رابعا ـ مناسج الشفاء

رابعا ـ مناسج الشفاء

خرجت من مصانع الشفاء، وقد امتلأت بهمة عجيبة، وازدحمت على ذهني خواطر كثيرة متعاقبة هذه صورتها كما أتذكرها:

لم لا تذهب أيها التلميذ البسيط مذاهب هؤلاء الحكماء، فتقي الخلق من السموم التي ينشرها اللصوص المتلبسون بلباس الكيمياء، المتعطرون بروائح الصناعة المنتنة!؟

بل.. لم لا تبحث عن حكماء آخرين.. السبعين.. أو السبعمائة.. ثم تمزج من كل ما يملأونك به من الحكمة حكمة جامعة تلتقي فيها الأنهار، وتزدحم فيها البحار!؟  

بل.. لم لا تصير أنت حكيما من الحكماء.. فتخترع من صنوف العلاج ما يمحو كل علاج، ويحقق كل شفاء..!؟

ولكن ماذا أصنع..؟

هل أصنع كبسولة إذا شربت زالت الأدواء..؟

لا.. الكبسولة لا تختلف عن سموم الكيمياء..

فماذا أصنع!؟..

ما رأيك في آلة يدخلها المريض مريضا، ثم يخرج منها كيوم ولدته أمه.

ولكن الآلة لا ينتفع بها إلا الخواص من الناس.. وأنت تريد أن تنشر الشفاء، فلا ترى فيها مريضا، ولا تسمع فيها أنينا.

لم لا تصنع لباسا من لبسه وقتا محددا نزلت في جسمه العافية، وهربت من جسمه الأدواء..!؟

نعم.. هذه فكرة صالحة.. الثياب شيء سهل يمكن تعميمه..

لكن من أي مادة تصنع.. وبأي مواد تعبأ.. وأي لون تتخذ.. وأي شكل يكون شكلها.. وفي أي المصانع تكون صناعتها.. وماذا أسميها!؟

ربت على كتفي صاحبي، وقال:لقد وصلت إلى مناسج الشفاء.

قلت: عجبا.. هذا اسم لائق بها.. كيف عرفته؟

قال: أي اسم تقصد؟

قلت: مناسج الشفاء.. اسم جميل جدا.

قال: هي ليست اسما.. بل هي مسمى..

قلت: أعلم.. هو اسم يمتلئ به خاطري.. وسيخرج من أرض الخاطر إلى أرض قومي لينشر العافية.

قال: ما بك يا رجل.. وما الذي تتحدث عنه؟

قلت: أتحدث عن مناسج الشفاء.

قال: هي أمامك.. فكيف تزعم أنها في خاطرك؟

قلت: هي أمامي!.. كيف هذا.. أتراني في الجنة.. فقد حدثت بأنهم لا يحلمون بشيء إلا تحقق من غير عناء ولا عنت!؟

قال: هذه المناسج ولدت قبل حلمك.. بل ولدت قبل ولادتك.

قلت: لا إله إلا الله.. صدق من قال: ما ترك الأول للآخر.. لا بأس سأفكر في حكمة لن تبلغها أعناق الرجال.

مد يده إلى رأسي، فقلت: ما الذي تصنع؟

قال: أراك تهذي.. لست أفهم عنك شيئا.

قلت: لقد أخبرتني بأنهم أسسوا مناسج الشفاء.

قال: هي موجودة منذ زمان طويل..

قلت: كيف هذا؟.. وأنا لم أر لباسا صنعته هذه المناسج.. اعرف ما تقول يا رجل.. فإن لباس الشفاء مؤسس من حكمة الحكماء.

قال: مناسج الشفاء لا تنسج أنسجة، ولا تخيط ثيابا.

قلت: فما تفعل؟

قال: هي تخيط بني آدم وتنسجهم.. هي تقوم بنفس العمليات الجراحية التي يقوم بها قومك.. ولكنها تضم إليها ترياق السلام.

قلت: أفي مدائن السلام تجرى العمليات الجراحية؟

قال: لمن احتاج إليها.. وهم أربعة.

قلت: أربعة نفر فقط!؟

قال: لا.. أربعة أصناف من العمليات.. ولا تمارس إلا من باب الضرورة، وبعد أن تستنفذ جميع الجهود في العلاج البديل.

قلت: فما أولها؟

قال: التطهير.

قلت: ما التطهير؟

قال: قد يسكن الجسم من يرفضه الجسم، ويأبى الاستجابة لكل دواء.. فنحتاج إلى تطهير الجسم منه، كما نطهر بيوتنا من القاذورات.

قلت: فما الثاني؟

قال: الترقيع.

قلت: فما الترقيع؟

قال: قد يتقطع الجسم في بعض المواقع، فنحتاج إلى ترقيعه وتطبيبه كما تطبب الثياب.

قلت: فما الثالث؟

قال: التعويض.

قلت: فما التعويض؟

قال: قد يصاب بعض أعضاء الجسم بالتلف، فنحتاج إلى وضع عضو بديل عنه.

قلت: من الصناعة أم من الطبيعة؟

قال: من كليهما.

قلت: فما الرابع؟

قال: التجميل.

قلت: التجميل!؟.. ولكن الدمامة ليست مرضا.

قال: ولكنها قد تنشر أمراضا.

قلت: فهل سنزور الأطباء، وهم يجرون هذه العمليات.

قال: ذلك غير ممكن.. فغرف العمليات لا يدخلها إلا الأطباء والمرضى.

قلت: فماذا نفعل؟

قال: ستدخل هذه القاعات.. ولن يكون لك من دور فيها إلا الصمت والتنصت.

قلت: أأحبس أنفاسي.. فلا أتكلم.. وعلى من أتنصت؟

قال: تتنصت على المرضى.. وعلى الأطباء.

قلت: أحولتموني جاسوسا!؟

قال: لا.. ولكنك لن تتعلم إلا بذلك.

قلت: وما سر استعمال هذا الأسلوب في هذا المحل.

قال: يأتينا مرضى مختلفون إلى هذا القسم.. فيهم المتشدد والمتساهل، ونحن نحتاج إلى إقناعهم قبل إجراء أي عملية.

قلت: أهم يخافون من العمليات؟

قال: لا.. ولكنهم يتورعون عنها.. أو يطلبون من العمليات ما لم يأذن الشرع فيه.

قلت: ولكن لساني قد يخونني.. ويخونني صمتي.

قال: لا تخف.. فلن يخونك لسانك..

قلت: عهدي به خؤونا.

قال: ولكنه سيكون مطواعا لنا هذه المرة.. فإذا حاولت أن تتحدث احتبس عنك طاعة لنا.

قلت: كيف هذا؟

قال: هذه تقنية من تقنيات مستشفى السلام لن تفهمها حتى تفهم سر قوله تعالى: { قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } (مريم:10)

قلت: أفهمها.. فقد قال ابن عباس:(اعتقل لسانه من غير مرض) ([1]

قال: أنت فهمت المعنى.. ولكنك لم تفهم السر.. ولن تدرك التقنية حتى تدرك سرها.

قلت: فأنبئني عنه.

قال: ذلك علم من علوم السلام.. ولا طاقة لك بتعلمه الآن.

قلت: فأين أتعلمه؟

قال: عندما تعرج في معارج الروح.

العمليات التطهيرية

دخلت مناسج الشفاء.. وكان أول باب قابلني باب العمليات التطهيرية، وقد كتب عليه قوله تعالى: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } (الحجر:47).. كنت وحدي.. فوددت لو أن معي معلمي ليدلني على سر وضع هذه الآية في هذا المحل..

ما استتممت هذا الخاطر حتى رأيت رجلا يخاطبني من غير أن تكون بيننا معرفة سابقة: لا تذهب بك الظنون بعيدا.. فتظن أننا نؤول القرآن الكريم، أو نحرف معانيه.

أردت أن أناقشه كما تعودت مناقشة من قبله، فوجدت لساني كنائم استحلى نومه، فأبى علي.. وقد وجدت لاحتباسه لذة لا تعدلها لذة انطلاقه.. فنظرت إليه، وكلمته بعيوني، فلم يستغرب صمتي، بل قال: هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى فيها عن فضله على عباده المؤمنين في الجنة باستئصال ما في صدورهم من الغل.

قلت في نفسي: ولكن هذه الآية تتحدث عن نعيم الجنة.

أجابني: ألسنا نرى كثيرا مما في الجنة قد أنزل الله تباشيره إلى الدنيا؟.. أليس الرمان من الجنة؟.. أليس النسيم العليل الذي يهب بالعافية من الجنة؟..

قلت في نفسي: ولكن الجنة تظل جنة.

قال: ونحن لا نريد من الجنة أن تهبط للدنيا.

قلت في نفسي: فما تريدون؟

قال: نحن نريد أن نرقى بحياتنا لتعيش في الجنة.. وإذا ماتت تصير إلى الجنة.

صمت، فصمت، ثم سار من غير أن يعرفني بنفسه.

سرت في أرجاء القاعة، فرأيت رجلا عليه لباس الأطباء يحمل في يده كيسا، فخطر على بالي أن أسأله عنه، فالتفت إلي قائلا: لقد بذلت كل جهدي.. فخلصت بعض إخواني من أهل الله من ورم حل بجسمه.

تساءلت بيني وبين نفسي عن نوعه، فقال: لا تخف.. هو ورم الطيب.. فقد قضى أهل الله من إخوان السلام على جميع الأورام الخبيثة.

العمليات الترقيعية

سرت إلى القسم الثاني، فرأيت مكتوبا على بابه هذان البيتان من الشعر:

ومِنّا الذي سالَت على الخدِّ عينه
عَينُه
  فَرُدَّت بكفِّ المصطفى أحسَنَ الردِّ

فعادَت كما كانت لأحسنِ حالِها

  فياطِيبَ ما عيني ويا طيبَ ما يدي.

 فتعجبت كثيرا، فلم أعهد أني رأيت في أبواب هذا المستشفى أبيات شعر، وتعجبت أكثر لأني لم أفهم المراد منهما، لكني سرت، فرأيت اثنان يتناجيان:

قال الأول: لا تحزن يا أخي، فإن ما سيجري لجسمنا لا يختلف عن أي دواء نتناوله أو طعام نأكله؟

قال الثاني: كيف ذلك، ونحن سنبقر كما تبقر الثياب؟

قال الأول: لا تنظر إلى تقطيعنا، وانظر إلى إخاطتنا.. ألسنا سنخاط كما تخاط الثياب؟.. أم تراك ترضى أن يبقى الداء مستشريا، والآلام سارية؟

قال الثاني: لا.. أنا لا أرضى بذلك.. ولكني لا أرضى لأي مبضع أن يتعامل مع بنيان الله بالترقيع والهدم.

قال الأول: بنيان الله هو الإنسان بكماله.. بحقيقته.. بلطائفه.. لا بجسمه فقط.

قال الثاني: أعرف ذلك.. ولكني كما تعلم أخاف أن أزج نفسي في بدعة من البدعة يظل خبثها يلاحقني في الدنيا والآخرة.

قال الأول: لا تخف.. بل إننا نمارس سنة من السنن.. ألسنا نطبق قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( تداووا عباد الله)

قال الثاني: ولكن هذا الحديث جاء في الأدوية المنزلة.. وهي الأدوية المباركة؟

قال الأول: لا تؤول الحديث.. فهو يشمل كل دواء.. ما قدم منه، وما جد، وما كان من السماء، وما كان من الأرض.

قال الثاني: ولكن..

قال الأول: أنت تريد نصا من المصطفى يبشرك بالرخصة في هذا الباب.

قال الثاني: لم تعدو ما في نفسي.. فأنت تعلم ذلك مني.. فنحن في متاهة نحتاج إلى بعض النور لنستدل به.

قال الأول: ألم ترو حديث جابر بن عبدالله؟

قال الثاني:  أحاديثه كثيرة، فأيها تقصد؟

قال الأول: لقد روى أن قتادة بن النعمان أصيبت عينه يوم أحد حتى سالت على خده، فردها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانها، فكانت أحسن عينيه وأحدهما، وكانت لا ترمد إذا رمدت الاخرى.

وروي عن قتادة بن النعمان قال: أصيبت عيناى يوم أحد فسقطتا على وجنتي، فأتيت بهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعادهما مكانهما وبصق فيهما، فعادتا تبرقان.

قال الثاني: نعم ما ذكرت.. ونعم ما استدللت به.. لقد أعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العين المصابة إلى مكانها..

قال الأول: إنها عملية ترقيعية ناجحة.. وهي تحمل تباشير الإذن لمثل هذه العمليات.

قلت في نفسي: لست أدري ما هي الأصول التي يعتمدها هؤلاء.

التفتا إلي مستغربان، قال الأول: الأصول هي الأصول.. والعلم هو العلم.

قال الثاني: نحن قوم ملئنا ببركات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فنحن لا نسمعه قال قولا.. أو دعا إلى هدي إلا عملنا ما فيه من آثار البركات.

قال الأول: فإن لم نره قال شيئا في مسألة امتلأنا رهبة منها.

قلت في نفسي: إن ما رويته من الحديثين متعارضان.

قال الأول: صحيح أن الحديثين يختلفان، ولكنهم يتفقان.

قلت في نفسي: كيف ذلك.. وما هذا التناقض؟

قال الأول: الحديثان متفقان على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعاد العين لصاحبها.. ولا يختلفان إلا في عدد العيون التي أعادها.. ولا حرج في ذلك الاختلاف.. ولو أن بعضهم يرجح الأول.

قلت في نفسي: أترجيحا بدون مرجح؟

قال الثاني: ألم تقرأ ما كتب على الباب..

العمليات التعويضية

دخلت القاعة الثالثة من قاعات مناسج الشفاء، وقد كتب على بابها قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } (النساء:56)

تساءلت عن سر وضع هذه الآية هنا، فجاءني رجل يمتلئ نورا، وقال: هذه آية العمليات التعويضية.. ولا يصرفك عن هذه الدلالة أنها في أهل النار.

قلت في نفسي: لا أرى فيها أي دلالة على هذا..

قال: اسمعها جيدا.. فقد أخبر الله تعالى أن جلود الكفار في جهنم تحترق احتراقا يجعلها غير صالحة للانتفاع بها.. فيعوض الله بدلها جلدا آخر.. وهي تحمل إشارة إلى العمليات التعويضية التي يعوض فيها الجسم عما فسد من أعضائه.

التفت إلي، فرأى في عيوني بعض الاستغراب، فقال: إن لم يقنعك هذا، فاسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه:(إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعوادة؟ فان هو إذا دخلوا عليه حمد الله تعالى رفعوا ذلك إلى الله، وهو أعلم، فيقول لعبدي: إن أنا توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته)([2]

ابتسمت إعجابا بهذه البشارة، فابتسم، ثم انصرف.

البدائل الحية:

سرت قليلا، فرأيت رجلا يحمل عزيمة عظيمة، وهو يسير باحثا عن مسؤول القسم، فبدا لي أن أتبعه، اقتربت منه، ووددت لو يخبرني بشأنه وشأن العزيمة التي يحملها، فما اقتربت منه حتى قال لي من غير أن أسأله: أنا رجل مؤمن آتاني الله ـ بفضله وكرمه ـ العافية في بدني، ولم آت هذا المستشفى للعلاج.. ولكني جئت أبذل العافية لمن يحتاجها.

تساءلت في نفسي متعجبا، فقال: لا تتعجب.. لقد كنت قرأت عن الإيثار، وعن قول الصحابة المنتجبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(فداك أبي وأمي)، فلاح لي خاطر عجيب..

قلت في نفسي: فما لاح لك؟

قال: جئت إلى هذا المستشفى لأتبرع بجميع أعضائي لجميع من يحتاج إليها.. فلي كلية سليمة، ولي كبد نقية، ولي قلب نشيط.. كل أعضائي سليمة بحمد الله.. وقد جئت لأسلمها لمن يحتاج إليها من المرضى لعلي أدخل في زمر المؤثرين.. فإن كنت تحتاج شيئا من هذا، فهلم معي لمسؤول القسم، لأسلمك إياه طيبة بذلك نفسي.

قلت في نفسي: ما شاء الله.. لقد بززت كل المؤثرين.. ولكن لم لم تبدأ بالأدنى، فالأدنى من الإيثار؟

قال: لقد فعلت.. لقد آثرت ببيتي عائة مسكينة لا مأوى لها، وآثرت بمالي فقيرا لا طعام له.. وآثرت..

انضم إلينا المسؤول عن القاعة فجأة، وقال مخاطبا الرجل: أأنت الذي جئت تريد أن تهب أعضاءك لمن يحتاج إليها؟

قال: أجل.. فقد طابت نفسي بذلك.. وأرجو أن لا تحرموني من هذا الثواب العظيم، فتصير أعضائي في أجساد المؤمنين الذي امتلأ قلبي محبة لهم.

قال المسؤول: ولكن الإنسان لا يهب إلا ما يملك، ولا يؤثر إلا بما يستحوذ.

قال: ولذلك لم آتك إلا بنفسي.

قال المسؤول: وهل تحسب أنك تملك نفسك حتى تؤثر بها؟

قال: صدقت.. أنا لا أملك نفسي كما لا أملك مالي.. ولكن مع ذلك لنا أن نتصرف في أجسادنا كما نتصرف في أموالنا، ألم تسمع الله تعالى وهو يقول: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } (النساء:29)، فقد نسب الأنفس إلينا.

قال المسؤول: وقد نهانا عن قتلها.. وما إيثارك بها إلا نوع من القتل.

قال: ولكن المجاهد الذي يبذل نفسه لله يقتل نفسه بذلك.. ألم تسمع قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(التوبة:111)

قال المسؤول: بلى.. ولكن كل ذلك خاص بحالة معينة هي الجهاد في سبيل الله.

قال: ألا يمكن أن نقيس هذا على الجهاد في سبيل الله؟

قال المسؤول: لا.. البعد بينهما شاسع.. إن ما تريد أن تقوم به، وإن كان يحمل روائح الإخلاص والصدق إلا أنه يفتقر إلى ركن مهم من أركان العمل الصالح.

قال: وما هو؟

قال المسؤول: أرأيت لو أن طلبة دخلوا لامتحان ليختبر علمهم وكفاءتهم، فخرج طالب منهم، وطلب من البواب أن يمتحن بدله.. أكان ذلك من العقل والحكمة؟

قال: لا.. هذا نوع من الفرار عن مسؤولية الامتحان.. ولا أظن إلا أن هذا الطالب لم يبذل من الجهد ما يكفيه لإجراء الامتحان، فراح يؤثر البواب على نفسه.

قال المسؤول: فأنت هو ذلك الطالب.

قال: ما تقول؟ وما وجه المقارنة بيننا؟

قال المسؤول: لقد جعلنا الله في هذه الدنيا ليختبرنا، وكل فرد يختبر بنفسه، فمن وهب أعضاءه لغيره.. وهي وسيلته لأداء الامتحان يكون قد فر من الامتحان، واستعمل الإيثار بدلا لذلك.

فكر الرجل قليلا، ثم قال: صدقت في هذا.. ولا أحسب إلا أن الشيطان جاءني من هذا الباب.

قال المسؤول: لا.. ليس هذا خاطرا شيطانيا.. بل هو خاطر إيماني.

قال: ولكنه خاطئ، ومخالف للشرع.

قال المسؤول: وهو دليل على نفس طيبة.. إنك تشبه أولئك الذي قال الله تعالى فيهم: { وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } (التوبة:92)، فهؤلاء قوم مؤمنون عز عليهم أن لا يجاهدوا.. فلم يدعهم ذلك للتثاقل إلى الأرض، بل إنهم جاءوا يسلمون أنفسهم لله.. فاستحقوا كل هذا الثناء.

قال: بورك في حسن ظنك بي.. ولكني أريد أن أقدم طلبا آخر.

قال المسؤول: تقدم بطلبك، ونرجو أن ييسر الله لنا تحقيقه.

قال: لقد ذكرت بأني لا أطيق أن أقدم نفسي جميعا.. فهل يمكنني أن أقدم بعض نفسي؟

قال المسؤول: ما تقصد؟

قال: أقدم بعض جسمي ليحل في جسم مؤمن.

قال المسؤول: أما من هذه الناحية، فيمكنك ذلك بشرط أن لا يضر ذلك بك.

قال: فما الذي يمكنني تقديمه مما لا يضرني؟

قال المسؤول: يمكنك أن تقدم بعض دمك، فهو جزء منك، والتبرع به من أعظم أعمال الخير.

قال: لقد ظللت طول عمري أتبرع بدمي، وهو ما أكسبني بحمد الله ما تراه في من العافية.

قال المسؤول: فيمكنك أن تتبرع ببعض الأعضاء التي جعل الله منها عوضا في حال فقدها.

قال: مثل ماذا؟

قال المسؤول: مثل كليتك.. فقد خلق الله لك كليتين، ويمكن للإنسان أن يعيش حياة طبيعية بكلية واحدة.

قال: فها هي كليتي فخذوها.

قال المسؤول: ليس قبل أن تستأذن من له علاقة بك.

قال: من؟

قال المسؤول: إن كان لك أبوان، أو زوجة، فلا يمكن أن تتصرف في نفسك أي تصرف حتى تستأذنهم، ألم تسمع ما ورد في الحديث من أن رجلا أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(هل من والديك أحد حي؟)، قال: نعم كلاهما، قال:(فتبتغي الأجر من الله؟) قال: نعم، قال:(فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)([3]

وفي حديث آخر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال:(أحي والداك؟) قال: نعم، قال:(فيهما فجاهد)([4]

وفي حديث آخر أن رجلا جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال ألك والدة؟ قلت: نعم، قال:(اذهب فالزمها، فإن الجنة عند رجليها)([5]

وفي حديث آخر أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبايعه على الهجرة، وترك أبويه يبكيان، فقال:(ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما)([6]

قال: أرأيت إن لم يوافق هؤلاء على ذلك؟..ولا أحسبهم يوافقون.

قال المسؤول: يبقى شيء يمكنك فعله يمتلئ منفعة، ويخلو من أي مضرة، ولا يحتاج إلى أي استئذان.

قال: فما هو.. بشرني بشرك الله بكل خير؟

قال المسؤول: في المكتب المجاور يسجل كل من يريد أن يتبرع بأعضائه بعد وفاته.

قال: وهل يمكن أن ينتفع بالأعضاء بعد وفاة صاحبها؟

قال المسؤول: هناك بعض الأعضاء ينتفع بها.. وتحت شروط سيخبرك عنها أصحاب المكتب الذي تسجل فيه.

أسرع الرجل بخطاه إلى المكتب، وهو يحث خطاه، وكأنه يخاف على شيء أن يضيع منه، تبعته إلى المكتب، فرأيت جمعا كبيرا من الناس كلهم يود مثلما يود، فترتبت معهم في الصف، وأخذت أسمع لما يقولون.

قال أحدهم: ما هي شروط الانتفاع بأجسادنا بعد وفاتنا؟

قال: أن تبقى أعضاؤكم سليمة.. فلا يمكن لميت فسدت أعضاؤه أن يستفيد أحد منها.

قال آخر: فكيف يمكن ذلك؟

قال: بأن تستأصل الأعضاء فور الوفاة.

قالوا: أي وفاة؟.. فقد سمعنا أن الوفاة أنواع.

قال الطبب: الموت يتحقق بأحد أمرين: إما بتوقف القلب توقفا لا رجعة فيه، ويقرر ذلك الأطباء المختصون، فقد يتوقف قلب الشخص توقفاً مؤقتاً ثم يعود إلى النبض، فهنا لابد من توقف القلب توقفا لا رجعة فيه.

والثاني هو موت الدماغ بما فيه المراكز الحيوية الهامة جدا والواقعة في جذع الدماغ، فإذا ماتت هذه المناطق فإن الإنسان يُعد ميتاً، لأن تنفسه بواسطة الآلة (المنفسة) مهما استمر لا قيمة له، ولا يُعطي الحياة للإنسان. وكذلك استمرار النبض من القلب بل وتدفق الدم في الشرايين والأوردة (ما عدا الدماغ) لا يُعد علامة على الحياة طالما أن الدماغ قد توقفت حياته ودورته الدموية توقفاً تاماً لا رجعة فيه.

قلت في نفسي: فيمكن للإنسان أن يموت، وتبقى الدماء تسري في عروقه تمد أعضاءه بالحياة!؟

التفت إلي، وقال: أجل.. ذلك صحيح.

قالوا: ما تقصد؟ ما هو الشيء الصحيح الذي تقره؟

قال: سمعت صدى نفس بعضكم، وهي تتساءل عن سريان الحياة في الأعضاء بعد وفاة الدماغ.

قالوا: وكائن ذلك؟

قال: أجل.. فقد يفصل رأس الشخص عن بدنه، فتتوقف الدورة الدموية عن الدماغ، ويموت الدماغ خلال دقائق معدودة (ثلاث إلى أربع دقائق)، بينما يبقى القلب يضخ الدم لمدة 15 إلى 20 دقيقة، ويتحرك المذبوح وهو أمر نشاهده عند ذبح الدجاجة أو الخروف، ولكن هذه الحركة ليست بذاتها دليلا على الحياة، طالما أن الدماغ قد مات.

والأمر ذاته يحدث في الشنق.. فعندما يشنق الإنسان تتوقف الدورة الدموية من الدماغ بينما يستمر القلب في الضخ لعدة دقائق قد تبلغ ربع ساعة إلى ثلث ساعة.. وفي هذه الفترة لا شك أن هذا الشخص قد مات رغم أن قلبه لا يزال ينبض، وذلك لأن الدورة الدموية قد انقطعت عن الدماغ، وقد مات الدماغ بالفعل.

قالوا: فإذا عرفنا أسباب موت الدماغ أمكننا أن نستفيد من الأعضاء قبل تحللها!؟

قال: أجل.. فمن ذلك إصابات الدماغ بسبب الحوادث، وأهمها حوادث المرور، كما في أرض الصراع.. فهذه الحوادث تمثل عندهم خمسين بالمائة من جميع حالات موت الدماغ.

ومنها نزف داخلي بالدماغ بمختلف أسبابه، وهو يمثل حوالي 20 بالمائة من جميع حالات موت الدماغ.

ومنها أورام الدماغ، والتهاب الدماغ وخراج الدماغ والسحايا وتمثل حوالي 20 بالمائة من حالات موت الدماغ.

قال أحدهم: فكيف يتم تشخيص موت الدماغ؟

قال: يتم تشخيص موت الدماغ حسب الشروط الطبية المعتبرة وأهمها وجود شخص مغمى عليه إغماءً كاملا.. ومنها أن لا يتنفس إلا بواسطة جهاز المنفسة.. ومنها أن تشخيص سبب هذا الإغماء، يوضح إصابة أو مرضاً في جذع الدماغ أو في كل الدماغ.. ومنها عدم وجود أسباب تؤدي إلى الإغماء المؤقت مثل تعاطي العقاقير أو الكحول أو انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم أو حالات سكر شديد أو انخفاض شديد في سكر الدم أو غير ذلك من الأسباب الطبية المعروفة التي يمكن معالجتها.. ومنها فحوصات تأكيدية مثل رسم المخ الكهربي وعدم وجود أي ذبذبة فيه، أو عدم وجود دورة بالدماغ بعد تصوير شرايين الدماغ أو بفحص المواد المشعة أو غيرها من الفحوصات الحديثة.. ومنها ثبوت الفحوصات الطبية التي تدل على موت جذع الدماغ وتتمثل في عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ، وعدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة عشر دقائق بشروط معينة منها استمرار دخول الأكسجين بواسطة أنبوب يدخل إلى القصبة الهوائية ومنها إلى الرئتين، وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى حد معين (أكثر من 50 مم من الزئبق في الشريان).

قالوا: فإذا تم التشخيص وتعرفتم على حصول الوفاة.

قال: إذا تم التشخيص والتأكد منه بواسطة الفريق الطبي المختص يتم إبلاغ المركز المكلف بزراعة الأعضاء، كما يتم إبلاغ أهل المصاب.

وحينذاك يحاول المكلفون بزراعة الأعضاء استئذان الأهل في استقطاع بعض الأعضاء الحيوية من متوفاهم لينقذوا بذلك مرضى أو شكوا على حافة الخطر وأحدق بهم الموت، فإذا أذن الأهل بذلك يتم استقطاع الأعضاء الحيوية مثل القلب، الكلى، الكبد، وتزرع كل واحدة منها في شخص معين يعاني من مرض خطير وفشل لوظيفة ذلك العضو.

قالوا: فإذا رفض الأهل ذلك.

قال: ننظر.. فإن ترك الشخص إذنا بذلك نفذناه لأنه بمثابة الوصية.. فإن لم نجد نوقف المنفسة، وفي خلال ثلاث دقائق على الأكثر يتوقف القلب والدورة الدموية.

قالوا: ولكنكم برفع المنفسة عنه يموت.

قال: أجل.. ففي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء لايزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة ([7]).

قالوا: فهمنا الآن سر العملية، فبين لنا مدى إمكانية نجاحها.

قال: يختلف ذلك من عضو إلى آخر، ومن فرد إلى آخر، ولكن بالنسبة للكلى الآن من المتبرع الحي نسبة النجاح أكثر من 95 بالمائة، فقد تصل إلى 97 بالمائة ولكن المتبرع من الموتى تبدأ بنسبة 95 بالمائة في السنة الأولى، ثم تبدأ تقل على مدار 5 سنوات حتى تصل إلى 80 بالمائة، فالكلى التي زرعت لـ 100 شخص ـ والمأخوذة من متبرع ميت ـ نجد أن 80 منهم لا تزال الكلى المزروعة فيهم تعمل عملاً جيداً، وهي نسبة نجاح عالية جداً.

أما الكبد فإن النسبة فيها أقل بقليل من ذلك لكن المراكز التي تقوم بزراعة الكبد، وعندهم خبرة حققت نجاحا يصل إلى 85 بالمائة.

أما البنكرياس فإن نسبة النجاح أقل من ذلك.

أما القلب، فإنه يعتمد على المركز الذي يعمل هذه العملية، وعندهم خبرة واسعة فيها، أو ربما خبرتهم تكون قليلة باختصار فإنها تعتمد على خبرة الأطباء الذين يعملون في هذا المركز، أما بالنسبة للكلى فقد أصبحت عملية سهلة ومنتشرة في مراكز متعددة جداً، وفي معظم أرجاء العالم تتراوح ما بين 85 – 95 بالمائة.

قلت في نفسي: ألا يمكن استثمار أعضاء الحيوانات في هذا المجال؟

التفت إلي، وقال: أحسنت في هذا.. لكن الجسم يرفض هذا النوع رفضا شديدا.. ولكن بواسطة هندسة الجينات ربما في المستقبل القريب يتوقع أن يكون ذلك ممكناً.

بالإضافة إلى ذلك فإن بعض الحيوانات فيها أمراض فيروسية مثل الخنزير وأنواعه والتي يتدربون عليها، وهذه الأمراض إذا انتقلت إلى الإنسان فإنها تكون خطيرة، ومن هذا الإنسان قد تنتقل إلى الآخرين عن طريق العدوى.

قال أحدهم: ولكن ألا يمكن أن تنمى هذه الحيوانات في بيئة آمنة ومحفوظة جداً بشكل دقيق من الغزو الميكروبي أو الغزو الفيروسي، والذي من الممكن أن ينتقل إلى الإنسان؟

قال: تلك فكرة طيبة، ونحن نعمل على النهوض بها.

البدائل الصناعية:

تركت الجماعة يتحدثون مع الأطباء، ثم سرت في أرجاء القاعة، وقد شد انتباهي مجسمات تحمل أعضاء مختلفة، فاقتربت منها، فخاطبني رجل يقف أمامها بقوله: هذه أعضاء نحلم بأن نستفيد منها في تعويض أعضاء الإنسان التالفة([8]).

ثم أضاف يقول: بعد نجاح علماء الهندسة الوراثية والنسيجية في إنتاج جلد بشري، وغضاريف، وعظام صناعية.. يتجه الهدف الأكبر الآن نحو تصنيع كلى وكبد وبنكرياس؛ لتوفير أعضاء بديلة تغطي النقص الشديد الذي يواجه عمليات زراعة الأعضاء، وتنهي الحاجة إلى أعضاء حيوانية غير مأمونة.

وفي المستقبل القريب ستظهر في المستشفيات والمراكز الطبية أعضاء صناعية تقوم بوظيفة أي جزء من الجسم أصابه العجز.

وقد بدأت تباشير هذا الإنجاز في الظهور قبل فترة قصيرة حيث ظهر جيل جديد من الأدوات الهجينة، تتكون من جزء صناعي وجزء آخر من الخلايا الحيّة، ولا تزال تلك الأجهزة المساعدة بانتظار موافقة الجهات المعنية لتداولها بشكل رسمي.

فالإنسان عندما يفقد كل أو بعض خلاياه الحية النشطة العاملة ليل نهار تتحول حياته إلى جحيم لا يطاق، ولا أحد يعرف هذه الحقيقة المرة أفضل من مرضى الفشل الكلوي، فكل منهم يستعمل جهاز الغسيل الكلوي من ثلاث إلى ستّ مرات كل أسبوع.

وبرغم فعالية هذه الأجهزة، فإن متوسط العمر المتوقع للمريض الذي يستعملها لا يزيد عن خمس سنوات، ومن المعلوم أن أكثر من نصف المصابين بالفشل الكلوي الحاد يموتون؛ إما نتيجة لعدم وجود متبرع لاستبدال الكلية، أو للعلاج الكيميائي أو نتيجة للمشاكل الصحية الإضافية الناجمة عن الغسيل الكلوي مثل العدوى بأمراض فتاكة.

قلت في نفسي: فما الحل الذي وصلتم إليه، والذي يخلص هؤلاء المساكين مما يعانونه.

دقق في عيني، وقال: أما أهل السلام، فلم يعد لهم هذا المرض مشكلة، فقد اتبعوا من الهدي، والتزموا من البركات ما حفظوا به أجسامهم..

قلت في نفسي: أريد الحديث عنا.. نحن الذين لا نزال نرزح تحت نيران الصراع.

دقق في عيني جيدا، وكأنه يقرأ شيئا مكتوبا، وقال: إن تجربة طبية صغيرة أجريت في شتاء 2003 بالولايات المتحدة الأمريكية جددت الأمل في معالجة مبتكرة لمرض الفشل الكلوي الحادّ، فقد نجا 6 من المرضى من أصل 10 على الرغم من أن احتمالات نجاتهم من الموت لم تتخط نسبة 20 بالمائة.

تساءلت في نفسي عن سر هذا الأمل، فقال: هذا الأمل الجديد كان على هيئة خرطوش بلاستيكي.

قلت في نفسي: فما الخرطوش؟

قال: الخرطوش: ترجمة لكلمتي Cartouche أو Cartridge، وهي دلالة على إناء يحتوي سائل أو قذائف، ويشبه هذا الخرطوش الكلية الصناعية، ويتكون من مليار خلية كلوية حية من خلايا الكلى الإنسانية الموزعة داخل 4 آلاف ليفة بلاستيكية مجوفة نصف شفافة، وسمي هذا الخرطوش البلاستيكي بالكلية الأحيائية الصناعية bioartificial kidney. وتقوم بتنقية الدم من المواد الضارة وتنتج مواد مهمة في مقاومة المرضى، وعلاج الفشل الكلوي الحاد.

وطوّر هذه الكلية الجديدة فريق من العلماء بعد أبحاث استمرت لعقد من الزمن. ويجري حاليًا تطوير مشروع لإنتاج الكلى الاصطناعية الجديدة تحت اسم (كلية في خرطوشة)

سرت قليلا، فاستوقفني آخر، يحمل كبدا صناعية، فقال: هذه كبد حيوية صناعية.

قلت في نفسي: ما شأنها؟

قال: قد تتعرض الكبد لكثير من الأمراض التي تؤدي إلى تليفها، وبالتالي فشلها وعدم قدرتها على تأدية وظائفها المهمة على أكمل وجه.. وللكبد وظائف كثيرة؛ فهي تعمل كمصفاة للدم، فإذا ما تعطلت تسمم الدم، وتأثرت وظائف أعضائه المهمة وخاصة المخ.

ولهذا، فإن عملية زرع الكبد هي العلاج الوحيد الموجود لكثير من أمراض الكبد المزمنة، وهذه التقنية الجديدة تقدم بديلا رائعًا لزراعة الكبد، وقد أكدت التجارب الأولية التي أجريت على البشر أن هذه الأكباد الإحيائية الصناعية يمكن أن تساعد مرضى فشل الكبد الحادّ على الحياة بصورة طبيعية.

سرت قليلا، فاستوقفني آخر، يحمل بنكرياسا صناعيا، فقال: هذا بنكرياس صناعي.. لقد قامت المهندسة (تيجال دزي) التي تعمل في مجال الطب الحيوي بجامعة بوسطن الأمريكية بتطوير بنكرياس إحيائي صناعي جديد يمكن أن يطيل حياة المصابين بالسكري ويحرّرهم من وخز حقن الأنسولين.

وبدأت (دزي) بالسليكون، وتقوم بإحداث ثقوب دقيقة للغاية، ثم يشكّل السيليكون المثقّب على هيئة كبسولة تملأ بخلايا البنكرياس البشرية.

وقد زرعت كبسولات السليكون جراحيًّا في مجموعة من الفئران التي تم تدمير غدة البنكرياس بها، فمدت هذه الخلايا المزروعة الفئران بالأنسولين، وأبقت مستويات سكر الدم طبيعية خلال فترة اختبار استمرت لمدة أسبوعين، وبعد أن انتزعت هذه الكبسولات لم يوجد أي أثر للتخثّر، بينما ماتت الفئران منزوعة البنكرياس التي لم يتم تزويدها بكبسولات السيلكون في ظرف أيام قليلة.

قلت في نفسي: ولكن هذه الأعضاء في أحسن الأحوال تستخدم من خارج الجسم والخلايا المزروعة داخلها تبقى صالحة للاستخدام لبضعة أسابيع فقط.

قال: ومع ذلك ففيها الكثير من النواحي الإيجابية، فمثل هذا الدعم المؤقت يمكن أن يكون هدية قيمة للطب وللعلاج في العالم أجمع؛ فقد أظهرت التجارب أن بعض المرضى يمكنهم استعادة وظيفة أعضائهم بعد فترة من العلاج أو أن تبقيهم هذه الأعضاء الاصطناعية على قيد الحياة إلى أن يوجد متبرع، وتصبح أعضاء الزرع متوفرة.

العمليات التجميلية

سرت إلى القاعة الرابعة من قاعات مناسج الشفاء، وقد علق على بابها لافتتان، أما أولاهما فتحمل قوله تعالى: { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }(الانفطار:7 ـ 8)، وأما الثانية فتحمل قوله تعالى: { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ }(النساء:119)

قلت في نفسي: عجبا.. كيف تقرن هاتان الآيتان في موضع واحد، مع أن أحدهما تحمل روائح المنة والفضل، والأخرى روائح الإضلال والمكر..

ما استتمت هذا الخاطر حتى جاءني رجل من أقصى القاعة يسعى، وهو يقول لي: لقد قف شعري مما توهمته نفسك.. ألا ترى أن الكل كلام الله.. والكل هدي الله.. ومن رحمة الله أن أخبرنا بما يخطط أعداؤنا ويهددونا به.

قلت في نفسي: ولكن ما سر الجمع بينهما في هذ الموضع؟

قال: ذلك سهل بتأمل بسيط.. فهاتان الآيتان هما القانون الذي يرجع إليه أطباء هذا القسم.

بقي الاستغراب في نفسي، فقال: سر في هذا القسم، وسترى صنفان من الناس، أما الأول فقوم من الورعين ابتلاهم الله ببعض ما يشوه خلقهم، فتورعوا من تغييره مخافة الوقوع فيما تذكره الآية الثانية، فنحن نخاطبهم بالأولى.

وأما الثاني، فقوم من المتساهلين أساءوا فهم الآية الأولى، فنحن نخاطبهم بالثانية.

قال هذا الكلام، ثم انصرف.

التغيير الإصلاحي:

سرت قليلا في القاعة، فرأيت رجلين يتحاوران، وقد وضع أحدهما شيئا على أنفه يستره به.

قال الأول: ليس هذا ميدان الورع يا أخي.. لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وفي أحسن صورة، وإن ما تعرضت له من تشويه يستدعي إصلاحه، ولا حرج عليك في إصلاحه.. إنه مثل أي دواء تتناوله.

قال الثاني: ولكني أخشى أن أكون ممن يغيرون خلق الله.

قال الأول: لا تخف.. لقد خلقك الله بخلق سليم.. ولكن الحادثات أثرت فيه.. وقد أجاز لك الشرع أن تصلح ما فسد.. ألم تسمع ما روي عن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من ورق، فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاتخذ أنفا من ذهب، وفي رواية:(فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخذه من ذهب)([9]

قال الثاني: أأجاز له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب؟

قال الأول: أجل.. لقد صح بهذا الحديث.

قال الثاني: ولكن الذهب حرام للتزين.

قال الأول: صدقت.. والذهب هنا لم يستعمل للتزين، وإنما استعمل للإصلاح، وهو رخصة، والله يحب أن تؤتى رخصه.

قال الثاني: أرأيت لو أن قومنا وصلوا إلى اختراع مادة لا تتغير ولا تنتن.. أيبقى الذهب جائزا؟

قال الأول: هو رخصة ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. والأصل بقاؤها.. ولكن مع ذلك، فالأولى هو التورع بدليل ما ورد في الحديث.

قال الثاني: كيف ذلك؟

قال الأول: لم يتخذ الرجل أنف الذهب إلا بعد أن تغير له أنف الورق.

قال الثاني: بورك فيك.. فقد أزلت ما في قلبي من حرج.

تركتهما، وانصرفت إلى آخرين، لا يكادان يختلفان عنهما:

قال الأول: لا حرج عليك يا أخي، فيما تريد أن تفعله، فليس هذا من تغيير خلق الله، فالله خلق لكل الخلق خمس أصابع.. وما هذه الأصبع الزائدة إلا شيء يتنافى مع الخلقة الأصلية.

قال الثاني: ولكن الله خلقها لي.. فهل أغير ما خلق الله؟

قال الأول: ليس هذا من تغيير خلق الله، بل هذا بمثابة أي مرض يمرض به الإنسان، فيحتاج إلى علاجه.

قال الثاني: ولكني سمعت الطبري، وهو يتشدد في هذا.

قال الأول: فما قال ـ غفر الله له ـ؟

قال الثاني: لقد ذهب إلى أنه لا يجوز تغيير شيء من الخلقة التي خلق الله عليها الإنسان بزيادة أو نقص التماسا للحسن، حتى المرأة لا يجوز أن تفعل ذلك لزوجها، كمن تكون لها سن زائدة، فتقلعها أو طويلة فتقطع منها، وكل ذلك داخل في النهي، وهي من تغيير خلق الله تعالى.

واستثنى الطبري من ذلك ما يحصل به الشرر والأذى، كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيبها في الأكل، أو أصبع زائدة تؤذيها فيجوز ذلك، والرجل في هذا الأخير كالمرأة.

قال الأول: ومن ألزمك بما يقول الطبري.. إن غيره من الفقهاء يخالفونه في هذا.. لقد ذهب كثير من الفقهاء غيره إلى أن هذه الزوائد عيب ونقص في الخلقة المعهودة، وقطعها يزيل ذلك النقص والشين، ويزيد الجمال.

قال الثاني: فهمت ما ذكرت.. فما شروط قطع هذه الزوائد؟

قال الأول: شروط بسيطة.. وهي كلها تنظر إلى جوانب الضرر والمصلحة.. وأهمها أن تكون زائدة على الخلقة المعهودة كوجود إصبع سادس في اليد أو الرجل.. وأن تؤدي إلى ضرر مادي أو نفسي لصاحبها.. وأن يأذن صاحبها أو وليه في القطع.. وأن لا يترتب على قطعها ضرر أكبر كتلف عضو أو ضعفه.

قال الثاني: فما تقول في الزوائد الحادثة؟

قال الأول: لقد أباح الفقهاء قطع السلعة والتالول والخراج، لأنها لم تكن موجودة في أصل الخلقة، وإنما حدثت نتيجة مرض، فيدخل قطعها في التداوي المأذون به، ويشترط لذلك نفي الضرر الذي هو قاعدة هذا الباب وكل باب.

التغيير التبديلي:

تركتهما، وانصرفت إلى رجلين آخرين يتحاوران:

قال الأول: ما بك يا أخي.. إن الإنسان بحقيقته وروحه لا بأعضائه وألوانه؟

قال الثاني: ولكني تأذيت كثيرا بهذه الخلقة التي خلقت عليها، ولا أرى أنه من الحرج علي أن أغيرها بما يملأ قلبي سعادة وسرورا.. أليس التغيير من متطلبات الحياة.. ألم يقل الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد:11)؟

قال الأول: أجل.. ولكن هناك فرق كبير بين التغيير والتبديل.. فالتغيير المراد في الآية هو إصلاح الفاسد، وترميم المعطوب.. لا التغيير الذي تفهمه.. لأنه تغيير لخلق الله.

قال الثاني: ولكن كثيرا من الحاجات ترتبط به.

قال الأول: مثل ماذا؟

قال الثاني: سأضرب لك مثالا على ذلك بياولا يندسكو.

قال الأول: ما بها؟.. ومن هي أولا؟

قال الثاني: هي ممثلة إيطالية.. وقد أقدمت على عملية تجميل الأنف، وعللت ذلك بقولها:(أقدمت على عملية تجميل الأنف بوصفي ممثلة، وليس بوصفي امرأة، وقد انقضى الآن شهران على ذلك.. كان الجميع قبل ذلك يقولون: إن عيبي الوحيد هو ذلك التقوس البسيط الذي يظهر في أنفي، فما إن لاحت لي فرصة إجراء العملية حتى أقبلت عليها بنفس مطمئنة، وخاصة أن الطبيب أكد لي أنه ليس هناك أي خطر منها)

قال الأول: فكونها ممثلة هو الذي دعاها إلى هذا؟

قال الثاني: أجل.. وقد أقرت بذلك، فقالت: (على أن الشيء الذي أود أن أسر به إلى سائر النساء هو أنه لو لم تكن مهنتي هي التمثيل في السينما لما جرؤت على هذه العملية خاصة أن فيها بعض المتاعب.. ومن ذلك: أني أمضيت أسبوعين أتنفس ليلا ونهار من فمي، ولا أستطيع أن أنقلب على الوسادة عند النوم يمينا أو يسارا، وإلا ضاع أثر العملية)

قال الأول: فالمرأة كانت تحت سيطرة المخرجين الذين أرادوا أن تكون على صورة مقبولة لأذواقهم؟

قال الثاني: أجل.. وقد قالت شبيلا جابل:(كنت في بداية العمل في السينما، وكان ذلك حوالي عام 1960 م ولم أكن اسمع من المخرجين الذين قدموني إلا العبارة التالية: (لن تمهري في السينما، ولك هذا الأنف).. فإذا كان أنفي يحد من انطلاقي ويمنعني من الظهور أمام الجمهور،وفكرت طويلا في الأمر، ثم عزمت على الإطاحة بهذا الأنف، وأسلمت نفسي لجراح مشهور، وأجريت لي الجراحة)

قال الأول: فالمخرجون هم الذين يملون على الممثلين ما يستهوونه من الصور!؟

قال الثاني: ليسوا وحدهم، فقد يقدم الإنسان على ذلك بمحض إرادته.. وسأضرب لك مثالا بالفتاة الأمريكية (كاثي ليوك) التي نشرتها جريدة الأخبار القاهرية، فهذه الفتاة استبدلت بوجهها وجها آخر بشكل ياباني حتى تستطيع أن تتزوج من الشاب الياباني الذي أحبته.. وكانت كاثي قد تقابلت مع هذا الشاب في مدينة (يوكوهاما) حيث كانت ترافق والدها في رحلة عمل وأحبته إلى حد العبادة إلا أن أسرته كانت من الأسر اليابانية المحافظة، فرفضت أن تزوجه إلا من إحدى الفتيات اليابانيات.. وإزاء ذلك: وحتى تستطيع أن تتزوجه ذهبت إلى أحد جراحي التجميل وطلبت منه أن يغير ملامح وجهها حتى تبدوا كاليابانيات، فقام الطبيب بتعريض أنفها وتغيير شكل حاجبيها حتى تصبح عيونها ضيقة، وبعد كل هذا رفضت الأسرة الزواج.

قال الأول: وماذا عن الذي عبدته من دون الله؟

قال الثاني: لم يعجبه وجهها الجديد، وتركها، وتزوج من فتاة يابانية، فلجأت مرة أخرى لجراحة التجميل لاستعادة وجهها الأمريكي.

قال الأول: أرى أنك أجبت بنفسك على تساؤلاتك.. إن هؤلاء يتلاعبون بخلق الله.. وهؤلاء هم أول من ينطبق عليه قوله تعالى على لسان إبليس: { وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } (النساء:119)

وهؤلاء هم الذين تنزل عليهم اللعنات التي أرسلها صلى الله عليه وآله وسلم لمن غير خلق الله.

قال الثاني: لعنات.. أأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعنات على هؤلاء؟

قال الأول: أجل.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)، وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النامصة، والواشرة، والواصلة، والواشمة إلا من داء)([10]

قال الثاني: فما يدخل في هذا الباب؟

قال الأول: أكثر العمليات التي تجري في محال التجميل عندكم، كتغيير هيئة الأعضاء بالزيادة والنقصان، وشد التجاعيد، وإزالة الشحوم بعملية جراحية.

قال الثاني: فما في شد التجاعيد من الحرج؟

قال الأول: لقد خلق الله لكل مرحلة من مراحل الحياة وصفا معينا لا يجوز تغييره إلا بإذن الشارع.. والتجاعيد تظهر في الجسم نتيجة فقدان مرونة الجلد، ووقف حيوية بعض خلاياه، فتبدو ثنيات خفيفة على سطح البشرة، ثم تتضاعف هذه الثنيات، وتتعمق في داخل الجلد، فتظهر التجاعيد.

فالتجاعيد في الشيخوخة تكون طبيعية حيث تقل مرونة الجلد، وتقف حيوية بعض الخلايا وتظهر في الشباب نتيجة أسباب غير طبيعية منها: الإسراف في تعاطي الخمور والمنبهات والأمراض الباطنية التي تؤثر على الجهاز الهضمي والبولي وأعضائه المختلفة، والأمراض العصبية والأمراض النفسية الكثيرة كالحزن والكدر والتعب، والأمراض الجلدية المختلفة مثل حب الشباب، والأرق وعدم النوم الكافي للجسم، ومواد الزينة المصنوعة من المواد الكيماوية وغير ذلك.

وعملية شد تجاعيد الوجه تجري داخل شعر الرأس وخلف الأذن، ويستغرق إجراء العملية حوالي سبعة أيام، ويكون الوجه فيها متورما بعض الشيء، ونتيجة هذه العلمية ليست نهائية، بل تعود التجاعيد بعد خمس سنوات.

قال الثاني: فما هو وجه الحرمة فيما ذكرت؟

قال الأول: إن هذه عملية.. وهي مؤلمة.. ولا يجوز للإنسان أن يؤلم نفسه.. وقد تحمل مضرة لا ندري محلها.. ولا يجوز للإنسان أن يضر نفسه.. وهي مكلفة.. ولا يجوز الإسراف.. وهي فوق ذلك تجعل الإنسان عبدا لجسده منشغلا به انشغالا يخرجه عن أداء وظيفته.

قال الثاني: ولكن الجمال محبوب بالطبع.

قال الأول: الجمال بمعناه الشامل.. لا جمال التدليس والغرور.

قال الثاني: ولكن..!؟

قال الأول: أتحب جدتك؟

قال الثاني: لقد ذهبت إلى رحمة الله.. وأنا أحمل لها حبا عظيما.. وخيالي يختزن لها ذكريات رائعة.

قال الأول: فكيف كانت؟

قال الثاني: لقد كانت ممتلئة وقارا وهيبة.. وقد كان خمارها الأبيض يضفي عليها من الهيبة ما يجعلها ملاكا من ملائكة الجمال.

قال الأول: فهل كان بوجهها تجاعيد؟

قال الثاني: أجل.. كثيرة.. ولكني لم أكن أراها تجاعيد.. بل كنت أراها سواقي ممتلئة حنانا ورحمة.

قال الأول: أرأيت لو أن جدتك غرر بها بعضهم.. فحول وجهها إلى شابة تزاحم زوجتك جمالها.

قال الثاني: لا.. لا تقل هذا.. لا تشوه صورة جدتي الجميلة.

قال الأول: أرأيت.. فقد جعل الله في كل مرحلة من مراحل الحياة جمالها الخاص بها.. ومن العبث تغيير المراحل التي خلقنا الله عليها.. إننا لن نزيد أنفسنا إلا عذابا.

قال الثاني: أنا مقتنع بهذا.. فليس للشيخ ولا للعجوز أن يغير خلق الله.. ولكن الشاب والشابة.

قال الأول: لقد خلق الله لكل إنسان جماله الخاص به.. ومن الخطأ الكبير أن نتصور الجمال شيئا واحدا وصورة واحدة.. فما يزين شخصا قد يشين آخر..

قال الثاني: فلمن نرجع في تقدير الجمال؟

قال الأول: للبارئ المصور.. فالله الذي خلق الخلق هو الذي صورهم.


([1])  ابن كثير: 5/214.

([2])  مالك.

([3])  مسلم.

([4])  مسلم.

([5])  ابن ماجه والحاكم.

([6])  البيهقي والحاكم وصححه.

([7])  انظر: ما الفرق بين الموت الإكلينيكي والموت الشرعي؟ الدكتور محمد علي البار،ود.عصام الشربيني: الموت والحياة بين الأطباء والفقهاء «ندوة الحياة الإنسانية»، الكويت، ومنشورة أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي 1408هـــ/ 1987م العدد ج2/ 573-587.، موت القلب أو موت الدماغ، الدار السعودية، جدة، 1986م.

([8])  انظر: خرطوش.. لإنقاذ ملايين البشر، 10 د.طارق قابيل، موقع إسلام أون لاين، بتاريخ: /02/2004.

([9])  أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.

([10])  أحمد.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *