم، والذين ذكر القرآن الكريم أنهم هم وحدهم الذين يستطيعون التفريق بينهما، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]

فالله تعالى في هذه الآية الكريمة أخبر أن في القرآن الكريم نوعين من الآيات، آيات محكمات واضحات هي الأصل والمرجع وأم الكتاب الذي يصار إليه عند التنازع، ومنه متشابهات، وهي ـ كما يعبر الزركشي ـ (أن يشتبه اللفظ [فيها] في الظاهر مع اختلاف المعاني، ويقال للغامض متشابه لأن جهة الشبه فيه، والمتشابه مثل المشكل لأنه أشكل ودخل في شكل غير شكله)([28])

وهي على نوعين: (أحدُهُما إذا رُدَّ إلى المُحْكَم عُرِف معناه، والآخر ما لا سبيل إلى معرفة حقيقته. فالمُتَتَبِّع له مُبْتَغ لِلْفتنَة، لأنه لا يكادُ ينتهي إلى شيءٍ تسكن نَفْسُه إليه)([29])

وعلى عكس ذلك المحكم، لأنه (لا اختلاف فـيه ولا اضطراب، وما لا يحتمل الوجوه وعُرف بنفسه)([30])

وقد ذكرت الآية الكريمة أن من أغراض وجود المتشابه في القرآن الكريم هو الفتنة والابتلاء ليميز الراسخون في العلم من الذين في قلوبهم مرض، كما قال قال محمد بن جعفر بن الزبير([31]): (المحكمات هي التي فيها حجة الرب، وعصمة العباد ودفع الخُصُوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه. والمتشابهات لهنّ تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهنّ العباد)

وبناء على هذا كان الأصل في التعريف بالحقائق المرتبطة بالألوهية الاكتفاء بما ورد في القرآن الكريم من حقائق قطعية لا خلاف فيها، والتي تضمنتها أسماؤه الحسنى الكثيرة،وفيها غنية وكفاية لمن يريد التعرف على الله بحسب الطاقة المحدودة.

لكن العقل السلفي لم يهضم ذلك، ولم يكتف به، بل لم يعره أي أهمية، وراح إلى ألفاظ متشابهات تحمل معاني متعددة ليستنتج منها ما يسميه صفات الله تعالى.

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد من النصوص القرآنية في ذكر اليد مضافة لله تعالى، لأن العرب عندما تضيف اليد لأي كان قد تريد بذلك اليد التي هي الجارحة، وتريد بها أيضا معاني أخرى مثل: القوة والنعمة والعطاء والثواب والهداية والنصرة والحفظ وغيرها.

وبما أن الأمر كذلك، فاليد المنسوبة لله، تعتبر من المتشابهات، والتي لا يمكن القطع بمعناها إلا للراسخين في العلم، ولهذا وقفت الأمة ـ من غير السلفية ـ موقفين: أحدهما تفويض المراد منها لله تعالى، والثاني هو تأويلهما بما يتناسب مع كلام العرب، وقد قال الزركشي عند حديثه عن المحكم والمتشابه، (وممن نقل عنه التأويل علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم.وهو اختيار ابن برهان من الأشعرية.. وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المتشابه والجسمية في حق البارئ تعالى، والخوض في كل هذه الأمور خطر عظيم)([32]).

لكن السلفية وحدهم من بين الأمة رفضوا اعتبار ذلك من المتشابه، بل اعتبروه محكما، قال ابن تيمية: (ما وجدت أحدا من أهل العلم من السلف جعل آيات الصفات من المتشابه)([33])

ثم فسر المتشابه ـ كما تتصوره المدرسة السلفية ـ فقال: (المعنى الذي يراد به هذا في حق المخلوقين لا يجوز أن ثم يكون نظيره ثابتا لله، فلهذا صار متشابها، وكذلك قوله: {ثم استوى على العرش} فإنه قد قال: {واستوت على الجودي} وقال: {فاستوى على سوقه} وقال: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} وقال: {لتستووا على ظهوره} فهذا الاستواء كله يتضمن حاجة المستوي إلى المستوى عليه، وأنه لو عدم من تحته لخر، والله تعالى غني عن العرش وعن كل شيء، بل هو سبحانه بقدرته يحمل العرش وحملة العرش.. فصار لفظ الاستواء متشابها يلزمه في حق المخلوقين معاني ينزه الله عنها، فنحن نعلم معناه وأنه العلو والاعتدال، لكن لا نعلم الكيفية التي اختص بها الرب التي يكون بها مستويا من غير افتقار منه إلى العرش، بل مع حاجة العرش وكل شيء محتاج إليه من كل وجه، وأنا لم نعهد في الموجودات ما يستوي على غيره مع غناه عنه وحاجة ذلك المستوى عليه إلى المستوي، فصار متشابها من هذا الوجه، فإن بين اللفظين والمعنيين قدرا مشتركا، وبينهما قدرا فارقا هو مراد في كل منهما، ونحن لا نعرف الفارق الذي امتاز الرب به فصرنا نعرفه من وجه ونجهله من وجه، وذلك هو تأويله، والأول هو تفسيره) ([34])

وهكذا صار المتشابه عنده ليس كونه مجهولا غير معلوم بسبب الاحتمالات الكثيرة الواردة على اللفظ، وإنما هو متشابه من حيثية واحدة وهي عدم معرفة الكيفية..

فالاستواء عندهم والذي له في اللغة دلالات كثيرة بإقرارهم وإقرار مفسريهم المعتبرين مثل الطبري، الذي قال في شرحه للاستواء: (الاستواء فـي كلام العرب منصرف علـى وجوه: منها انتهاء شبـاب الرجل وقوّته، فـيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل، ومنها: استقامة ما كان فـيه أَوَدٌ من الأمور والأسبـاب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنها: الإقبـال علـى الشيء بـالفعل، كما يقال: استوى فلان علـى فلان بـما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إلـيه. ومنها: الاحتـياز والاستـيلاء كقولهم: استوى فلان علـى الـمـملكة، بـمعنى احتوى علـيها وحازها. ومنها: العلوّ والارتفـاع، كقول القائل: استوى فلان علـى سريره، يعنـي به علوّه علـيه)([35])

لكن السلفية وابن تيمية ـ كما رأينا ذلك بتفصيل في كتاب [السلفية والوثنية المقدسة] يفسرون الاستواء بالقعود والجلوس، ويجعلون المتشابه فيه هو عدم معرفتهم لكيفية القعود والجلوس.

وبناء على هذا راح السلفية لكل الآيات المحكمة في القرآن الكريم يحولونها آيات متشابهة، لأنه إذا اعتبرت الآية المتشابهة محكمة، فإنه لابد أن يؤول كل مخالف لها.

ومن هذا الباب أولوا كل الآيات التي تذكر استغناء الله عن المكان، قال أبو عمر الطلمنكي الأندلسي (339-429 هـ) في كتابه (الوصول إلى معرفة الأصول): (أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله: وهو معكم أينما كنتم. ونحو ذلك من القرآن: أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاتـه مستو على عرشه كيف شاء)([36])

وقال أبو نصر السجزي (ت 444 هـ) في كتابه الإبانة: (فأئمتنا كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقـون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وأن علمه بكل مكان وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم بريء وهم منه براء)([37])

 وهكذا اعتبر ابن عبد البر (ت 463 هـ) كل تلك الإضافات المتشابهة محكمة يؤول كل القرآن لأجلها، قال: (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا انهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله) ([38])

وبذلك تحول المحكم متشابها، والمتشابه محكما، وقد ذكر ابن القيم ذلك، فقال: (الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم، لهم طريقان في رد السنن: أحدهما: ردها بالمتشابه من القرآن أو من السنن، الثاني: جعلهم المحكم متشابها ليعطلوا دلالته، وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث كالشافعي والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة وأبي يوسف والبخاري وإسحاق: فعكس هذه الطريق، وهي أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضا، ويصدق بعضها بعضا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره)([39])

فالمفاهيم هنا ـ في الظاهر ـ سليمة جدا، فالأصل أن نرجع المتشابه للمحكم، لكن ابن القيم وكل سلفه يخلطون في المصاديق، فيحولون المتشابه محكما، والمحكم متشابها.

ولهذا ذكر ابن القيم أمثلة يوضح بها مقصوده حتى لا يختلط بغيره، فقال: (ولنذكر لهذا الأصل أمثلة لشدة حاجة كل مسلم إليه أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب.. المثال الأول: رد الجهمية النصوص المحكمة غاية الإحكام المبينة بأقصى غاية البيان أن الله موصوف بصفات الكمال من العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والسمع والبصر والوجه واليدين والغضب والرضا والفرح والضحك والرحمة والحكمة وبالأفعال كالمجيء والإتيان والنزول إلى السماء الدنيا ونحو ذلك) ([40])

فقد اعتبر الوجه واليدين والنزول وغيرها محكمات، ولا دليل على هذا، لا من العقل الذي يرفض ذلك رفضا تاما، ولا من النقل الذي لا يدل عليه دلالة قطعية، بل دلالته على ذلك من النوع المتشابه الذي يحتمل فيه اللفظ وجوها متعددة كما ذكرنا في الاستواء واليدين وغيرهما.

بل إنهم هم أنفسهم يقرون بالتأويل وضرورته فيما يتصورونه من صفات الله تعالى، فلهذا يؤولونها في نفس الوقت الذي ينكرون على غيرهم التأويل.

ومن الأمثلة على ذلك ما أوردوه في تفسير قوله تعالى: { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، فقد قال الطبري: (وفي قوله: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ) وجهان من التأويل: أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة، لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه k والآخر: قوّة الله فوق قوّتهم في نُصرة رسوله k، لأنهم إنما بايعوا رسول الله k على نُصرته على العدوّ) ([41])

وقال ابن تيمية: (ومعلوم أن يد النبيّ k كانت مع أيديهم كانوا يصافحونه ويصفقون على يده في البيعة، فعلم أن يد الله التي فوق أيديهم ليست هي يد النبيّ k ولكن الرسول عبد الله ورسوله فبايعهم عن الله وعاهدهم وعاقدهم عن الله، فالذين بايعوه بايعوا الله الذي أرسله وأمره ببيعتهم، ألا ترى أن كل من وكل شخصاً بعقد مع الوكيل كان ذلك عقداً مع الموكل ومن وكل نائباً له في معاهدة قوم فعاهدهم عن مستنيبه كانوا معاهدين لمستنيبه، ومن وكل رجلاً في نكاح أو تزوج كان الموكل هو الزوج الذي وقع له العقد؟)([42])

وبناء على هذا الخلط بين المحكم والمتشابه، صار تخبطهم الكبير في هذا الباب العقدي الخطير، بل صار القرآن الكريم عندهم محلا لتفسيرات غريبة متكلفة، ولو أنهم أعملوا المحكم واكتفوا بما ورد في القرآن الكريم من أسماء الله الحسنى لما تخبطواذلك التخبط الذي عبر عنه ابن القيم بقوله: (التشابه والإحكام نوعان: تشابه وإحكام يعم الكتاب كله، وتشابه وإحكام يخص بعضه دون بعض، فالأول كقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر23]وقوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}[هود1].. والثاني: كقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران7]، فإن اردتم بتشابه آيات الصفات النوع الأول فنعم هي متشابهة غير متناقضة يشبه بعضها بعضا، وكذلك آيات الأحكام، وإن أردتم أنه يشتبه المراد بها بغير المراد فهذا وإن كان يعرض لبعض الناس فهو أمر نسبي إضافي فيكون متشابها بالنسبة إليه دون غيره، ولا فرق في هذا بين آيات الأحكام وآيات الصفات، فإن المراد قد يشتبه فيهما بغيره على بعض الناس دون بعض، وقد تنازع الناس في المحكم والمتشابه تنازعا كثيرا ولم يعرف عن أحد من الصحابة قط أن المتشابهات آيات الصفات، بل المنقول عنهم يدل على خلاف ذلك، فكيف تكون آيات الصفات متشابهة عندهم وهم لا يتنازعون في شيء منها، وآيات الأحكام هي المحكمة وقد وقع بينهم النزاع في بعضها؟! وإنما هذا قول بعض المتأخرين، وسيأتي إشباع الكلام في هذا في الفصل المعقود له إن شاء الله تعالى)([43])

وهكذا استدل ابن تيمية كعادته في إطلاق الحكم بالإجماع واتفاق الأمة على هذا، فقال: (أما الدليل على بطلان ذلك [أي اعتبار ما يسمونه آيات الصفات متشابهات] أني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفي أن يعلم أحد معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا: إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تمر كما جاءت ـ ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية، ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه، كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك، وأحمد قد قال في غير أحاديث الصفات: تمر كما جاءت)([44])

وهكذا فإن الدليل الذي يذكره ابن تيمية كما يذكره جميع السلفية ليس هو في كون النص محتملا للتأويل أو غير محتمل، لأنهم هم أيضا يمارسون التأويل.. وإنما هو أقوال السلف، وقد وضحنا بالأدلة الكثيرة في كتاب [هكذا يفكر العقل السلفي] أن المركز الذي يجتمع عنده سلفهم جميعا هو اليهود وتلاميذ اليهود.

فهم الذين فسروا لهم الآيات القرآنية تفسيرا حسيا موغلا في التجسيم والتشبيه، ثم تلى ذلك عنهم أعلام الحديث الكبار الذين اشتغلوا بالحشو أكثر من اشتغالهم بالتحقيق.. وبمرور الزمن أصبحت تلك التشويهات العقيدة عقيدة سنية يكفر جاحدها، ويحكم عليه بالقتل.

وكمثال على ذلك أن ابن عباس الذي هو ترجمان القرآن الكريم ـ كما يعتقد السلفية ـ فسر {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [القلم: ٤٢]، بشدَّة الهول والأمر، لكن السلفية يرفضون هذا التفسير، ويتعلقون بتفسير يرفعونه لرسول الله k فسر لهم الساق بأنها ساق الله، وأنه يكشفها يوم القيامة ليميز المؤمنين من الكافرين، فقد رووا عن رسول الله k أنه قال: (يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا)([45])

هذا نموذج لأثر كتاباتهم في علم المحكم والمتشابه على عقيدة الأمة، بل على أهم مسألة عقدية وهي معرفة الله تعالى.. أما معرفة الرسل والملائكة.. فحدث على تحريفاتهم فيها ولا حرج.

2 ـ تشويه الحقائق الكونية:

مثلما حصل الوهم الكبير للسلفية حين وثقوا في سلفهم كل تلك الثقة العمياء التي جعلتهم يتركون آيات الله المحكمات ليتعلقوا بالمتشابهات، ليبنوا عليها جدرانا من الأوهام جعلهتم أقرب إلى الوثنية منهم إلى التوحيد.. حصل لهم مع الحقائق الكونية التي تشكل جزءا مهما جدا في القرآن الكريم.

فقد تصور السلفية أن سلفهم ـ كما أحاطوا علما بالله وملائكته وكبته ورسله ـ فقد أحاطوا علما كذلك بالكون، ولذلك راحوا ينهلون منهم معارفهم في الفلك والجغرافيا والتاريخ والطب وكل العلوم، ويفسرون القرآن الكريم من خلالها.

وقد تناسوا خلال ذلك الانبهار بالسلف استحالة إحاطة أي جيل من الأجيال بالمعاني القرآنية.. لأن الله تعالى أخبر أن عطاء القرآن الكريم ممتد، وأن كل جيل ينهل منه بحسب استعداداته، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [فصلت: 53]

لكن السلفية الذين حصروا فهم القرآن الكريم في السلف الأول من أصحاب القرون الثلاثة الأولى، حجروا على غيرهم أن يتحدث في الحقائق القرآنية.

ولهذا كانوا أول من بادر إلى تحريم تفسير القرآن بمقتضيات العلم، باعتبار أن من شروط المفسر عندهم ألا يخالف ما ورد عن السلف.

كما نص على ذلك بعضهم، فقال: (إنَّ أي تفسير جاء بعد تفسير السلف، فإنه لا يقبل إلا بضوابط،وهذه الضوابط: أن لا يناقض (أي: يبطل) ما جاء عن السلف (أعني: الصحابة والتابعين وأتباع التابعين).. وذلك لأنَّ فهم السلف حجة يُحتكم إليه، ولا تجوز مناقضته البتة، فمن جاء بتفسير بعدهم، سواءً أكان مصدره لغة، أو بحثًا تجريبيًا، فإنه لا يقبل إن كان يناقض قولهم)([46])

وبناء على هذا صدرت الفتاوى الكثيرة من أعلامهم تحرم البحث في مثل هذا النوع من التفسير، لأن البحث فيه سيقضي على مصداقية السلف الذي أقحموا أنوفهم في كل شيء..

ومن الأمثلة على ذلك ما أجابت به اللجنة الدائمة للفتوى في السعودية عن سؤال يقول: (ماحكم الشرع في التفاسير التي تسمى بالتفاسير العلمية؟ وما مدى مشروعية ربط آيات القرآن ببعض الأمور العلمية التجريبية فقد كثر الجدل حول هذه المسائل؟)، فأجابت: (إذا كانت من جنس التفاسير التي تفسر قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } [الأنبياء: 30] بأن الأرض كانت متصلة بالشمس وجزءً منها ومن شدة دوران الشمس انفصلت عنها الأرض ثم برد سطحها وبقي جوفها حاراً وصارت من الكواكب التي تدور حول الشمس – إذا كانت التفاسير من هذا النوع فلا ينبغي التعويل ولا الاعتماد عليها، وكذلك التفاسير التي يستدل مؤلفوها بقوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88] على دوران الأرض، وذلك أن هذه التفاسير تحرف الكلم عن مواضعه وتخضع القرآن الكريم لما يسمونه نظريات علمية، وإنما هي ظنيات أو وهميات وخيالات، وهكذا جميع التفاسير التي تعتمد على آراء جديدة ليس لها أصل في الكتاب والسنة ولا في كلام سلف الأمة لما فيها من القول على الله بلا علم)([47])

ومثل ذلك الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، الذي كتب مقالا بعنوان (حكم تفسير القرآن بنظريات علمية حديثة)، ومما جاء فيه تعقيبا على كلام نقله عن ابن تيمية في التفسير: (انتهى ملخص كلام الشيخ في الرد على من فسّر آية في القرآن بتفسير لم يرد في الكتاب والسنة، وأنه تفسيرٌ باطلٌ.. وهذا ينطبق اليوم على كثيرٍ من جهّال الكتبة الذين يفسرون القرآن حسب أفهامهم وآرائهم.. أو يفسرون القرآن بنظريات حديثة من نظريات الطب أو علم الفلك أو نظريات روّاد الفضاء ويسمّون ذلك: بالإعجاز العلميّ للقرآن الكريم.. وفي هذا من الخطورة والكذب على الله الشيء الكثير؛ وإن كان بعض أصحابه فعلوه عن حسن نيّة وإظهاراً لمكانة القرآن..إلاّ أنّ هذا عملٌ لا يجوز، قال k: (من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار).. والقرآن لا يُفسّر إلاّ بالقرآن أو بالسنة أو بقول الصّحابيّ كما هو معلوم عند العلماء المحققين)([48])

وهنا يقضى العجب منهم، فما داموا يعتقدون حرمة القرآن الكريم، وحرمة تفسيره بالرأي والعلم، كيف أجازوا لسلفهم أن يفسر القرآن الكريم بالخرافة؟

هكذا هي المكاييل المزدوجة للعقل السلفي، فهو يقلب كل شيء.. يقلب المحكم متشابها، والمتشابه محكما، ويحرم التفسير العلمي في نفس الوقت الذي يجيز فيه التفسير الخرافي.

ولم يكتف التراث السلفي بتحريم البحث العلمي في القرآن الكريم، بل راح يفرض خرافات استفادها من الشعوب البدائية ليفسر بها القرآن الكريم، ويضع من خلالها خارطة للكون تختلف عن كل خرائط العالم.

وكمثال على ذلك أن من وجوه الاختلاف التي يمكننا أن نستفيدها من تراث السلفية عن خرائط العالم هو أن أعلى قمة على سطح الأرض ليست هي قمة إفرست، وإنما هي قمة جبل قاف، والذي رووا فيه الروايات الكثيرة التي توضح طوله وعرضه ووظائفه على هذه الأرض.

ومنها ما رووه عن ابن عباس أنه قال ـ وهو يوضح الخارطة السلفية للأرض ـ: (خلق الله تعالى من وراء هذه الأرض بحرا محيطا بها ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له {ق} السماء الدنيا مترفرفة عليه ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الأرض سبع مرات، ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له ق السماء الثانية مترفرفة عليه، حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات قال: وذلك قوله { وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27])([49])

بل ذكروا أن لهذا الجبل قدرة على الحديث، فقد رووا عن ابن عبّاس، أنه حدث عن وهب بن منبه أنه قال: إنّ ذا القرنين أتى على جبل قاف، فرأى حوله جبالا صغارا، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا قاف، قال: وما هذه الجبال حولك؟ قال: هي عروقي، وليست مدينة من المدائن إلّا وفيها عرق منها، فإذا أراد الله أن يزلزل تلك الأرض أمرني، فحرّكت عرقي ذلك، فتزلزلت تلك الأرض، فقال له: يا قاف، فأخبرني بشيء من عظمة الله، قال: إنّ شأن ربّنا لعظيم، تقصر عنه الصفات، وتنقضي دونه الأوهام، قال: فأخبرني بأدنى ما يوصف منها. قال: إنّ ورائي لأرضا مسيرة خمسمائة عام في عرض خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضه بعضا، لولا ذاك الثلج لاحترقت من حرّ جهنّم. قال: زدني، قال: إنّ جبريل عليه السّلام واقف بين يدي الله سبحانه ترعد فرائصه، يخلق الله من كلّ رعدة مائة ألف ملك، وأولئك الملائكة صفوف بين يدي الله سبحانه، منكّسو رؤوسهم، فإذا أذن الله لهم في الكلام، قالوا: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ)([50])

وقد فسروا بهذا الغثاء قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38]

وبعد كل هذه الخرافات نجد ابن خلدون يعتذر لهم بكل احترام، ويقول ـ عند حديثه عن التفاسير السلفية ـ: (وصار التفسير على صنفين: تفسير نقلي مسند إلى الآثار المنقولة عن السلف وهي معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الآي. وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين. وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا، إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين والمقبول والمردود. والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية. وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى. وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية. فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم. فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل. وتساهل المفسرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات. وأصلها كما قلناه عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك إلا أنهم بعد صيتهم وعظمت أقدارهم. لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة، فتلقيت بالقبول من يومئذ)([51])

ولم يقف الأمر عند حد تفسير القرآن الكريم بالخرافة، بل راح السلفية المتأخرون لا ليعتذروا بمثل ما اعتذر به ابن خلدون، وإنما راحوا يقررون ما ذكر سلفهم من الحقائق، ويربطونها بالقرآن الكريم، ليبنوا عليها أحكامهم التكفيرية.

ومن أمثلة ذلك قول الشيخ ابن عثيمين عند حديثه عن مسألة دوران الأرض، وتطويعه للنصوص المقدسة في سبيل إثبات ذلك: (.. لكن الشيء الذي أرى أنه لا بد منه هو أن نعتقد أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وهي التي يكون بها اختلاف الليل والنهار، لأن الله تعالى أضاف الطلوع والغروب إلى الشمس، فقال عز وجل: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 17]، فهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشمس إذا طلعت، وإذا غربت، تزاور، تقرض، كلها أفعال أضيفت إلى الشمس، والأصل أن الفعل لا يضاف إلا إلى فاعله، أو من قام به، أي من قام به هذا الفعل فلا يقال: مات زيدٌ، ويراد مات عمرو.. فإذا قال الله (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ) ليس المعنى أن الأرض دارت حتى رأينا الشمس لأنه لو كانت الأرض هي التي تدور، وطلوع الشمس يختلف باختلاف الدوران ما قيل: إن الشمس طلعت، بل يقال نحن طلعنا على الشمس، أو الأرض طلعت على الشمس وكذلك قال الله تبارك وتعالى في قصة سليمان {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } [ص: 32] أي الشمس، ولم يقل حتى توارى عنها بالحجاب، وقال النبي k لأبي ذر: أتدري أين تذهب هذه الشمس؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (تذهب تسجد تحت العرش، فتستأذن، فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها)([52])، فأضاف الذهاب إلى الشمس)([53])

وهكذا، وبعد أن طوع ما شاء من النصوص القرآنية لقوته الوهمية، قال: (فظاهر القرآن والسنة أن اختلاف الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض، وهذا هو الذي يجب أن نعتقده ما لم يوجد دليلٌ حسيٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرف النصوص عن ظواهرها إلى ما يوافق هذا النص القاطع، وذلك لأن الأصل في أخبار الله ورسوله أن تكون على ظاهرها حتى يقوم دليل قاطع على صرفها عن ظاهرها، لأننا يوم القيامة سنسأل عما تقتضيه هذه النصوص بحسب الظاهر، والواجب علينا أن نعتقد ظاهرها إلا إذا وجد دليلٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرفها عن هذا الظاهر) ([54])

وهكذا قال في تفسيره لقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] عند ذكره لفوائد هذه الآية الكريمة، فقد قال: (وفي قوله تعالى: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) دليلٌ على أنهما هما اللذان يجريان حول الأرض يسِيرَان حول الأرض خلافًا لِمَن قال: إنَّهما لا يسيرَان على الأرض وأنَّ هذا -اختلاف الليل والنهار- بسبب دَوَران الأرض نفسِها وهذا لا شكَ أنَّ الذي لا يعتقد أنهما يدوران على الأرض أنَّه على خطر عظِيم ربما يصل به ذلك إلى الكفر لأنّ الذي نؤمن به ونعتقِدُه ما أخبرَنا الله عنه مِن أنَّ الشمس هي التي تدور على الأرض وكذلك القمر) ([55])

ثم يرد ـ بمثل ما ردوا به على من أنكر عليهم تصوراتهم المرتبطة بالحقائق الدينية ـ فقال: (ومِن العجيب أنَّ هذا القول المخالف لِظاهِر القرآن أنَّه قد سرَى إلى أناسٍ لا تثِقُ في ديانَتِهم قصدي لا تشُكّ في ديانتهم، لكن غرَّهم السراب، فانخدعوا والواجِبُ علينا في هذه الأمور أن نمشِيَ على ظاهِر القرآن هذا الواجب حتى يتبَيَّن لنا ما يكون مخالِفًا لهذا الظاهر، أمَّا ما دلَّ عليه القرآن دلالة يقينية فإنَّه لا يمكن لِشيء أن يخالفه فدلالةُ القرآن إمَّا ظاهرة وإما صرِيحة الصريحة قطْعِيَّةُ الدلالة ولا يمكن لشيء أن يخالفَها، والظاهرة ظنِّيَّة الدلالة فنبقى على هذا الأصل نبقى على الظاهر حتى يتبيَّن لنا بأمرٍ قطعي خلافُه وحينئذٍ ما دام ظاهرًا فإنه يمكن أن يُؤَوَّل) ([56])

بل إن بعض السلفية لم يكتف بإنكار دوران الأرض، بل راح ينكر كرويتها أيضا، استنادا إلى قوله تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 20]، وفي ذلك يقول القحطاني في نونيته التي لا يزال السلفية يهتمون بها ويحفظونها([57]):

كذب المهندس والمنجم مثله       فهما لعلم الله مدعيان

الأرض عند كليهما كروية         وهما بهذا القول مقترنان

والأرض عند أولي النهى لسطيحة بدليل صدق واضح القرآن

والله صيرها فراشا للورى      وبنى السماء بأحسن البنيان

والله أخبر أنها مسطوحة            وأبان ذلك أيما تبيان

بل كان أئمة الوهابية في السعودية يتهمون القائل بكون الأرض كروية بالتجهم، حتى أنه اتهم تقي الدين محمد بن عبد القادر الهلالي (المغربي)، بذلك مع كونه سلفيا متشددا، حيث وشى به المسؤول عن مراقبة الدروس في المسجد النبوي للمسئولين لأنه يقول بكروية الأرض! واشتد نكيره عليه، وقال: (هذا لا يقوله إلا جهمي!)([58])

ثانيا ـ تشويه القيم القرآنية.

يمكننا تقسيم المحار الكبرى التي يدورها عليها القرآن الكريم إلى محورين كبيرين:

المحور الأول هو محور الحقائق الكبرى التي يتشكل منها الوجود بنوعيه الواجب والممكن، وهو ما تحدثنا عنه في المبحث السابق.

والمحور الثانية هو القيم التي يتنظم بها الإنسان في هذا الوجود انتظاما صحيحا وإيجابيا لينال بذلك حظه من الكمال والسعادة.

والقرآن الكريم تناول بتفصيل كلا الجانبين، وربطهما ببعضهما البعض ربطا محكما، فحقائق الوجود هي التي تغذي القيم، والالتزام بالقيم هو الذي يرفع الإنسان إلى آفاق الكمال التي تؤهله للتعرف على الوجود ونيل حظه من الفلاح والسعادة فيه، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [التين: 4 – 6]

فقوله تعالى { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} يشير إلى الإيمان بحقائق الوجود كما ذكرها الله لا كما ذكرتها الخرافة، وقوله { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إشارة إلى الالتزام بالقيم القرآنية، لا القيم التي صاغها البشر لأنفسهم، أو صاغها لهم الشيطان.

وكما أن العبث أصاب الحقائق القرآنية من خلال سلف السلفية، فقد أصاب العبث القيم القرآنية أيضا، حيث جرى التلاعب بها باسم الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ونحوها من علوم القرآن الكريم التي ابتدعها سلف السلفية، وقيدوا بها المعاني القرآنية أو عطلوها، أو حرفوها.

وبما أن النماذج كثيرة جدا لكثرة القيم الواردة في القرآن الكريم، فسأكتفي هنا بقيمة واحدة هي قيمة السماحة، والتي عبث فيها باسم علمين من علوم القرآن، أولهما: أسباب النزول، والثاني: الناسخ والمنسوخ.

أما الأول فعبث بالآية الكريمة التي تضع قانون التعامل مع المخالف في الدين أيا كان كتابيا أو غير كتابي، وهي قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8]، فالآية الكريمة تدعو إلى البر والقسط بين المسلمين وغيرهم من أهل الأديان المختلفة، بل حتى مع الملحدين منهم، لأن القيد فيها مرتبط بالمحاربة، ولا علاقة له بالدين، وهي بذلك تقسم الناس إلى معتدين ومسالمين، كما تقسمهم آيات أخرى إلى مستضعفين ومستكبرين.

لكن مفسري السلفية ـ وباسم علم أسباب النزول ـ عطلوا الآية الكريمة تعطيلا تاما، حيث أنهم جعلوها خاصة بقوم مخصوصين في زمان مخصوص، وأن علاقتنا بها لا تتعدى الترتيل مع اشتراط أن يكون الترتيل متناسبا مع مخارج الحروف وأحكامها.

وسأنقل هنا ما ذكره المفسرون من الأقوال في تفسير الآية الكريمة، أو بالأخرى في تحريفها، ومنها قول مجاهد أنهم (الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا) ([59])

ومنها قول عبد الله بن الزبير، أنه (عني بها من غير أهل مكة من لم يهاجر)([60])، وقد روى عنه الطبري وغيره في سبب نزول الآية قوله: (نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وكانت لها أم فى الجاهلية يقال لها قتيلة ابنة عبد العزى، فأتتها بهدايا وصناب وأقط وسمن، فقالت: لا اقبل لك هدية، ولا تدخلي علي حتى يأذن رسول الله k فذكرت ذلك عائشة لرسول الله k، فأنزل الله {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8])([61])

ومنها قول بأنه (عني بها من مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين، ولم يخرجوهم من ديارهم؛ ونسخ الله ذلك بعد بالأمر بقتالهم)، وهو قول ابن زيد، فقد قال: (هذا قد نسخ، نسخه، القتال، أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف، ويجاهدوهم بها، يضربونهم، وضرب الله لهم أجل أربعة أشهر، إما المذابحة، وإما الإسلام)([62])

وبناء على هذا فقد عطلت هذه الآية الكريمة تعطيلا تاما.. وعطل بنفس السبب قوله تعالى في شأن رقة النصارى مقارنة باليهود: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون } [المائدة:82]، فقد ذكروا عن سلفهم أن هذا ليس عاما بكل النصارى، بل خاص بالنجاشي ووفده الذين أسلموا لما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم اثنان وثلاثون أو أربعون أو سبعون أو ثمانون رجلا، وليس المراد كل النصارى لأنهم في عداوتهم كاليهود([63]).

وهكذا عطلت هذه الآيات الكريمة باستخدام سلاح أسباب النزول.. لكن لا بأس فهناك آيات أخرى كثيرة يمكن الرجوع إليها لإثبات سماحة الإسلام، ولقيام الفروع الفقهية على أساسها.

لكن سلف السلفية راحوا إلى تلك الآيات الكريمة أيضا يستخدمون في حقها سلاحا آخر أكثر تطورا، هو سلاح النسخ، فقد قال الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلى (المتوفى: 1033هـ)، وهو من مشايخ السلفية الكبار في قوله تعالى: { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير } [البقرة:109]: (أصل العفو الترك والمحو والصفح الإعراض والتجاوز نسخ بقوله تعالى: { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ } [التوبة:29]، وأمر الله القتل والسبي لبني قريظة، والجلاء والنفي لبني النضير، قال المحققون: إن مثل هذا لا يسمى منسوخا، لأن الله جعل العفو والصفح مؤقتا بغاية، وهو إتيان أمره بالقتال، ولو كان غير مؤقت بغاية لجاز أن يكون منسوخا)([64])

ومثل ذلك قالوا في قوله تعالى:{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُون } [البقرة:139]، فقد اعتبروها أيضا منسوخة، نسختها آية السيف([65]).. فما حاجة المسلمين إلى محاجة خصومهم ومجادلتهم وحوارهم بعد أن أن أمدهم الله بقوة السيف؟ فكفى بالسيف شافيا، وكفى بالسيف محاورا.

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } [البقرة:256]، فهي مثل سابقاتها.. نسختها آية السيف([66])..

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ أولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا } [النساء:63]، فقد ذكروا أن هذا (كان في بدء الإسلام، ثم صار الوعظ والإعراض منسوخاً بآية السيف)([67])

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين } [المائدة:13]، فقد ذكروا أن سلفهم ذكر أنها (نزلت في اليهود، ثم نسخ العفو والصفح بآية السيف)([68])

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم } [الأنفال:61]، فقد نص سلفهم على أنها منسوخة بآية السيف ([69]).. فما حاجة المسلمين للسلام، وقد أعطاهم الله القوة التي يقهرون بها أعداءهم.

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين } [النحل:125]، فقد نصوا على أنها منسوخة نسختها آية السيف([70]).. فما حاجة المسلمين للحكمة والموعظة وقد من الله عليهم بنعمة القوة والعزة والتسلط.

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُون } [المؤمنون:96]، فقد نصوا على أنها نسختها آية السيف([71]).. وذلك واضح لكل عاقل.. فمن أعطاه الله القوة التي يقهر بها أعداءه لا يحتاج إلى أن يدفع بالتي هي أحسن.

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيل } [يونس:108]، فقد نصوا على أن معناها نسخ لا لفظها بآية السيف([72]).

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِين } [القصص:55]، فهي الأخرى نسخت بآية السيف([73]).. وهو واضح لمن تأمله.. أليس الإعراض نوعا من الضعف.. والمسلم قوي عزيز لا يحتاج أن يذل نفسه.

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } [الأحزاب:45]، فهي مثل سابقاتها منسوخة بآية السيف([74]).. وهي واضحة لا تحتاج إلى شرح يبين نسخها.

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم } [فصلت:34]، فقد نص سلفهم على أنها منسوخة بآية السيف([75]).

ومثل ذلك قولهم في قوله تعالى:{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير } [الشورى:15]، فقد نصوا على أنها منسوخة بآية السيف ([76]).

وهكذا استطاعت آية واحدة أساء سلفهم فهمها أن ينسخوا بها كل قيم السماحة والرحمة التي جاء القرآن الكريم للدعوة إليها، ولهذا يذكرون في فضل آية السيف قول الحسن بن فضل: (نسخت هذه الآية كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء..)، وقال ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ: (في القرآن مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة نسخت الكل بقوله: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم..)([77])

ولهذا نجد فتاوى السلفية المرتبطة بالعلاقة مع الآخر تلغي كل آيات السماحة لكونها مخصوصة بزمن معين وقوم معينين، أو لكونها منسوخة لا يمكن تطبيقها، لأنها معطلة عن التنفيذ، ونجدهم بدل ذلك يستدلون بالآيات الكريمة في التعامل مع المحاربين.

وهكذا انتكس الأمر هنا أيضا، فتحول المسالمون الذين دعا القرآن الكريم إلى تأليف قلوبهم والمعاملة الحسنة معهم إلى محاربين لا يمكننا أن نتدين التدين الصحيح إلا إذا أريناهم وجوهنا الكالحة، تحت اسم [الولاء والبراء]

وسأسوق هنا بعض الأمثلة من فتاوى السلفية المعاصرين في حكم بعض المعاملات البسيطة التي تدخل ضمن البر والرحمة والسماحة والأخلاق الحسنة التي أمرنا القرآن الكريم أن نتعامل بها مع الناس جميعا بغض النظر عن دينهم وعرقهم وأرضهم، لكن هؤلاء العلماء نظروا إلى المسألة كما نظروا إلى المتشابه والمحكم، حيث تحول المحكم متشابها، والمتشابه محكما، وهكذا تحول المسالمون عندهم إلى محاربين، كما تحول المحاربون عند أولياء أمورهم إلى مسالمين.

فمن الأمثلة على ذلك ما أجاب به الشيخ ابن باز عن سؤال يقول صاحبه: (يسكن معي شخص مسيحي،وهو يقول لي:يا أخي، ونحن إخوة، ويأكل معنا ويشرب، فهل يجوز هذا العمل أم لا؟)

فأجاب الشيخ بقوله: (الكافر ليس أخا للمسلم، والله يقول:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10]، ويقول k: (المسلم أخو المسلم)([78])، فليس الكافر -يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو مجوسيا أو شيوعيا أو غيرهم- ليس أخا للمسلم، ولا يجوز اتخاذه صاحبا وصديقا، لكن إذا أكل معكم بعض الأحيان من غير أن تتخذوه صاحبا وصديقا، وإنما يصادف أن يأكل معكم، أو في وليمة عامة فلا بأس، أما اتخاذه صاحبا وصديقا وجليسا وأكيلا فلا يجوز، لأن الله قطع بيننا وبينهم المحبة والموالاة، فقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]، وقال سبحانه:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني يحبون {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة:22]، فالواجب على المسلم البراءة من أهل الشرك وبغضهم في الله، ولكن لا يؤذيهم ولا يضرهم ولا يتعدى عليهم بغير حق، لكن لا يتخذهم أصحابا ولا أخدانا، ومتى صادف أن أكل معهم في وليمة عامة أو طعام عارض من غير صحبة ولا ولاية ولا مودة فلا بأس)([79])

وعندما نشرت بعض الصحف مقالا جاء فيه هذه العبارة:(إننا لا نكن العداء لليهود واليهودية وإننا نحترم جميع الأديان السماوية) انبرى أكبر علم سلفي في ذلك الحين، وهو ابن باز، فكتب بيانا شديد اللهجة، جاء فيه: (.. ولما كان هذا الكلام في شأن اليهود واليهودية يخالف صريح الكتاب العزيز والسنة المطهرة،ويخالف العقيدة الإسلامية وهو تصريح يخشى أن يغتر به بعض الناس، رأيت التنبيه على ما جاء فيه من الخطأ نصحا لله ولعباده..فأقول: قد دل الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على أنه يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين من اليهود والنصارى وسائر المشركين، وأن يحذروا مودتهم واتخاذهم أولياء، كما أخبر الله سبحانه في كتابه المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.. ونظرا إلى ما في هذا الكلام من مصادمة الأدلة الشرعية الدالة على أنه لا أخوة ولا محبة بين المسلمين والكافرين، وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامي والنصراني، لأن الدين الإسلامي هو الحق الذي يجب على جميع أهل الأرض المكلفين اتباعه، أما النصرانية فكفر وضلال بنص القرآن الكريم.. أما الكفار فيجب بغضهم في الله ومعاداتهم فيه سبحانه، وتحرم موالاتهم وتوليهم حتى يؤمنوا بالله وحده ويدعوا ما هم عليه من الكفر والضلال)([80])

وهكذا أجاب الشيخ الفوزان عندما سئل: (ما رأيُ فضيلتكم فيمن يتقرَّب إلى الكفَّار ويواليهم بحجَّة أنهم يفهمون في أمور المادَّة أكثر منَّا؟ وكيف يكون التعامل معه؟)، فأجاب بقوله: (التودُّدُ إلى الكفار لا يجوز، لا تجوز محبَّتُهم في القلوب، لأنهم أعداءُ الله ورسوله،تجبُ عداوتهم، قال تعالى:{ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } [المجادلة:22.]، فلا يجوز للمسلم أن يحبَّ الكافر، أما التعامل معه في الأمور المباحة، فلا بأس إذا كان الكافر عنده تجارة تبيع معه وتشتري، لا بأس بالبيع والشِّراء معه، هذا من المعاملات المباحة، النبي k تعامل مع اليهود، اشترى منهم، استدان منهم عليه السلام، كذلك إذا كان عندهم خبرات في بعض الأمور، ولا يوجد عند المسلمين من يقوم بها، فلا بأس أن نستفيد من خبراتهم، لكن لا نحبُّهُم، ولا نواليهم، وإنما نؤاجِرُهم أجرةً،ي ؤدُّون لنا عملاً بالأجرة، مع بغضهم ومع عداوتهم)([81])

هذه مجرد أمثلة عن انهيار القيم القرآنية بسبب التراث السلفي في التفسير والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وغيرها، والتي يفخر السلفية بأن لهم الريادة فيها، وهم لا يعلمون أن لهم الريادة في تحريف القرآن الكريم وتشويه معانيه، بل محاربتها، ومناقضتها، ولو أن الأعداء اجتمعوا ليفعلوا بالقرآن الكريم ما فعله السلفية فيه ما استطاعوا.

ولهذا نرى من الغرابة أو من الجبن ذلك التركيز الشديد من بعض المثقفين والمفكرين على الرد على الحداثيين ومواقفهم من القرآن الكريم، مع الغفلة عن الرد عن هؤلاء الذين لولاهم ما كان الحداثيون ولا الليبراليون ولا العلمانيون.. بل إن هؤلاء جميعا ضحية لتلك المفاهيم الشيطانية التي ألصقها السلفيون وسلفهم بالقرآن الكريم.


([1])   انظر: ابن رجب الحنبلي: لطائف المعارف ص318.

([2])   التفسير والمفسرون للذهبي (1/ 104)

([3])   التفسير والمفسرون للذهبي (1/ 105)

([4])   الواضح في علوم القرآن (ص: 9)

([5])   مجموع الفتاوى (13/ 364)

([6])   الإتقان(2/493)

([7])   ذكره القرطبي في تفسيره 1 ص 29.

([8])   رواه سعيد بن منصور وابن جرير وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب والحاكم وصححه، انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (8/ 421)

([9])   مجموع الفتاوى (13/ 368)

([10])   انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 228)، وسير أعلام النبلاء (4/ 257)، والبداية والنهاية (9/ 224)

([11])   تفسير مجاهد (ص: 203)

([12])   تفسير مجاهد (ص: 607)

([13])   تفسير مجاهد (ص: 241)

([14])   توجيه النظر إلى أصول الأثر (1/ 264)

([15])   توجيه النظر إلى أصول الأثر (1/ 264)

([16])   توجيه النظر إلى أصول الأثر (1/ 264)

([17])   توجيه النظر إلى أصول الأثر (1/ 266)

([18])   تفسير الطبري (17/ 624)

([19]) تفسير الطبري (21/ 179)

([20])   تفسير مجاهد (ص: 446)

([21])   البرهان في علوم القرآن (2/ 156)

([22])   البرهان في علوم القرآن (2/ 156)

([23])   الإتقان (2/188-189)

([24])   مجموع الفتاوى (13/ 344)

([25])   أبو إسحاق الحويني في مقدّمة تحقيقه لتفسير ابن كثير (1/ 8 / ط. ابن الجوزي)

([26])   الإتقان (2/188-189)

([27])   أبو إسحاق الحويني في مقدّمة تحقيقه لتفسير ابن كثير (1/ 8)

([28])  البرهان: 2/69 .

([29])النهاية في غريب الحديث والأثر 2/442.

([30]) أنظر: غريب الحديث (حكم) 1/419.

([31])  –  محمد بن جعفر بن الزبـير بن العوام الأسدي،  المدني،  ثقة، من السادسة، مات سنة بضع  عشرة ومائة. ابن حجر – تقريب التهذيب:1/471   .

([32]) أنظر: الزركشي-  البرهان في علوم القرآن: 2/78-80

([33])   مجموع الفتاوى (17/ 378)

([34])   مجموع الفتاوى (17/ 378)

([35])  – الطبري:1/192 .

([36])     درء التعارض 6/250، الفتاوى 5/189، بيان تلبيس الجهمية 2/38، مختصر العلو 264.

([37])     درء التعارض 6/250 ونقل الذهبي كلامه هذا في السير 17/ 656.

([38])     فتح البر بترتيب التمهيد 2/ 7 –48.

([39])   إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 210)

([40])   إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 210)

([41])   تفسير الطبري (22/ 210)

([42]) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية  (1/ 98)

([43])   الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (1/ 213)

([44])   مجموع الفتاوى (13/ 295)

([45])   أخرجه البخاري في التفسير (٤٩١٩)، وفي التوحيد (٧٤٣٩)

([46])   نقد ما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن، للدكتور مساعد الطيار.

([47])   فتاوى اللجنة الدائمة: 4\145..

([48])   حكم تفسير القرآن بنظريات علمية حديثة، مجلة الدعوة/ العدد 1447 الخميس 21 محرم 1415هـ الموافق 30 يونيو 1994] صـ 23.

([49])   رواه ابن أبي حاتم كما في: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (7/ 589)

([50])   الكشف والبيان عن تفسير القرآن (9/ 93)

([51])   مقدمة ابن خلدون (2/ 93)

([52])   البخاري 8 / 416، ومسلم رقم (159)

([53])   مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (1/ 71)

([54])   مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (1/ 71)

([55])   مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (1/ 72)

([56])   مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (1/ 73)

([57])   نونية القحطاني (ص: 32)

([58])   مختصر اللفظ في مسألة دوران الأرض، ص19.

([59])   تفسير الطبري (23/ 322)

([60])   تفسير الطبري (23/ 322)

([61])   تفسير الطبري (23/ 322)

([62])   تفسير الطبري (23/ 323)

([63])   قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن (ص: 100)

([64])  قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن (ص: 54)

([65])   الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص44-45.

([66]) الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 96 -97..

([67])   الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 135.

([68])   الناسخ والمنسوخ للنيسابوري، ص 150.

([69])   قلائد المرجان، ص 176-177.

([70])   قلائد المرجان، ص 210..

([71])   قلائد المرجان، ص 235..

([72])   قلائد المرجان، ص 252..

([73])   المصدر السابق ص 253.

([74])   المصدر السابق ص 258.

([75])   المصدر السابق ص 268.

([76])   المصدر السابق ص 270.

([77])   الناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص: 12)

([78]) صحيح البخاري (2310) ،صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580)

([79]) فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الطيار (ص:   370)

([80]) مجموع فتاوى ابن باز (2/ 178)

([81]) المنتقى من فتاوى الفوزان (18/ 2)(148)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *