التراث السلفي.. والسيرة والتاريخ

التراث السلفي.. والسيرة والتاريخ
من المعارف التي اهتم بها التراث السلفي، وخصص لها جزءا كبيرا من مؤلفاته، واشتهر بها الكثير من أعلامه المعارف التاريخية، سواء ما ارتبط منها بسيرة رسول الله k، أو سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبله أو التاريخ عموما.
لكنا عندما نطلع على تلك الدراسات التي تمتلئ بها عشرات المجلدات المسندة وغير المسندة نجد مخالفات صريحة للمنهج القرآني في الدراسات التاريخية.
ذلك أن المنهج القرآني في هذا النوع من الدراسات يقوم على دعامتين أساسيتين:
الدعامة الأولى: التحقق من الأحداث التاريخية، بحيث لا نقبلها إلا من مصادر أمينة موثوقة، لأن التاريخ ليس مجرد أحداث، بل هو أحداث تنبني عليها مواقف وعبر، والخطأ في التعرف على الأحداث بدقة سيجر لا محالة إلى الخطأ في الاعتبار والموقف.
ولهذا نهى الله تعالى المؤمنين في سورة الكهف عن البحث عن تفاصيل أخبار فتية أهل الكهف، لعدم وجود مصادر أمينة موثوقة يمكنها أن تعرف بحقيقتهم، أو تدل على الأحداث المرتبطة بهم، كما قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22]
فقد اعتبر القرآن الكريم مجرد الحديث عن عددهم من غير بينة رجما بالغيب، وهو من أعظم الكذب والزور والبهتان.
وهكذا الأمر عندما ذكر مدة لبثهم في الكهف، كما قال تعالى: { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } [الكهف: 25، 26]
وهكذا الأمر في كل الحقائق التي مصدرها الخبر، فلا يكفي فيها النقل من أي كان، كما قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6]
وهذه الآية الكريمة تشير إلى ناحية خطيرة تتعلق بالأحداث التاريخية، وهي ما عبر عنه القرآن الكريم بـ {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }، فالأحداث التاريخية تنشأ عنها مواقف، وتلك المواقف يحاسب عليها الإنسان، لأن الظلم واحد سواء للحي أو للميت.
وبناء على هذا كله يذكرنا القرآن الكريم بحقيقة البحث في أي مسألة من المسائل سواء ما تعلق منها بالتاريخ أو غيره، وهي الآية الجامعة لكل مناهج البحث العلمي: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36]
الدعامة الثانية: الاعتبار وأخذ الموعظة من الأحداث التاريخية وإعطاء المواقف الصحيحة حولها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النواحي في آيات كثيرة، منها قوله تعالى في الدعوة للبحث في التاريخ والاستفادة من تجارب السابقين وأخذ العبرة مما حصل لهم بسبب تكذيبهم وعتوهم وظلمهم: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [آل عمران: 137]
وقال تعالى مخبرا عن عاقبة الذين كذبوا الرسل، أو حرفوا ما جاءوا به: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم: 47]
وقال تعالى مخبرا عن الغاية من ذكر قصة فرعون وما حصل له: { فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات: 21 – 26]
وهكذا عندما ذكر أخبار جملة من الأمم الذين كذبوا أنبياءهم وسخروا منهم، فقد ختم كل قصة من قصصهم بقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 8]
وسر هذا الاعتبار أن سنة الله في التعامل مع المجتمعات جميعا واحدة، لأن ذلك من مقتضيات عدالته المطلقة، ولهذا يخاطب الله تعالى قوم النبي k بأنهم ليسوا أحسن حالا ولا أجمل موقعا من غيرهم من الكفار الذين أخبر عنهم، كما قال تعالى: { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } [القمر: 43]
وهكذا ذكر القرآن الكريم وجوب الاستفادة من التاريخ في جانبه الجميل المشرق المتمثل في رسل الله وأوليائه، كما قال تعالى: { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [هود: 120]، وقال: { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ } [الأنعام: 34]
وقد أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [يوسف: 111] إلى كلا الدعامتين: التحقق من الأحداث، وأخذ العبرة منها.
بناء على هذا المنهج القرآني في التعامل مع الأحداث التاريخية، سنحاول في هذا الفصل إبراز أهم الأخطاء التي وقع فيها التراث السلفي في هذا الجانب.
أولا ـ جانب التحقق من الأحداث التاريخية:
من أبرز مخالفات التراث السلفي في الجانب التاريخي هو تلك الاستهانة بالتحقق من الأحداث التاريخية، حيث شحنوا أسفارهم الكثيرة بكل ما هب ودب من الأخبار، وبنوا عليها أسوارا من الأوهام والمواقف، مع كونها جميعا لا تستند إلى ركن متين من الحقيقة، بل إنها فوق ذلك مملوءة بالكذب والدجل والخرافة.
ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا بمنهجهم الانتقائي الذي مارسوه مع كل العلوم والمعارف، ينتقون من الأحداث والرواة ما يضربون به خصومهم، فاستعملوا التاريخ كما استعملوا العقيدة والفقه والحديث وغيرها من العلوم لطرد من يشاءون من الأمة أو تشويهه أو تخوينه.
انطلاقا من هذا سنذكر هنا بعض الأمثلة عن أهم النواحي التي وقع فيها الخلل في التراث السلفي في جانبه التحققي:
لقد كانت البداية في أكثر ما كتب من المدونات التاريخية القديمة من لدن سلف السلفية الأوائل الذين رضوا عنهم، وانتقوهم من دون غيرهم من السلف، فقد صنف عبيد بن شرية الجرهمي كتابه في تاريخ ملوك اليمن القدامى، وأمره معاوية أن يصنف له كتابا في تاريخ العرب أسماه (كتاب الملوك وأخبار الماضين).. وهكذا كتب وهب بن منبه كتابه (التيجان وملوك حمير) الذي اعتبر بعد ذلك من أهم المصادر في تاريخ اليمن.
وهكذا نجد أكثر الكتب في السيرة النبوية المسندة قد ألفت من طرف سلف السلفية الأوائل من أمثال أبان بن عثمان بن عفان (ت 105هـ) الذي تتلمذ على يديه كثير من المحدثين الأوائل كابن شهاب الزهري وابن إسحاق المطلبي، ومن الأمور التي تقدمه لدى السلفية مشاركته في وقعة الجمل في حرب الإمام علي، وتوليه إمارة المدينة في أيام عبدالملك بن مروان([1]).. ولهذا نال الحظوة لدى السلفيين باعتباره مصدرا من مصادر السيرة النبوية المطهرة، فقد قال ابن سعد وهو يترجم للمغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث: (كان ثقة قليل الحديث، إلا مغازي رسول الله k أخذها عن أبان بن عثمان)([2])
ومثله عروة بن الزبير بن العوام (ت 93هـ)، والذي كانت له صلة وثيقة ببني أمية، وقد نقل لنا الطبري نصوصاً من كتاباته إلى عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي([3]).. وقد قال عنه الواقدي: (كان عروة فقيهاً عالماً حافظاً ثبتاً حجة عالماً بالسير، وهو أول من صنف في المغازي)([4])
وبعدهما كان ابن شهاب الزهري (ت 124هـ) الذي كان محل احترام كبير من طرف الأمويين، فقد أمر الخليفة هشام بن عبدالملك اثنين من كتابه بمرافقة ابن شهاب الزهري فرافقاه عاماً في مجالسه التي يحاضر فيها، ثم أودع ذلك النقل خزانة هشام([5]).
وبعد ذلك بفترة ظهر ابن إسحاق (ت 151هـ) صاحب السيرة النبوية، والذي يعتبر من كبار من كتب فيها، وأكثر مصادر السيرة ترجع إليه، مع أن الذهبي قال عنه: (إنه أول من دون العلم بالمدينة قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحراً عَجَّاجاً، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي)([6])، وذكر أنه أهل الجرح والتعديل اعتبروه صدوقا يدلس.
ويظهر ذلك بوضوح لمن طالع سيرته، حيث أنه يعتمد على مجهولين في أسانيده، فيقول مثلا: (حدثني بعض أهل العلم) أو (حدثني بعض أهل مكة) أو (حدثني من لا أتهم)، وإذا ما شك في صحة الرواية عبر عن ذلك بقوله: (فيما يذكرون) أو (فيما يزعمون).. كما أنه يجمع الروايات أحياناً مع بعضها دون تمييز لها، ويقدم لها بذكر الأسانيد مجموعة، ويسوق ملخصها.
هذا استعراض مختصر لأهم مصادر السيرة النبوية، والتي يبدوا فيها التساهل والنبرة الطائفية واضحة لا يمكن سترها، ذلك أن الأمويين الذين كانوا يسيطرون في ذلك الحين على الأمة، حاولوا أن يضعوا التاريخ، وخصوصا أحداث السيرة منه بما يتناسب مع أمزجتهم، فلهذا عزلوا عن الكتابة تلاميذ الصحابة السابقين الذين أحسنوا الصحبة، واستبدلوهم بالطلقاء ومن رضي عنهم الطلقاء.
وقد أشار أكرم ضياء العمري إلى ذلك التساهل في الرواية، فقال: (أما اشتراط الصحة الحديثية في قبول الأخبار التاريخية التي لا تمس العقيدة والشريعة ففيه تعسُّف كثيرٌ، والخطر الناجم عنه كبير؛ لأن الروايات التاريخية التي دوَّنها أسلافنا المؤرخون لم تُعامَل معاملة الأحاديث، بل تمَّ التساهل فيها، وإذا رفضنا منهجهم فإن الحلقات الفارغة في تاريخنا ستمثِّل هوَّة سحيقة بيننا وبين ماضينا، مما يولد الحيرة والضياع والتمزق والانقطاع… لكن ذلك لا يعني التخلي عن منهج المحدثين في نقد أسانيد الروايات التاريخية؛ فهي وسيلتنا إلى الترجيح بين الروايات المتعارضة، كما أنها خير مُعين في قبول أو رفض بعض المتون المضطربة أو الشاذة عن الإطار العام لتاريخ أمتنا، ولكن الإفادة منها ينبغي أن تتم بمرونة، آخذين بعين الاعتبار أن الأحاديث غير الروايات التاريخية، وأن الأُولى نالت من العناية ما يمكِّنها من الصمود أمام قواعد النقد الصارمة)([7])
وأشار إلى ذلك كذلك الشيخ حسن بن فرحان المالكي في كتابه (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) الذي أثار ردود فعل شديدة من لدن السلفيين، فقال: (.. لكن التاريخ الاسلامي ابتلي بكثير من أبنائه الذين لم يفهموا الاهداف الحقيقية من دراسته، ولم يقفوا على جواهر فوائده، ولم يعرفوا المنهج الصحيح في الاستفادة منه، تلك الاستفادة التي تتصاحب فيها معرفة الاخطاء وبدايات الانحراف مع معرفة الايجابيات وجوانب الاشراق. التاريخ الاسلامي مبتلى بأعدائه، الذين يعممون الخاص، ويخصصون السائد، وينشرون المثالب الظالمة في ثياب عدل وتحقي!!. التاريخ الاسلامي مبتلى بكثير من الصالحين، الذين يجمعون بين العاطفة الصادقة والجهل المركب، وقديما قال بعفى السلف (لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث)!! ويقصد القائل ذلك الصلاح (العاطفي) الذي لم يتسلح بسلاح العلم فانطلت على هؤلاء الصالحين أكاذيب الكذابين وأخطاء الجاهلين وأوهام النقلة فأصبحوا يرددونها وتجري بها ألسنتهم وهم لا يعرفون أنها أباطيل، ولا يهتدون لمواطن الضعف فيها، منخدعين بشيوعها وانتشارها، محسنين الظن بكل ما سمعوا.. التاريخ الاسلامي مبتلى ببعض العلماء الذين يجازفون بإصدار الاحكام المستعجلة، حول الاحداث، والمواقف، والشخصيات، والنتائج، متناسين الطريقة الصحيحة والمثلى، في البحث عن الحقيقة، ذلك البحث الذي يحترم العلم، ويلتزم النقل الصحيح، ويحترم العقل، ولا يهمل الاستيفاء في جمع شتات المادة، العلمية، من مختلف المصادر. ثم يتبع ذلك بتصنيف هذه المادة، من حيث القبول والرد ذلك التصنيف، الذي يبحر في مناهج المحدثين وأهل العلم من محدثين وأصوليين ومؤرخين، ويغوص في دلائل القواعد والالفاظ، ويستوعب الاقوال في الراوي الواحد، ثم يجتهد في معرفة القول الصحيح، المتفق مع سبر مرويات الراوي وأحاديثه، وما يتفق معها من مرويات الاخرين ثم وزن ذلك بميزان العدل فلا هضم لجوانب الخير ولا مجاملة لنوازع الشر، ثم ياتي بعد ذلك مرحلة التحليل والاستنتاجات، وجمع ملخص المادة ومتفرقات المعرفة، وتقديم هذا كله ليسهم في تصحيح معرفتنا بهذا التاريخ، ثم تنمية هذه المعرفة وزيادتها ومتابعتها ونقدها، لتسهم هذه المعرفة بدورها في علاج مشاكلنا المعاصرة، ونسترشد بها في استشراف المستقبل، وبالتالي وضع الحلول (الوقائية) للقضايا والمشكلات المتوقعة)([8])
وهكذا نجد الانتقادات الكثيرة توجه للمنهج الذي كتبت به السيرة والتاريخ، وإهمال التحقيق فيهما مع أهميتهما وخطرهما.
ومن الأمثلة على ذلك أن ابن حجر بالرغم من موقفه المتشدد مع ابن إسحق الذي قال فيه: (إمام في المغازي صدوق يدلّس)([9])، وقوله في الواقدي: (متروك مع سعة عمله)([10]) وقوله في سيف بن عمر (ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ)([11])
إلا أنه اعتبرهم في السيرة والروايات التاريخية حتى لو تناقضت رواياتهم مع الثقاة الذين يعتمدهم، ففي (كتاب المغازي، باب غزوة العشيرة) ذكر عدد غزوات الرسول k وعدد بعوثه وسراياه، وعدد الغزوات التي وقع فيها القتال، فاستشهد بأقوال أهل السير مثل ابن إسحاق والواقدي وابن سعد وذكر خلافهم، وجمع بين أقوالهم وأقوال من هم أوثق منهم من رواة الصحيح ([12]).
وهكذا جعل رواية ابن إسحاق جامعة بين الروايات رغم مخالفتها لما في الصحيح الذي يعتمده، وذلك عند حديثه عن مقتل أبي جهل يوم بدر فقد قال: (فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث، لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبدالرحمن بن عوف أنه رأى معاذاً ومعوذاً شدّا عليه جميعاً حتى طرحاه – يعني أبا جهل)([13])
وهكذا في حديثه عن قصة بني النضير ومتى كان حصارهم، فقد نقل عن ابن إسحاق أنها كانت بعد أحد، وبعد استشهاد القرّاء في بئر معونة. وذكر أن الذي في البخاري عن عروة أنها كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، أي قبل أحد، لكن ابن حجر مال إلى ترجيح رواية ابن إسحاق برغم إيراده سبباً للغزوة غير الذي ذكره ابن إسحاق وصححه، بقوله: (فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه k أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي)([14])
بناء على هذا، سنذكر هنا راوية اعتمد المؤرخون السلفيون عليه كثيرا في الأحداث المرتبطة بالفتنة وغيرها مع كون أهل الجرح والتعديل منهم يتهمونه.. ولكن مع ذلك قبلوه، ولا يزالون يرددون رواياته، لأن أخباره تجري بحسب ما تهوى سفن أهوائهم.
فقد أخرج له الطبري كتابيه (الفتوح) و(الجمل) موزعا على حوادث السنين في تاريخه أكثر من (800 رواية) وأخرج له ابن عساكر موزعا على تراجمه دون ذكر لتآليفه، وأخرج له الذهبي في تاريخه الكبير مع التصريح باسم تآليفه في المقدمة، ومثله ابن عبد البر في التمهيد.
وهكذا استخرج المهتمون بتراجم الصحابة أسماء كثيرة من أساطيره وترجموا لتلك الأسماء ضمن تراجم الصحابة كابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر والذهبي وغيرهم.
واستخرج الحموي أيضا من أساطيره أسماء أماكن وترجمها في معجمه والحميري وترجمها في الروض ومن الحموي اخذ عبد المؤمن.
وهكذا دخل سيف بن عمر كل الدواوين على الرغم من المواقف المتشددة من أهل الجرح والتعديل حوله، يقول حسن بن فرحان المالكي في الرد على السلفية الذين بنوا الكثير من أوهامهم على هذا الراوية، وحاولوا كل جهدهم أن يلتمسوا أي سبيل لتوثيقه: (أود أن أقول انه قد أجمع المحدثون الذين ترجموا أو تكلموا عن سيف بن عمر على ضعفه وتفاوتت عباراتهم في جرحه بين (ضعيف) و(متروك) و(يضع الحديث) و(متهم بالزندقة) و(مخالفة الاجماع).. ولم يوثقه أحد منهم كما توهم البعض من بعض عبارات الحافظ بن حجر أو الذهبي)([15])
ثم ساق أقوال العلماء الجرح والتعديل فيه، ومنها([16]):
- إمام اهل الجرح والتعديل يحيى بن معين (232 ه) قال عن سيف: (فلس خير منه) وقال في موضع آخر (ضعيف)
- الإمام أبو زرعة الرازي (264 ه) قال: (ضعيف الحديث)
- الإمام أبو داود (275 ه) (صاحب السنن) قال في سيف (ليس بشئ) وهذا جرح شديد.
- الإمام أبو حاتم الرازي (277 هـ) قال: (متروك يشبه حديثه حديث الواقدي)
- الإمام يعقوب بن سفيان الفسوي (277 هـ) قال عن سيف: (حديثه وروايته ليس بشئ)
- الإمام النسائي (303 ه) (صاحب السنن) في كتابه (الضعفاء والمتروكين) وقال عنه: ضعيف.
- الإمام الطبري (310 هـ). مع أن الطبري قد روى عن سيف مثلما روى عن غيره من الضعفاء ورغم أن الطبري لم يورد في تاريخه أقوالا في الجرح والتعديل إلا في النادر ولم يجرح الضعفاء الذين يروي عنهم إلا أنه صرح بضعف سيف بن عمر فذكر مخالفة سيف للاجماع في أكثر من موضع مع أن الطبري لم يذكر هذا عن رواة آخرين ضعفاء كأبي مخنف والواقدي، فيعد الطبري من مضعفي سيف بن عمر، أما روايته عنه فقد روى عن غيره من المؤرخين الضعفاء من باب جمع المادة أو جمع أمثل ما رواه هؤلاء المؤرخون يظهر ذلك من كلامه في المقدمة ثم قد روى للكلبي وأبي مخنف والواقدي والهيثم بن عدي والهذلي وغيرهم من الضعفاء والمتروكين فليس روايته عن سيف استثناء من هولاء.
- العقيلي (322 ه) صاحب كتاب الضعفاء الكبير قال في سيف (لا يتابع على كثير من حديثه)
- الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم (327 ه) صاحب كتاب الجرح والتعديل قال في سيف (متروك الحديث)
- ابن السكن (353 ه) قال عنه: سيف بن عمر ضعيف. وأقره الحافظ ابن حجر.
- ابن حبان (354 ه) أورد سيفا في كتابه (المجروحين) وقال عنه (يروي الموضوعات عن الاثبات وقالوا: انه كان يضع الحديث وكان قد اتهم بالزندقة)
- الإمام ابن عدي (365 س) أورده في كتابه (الكامل في ضعفاء الرجال) وقال (بعض أحاديث سيف مشهورة وعامتها منكرة) يعني أكثرها، ولا يوجد كذاب في الدنيا إلا وبعض أحاديثه صحيحة لكنها قلة نسبة إلى الغرائب (المكذوبة)، ولا يستطيع الكذاب أن يكذب في كل أقواله، هذا مستحيل.
- الإمام الدارقطني (385 ه) صاحب العلل قال عن سيف: (متروك) وقال مرة (ضعيف)
- الإمام الحاكم (405 ه) صاحب المستدرك قال في سيف (متهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط)
- البرقاني (425 ه) قال (متروك) وتابع الدارقطني على هذا.
- أبو منصور الصيرفي عد سيفا من الضعفاء والمتروكين، اتفق مع الدارقطني والبرقاني في ذلك.
- ابن نمير (234 ه): نقل عنه الذهبي وابن حبان قوله (سيف الضبي تميمي وكان جميع يقول: حدثني رجل من بني تميم وكان سيف يضع الحديث وكان قد اتهم بالزندقة.
- ذكره ابن الجوزي (571 ه) في (الضعفاء)
- الذهبي (748 ه) قال في الكاشف (1 / 371): (تركوه واتهم بالزندقة)
- الحافظ بن حجر (852 ه) في التقريب (ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ) واللفظ الأخيرة مما تمسك به موثقو سيف من السلفية المعاصرين، وهذه اللفظة لا تعني التوثيق، كيف وابن حجر نفسه قد ضعف سيفا في روايات تاريخية بحتة، ويعد المتساهل الوحيد في الإكثار من روايات سيف مع حكمه عليه بالضعف. وهو ينقل عن ضعفاء غير سيف مثل الكلبي وأبي مخنف والهيثم بن عدي مع حكمه عليهم بالضعف والترك أيضا. لكنه يجتهد في اختيار بعض الاختيار من رواياتهم.
- المحدث محمد العربي التباني (توفي نحو 1390 ه) في كتابه القيم (تحذير العبقري من محاضرات الخضري): (سيف بن عمر الوضاع المتهم بالزندقة المتفق على أنه لا يروي إلا عن المجهولين)([17])، وقال: (وقد اتفق أئمة النقد على أن سيفا لا يروي إلا عن المجهولين وعلى طرحه) ([18])، وقال: (وهذا التدافع والتخبط والطعن في الصحابة قد استقريناه في كل خبر يرويه الطبري عن سيف بن عمر المتهم بالزندقة الذي لا يروي إلا عن المجهولين)([19])، وأشار أنه بسبب روايات سيف بن عمر اتهم أبو ذر بالاشتراكية، فقال في رده على الذين يوثقون سيفا في التاريخ دون الحديث قال الشيخ المحدث محمد العربي: (وإذا كان وضع الاخبار الكثيرة على النبي k سهلا على الوضاعين فالوضع على الصحابة والتابعين يكون أسهل) ([20])
- قام بعض الباحثين بدراسات خاصة عن سيف بن عمر ضمن أبحاثهم ومؤلفاتهم في التاريخ الاسلامي واعتقد أن من قام بدراسة عن الرجل أولى بقبول الرأي ممن لم يقم بذلك ومن هؤلاء الدكتور عبد العزيز بن صالح الهلابي وقد توصل إلى نتائج تتفق مع أحكام أهل الحديث المضعفة لسيف بن عمر بل المتهمة له بالكذب واختلاق الروايات.
هذه أحكام علماء الجرح والتعديل في هذا الرجل الذي يعتبره السلفيون مصدرا في الكثير من الأحداث الخطيرة المرتبطة بالأمة، وخاصة بطائفة محترمة منها هي الشيعة، حيث أنهم من خلال راوايته عن عبد الله بن سبأ بنى السلفية كل مواقفهم من الشيعة، وراحوا يرجمون كل حين بمرويات هم أنفسهم وبناء على منهجهم في الجرح والتعديل يعتقدون كذبها.
وقد ختم المالكي تلك النصوص التي جمعها من علماء الجرح والتعديل بقوله: (وخلاصة هذا.. أنك قد رأيت أن المحدثين قديما وحديثا قد أجمعوا على ضعف سيف بن عمر، وأنه قد يضع الأحاديث ويكذب على النبي k ومن كذب على النبي k فكيف ينتظر منه ان يصدق في أخبار الجمل والقعقاع بن عمرو؟! كما رأيت ان الدراسات المعاصرة تتفق مع ما اتفق عليه المحدثون.. وكنت أظن ان الدراسات (الأكاديمية) قد طوت صفحة سيف منذ زمن فلم تعد أباطيله تنطلي على أحد ولا تخدع ذا لب وإذا بنا نفاجأ من وقت لآخر بكتابات تتهم (المحدثين) بدلا من (سيف) وتجعلهم (متحيزين) وتجعل من سيف (معتمدا لهم)، فكيف نجمع بين (تحيزهم ضده) و(اعتمادهم عليه)؟ وهكذا نستخرج سيفا من أحكامهم كما تستخرج الشعرة من العجين ولتبقى أحكامهم صالحة ضد بقية المؤرخين كالواقدي وأبي مخنف، فالمحدثون (معتدلون) في الحكم عليهم، لكنهم (متحيزون) في حكمهم على سيف بن عمر، وهكذا فلتكن العلمية والمقالات الاكاديمية المتخصصة؟ وبهذا تبدأ الازدواجية، ولا تنتهي عن سيف بن عمر ومروياته)([21])
ثم بين الشيخ حسن بن فرحان المالكي ناحية أخرى مهمة تبين مدى ازدواجية السلفية في المعايير وفي التعامل مع الرواة وكل شيء، وأن هدفهم الأول والأخير هو الوصول إلى غايتهم، لا ما يفرزه التحقيق العلمي من نتائج، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، يقول ـ مخاطبا ذلك السلفي الذي راح يلتمس كل السبل لتوثيق سيف بن عمر من أجل أن يصحح أكاذيبه حول عبد الله بن سبأ: (وهب أننا وافقناه على قوله واتهمنا المحدثين بدلا من سيف وقلنا بأن سيف بن عمر (ثقة ثبت حافظ حجة إمام)، وجعلناه بمرتبة البخاري أو الإمام احمد، فإننا بعد هذا كله لن نستطيع توثيق روايات سيف بن عمر فإنها ستبقى ضعيفة أيضا.. لأن الأسانيد لا تصح إلى سيف ولا تصح روايته عن شيوخه.. لأن تلميذ سيف المتخص في نقل مروياته هو شعيب بن ابراهيم الكوفي وهو (مجهول) و(في رواياته منكرات وتحامل على السلف) وانظر ترجمته في الميزان للذهبي وقبله في الكامل في الضعفاء لابن عدي فهو أخو سيف في الضعف والمنكرات؟ وشعيب هذا قد روى أكثر من 90 من روايات سيف بن عمر وانفرد بكثر هذه النسبة فقد روى 730 رواية من أصل 800 رواية – أو أكثر بقليل – هي كل ما رواه الطبري في تاريخه سيف بن عمر. كما ان الكتاب المحقق الذي أخرجه السامرائي كله عن طريق (شعيب عن سيف)؟! فلو كان هذا الكتاب للبخاري لما أمكن الوثوق في رواياته لان (ضعف التلميذ) لا يزيله (صدق الشيخ) والعكس صحيح أيضا. ومعنى هذا كله أننا نقول للروايات ال (730) وللكتاب المحقق السلام عليكما ونلقيهما في مهملات التاريخ ومنكراته اللهم إلا روايات معدودة في تاريخ الطبري) ([22])
وقد ذكر الشيخ حسن بن فرحان المالكي السر الذي جعل السلفية يميلون إليه مع كونه يطعن في كبار الصحابة والتابعين، فقال: (سيف مغرم بالطعن في بعض الصحابة والتابعين الذين كانت لهم مواقف من بني أمية كعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وزيد بن صوحان والاشتر والاسود بن يزيد وأمثالهم، فأنت تجد في رواياته أن أباذر وعمار بن ياسر من تلاميذ عبد الله بن سبأ يسلط الأول على معاوية ويحرض الثاني ضد عثمان وكلاهما (أبو ذر وعمار) آذان صاغية وأيد منفذة لهذا اليهودي النكرة؟ سبحان الله، أين الولاء والبراء؟ أين عقيدة عمار وأبي ذر؟ هل كل هذا من أجل يهودي يلعب بهما كيف شاء، ويسخرهما لطاعته.. سبحان الله، (أصدق الناس لهجة أبو ذر) يردد أكاذيب هذا اليهودي (والطيب المطيب عمار) يتلوث بهذه الافكار اليهودية.. يتحولان بعد صحبة النبي k وشهادته لهما بالجنة إلى متآمرين مع اليهود ضد المسلمين.. هذه ردة فإن من نواقض (لا إله إلا الله) مظاهرة المشركين ضد المسلمين.. فهل يريد سيف أن يطعن فيهما بهذا الطعن مما يصلح للاستدلال به على اتهامه بالزندقة، فهو يطعن في هؤلاء الأخيار بينما يدافع عن معاوية وزياد بن أبيه وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة (الفاسق) وأبي الاعور السلمي وبسر بن أبي أرطأة (السفاك) ومروان وأمثالهم.. فكيف يتهم سيف البرئ ويبرئ المتهم إلا لهوى وفساد عقل ودين) ([23])
بالإضافة إلى تلك المواقف من السابقين من الصحابة الذين شهد لهم رسول الله k بالصدق والثبات، والذي لا يجد السلفية حرجا في الطعن فيهم بسبب مواقفهم من حبيبهم وخالهم معاوية، يذكر الشيخ حسن بن فرحان عاملا آخر مهما على أساسه يتعامل السلفية مع الرواة والعلماء وكل شيء، وهو ما عبر عنه بقوله: (.. من طالع روايات سيف يجده أموي النزعة وتجده يبني (الأموي) من عهد النبي k ويذكر له من الأمجاد والبطولات وحسن الرأي ما يجعل القارئ يتمنى أن يصل ذلك (الأموي) للحكم، ولذلك أكثر عنه أمويو عصرنا كمحب الدين الخطيب وأمثاله.. فسيف يفعل ما سبق، بينما يطعن في مخالفي الأمويين.. طالعوا أي شخصية أموية في تاريخ الطبري واستخرجوا أخبارها وقارنوا ما كتبه سيف عنها وما كتبها غيره وستجدون العجب، خذوا أي شخصية أموية، معاوية مثلا، الوليد بن عقبة، زياد بن أبيه،.. في المقابل خذوا أي شخصية معادية لبني أمية أو لبعضهم أو لهم مواقف معهم كأبي ذر وعمار وقارنوا أخبارهم في كتب الحديث والتاريخ مع ما كتبه سيف ستجدون غاية العجب وغاية الخبث فعمار وأبو ذر من أتباع ابن سبأ عند سيف بن عمر، وجندب بن زهير شاهد زور لأنه ضد الوليد بن عقبة، وزيد بن صوحان إنما قطعت يده في السرقة عند سيف، ولم تقطع في الجهاد في سبيل الله، وهكذا لانه كان ضد بني أمية.. فمن خالف بني أمية أو له مواقف معهم نجد سيفا يجدعه تجديعا ويظهره بهذا المظهر المزري، هذه أقوال سيف في عمار وأمثاله فكيف بالأشتر وغيره من التابعين الذين كانوا مع علي فنحن في هذا العصر خاصة مغرمون بالرد على المذهب الشيعي، وبالتالي قبول كل ما يخالفه وإن كان باطلا، ورد كل ما يوافقه وإن كان حقا، وهذا خطأ منهجي كبير يقع فيه كثير من المؤرخين بعلم أو بجهل) ([24])
هذا هو موقف الشيخ حسن بن فرحان المالكي، والذي تتلمذ على أيدي أساتذة المدرسة السلفية لكن صدقه وتحقيقه جعله يتحري إلى أن يصل إلى الحقيقة في هذا الباب، كما وصل إليها في أبواب كثيرة، لأن أول طريق الحقيقة هي التحرر من سلطة الطائفة والمذهب والعشيرة، وقد لاقى بسبب ذلك من الأذى ما يلاقيه كل متحرر.
هذا مجرد نموذج عن المكاييل المزدوجة التي يتعامل بها السلفية مع الرواة، والذي رأينا بعض الأمثلة عنه في منهجهم في علم الحديث.. لكنهم في هذا المجال خصوصا تركوا لأنفسهم العنان لتنتقي ما تشاء، وخاصة فيما يرضي نزواتهم التضليلية والتكفيرية.
2 ـ الكذب على المخالفين:
بناء على ما سبق، فإن السلفية يتخذون من التاريخ مطية ووسيلة لضرب المخالفين لهم وتجريحهم والحط من شأنهم، مثلما يفعلون في العقائد والفقه عندما يكذبون على كل مخالف لهم، ويتهمونه بالبدعة.
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر، ولكني سأسوق هنا مثالا يردده الكثير من المعاصرين، ويبنون عليه جدرا كثيرة من الأوهام والأحكام الجزافية مع كون الحادثة لو صحت كما ذكروا لا تعدو أن تكون مرتبطة بأصحابها، ولا يحق لأحد من الناس أن يعمم ما فعل الفرد والفردان لطائفة محترمة من الأمة.
والمثال هو ما يذكره السلفية قديما وحديثا من قصة ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي وطعنهما لسائر المسلمين في الظهر.. ثم يبنون على هذا أن كل الشيعة خونة وجند للشيطان ليستأصل الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.. ولم يكلف أحد منهم نفسه بالتحقيق في مدى صدق الروايات التاريخية المرتبطة بهذا.
وبناء عليه سأسوق هنا ما ذكره السلفية حول تلك الأحداث، ثم أسوق ما يذكره غيرهم من المؤرخين حولها، لنرى الإزدواجية والكذب الذي تعلمه السلفية من أساتذتهم القدامى من اليهود.
أما السلفية، فقد عبر ابن تيمية عنهم بقوله ـ متحدثا عن تلك الحادثة، ومتهما بها الشيعة جميعا سلفهم وخلفهم ـ: (هم يستعينون بالكفار على المسلمين، فقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ابتلي المسلمون بعدو كافر كانوا معه على المسلمين، كما جرى لجنكزخان ملك التتر الكفار، فإن الرافضة أعانته على المسلمين، وأما إعانتهم لهولاكو ابن ابنه لما جاء إلى خراسان والعراق والشام فهذا أظهر وأشهر من أن يخفى على أحد، فكانوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصاره ظاهرا وباطنا، وكان وزير الخليفة ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم، فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين، ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم، وينهى العامة عن قتالهم، ويكيد أنواعا من الكيد، حتى دخلوا فقتلوا من المسلمين ما يقال: إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان، أو أكثر أو أقل، ولم ير في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر، وقتلوا الهاشميين وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين، فهل يكون مواليا لآل رسول الله k من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين؟)([25])
هذا كلام ابن تيمية، ومثله كلام جميع السلفية حول الحادثة، والتي تفنن المعاصرون في صناعة سيناريوهاتها، كمثل هذا السيناريو الذي رسمه ناصر بن عبد الله بن علي القفاري في كتابه (أصول مذهب الشعية الإمامية الإثني عشرية عرض ونقد)، فقد صور فيه الحادثة كما يلي: (وملخص الحادثة أن ابن العلقمي كان وزيراً للخليفة العباسي المستعصم، وكان الخليفة على مذهب أهل السنة، كما كان أبوه وجده، ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ، فكان هذا الوزير الرافضي يخطط للقضاء على دولة الخلافة، وإبادة أهل السنة، وإقامة دولة على مذهب الرافضة، فاستغل منصبه، وغفلة الخليفة لتنفيذ مؤامراته ضد دولة الخلافة، وكانت خيوط مؤامراته تتمثل في ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: إضعاف الجيش، ومضايقة الناس.. حيث سعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين، وضعفتهم: قال ابن كثير: “وكان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في أخر أيام المستنصر قريباً من مائة ألف مقاتل.. فلم يزل يجتهد في تقليلهم، إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف)([26]).. المرحلة الثانية: مكاتبة التتار: يقول ابن كثير: (ثم كاتب التتار، وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف الرجال)([27]).. المرحلة الثالثة: النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والناس، فقد نهى العامة عن قتالهم وأوهم الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم، وأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم، ونصفه للخليفة)([28])
هذا هو الكلام الذي يردده السلفية كثيرا يذكرنا بموقفهم الآن من غزو العراق وأفغانستان، فمع أن الطائرات الأمريكية وغيرها كانت ترتفع من القواعد الخليجية لضرب تلك البلاد الإسلامية، ومع أن الفتاوى صدرت من هيئة كبار العلماء بذلك، ومع أن كل شيء طبخ بتنسيق بين أولي الأمر ممن يسمون أنفسهم زورا وبهتانا [أهل السنة] وأعدائهم، وبفتاوى كبار العلماء الذين يستند إليهم السلفية، ومع ذلك.. وبعد فترة قصيرة، صار السلفية يرددون بأن العراق وأفغانستان ضربت من الشيعة بحجة أن بعض التصريحات صدرت من إيرانيين من أنه لولاهم لما تمكنت أمريكا من غزو العراق ولا أفغانستان.. ولسنا ندري أيهما نصدق: هل تلك الطائرات والقواعد التي لا تزال جاثمة على أرض الجزيرة تمطر كل حين بلاد العالم الإسلامي بأنواع القتل والدمار، أم نصدق تلك التصريحات التي أسيء فهمها، أو استغلت استغلالا خاطئا.
وهكذا حصل مع ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي.. فقد برأ السلفية الخليفة وبرأو قادة الجيش، وبرأت جميع أجهزة الحكم، ثم بحث عن رجل واحد كان من الشيعة لتلصق جميع التهم به، وكأنهم كانوا بين يديه مجرد دمى يحركها كيف يشاء.
بناء على هذا سأذكر هنا بعض النصوص التاريخية من مصادر متعددة، ويمكن للقارئ أن يعود إليها ليحقق فيها جيدا، ليرى مدى صدق ما يقوله السلفية في هذا، وكأنه حقائق قطعية لا جدل فيها.
يقول أبو الفداء (المتوفى: 732هـ): (ولما مات المستنصر اتفقت آراء أرباب الدولة مثل الدوادار والشرابي على تقليد الخلافة ولده عبد الله ولقبوه المستعصم بالله، وهو سابع ثلاثينهم وآخرهم، وكنيته أبو أحمد بن المستنصر بالله منصور، وكان عبد الله المستعصم ضعيف الرأي فاستبد كبراء دولته بالأمر، وحسنوا له قطع الأجناد، وجمع المال ومداراة التتر، ففعل ذلك وقطع أكثر العساكر)([29]).
وقال القلقشندي: (وأبطل أكثر العساكر، وكان التتر من أولاد جنكزخان قد خرجوا على بلاد الإسلام على ما تقدم، وملكوا أكثر بلاد الشرق والشمال… وكان عسكر بغداد قبل ولاية المستعصم مائة ألف فارس، فقطعهم المستعصم ليحمل الى التتر متحصل إقطاعاتهم! فصار عسكرها دون عشرين ألف فارس)([30])
وقال الذهبي في تاريخه: (وكان المستنصر بالله(والد المستعصم)قد استكثر من الجند حتى بلغ عدد عساكره مائة ألف فيما بلغنا، وكان مع ذلك يصانع التتار ويهاديهم ويرضيهم)([31])
وهذه النصوص تدل على أنه لا علاقة لابن العلقمي بحل الجيش، بل هناك من الوثائق التاريخية المعتبرة لدى السلفية ما يدل على أن ابن العلقمي حاول أن يعيد تشكيل الجيش فلم يسمعوا له، وقد شهد الذهبي وغيره بذلك عن غير قصد، كما شهدوا بأن الخليفة وقائد (جيشه) لم يكونا يسمعان لابن العلقمي قال: (كان وزيراً كافياً، قادراً على النظم، خبيراً بتدبير الملك ولم يزل ناصحاً لمخدومه حتى وقع بينه وبين حاشية الخليفة وخواصه منازعة فيما يتعلق بالأموال والإستبداد بالأمر دونه، وقويت المنافسة بينه وبين الدويدار الكبير وضعف جانبه حتى قال عن نفسه:
وزيرٌ رضي من بأسه وانتقامه بِطَيِّ رُقاعٍ حشوُها النظمُ والنثرُ
كما تسجع الورقاءُ وهي حمامةٌ وليس لها نهيٌ يطاعُ ولا أمرُ)([32])
لكن ابن كثير السلفي المتعصب لم يستسغ هذا، فراح يضع كل شيء في عنق ابن العلقمي، فقال: (فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس وهم وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم، حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم، ويحزنون على الإسلام وأهله! وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي)([33])
يقول الكوراني تعليقا على هذا النص: (فاعجب لتعصبهم على ابن العلقمي الذي لم يكن يملك شيئاً من القرار، وتبرئتهم للمجرمين الحقيقيين الخليفة المستنصر والمستعصم وقادة الجيش الأتراك الذين أصروا على حل الجيش، وفرضوا خليفة ضعيفاً يطيعهم في استمرار حل الجيش وتوفير ميزانيته، بينما كان خطر المغول واضحاً للعيان)([34])
وقد شهد ابن الطقطقي المعاصر لهم بنزاهة ابن العلقمي وبراءته، قال: (وكان مؤيد الدين الوزير عفيفاً عن أموال الديوان وأموال الرعية متنزهاً مترفعاً. قيل إن بدر الدين صاحب الموصل أهدى إليه هدية تشتمل على كتب وثياب ولطائف قيمتها عشرة آلاف دينار، فلما وصلت إلى الوزير حملها إلى خدمة الخليفة، وقال: إن صاحب الموصل قد أهدى لي هذا واستحييت منه أن أرده إليه، وقد حملته وأنا أسأل قبوله فَقَبل. ثم إنه أهدى إلى بدر الدين عوض هديته شيئاً من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر ألف دينار، والتمس منه ألا يهدي إليه شيئاً بعد ذلك! وكان خواص الخليفة جميعهم يكرهونه ويحسدونه! وكان الخليفة يعتقد فيه ويحبه وكثروا عليه عنده فكفَّ يده عن أكثر الأمور ونسبه الناس إلى أنه خامر(تآمر مع هولاكو) وليس ذلك بصحيح)([35]).
بل قد ورد في الروايات التاريخية أن ابن العلقمي حاول إنقاذ الخلافة فمنعوه، ذلك أنه عندما اقتربت حملة المغول استشار الخليفة وزيره ابن العلقمي فأشار عليه أن يرسل الى طاغيتهم هولاكو هدايا وفيرة، ويطمئنه بأنه يعترف به سلطاناً كالسلطان البويهي والسلجوقي، ليعترف هولاكو بالخليفة ولا يهاجم بغداد! وقد اقتنع الخليفة بهذا الرأي وأمرهم فباشروا بتهيئة الهدايا والرسل، لكن القائد السني الدويدار وبقية البطانة استكثروا الهدية ومنعوا الخليفة من إرسالها فأطاعهم، وأحبطوا بذلك محاولة إنقاذ الخلافة، كما ذكر ابن العبري ذلك، فقال: (وفيها في شهر شوال رحل هولاكو عن حدود همذان نحو مدينة بغداد، وكان في أيام محاصرته قلاع الملاحدة قد سيَّر رسولاً إلى الخليفة المستعصم يطلب منه نجدة، فأراد أن يسيِّر ولم يقدر، لم يمكنه الوزراء والأمراء وقالوا: إن هولاكو رجل صاحب احتيال وخديعة وليس محتاجاً إلى نجدتنا، وإنما غرضه إخلاء بغداد عن الرجال فيملكها بسهولة. فتقاعدوا بسبب هذا الخيال عن إرسال الرجال! ولما فتح هولاكو تلك القلاع أرسل رسولاً آخر إلى الخليفة وعاتبه على إهماله تسيير النجدة، فشاوروا الوزير فيما يجب أن يفعلوه فقال: لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصه. وعندما أخذوا في تجهيز مايُسَيِّرونه من الجواهر والمرصعات والثياب والذهب والفضة والمماليك والجواري والخيل والبغال والجمال، قال الدويدار الصغير وأصحابه: إن الوزير إنما يدبر شأن نفسه مع التاتار وهو يروم تسليمنا إليهم فلا نمكنه من ذلك! فأبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة، واقتصر على شئ نزر لا قدر له، فغضب هولاكو وقال: لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسيِّر أحد ثلاثة نفر: إما الوزير وإما الدويدار وإما سليمان شاه. فتقدم الخليفة إليهم بالمضي فلم يركنوا إلى قوله، فسيَّر غيرهم مثل ابن الجوزي وابن محيي الدين، فلم يُجديا عنه)([36])
وقال الذهبي: (وفي سنة خمس(655)سار هولاكو من همدان قاصداً بغداد، فأشار ابن العلقمي الوزير على الخليفة ببذل الأموال والتحف النفيسة إليه، فثناه عن ذلك الدويدار وغيره وقالوا: غرض الوزير إصلاح حاله مع هولاكو فأصغى إليهم وبعث هدية قليلة مع عبد الله بن الجوزي فتنمر هولاكو، وبعث يطلب الدويدار وابن الدويدار وسليمان شاه فما راحوا، وأقبلت المُغُل كالليل المظلم. وكان الخليفة قد أهمد حال الجند وتعثروا وافتقروا وقطعت أخبازهم، ونظم الشعر في ذلك! فلا قوة إلا بالله)([37])
يقول الكوراني تعليقا على هذا النص: (فلماذا يتعامى أتباع الخلافة عن حقيقة أن مركز القرار والميزانية كانا بيد الخليفة وبطانته، ويضعون المسؤولية على شيعي مدني لايملك القرار؟! ولماذا لايُدينون الخليفة البخيل المنهار الذي عرف أن المغول قصدوا العراق فأرسل معتمده محتسب بغداد الفقيه السني ابن الجوزي الى هلاكو ليسلمه الأهواز التي كانت خاضعة للخليفة مباشرة! قال الذهبي: (وقد أرسله المستعصم إلى خراسان إلى هولاكو ثم رجع وأخبر بصحة عزمه على قصد العراق في جيش عظيم، فلم يستعدوا للقائه! ولما خرج المستعصم إليه طلب منه أن ينفذ إلى خورستان من يسلمها، فنفذ شرف الدين هذا بخاتم الخليفة فتوجه مع جماعة من المغول وعرفهم حقيقة الحال)([38])، ومع كل ذلك ظل(الخليفة)مستغرقاً في خمره حتى عندما أحاط جيش هولاكو بقصره وأصابت سهامهم راقصته، فكان جوابه أن قال: قتلوا راقصتي فكثِّفوا الستائر، قال ابن كثير: (وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه وكانت مولَّدَةً تسمى عَرَفة، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً! وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم)! فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز وكثرة الستائر(الجُدُر) على دار الخلافة)([39]))([40])
هذا هو الخليفة السني المنشغل بالراقصة في تلك الأيام الشديدة، والذي أقام السلفية الدنيا من أجله، واعتبروا كل الشيعة خونة بسبب ذلك الوزير المسكين الذي ابتلي بالوزارة في دولة العابثين والراقصين والماجنين، وكأنه هو الذي حال بين الخليفة وبين صيرورته زعيما حقيقيا، أو صيرورة قادة الجند أبطالا شجعانا.. لكن العقل السلفي يقبل كل شيء، ويكذب على كل شيء.
ونحن لا ندافع هنا عن ابن العلقمي، ولا عن غيره.. ولكنا نتعجب من تلك العقول الممتلئة بالأحقاد، فلذلك تصدق كل ما يردها من دون تحليل ولا تحقيق ولا ورع.
ثم لا تكتفي بالتعامل مع الحادثة، وكأنها حادثة فردية، بل تعممها على طائفة كبيرة محترمة، فإذا ما ذكر المخالف لهم قائدا أو حاكما أو وزيرا سنيا قام بخيانة في وقت من الأوقات ذكروا له أن ذلك الوزير لا يمثل إلا نفسه.. فكيف يستقيم أن يمثل الوزير السني نفسه فقط، بينما يمثل الوزير الشيعي جميع الشيعة في كل زمان ومكان؟
هذا مجرد مثال وقريب منه مثال العلامة الكبير نصير الدين الطوسي الذي راح ضحية الأكاذيب والتضليلات السلفية الكثيرة، والتي تدل الحقائق التاريخية على عكسها تماما.
فقد قال ابن تيمية عنه: (هذا الرجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنّه كان وزيراً الملاحدة الباطنية الاسماعيليّة في الالموت، ثمّ لمّا قدم الترك المشركون إلى بلاد المسلمين، وجاؤوا إلى بغداد دار الخلافة، كان هذا منجّماً مشيراً لملك الترك المشركين هولاكو، أشار عليه بقتل الخليفة وقتل أهل العلم والدين، واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا، وأنّه استولى على الوقف الذي للمسلمين، وكان يعطي منه ما شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم من البخشية السحرة وأمثالهم. وأنّه لمّا بنى الرصد الذي بمراغة على طريقة الصابئة المشركين، كان أبخس الناس نصيباً منه من كان إلى أهل الملل أقرب، وأوفرهم نصيباً من كان أبعدهم عن الملل، مثل الصابئة المشركين ومثل المعطلة وسائر المشركين)([41])
هذا كلام ابن تيمية عنه، ولسنا ندري من أين نقله لأن كل الذين عايشوا الحادثة، وعاصروها لم يذكروها مع كونهم من الثقاة لدى السلفية.
فممن عاصر الحادثة الشيخ ابن الفوطي الحنبلي البغدادي (المتوفى 723 هـ)، والذي ترجم له الذهبي قائلاً: (ابن الفوطي العالم البارع المتفنّن المحدّث المفيد، مؤرخ الافاق، مفخر أهل العراق، كمال الدين أبوالفضائل عبدالرزاق بن أحمد بن محمّد بن أبي المعالي الشيباني ابن الفوطي، مولده في المحرّم سنة 642 ببغداد، وأُسر في الوقعة وهو حَدَث ـ أُسر في الوقعة: وقعة بغداد ـ ثمّ صار إلى أُستاذه ومعلّمه خواجة نصير الدين الطوسي في سنة 660، فأخذ منه علوم الأوائل، ومهر على غيره في الأدب، ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس، وله النظم والنثر، والباع الأطول في ترصيع تراجم الناس، وله ذكاء مفرط، وخط منسوب رشيق، وفضائل كثيرة، سمع الكثير، وعني بهذا الشأن)([42])
وقال صاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي: (الشيخ الامام المحدّث المؤرّخ الاخباري الفيلسوف)([43])
أمّا ابن كثير، فقد قال عنه: (الامام المؤرّخ كمال الدين ابن الفوطي أبوالفضل عبدالرزاق، ولد سنة 642 ببغداد، وأُسر في واقعة التتار، ثمّ تخلّص من الأسر، فكان مشرفاً على الكتب بالمستنصريّة، وقد صنّف تأريخاً في خمس وخمسين مجلّداً، وآخر ـ أي كتاباً آخر ـ في نحو عشرين، وله مصنّفات كثيرة، وشعر حسن، وقد سمع الحديث من محي الدين ابن الجوزي، وتوفي في ثالث المحرّم في السنة التي ذكرناها)([44])
فهذا المؤرّخ، بشهادة أعلام السلفية ومؤرخيهم شاهد الحادثة، وهو إمام مؤرّخ معتمد، وله كتاب الحوادث الجامعة الذي تعرّض فيه لسقوط بغداد على يد هولاكو، ومع ذلك لم يذكر أي علاقة لنصيرالدين بذلك مع أنه ألّف كتابه هذا بعد الحادثة بسنة واحدة، أي سنة 657 تاريخ تأليف كتاب الحوادث الجامعة.
ولعل من أسباب حنق ابن تيمية عليه بالإضافة إلى تشيعه هو اهتماماته العلمية الكثيرة بالرياضيات والفلك وغيرها، والتي كان السلفية ولا زالوا يقفون منها موقفا متشددا.
فقد ذكر محمد بن شاكر في كتابه (فوات الوفيات) أن للطوسي مؤلفات قيمة في الرياضيات، ولعل كتاب (شكل القطاع) أجلها، فهو كتاب وحيد في نوعه ترجمه الغربيون إلى اللاتينية والفرنسية والإنجليزية، وبقي قروناً عديدة مصدراً لعلماء أوروبا يستقون منه معلوماتهم في المثلثات الكرية والمستوية، وقد اعتمد عليه (ريجيو مونتانوس) كثيراً عند وضعه كتاب المثلثات، ونقل عنه (عن كتاب شكل القطاع) بعض البحوث والموضوعات.
وقد أحكم الطوسي ترتيب موضوعات هذا الكتاب وتبويب نظرياته والبرهنة عليها، ووضع كل هذا في صورة واضحة لم يسبق إليها، والطوسي أول من استعمل الحالات الست للمثلث القائم الزاوية، وقد أدخلها في كتابه الذي نحن الآن بصدده، ومن يطالع هذا الكتاب يجد فيه ما يجده في أحسن الكتب الحديثة في المثلثات.
وله كتاب (تحرير إقليدس) الذي أظهر فيه براعة فائقة ولاسيما عند البحث في بعض القضايا التي تتعلق بالمتواليات.
وفي كتاب (التذكرة) أدخل الطوسي بعض الأعمال الهندسية فقد برهن المسألة الآتية: دائرة تمس أخرى من الداخل قطرها ضعف الأولى، تحركتا في اتجاهين متضادين وبانتظام بحيث تكونان دائماً متماستين وسرعة الدائرة الصغيرة ضعف سرعة الدائرة الكبرى، برهن على ان نقطة الدائرة الصغرى تتحرك على قطر الدائرة الكبرى.
ولهذا يعترف (سارطون) في كتابه (مقدمة لتاريخ العلم) بأن الانتقاد الذي وضعه نصير الدين للمجسطي يدل على عبقريته وطول باعه في الفلك ويتضح من مؤلفاته في الهيئة أنه أضاف إليها إضافات مهمة، فقد تمكن من إيجاد مبادرة الاعتدالين ومن استنباط براهين جديدة لمسائل فلكية عويصة، كما حاول أن يوضح بعض النظريات، لكنه لم يوفق في تبسيطها وهذا هو السبب في كثرة الشروح التي وضعها علماء المسلمين والعرب لأزياجه ورسائله، ويتبين من مؤلفاته أنه انتقد كتاب المجسطي، وأنه اقترح نظاماً جديداً للكون أبسط من النظام الذي وضعه بطليموس، ويؤكد (سارطون) أن هذا الانتقاد يدل على عبقرية وطول باع في الفلك، وهو في الواقع خطوة تمهيدية للإصلاحات التي تقدم بها (كوبر نيكس) في ما بعد ([45]).
وأحب قبل أن أختم هذا العنوان أن أشيد بباحث سعودي متحرر هو أ. د. سعد بن حذيفة الغامدي أستاذ التاريخ الإسلامي ودراساته الشرقية في كلية الآداب قسم التاريخ جامعة الملك سعود الذي رد على الكثير من الأوهام التي يتعلق بها السلفية هذا الجانب، وذلك في كتابه (سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والإتهام)، والذي نال بسببه حظه من النقد والطرد والحرمان السلفي الذي لا يفرق في الطرد بين المسائل العقدية والتاريخية.. ولو أن الذي صنفوا الكتب الأولى في العقائد عادوا إلى الوجود لوضعوا قصة ابن العلقمي والطوسي من ضمن العقائد التي يكفر جاحدها.. ولو عاش علماء الجرح والتعديل ورأوا أهمية سيف بن عمر وغيره من الكتبة الكذبة لحولوه ثقة عدلا ضابطا لا يتكلم فيه إلا مبتدع.
ومن أمثلة ذلك ما كبته سليمان بن صالح الخراشي في منتدى صيد الفوائد وردا على كتاب الدكتور الغامدي فقد كتب مقالا بعنوان: (دكتور في جامعة الملك سعود يردد أكذوبة شيعية)، ومما جاء فيه: (سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والإتهام) كتابٌ للأستاذ الدكتور سعد بن حذيفة الغامدي أحد منسوبي جامعة الملك سعود قسم التاريخ، صدر قريبًا وكتب على طرته (دراسة جديدة لفترة حاسمة من تاريخ أمتنا)وهذا ما أغراني لاقتنائه منتظرًا ماسيجود به قلم الدكتور من جديد في هذه القضية، إلا أنني تفاجأت عندما رأيته يردد ما ردده الشيعة الرافضة من تكذيب لأي خيانة لأسلافهم، وهو ما تتابع عليه ثقات المؤرخين، فهذا الجديد عنده، يقول الدكتور محاولاً دفع تهمة الخيانة عن الرافضة: (ومع هذا فإن سؤالاً يتبادر إلى الذهن وهذا السؤال هو: هل كان هولاكو محتاجاً إلى مساعدة المسلمين الشيعة ضد المسلمين السنة حتى نقبل أنهم كانوا أحد العوامل التي أدت إلى سقوط بغداد؟ في الحقيقة لم يكن هولاكو محتاجاً إلى مساعدة من أي فرد شيعياً كان أم سنياً، لذلك فإننا نجد كما يظهر لنا أنه من غير المحتمل إن لم يكن من المستحيل أن يكون لهذه الطائفة من المسلمين أي دور فعال، سواء من داخل أو من خارج بغداد في هجوم المغول ضد العاصمة العباسية بغداد وخلافتها السنية)
ومما ذكره هذا الباحث الفاضل المتحرر: (إن للمرء أن يقول بأن هذه الإتهامات لاأساس لها من الصحة؛ إذ لم تدعم أو تثبت بأي دليل قاطع، يقوم أساساً على تقرير شاهد عيان معاصر؛ كما أنها لم تظهر هذه الإتهامات أو الشائعات بمعنى أدق إلا بعد سنوات طوال من بعد سقوط العاصمة بغداد، وانقراض أسرتها الحاكمة العباسية، جاءت هذه الإتهامات التي وجهت ضد أتباع المذاهب الشيعي عامة ووزير الخليفة المستعصم ابن العلقمي خاصة، في جميع المراجع السنية تقريباً والتي تسنى لنا الرجوع إليها، والتي كتبها مؤرخونا أولئك الذين جاؤا فيما بعد. إذ نجد أن كل مؤرخ يأخذ عن المؤرخ الذي سبقه ثم يضيف كما سبقت الإشارة إلى هذه الحقيقة إلى ما نقله من سلفه، ثم إضافة كلام من عنده هو إشاعات أكثر منه حقيقة تاريخية ثابتة، ولكننا نجد أن هذه الإتهامات تظهر أيضاً في مؤلف لمؤرخ غير مسلم وهذا المؤرخ هو المكين بن العميد جرجس المسيحي الديانة، حيث يقول بتآمر الوزير مع المغول ضد الخلافة العباسية، وقد أخذ بعض مؤرخينا الحديثين رواية ابن العميد تلك على أنها دليل قاطع بلا ريب أو شك عندهم، على أن الوزير مذنب! كان ابن العميد مؤرخاً مسيحياً معاصراً عاش في مصر وكتب تاريخه باللغة العربية عن بني أيوب. ولكننا عندما نرجع إلى حقيقة ما قاله ابن العميد في هذا الشأن فإن المرء سيجد أن هذا المؤرخ لم يكن على علم بما وقع فعلاً وأنه لم يكن يروي في كتابته عن هذه المسألة إلا مجرد شائعات وأقاويل جارية لم يثبتها تقرير من شاهد عيان، وفي هذا الخصوص يقول ابن العميد ما يلي: وقيل إن وزير بغداد كتب إلى هولاؤون(يعني بذلك هولاكو) بأن يصل إلى بغداد ويأخذ البلاد)([46])
ذكرنا مرات عديدة وخاصة في كتاب [هكذا يفكر العقل السلفي] أن السلفية من أكثر الناس قبولا للخرافة، بل لا يكاد يعدلهم أحد في تسليمهم لها حتى لو ناقضت كل المعارف والعلوم، بل حتى لو ناقضت كل العقول، فيكفي أن تنسبها لأحد من سلفهم ليسجد لها السلفي خاضعا، فإن أبى عقله الصغير أن يسلم لها ضرب به عرض الجدار.
وبناء على ذلك كان التاريخ السلفي، والذي يبدأ من آدم عليه السلام كله مبنيا على الوهم والخرافة والأساطير، لأن الذين نقل عنهم ذلك، وسلم لهم في ذلك كانوا أكثر الناس كذبا وزورا وبهتانا.
وأحب أن أضع هنا ملخصا تاريخيا مختصرا للبشرية جميعا في هذه الصفحات المحدودة، للذين يتلهفون لقراءة التاريخ كما ينقله سلف السلفية حتى لا يقعوا في البدع والمحدثات، وخاصة تلك المحدثات التي جلبتها العلوم العصرية الكثيرة كعلم الآثار ونحوه.. والذي يعود بالبشرية إلى أحقاب تاريخية بعيدة تتناقض مع ما ورد عن السلف الصالح بشأنها.. فتاريخ البشرية جميعا من مبتدئه إلى منتهاه بحسب التقويم السلفي لا يتعدى سبعة آلاف سنة..
وسأستعير هذا الملخص من كتاب بعنوان [أعلام النبوة] ألفه رجل سلم عقله تسليما كاملا لكل ما ذكره الطبري وغيره من المؤرخين، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الماوردي (المتوفى: 450هـ)
والعنوان الذي ذكر فيه هذا الملخص بإيجاز شديد عنونه بـ [الباب الخامس في مدة العالم وعدة الرسل]، وقد قال في مدته جازما غير مستثن ولا رادا علم ذلك لله: (مدة الدنيا من ابتداء خلق العالم إلى انقضائه وفنائه سبعة آلاف سنة على ما جاءت به التوراة المنزلة على موسى عليه السلام وذكره أنبياء بني إسرائيل، وقد وافق عليه من قال بتسيير الكواكب، وأنها مسير الكواكب السبعة فسير كل كوكب منها ألف سنة، وقد روي عن رسول الله k أنه قال: (الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا) وقال k: (بعثت والساعة كهاتين)، وجمع بين أصبعيه الوسطى والسبابة يعني أن الباقي منها كزيادة الوسطى على السبابة، وروى سلمة بن عبد الله الجهنى عن أبى مسجعة الجهني عن أبي رحاب الجهني أنه قال للنبي k رأيتك على منبر فيه سبع درجات وأنت على أعلاها فقال: (الدنيا سبعة الاف سنة أنا في آخرها ألفا)، وروى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله k بعد صلاة العصر يقول: (أيها الناس إن الدنيا خضرة حلوة وأن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون)، وأخذ في خطبته إلى أن قال: (لأعرفن رجلا منعته مهابة الناس أن يتكلم بحق إذا رآه وشهده) ثم قال: (وقد أزف غروب الشمس أن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كبقية يومكم هذا فيما مضى منه يوفى بكم سبعون أمة قد توفي تسع وستون وأنتم آخرها)، فصارت هذه المدة القدرة في عمر الدنيا سبعة آلاف سنة متفقا عليها فيما تضمنته الكتب الإلهية ووردت به الأنباء النبوية مع ما سلك به الموافق من تسيير الكواكب السبعة، وإن كان المعول في المغيب على الأنباء الصادقة الصادرة عن علام الغيوب الذي لم يشرك في غيبه إلا من أطلعه عليه من رسله فخلق العالم في ستة أيام ابتداؤها يوم الأحد وانقضاؤها يوم الجمعة)([47])
وبناء على هذا الدجل والخرافة والكذب المنسوب زورا وبهتانا لرسول الله k أخذ الماوري ينقل آراء السلف الصالح في بداية التاريخ، وذكر لذلك ثلاثة أقوال([48]):
القول الأول: وهو قول طائفة من السلف كالشعبي، وهو أن الله تعالى بدأ (بخلق الأرض في يوم الأحد والاثنين لقول الله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [فصلت: 9]، وخلق الجبال في يوم الثلاثاء، وخلق الماء والشجر في يوم الأربعاء، وخلق السماء في يوم الخميس، وخلق الشمس والقمر والنجوم والملائكة وآدم في يوم الجمعة.. قال الشعبي: (ولذلك سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق كل شيء) ([49])
القول الثاني: وهو قول فريق آخر من السلف وهو (أنه بدأ بخلق السموات قبل الأرض في يوم الأحد والاثنين لقول الله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12] في ثلاثة أوجه: أحدها: أسكن في كل سماء ملائكتها. والثاني: خلق في كل سماء ما أودعه فيها من شمس وقمر ونجوم. والثالث: أوحى إلى أهل كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة ثم خلق الأرض والجبال في يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق ما سواهما من العالم في يوم الخميس والجمعة) ([50])
القول الثالث: وهو قول سلف آخرين، وهو أنه خلق السماء دخانا قبل الأرض ثم فتقها سبع سموات بعد الأرض لقول الله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]، فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أي أعطيا الطاعة في السير المقدر لكما باختيار أو إجبار قاله سعيد ابن جبير. والثاني: أخرجا ما فيكما طوعا أو كرها. والثالث: كونا كما أردت أن تكونا، وفي قولهما ذلك وجهان: أحدهما: أن ظهور الطاعة منهما قام مقام قولهما. والثاني: أنه خلق فيهما كلاما نطق بذلك. قال أبو النضر السكسي: فنطق من الأرض موضع الكعبة ونطق من السماء بحيالها فوضع الله فيها حرمة) ([51])
هذه بداية الكون حسب الرؤية السلفية التي استمدوها من سلفهم الأول.. ولذلك لا مكان هنا لكل تلك النظريات التي يتعب علماء الفلك أنفسهم في الدلالة عليها بسب تفريطهم في علوم السلف، واحتقارهم لهم.. ولو أنهم جلسوا بين أيديهم لأغلقوا كل مراصدهم ومختبراتهم.. فلا حاجة بهم إليها.
أما آدم، فقد ذكر السلف الأول أنه آخر ما خلق الله تعالى في يوم الجمعة، (خلقه من تراب الأرض، ونفخ في أنفه من نسمة الحياة، فهو أنفس من كل ذي حياة)([52])
أما حواء فلم تخلق أصالة، وإنما خلقت فقط لأجل أن تؤنس آدم، فلذلك هي ـ حسب النظرة السلفية ـ نعمة من النعم التي أسديت لآدم مثل نعمة الطعام والشراب ونحوهما، فلذلك كفر الحجوري السلفي كما ذكرنا كل من يقول بمساواة الذكر بالأنثى، وكيف يتساوى المخلوق أصالة والمخلوق تبعا، ذلك أنه ـ كما ينص السلف ـ (لما تكامل خلق آدم استوحش فخلق له حوّاء) ([53])
وقد اختلف السلف كعادتهم في الوقت الذي خلقت فيه على قولين: (الأول: أنها خلقت منه في الجنة بعد أن استوحش من وحدته وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.. والقول الثاني: أنها خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنة ثم أدخلا معا إليها) ([54])
ويذكر السلف الحزن الشديد الذي أصاب آدم عليه السلام عندما خرج من الجنة، وهو حزن لا يرتبط بالله، وإنما يرتبط بـ (ما كانا فيه من النعيم في الجنة إلى ما صارا إليه من النكد في الأرض فحزن آدم حين أهبط إلى الأرض وبقي في حزنه مائة سنة لا يقرب فيه حوّاء، ثم غشيها فولدت له بعد المائة قابيل ثم غشيها فولدت له هابيل فقتل هابيل قابيل فحزن آدم لذلك حزنا شديدا وقيل أنه جعل حزنه جزاء على معصيته في الأكل.. ثم خف حزنه فغشى حوّاء فولدت له شيثا) ([55])
وقد اختلف سلف السلفية من أهل الكتاب في علاقة الموت بآدم، وهل (هل خلق في ابتدائه قابلا للموت أو جعل الموت عقوبة له على معصيته.. فقال بعضهم: خلق آدم في ابتداء نشأته على الطبيعة الباقية والطبيعة الميتة ليكون إن مال إلى الشهوات الجسمانية وآثرها وقع في التغايير الجسمانية وناله الموت، وإن آثر فضائل النفس الأمارة بالخير نال البقاء الذي سعدت به الملائكة فلم يمت فلما عصى بأكل الشجرة عدل إلى التغايير فناله الموت، واستشهدوا عليه من التوراة بما ذكر فيها أنك إن أكلت من الشجرة يوم تأكل منها فموتا تموت فلم يجز أن يتوعده بالموت عند معاقبته وهو يموت لو لم يعاقب.. وقال آخرون منهم وهو أشبه بمقتضى العقول أنه خلق في ابتداء إنشائه قابلا للموت في الدنيا وإن لم يعص لأنه أحوجه إلى الغذاء كذريته وليس شيء من الجواهر التي لا ينالها الموت محتاجة إلى الغذاء ولم يجعل الموت عقوبة على المعصية ولذلك لم يمت من عصى من الملائكة وإن في التوراة مكتوبا أن مد يده في الجنة إلى شجرة الحياة وأكل منها حيي الدهر كله فدل على أنه مطبوع على قبول الموت) ([56])
ويذكر السلف أن آدم عليه السلام بقي مدبرا لأولاده مدة حياته حتى مات بعد تسعمائة وثلاثين سنة من عمره، ثم قام بالأمر من بعده شيث ابن آدم فبرع في الحكمة وفاق في علم النجوم بما أخذه عن أبيه آدم وبما استفاده بالتجربة ومرور الزمان.
وقد ولد بعد مائتين وثلاثين سنة من عمر أبيه آدم، ومات وله تسعمائة واثنتا عشرة سنة، فكان قيامه بالأمر بعد موت آدم مائتين وإثنتي عشرة سنة.. ثم قام بالأمر بعد شيث ولده أنوش بن شيث، وكان مولده بعد مائتين وخمسين سنة من عمر شيث ومات أنوش وله تسعمائة وخمسون سنة فكان قيامه بالأمر بعد شيث مائتين وثماني وثمانين سنة.
ثم قام بالأمر بعد أنوش ولده قينان بن أنوش وولد بعد مائة وتسعين سنة من عمر أنوش ومات قينان وله تسعمائة وعشرون سنة فكان قيامه بالأمر بعد أنوش مائة وتسعين سنة.
ثم قام بالأمر بعد قينان ولده معلاييل وولد بعد ثمانمائة وخمس وسبعين سنة فكان قيامه بالأمر بعد قينان مائة وعشر سنين.
ثم قام بالأمر بعد مهلاييل ولده يارد بن مهلاييل، وولد بعد مائة وخمس وستين سنة من عمر مهلاييل، ومات يارد وله تسعمائة وإثنان وستون سنة فكان قيامه بالأمر بعد مهلاييل مائتين وإثنين وخمسين سنة.
ثم قام بالأمر بعد يارد ولده أخنوخ بن يارد وهو ادريس، وولد بعد مائة وإثنين وستين سنة من عمر يارد وهو نبي في قول جميع أهل الملل.
ويروي سلف السلفية أن الناس افترقوا بعد ادريس وزادوا إلى زمن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهوإ وهو آخر نبي بعث قبل الطوفان على قول من زعم أن شيثا نبي ونزل الطوفان بعد ستمائة سنة (20) من عمره وأنذر قومه فكذبوه وصنع السفينة فسخروا منه وأمره الله تعالى أن يصنعها في طول ثلاثمائة ذراع وعرض خمسين ذراعا وعلو ثلاثين ذراعا وتكون ثلاث طبقات ليركب فيها هو وأهله ويأخذ من كل جنس من الحيوان زوجين ذكرا وأنثى ليكونوا أصولا لنسلهم فيحيا بهم العالم ثم وعده أن يستمطره بعد سبعة أيام أربعين يوما وأربعين ليلة فلم يبق في الأرض ذو روح إلّا من ركبها وغاض الطوفان بعد مائة وخمسين يوما فاستوت على الجودي وهو جبل بأرض الجزيرة شهرا وسمي الماء طوفانا لأنه طفا فوق كل شيء.
وقد اختلف سلف السلفية كعادتهم في العمر الذي عاشه نوح بعد الطوفان (فقال الأكثرون ثلاثمائة وخمسين سنة وهو ظاهر ما نزل به القرآن، وقال آخرون ستمائة وخمسون سنة لأنه لبث تسعمائة وخمسين سنة داعيا لقومه وكان له قبل دعائه ثلاثمائة سنة) ([57])
واختلفوا أيضا في المدة بين هبوط آدم من الجنة إلى مجيء الطوفان (فقال اثنان وسبعون حبرا من بني إسرائيل نقلوا التوراة إلى اليونانية بينهما ألفان ومائتان وإثنتان وأربعون سنة ثم تبلبلت الألسن بعد الطوفان بستمائة وسبعين سنة فافترق إثنان وسبعون لسانا في اثنتين وسبعين أمة.. قال وهب بن منبه منها في ولد سام بن نوح تسعة عشر لسانا، وفي ولد حام سبعة عشر لسانا. وفي ولد يافث ستة وثلاثون لسانا من تبلبل الألسن إلى مولد إبراهيم الخليل عليه السلام أربعمائة وأحد عشر سنة ومن مولد إبراهيم إلى موسى بن عمران عليه السلام أربعمائة وخمس وعشرون سنة وأخرج بني إسرائيل من مصر بعد ثمانية سنة ودبر أمرهم أربعين سنة ومات وله مائة وعشرون سنة فصار من هبوط آدم إلى وفاة موسى ثلاثة آلاف وثمانمائة وثماني وستين سنة)([58])
وذهب آخرون إلى غير هذا القول، فقد رووا عن أبي أمامة أن رجلا قال: (يا رسول الله أنبيٌّ كان آدم؟ قال: نعم، مكلَّم، قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون)([59])
أما تاريخ الأنبياء بعد نوح عليه السلام، فهكذا يعبرون عنه: (أول نبي بعد نوح إبراهيم، وهو أول من قص شاربه واستحد واختتن وقلم أظفاره واستاك وتمضمض واستنشق واستنجى بالماء، وأول من أضاف الضيف وأطعم المساكين وثرد الثريد. وكان داعيا إلى عبادة الله تعالى وتوحيده) ([60])، وهم يقصدون إبراهيم عليه السلام، ويختصرون كل صفاته في تلك الصفات.
ثم يليه (إسحاق بن إبراهيم، ولد له عيصو ويعقوب توأمين في بطن واحد فخرج عيصو ثم خرج بعده يعقوب ويده عالقة على عقبه فسمي يعقوب، فعيصو أبو الروم وكان أصفر اللون فلذلك سميت الروم بني الأصفر، ويعقوب هو إسرائيل أبو الأسباط، وأيوب بن بولص كان أبوه ممن آمن بإبراهيم يوم أحرق وكان في زمن يعقوب وكان صهره زوجه يعقوب بنته ليا وهي التي ضربها بالضغث) ([61])
أما أول نبي من بني إسرائيل فهو ـ كما ينص سلف السلفية ـ (موسى وآخرهم عيسى وكانت نبوة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ومن بعده من ولده قبل موسى مقصورة على أنفسهم حتى دعا موسى إلى نبوّته بني إسرائيل ومن وفاة موسى إلى ملك بختنصر تسعمائة وثمان وسبعون سنة، وإلى ملك الاسكندر ألف وأربعمائة وثلاث عشرة سنة) ([62])
أما المسيح عليه السلام، فقد ولد (ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من كانون الأول لسبعمائة وتسع وثلاثين سنة من ملك بختنصر ولثلاثمائة وأربع سنين من ملك الاسكندر. ومن ملك بختنصر إلى ابتداء الهجرة ألف وثلثمائة وتسع وستون سنة، ومن ملك الاسكندر إلى ابتداء الهجرة ألفان وثلثمائة وسبع وأربعون سنة فكان بين موت موسى وابتداء الهجرة ألفان وثلثمائة وسبع وأربعون سنة ومولد عيسى بعد ألف وسبعمائة وسبع عشرة سنة من موت موسى وقيل بعد ستمائة وثلاثين سنة من ابتداء الهجرة) ([63])
هذه خلاصة موجزة جدا لتاريخ البشرية الذي بثه سلف السلفية لخلفهم، والذي تمتلئ به أسفارهم، ورواياتهم الكثيرة..
وبناء على تلك الحسابات التي ذكرناها، وبناء على عمر الدنيا الذي لا ينبغي أن يتجاوز سبعة آلاف سنة راح الماوردي يحسب المدة الباقية، مستعملا كل مهاراته العقلية، فقال في فصل بعنوان [فصل في عمر الدنيا إلى قيام الساعة]: (فإذا تقرر ما ذكرناه من مدة الدنيا أنها مقدرة في الكتب الإلهية بسبعة آلاف سنة كان الماضي منها إلى ابتداء الهجرة محمولا على ما قدمناه من اختلاف أهل التوراة فيكون على القول الأول المأخوذ عن الأحبار الناقلين لها إلى اليونانية ستة آلاف ومائتين وست عشرة سنة والباقي من عمر الدنيا على قولهم بعد الهجرة سبعمائة وأربعا وثمانين سنة وهو موافق لقول رسول الله k: (الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها ألفا)، ويكون الماضي منها على القول الثاني المأخوذ عن التوراة العبرانية أربعة آلاف وثمانمائة وإحدى وأربعين سنة والباقي من عمر الدنيا على هذا القول بعد الهجرة ألفين ومائة وتسعا وخمسين سنة وقيل أنهم قالوا ذلك ليكون رسول الله k في خامسها ألفا فيدفعوه بنقصان التاريخ عن صفته في التوراة أنه مبعوث في آخر الزمان، ويكون الماضي على القول الثالث في توراة السامرة خمسة آلاف ومائة وسبعا وثلاثين سنة والباقي من عمر الدنيا على هذا القول بعد الهجرة ألفا وثمانمائة وثلاثا وثلاثين سنة ليكون الرسول في سادسها ألفا لما قيل من سنيه) ([64])
وبناء على هذا قام بعضهم ببعض الحسابات البسيطة التي يمكن من خلالها التعرف على ما بقي من الدنيا، أو من [عمر الأمة] كما يعبر، وقد استخرج ذلك من كتب الحديث التي يعتمد عليها السلفية.
فقد رووا عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله k وهو قائم على المنبر يقول: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غروب الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين. قال أهل التوراة: ربنا هؤلاء أقلُّ عملاً وأكثر أجراً؟ قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء)([65]).
ورووا عن أبي موسى الأشعري، عن النبي k أنه قال: (مثل المسلمين واليهود والنصارى، كمثل رجل استأجر قوما، يعملون له عملا إلى الليل، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك، فاستأجر آخرين، فقال: أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر، قالوا: لك ما عملنا، فاستاجر قوما، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين)([66])
وبما أن عمر اليهود (من الفجر حتى منتصف النهار) قد اتفق عليه المؤرخون بأنه من 2000 – 2100 سنة.. قال القرطبي (واختلف في قدر مدة تلك الفترة فذكر محمد بن سعد في كتاب الطبقات عن ابن عباس قال: كان بين موسى بن عمران وعيسى بن مريم عليهما السلام ألف سنة وسبعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة وأنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم وكان بين ميلاد عيسى والنبي k خمسمائة سنة وتسع وتسعون سنة)([67])، وقال ابن حجر: (وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي k كانت أكثر من ألفي سنة ومدة النصارى من ذلك ستمائة)([68])
أما عمر النصارى (من منتصف النهار حتى صلاة العصر)، فقد ورد في الحديث في البخاري عن سلمان قال: (فترة بين عيسى ومحمد k ستمائة سنة)([69])
فالنتيجة هي أن عمر أمة الإسلام = عمر اليهود (2000 أو 2100) – عمر النصارى (600) = (1400 أو 1500)
إذا عمر أمة الإسلام ـ بحسب الحسابات السلفية ـ يتراوح من 1400 سنة إلى 1500 كحد أقصى.
وللسلفية طرق أخرى في الحساب كلها تستند لروايات صححها الألباني أو غيره من المحدثين، ومنها ما ذكره بعضهم في كتابه الذي خصصه عن عمر الأمة، فذكر أنه (صحّ عن أبي هريرة موقوفا أنه قال، في قوله تعالى: { لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: 23]: (الحَقْبُ ثمانون عاما اليوم منها كسدس الدنيا)([70])
وقد علق الطبري على هذا الحديث بقوله: (فبيّن في هذا الخبر أن الدنيا كلها ستة آلاف سنة، وذلك أن اليوم الذي هو من أيام الآخرة إذا كان مقداره ألف سنة من سنيِّ الدنيا وكان اليوم الواحد من أيام (الحقب) سدس الدنيا كان معلوما بذلك أن جميع الدنيا ستة أيام من أيام الآخرة وذلك ستة آلاف سنة)([71])
لكن هذا لا يتفق مع ما رووا عن ابن عباس من أن يهودًا كانوا يقولون: (مدة الدنيا سبعة آلاف سنة)([72])
لكن السلفية عرفوا كيف يتجاوزون هذا الخلاف، فذكروا أن هذا المنقول عن ابن عباس بسند حسن عن أهل الكتاب هو خلاف ما صحَّ عن أبي هريرة من أنها 6000 سنة مما يدل على اختلاف المصدر عندهما. والراجح ما رواه أبو هريرة موقوفا وله حكم الرفع. وقد روى الفقرة الأولى منه عبد الله بن مسعود وهو ممن لم يعرف بالرواية عن أهل الكتاب.
وهناك طريقة لجأوا إليها، وهي الجمع بين القولين (قول ابن عباس وقول أبي هريرة) بأن يحمل قول أبي هريرة بأن عمر الدنيا (6000 سنة) أي دون الزيادة ودون يوم القيامة، والزيادة مقدارها نصف يوم (500 سنة) ويوم القيامة مقداره نصف يوم (500 سنة) ويحمل قول ابن عباس (7000 سنة) على فنائها.
وهم يستدلون لهذه الزيادة بحديث يرفعونه إلى رسول الله k يقول فيه: (إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم… قيل لسعد: كم نصف يوم، قال: خمسمائة سنة)([73])
بناء على هذا، فإن عمر الدنيا = 7000 سنة.. وبما أنهم رووا عن رسول الله k أنه قال: (كان عمر آدم ألف سنة. قال ابن عباس: وبين آدم ونوح ألف سنة وبين نوح وإبراهيم ألف سنة وبين إبراهيم وموسى 700 سنة وبين موسى وعيسى 1500 سنة وبين عيسى ونبينا 600 سنة)([74])
وبناء على هذا فإن جملة المدد من آدم عليه السلام إلى محمد k = 4800 سنة
وبناء على أن (انتهاء عمر أمة الإسلام) يبدأ من طلوع الشمس من مغربها، وهو إلى قيام الساعة وهو 120 سنة، كما رووا عن عبد الله بن عمرو قال: (يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها 120 سنة)([75])
وباعتبار أن المدة بين النفختين = 40 سنة، كما رووا عن رسول الله k: (بين النفختين أربعون)([76])
وباعتبار أن المدة التي يمكثها الناس شخوصا إلى السماء ينتظرون فصل القضاء 40 سنة كما رووا عن رسول الله k: (يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام)([77])
وبناء على أن مقدار يوم القيامة = 500 سنة، كما رووا عن رسول الله k: (يوم يقوم الناس لربّ العالمين: مقدار نصف يوم)([78])
بهذه الاعتبارات جميعا، فإن مجموع المدد من طلوع الشمس من مغربها إلى انقضاء الحساب = 700 سنة
وحيث أن: جملة عمر الدنيا (من بعثة آدم وإلى انقضاء الحساب) = جملة الماضي من عمر الأمم إلى بعثة محمد k + عمر أمة محمد k + المدة من انتهاء عمر أمة محمد k (طلوع الشمس من مغربها تقريبا) إلى انقضاء الحساب..
إذن: 7000 = 4800 + عمر أمة محمد k + 700.
إذن: عمر امة محمد k = 7000 – 4800 – 700 = 1500 سنة.
وقد أشار إلى هذه الحسابات جميعا الحافظ ابن رجب في شرحه لحديث (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس)([79]) فقال: (إنما أراد به – والله أعلم – أتباع موسى وعيسى عليهما السلام…. وإنما قلنا: إن هذا هو المراد من الحديث، لأن مدة هذه الأمة بالنسبة إلى مدة الدنيا من أولها إلى آخرها لا يبلغ قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس بالنسبة إلى ما مضى من النهار بل أقل من ذلك بكثير)([80])
وقال: (وقد قدمنا أن المراد بهذا الحديث مدة أمة محمد k مع مدة أمة موسى وعيسى عليهم السلام. فمدة هذه الأمم الثلاث كيوم تام ومدة ما مضى من الأمم في أول الدنيا كليلة هذا اليوم فإن الليل سابق للنهار وقد خُلق قبله على أصح القولين وتلك الليلة السابقة كان فيها نجوم تضيء ويُهتدى بها وهم الأنبياء المبعوثون فيها، وقد كان – أيضا – فيها قمر منير وهو إبراهيم الخليل عليه السلام إمام الحنفاء ووالد الأنبياء وكان بين آدم ونوح ألف سنة وبين نوح وإبراهيم ألف سنة وبين إبراهيم وموسى ألف سنة قال ذلك غير واحد من المتقدمين.. وأما ابتداء رسالة موسى عليه السلام فكانت كابتداء النهار فإن موسى وعيسى ومحمدا k هم أصحاب الشرائع والكتب المتبعة… فكانت مدة عمل بني إسرائيل إلى ظهور عيسى كنصف النهار الأول، ومدة عمل أمة عيسى كما بين الظهر والعصر، ومدة عمل المسلمين كما بين العصر إلى غروب الشمس) ([81])
بناء على هذا كله، فإن الحسابات السلفية تنذر البشرية بأنه لم يبق بيننا وبين القيامة إلا بعض العقود من السنين.. وهي عقود ستحصل فيها جميع علامات الساعة، بما فيها الدجال وغيره.. وبعدها مباشرة ستقع القيامة بكل تفاصيلها.
هذه هي النتيجة المنطقية للتاريخ السلفي الذي لا يكتفي فقط بالكذب على الماضي، بل يضيف إليه الكذب على المستقبل، ويجعل من نهاية التاريخ نهاية مأساوية فاشلة يتحقق فيها المشروع الشيطاني، ويخيب المشروع الرباني..
وذلك كله نتيجة ذلك العقل المغلق الذي راح يسلم للسلف كل الخرافات والأحلام والأوهام التي كانوا يفسرون بها القرآن الكريم، ويشرحون بها الحديث، بل يرفعونها إلى رسول الله k.. وفي الكتب التي يعتبرونها أصح كتاب بعد كتاب الله.. وهم في الحقيقة لا يقصدون سوى بعدية الشرف، أما بعدية الرتبة، فالبخاري عندهم أدق من كتاب الله، لأن الله تعالى قال عن القيامة: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [النازعات: 42 – 46]
بينما إذا ذهبنا إلى البخاري وغيره من كتب الحديث نستطيع أن نعرف بدقة كل شيء، حتى الساعة وزمان رسوها.
من خصائص العقل الخرافي الفضول والتطلع للتفاصيل الكثيرة التي لا حاجة له في معرفتها إلا أنه يتصور لسذاجته أنه بقدر علمه بها يكون علمه، وبقدر حفظه لتفاصيلها تكون منزلته، وقد شرحنا سابقا أن هذه الخاصية من أهم خصائص العقل السلفي، وبناء عليها كتب أكثر تراثه في المجالات المختلفة.
وبما أن التاريخ أحد هذه المجالات التي رأينا فيها عشرات بل مئات من كتب سلف السلفية الأوائل، فقد كان من الطبيعي أن تمتلئ هذه الأسفار الضخمة بالكثير من أنواع التفاصيل الغريبة التي يحتار العقل فيمن سجلها أو حفظها.
وسأذكر هنا لبعض العقول التي تحب هذا النوع من العلم بعض التفاصيل التي استطاع العقل السلفي أن يكتشفها مع أنها في العصور الغابرة البعيدة.. وذلك كله بفضل تمسكه بالسلف الصالح من أصحاب القرون الثلاثة الأولى.. الذين هم أعلم القرون.
فمن تلك التفاصيل التاريخية التفاصيل المرتبطة بقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 248]، فقد ذكر مؤرخو السلفية من أمثال ابن جرير، والبغوي، وابن كثير، وغيرهم الكثير من الأخبار عن الصحابة والتابعين، وعن وهب بن منبه، وغيره من أهل الكتاب في وصف التابوت، وكيف جاء، وعلام يشتمل، وعن السكينة وكيف صفتها([82]).
فقد ذكروا في شأن التابوت: أنه كان من خشب الشمشاد، نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين، كان عند آدم إلى أن مات، ثم عند شيث، ثم توارثه أولاده، إلى إبراهيم، ثم كان عند إسماعيل، ثم يعقوب، ثم كان في بني إسرائيل، إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه، فكان عنده إلى أن مات، ثم تداوله أنبياء بني إسرائيل إلى وقت شمويل، وكان عندهم حتى عصوا، فغلبوا عليه؛ غلبهم عليه العمالقة.
أما السكينة فهي ـ كما يروون عن مجاهد ـ عبارة عن حيوان كالهر، لها جناحان، وذنب، ولعينيه شعاع، إذا نظر إلى الجيش انهزم، وقال محمد بن إسحاق، عن وهب بن منبه: السكينة: رأس هرة ميتة، إذا صرخت في التابوت بصراخ هر أيقنوا بالنصر، وعن وهب بن منبه: السكينة: روح من الله تتكلم، إذا اختلفوا في شيء تتكلم، فتخبرهم ببيان ما يريدون، وعن ابن عباس: السكينة طست من ذهب، كانت تغسل فيه قلوب الأنبياء، أعطاه الله موسى عليه السلام.
أما كيفية مجيء التابوت، فقد ذكروا أقوالا كثيرة منها أن التابوت كان بأريحاء، وكان الذين استولوا عليه وضعوه في بيت آلهتهم: تحت صنمهم الأكبر، فأصبح التابوت على رأس الصنم، فأنزلوه، فوضعوه تحته، فأصبح كذلك، فسمروه تحته، فأصبح الصنم مكسور القوائم، ملقى بعيدا، فعلموا أن هذا أمر من الله لا قبل لهم به، فأخرجوا التابوت من بلدهم فوضعوه في بعض القرى، فأصاب أهلها أمراض في رقابهم، فتحيروا في الأمر، فقالت لهم امرأة كانت عندهم من سبي بني إسرائيل، من أولاد الأنبياء: لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم، فأخرجوه عنكم، فأتوا بعجلة، بإشارة تلك المرأة، وحملوا عليها التابوت، ثم علقوها على ثورين، وضربوا جنوبهما، فأقبل الثوران يسيران، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما، فأقبلا حتى وقفا على أرض بني إسرائيل، فكسرا نيريهما، وقطعا حبالهما، ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل، ورجعا إلى أرضهما، فلم يرع بني إسرائيل إلا التابوت، فكبروا، وحمدوا الله تعالى.
هذا مجرد مثال عن ولع سلف السلفية بالتفاصيل، ومن شاء المزيد يمكنه أن يرجع إلى تلك الأسفار الكثيرة التي يدعون إلى قراءتها والاكتفاء بها حتى لا يقع السلفي في خرافات المؤرخين والباحثين وعلماء الآثار وجميع علماء الدنيا.. فما ترك السلف لغيرهم بعدهم كلاما.
ثانيا ـ جانب العبرة من الأحداث التاريخية:
كما استطاع السلفية أن يتجاوزوا التاريخ الذي أمروا بالسير في الأرض للبحث عنه والتحقيق فيه لأجل العظة والعبرة بتلك الأساطير التي نقلوها عن سلفهم، والتي حالت بينهم وبين الاستفادة والاعتبار منها، فقد وضعوا أسوارا كثيرة من الكذب تحول بين المؤمن والاعتبار بتاريخ المسلمين باعتبارهم له تاريخا مقدسا، والحديث فيه غيبة ونميمة.
فإذا ما أراد عقل من العقول أن يفكر في جذور الخلل التي حولت خير أمة أخرجت للناس إلى هذه الحالة المزرية من التخلف والانحدار والضعة والذلة قيل له: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134]
فإذا قيل لهم بأن رسول الله k نفسه تحدث عن ذلك، وأخبر عن وقوع الفتن بعده، وعين مواضعها، وذكر أسماء أصحابها وجرائمهم.. فكيف نرغب عن سنة رسول الله k.. قيل لهذا العقل: نحن نتقيد بسنة رسول الله k بحسب فهم السلف.. وما دام السلف لم يلتفتوا لتلك السنن، فنحن أولى بألا نلتفت لها.
وهكذا يفحم السلفي خصمه، لأنه لا يعود للعقل، ولا للنص المقدس، بل يحكي له ما قال سفيان ووهب وكعب والطبري وابن تيمية.. ليخرسه بهذه الأسماء جميعا.
وكمثال بسيط على ذلك ما ورد من النصوص المقدسة في أن الأمة ستنحرف عن قريب، وأن الحكم فيها سيتحول إلى ملك عضوض، وقد ذكرت بدقة تواريخ ذلك ومدده، ففي الحديث عن حذيفة بن اليمان قال رسول الله k: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت)([83])
وعن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله k قال: سمعت رسول الله k يقول: (الخلافة ثلاثون سنة ثم يكون بعد ذلك ملكا)، قال سفينة: (فخذ، سنتين أبو بكر، وعشرا عمر، واثنتي عشرة عثمان، وستا علي)([84])
لكن السلفية مع ذلك يصرون على تسمية فترات الحكم الإسلامي التي سماها رسول الله k ملكا عاضا، بالخلافة.. ثم يدافعون عن كل أنواع الاستبداد التي مارسها بنو أمية أو بنو العباس أو غيرهم من الذين ابتلي بهم تاريخ المسلمين نتيجة إعراضهم عن وصايا رسول الله k.
وليس هذا خاصا فقط بالسلفية العلمية، بل حتى السلفية الحركية، أو الذين تصوروا أنفسهم قد تحرروا وتنوروا لكن عقولهم التي لا تزال مقيدة بالسلف حالت بينهم وبين البحث التاريخي الجاد الذي يجتهد في البحث عن مكامن العلل ليجد من خلال تشخيصه لها الدواء الذي أنزله الله، لا الذي اخترعه البشر.
ومن الأمثلة على ذلك شخصيتان علميتان لهما وزنهما في البحث التاريخي، ولكنهما نتيجة القيود السلفية التي قيدتهما راحا يحولان بتكلف عجيب من كل أنواع الاستبداد والظلم التي مر بها المسلمون في تاريخهم عدالة ورحمة وإنسانية رغم أنف كل تلك الأحاديث التي أخبرت عن وقوع الاستبداد في هذه الأمة، وذكرت أن السلطان والقرآن يفترقان.
وهاتان الشخصيتان هما: الدكتور عبد الحليم عويس، والأستاذ المؤرخ محمود شاكر، وسأنقل ببعض التصرف مقالا في الرد عليهما كتبه الشيخ حسن بن فرحان المالكي بحرقة وهو يرى كيف يتلاعب هذان المؤرخان بالتاريخ وبالحقائق لأجل زخرفة المشوه، وتبييض المسود.
يقول الشيخ المالكي: (يا أصحاب الحديت: انقذوا التاريخ الاسلامي! لا تنقذوه من تلفيقات المستشرقين وأذنابهم من المستغربين، بل من بعض المؤرخين الاسلاميين الذين دخلوا ميدان التحقيق العلمي للتاريخ بلا سلاح ورفعوا لواء (إعادة كتابة التاريخ الاسلامي)، وهم يفتقدون أبسط أركان التحقيق العلمي. يا علماء الحديث: لقد سئمنا من الردود على المؤرخين المستغربين الذين يؤرخون بأقلامهم ما تمليه أهواؤهم وعقولهم فان هؤلاء المستغربين لن يجدوا عند المسلمين إلا آذانا صماء وأعينا عمياء، والقارئ المسلم الواعي لن ينجرف في تياراتهم ولن تخدعه ترهاتهم فقد طويت دونهم الكشوح منذ زمن فلم تعد أباطيلهم تنطلي على أحد.. ولكن الانكى عندما (يؤتى من مأمنه الحذر) فقد نشأ في زمننا الحاضر كثير من المؤرخين الاسلاميين الذين يريدون تنقية تاريخنا الاسلامي من الشوائب، فأتوا بالعجائب، وطمسوا الحقائق، وأدخلوا أنفسهم في علم الحديث تصحيحا وتضعيفا وضعفوا الثقات، ووثقوا الهالكين، وأحجموا أنفسهم بين رفض النقل، وتحكيم العقل، وفتحوا بذلك شرخا عميقا في منهج أهل الحديث – ولهذا جئت مستنجدا – فإن لم يتدارك هذا الأمر أهل الاختصاص فسيؤول بنا الامر إلى رفض المؤرخين العقلانيين (ومن سار في ركبهم) للمنهج الذي وصلنا عن طريقه كتاب الله وسنة رسوله k)([85])
ثم أخذ يتحدث عن اللغة السلفية الجديدة في التعامل مع الأحداث التاريخية، والتي تلغي كل أدوات البحث التي يتصور السلفية أنها لهم وحدهم، فقال: (وقد بدت بوادر هذه المجازفات فرأينا في هذه الايام من الاساتذة المؤرخين أو تلاميذهم من يتلاعبون بتاريخنا الاسلامي، فيصححون الضعيف، ويضعفون المتواتر لأن العقل – بزعمهم – يعقل هذا ولا يعقل ذاك، مع ادعائهم بأنهم رجال ثغور التاريخ، وأنه يقع على عواتقهم تنقية هذا التاربخ وإعادة كتابته وتصحيحه.. فإذا حاولت أن تبحث عن منهجهم وجدته (يعقل، ولا يعقل) و(ممكن، ولا أظن)، ويبدأون تحقيقاتهم بـ (لست أدري، ومما يخيل إلي) لكنهم ينتهون بـ (من المؤكد) وبفعلهم هذا يكونون قد هدموا ما بناه المحدثون منذ القرون الاولى مع أنهم ـ أي المؤرخون – يتفقون نظريا مع أهل الحديث في أن (أفضل منهج لكتابة التاريخ الاسلامي هو منهج أهل الجرح والتعديل وأن هذا المنهج هو المعيار الحقيقي لقبول الخبر أو رده).. وهذه حقيقة لا جدال فيها ولا يشك فيها منصف، لكن المؤرخين الاسلاميين هم أبعد الناس عن هذا المنهج عن التطبيق العملي الواقعي مع اعترافهم بالمنهج نظريا، ومؤلفاتهم شاهدة تنضح بما ذكرت من تناقضاتهم، فهم يدعون إلى تطبيق منهج المحدثين، وبدعوتهم هذه يكونون قد جعلوا على مؤلفاتهم صبغة أهل الحديث ظاهريا)([86])
وبعد هذه المقدمة الخطابية المهمة التي تنبئ عن الحرقة التي أصابت صاحبها نتيجة ذلك العبث والازدواجية التي يمارسها التراث السلفي، أخذ يضرب الأمثلة على ذلك مما مارسه هذان المؤرخان الكبيران، ومثلهما أكثر مؤرخي السلفية.
ومن تلك الأمثلة ما يردده كل السلفية، ومثلهم من الحركيين المغرمين ببني أمية، وخصوصا بمعاوية، والذين عبر على لسانهم عبد الحليم عويس، فقال: (لا يعقل قبول ما يشاع عن بني أمية من أنهم كانوا يسبون عليا كرم الله وجهه على المنابر لأن ذلك يتنافي مع طبيعة البيئة الإسلامية)
ثم رد عليه بقوله: (فأنتم ترون أنه هنا يتحاكم إلى العقل ولم يبحث عن النص في الصحاح الستة وكتب المحدثين والفقهاء التي أغفلت من بعض المؤرخين، ولو رجع إلى بعض منها لوجد في أكثرها ما يخالف قوله أو نفيه السابق، وحتى لا يكون اتهامي له أو ردي عليه عائما فتعال معي أخي القارئ لنفتش في الكتب الستة وبعض كتب المحدثين والفقهاء حتى لا نتهم باغفالها ولا نغفلها كما أغفلها الدكتور لنرى الحق الذي فيها هل يتوافق مع قوله السابق أم لا في هذه القضية)([87])
ثم أرود بعض النصوص الدالة على ذلك، والتي من العجيب أن يغفل عنها مؤرخ لتلك الفترة:
النص الأول: وقد ورد في صحيح البخاري والذي يكفر السلفية لأجل الحديث الواحد منه الطوائف من المسلمين، ففيه هذا الحديث (عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن رجلا دعا سهل بن سعد فقال: هذا فلان أمير المدينة يدعوه عليا عند المنبر).. الحديث
وقد فسر ابن حجر هذا القول برواية أخرى عند الطبراني من وجه آخر عن عبد العزيز نفسه، وهي (يدعوك لتسب عليا!)([88])
النص الثاني: وقد ورد في صحيح مسلم (عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال (أبو حازم): فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا قال: فأبى سهل فقال له (الامير) أما إذا أبيت فقل لعن الله أبا التراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وما سماه إلا النبي k.. الحديث([89]).
وقد علق حسن بن فرحان المالكي على النصين بقوله: (فهذا صحيح مسلم يفسر رواية البخاري بأن والي المدينة وهو مروان بن الحكم في زمن معاوية كان يسب ويأمر بسب علي على المنابر، هذه حقيقة تاريخية ثابتة.. فأين التزام الدكتور بالنقل الصحيح، فلابد من قبول الحق وإن كان مرا، فأنا لا يهمني ثبوت التهمة ضد بني أمية أو غيرهم، ولا يهمني نفيها، بقدر ما يهمني حماية المنهج – منهج كتابة التاريخ الاسلامي – وتبرئته من الخلل الذي قد يصيبه بتحكيم العقل بعيدا عن النقل الصحيح. والمؤرخون يخلطون – غالبا – بين (ما وقع على الحقيقة) و(ما يجب أن يكون)، وهناك فرق بين (ما نحب) و(ما حصل فعلا) فليس التاريخ رواية مسرحية خيالية نشكلها كما نريد!! بل من كمال وصدق وموضوعية التاريخ الاسلامي أن نذكر الحق ولا نجامل فيه أحدا)([90])
النص الثالث: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال (عامر): أمر معاوية سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب.. الحديث ([91])
النص الرابع: ما ورد في سن ابن ماجه عن عامر بن سعد عن أبيه قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد فذكروا عليا فنال منه فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله k يقول فيه: من كنت مولاه فعلي مولاه.. الحديث، قال الالباني: صحيح([92]).
وهكذا نجد النصوص الكثيرة الصحيحة تدل على هذا، ومع ذلك لا يزال يصر السلفية على تنزيه بني أمية، وتنزيه معاوية خصوصا، لأنهم لو طبقوا عليه مقاييسهم في سب الصحابة لكان أول من يكفرونه، لأنه لم يكن يكتفي بالسب، بل كان يضيف إليه اللعن.. ولم يكن يكتفي بفعل نفسه، بل كان يدعو إلى ذلك ويحرض عليه.. ولكن الإمام علي لا قيمة له عندهم، فلذلك يرضون أن يسب ويلعن وعلى المنابر ولا يرضون أن يمس معاوية بشعرة.. بل يفتدونه بالبخاري ومسلم وكل كتاب الصحاح التي ملأوا الدنيا صراخا لمن مسها ببنت شفة.
يقول الشيخ حسن بن فرحان المالكي مخاطبا عبد الحليم عويس بعد إيراده لتلك النصوص وغيرها: (كيف نقول بكل سهولة (لا يعقل) ونضرب بهذه الصحاح عرض الحائط من أجل تبرئة بعض الناس بلا وجه حق، أليست هذه هي الصحاح وكتب المحدثين التي يدعو الدكتور بعدم إغفالها.. من المتهم الآن بإغفالها؟ ثم إن تعليل الدكتور لدعواه هذه (بأن هذا يتنافى مع طبيعة البيئة الاسلامية) دعوى هلامية عائمة، لأنه بهذا التعليل المطاط يمكن أن ننكر أن الرسول k أقام الحد على من زنا (لأن الزنا يتنافى مع طبيعة البيئة الاسلامية)، ويمكن أن نقول إن الرسول k لم يقطع يد المخزومية، ولا جلد شارب الخمر، لأن هذه الذنوب (تتنافى مع طبيعة البيئة الاسلامية ولا تطيقها)، وهكذا هلم جرا. بل يمكن أن ننكر جميع (المخالفات) التي حدثت في عهد الصحابة بهذا التعليل المطاط الذي لا يقوله من يعرف حقيقة التاريخ الاسلامي وفوائد دراسته) ([93])
بعد هذا يطرح الشيخ حسن تساؤلا مهما حول الفائدة في إثبات أو نفي مثل هذه الزلات في تاريخنا)، ثم يجيب عليها بقوله: (ليست القضية بهذه السهولة، لأن القضية ليست اتهام فلان أو تبرئة فلان بقدر ما هي حماية للمنهج الذي تسير عليه الأمة والاستفادة من حقائق تاريخنا كما وقعت لا كما كنا نحب أن تقع، ثم إن أبدى المؤرخون آراءهم ونفوا بعقولهم روايات ثابتة في الصحيحين وجعلوا الحكم مجرد (تخمينات العقل) فهذا (يهدم القاعدة) من أساسها ونصبح هكذا (كل في فلك) نشرق بروايات ونغرب بأخرى وننفي ما نشاء ونثبت ما نشاء دون ضابط يحكم قولنا وتفكيرنا.. فالقضية أعظم مما قد يتصوره بعض الإخوة الفضلاء من تبرئة أو إتهام) ([94])
ثم يذكر سببا آخر يعتبره السلفيون من أسباب كتم الحقائق أو تشويهها أو تحريفها، وهو ما عبر عنه بقوله: (وقد يقول قائل: إن كلامك هذا قد يفرح به بعض أهل الاهواء ويتخذونه سلاحا ضدنا في معركة لسنا بحاجة إليها، أقول: وهل كلامي هذا جديد؟ فصحيح البخاري ومسلم موجودان منذ القرون الاولى يقرأهما الخاصة والعامة، الصديق والعدو، وقضية سب بني أمية لعلي لا تخفى على العامة فضلا عن الخاصة. فكيف تخفى على المؤرخين من الخاصة، ثم نحن أمام خيارات ثلاثة: أما نجعل التاريخ الاسلامي مسجلا للحقائق نافيا للأكاذيب، ونترك اللعب على الأذقان ونثبت الروايات الصحيحة وما يقتضيه مضمونها، ثم نوجهها التوجيه السليم، وهذه الروايات ليست بدعا من عندنا فقد عقلها البخاري ومسلم وابن تيمية وابن باز والائمة المحدثون قديما وحديثا.. الخيار الثاني: أن نترك التاريخ كلية ولا نبرئ زيدا ولا نتهم عمرا ولا ندرسه في مدارسنا ولا في جامعاتنا ونرمي به في البحر أو ندسه في التراب.. وهذا لا يقوله عاقل لكن هذا يضمن لنا إلا نتهم أو نثبت خطأ أحد السابقين كما يريد منا البعض أن نتعسف ونفعل ذلك.. وإذا لم نرض بهذا – وعدم الرضا به حق – فأمامنا خيار ثالث باطل وهو أن نؤلف من (عندياتنا) تاريخا محببا إلى نفوسنا ونعجنه كما نشاء ونذكر فيه أن يزيد بن معاوية مبشر بالجنة، وأن الحجاج صحابي جليل، وهكذا كما لا ننسى أن ناخذ حبرأ أسود ونطمس الروايات الصحيحة في الصحيحين التي تدين بعض نقاط الضعف في تاريخنا الاسلامي ونذعي أن هذا يشوه التاريخ، وبهذا لا نتحاكم إلى الصحاح الستة ولا العشرة، وهذا ظاهر البطلان فلم يبق إلا الخيار الأول) ([95])
ومثلما توجه الشيخ حسن بن فرحان بنقده لذلك التلاعب بالصحاح والسنن من أجل بني أمية.. انتقد المؤرخ الكبير الأستاذ محمود شاكر الذي تخلى عن وظيفته في التحقيق التاريخي ليصبح محاميا عن الطلقاء وأبناء الطلقاء، ولو على حساب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار..
يقول الشيخ حسن بن فرحان المالكي: (والأستاذ محمود شاكر من المبدعين في كتابه (التاريخ الحديث) و(هموم المسلمين والاقليات في العالم الاسلامي) لكنه حين دخل في ميدان تحقيق التاريخ الاسلامي في العهود السابقة لم نجد هذا الابداع إذ رأيناه يفند التهم الموجهة لبني أمية وبني العباس بلا منهج بل يفندها يمنة ومجمرة تارة بـ (لا يعقل) وأخرى بـ (لا يمكن) وكلها أخف وطاة من زعمه بأنها (ليس لها إسناد معروف ومعظمها مجهول المصدر مما يدل على كذبها)، فألفيت كتابه (العهد الاموي) مفتقدا لشررط التحقيق التي لا تخفى حتى على نجباء الطلبة) ([96])
ثم ضرب مثالا على ذلك بما كتبه في كتابه (العهد الاموي)، والذي يقول فيه: (واتهم معاوية بادعاء زياد بن أبيه ونسبته إلى أبي سفيان.. فكيف قبل زياد هذا الكلام أمامه؟! وكيف قبل معاوية؟ وكيف رضي المسلمون بهذه المخالفة الصريحة من الامام؟ فهل ضاع الاحساس وضاع الدين ولا يزال الصحابة أحياء؟)([97])
ثم يعلق عليه بقوله: (مهلا مهلا يا أستاذنا الجليل! ما هكذا تورد الابل؟ أهذا هو التحقيق الذي تدعو إليه؟ أيكون التحقيق مجرد استفهامات انكارية؟!، ألست القائل (وإذا أخذنا بمنهج أهل الحديث في الجرح والتعديل وهو أفضل منهج للوصول إلى صحة الخبر..) ما الذي أخرك – يا أستاذي – هنا في تطبيق هذا المنهج الذي تثني عليه؟!، تعال معي لنطبق معا ونرى هل ثبت استلحاق زياد في الروايات الصحيحة أم لا؟)([98])
ثم أخذ يسرد عليه الروايات الصحيحة من البخاري وغيره الدالة على ذلك، والتي لا حاجة بنا إلى ذكرها هنا، لأن غايتنا من كل هذا، هو البرهنة على تلك الازدواجية في المعايير التي يتعامل بها السلفية مع كل شيء.
فعندما كان الأمر متعلقا بابن العلقمي، وهو مجرد وزير في دولة كبيرة مملوءة بالقادة والأمراء صبت كل اللعنات عليه لأنه شيعي تآمر على الخلافة السنية، وعلى الخليفة السني وعلى الراقصة السنية التي كانت ترقص له قبل أن يقتلها الظلمة من التتر وأعوانهم من الروافض، ويفجعوا بها قلب الخليفة، ومعه قلوب أهل السنة.
أما عندما يتعلق الأمر
بمعاوية أو غيره من الظلمة، فيمكن أن تستعمل كل الحيل
والخدع والمكر ولو على حساب ما يسمونه أصح كتاب في الدنيا بعد كتاب الله.
([1]) الطبقات لابن سعد، 5/152.
([2]) الطبقات لابن سعد، 5/210..
([3]) تاريخ الأمم والرسل للطبري، 2/328، 421، 422.
([4]) نقلا عن: البداية والنهاية لابن كثير، 9/101.
([5]) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، 3/361.
([6]) سير أعلام النبلاء للذهبي، 7/53.
([7]) دراسات تاريخية: ص27..
([8]) نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص5 .
([9]) ابن حجر: طبقات المدلسين، ص 51..
([10]) ابن حجر: التقريب، ج2، ص 194.
([11]) ابن حجر: التقريب، ج1، ص 344.
([12]) فتح الباري ج 7، ص 279-280..
([13]) فتح الباري، ج 7، ص 292..
([14]) فتح الباري، ج 7، ص 329-332..
([15]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص52.
([16]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص53.
([17]) تحذير العبقري من محاضرات الخضري (1 / 275)
([18]) تحذير العبقري من محاضرات الخضري (1 / 272)
([19]) تحذير العبقري من محاضرات الخضري (1 / 256)
([20]) تحذير العبقري من محاضرات الخضري (1 / 272)
([21]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص59.
([22]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص62.
([23]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص71.
([24]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص72.
([25]) منهاج السنة النبوية (5/ 155)
([26]) البداية والنهاية: 13/202.
([27]) البداية والنهاية: 13/202.
([28]) أصول مذهب الشعية الإمامية الإثني عشرية عرض ونقد (3/ 1159)
([29]) تاريخه/804.
([30]) مآثر الإنافة:2/89.
([31]) تاريخه:48/34.
([32]) تاريخه:48/290.
([33]) البداية والنهاية:13/234.
([34]) كيف ردَّ الشيعة غزو المغول: دراسة لدور المرجعين نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي في رد الغزو المغولي، علي الكوراني العاملي،ص61.
([35]) الآداب السلطانية/233.
([36]) تاريخ مختصر الدول/240.
([37]) تاريخه:48/32.
([38]) سير أعلام النبلاء:23/374.
([39]) البداية والنهاية:13/233.
([40]) كيف ردَّ الشيعة غزو المغول: دراسة لدور المرجعين نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي في رد الغزو المغولي، علي الكوراني العاملي،ص65.
([41]) منهاج السنة النبوية (3/ 445)
([42]) تذكرة الحفاظ 4/1493.
([43]) فوات الوفيات 2/319.
([44]) البداية والنهاية 14 / 106.
([45]) انظر: إسهامات العلماء العرب والمسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية، الدكتور محمود الحمزة، وغيره.
([46]) نقلا عن: [دكتور في جامعة الملك سعود يردد أكذوبة شيعية !!] موقع صيد الفوائد.
([47]) أعلام النبوة: (1/53)
([48]) أعلام النبوة: (1/53)
([49]) أعلام النبوة: (1/53)
([50]) أعلام النبوة: (1/54)
([51]) أعلام النبوة: (1/54)
([52]) أعلام النبوة: (1/55)
([53]) أعلام النبوة: (1/55)
([54]) أعلام النبوة: (1/56)
([55]) أعلام النبوة: (1/57)
([56]) أعلام النبوة: (1/57)
([57]) أعلام النبوة: (1/61)
([58]) أعلام النبوة: (1/61)
([59]) رواه ابن حبان في صحيحه (14 / 69) والحاكم (2/262) وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (1 / 94): هذا على شرط مسلم ولم يخرجه ..
([60]) أعلام النبوة: (1/61)
([61]) أعلام النبوة: (1/62)
([62]) أعلام النبوة: (1/62)
([63]) أعلام النبوة: (1/62)
([64]) أعلام النبوة: (1/64)
([65]) أحمد 2/121 (6029) وفي 2/129 (6133) والبخاري: [ 1/146 (557)
([66]) البخاري (1/146 و3/118)
([67]) تفسير القرطبي (6 / 121)
([68]) فتح الباري (4 / 449)
([69]) البخاري (3732)
([70]) رواه عبد بن حميد وابن جرير في التاريخ بلفظه مرفوعا وفي إسناده مقال، وفي التفسير بمعناه موقوفا.ورواه البزار مرفوعا مقتصرا على الفقرة الأولى منه.وروى الفقرة الأولى منه الحاكم في المستدرك 2/556 عن عبد الله بن مسعود وصححه ووافقه الذهبي.
([71]) تاريخ الطبري ج1 ص17.
([72]) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي من طريق ابن اسحق قال حدثنا محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير عن عكرمة أو عن ابن عباس به.وحسَّن هذا الطريق الإمام السيوطي في الإتقان 2/242 والحافظ ابن حجر في الفتح 7/332 ..
([73]) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وأبو نعيم في الحلية.وهو في صحيح الجامع برقم 2481 و1811 قال الألباني: صحيح.
([74]) رواه الحاكم من حديث ابن عباس موقوفا وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال على شرط البخاري.والفقرة الأخيرة من الحديث صحّت من حديث سلمان عند البخاري)(ونقله عن السيوطي في الدر 2/248)
([75]) رواه أحمد وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات ..
([76]) متفق عليه عن أبي هريرة.
([77]) ذكره الإمام الذهبي في العُلوّ وحسّن إسناده عن ابن مسعود.وكذلك الألباني.انظر مختصر العلو للألباني ص 110 – 111..
([78]) انظر صحيح الجامع برقم 8076 ..
([79]) رواه البخاري عن ابن عمر.
([80]) فتح الباري لابن رجب حديث رقم 557 ص 333 ..
([81]) فتح الباري لابن رجب، ص 339 – 340.
([82]) انظر على سبيل المثال: تفسير الطبري (5/ 321)، تفسير البغوي (1/ 334)، تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (2/ 210) وغيرها.
([83]) مسند أحمد (4ت:273) ومسند الطيالسي (58ـ 59رقم 438)
([84]) سنن الترمذي: 4/436، سنن أبي داوود: 5/36، فضائل الصحابة- للامام أحمد بن حنبل ص 17، مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 221.
([85]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص 18.
([86]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص 18.
([87]) فتح الباري (7 / 70) ..
([88]) انظر فتح الباري (7 / 70) .
([89]) صحيح مسلم (7 / 124)
([90]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص 23.
([91]) وقد روى مسلم هذا الحديث أيضا واتفق مع الترمذي سندا ومتنا، وقال الالباني صحيح، انظر: صحيح مسلم (7 / 120)
([92]) انظر صحيح سنن ابن ماجه للالباني (1 / 26)
([93]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص 27.
([94]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص 27.
([95]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص 29.
([96]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص30.
([97]) (العهد الاموي) من ص 24 – 27.
([98]) إنقاذ التاريخ الإسلامي، ص 30.