لا تدنس دينك بالأهواء

أيها الرفيق العزيز.. دينك رأس مالك، وفيه سعادتك وشقاؤك.. ومنه تصدر مواقفك وسلوكاتك.. فحافظ عليه من فيروسات الأهواء، وسموم الآراء، وجراثيم القيل والقال التي لو تماديت عليها، فستحوله من [دين الله] إلى [دين البشر]، والله أمرنا أن نعرفه ونعبده ونسلك الطريق إليه من خلال دينه الذي شرعه، لا من خلال الأهواء التي شرعناها، أو شرعها الأنداد الذين اتخذناهم من دون الله.
أظن أنك قد فهمت قصدي.. ولعلك أيضا مقتنع به.. فكل شيء يدل عليه.. لكنك تأبى أن تقر بالحقيقة، لا لعدم وضوحها، أو عدم ما يدل عليها، وإنما لخوفك من قومك الذين أسروك في سجونهم، فصرت لا تفكر إلا بعقولهم، ولا تتحدث إلا بألسنتهم، أما عقلك، فقد وضعته في الأغلال، ورميت به في الزنازن، وقيدته بجميع القيود، ومنعته من التفكير والبحث والنظر.
وأنا لا أريد أن أخرجك من قومك، بل أريدك أن تخرج أنت وقومك من ذلك التيه الذي أوقعتم دينكم فيه، حين ألصقتم به كل شيء.. حتى صار ثقيلا جدا.. لا يمكن لعاقل أن يقتنع بكل تلك الانحرافات التي زججتموها فيه رغم أنفه.
أجبني ـ أيها الرفيق العزيز ـ عن علاقة دين الله بذلك الاستبداد الذي مثله معاوية ومثله من أصحاب الملك العضوض، الذين جعلوا من عباد الله خولا لهم ولعشائرهم، فبدلوا أن تسمى دولة الإسلام باسم الإسلام، أو باسم مؤسسها محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسمت بأسماء الأمويين والعباسيين والعثمانيين.. وغيرهم ممن تعرفهم، وتعرف جرائمهم.
هل يمكنك أن تقنع أحدا من الناس بعدالة الإسلام، وأنت تجعل معاوية رمزا من رموز الإسلام، ومقدسا من مقدساته.. مع علمك بما ورد فيه من نصوص مقدسة، وأنه يحرف الإسلام، ويحوله من دين إلهي إلى دين بشري.. لكنك لا تبالي بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولا تبالي بعدها بتلك العترة الطاهرة التي اتفقت على تحريفاته وحذرت منها وضحت بكل شيء في سبيل مواجهته..
أنت لا تبالي بكل ذلك، وترضى أن يدنس الدين وجميع قيمه في سبيل الحفاظ على شخص كان هو وأبوه وأمه وعشيرته من أعظم المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم صار من الطلقاء الذين تؤلف قلوبهم، ثم فجأة ترتقي به المناصب دون أولئك السابقين، ليتحول إلى الملك الأول في الإسلام.. ولست أدري هل يمكن أن يقبل عقل يقرأ كلام الله، ويفهم أسرار العدالة الإلهية أن يكون هناك ملك في الدنيا؟
وليت الأمر اقتصر على معاوية وجرائمه في حق الإسلام.. فأنت تضع كل تاريخ المسلمين ضمن مقدسات الإسلام.. فتجعل من كل ذلك الجور والاستبداد والظلم والتعسف.. وكل ذلك التخلف والانحطاط قيما إسلامية لا يمكن لشخص أن يكون مسلما في تصورك دون أن يكون مسلما لها، ومسلما بها.. ويستعمل كل الأكاذيب في تبريرها.
دع عنك كل ذلك أيها الرفيق العزيز.. فالدين الإلهي مثل الثوب الأبيض لا يتحمل أدنى وسخ.. ومثل الماء الزلال يدنسه أي شيء يلامسه..
دينك أيها الرفيق العزيز.. لا يمثله إلا كتاب ربك المقدس، ومعانيه الجميلة التي لم تلطخ بغبار القارئين، ودنس الشارحين، وخرافات الأسطوريين، وقساوة الإرهابيين.
ولا يمثله إلا نبيك صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الخلق العظيم الذي لم تدنسه تلك الروايات التي نشرها البغاة، والتي حولته من رسول إلهي ممتلئ بكل معاني الجمال، إلى رسول بشري، يتناسب مع مزاج الملوك والأمراء والمستبدين.
ولا يمثله بعد ذلك كله إلا الورثة الصادقون المخلصون الذي أوصى بهم، ودعا إلى ركوب سفينتهم، وحذر من مغاب عزلهم، أو التفريط في صحبتهم، أو أخذ الدين عن غيرهم، أو الولاء لأعدائهم، أو النصب لهم.
هذه فقط مصادر الدين المقدس.. وهي من الجمال بحيث تكفي لأن تعرض للعالم إسلاما مملوءا بالقيم الطاهرة النبيلة التي ترغبهم فيه، ولا تنفرهم منه.
وأنت بذلك الإسلام ـ أيها الرفيق العزيز ـ لن تخاف من أي إشكال يطرح عليك، وفي أي مناظرة، فإن حدثوك عن التاريخ وجرائمه ذكرت لهم أن الدين لا علاقة له بالتاريخ.. وأن الإسلام أعظم من أن يمثله التاريخ.. وأنك مثلهم تنكر على ذلك التاريخ، وتسميه تاريخ المسلمين، لا تاريخ الإسلام.. مثله مثل تاريخ المسيحيين واليهود وغيرهم، والذين يقرون أنه لا يمثل دينهم.. فالدين تمثله مصادره المقدسة لا التاريخ ولا الرجال ولا كل الأهواء.
نعم أيها الرفيق العزيز.. هذا هو الدين.. ولا تخف بما يخوفك به قومك من عذاب الله، فالله لا يعذب إلا من أضاف في دينه ما ليس منه، والله طلب منك أن تفهم الدين من خلال كتابه، لا من خلال ذلك التراث الذي اختلط فيه المقدس بالمدنس، والدين بالأهواء.
فكف عنك أيها الرفيق العزيز الدفاع عن كل أولئك الذين قضيت عمرك تدافع عنهم، وأخلص دينك لله، وحطم كل الأصنام، واخرج من سجنك لترى جمال الكون وجمال خالقك وجمال دينك وجمال الحقائق التي دنستها الأهواء.. ولا يمكن أن تسترد جمالها إلا بعد إزالتها، ورفعها وتطهير الدين منها.