لا تأكل طعاما يضر بصحتك

لا تأكل طعاما يضر بصحتك

لا أزال أذكر جيدا ـ أيها الرفيق العزيز ـ تحذيراتك لي من الكثير من الأغذية الحديثة المصنعة، والتي لا تراعي الصحة في صناعتها، فلذلك تهتم بأذواق المستهلكين أكثر من اهتمامها بصحتهم؛ فتطعمهم ـ من حيث لا يشعرون ـ سموما لذيذة لا يستفيد منها إلا خلايا ذوقهم.

لقد حفظت كل تلك التعليمات التي ذكرت لي بشأنها، وصرت قبل شراء أي نوع من الأغذية المصنعة، أنظر في تركيبتها، وأنواع المواد الحافظة لها، أو المسببة لنكهتها وذوقها ولونها، بل صرت أتورع عن أكثرها، حتى مع خلوه مما ذكرت خشية أن تكذب تلك الشركات فيما تذكره عنها وعن مكوناتها وأوصافها.

وأنا أشكر لك جميل نصحك لي، وحسن رفقك بصحة جسدي وعافيته، وأريد ـ من باب الجزاء والشكر ـ أن أضيف إلى ما ذكرت لي من أنواع الأطعمة الضارة بالصحة أنواعا أخرى لم يذكرها أبوقراط، ولا جالينوس، ولا داود الأنطاكي، ولا غيرهم من الأطباء في القديم والحديث، وإنما ذكرها رب الأطباء وخالقهم، وشرحها معلم الأطباء وقدوتهم، وهي أنفع لك ولي من كل تلك النصائح التي أسديتها، وشكرتك عليها، وعملت بما فيها.

وأولها كل طعام يحمل فيروس الحرام، حتى لو كان ذرة واحد، فهو يفتك بصحة الروح، ويدمر سلامة القلب، ويحدث خللا خطيرا بأجهزة الاتصال مع عالم الغيب؛ فيمنع إيصال الرسائل إليها، ويحول دون وصول منافعها.

وقد عبر معلم الأطباء وقدوتهم عن ضرر هذا النوع من الطعام؛ فقال مخاطبا جميع البشرية: (يا أيّها النّاس! إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السّماء: يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟)([1])

وقال مبينا دوره ذلك الفيروس الخطير في الحيلولة بين العمل الصالح وقبول الله له: (من اشترى ثوبا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام، لم يقبل الله له صلاة ما كان عليه)([2])

وقال: (إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك وزادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز، فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور)([3])

وعندما سأله بعض الصحابة أن يدعو الله بأن يجعله مستجاب الدعوة، قال له: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عمل أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت، فالنار أولى به)([4])

وذكر أن مضار الخمر الصحية لا تتعلق فقط بالجسد، وإنما تتعلق قبل ذلك بالروح، وبالصلة مع الله، فقال(من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما)([5])

ومن الفيروسات المتولدة من الفيروس السابق فيروس يسمى [أكل مال اليتامى]، وهو فيروس لا يشمل الاستيلاء على تلك الأطعمة المعدة لمن فقدوا آباءهم فقط، وإنما يشمل أيضا كل استعمال خاطئ لكل طعام معدّ لأي فرد من أفراد الرعية قلّوا أو كثروا، وقد قال الله تعالى مبينا خطورة هذا الطعام على صحة الروح، وصحة الأجساد التي تنتظرنا لنلبسها: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [النساء: 10]

ومنها فيروس يسمى [أكل المال بالباطل]، وقد ذكره الله تعالى، فقال: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 188]

وذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محذرا؛ فقال: (إنّ ممّا أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها)؛ فقيل له: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّرّ؟ فسكت النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هنيهة، ثم قال: (إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ، إلّا آكلة الخضراء، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت ورتعت، وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل، وإنّ من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة)([6])

ومنها فيروس يسمى [الكنز]، وهو فيروس يجعل صاحبه مقدسا للأموال؛ فيخزنهما أحوج ما يكون الخلق إليها، فيحرمهم، ويحرم نفسه منها، وقد ذكر الله تعالى خطره على صحة الإنسان الأبدية؛ فقال: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة: 34، 35]

ومنها فيروس يسمى أكل الربا، وقد ذكر الله تعالى خطره على صاحبه، حيث يوهمه أن له القوة على محاربة الله؛ فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278، 279]

وذكر الجنون الذي يسببه هذه النوع من الفيروسات، فقال: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]

ومنها فيروس يسمى [الرشوة]، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطره؛ فقال: (من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبّوا، أو بما كرهوا جيء به مغلولة يده، فإن عدل، ولم يرتش، ولم يحف فكّ الله عنه، وإن حكم بغير ما أنزل الله وارتشى، وحابى فيه شدّت يساره إلى يمينه ثمّ رمي به في جهنّم، فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام)([7])

وقال محذرا بعض عماله بعد أن رآه قد تناول منها شيئا يسيرا: (ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر)، ثمّ رفع يديه الشريفتين، وقال: (اللهمّ هل بلّغت؟.. اللهمّ هل بلّغت؟)([8])

وغيرها من الفيروسات الخطيرة التي نحتاج إلى تعلم علمها، والتعرف على المواد المسببة لها، والمركبة منها، حتى نحفظ صحة أرواحنا وقلوبنا، ونحفظ معها صحة علاقتنا بربنا، ونحفظ بعدها صحة البنيان الذي كلفت الملائكة ببنائه لنا في دار القرار.


([1])  مسلم: (1015)

([2])  أحمد: 2/98.

([3])  المعجم الأوسط  (5228)

([4])  المعجم الأوسط  (6495) ..

([5])  الطيالسي (1901) ، وعبد الرزاق (17058) و (17059) ، وأحمد 2/35، والترمذي (1862) ، وأبو يعلى (5686)

([6])  البخاري- الفتح 3 (1465) ، 6 (2842)

([7])  الحاكم (4/ 103)

([8])  البخاري- الفتح 13 (7197) ، مسلم (1832) واللفظ له.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *