صناعة الإسلامفوبيا

صناعة الإسلامفوبيا

من الصناعات الكبرى التي يجيدها بعض الدعاة أو أكثر الدعاة إلى الدرجة التي لم يفلح الصينيون والأمريكيون والألمانيون في تقليدهم فيها صناعة الفوبيا من الإسلام.

لقد صارت الفوبيا شعارا رسميا خاصا بأولئك الجلاف الغلاظ أصحاب الأشداق العريضة والألسن الطويلة والذين القنوات الفضائية في استقبالهم لتتمتع بغبائهم، وبقدرتهم على إدراة التوحش والعنف، أو لإعطاء صورة للإنسان البدائي المتأثر بأخلاق النمور والسباع.

لست متجنيا في هذا، وليتني كنت متجنيا .. وسأقص عليكم قصة لا أعتبرها دليلا على ما أقول.. ولكنها شاهد بسيط من آلاف الشواهد على مدى الإجرام الذي يمارسه أولئك الدجالون باسم الإسلام.

كنت قبل سنوات أسير في بعض الشوارع الأوروبية الجميلة والنظيفة، مع صديق لي من أهلها ممن تستهويهم اللغة العربية، ويستهويهم أدبها، ويستهويهم قبل ذلك القرآن الكريم لبلاغته المعجزة، وللقيم السامية التي يحملها.

لست أدري كيف قلت له من حيث لا أشعر: أراك تعظم القرآن الكريم، وتبهرك القيم النبيلة التي يدعو إليها إلى الدرجة التي تفضله فيها على كتابك المقدس.

قال: هذا صحيح .. أنت لم تعدو الواقع الذي أعيشه.

قلت: ولكن ما الذي يمنعك من الإسلام؟

أطرق إطراقة طويلة، ثم قال: لسبب بسيط .. هو أني أخاف من الإسلام .. أنا مصاب كسائر الناس الذين تراهم بالإسلامفوبيا.

قلت: يمكن لسائر الناس أن يصاب بهذا المرض ما عداك.. فأنت تعرف القرآن.. بل تعشقه.. ويستحيل على من عرف القرآن أن يصاب بالإسلامفوبيا.

قال: لست أدري ما أقول لك .. ولكني لا أرى القرآن كتابا للمسلمين الذين أراهم .. هم أبعد الناس عن القرآن..

اسمع جيدا كيف يصف القرآن المسلم عند ذكره لعباد الرحمن .. إنهم يمشون على الأرض هونا .. إنهم يخاطبون الجميع بالسلام .. إنهم ..

قاطعته: وهكذا المسلمون؟

قال: لست أدري ما أقول لك..

ما وصلنا من حديثنا إلى هذا الموضع حتى مررنا على مركز إسلامي، ورأينا الناس يقصدونه لسماع محاضرة يلقيها بعض المشايخ الكبار الذين قدموا من البلاد التي يسمونها بلاد الحرمين..

كانت الوفود تتقاطر على المركز لسماع ذلك الداعية الكبير الذي جاء من الأرض التي نزلت فيها آخر رسائل السماء.

ألححت على صاحبي أن يدخل معي لنستمع لها.. فلم يجد إلا أن يفعل، وليته ما فعل.

جلسنا في الصف الأخير .. ورحنا نتابع ما يحدث:

تقدم بعضهم، وأظنه رئيس المركز، وقال: لقد تشرف مركزنا  اليوم بزيارة الداعية الكبير الذي ولد في بلاد الحرمين، ونهل من مناهلها العذبة الصافية التي لم تتكدر بما تكدرت به سائر المناهل .. محاضرنا الكبير لم يتخرج على يديه الدعاة فقط .. بل تخرج الكثير من المجاهدين في سبيل الله الذين رفعوا راية الإسلام خفاقة في جميع أنحاء الأرض .. لن أطيل عليكم سيتقدم بالحديث .. وقبل ذلك نفتتح بدعوة بعض من هداهم الله من أهل هذه البلاد إلى الإسلام لينطقوا بالشهادة بين يديه..

بعد انتهاء تقديمه تقدمت بعض الوجوه الشابة ذوي الملامح الأوروبية، وصافحوه واحدا واحدا، وهو يلقنهم الشهادة.. وبمجرد أن ينطقوا بها يسألهم عن أسمائهم ثم يغيرها لأسماء وكنى عربية .. وبقدرة قادر تحول جورج إلى أبي القعقاع.. وتحول أندرو إلى أبي الوليد.. وتحول ديفيد إلى أبي سليمان .. وهكذا استطاع أن يسلبهم في طرقة عين أسماءهم التي ولدوا بها، وعرفهم الناس من خلالها.

بعد أن قام بكل ذلك في أوساط تكبيرات عالية كانت تضج بها القاعة كل حين بدأ المحاضر الكبير محاضرته.. وليته ما بدأ.

حملق في وجوه الحاضرين بنظرة ممتلئة بالكبرياء والعزة، وراح يقول: بمجرد دخولي إلى هذه البلاد تذكرت رجلا كبيرا من رجال الإسلام استطاعت خيولة وجيوشه أن تطأ هذه الأرض وأن تملأها بدماء المسيحيين الصليبيين الكافرين.. إنه ذلك الذي حاول الكفرة تشويه شخصيته فحولوه من البطل الهمام إلى زير نساء .. إنكم لا شك تعرفونه .. إنه السلطان العثماني العظيم سليمان القانوني .. سأحدثكم في هذه المحاضرة عنه.. سأذكر لكم في هذه المحاضرة [القصة الحقيقية للسلطان العثماني سليمان وليس كما حرفها الكفار وجعلوا مسلسل حريم السلطان هي الرواية]([1])..

إنه أكثر سلاطين المسلمين جهاداً وغزواً في أوروبا.. حيث وصلت جيوش المسلمين في عهده الى قلب أوروبا عند أسوار فيينا مرتين!!

إنه مجدد جهاد الأمة فى القرن العاشر.. فقد أقام السنّة، وأحيا الملّة، وقمع البدعة والروافض..

إنه صاحب انتصار المسلمين في معركة موهاكس التى كانت من أيام الله الخالدة، وتُعد غرة المعارك الإسلامية فى شرق أوروبا بعد فتح القسطنطينية.

إنه أعظم سلاطين الدولة العثمانية وأكثرهم هيبة ورهبة فى قلوب النصارى وأشدهم خطرا عليهم.. وكان من خيار ملوك الأرض !!

لقد حكم المسلمين قرابة ثمانية وأربعين سنة وامتدت دولة الخلافة الاسلامية في عهده في ثلاث قارات وأصبحت القوة العظمى في العالم بأسره بلا منازع وتمتلك أعتى الجيوش والأسلحة وصاحبة السيادة في البحار والمحيطات !!

لقد قال المؤرخ الألماني هالمر عنه:  كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه!!

وقال المؤرخ الانجليزي هارولد: إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى!!

منذ تولى السلطان سليمان القانوني الخلافة لم يركن الى الدعة والراحة، بل لبس لامة الحرب من أول يوم وظل مجاهدا الى آخر يوم في عمره، وما ترك الجهاد قط .. ما كان ينزل من على صهوة جواده إلا ليمتطي جوادا آخر ليمضي مجاهدا في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله!!

ولا عجب من ان معظم الحديث عن السلطان سليمان القانوني سيكون عن جهاده – لأنه لا يوجد جانب أعظم ولا أروع في سيرة السلطان سليمان إلا جهاده ضد المشركين فى أوروبا وفتوحاته المجيدة !!

قال ذلك، ثم التفت للحضور، وقال: هل يوجد منكم معشر الحضور من يعرف المجر؟

رفع بعض الجدد الذين اعتنقوا الإسلام يده، وقال: هي بلادي التي ولدت فيها، وأهلي لا يزالون فيها.

قال: سأحدثك عن بعض أمجاد سليمان القانوني التي حققها في دولة آبائك وأجدادك.

عندما جلس السلطان سليمان القانوني على كرسي الخلافة  كان أول ما فعله هو إرسال رسالة الى ملوك أوروبا يُعلمهم بتوليه الخلافة ويأمرهم بدفع الجزية المقررة عليهم كما كانوا يفعلون في عهد أبيه السلطان سليم الأول.. فما كان من ملك المجر إلا أن قتل رسول السلطان سليمان.. فاستشاط السلطان سليمان غضبا وانفعل قائلا : أيُقتل سفير دولة الإسلام !!! .. أيهددنى ملك المجر !!

فما أصبح الصباح إلا وقد أعدّ السلطان سليمان جيشا جرار مدعوما بالسفن الحربية، وكان السلطان سليمان بنفسه على رأس هذا الجيش وكان قاصدا مدينة بلجراد المنيعة والتى تُعد بوابة أوروبا الوسطى وحصن المسيحية كما كانوا يطلقون عليها !!

توجه السلطان سليمان على رأس جيش عرمرم مكوّن من كتائب الإنكشارية الذين ما ان يسمع النصارى في أوروبا باسمهم يأخذ الرعب منهم كل مأخذ وترتعد فرائصهم.

وبالفعل يبدأ السلطان في حصار قلعة بلجراد، وبعد شهرين ونصف من الحصار تسقط قلعة بلجراد، ثم دخل السلطان سليمان القانونى المدينة نفسها فاتحاً.

ومن يومها سمّى المسلمون بلجراد (دار الجهاد) وكان منها القاعدة الحربية لانطلاق جيوش المسلمين لغزو باقى أوروبا.

لقد ظل السلطان سليمان القانونى فى بلجراد حتى عيد الفطر وأقام صلاة العيد فى أكبر كنائسها بعد تحويله الى مسجد.. ولم ينزل السلطان سليمان من جواده حتى امتطى جوادا آخر مجاهدا فى سبيل الله رافعا كلمة الله خفاقة …

قال ذلك، ثم وقف وصار يصرخ بقوة في وجه الحضور المنبهرين: مَن مِن المسلمين الآن يعرف شيئاً عن بلجراد الإسلامية.. لقد ضاعت كما ضاعت الأندلس .. فهل من سليمان جديد يعيدها إلى حضيرة الإسلام، ويرفع الآذان على قلاعها، ويحول كنائسها إلى مساجد؟

قال ذلك، ثم جلس، واسترجع أنفاسه، ثم التفت إلى المجري الذي اقتنع الإسلام، وقال له: إذا قدّر الله وذهبت يوما إلى بلدك، فأنصحك ألا تذكر اسم السلطان سليمان القانوني، ولا اسم معركة موهاكس أبدا!!

فإلى الآن يوجد مثّل شعبى فى المجر يتناوله أهلها اذا حدث أمر سيىء فيقول : أسوأ من هزيمتنا بموهاكس!! وبعض الكتّاب ذكر أن هذه المعركة هي التى أدخلت الرعب على أوروبا !!

يالله .. الى هذا الحد !!

والله يا إخوة أصابنى الكمد والحزن والغمّ والهمّ كلما سألت أحد الشباب عن موهاكس أو عن السلطان سليمان، ولا يكاد يعرف شيئا!

يروي المؤرخون الأوروبيون هذه المعركة بشيىء من الذهول، وعندما يصلون الى هذه النقطة يصيبهم الدهشة والعجب!!

يا إخوة يُروى ان مدافع المسلمين أُطلقت بسرعة ومهارة فائقة للغاية وكأن المسلمين استعانوا بالجن فى هذا الأمر، ولا عجب أن يكون هذا حال من استعان بالله واستمد قوته من الله!!

كان إطلاق المدافع بصورة سريعة جدا وبدقة كبيرة مما أصاب الجيش المجري بحالة من الذهول والهلع والرعب، فولوا أدبارهم، والمسلمون وراءهم يركبون أذنابهم ويضعون سيفهم فيهم كما أرادوا ..

وفرّ المجريون المعروفون ببسالتهم وضراورتهم أمام طلقات المسلمين وسيوفهم.. وفرّ ملكهم لويس الثاني.. بل إنه غرق أثناء فراره ومات!!

وانتصر المسلمون انتصارا لم يُسمع بمثله فى أقطار الدنيا.. وكان نصراً مؤزرا.. ولله الحمد والمنة ..

والعجيب يا إخوة أن مدة المعركة كانت ساعة ونصف فقط.. وكان قتلى المسلمين لم يتجاوز 150 شهيدا.. وعدد ما أسر المسلمين من الكفار 25 ألفاً.. والباقى 175 ألفاً ما بين قتيل وجريح!!

***

بقي المحاضر يعدد بطولات سليمان القانوني في أوروبا، وكان بين الحين والآخر يذكر الأرقام الكثيرة للضحايا الأوروبيين الذين سقطوا على يديه.. وكان كل من حوله يكبر فرحا ونشوة وسعادة.

فجأة التفت إلى صاحبي، فوجدته يبكي.. فسألته، فقال: إن هذا الذي تراه ومن حوله هم الخرسانة المسلحة التي تحول بيني وبين أن أنطق بما ظللت طول عمري أحلم أن أنطق به.. إن هؤلاء هم الحجاب الأعظم الذي يحول بيننا ـ معشر الأوروبيين ـ والإسلام.

قلت: ولكني رأيت كما رأيت معي أن هناك من تقدم واعتنق الإسلام بين يدي هذا الداعية.

فقال: للأسف .. أنا أعرفهم جيدا .. ويوشك أن تسمع عنهم ما يجعلك تتمنى لو أنهم بقوا على ما كانوا عليه.

قال ذلك، ثم طلب مني الانصراف..

لم أفهم في ذلك الحين ما قصده .. لكني بعد سنوات .. حصل لي من الندم ما توقعه مني .. فقد علمت أن أولئك الذين اعتنقوا الإسلام في ذلك اليوم قاموا ببعض العمليات الإرهابية في بعض مساجد المسلمين بتوجيه من جماعة من الجماعات المسلحة الكثيرة .. ولست أدري هل كان ذلك ثأرا لما فعله سليمان القانوني ببلادهم؟ .. أم أنه كان إحياء للأمجاد الملطخة بالدماء؟


([1])  هذا هو عنوان مقال بشبكة الدفاع عن السنة على الرابط: http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=161602.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *