التفعيل.. والتعطيل

التفعيل.. والتعطيل

لو قمنا بعملية حسابية بسيطة للآيات القرآنية التي يمكن تفعيلها في حياتنا – من وجهة النظر السلفية التراثية – فإننا سنجد ما لا يقل عن واحد في المائة من القرآن الكريم جميعا مما يمكن تطبيقه في الحياة.. وحتى هذا الواحد يمكن أن يكون مخصصا ومقيدا ومؤولا ومحدودا..

وحتى لا يعتبر قولنا هذا دعوى.. فإنا نذكر بأن نصف القرآن تقريبا من القصص.. وهذه لم يكتف السلفيون والتراثيون بتعطيها عن العمل في حياتنا فقط بحجة أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا، وإنما شوهت وغيرت وبدلت تبديلا عظيما..

وهكذا بالنسبة للآيات الكونية في القرآن الكريم.. والتي أسيء فهمها، وحرم التيار السلفي المتطرف من النظر إليها وفق معطيات العلم.. وجعل البحث فيها محصورا في تلك العقول الفارغة التي لا تزال تتناول معارفها من تراث بني أكثره على الخرافة.

أما آيات الأحكام.. والتي أنزلت لتنفذ في واقع الحياة.. فقد عرض لها ما عرض لغيرها من القول بالنسخ والتخصيص والتقييد.. ولذلك لا يحق لأحد من الناس أن يستفيد من الرؤى القرآنية في هذا الجانب، بل يحذر من التدبر من لا يميز الناسخ من المنسوخ، والعام من الخاص، والمطلق من المقيد.

وهكذا بالنسبة لآيات التسامح التي نسخت جميعا بآية السيف..

وهكذا بالنسبة لآية رعاية أموال اليتامى، وعدم أكلها، فقد نسخت بحديث التعصيب الذي يجيز لابن العم مهما بعد أن يتقاسم التركة مع البنات مهما قربن.. مع أن القرآن الكريم لم يقل ذلك.. والفطرة السليمة لا تقول ذلك.. والعدالة التي برمجها الله في عقول عباده لا تقول ذلك..

وهكذا لم يبق من القرآن الكريم مفعلا في حياتنا إلا ما يسمونه آية السيف.. ويؤكدون ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: كفى بالسيف شافيا.. ونصرت بالرعب..

ولو شئنا أن نأتي بالأمثلة المفصلة على هذا، فلن ننتهي..

فإذا حسبنا كل تلك الإلغاءات والتحديدات والتقييدات.. فإننا نجدها كل القرآن تقريبا.. ولذلك لا حرج علينا إذا قلنا بأننا نعطل القرآن، لأنه يستحيل أن يفعل القرآن من يعطل ولو آية واحدة من آياته.

وسأقص عليكم هنا قصة بسيطة ترمز إلى كلتا الرؤيتين:

الرؤية التي أتبناها بفضل الله، وأدعو إلى تبنيها، وهي التي أشار إليها قوله تعالى: { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ  } [هود: 1]

والرؤية التي نشرها الشيطان في هذه الأمة، والتي أشار إليها قوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ  } [فصلت: 26]، أي: تواصوا فيما بينهم ألا يطيعوا للقرآن، ولا ينقادوا لأوامره([1]).

وأشار إليها قوله تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الزخرف: 36، 37]

التفعيل:

في المدرسة الأولى، البسيطة المتواضعة صاحبة المرافق المحدودة، والتلاميذ القليلين.. وجدت شيخا يشبه شيخ الإشارة، وشيخ العبرة، وشيخ المحكم يخاطب تلاميذه بقوله: لقد طرحتم علي البارحة شبها يثيرها زعماء التعطيل.. وقد طلبت منكم أن تجمعوها.. وأن تجمعوا الآيات التي قاموا بتعطيلها، لأبين لكم وجوه تفعيلها.. فهل فعلتم؟

قال تلميذ من تلاميذه: أجل.. وقد وجدنا أنها تكاد تشمل القرآن جميعا.. فما من آية إلا نجدهم قد ربطوها بأهل الكتاب، أو بشرع من قبلنا، أو ربطوها بسبب نزول.. أو ذكروا أنها منسوخة.. أو أنها مخصصة.. أو أنها مقيدة.. أو أن القصد منها التشديد وليس الحقيقة.. وهكذا..

قال الشيخ: أعلم ذلك يا بني.. ولولا ذلك لأقمنا الكتاب كما أمر الله، ولما حصل في الأمة ما حصل، بل لأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا.. لقد قال الله تعالى يحذرنا من ذلك: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } [المائدة: 66]

ضحك أحد التلاميذ، وقال: هم يعطلون هذه الآية أيضا.. فقد ذكروا أنها في أهل الكتاب، وأنهم هم الذين فرطوا في التوراة والأنجيل.. أما نحن فعلى العكس منهم تماما.

قال الشيخ: فهل أكلت هذه الأمة من فوقها ومن تحت أرجلها.. أم أن المصائب والاستبداد والجوع والفقر والاستعمار كلها حلت بها في تاريخها كله؟

قال التلميذ: يمكننا أن نرجع إلى كتب التاريخ في هذا.. وقد أخبرتنا بأن المصائب لم تبرح تنزل بهذه الأمة.. وأولها البأس الشديد الذي حل بينها على مدار التاريخ جميعا.

قال الشيخ: فهل ترى أن الله سبحانه وتعالى الحكم العدل يجعل قانونا خاصا بمن فرط في كتابه، فيطبقه على قوم، ويعفو عن آخرين؟ أم ترى أن التوراة والإنجيل أكثر حرمة عند الله من القرآن الكريم، ولذلك يعاقب من فرط فيهما، ولا يعاقب من فرط فيه؟

قال التلميذ: هم يقولون بأن هذه الأمة مرحومة.. وأنها خير أمة أخرجت للناس.

قال الشيخ: أما كونها مرحومة.. فذلك راجع إلى أعمالها.. وأما كونها فضلت على سائر الأمم.. فالله تعالى أخبر بأنه فضل بني إسرائيل كذلك.. أي اختارهم دون الخلق لتحمل المسؤولية.. فمن وفى فله الجزاء، ومن فرط فله العقوبة..

لقد ذكر الله قانون ذلك، فقال: { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } [النساء: 123، 124]

قال تلميذ آخر: لقد ذكرتني يا شيخنا بتفسيرهم للسورة التي نرددها كل يوم.. والتي ورد فيها أصناف الناس.. فتراهم إذا قرأوا قوله تعالى { الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7] خصوها بأنفسهم.. وإذا قرأوا { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 7] قسموها شطرين، فشطر الغضب أرسلوه لليهود.. وشطر الضلال أرسلوه للنصاري..

قال تلميذ آخر: أجل سيدي.. وقد كنت أود أن أسألك عن هذا، فقد قرأت في تفسير ابن كثير قوله: (طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى، لأن من علم وترك استحق الغضب، بخلاف من لم يعلم.. والنصارى لما كانوا قاصدين شيئا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه، لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتباع الرسول الحق، ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب)([2])

قال الشيخ: هذا من تعطيل القرآن.. فالله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم أوصاف المغضوب عليهم.. وأوصاف الضالين.. فمن انطبقت عليه.. فهو منهم كان يهوديا أو نصرانيا أو مسلما.. فالله لا يفرق بين عباده.

قال التلميذ: ولكن ابن كثير استدل لذلك من القرآن الكريم، فالله تعالى قال عن اليهود: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } [المائدة: 60]

وقال عن النصارى: { قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } [المائدة: 77]

قال الشيخ: فهل ذكر الله تعالى الأعمال التي قام بها هؤلاء حتى استحقوا هذه الأوصاف؟

قال التلميذ: أجل.. والقرآن الكريم ممتلئ بذكر أفعالهم..

قال الشيخ: هو لم يذكرها لأجلهم.. إنما ذكرها لأجلكم.. هو يحذركم إن سلكتم سلوكهم في انحرافهم عن كتابهم وأنبيائهم أن ينزل بكم غضب الله، وتضلوا عن الطريق المستقيم.

قال تلميذ آخر: ائذن لي يا شيخ أن أحدثك بآية كنت سمعت تفسيرها البارحة في مدرسة التعطيل، وقد سمعتهم يعتبرونها معفاة من العمل.. وأنه ليس علينا سوى قراءتها، والاستفادة من الحسنات التي ننالها من خلال ذلك.. وقد حاولت جهدي أن أفك تعطليها، وأرى كيف تفعل حياتنا، فلم أطق.

قال الشيخ: تفضل.. اذكرها.. فيستحيل على الكتاب الذي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } [فصلت: 42] أن يعطل حرف من حروفه.

قال التلميذ: هي قوله تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا  } [النساء: 15]، فقد نقلوا اتفاق المفسرين على أنها معطلة عن العمل ([3]).

قال الشيخ: ما دامت معطلة.. فكيف أمرنا بإقامة القرآن الكريم جميعا.. لقد قال الله تعالى: {  اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 106]، ولم يقل اتبع بعض ما يوحى إليك من ربك.

قال التلميذ: فكيف ترى تفعيل الآية الكريمة في واقعنا؟

قال الشيخ: أخبرني أولا.. كيف يعطلونها؟

قال التلميذ: هم لا يقولون بنسخها، ولكنهم يذكرون أنها مرحلة من المراحل التي مرت بها الحدود المرتبطة بالزنا.. وقد قال السعدي في تفسيرها: ( وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن)([4])

قال الشيخ: كل ذلك سواء.. التعطيل لا يكون بالقول بالنسخ فقط.. مجرد إخراج الآية الكريمة عن دورها العملي في واقع الحياة تعطيل.

قال التلميذ: فكيف ترى تفعيلها؟

قال الشيخ: هذه الآيات مع مجموعة أخرى تحل مشكلة الفواحش في المجتمع.. ولو أنها فعلت جميعا وفق ما ذكر القرآن الكريم لزالت الفاحشة، أو كادت.

لقد قمت بإحصائها، ووجدت من خلالها ذلك الانتظام العجيب في المعالجة القرآنية لهذه المشكلة الخطيرة([5]).. وقد وجدت بعد الإحصاء تسع آيات كريمة.

قال التلميذ: فما الآية الأولى؟ وماذا تعالج؟

قال الشيخ: الآية الأولى هي قوله تعالى: { لزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2]

وهي تضع الحد الشرعي للزانية والزاني اذا ضبطا في حالة تلبس، فالعقوبة مائة جلدة أمام الناس.. حتى يرتدع الناس جميعا.

قال التلميذ: ولكن لماذا كان ذلك أمام الناس؟

قال الشيخ: لأن هؤلاء لم يتستروا.. بل راحوا يقومون بالفاحشة أمام الناس.. لدرجة أنه لم يرهم شخص واحد أو شخصين، بل أربعة أشخاص وكلهم بالغون وعدول وأصحاب حرمة في المجتمع.. فتمكن هؤلاء الأربع مع عدالتهم من رؤيتهم يدل على أن هناك كثيرين قد رأوهم.. ولهذا كانت العقوبة أمام الناس جميعا لترتبط صورة العقوبة أمام صورة الذنب، فيرتدع المجتمع.

قال التلميذ: فما الآية الثانية؟ وماذا تعالج؟

قال الشيخ: هي نفسها الآية التي سألت عنها، وهي قوله تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا  } [النساء: 15]

وهي تتحدث عن امرأة يشاع بأنها سيئة السلوك، وتتكاثر الشواهد علي سوء سمعتها في مجتمعها.. وفي هذه الحالة لابد من عقاب مناسب لها بعد الاشهاد عليها بأربعة شهود بأنها من اللاتي يأتين الفاحشة بدون أن يتم ضبطها.. وهنا تعاقب بالحبس في البيت، ومنعها من الخروج إلى أن تموت أو تتزوج أوتتوب..

انظروا كيف تأمر الآية الكريمة بالاستشهاد في مثل هذه الحالة حتى يخلص المجتمع من كل أسباب الفواحش..

قال التلميذ: ولكن لم عوقبت المرأة، ولم يعاقب الرجل سيء السمعة؟

قال الشيخ: معاذ الله أن يفرق الله العدل الرحيم بين عباده، فيعاقب المرأة ولا يعاقب الرجل.. لقد نص الله تعالى على عقوبة الرجل، فقال: { وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا } [النساء: 16]، والآذية تشمل كل عقوبة يمكنها أن تردع الرجل عن ارتكاب الفواحش.

قال التليمذ: فلم حبست النساء في البيوت، ولم يحبس الرجال؟

قال الشيخ: أنتم تعلمون أنه لولا كون النساء سبب الإثارة والفتنة لما تجرأ الرجال على الفاحشة.. فالعفيفة الطاهرة يستحيل أن يأتيها رجل برضاها.. فإن فعل فقد شرع الله له أخطر عقوبة، وهي عقوبة المحاربة كما سنرى.

قال التلميذ: فما الآية الثالثة؟

قال الشيخ: قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [النساء: 25]

وفيها يخاطب الله تعالى المؤمنين الفقراء الذين لايستطيعون زواج الحرائر لغلاء مهورهم وغيره من الأسباب أن يتزوجوا من الفتيات المؤمنات من ماملكت الايمان، فهذه المؤمنة الجارية إذا تزوجت، فوقعت في جريمة الزنا تكون عقوبتها خمسون جلدة أي نصف ما على المتزوجات الحرائر من العذاب اذا وقعن في الزنا.

قال التلميذ: لقد ظللت دهرا محتارا في هذه الآية.. فكيف تكون عقوبتها نصف الثيب مع أن عقوبتها الرجم.. فهل يعقل أن يوجد نصف رجم؟.. واذا كانت المرأة الحرة المحصنة تموت بحد الرجم، فهل يوجد نصف موت؟

ابتسم الشيخ، وقال: ها أنت يا بني تفعل هذه الآية.. وتنفي تعطيلها؟

قال التلميذ: لم أفهم..

قال الشيخ: هذه الآية الكريمة أكبر رد على من وضعوا حد الرجم الذي هو تعطيل لعموم عقوبة الزناة الواردة في أول سورة النور.. وكأن الله تعالى نبه عقولنا من خلاله إلى أن هذا الحد مناف لتشريعه.

قال التلميذ: ولكنهم رووا أنه قد نزل في ذلك قرآن.. وقد رفع.. أو أكلته الداجن..

قال الشيخ: فهلا قرأت لي الآية التي زعموا رفعها.. وهل تتناسب مع الإعجاز القرآني الذي ورد التحدي به.. وهل رويت متواترة؟

قال التلميذ: معاذ الله.. فالقرآن أعظم بكثير..

قال الشيخ: لن أعيد لكم ما ذكرته سابقا.. فالله تعالى أخبرنا أنه لا مبدل لكلماته، فقال: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  } [الأنعام: 115]، وقال: { وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } [الكهف: 27]

وأخبرنا أنه { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42]

وأخبرنا أنه لا يحوي على أي عوج، فقال: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الزمر: 27، 28]

قال التلميذ: ولكن ماذا تفعل بحديث ماعز والغامدية؟

قال الشيخ: هذه الأحاديث نفسها تدل على التناقض الذي يقع فيه القائلون بالرجم.

قال التلميذ: كيف ذلك؟

قال الشيخ: ألا ترون أنهم يستدلون بحديث المخزومية التي سرقت، وطلبت قريش ألا يقام عليها الحد، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فخطب فقال: (يا أيها الناس إنما ضَلَّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)([6]

قال التلميذ: بلى.. ولكن ما وجه الاستدلال بهذا؟

قال الشيخ: فقد ذكروا في حديث الغامدية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يردها على حين.. ولم يكن حريصا على حضورها ليقيم الحد عليها.. ولو أنها لم تحضر لما طلبها.. أفتراه يتشدد في حدود الله مع المخزومية ويتساهل مع الغامدية.

قال التلميذ: ولكنهم رووا في ذلك أحاديث أخرى..

قال الشيخ: لقد أثبت لكم بالأدلة الكثيرة أن كل حديث يخالف القرآن الكريم لا عبرة به([7]).. وقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك.. ولكن المعطلين يأبون إلا أن يضربوا  القرآن بالحديث.. ويضربوا الحديث بالقياس وآراء الرجال.. حتى لا يخلص لنا من الدين إلا أقوالهم المخلوطة بأهوائهم.

قال التلميذ: فما هي الآية التي تتعارض مع تلك الأحاديث؟

قال الشيخ: هي الآية الأولى التي بدأنها بها.. وهي قوله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [النور: 2] ألا ترى أن الله سبحانه عم بها كل زان، ولم يستثن من هذا الحكم البكر أو الثيب، ولو كان مستثنى لذكره.. فالقرآن الكريم يذكر التفاصيل في أقل من هذ الحد.. فكيف لا يذكرها في هذا، والعقوبة فيه أشد؟

قال التلميذ: ألا تذكر لنا مثالا على ذلك؟

قال الشيخ: الأمثلة أكثر من أن تعد أو تحصى.. فالقرآن يوضح الأمور ويفصلها حتى لا يقع الالتباس.. لقد قال الله تعالى يذكر ذلك: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود: 1]

سكت قليلا يفكر، ثم قال: من الأمثلة على ذلك قوله تعالى: { وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ  } [النساء: 23] انظروا كيف فصل الآية ووضحها حتى لا يقع الالتباس.

وهكذا في آيات كثيرة.. فلو أن عقاب البكر كان مختلفا عن عقاب الثيب، لوضحه ولنفى الغموض فيه.

قال التلميذ: فحدثنا عن الآية الرابعة.. وما المشكلة التي تعالجها؟

قال الشيخ: هي قوله تعالى في حق المطلقات: { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [الطلاق: 1]، فالآية الكريمة تنص على أن من حق المطلقة في فترة العدة أن تظل في بيت الزوجية، ولكنها تفقد هذا الحق اذا وقعت في الزنا، وحينئذ يكون من حق زوجها أن يطردها، ولكن بشرط ان تكون جريمة الزنا مثبتة حتى لا يتاح لزوجها أن يتجنى عليها بالباطل.

صاح بعض التلاميذ: الحمد لله.. لقد فتح الله علي في هذه الآية ما يؤكد قولك في حكم الرجم.

قال الشيخ: ما شاء الله.. هات.. اذكر لنا ما فتح الله عليك به.

قال التلميذ: لقد وصف الله تعالى الفاحشة في الآية الكريمة بكونها (فاحشة مبينة) أي مثبتة، ضمانا لعدم الافتراء بلا دليل.. ومع ذلك لم ينص على الرجم.. بل اعتبر عقوبتها الطرد بالإضافة إلى العقوبة الأساسية المحكمة، وهي مائة جلدة.

قال الشيخ: بورك فيك يا بني.. وهي تشير إلى ذلك كما ذكرت.

قال التلميذ: فحدثنا عن الآية الخامسة.. وما المشكلة التي تعالجها؟

قال الشيخ: هي قوله تعالى في ذكر عقوبة المطلقة إذا وقعت في الزنا بعد اتمام الطلاق: { وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ  } [النساء: 19]، وهي تعطي الحق للزوج أن يمنع من طلقها عن الزواج إلا أن تدفع له بعض ما أعطاه لها من الصداق بشرط أن تكون جريمة الزنا في حقها مثبتة بالدليل.

قال التلميذ: فحدثنا عن الآية السادسة.. وما المشكلة التي تعالجها؟

قال الشيخ: هي قوله تعالى: {  الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ  } [النور: 3]، وهي تشير إلى عقوبة اجتماعية أخرى تساهم في الردع عن الزنا.. فالمرأة الزانية أي التي لا تتوب عن الزنا لا يتزوجها المؤمن.. ومثلها الزاني يمنع من الزواج من المؤمنة.

قال التلميذ: فحدثنا عن الآية السابعة.. وما المشكلة التي تعالجها؟

قال الشيخ: هي الآيات الكريمة التي وردت في حق الزوج إذا شهد على زوجته بالفاحشة، ولم يكن معه شهود آخرون، وقد ذكر الله تعالى التفاصيل الكثيرة المرتبطة بها في أربع آيات كريمة، وهي قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [النور: 6 – 9]

انظروا كيف ذكر الله كل هذه التفاصيل.. حتى صيغة الشهادة ذكرها.. فكيف ترون عدم ذكره للرجم، وهو أخطر منها جميعا؟

صاح تلميذ آخر: في هذه الآية أيضا سيدي ما يدل على عدم وجود حد الرجم.

قال الشيخ: فهاته.

قال التلميذ: لقد وصف الله تعالى عقوبة الزنا المرتبطة بهذه الحالة بأنها عذاب جسدي، فقال: { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ } [النور: 8]، ولم يقل: (ويدرأ عنها الرجم).. والعذاب الذي ذكره هو نفسه الذي نص عليه في أول السورة.. هو مائة جلدة.

قال التلميذ: فحدثنا عن الآية الثامنة.. وما المشكلة التي تعالجها؟

قال الشيخ: هي الآيات الكريمة التي تهدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه في حال وقوع الفاحشة منهن فإن العقوبة في حقهن مضاعفة.. أي تكون العقوبة مائتي جلدة في تلك الجريمة، أي ضعف ما على النساء الحرائر، وفي المقابل فلهن في عمل الصالحات ضعف ما علي المحسنات، قال تعالى: {  يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا  } [الأحزاب: 30]

وهنا ترون أيضا أن العقوبة لا يمكن أبدا أن تكون رجما، لأنه إذا كانت عقوبة المتزوجات العاديات اللاتي ارتكبن الفاحشة الرجم حتى الموت، فكيف يضاعف ذلك؟

قال التلميذ: فحدثنا عن الآية التاسعة.. وما المشكلة التي تعالجها؟

قال الشيخ: هي الآية الكريمة التي نصت على حكم الحرابة والإفساد في الأرض، وهي قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 33]، وهي تنطبق على كل إفساد في الأرض، أو محاربة لله القيم التي نطق بها القرآن الكريم، وبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..

ومن أرذل أنواع الإفساد الاغتصاب، والإكراه على الفاحشة، وعقوبة هؤلاء هي أشد عقوبة أنزلها الله تعالى، وذكرها في كتابه.

بعد أن انتهى الشيخ من استعراض الآيات المرتبطة بالفاحشة، وكيفية علاجها لكل الحالات.. أذن لهم في قليل من الراحة..

ثم اجتمعوا من جديد، وأذن لهم في السؤال.. فقال أحدهم: ائذن لنا يا شيخنا أن أسألك عن آية قد رأيت أهل التعطيل يحرفونها تحريفا شديدا.. نعم هم يقيمون ألفاظها غضة طريقة.. ولكن معناها غيروه تماما..

قال الشيخ: فاقرأها علي.

قال التلميذ: هي قوله تعالى: {  لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8]

قال الشيخ: فكيف عطلوها؟

قال التلميذ: لقد ذكروا في تعطيلها أقوالا كثيرة، فمنهم من ذهب إلى أن هذا كان في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ.. ومنهم من ذهب إلى أنها مخصوصة في حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بينه وبينه عهد لم ينقضه.. ومنهم من ذهب إلى أنها خاصة بخزاعة وبني الحارث بن عبد مناف.. ومنهم من ذهب إلى أنها مخصوصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا.. ومنهم من ذهب إلى أنها خاصة بالنساء والصبيان؛ لأنهم ممن لا يقاتل، فأذن الله في برهم.

قال تلميذ آخر: وحتى الذين لم يقوموا بتعطيلها مطلقا عطلوها في مواضع كثيرة.. وقد حضرت البارحة مجلسا لأهل التعطيل ذكروا الآية، ثم قيدها بقيود كثيرة انحرفت بمعناها تماما.. ومن ذلك ما حدثوا به عن شيخ يقال له محمد بن صالح بن عثيمين، قال: لا يجوز أن يبدأ أهل الكتاب بالسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالا للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله عز وجل؛ فلا ينبغي أن يذل المسلم نفسه في هذا..

وحدثوا عن آخر دعوته إلى اضطرار المخالفين إلى أضيق الطريق وجوانبها بحيث لا يمشون وسط الطريق، وذلك لإهانتهم وإظهار فضل المسلم وتقديمه على غيره..

وهكذا ظلوا يتحدثون إلى أن انقلب في ذهني مفهوم الآيات تماما، فصارت وكأنها تأمرنا بالتماس كل السبل التي تؤذي المجاورين لنا من غير أهل ديننا.

قال الشيخ: الآية لا تحتاج إلى أي شرح أو تفصيل أو مزاحمة.. هي واضحة تماما.. وقراءتها حكمها، وحكمها قراءتها.

قال التلميذ: ولكن أهل التعطيل يقدمون غيرها عليها، فيعتبرونها متشابها، ويعتبرون المحكم هو قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ } [الممتحنة: 1]

قال الشيخ: ولم بتروا الآية، ولم يكملوها.. ألم يصف الله تعالى هؤلاء الذين يحرم علينا مودتهم بقوله بعدها: { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ  } [الممتحنة: 1].. فالذين تحرم مودتهم هم المعتدون فقط.. وهو ما نص عليه قوله تعالى: {  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الممتحنة: 9]

قال ذلك، ثم أخذ يرد بتفاصيل كثيرة دقيقة على التعطيل العظيم الذي ارتكتبه الأمة في تاريخها وتراثها حول السماحة الإسلامية، والرحمة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. والتي حولت الإسلام إلى دين عنف وإرهاب همه التوسع العسكري، والسيطرة على الآخر، لا نشر الدين والقيم بالعقل والمنطق والحجة.

التعطيل:

بعد أن خرجت من مدرسة التفعيل المتواضعة، وعرفت فيها بالأدلة الكثيرة أنه لا يوجد حرف في القرآن الكريم إلا وله دلالته العظيمة التي تمس جميع جوانب الحياة.. ذهبت إلى المدرسة الثانية، والتي سمعتهم يتحدثون عنها كثيرا، ويصفونها بكونها مدرسة التعطيل..

وقد كنت أتصور أنها مدرسة صغيرة حقيرة لا يرتادها إلا العوام والجهلة.. لكني فوجئت بكبرها وضخامتها وكثرة طلابها وكثرة أساتذتها وشهرتهم..

حين رأيتها عرفت سر قوله تعالى: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ  } [سبأ: 13]، فقد أخبر الله عن قلة الشاكرين الذين يفعلون نعم الله عليهم، ويستخدمونها استخداما صحيحا.. وأكبر نعم الله على عباده هي كلماته الهادية، فلا تفعل أي نعمة من دون الاهتداء بهديها.

كانت المجالس في المدرسة كثيرة.. وأمام كل حلقة تلاميذ كثيرون.. ولذلك لم أجد بدا من أن أجلس في أقربها إلي..

كان أمام الشيخ كتبا كثيرة، وكان كلما سئل عن سؤال أخذ واحدا من تلك الكتب، وراح يشرح من خلاله.

قال الشيخ: أظن أني قد أجبتكم على هذه الآية.. وذكرت لكم قول المفسرين من السلف الصالح فيها.. وهي كافية لردع أولئك المبتدعة من أهل التفعيل والتزوير والتحوير.. الذين أرادوا أن يخضعوا القرآن لأهوائهم ناسين أنه لا يفهم القرآن إلا المفسرون الفطاحل من أهل التحقيق والتدقيق والتوثيق.

قال تلميذ من التلاميذ: فحدثنا عن قوله تعالى: { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير } [سورة البقرة:109]

قال الشيخ: هذه الآية منسوخة.. وقد قال النيسابوري: (نسخ ما فيها من عفو وصفح بقوله تعالى: { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ  } [سورة التوبة:29]؟

ثم صوب النظر إلي بشدة، وقال: لقد أمر المسلمون بهذا في بداية الإسلام عندما كانوا مستضعفين.. أما عندما قووا فلم يبق هناك مجال للعفو أو الصفح.

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُون } [سورة البقرة:139]؟

قال الشيخ: هذه الآية أيضا منسوخة، نسختها آية السيف([8]).. فما حاجة المسلمين إلى محاجة خصومهم ومجادلتهم وحوارهم بعد أن أن أمدهم الله بقوة السيف؟ فكفى بالسيف شافيا، وكفى بالسيف محاورا.

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ وقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين } [سورة البقرة:190]؟

قال الشيخ: هي مثل أخواتها منسوخة آية السيف([9])، وقد قال  النيسابوري فيها:  (قوله { ولا تعتدوا }، هذا كان في الابتداء، عندما كان الإسلام ضعيفا)

  قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ  } [سورة البقرة:256]؟

قال الشيخ: مثل سابقاتها.. نسختها آية السيف([10])..

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ فإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد } [سورة آل عمران:20].

قال الشيخ: هذه الآية مثل سابقاتها منسوخة آية السيف([11]).. فلا منطق أفضل من السيف.

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ أولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا } [سورة النساء:63]؟

قال الشيخ: لقد ذكر علماؤنا أن هذا (كان في بدء الإسلام، ثم صار الوعظ والإعراض منسوخاً بآية السيف)([12])

  قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{  فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين } [سورة المائدة:13]؟

قال الشيخ: لقد ذكر علماؤنا أنها (نزلت في اليهود، ثم نسخ العفو والصفح بآية السيف)([13])

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُون } [سورة المائدة:99]؟

قال الشيخ: هي مثل سابقاتها منسوخة آية السيف([14]).

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى في شأن رقة النصارى مقارنة باليهود: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون } [سورة المائدة:82]؟

اعتدل الشيخ في جلسته مسرورا، وقال: هذا ليس عاما بكل النصارى، بل خاص بالنجاشي ووفده الذين أسلموا لما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم اثنان وثلاثون أو أربعون أو سبعون أو ثمانون رجلا، وليس المراد كل النصارى لأنهم في عداوتهم كاليهود([15]).

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم } [سورة الأنفال:61]

قال الشيخ: هي منسوخة بآية السيف ([16]).. فما حاجة المسلمين للسلام، وقد أعطاهم الله القوة التي يقهرون بها أعداءهم.

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين } [سورة النحل:125]؟

قال الشيخ: لاشك أنها منسوخة نسختها آية السيف([17]).. فما حاجة المسلمين للحكمة والموعظة وقد من الله عليهم بنعمة القوة والعزة والتسلط.

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُون } [سورة المؤمنون:96].

قال الشيخ: نسختها آية السيف([18]).. وذلك واضح لكل عاقل.. فمن أعطاه الله القوة التي يقهر بها أعداءه لا يحتاج إلى أن يدفع بالتي هي أحسن. 

  قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيل } [سورة يونس:108].

قال الشيخ: نسخ معناها لا لفظها بآية السيف([19]).

  قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِين } [سورة القصص:55].

قال الشيخ: هي الأخرى نسخت بآية السيف([20]).. وهو واضح لمن تأمله.. أليس الإعراض نوعا من الضعف.. والمسلم قوي عزيز لا يحتاج أن يذل نفسه.

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } [سورة الأحزاب:45]؟

قال الشيخ: لا أحتاج أن أقول شيئا.. فهي مثل سابقاتها منسوخة بآية السيف([21]).. وهي واضحة لا تحتاج إلى شرح يبين نسخها.

قال تلميذ آخر: فما تقول في قوله تعالى:{ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم } [سورة فصلت:34]؟

قال الشيخ: هي منسوخة بآية السيف([22]).

قال تلميذ آخر:فما تقول في قوله تعالى:{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير } [سورة الشورى:15].

قال الشيخ: هي منسوخة بآية السيف ([23]).

بعد أن بقي مدة يجيب كل سائل يسأله بهذه الكلمات وأمثالها، سأله بعض التلاميذ قائلا: إنا نرى – يا شيخنا – لآية السيف شأنا.

قال الشيخ: أجل.. وقد قال الحسن بن فضل في فضلها: (نسخت هذه الآية كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء..)، وقال ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ: (في القرآن مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة نسخت الكل بقوله: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.. )([24])

بعد أن انتهى الشيخ من حديثه، وبعد أن ألغى في وقت قصير كل ما دعا إليه القرآن الكريم من سماحة وسلام ولطف وأدب.. خرجت من المدرسة وأنا ممتلئ ألما..

وأمام بابها وجدت تلميذين يختصمان، وحولهما جمع من التلاميذ، فتقربت منهما أبغي الإصلاح بينهما..

قلت لأشدهما، وقد رأيته آخذا بتلابيب صاحبه: دعه، فأنت تراه هزيلا ضعيفا لا يستطيع أن يقاومك.

قال لي: ما دام كذلك.. فكيف يتجرأ علي، ويتحدث أمامي بما يسوؤني.

قلت: لا بأس.. اعف عنه.. لقد أمرنا الله تعالى بذلك، فقال: { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر: 85]

ترك تلابيب صاحبه، ومد يده إلى تلابيبي، وهو يقول: ويلك.. أتعمد إلى آية منسوخة تريد أن تجادلني بها.. اذهب وإلا طبقت عليك آية السيف.

ثم أطلق يدي، فأهرعت مسرعا إلى بيتي، وأنا ألتفت خلفي كل حين خشية أن يلحق بي بسيفه.

هذه قصتي مع المدرستين.. ولكم أن تختاروا بينهما.


([1])    تفسير ابن كثير (7/ 174)

([2])    تفسير ابن كثير (ج1/ 141).

([3])    نقل ابن كثير القول بنسخها عن ابن عباس وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك، ثم علق على ذلك بقوله: (منسوخة. وهو أمر متفق عليه)، انظر: تفسير ابن كثير (2/ 233)، لكن أبي مسلم الأصفهاني – وهو من القائلين بعدم النسخ – خالف ذلك، فذكر أن المراد بقوله: واللاتي يأتين الفاحشة السحاقات، وحدهن الحبس إلى الموت وبقوله: والذان يأتيانها منكم: أهل اللواط، وحدهما الأذى بالقول والفعل، واحتج لذلك – كما يذكر الرازي – بوجوه، منها:

الأول: أن قوله: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم مخصوص بالنسوان، وقوله: والذان يأتيانها منكم مخصوص بالرجال، لأن قوله: والذان تثنية الذكور.

الثاني: هو أن على هذا التقدير لا يحتاج إلى التزام النسخ في شيء من الآيات، بل يكون حكم كل واحدة منها باقيا مقررا، وعلى التقدير الذي ذكرتم يحتاج إلى التزام النسخ، فكان هذا القول أولى.   (انظر: تفسير الرازي = مفاتيح الغيب (9/ 528)

([4])    تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 171).

([5])    رجعت في تفسير هذه الآية بحسب هذه الرؤية إلى مقال علمي ممتاز بعنوان:. رجـــم الــزانـــي المحصن ليس من القرآن، موقع أهل القرآن، على الرابط التالي:

(http://www.ahl-alquran.com/arabic/document.php?main_id=1178)

([6])    رواه البخاري ومسلم.

([7])    ذكرنا الأدلة المفصلة على هذا في كتاب (سنة بلا مذاهب)

([8])    الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص44-45.

([9])    الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 65-66.

([10])  الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 96 -97..

([11])  الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 102 -103.

([12])    الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص 135.

([13])    الناسخ والمنسوخ للنيسابوري، ص 150.

([14])    الناسخ والمنسوخ للنيسابوري، ص 152..

([15])    قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن (ص: 100).

([16])    قلائد المرجان، ص 176-177.

([17])    قلائد المرجان، ص 210..

([18])    قلائد المرجان، ص 235..

([19])    قلائد المرجان، ص 252..

([20])    المصدر السابق ص 253.

([21])    المصدر السابق ص 258.

([22])    المصدر السابق ص 268.

([23])    المصدر السابق ص 270.

([24])    الناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص: 12)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *