اللاهثون

اللاهثون

من أصناف الدعاة إلى جهنم، والذين ذكرهم القرآن الكريم، وبين خطرهم من يمكن أن يطلق عليه لقب (اللاهثين)، وهو وصف قرآني دقيق لصنف من الناس ركن إلى الدنيا، واتبع هواه، وصار يبحث عن الجماهيرية والشهرة والمنصب والمال.. وصار كل همه من تلك الآيات التي حفظها، والعلوم التي درسها أن يقتنص قلوب الناس وجيوبهم ليرضى هواه ونزوته وغرائزه..

لن أستعجل فأصف هذا الداعية المجرم، وإنما أترك القرآن الكريم الذي لا تفنى عجائبه ليقوم بذلك، يقول تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الأعراف: 175، 176]

سيرجع الكثير منكم إلى كتب التفسير، ويقولون لي: ويلك.. هذه الآيات نزلت في بلعم بن باعوراء.. ذلك الشقي الذي وصفه مالك بن دينار، فقال: (كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة، يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى إلى ملك مدين يدعوه إلى الله، فأقطعه وأعطاه، فتبع دينه وترك دين موسى، عليه السلام)([1])

وبعضهم يقول لي هو أمية بن الصلت.. فقد (اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه، فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته، وظهرت لكل من له بصيرة، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم، ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة)([2])

وأنا لن أرد عليهم.. ولن أكذب ما قالوا، فالآيات الكريمة تصدق على بلعم بن باعوراء، وعلى أمية بن الصلت.. لكني فقط أريد أن أضيف مصداقا آخر لشخص رأيته بعيني، وسمعته بأذني.. هو أشبه الناس ببلعم وأمية.. وليس هناك من فرق بينهما إلا أن صاحبي من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. والآخران من غيرها من الأمم.. وهذا ليس فرقا مهما، فالعدالة الإلهية المطلقة لا تفرق بين أمة وأمة.. {  لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123]

طبعا هذا المصداق الجديد الذي سأذكره لكم، ليس هو البلعم الوحيد، أو اللاهث الوحيد، بل يمكنكم أن تضيفوا بلاعم جددا، لنخرج موسوعة للاهثين الذين انسلخوا من القيم التي جاء بها دينهم.. وركنوا إلى الدنيا.. واتبعوا أهواءهم.. وقدموا الخدمات الجليلة للمشروع الشيطاني في تدمير الإنسان، وتدمير كل هدي يرفع الإنسان.

كان تاريخ اكتشافي لتفعيل تلك الآية الكريمة، وتشرفي برؤية أخ من إخوان بلعم بن باعوراء وأمية بن الصلت يعود إلى حوالي عشر سنوات من اليوم.. ومن ذلك الحين وأنا أرى اللاهثين يزداودون كل يوم عددا وعدة وركونا.. وكل يوم أراهم، وهم يوظفون في كل مشاريع التخريب التي تمر بها أمتنا..

وطبعا لن أقص عليكم الأحداث الواقعية بتفاصيلها، ولن أسمي لكم أي اسم.. فذلك لن يفيدكم.. وقد يضرني.. وإنما سأقص عليكم روح ما رأيت، واحكموا بما شئتم.

في قريتنا المتواضعة كان لنا إمام بسيط ومحترم.. كان في كل جمعة يقدم لنا بعض المواعظ التي استطاع تحضيرها طيلة الأسبوع.. كان يحثنا فيها على التقوى والصدق وحسن الخلق.. وكان يذكرنا كل حين بمصيرنا الأبدي.. ويرسم لنا خارطة مفصلة بذلك.. وكان أكثر الناس يرضون بذلك، ويتأثرون به على الرغم من أنه لم تكن للإمام تلك الفصاحة التي يظهر بها الخطباء على شاشات التلفاز..

لكنه ولتواضعه وأدبه وعفافه وزهده واهتمامه بأداء وظيفته على أحسن ما يكون كان محبوبا عند عوام الناس، ولذلك كان الكثير منهم يعينه في تنظيف المسجد، وفي تنظيم الأطفال الذين يداومون على الحضور لحفظ القرآن الكريم.. وغير ذلك من الخدمات التي يحتاجها المسجد.

ظللنا فترة على هذه الصفة إلى أن ظهر فينا بعض الأغنياء ورجال الأعمال الذين بدا لهم فجأة أن يجمعوا بين المال والدين.. وقد فرحنا بهم في مسجدنا كثيرا.. خاصة وأنهم غيروا الزرابي العتيقة، وأبدلوها بزرابي جديدة، ثم غيروا دورات المياه.. ثم غيروا صباغة المسجد، وأضافوا الكثير من الزخارف فيه.. وقد بالغوا في ذلك قليلا لأن الكثير من أهل القرية استبدلوا الجلوس الهادئ في المسجد للذكر أو القراءة بالتجول في أنحائه ورؤية الزخاف والألوان والتعجب منها ومن جمالها.

مهما كان ذلك، فقد كنا راضين عن هؤلاء، ندعو لهم كل حين بالثبات، وبأن يبارك الله في أموالهم.. وكان إمام المسجد يفعل ذلك كل جمعة.. فكلما قدموا خدمة من الخدمات ذكرهم وشكرهم ودعا لهم..

لكن هؤلاء الأغنياء لم يكفهم أن يغيروا الحالة المادية للمسجد، وإنما أرادوا أن يضيفوا إلى القرية أشياء جديدة لم تكن تخطر على أعيان القرية وكبارها على بال..

في ذلك الاجتماع الذي ضم بعض الأغنياء من رجال الأعمال مع شيخ من كبار أهل القرية وأعيانها جرى هذا الحوار:

الغني: لقد مللنا من خطب هذا الإمام.. ففي كل مرة يعيد نفس الكلمات، ويردد نفس المعاني..

الشيخ: وماذا تريده أن يقول.. وهل الدين سوى ما يردده.. إنه يذكرنا بالتقوى والصدق والإخلاص وبإقامة الصلاة.. وأداء الواجبات.. ألا ترى هذا كافيا؟

الغني: بلى.. ولكن الناس يحبون التجديد.. يحبون أن يسمعوا كل مرة شيئا لم يسمعوه من قبل.

الشيخ: وهل طبق الناس ما قاله حتى يطلبوا منه الجديد؟

الغني: أنت لم تفهمني.. نحن الآن في واقع مختلف.. وهناك الكثير من الدعاة الكبار الذين بهروا العالم بفصاحتهم وبلاغتهم وخطبهم.. فهم اليوم هنا.. وغدا في أمريكا.. وبعد غد في أوروبا..وهم يظهرون على القنوات الكثيرة يفتون، ويخطبون..

الشيخ: عجبا.. هل هذا صحيح؟

الغني: أجل.. مشكلتك يا شيخ أنك إلى الآن لا تزال تعيش القرون الوسطى.. فليس في بيتك تلفاز.. وحتى المذياع البسيط الذي تملكه ليس فيه إلا القناة المحلية اليتيمة، ولهذا لا تعرف العالم والتغيرات التي تحصل فيه كل يوم.

الشيخ: أنا لم أتعجب من تنقلاتهم وخطبهم وإنما أتعجب من قدرتهم على الجمع بينها وبين التحضير للخطب والفتاوى.. فلا يمكن لشخص أن يتكلم في الدين إلا بعد البحث والنظر والاجتهاد.. ألا ترى إمامنا كيف يبقى أسبوعا كاملا يحضر في الكلمات القليلة التي يريد أن يقدمها لنا.. وفوق ذلك يأتيني ويعرضها علي قبل تقديمها.. ويستشيرني في كل كلمة يريد أن يطرحها.

ضحك الغني، وقال: ولم ذلك؟

الشيخ: لقد ذكر لي الإمام أنه يخاف أن يكون سببا في أي فتنة قد تحصل في القرية.. ولذلك يراعي كل كلمة يقولها، وكل معنى يشير إليه.. وإذا ما استفتاه أي واحد منا تجده يذهب إلى الكتب المختلفة، ويسأل من يثق فيهم من المشايخ.. ثم لا يجيب إلا بعد أن يدرس الفتوى من جميع الجوانب.

الغني: ذلك لجهله ومستواه الضعيف.

غضب الشيخ، وقال: بل ذلك لورعه وتقواه.. فالدين ليس لهوا ولعبا بحيث يمكن لأي شخص أن يتحدث فيه..

الغني: لا بأس.. أنا لا أنكر أن إمامنا يحفظ القرآن الكريم حفظا متقنا.. ولهذا يملأ خطبه بترديد آياته.. ولا أنكر أنه درس العلوم الشرعية، ويفهمها.. ولكن هناك أشياء أخرى يحتاجها الناس غير هذه الأمور.

الشيخ: مثل ماذا؟

الغني: الناس يحتاجون إلى رجل فصيح بليغ يملأ خطبه بالمحسنات البديعية.. ويقرأ لهم كل حين أبياتا من الشعر العذب.. ويخلط معهما بعض الأحداث والقصص.. وغيرها.. وكل ذلك مما يؤثر في الناس ويجعلهم يتدينون التدين الصحيح.

الشيخ: أتتهم دين الناس.. أنت تراهم بحمد الله يحرصون على الصلاة، ويؤدون الزكوات، وإذا ما أصاب أحد منا فاقة هرعوا إليه يواسونه بحسب ما أطاقوا.. نعم هم ليسوا بالمستوى المطلوب.. ولكن لهم بحمد الله من الصدق والإخلاص ما يغفر لهم ما قد يقعون فيه من أخطاء.

الغني: لن أجادلك في هذا.. وأنا وإخواني لم نأتك لأجله.. وإنما جئناك لأجل أمر نرجو أن توافقنا عليه.

الشيخ: ومنذ متى خالفتكم.. إن كان في الأمر مصلحة للقرية، فأنا وجميع القرية في خدمتكم.

الغني: نحن نريد أن نستضيف بعض الدعاة الكبار ممن يظهرون على القنوات الفضائية ليلقي خطبة في مسجدنا.

الشيخ: ولم يا بني.. ما دام هذا الشيخ يظهر في القنوات الفضائية.. فما الحاجة لإرهاقة وإحضاره.. يمكن للناس أن يشاهدوه عليها؟

الغني: أنت تعرف أن الخبر ليس كالعيان.. وأن من رأى ليس كمن سمع.

الشيخ: صدقت في هذا.. ولكن ألا ترى أن ذلك قد يفتن الناس.. فهم الآن راضون عن إمامهم، ويبكرون لسماع خطبه، ويستفيدون منها.. فإذا ما جاءهم بعد ذلك من يكون في أعينهم أفضل من إمامهم، زهدوا فيه، ورغبوا عنه، وأضر ذلك بهم..

الغني: لا تقل هذا.. فالناس يحبون التنوع.. وسوف لن يزهدوا في إمامهم، وسوف يظلون يستفيدون منه.. فلا تخف ولا تفزع، ولا تعطي الأمر كل هذا التضخيم.

الشيخ: لست أدري ما أقول لكم.. ولكن أتعلمون التكاليف المادية التي يتطلبها إحضار هذا الشخص؟

الغني: لا عليك.. هذا نتحمله نحن.. وسوف نطلب من أهل القرية أن يقدموا له بعض ما يطيقون من هدايا.. فمن الحرج أن نستضيف عالما كبيرا، ثم يخرج من عندنا صفر اليدين.

الشيخ: إن كنتم تريدون بهذا العمل وجه الله.. فهناك الكثير من الفقراء.. وأولهم إمامنا.. ألا تعلمون أنه عمل عملية لابنه، كلفته مالا كثيرا، باع لأجله كل ما يملك، واستدان فوق ذلك مالا كثيرا.. ولم يخبرنا خشية أن يحرجنا.. ولم أعلم ذلك إلا قبل فترة قصيرة.. فهلم بتلك الأموال نقدمها لهذا الإمام ليسد ديونه، ويترك التقشف الذي يعيشه..

الغني: ألا تعلم أن هذا الإمام يتقاضى مرتبا من الدولة.. حسبه به.. وليحمد الله أنه ينال مرتبا على عمل هين كعمله..

الشيخ: لست أدري ما أقول لكم.. ولكني أشعر أن قريتنا الهادئة البسيطة لن تبقى هادئة أو بسيطة.. أشعر بالطوفان يكاد يغمرها.. والنيران تكاد تحرقها..

الغني: هكذا أنتم دائما.. كلما نريد أن نتقدم إلى الأمام تعيدوننا إلى الخلف.

الشيخ: أجيبوني.. ألستم تريدون أن تصرفوا مالكم في سبيل الله، وتبحثون عن عمل خيري لذلك؟

الغني: بلى.. وإلا فما حاجتنا لتضييع أموالنا.

الشيخ: فأنا أدلكم على عمل خير يمكنه أن يخدم القرية خدمة جليلة.

الغني: ما هو؟

الشيخ: دعكم من المسجد.. ومن دين الناس.. فالدين لا يحتاج إلى كل تلك التكاليف التي تكلفون بها أنفسكم.. هناك أمر نحتاجه في قريتنا.. وبسببه يوقف الآباء أبناءهم عن الدراسة.

الغني: وما هو؟

الشيخ: أنتم تعلمون أنه لا توجد ثانوية بقريتنا.. ولذلك يضطر أبناؤنا إلى السفر إلى المدينة، والمعاناة كل يوم لأجل الدراسة.. والكثير منهم ينقطع عنها بسبب ذلك.. فلو أنكم أنفقتم أموالكم في شراء بعض الحافلات التي توصل التلاميذ، ويكون لكم شيء من ريعها، ويكون لكم فوق ذلك أجر عظيم.

الغني: ذلك شيء آخر.. وهو ليس بالأهمية التي يكتسيها إحضار الداعية الذي ذكرناه لك..

لم يجد الشيخ إلا أن يتركهم.. وهو يردد بحزن قوله تعالى: { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 44]

ما هي إلا أيام قليلة حتى رأينا إعلانات كثيرة معلقة في كل مكان.. في قريتنا وغيرها من القرى المجاورة.. وعليها صورة للداعية الذي تحدثوا عنه، وأمامها دعوة لحضور خطبة له يقدمها في المسجد.. وأمامها طلب بسيط من الناس أن يكرموا الداعية بما يطيقون باعتباره ضيفا على القرية، وأنه لا ينبغي أن يأخذ عنها أي صورة سيئة.

وجاء اليوم الموعود، وحضر الداعية الكبير في موكب ضخم من السيارات.. وكان معه كاميرات وأجهزة صوت وإضاءة وغيرها.. فتعجبت من ذلك.. وزال عجبي حين علمت أن لهذا الداعية قناة فضائية، وأنه يسجل كل صغيرة وكبيرة يفعلها، ثم يبثها على قناته الفضائية التي تستقطب الملايين من الناس.

وصعد المنبر وخطب خطبة بليغة مملوءة شعرا وسجعا ومحسنات بديعية..

وقد رأى أهل قريتنا لأول مرة شخصا يلهث وهو يخطب.. فقد تعودوا على إمامهم الذي كان يقرأ خطبته من الورقة بهدوء وتؤدة من دون أي تكلف أو معاناة.. لكن هذا الخطيب الكبير كان يرفع صوته مرة، ويخفضه أخرى.. ويقرأ الشعر بطريقة خاصة.. ويسرد القصص بطريقة مختلفة.. ويلهث بين ذلك كله كما تلهث الحيوانات التي ذكرتها الآية الكريمة.

وقد لاحظت أن الفريق الذي حضر معه كان يسجل كل ما يحصل مع الشيخ، فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها إلا أمرا واحدا لم أرهم يسجلونه، ولكني سجلته بدقة في ذاكرتي، وحزنت بسببه كثيرا.

بعد أن انتهى من خطبته اجتمع الناس حوله، وأولهم الأغنياء ورجال الأعمال، ثم راحوا يصطفون ليقدموا له الهدايا، ويأخذون صورا معه..

كانت الهدايا كثيرة جدا.. وغالية جدا.. وكان في إمكانها أن توفر للقرية الكثير من الحاجات التي تفتقر إليها..

ولكنه لجشعه لم يكتف بها، لقد طلب من أهل القرية البسطاء أن يجمعوا المال لقناته الفضائية، والتي تفتقر كل شهر إلى مبلغ كبير من المال لتسديد حقوق الموظفين، والأقمار الصناعية، وغيرها..

وبالفعل جمع أهل القرية وخاصة أغنياءهم له من المال ما أطاقوا.. واستمروا على ذلك فترة طويلة.. وقد توقف بسبب ذلك دعمهم للجمعية الخيرة الوحيدة في القرية.

لم يكن هذا هو المشكل الوحيد الذي تسبب فيه هذا اللاهث.. لقد حصل ما هو أخطر من ذلك.

في الجمعة التي تلت حضور اللاهث كان عدد الحضور لخطبة الإمام قليلا جدا.. وبدأ العدد يقل ويقل إلى أن لم يبق مع الإمام سوى بعض الشيوخ الكبار.

ثم أسس الشباب مع الأغنياء مسجدا آخر.. وأحضروا له داعية تتلمذ على القناة الفضائية التي يديرها اللاهث..

وبدأ الخراب يعم القرية.. وبدأ الطوفان يغزوا بيوتها.. فصار الناس مثل جمر الغضا ممتلئين حقدا بعضهم على بعض.. وأصبحت المنابر الطاهرة محلا للعواصف والزوابع والأعاصير، وافتقد الناس الهدوء والسلام والطمأنينة..

ثم ما هي إلا فترة قصيرة حتى أعلنت الحرب.. واحترقت القرية بأهلها وخطبائها ومساجدها..

أما اللاهث.. فلم يسمع بما جرى.. وإنما كان ينتقل من قرية إلى قرية، ومن بلد إلى بلد يأخذ الهدايا والتحف، ويخلف العواصف والأعاصير.


([1])    تفسير ابن كثير (3/ 507).

([2])    تفسير ابن كثير (3/ 507).

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *