حسون.. والإنسانيون

حسون.. والإنسانيون

لم يجد السائق إلا أن يأخذ شريطا آخر من محفظته، ثم يقول: لا بأس.. لا ألزمك بشيء لم يلزمك الله إياه.. لدي بحمد الله الكثير من الأشرطة، وقد نوعتها حتى تتناسب مع أصناف الناس، فالله خلق خلقه مختلفين، ولا يصح أن نلزمهم بما يخالف طباعهم.. لقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة كثيرا، ولا أظنك تخالفني فيها.

قال ربيع: أجل.. وقد ورد في السنة كذلك ما يدل عليها، ففي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وآله وسلم: (تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)([1])

قال السائق: هذه بداية جيدة قد تجعلنا نتفق على صاحب هذا الشريط، لأنه في كل أحاديثه وخطبه يركز على احترام التنوع والاختلاف، وألا نلزم الخلق ما لم يلزمهم الله به.

قال ربيع: أشم من هذا الكلام رائحة مبتدع خبيث هالك.. فهم الذين يسربون بدعهم بدعاوى التقارب والتعايش واحترام الاختلاف.

قال السائق: لا تخف.. فهو ليس كالسابق.. هو سني التوجه.. شافعي المذهب.. بل هو مفت للسنة.

قال ربيع: وهل تحسب أن كل الشوافع سنة.. أكثر الشوافع عندنا – أصحاب منهج السلف – مبتدعة، لأنهم تركوا مذهب الإمام أحمد في الاعتقاد، وراحوا إلى الأشاعرة مخانيث المعتزلة لينصروا عقائدهم.. جد لي شافعيا واحدا كان على مذهب أهل السنة.

قال السائق: عجيب ما تقول.. أليس الشوافع من أهل السنة؟

قال ربيع: هم سنة في الفقه.. ولكن أكثرهم ليس سنة في العقيدة.. أكثرهم أشاعرة.. وأنت تعرف ما قال سلفنا الصالح في الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة وغيرهم من المعطلة منكري الصفات الذين يعبدون الوهم.. وقد شان متأخروهم المذهب الشافعي بالتصوف.. فخرجوا من زمة المبتدعة إلى زمر الكفرة والحلولية والقبورية.. فقلما تجد شافعيا إلا قبوريا.. والقبوري مشرك دمه حلال، وذبيحته حرام.

قال السائق: ونحن أهل المغرب الذين وجدنا آباءنا على المذهب المالكي.. فنحن على آثارهم مقتدون.

قال ربيع: مالك من أئمة السنة والسلف.. ولكن المالكية، وخصوصا المتأخرين شانوا المذهب، وحصل لأكثرهم من البدعة والشرك والخروج من الملة ما حصل للشافعية.

قال السائق: والحنفية.. هل هم من أهل السنة؟

قال ربيع: هناك فرق كبير بين الشافعية والمالكية والحنفية.. الشافعية والمالكية أصولهم صحيحة، والانحراف دب إليهم بعد ذلك.. لكن الحنفية منحرفون أصولا وفروعا.. ألا تعلم ما قال أئمتنا في أبي حنيفة؟

قال السائق: أجل.. أعلم ذلك.. لقد استتيب من الكفر مرتين، وأن سفيان الثوري قال فيه: (غير ثقة ولا مأمون استتيب مرتين)

قال ربيع: أحسنت.. والآن هلم أخبرنا من هو الشخص الذي تريد أن تسمعنا إياه.

قال السائق: ما دام كل هؤلاء لم تستسغهم، فلا أظن أنك ستستيغ هذا، فهو منفتح على العالم لدرجة لا يمكن لطبعك أن يتقبلها.

قال ربيع: أأنت تمدحني أم تسبني؟

قال السائق: أنا أصفك فقط.. والواصف ليس مادحا، وليس ذاما.

قال ربيع: وما أدراك بي.. هل اطلعت على سريرتي، أم تدعي أنك تعلم بواطن الناس، وما تبلي السرائر.

قال السائق: لا هذا ولا ذاك.. ولكني من خلال أحاديثك معي عرفت طبعك.

قال ربيع: ويل لجرأتك على ربك.. كيف تحكم علي من خلال بعض الأحاديث التي تحدثت بها إليك.. ماذا تقول لربك إن سألك عن جرأتك على خلقه.. بم تجيبه؟

قال السائق: لا بأس.. أرجو أن أكون مخطئا في تقديري حتى نتشرف بالاستماع إلى هذا العالم الجليل الذي وسع الله صدره وقلبه وعقله ليستوعب من الحقائق ما ضاق به الآخرون.

قال ربيع: من هذا الذي تكيل له كل هذا المديح.. ألا تعلم أن مدح المنافق أو الكافر كفر ونفاق؟

قال السائق: أنا أمدحه بما علمته منه، فقد كان خير سفير للإسلام.. استطاع بمفرده أن يخلص الكثير من العقدة التي وقع فيها اليهود عقدة (شعب الله المختار).. هو يدعو إلى التواضع واحترام الآخر مهما كان دينه ومذهبه ولغته ولونه..

قام ربيع غاضبا، وهو يصيح: لا تقل بأن الذي تريد أن تسمعنا إياه هو ذلك الهالك الآبق الظالم لنفسه حسون.. ويل له.. كم تمنينا لو أن تلك الرصاصة التي نفذت إلى صدر ابنه سارية نفذت إلى صدره.. لكانت البلاد والعباد ارتاحت من ضلالاته كما ارتاحت من البوطي.. ولكن مع ذلك فقد فرحنا كثيرا بقتل ابنه.. لقد شفى الله غيظنا.. وملأ قلوبنا فرحا وسرورا.

قال السائق: ألا تعتبر – يا بني – هذا حقدا؟

قال ربيع: ويل لك.. ثم ويل لك.. من لم يفرح بآلام المبتدعة لم يذق طعم السنة.. هذا من مقتضيات الولاء والبراء.. فمحب السنة يلزمه أن يملأ قلبه حقدا على المبتدعة.

قال السائق: أتعتبر الحقد دينا؟

قال ربيع: أنت تسميه حقدا.. وأنا أسميه براءة من أعداء الله.. الخلاف بيننا في التسميات.

قال السائق: لكن كيف طابت لكم نفوسكم أن تفجعوه في ولده؟

قال ربيع: لقد أفتى كل العلماء – حتى الذين نختلف معهم في بعض المسائل الفرعية كالقرضاوي أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – بأن كل موال للنظام السوري حلال الدم.. وقد نفذ شقنا المسلح هذه الفتوى.

ومع ذلك فلم نكتف بذلك.. لقد قال كلمات كثيرة جعلتنا نبيح دمه بغض النظر عن موقفه السياسي، لقد قال في بعض محاضراته: (أنا مسلم في عقيدتي، وعالمي في إنسانيتي.. أنا أبحث عن هذا المسلم وأحاول أن أصيغ هذا المسلم العالمي)، وهذه الكلمة كافية لإباحة دمه.. إنه يدعو إلى وحدة الأديان.

قال السائق: بل هو يدعو إلى تعايش الأديان.

قال ربيع: ومن قال لك بأن الإسلام يدعو إلى التعايش مع الآخر.. لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف بين يدي الساعة.. لقد نصر ديننا بالرعب.. لا ينبغي لكافر أن يعيش بيننا معافى سليما.. لا ينبغي أن تأمن أمة من الناس ما دامت تعبد الأصنام حتى لو زعمت أنها من المسلمين.

إن هذا الرجل المجنون يريد أن يستأصل كل القيم التي دعا إليها السلف.. تصور أنه يريد أن يستأصل الفرق بين السنة والشيعة.. لقد قال في بعض تصريحاته: (كل سني هو شيعي في ولائه، وكل شيعي هو سني في اقتدائه، وبدون التكامل بين الاثنين لن يكمل اسلام أحدهما)

إن هذا الرجل المجنون يريد أن يقضي على مذهب السلف من جذوره، فإن اتفق السنة والشعية.. واتفق أهل الحديث والمتكلمون.. واتفق السلف مع الصوفية.. فما هي وظيفتنا بعد ذلك.. وممن نحذر؟.. وعلى من نحقد؟


([1])     رواه البخاري ومسلم.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *