المالكي.. والصوفية

المالكي.. والصوفية

كان ربيع يخطب بكل حماسة، ولم يشأ السائق أن يقاطعه، فقد كان شديد الحياء، ولهذا تركه إلى أن انتهى من حديثه، وبعدها لم يشأ أن يجيبه، بل أخذ شريطا آخر، وقال: لا بأس.. ما دام البوطي لم يعجبك.. وما دمت أراك تحب علماء الحرم، فلدي شريط لعالم من علماء مكة الكبار.. كان يدرس في الحرم النبوي.. إنه محمد بن علوي مالكي([1]).. لقد كان من..

قاطعه ربيع بقوة قائلا: ويلك.. ما أشبهك بالغراب.. فلا أراك تقع إلا على الجيف والخبائث.. ألم تسمع ما قال شيخنا الجليل مقبل بن هادي الوادعي عنه.. لقد ذكره في شريط له بعنوان (حاطب ليل)، فقال: (محمد بن علوي مالكي حاطب ليل صوفي زائغ لا ينبغي أن يُعتمد عليه، ولا ينبغي أن يُحضر درسه)، ثم ذكر لنا أن أحد سلفنا الصالح، وهو (أيوب بن أبي تميمة) نهى إخوانه من السلفيين في عصره أن يحضروا حلقة عمرو بن عبيد، (فذلكم الزائغ الضال لا ينبغي أن تُحضر حلقته ولا أن يُكثر سواده)

قال السائق: دعك من شيخك.. فقد يكون أخطأ في حقه.. واسمع إلى كلامه، واحكم عليه بعد ذلك.. أليس شيخك بشرا كسائر البشر، يجوز عليه الخطأ والغفلة والسهو والنسيان؟

قال ربيع: ويلك أما زلت تتجرأ على لحوم العلماء.. أتتجرأ على الشيخ مقبل.. ألم تعلم أنه من أنصار السنة الكبار في هذا العصر؟.. ألم تعلم أن الجرأة على علماء السنة تعدل الجرأة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسها؟.. فعلماء السنة هم حملة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم لا يختلفون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحرمة في هذا الجانب.

 لقد ذكر العلامة الكبير المحدث يحي الحجوري جهوده في مقاومة المبتدعة من الصوفية والرافضة وغيرهم فقال: (قد خرج شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي وكثير من الناس يخبطون خبط عشواء وتجري عقولهم في اقتناص مصالحهم على غير السواء، فجدد الله به في البلاد أمر دينها، وحمى به جناب السنة وعرينها، فشمر عن ساعد الجد بتشييد علوم كتاب الله وسنة رسوله وتبينها وتزييف تلك الضلالات وتوهينها، فعلّم وصنف ودعا إلى الله عز وجل بكل ثبات ويقين، وفضح الله به الزنادقة والملحدين والمبتدعة الضلال والمتهورين، حتى كان محل ثقة المسلمين الرحال وقطعوا السهول والجبال فأحياه الله حياة طيبة مزدهرة بالعلم والتعلم والنصح والتوجيه والفتوى والبيان)([2])

قال السائق: أنا لم أتعرض يا بني لشيخك بقليل أو كثير.. لا بمدح ولا بهجاء.. لكني فقط ذكرت لك أنه عليك ألا تكتفي بمقولة شيخك من غير بيان ولا دليل؟

قال ربيع: وهل تحسب أني اكتفيت بمقولة شيخي، إننا – معشر السنة – لا نكتفي بمحدث واحد، بل نظل نتردد على العلماء لنستوثق من المعلومة، ونتبينها.

لقد أصدرت فيه هيئة كبار العلماء قرارها الخطير([3]) بإخراجه من أهل السنة، واعتباره من أهل البدعة، وأنه من الدعاة (إلى الشرك بالله سبحانه والدعوة إلى البدع والمنكرات والضلالات والبعد عما عليه سلف هذه الأمة من سلامة العقيدة وصدق العبودية لله تعالى في ألوهيته وربوبيته وكمال ذاته وصفاته)

ومنذ ذلك القرار وأعلام أهل السنة يكتبون الكتب في الرد عليه، فكتب صالح آل الشيخ في (هذه مفاهيمنا) ردا على كتاب (مفاهيم يجب أن تصحح).. وكتب سمير المالكي في (جلاء البصائر) في الرد على كتابي (شفاء الفؤاد) (والذخائر).. وكتب أبو بكر الجزائري في (كمال الأمة في صلاح عقيدتها): في الرد على (الذخائر)، وفي (وجاءوا يركضون) في الرد على (من دافع عن المالكي).. وكتب سفر الحوالي في (الرد على شركيات المالكي) رد فيه على كتاب (شفاء الفؤاد)، وله أيضا (الرد على الخرافيين)، وهي خمسة أشرطة، رد فيها على صوفيات المالكي.. وكتب ابن منيع في (حوار مع المالكي) رد فيه على (بدعة المولد).. وكتب حمود التويجري في (الرد القوي) رد فيه على من (دافع عن المالكي).. وكتب إسماعيل الأنصاري في (القول الفصل) رد فيه عليه في بدعة المولد.. وغيرها كثير.

أراد السائق أن يعلق على قوله، فقاطعه ربيع بقوة، وقال: ألا يكفيك كل هذا؟ أم تريد من المطابع أن تتوقف عن طباعة كل الكتب لتخلص لطباعة ما يكتب كل يوم للرد عليه.

اسمع جيدا ما قال عبدالله بن سليمان بن منيع – أحد قضاة محكمة التمييز بالمنطقة الغربية، وعضو هيئة كبار العلماء – في مقدمة كتابه في الرد عليه، والذي عنونه بـ (حوار مع المالكي)([4])، والذي جاء فيه: (لقد تتابعت سموم هذا الضال المضل على العقيدة السلفية بما ينشره من مؤلفات أطمها وأغمها وأكثرها بلاء ومقتاً وفحشاً كتابه (الذخائر المحمدية)، وآخرها فيما علمنا أن يكون آخرها في مجال الدعوة إلى البدع والضلالات رسالته البتراء المسماة (حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف)، وهي رسالة تشتمل على الكثير من المغالطات والتلبيسات والتشبيه على العقول)([5])

وقال شمس الدين السلفي: (ألف محمد علوي المالكي أحد الدعاة إلى القبورية في عصرنا هذا كتابه القبوري (مفاهيم يحب أن تصحح) برهن فيه على أنه ملبس مدلس قبوري خرافي…)([6])

وقد حدثني بعض أصدقائي من مكة المكرمة أنه لما أدخلت جنازته للحرم في صلاة المغرب لتصلى عليه الجنازة رأى الشيخ السديس زحمة الناس، فسأل عن السبب، فقالو له: هذه جنازة محمد علوي مالكي.. فرفض الشيخ الصلاة عليه..

وتركوا الجنازة الى صلاة العشاء.. وقتها كان الشيخ (…) يصلي بهم العشاء، وكان عنده علم بصاحب الجنازة.. في البداية رفض الصلاة عليه.. وبعدها كثر اللغط من أتباع المالكي.. وقتها دخلت جنائز، فوافق الشيخ الصلاة على كل الجنائز، ومن ضمنهم جنازة المالكي.

قال السائق: ولكن يا بني.. ألا ترى أن في هذا تشددا، فصلاة الجنازة عبادة، وهي حق لكل مسلم.

قال ربيع: لو كان مسلما لصلى عليه.. فكيف وهو صاحب بدعة محرمة.. وقد ترك سلفنا الصالح الصلاة على من هو دونه.. لقد حدث مؤمل بن إسماعيل، قال: مات عبد العزيز، فجيء بجنازته، فوضعت عند باب الصفا، وجاء سفيان الثوري، فقال الناس: جاء سفيان، جاء سفيان. فجاء حتى خرق الصفوف، وجاوز الجنازة، ولم يصل عليها، لأنه كان يرى الإرجاء. فقيل لسفيان في ذلك، فقال: (والله إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي، ولكن أردت أن أري الناس أنه مات على بدعة)

قال السائق: ولكن.. ألا ترى – يا بني- أن كل من ذكرت أبناء مدرسة واحدة، ولهذا تراهم يتفقون، ولا يختلفون، لو أنك وسعت مدارك أكثر، ورأيت علماء آخرين من مدارس أخرى، لوجدت آراء أخرى تزيد أفقك اتساعا، ومواقفك وضوحا.

قال ربيع: أتريدني أن أترك روضات أهل السنة المريعة، لأرعي في فيافي المبتدعة المجدبة.. أمجنون أنا؟

قال السائق: لا بأس.. ولكني أراك تكتفي بذكر آراء الرجال، وهم قد يخطئون في أحكامهم.

قال ربيع: وهل تحسب أننا مثل معشر المقلدين نكتفي بحفظ المقولات دون أدلتها.. لقد ساق لنا مشايخنا الكثير من كفرياته ليبرهنوا لنا على ذلك..

لقد ذكروا لنا أنه كتب كتابا سماه (مفاهيم يجب أن تصحح) أثنى فيه على التصوف، ودعا فيه إلى الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبغيره من الأولياء، كما دعا إلى شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. بل كتب في ذلك كتابا سماه (شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد)

وذكر لنا أنه من الدعاة إلى إحياء الاحتفالات المبتدعة أمثال الاحتفال بالمولد النبوي وكتب في ذلك رسالته (حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف) و(البيان والتعريف في ذكرى المولد الشريف)

كما أن له كتاب بعنوان (الذخائر المحمدية) نشر فيه كثيرا من معتقدات الصوفية في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتي تحتوي على الغلو المنهي عنه في صحيح السنة النبوية!!

ومن ذلك أنه نقل فيه بيتاً من الهمزية الممتلئة كفرا، وهو قوله مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ليته خصني بـرؤية وجـه   زال عن كل من رآه العناء

وهذا كذبٌ وباطلٌ، وقد رآه في حياته صلى الله عليه وآله وسلم أقوامْ كثيرون، فما زال عنهم عناؤهم ولا كفرهم.

وقال فيه: (من استغرق في محبة الأنبياء والصالحين حمله ذلك على الإذن في تقبيل قبورهم والتمسح بها، وتمريغ الخد عليها)([7]). ونسب أشياء من ذلك الى بعض الصحابة، وأقر ذلك ولم ينكره، مع أن تلك الأمور من البدع ووسائل الشرك الأكبر، ونسبتها الى بعض الصحابة باطلة.

وذكر في نفسه كتابه السابق: (أن زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وآله وسلم من كمال الحج، وأن زيارته عند الصوفية فرضٌ، وأن الهجرة الى قبره عندهم كالهجرة اليه حيا)([8]).. وأقر ذلك ولم ينكره مع أن جميع شرك وضلالة.. وصاحبه قبوري مشرك.


([1])     محمد علوي المالكي واسمه محمد بن علوي بن عباس الإدريسي الحسني الهاشمي (1367 هـ – 1425 هـ)، أحد أبرز العلماء الذين جمعوا بين التصوف والفقه والحديث، ويُلقب بمحدّث الحرمين. تنقّل بين الكثير من الحواضر العلمية في العالم الإسلامي ليأخذ عن كبار العلماء، وسمحت له علاقته الشخصية الجيدة بالملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود دون إقصائه من قبل المؤسسة الدينية الرسمية التي تتبع المذهب الحنبلي وتعارض الصوفية. له مؤلفات كثيرة في علوم الحديث والفقه المالكي وواقع العالم الإسلامي.

([2])     من كتاب (نبذة يسيرة من حياة أحد أعلام الجزيرة)، لأبي همام محمد بن علي بن أحمد فرج الصومعي البيضاني، وقدم له فيها الشيخ يحيى الحجوري..

([3])     قرار هيئة كبار العلماء بالسعودية رقم 86 وتاريخ 11 / 11 / 1401 هـ.

([4])     وقد رد على هذا الكتاب الشيخ يوسف هاشم الرفاعي في رسالة بعنوان (الرد على بن منيع)، بالإضافة إلى كتاب آخر ألَّفه اثنان من المغاربة في الدفاع عن المالكي سمَّياه (التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار).

([5])     حوار مع المالكي (ص: 3)

([6])     جهود علماء الحنفية (3/1797)

([7])    الذخائر المحمدية، ص52.

([8])     المرجع السابق، ص 60.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *