جودت.. واللاعنف

جودت.. واللاعنف

أخرج السائق شريطا آخر من محفظته، وقال: لقد عرفت مشكلتك يا بني.. ولدي في هذا الشريط حلها.. فلو أنك صبرت قليلا، وألقيت سمعك إليه فترة قصيرة، فستجد نفسك شخصا آخر تماما.. ستصل إلى تحقيق كل مآربك من غير أن تتكلف لا حقدا ولا عنتا.

قال ربيع: أنا ليس لدي مشكلة.. المشكلة فيكم أنتم.. أنتم الذين تركتم السنة والسلف، ورحتم تزاحمونهما بآرائكم وأفكاركم ورجالكم.. وكأنكم لا تعلمون بأن الدين اكتمل في القرون الثلاثة الأولى، وأن كل متحدث فيه بعد ذلك من غير نقل عن السلف دعي ودجال وكذاب.

قال السائق: لا تخف.. فهذا الرجل ينقل من القرآن الكريم مباشرة.. وله فيه فهوم عجية ترقى بالإنسان والمجتمع إلى أرقى سبل الحضارة.

قال ربيع: ما هذه الكلمة البدعية الغريبة.. كيف ينقل من القرآن مباشرة؟.. وكيف يحل له أن يصل إلى معاني القرآن دون أن يمر على البغوي وابن عطية وابن جرير وابن تيمية وابن كثير والسعدي؟.. لا يحل لأحد أن يفهم في القرآن معنى لم يشر إليه هؤلاء وغيرهم ممن جعلهم الله حماة لكتابه من تسلل المبتدعة.

قال السائق: هو يثق في كثير من هؤلاء، ويستفيد منهم، لكنه لا يكتفي بهم.

قال ربيع: من لم يكفه السلف، فلا كفاه الله.. ومن ظن أن هناك علما لم يتحدث عنه السلف أو يشيروا إليه، فهو وحمار بيته سواء.

قال السائق: دعنا يا بني نسمع هذا الشريط.. فإن فيه كلاما جميلا عجيبا عن السلام.. إنه بعنوان (مذهب ابن آدم الأول)

ثار ربيع غاضبا، وهو يقول: عرفت الرجل.. إنه ذلك الدعي الدجال الذي يريد أن يقوض صرح الجهاد الذي جاء به الدين، والذي لا يقوم الدين إلا عليه.. إنه ذلك الأفاك الأثيم الذي يريد أن يهدم التاريخ الإسلام المشرق المملوء بالأمجاد.. إنه ذلك الشيخ الخرف الذي لم يقنعه السلف ولا الخلف، فراح يتجاسر على القرآن يفسره بهواه.. ويل لك ما الذي تريد أن تسمعنا إياه.

قال السائق: تمهل يا بني.. فلا يحل لك أن تنهش عرض الرجل بهذه البساطة..

قال ربيع: وهل له عرض حتى أنهشه؟

قال السائق: لا تقل هذا يا بني.. فالرجل يعتمد في دعوته على القرآن الكريم.. فهو يستند إلى القصة التي قصها القرآن الكريم علينا عن ابني آدم، وكيف أثنى الله على المسالم منهما، والذي قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28]، ومثله قال نوح عليه السلام: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71]

وقد لاحظ من خلال دراسته للتاريخ الإسلامي امتلاءه بالدماء والمآسي.. ولاحظ من خلال دراسة حركة الدعوة الإسلامية ميلها إلى العنف والشدة.. ولاحظ من خلال دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي للأمة تحوله إلى واقع مشحون بكل أصناف العنف.. فراح يدعو إلى السلام الذي جاء به القرآن الكريم، ودعا له الأنبياء.

قال ربيع: ويل للرجل.. أي ضلالة أوقع نفسه فيها.. ألا يعلم أن القرآن حمال وجوه، فكيف يستدل به؟

قال السائق: لقد ساق نصوصا من السنة تؤيد دعواه.. فقد ورد في الحديث: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ؛ القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فاكسروا قسيَّكم، واقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دُخِل ـ يعني على أحد منكم ـ فليكن كخير ابنيْ آدم)([1])

قال ربيع: إن هذا الرجل من الذين يريدون أن يقوضوا بنيان الدين من خلال بعض النصوص التي يسيء فهمها، لأنه لم يرجع فيها للسلف.

إنه يريد من مقولته تلك أن يهدم الجهاد الذي جاء به الدين.. لقد حصلت مناظرة بينه وبين رجل منا على شاشة قناة الجزيرة.. فمسح به الأرض، وجعله أثرا بعد عين.

لقد قام بطلنا (نادر التميمي) في تلك الجلسة بقوة وفصاحة وبلاغة، وقال: (الحمد لله الذي أعزنا بالجهاد وجعله ذروة سنام الإسلام.. الحمد لله الذي أذلنا بالقعود عنه.. الحمد لله الذي فتح بلادنا في الشام وفي العراق وفي شمال أفريقيا وفي مصر حتى الأندلس بالجهاد..)، ثم استمر في حديثه يبين فضائل الجهاد، وأنه الحل الأمثل لكل مشاكلنا.. حتى أن معد الحلقة لم يستطع أن يوقفه.. وكان ذلك اليوم يوما من أيام الله التي نصر فيها جنده([2]).

قال السائق: لقد تابعت الحلقة.. ولكني كنت أميل فيها إلى جودت سعيد.. فقد كان هادئا مسالما يطرح آراءه بكل أدب وهدوء..

قال ربيع: بل بكل ضعف وخور.. إن ديننا دين قوة وعزة.. وقد مثلهما نادر التميمي أحسن تمثيل.. لقد أعاد لنا سير أبطالنا الكبار الذين نفخر بهم.

قال السائق: تمهل يا بني.. فالرجل لا يريد أن يهدم الجهاد.. فالجهاد قيمة من قيم هذا الدين.. بل هو قمية من القيم الإنسانية الرفيعة.. إنه يريد أن يصحح مفهومه فقط.. لقد صار (الجهاد) عند بعض من لا يفقهون الدين وسيلة للتوسع والظلم والاستبداد.. وقد حصل بسبب ذلك الكثير من المآسي.. فلذلك دعا إلى التفريق بين جهاد المسلم المشروع، وجهاد الخوارج الممنوع؟

قال ربيع: الجهاد هو الجهاد.. والخوارج فرقة اندثرت، ولم يبق منهم إلا فلول، سيأتي اليوم الذي نقضي عليهم فيها.

قال السائق: الخوارج الذين حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخطر من أن تمثلهم طائفة من الطوائف.. إنهم كل من استعمل سلاح العنف الذي يسميه (جهادا) في غير محله.

ضحك ربيع بسخرية: وما محله أيها النكرة الرويبضة؟

قال السائق: له محلان ذكرهما القرآن الكريم، وطبقهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير تطبيق.

أما الأول، فقد نص عليه قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39، 40]، وقد طبقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر الحروب التي فرضت عليه ابتداء من بدر وانتهاء بحنين.. فما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ليحمي المسلمين من أذى المعتدين.

وأما الثاني، فقد نص عليه قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، وهو الخروج لنصرة المستضعفين في الأرض، لا لإكراههم في الدين، أو لجباية أموالهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، والتوسع في أراضيهم.

قال ربيع: وأين الجهاد لإعلاء كلمة الله، ونشر دين الإسلام؟

قال السائق: إن القرآن الكريم حصر الدعوة إلى الدين في هذه المحال الثلاث: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، وإن كان للجهاد مجال هنا، فهو الجهاد بالقرآن، كما قال تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]

قال ربيع: أتريد أن تذكر بأن كل الفتوحات التي حصلت في التاريخ الإسلامي كانت منحرفة عن القرآن الكريم؟

قال السائق: لا أقول ذلك.. ولا يقول صاحبي جودت ذلك.. وإنما ننظر إليها من زاوية الشروط القرآنية، فإن توفرت فيها الشروط الشرعية كانت جهادا وفتحا، وإن لم تتوفر كانت غزوا واستعمارا وعدوانا.

قال ربيع: ويلك يا رجل.. أتريد أن تخرج من الملة؟

قال السائق: لم أكن أحسب أن الموقف من التاريخ يخرج من الملة.. لقد علمنا قرآننا ونبينا أن نقف مع الحق مهما كان، ولا تأخذنا في الله لومة لائم، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، ولذلك إن فعل حكام المسلمين ما فعله المفسدون في الأرض، فلن أنزه المسلمين، بل سأقف مع المظلوم.

قال ربيع: إن هذا يخالف عقيدة الولاء والبراء.

قال السائق: لقد علمنا الله القيم التي نوالي من والاها، ونتبرأ ممن تبرأ منها.. وأول هذه القيم العدالة.. فنحن مع العدالة وضد الظلم.. وأول ظلم نقف في وجهه هو الظلم الذي يرتكب باسم الله، وباسم دين الله ليشوهه، ويقف حجابا بين الخلق وربهم.

قال ربيع: هذا دين الضعفاء والقاعدين لا دين رب العالمين.

قال السائق: لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة، ولم يحمل سلاحا، ولم يواجه المعتدين عليه، فهل كان في ذلك الحين على غير دين الإسلام؟

وقد روي أن بعض الصحابة أتوه في ذلك الحين، فقالوا: يا نبيَّ الله، كنّا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم)، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك، فقال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77]

قال ربيع: ولكن كل ذلك نسخ.. كان ذلك مخصوصا بمكة حيث كانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرَّقون ويودون لو أُمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، ولم يكن الحال إذ ذلك مناسباً لأسباب كثيرة.. فلما ذهبوا إلى المدينة، ومكن الله للمؤمنين وشرع الجهاد، ونزلت آية السيف نسخت كل آيات الصفح والحلم والعفو.. فكل آية تأمر بالعفو والصفح والحلم هي من الآيات التي بقي رسمها ونسخ حكمها.

قال السائق: ما دام حكمها قد رفع، فما الحاجة لبقائها في المصحف.. ألا ترى أن في ذلك فتنة للقارئين، حيث يقرؤون شيئا، وينهون عن تطبيقه؟

انتفض ربيع غاضبا، وهو يقول: لا شك أنك رافضي تقول بتحريف القرآن([3]).. لزوال الدنيا أهون عند الله من رفع حرف واحد من المصحف الشريف.. إنه كلام الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42]

قال السائق: مهلا يا بني.. ليس هناك مسلم في الأرض يقول بتحريف ألفاظ القرآن.. فالمصحف واحد.. ولكن ما تقوله أنت الآن هو أعظم تحريف للقرآن..

قال ربيع: أنا لم أقل سوى بأن في القرآن ناسخا ومنسوخا.. وأن الآية الواحدة من القرآن قد تنسخ الآيات الكثيرة.. وقد ابتلانا الله تعالى بهذا حتى نعود لسلف الأمة ليفرقوا لنا بين الناسخ والمنسوخ.. وهذا ما جعلنا لا نكتفي بكتاب الله، ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل نشترط مع ذلك فهم السلف الصالح، فهم أعقل الناس وأحكمهم وأعلمهم بدين الله..

لقد كان هذا أول درس لي تعلمته من مشايخي الكبار.. لقد قرأت بينهم يوما قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، فقال لي: لا يحل لك أن تستدل بهذه الآية، فهي منسوخة بآية السيف..

ثم قرأت قوله تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] فأخبرني بأنها منسوخة بآية السيف.

ثم قرأت قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8]، فأخبرني بأنها منسوخة بآية السيف.

وقرأت قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]، فأخبرني بأنها منسوخة بآية السيف.

وقرأت قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)} [الأنعام: 106، 107]، فأخبرني بأنها منسوخة بآية السيف.

وقرأت قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199]، فأخبرني بأنها منسوخة بآية السيف.

وقرأت قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]، فأخبرني بأنها منسوخة بآية السيف.

وقرأت قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 89]، فأخبرني بأنها منسوخة بآية السيف.

وهكذا قرأت مائتي آية من القرآن الكريم، كلها يقولون لي: إنها منسوخة بآية السيف.

حينها أدركت أنني لا يمكنني بحال من الأحوال أن أستغني عن سلف هذه الأمة.. فهم أدرى الناس بناسخ القرآن ومنسوخه.. ولولاهم لعبدنا لله بما نسخ من أحكامه.


([1])     رواه مسلم.

([2])     انظر موقع قناة الجزيرة على الرابط التالي:

http://www.aljazeera.net/programs/opposite-direction/2010/8/26/.

([3])     للأسف نجد الاتجاه السلفي يردد دائما من غير بينة ولا بحث ولا تحقيق هذه الشبهة الخطيرة التي لا تمس الشيعة فقط، بل تمس القرآن الكريم بالدرجة الأولى، لأنها تشعر أن هناك خلافا في ثبوته مثل الخلاف الواقع بين الكاثوليك والبروتسنت حول نسخ الكتاب المقدس.. وقد رددنا على هذه الشبهة بتفصيل في كتاب (الكلمات المقدسة)، وهو مطبوع بدار العواصم بالقاهرة، ومترجم إلى الإنجليزية.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *