البوطي.. والحكم العطائية

صاح جميع المسافرين بالموافقة، وبقبول ما عرضه عليهم.. فأخذ الرجل شريطا من حقيبته، وقال: هذا شريط لعالم جليل من علماء الإسلام المعاصرين.. وقد استشهد رحمه الله.. وكان مثالا للصدق والورع والشجاعة.. وهو يشرح فيه الحكم التي ذاع صيتها في الآفاق.. حكم ابن عطاء الله السكندري.
صاح ربيع في السائق بقوة: ما الذي تريد أن تفعله بنا يا رجل.. أتريد أن تحولنا إلى زنادقة وملحدين.. ما هذه الجريمة التي تريد أن تقترفها؟
قال السائق المسكين بكل أدب: اعذرني يا بني.. فلم أكن أدري أن هذه الحكم تحوي زندقة أو إلحادا.. لقد سمعت آبائي وأجدادي يثنون عليها.. وكانوا يوجهوني كل حين من خلالها.. حتى أني أكاد أحفظها جميعا.
قال ربيع: آباؤك وأجدادك ليسوا مقاييس للحقيقة.. أتريد أن تردد ما ردد أهل الجاهلية: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22]
قال السائق: لا بأس يا بني.. لكني أود أن أوضح لك بأنني بحمد الله لم أكتف بما رباني عليه والداي.. بل رحت أبحث وأسمع لأهل العلم ولم أجد منهم بحمد الله من يقول ما تقول.. وهذا الشريط الذي أريد أن أسمعكم إياه دليل على هذا.. فحتى لو كان ابن عطاء الله زنديقا فإنك تتفق معي على أن الشارح ليس كذلك.
قال ربيع: ما دام الرجل زنديقا، فكل من يشرح كلامه زنديق مثله.
قال السائق: أنت لا تعلم صاحب الشرح، ولهذا تردد ما تردد.. إنه علم من أعلام الإسلام الكبار في هذا العصر.. وقد تصدى بكل قوة لمؤامرة استهدفت بلده، ودفع دمه ثمنا لذلك.. وقد تشرفت بلقائه، فرأيته ممتلئا صدقا وإخلاصا.
قال ربيع: لا أظنك تريد إلا ذلك الضال المضل رأس الفتنة (محمد سعيد رمضان البوطي)
قال السائق: أجل.. وهو عالم جليل..
قاطعه ربيع، وقال: بل هو ضال مضل، ألم تسمع ما قال فيه السديس مقرئ الحرم وعالمه.. ذلك الفحل الذي لا نظير له في العلوم والقراءة.. لقد أصدر بيانا حول مقتله اعتبر فيه الفرح بموته من الفطرة، وقال في بيانه: (إن البوطي كان من رؤوس أهل البدع والضلال، وممن يزين للناس البدع ويغريهم بها، ويحذرهم من حق أهل السنة ويقبحه لهم، وقد ضل بسببه أمم لا يعلمهم إلا الله)([1])
قال السائق: مع احترامي لك وللسديس ولكل العلماء.. لكني لا أرى من الأدب أن نفرح لموت مسلم.. بل لموت إنسان.. لا يفرح لموت الناس إلا من امتلأ حقدا.
استشاط ربيع غضبا، وقال: تأدب يا رجل.. أراك ترمي السديس بالحقد.. ألا تخاف الله؟.. ألا تعلم أن لحوم العلماء مسمومة؟
قال السائق بكل أدب: أعتذر يا بني.. فلم أكن أقصد الشخص، وإنما قصدت المقالة التي قالها.. فإني أراه مخطئا فيها..
قال ربيع: ويلك.. ما أجرأك على العلماء مع أنك لست سوى نكرة.. ألا تعلم ما قاله سلفنا الصالح في الموت بفرح المبتدعة ورؤوس الضلالة؟
ألا تعلم أنه لما جاء خبر موت المريسي الضال، وكان بعض سلفنا الصالح في السوق فقال: (لولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد لله الذي أماته)([2])
وقيل لبعض سلفنا: الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟ قال: (ومن لا يفرح بهذا؟!)([3])
وقال سلمة بن شبيب: كنت عند عبد الرزاق -يعني الصنعاني-، فجاءنا موت عبد المجيد – وهو ابن عبدالعزيز بن أبي رواد، وكان رأساً في الإرجاء – فقال: (الحمد لله الذي أراح أُمة محمد من عبد المجيد)([4])
ولما جاء نعي وهب القرشي -وكان ضالاً مضلاً- لعبد الرحمن بن مهدي قال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه([5]).
وقال الحافظ ابن كثير عن أحد رؤوس أهل البدع: (أراح الله المسلمين منه في هذه السنة في ذي الحجة منها، ودفن بداره، ثم نقل إلى مقابر قريش فلله الحمد والمنة، وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً، وأظهروا الشكر لله، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله)([6])
قال السائق: أنا لم أتشرف بقراءة ما ذكرت من أقوال، لأني كنت مكتفيا بما سمعت من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورد فيها النهي عن التعرض للموتى، ففي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم)([7])، في حديث آخر: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)([8])، في حديث آخر: (لا تذكروا موتاكم إلا بخير، إن يكونوا من أهل الجنة تأثموا، وإن يكونوا من أهل النار فحسبهم ما هم فيه)([9])، في حديث آخر: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير)([10])
انتفض ربيع غضبا، وقال: ويلك.. أترد على ابن كثير والصنعاني ووهب وخيار السلف؟.. من أنت؟.. ألا تعرف أن ابن كثير حافظ من حفاظ الحديث؟.. إنه يحفظ الأحاديث بطرقها وأسانيدها وكل شيء يرتبط بها.. أتحسب أيها النكرة أن مثل هذه الأحاديث غابت عنه حتى تذكره بها؟
قال السائق: أنا لم أخاطب ابن كثير بهذه الأحاديث إنما خاطبتك أنت.. وذكرت لك أن ما ذكره ابن كثير يخالف ما ورد في الأحاديث.
قال الربيع:
ويلك.. ألا تزال مصرا على معارضة العلماء؟.. ألا تعلم أن لحومهم مسمومة؟.. ألا
تعلم أن وقائع الله بمنتقصيهم معلومة محتومة؟
([1]) انظر: مقالا بعنوان: السديس: البوطي من أئمة البدع والضلال.. وبموته يخف الشر، موقع مفكرة الإسلام، السبت 23 مارس 2013 – 08:38 م بتوقيت مكة، على الرابط (http://islammemo.cc/akhbar/arab/2013/03/23/168077.html)
([2]) لسان الميزان: 2/308.
([3]) السنة للخلال: 5/121.
([4]) سير أعلام النبلاء: 9/435.
([5]) لسان الميزان لابن حجر: 8/402.
([6]) البداية والنهاية 12/338
([7]) رواه أبو داود والترمذي وابن أبي الدنيا.
([8]) رواه أحمد والبخاري والنسائي.
([9]) رواه ابن أبي الدنيا في (الموت)
([10]) رواه النسائي.