المقدمة

المقدمة

تهدف هذه الرواية بأحداثها وحواراتها مع بعض كبار قادة الاستكبار والاستبداد في التاريخ إلى هدفين كبيرين، كلاهما له علاقة بالسلام وبتحقيقه في الواقع النفسي والاجتماعي والسياسي:

أولهما: بيان خطورة الاستكبار، ومنافاته لعوالم السلام الجميلة، فالمستكبر عدو نفسه قبل أن يكون عدوا للمجتمع أو للرعية التي ولي عليها صغيرة كانت أو كبيرة.. ولذلك حاولنا في الرواية أن نصور بعض تلك الآلام التي يشعر بها المستكبر عندما يخلع كفن جسده، ويلبس الثوب الذي يمثل حقيقته.. وقد استوحينا صور تلك الآلام من خلال ما ورد في الروايات من تجسد الأعمال وتحولها إلى حقيقتها الملكوتية الممتلئة بالألم.

ثانيهما: بيان خطورة السكوت على الاستكبار وعدم مواجهته، واعتبرنا ذلك ـ كما دلت عليه النصوص المقدسة ـ صناعة للاستكبار وتقوية له، كما قال تعالى: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} (الزخرف:54).. ولذلك حاولنا أن نجسد بعض مشاهد الأولياء والصالحين الذين وقفوا في وجوه طغاة زمانهم، وبينا بعض أنواع النعيم والسلام الذي يعيشونه في مقابل الآلام التي يعيشها المستكبرون.

وقد اخترنا لتحقيق هذين الهدفين سبعة من كبار أعلام الاستكبار في التاريخ، كل منهم يمثل جانبا أو جوانب منه، وهم:

فرعون: ويمثل رمزا كبيرا من رموز الطغيان والاستبداد التي ذكرها القرآن الكريم، وعلمنا من خلالها أسرار الاستبداد، وكيفية الوقوف في وجهه ([1])، ولم يذكره القرآن الكريم هكذا عبثا، ولا لمجرد التسلية، ولا لذكر بعض التفاصيل التاريخية التي تأنس لها النفس، وإنما ذكره ليبين الموقف منه ومن أمثاله من الطغاة، وليتحول كل مسلم إلى موسى وهارون ومؤمن آل فرعون وآسية بن مزاحم.

يزيد: ويمثل كل أولئك المستبدين الظلمة الذين تلقبوا زورا وبهتانا بلقب [الخليفة]، بينما هم في الحقيقة ليسوا سوى خلفاء للشيطان، وسدنة للدجال.. وقد اخترنا من بينهم [يزيد] لكونه من أوائل من سن سنة الاستبداد في هذه الأمة، ولأدواره القذرة في حرب دعاة القسط والعدالة.

الحجاج: ويمثل كل السدنة والوزراء والبطانة الذين كانوا أداة في أيدي المستبدين لفرض كبريائهم على الرعية.

أتاتورك: ويمثل كل أولئك الذين حاربوا شريعة الله، ليحيوا بدلها شريعة الطاغوت، ولينافسوا الله حاكميته على خلقه.

لينين: ويمثل كل أولئك المستبدين من أصحاب الأنظمة الشمولية الدكتاتورية الذين ملأوا الأرض جورا وظلما.

بوش: ويمثل كل أولئك المستبدين الذين يوهمون المستضعفين أنهم من دعاة الديمقراطية والحرية والأخوة الإنسانية، بينما هم في الواقع لا يختلفون عن أصحاب الأنظمة الشمولية الدكتاتورية.

الدجال: ويمثل خلاصة الاستبداد والاستكبار والفتنة.. فهو الذي تتملذ على جميع المستبدين، واستفاد من جميع خطط الشيطان لإغواء الإنسان.. وقد حاولنا أن نصور من خلال النصوص حركة الفتنة التي يقوم بها في الأرض، وكيفية مواجهة الصالحين له.

هؤلاء هم أبطال الرواية.. وهم ـ كما رأينا ـ يمثلون شخصيات مختلفة اتفقت البشرية جميعا ـ إلا من شذ منهم ـ على انحرافاتهم وطغيانهم وكبرهم.. وقد ذكرناهم ليمثلوا غيرهم، أو لنرى من خلالهم صورة الطاغوت، لنسقط عليها بعد ذلك كل من انطبقت صورته مع صورتهم، حتى لا نقع في التيه والضلال، فنمجد الطغيان في الوقت الذي ندعي فيه الإيمان.

وننبه القارئ إلى أننا انتهجنا منهج الرمز في كل ما نطرحه من صور ومشاهد.. والعاقل هو الذي يعبر من الرمز إلى ما بعده.. والغافل هو الذي يأسره الرمز عن العبور، فيقرأ الحروف، ويغفل عن المعاني.


([1])  وردت قصة فرعون في سبع وعشرين سورة من القرآن الكريم، فضلاً عن الإشارة إليها في ثنايا بعض السور الأخرى.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *