المقدمة

يحاول هذا الكتاب ـ عبر الموضوعات القرآنية العشرة التي طرحها ـ أن يتعرف على أسرار النهي عن الفرح في القرآن الكريم، والذي ورد التصريح به في قوله تعالى: { لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } (القصص: 76)
فهذا النهي الوارد على لسان الناصحين من بني إسرائيل لقارون، نهي سار إلى يوم القيامة، وهو يعبر عن الحقيقة بلسانها الفصيح الناصح.. ذلك أننا نحتاج أن نستمع لمن يدعونا إلى عدم الفرح كما نحتاج إلى من يدعونا إلى عدم الحزن أو عدم اليأس..
ذلك أن الفرح مثله مثل الحزن واليأس قد يتحول إلى أداة من أدوات الشيطان التي يخرب بها بنيان الإنسان، ويجعله منشغلا بما وصل إليه من نعمة، غافلا عما ينتظره من ألم.
ولذلك جمع الله بين النهي عن الأمرين جميعا: الحزن والفرح في قوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [الحديد: 23]
لذلك حاول هذا الكتاب من خلال التدبر في القرآن الكريم أن يبحث في أسرار الجمع بين النهي عن الفرح، في نفس الوقت الذي نرى فيه الدعوة إليه، كما في قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]
وقد تبين لنا من خلال هذه الأبحاث التأملية أن القرآن الكريم لا يدعونا عند نهيه عن الفرح إلى ما نتوهمه بديلا عنه، وهو الحزن أو الكآبة أو الإحباط.. ذلك أن القرآن الكريم كتاب سعادة لا كتاب شقاء، { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2]، ويستحيل على الكتاب الذي يضم دستور السعادة الأبدية أن يدعونا إلى الحزن أو الألم والشقاء.
لكنه يدعونا إلى الهرب من الفرح المزيف الكاذب الذي قد يشغلنا عن حقيقتنا ووظيفتنا كما شغل قارون عنهما، فتحول فرحه إلى ألم يسيطر عليه في كل لحظة.
ذلك أن الفرح المزيف لا يختلف عن الخمرة ونشوتها، فهي تجعل صاحبها بلا عقل ولا تفكير، فيقرر قراراته المصيرية بعيدا عن الاستبصار والتدبر والتفكر.
ولذلك كان هذا الكتاب رسالة من رسائل السلام، لأن السلام الحقيقي يبحث عن السعادة الحقيقية الأبدية، لا السعادة المزيفة اللحظية المحدودة.. والفرح المزيف أكبر عقبة تحول بين الإنسان وبين تحقيق تلك السعادة الأبدية.