خامسا ـ الأسرة

خامسا ـ الأسرة

في اليوم الخامس، قام رجل منا، وقال: سأحدثكم اليوم أنا عن حديثي.. اعذروني، لقد كنت مثل من سبقني أحمل أسماء كثيرة مستعارة صحبتني زمنا طويلا إلى أن التقيت النور والسلام والصفاء، فطلقت أسمائي جميعا.. وجئت إلى هذه البلاد أبحث عن اسم لي.

لقد كان آخر اسم لي هو (توماس روبرت مالتوس)([1]).. لاشك أنكم تعرفونه..

إنه ذلك الرجل الذي بدأ بالدعوة إلى إبادة الأسرة وتفكيكها، لأن الميزانية التي تتطلبها ويتطلبها نسلها لن يكفيه ما وضع الله في الأرض من بركات([2]).

وهو الرجل الذي أوحت أفكاره بعد ذلك للكثير من المجرمين بأن يبحثوا في الوسائل التي تجعل من المرأة مجرد متعة.. لا علاقة لها بالأسرة.. ولا علاقة للأسرة بها.

وهو الرجل الذي جعل من الوالدين فردين حريصين شحيحين ينظرون إلى أولادهما كما ينظرون إلى اللصوص والشحادذين والمجرمين.

وهو الرجل الذي ملأنا بالأنانية والحرص.. ونزع منا كل عاظفة إنسانية.. بل كل عاطفة في الكائنات الحية التي تضحي فيها الأمهات والآباء بأنفسها من أجل أولادها([3]).

الصراع

هذا هو الرجل الذي سميت باسمه..

لقد صبت علي جميع لعناته منذ رأيت النور المختلط بالظلام في هذا الوجود، بل قبل ذلك..

لقد حدثتني أمي التي طرحت جميع جلابيب حيائها عن ذلك اليوم الذي أتاها والدي فيه، قبل أن يقترنا بذلك العقد المزيف من عقود الزواج، وطلب منها أن تلقيني من بطنها إلى مزابل واشنطن..

لم يكن بيني وبين مزابل واشنطن في تلك الأيام إلا خطوة واحدة.. وهي خطوة قدر لا خطوة تكليف..

لقد توفيت زوجة والدي.. ولست أدري كيف.. ربما تكون أمي هي التي قتلتها، فقد كانت زوجة أبي هي الحجاب الذي حال بينها وبين أن تقترن بأبي.. وكان فوق ذلك هو السبب في إصرار أبي على أن ترميني أمي في مزابل واشنطن.

قلنا: لم نفهم كل ما تذكره.. فمن كانت أمك إن لم تكن هي عينها زوجة أبيك؟

قال: لا.. لقد كان أبي ـ كما كان أكثر قومنا ـ زير نساء.. ولم يكن القانون ـ كما لم يزل ـ يراعي هذه الناحية فيه.. فلم يكن القانون ـ كما لم يزل ـ يبيح تعدد الزوجات.. فلذلك كان الرجل غاليا بين النساء.. وبما أن أبي لم ير أمي إلا بعد اقترانه بزوجته، ولم تملأ قلبه الممتلئ بالشهوات إلا بعد ذلك الاقتران، فقد راح يتخذها خليلة بعد أن حيل بينه وبين أن يتخذها زوجة.

قلنا: فلم لم يطلق زوجته، ويقترن بأمك؟

قال: لقد كان رجلا ينتمي إلى عائلة محافظة لها علاقة بالكنيسة.. وأنت تعلم موقف الكنيسة من الطلاق ([4])..

لقد أخبرني الثقاة أن أبي ذهب في تلك الأيام إلى صاحب له من رجال الدين، واعترف بين يديه، وامتلأت عيناه بالدموع، وهو يعترف له، وبعدها طلب منه أن يحل له هذا الإشكال الذي وقعت فيه حياته، وهذا الصراع الذي دب إلى نفسه.

لقد كان بين أمرين، كلاهما لا تبيحه الكنيسة: أما أولهما، فهو أن يقترن بالثانية كما اقترن بالأولى، فيلبي مقتضيات نفسه وقلبه، كما يلبي ما تطلبه منه أمي ـ أي معشوقته ـ كل حين.. وأما الثاني، فأن يطلق زوجته ليقترن بأمي اقترانا شرعيا يجعل من ولده ـ الذي هو أنا ـ ولدا شرعيا معترفا به عند الجميع.

ما قال هذا حتى انتفض رجل الدين في وجهه انتفاضة عظيمة، وقال: ما هذه الهرطقات التي تتحدث بها..

قال أبي: أنا ما فعلت إلا أن شكوت إليك حالي، واعترفت بين يديك، ثم ذكرت لك ما توهمته من حلول.

قال: إن كلا الحلين اللذين ذكرتهما هما حل أهل الهرطقة.. أولئك الذين يتبعون المارق الذي يقال له (محمد).. أما نحن.. نحن الذين شرفنا بالمسيح.. المسيح الذي صلب من أجلنا ليخلصنا من خطايانا.. فلا نقبل تلك الحلول.

لقد قال لنا المسيح لنا 🙁 من بدأ الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق (ويلزم) بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لايفرقه الإنسان)( متى : 19 / 4 – 5 )

***

كان أبي ـ رغم كونه زير نساء ـ على علاقة بالكتاب المقدس، باعتباره في الأصل سليل رجال كثيرين من رجال الكنيسة، ولذلك راح يبحث في الكتاب المقدس لعله يجد ما يحل له مشكلته.. وكم كان فرحه عظيما حينما وجد فيه أن إبراهيم كان متزوجاً من سارة وهاجر وقطورة، وكان له مع ذلك سرارى كثيرة لقوله 🙁 أما بنو السرارى اللواتى كانت لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحاق ابنه شرقاً إلى أرض المشرق وهو بعد حى) (تكوين 25: 6)

ووجد فيه أن موسى كان متزوجاً من مديانية وحبشية (عدد 12: 1)

ووجد فيه أن يعقوب كان متزوجاً من حرتين وأمتين، وهما ليئة وراحيل وزلفة وبلهة، كما في (تكوين: 29 وما بعده)

ووجد فيه أنه كان لداود نساء هن: أخينوعم اليزرعبلية وأبيجايل ومعكة وحجيث وأبيطال وعجلة.. هؤلاء ستة.. ويضاف إليها بثشبع امرأة أورياالحثى التى أنجب منها سليمان، كما في ( صموئيل الثانى 3: 1ـ5)

ووجد فيه أنه كان لسليمان (سبع مائة من النساء السيدات، وثلاث مائة من السرارى)، كما في (الملوك الأول 11: 3)

بل لم يجد فيه فوق ذلك كله أي نص من نصوص التوراة تحرم التزوج بأزيد من امرأة واحدة، ولو كان حراماً لصرح موسى بحرمته، كما صرح بسائر المحرمات وشدد في إظهار تحريمها، بل وجد أن نصوص التوراة تفيد جوازه من مواضع.. ففيها أن الأبكار التي كانت من غنيمة المديانيين، كانت اثنتين وثلاثين ألفاً، وقسمت على بني إسرائيل، سواء كانوا ذوي زوجات أو لم يكونوا، ولا يوجد فيه تخصيص العزب.

بل وجد في الباب الحادي والعشرين من سفر الاستثناء هذا النص:( وإذا خرجت إلى القتال مع أعدائك وأسلمهم الرب إلهك في يدك وسبيتهم ورأيت في جملة المسبيين امرأة حسنة وأحببتها، وأردت أن تتخذها لك امرأة، فأدخلها إلى بيتك وهي تحلق رأسها وتقص أظفارها، وتنزع عنها الرداء الذي سبيت به وتجلس في بيتك وتبكي على أبيها وأمها مدة شهر ثم تدخل إليها وترقد معها ولتكن لك امرأة، فإن كانت بعد ذلك لا تهواها نفسك فسرحها حرة ولا تستطيع أن تبيعها بثمن ولا تقهرها أنك قد  ذليتها، وإن كان لرجل امرأتان الواحدة محبوبة والأخرى مبغوضة ويكون لهما منه بنون وكان ابن المبغوضة بكراً، وأراد أن يقسم رزقه بين أولاده فلا يستطيع يعمل ابن المحبوبة بكراً ويقدمه على ابن المبغوضة، ولكنه يعرف ابن المبغوضة أنه هو البكر ويعيطه من كل ما كان له الضعف من أجل أنه هو أول بنيه ولهذا تجب البكورية)([5])

ثم قرأ أبي في بعض الصحف([6]) أن أستاذة لاهوت في جنوب إفريقيا دَعَتْ إلى السماح للبيض بتعدد الزوجات، لمواجهة ارتفاع معدل الطلاق في البلاد، وهو من أعلى المعدلات في العالم، وقرأ أن الأستاذة (لاندمان) قالت 🙁 ليس هناك سوى عدد محدود للغاية من الرجال في العالم، فقد قُتِل بعضهم في الحروب، والآن حان الوقت كي تختار المرأة زوجاً من بين الرجال المتزوجين، وأن تتفاوض مع زوجته على أن تُصبح فرداً من أفراد أسرته)

بل وجد أن هذا الموقف لم يتبناه جميع المسيحيين، فقد ظهر منهم رجال دين يبيحون الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة، بل ويبيحون الجمع بين أكثر من زوجة، ومن هؤلاء فرقة الان نابتست Ananabaptistes، والمورمون Mormons.. وهؤلاء ظلوا يمارسون التعدد حتى أوائل القرن التاسع عشر.. بل ظهرت دعوات من المفكرين والعلماء تدعو إلى إباحة التعدد الزوجات، وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل.. وكذلك لانتشار الفواحش وزيادة عدد اللقطاء، ومن هؤلاء بول بيرو Boul Bureou، وفردينا ند دريفوس Ferdinand Dryfus، و بن لندسي Ben Lindsey، وغيرهم..

وفوق ذلك وجد من يبين له حقيقة مقصد المسيح عندما قال 🙁 من بدأ الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق (ويلزم) بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لايفرقه الإنسان)

لقد قال له هذا الرجل: إن هذه العبارة ليس فيها أي منع للتعدد، بل غاية الكلام هنا منع الطلاق لا غير.. وهذا ما سأله الفريسيون من البداية، فقد ورد هكذا النص كما في متى ( 19 : 3 – 5 ): ( وجاء اليه الفريسيون ليجربوه قائلين له: هل يحل للرجل ان يطلق امرأته لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم: أما قرأتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى، وقال: من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدا واحدا)

هذا ما عناه المسيح، فكما أن إتحاد الرجل بزوجته ليس حقيقياً بل مجازاً فكذلك من الممكن بكل سهولة أن يكون اتحاده بامرأة أخرى ويصيرا جسداً واحداً أيضاً.

حمل أبي كل هذه النصوص.. وسار بها إلى الكنيسة لكنه اصطدم برجل يقال له (القس شروش).. سمعه يعظ في الكنيسة يقول:( يسوع أعلن أن الذي خلقهم من البدء خلقهم رجلاً و امرأة، و لو أراد الله الرجل أن تكون له أربع زوجات لخلق من البدء أكثر من حواء)

حاول أبي أن يقنعه.. فلم يقتنع.. سار إلى كنيسة أخرى فسمع واعظها (القس سويجارت) يقول مفاخراً بتشريع الكنيسة في قصر الزواج على واحدة : (المسيحية تسمح لنا بواحدة فقط، و لذلك ارتضي أفضلهن من أول قذيفة)

***

انتقل أبي يبحث في الحل الثاني، وكان أسوأ الحلين عنده.. فلم يكن يرضى أن يطلق زوجته الأولى.. لكنه بفعل سحر أمي راح يبحث في النصوص التي تبيح له أن يطلقها.

وكم كانت فرحته شديدة عندما قرأ في الكتاب المقدس.. وفي سفر التثنية هذا النص : (إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا فَإِنْ لمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ وَكَتَبَ لهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَدَفَعَهُ إِلى يَدِهَا وَأَطْلقَهَا مِنْ بَيْتِهِ، وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ذَهَبَتْ وَصَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ فَإِنْ أَبْغَضَهَا الرَّجُلُ الأَخِيرُ وَكَتَبَ لهَا كِتَابَ طَلاقٍ وَدَفَعَهُ إِلى يَدِهَا وَأَطْلقَهَا مِنْ بَيْتِهِ أَوْ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ الأَخِيرُ الذِي اتَّخَذَهَا لهُ زَوْجَةً لا يَقْدِرُ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الذِي طَلقَهَا أَنْ يَعُودَ يَأْخُذُهَا لِتَصِيرَ لهُ زَوْجَةً بَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ) (تثنية 24: 1-4)

وكانت فرحته أعظم عندما وجد اليهود الذين نزلت هذه الشريعة عليهم لا يزالون يبيحون الطلاق ([7])..

أخذ هذه النصوص معه.. وأخذ معها قول المسيح ـ كما في (متى: 5 / 17 ـ 19) ـ:( لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل فاني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات، وأما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات)

أخذ هذه النصوص، وذهب إلى بعض القسيسين يترجاهم أن يطلقوا زوجته، لأجل أن يتزوج عشيقته.. فواجهوه جميعا بما ورد في متى على لسان المسيح عندما سأله اليهود عن الطلاق فقال : (وقيل من طلق إمرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم : ان من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى،  ومن تزوج مطلقه فإنه يزنى) (متى 5 : 31).. ولما اعترض اليهود عليه قائلين : ( فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق؟) قال المسيح لهم : (إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا النساء.. لكن من البدء لم يكن هذا) (متى)

صاح فيهم: فما الحل؟.. لقد تعلق قلبي بالمرأة الأخرى.. فما أفعل؟

قال له بعض الرهبان: أقوم حل لك يا أخي إذا أردت أن تدخل الملكوت هو أن تتخلص من الرغبة في النساء.

قال أبي: كيف.. دلني..

قال الراهب: لقد قال المسيح يعلمنا ذلك : ( لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم، ويوجد خصيان خصاهم الناس ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات، من استطاع أن يقبل فليقبل) (متى:19/12)

قال له أبي: أنا لا أطيق ذلك..

قال له بعض القسيسين: فاترك زوجتك زوجة.. واتخذ الثانية عشيقة.. وإن شئت أن تضم إليها غيرها فافعل.

قال أبي: ولكن الشريعة تحرم الزنا..

قال القسيس: أترى أنك أطهر من الأنبياء.. ألم تقرأ أن داود لم يكن ينام إلا فى حضن امرأة عذراء: (ملوك الأول 1: 1-4).. وأن رب الأرباب سلم أهل بيت داود للزنى (صموئيل الثانى 12: 11-12 )، وأن ابن داود زنى بأخته (صموئيل الثانى: 13).. وأن رأوبين زنى بزوجة أبيه بلهة (تكوين 35: 22 ؛ 49).. وأن شمشون ذهب إلى غزة ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها (قضاة 16: 1)، وأن حزقيال شجع النساء على الزنى والفجور (حزقيال 16: 33-34).. وأن..

سار أبي بهذه الرخصة التي أعطاه إياها رجال الدين تاركا القسس يعدد الأدلة على إباحة الزنا.. 

لكن أمي لم ترتض أن تظل مجرد عشيقة.. فلذلك عملت في الخفاء ما عملت لتتحول إلى زوجة.. وزوجة وحيدة تستأثر بأبي.

***

بهذه المأساوية تبدأ حياة والدي.. وليس عند هذا الحد تنتهي.. فالآلام التي عشتها لا تكاد تنتهي.. ولذلك رأيت من إخواني وأخواتي ـ الذين لا أدري هل هم إخواني فعلا، أم لا ما ملأ حياتي بالصراع.

قال رجل منا: كيف تقول هذا؟.. أتشك في إخوانك؟

قال: لست الوحيد الذي شك في ذلك.. الكل عندنا يشك في ذلك.. حتى أبي كان يشك في كون إخواني أولادا له.. لقد ولدوا بعد فترة طويلة من زواجه.. وفي تلك الفترة كان الصراع بينه وبين أمي قد بلغ أشده.. فقد اتخذ أبي من الخليلات ما شغلنه عنا.. ولولا أنه كان يجد عند أمي من المال والسكن ما عاد إلينا..

وكانت أمي لتحمي نفسها من الجنون الذي كاد يلم بها في تلك الفترة قد التجأت إلى الخمر تحتسيها كما تحتسي المياه.. وظلت تحتسيها حتى أدمنت عليها.. وكانت تخرج أحيانا فترات طويلة من الليل والنهار لا نراها ولا نعلم ماذا فعلت في خروجها..

المهم أننا لم نكن نعرف إلا شيئا واحدا هو أنها كانت تنتقم من أبي بالطريقة التي أملى عليها شياطيها أن تنتقم بها.

***

قلت: حدثتنا عن أمك.. فحدثنا عن إخوانك الذين تشك في أخوتهم لك.

قال: لقد كاني لي أختان وأخوان.. وكانوا جميعا هم الانتقام الإلهي الذي أرسله الله على أبي وأمي..

قلت: كيف؟.. وهل يمكن للولد أن يكون نقمة على والديه؟

قال: في مجتمعاتنا لا يكون إلا ذلك.. فنحن في جميع مصادر فكرنا لا ننهل إلا من المنابع التي تغذي فينا العقوق.. ليس على آبائنا فحسب.. بل على كل شيء.. حياتنا كلها تعتمد على التمرد والصراع.. ولا يمكن أن نخلي والدينا من هذا الصراع.

قلنا: فحدثنا عن إخوانك.

قال: أما أولهم.. وكان أصلح إخواني.. فقد كان متوجها توجها دينيا، ولكنه كان مع ذلك ممتلئا بالعقوق.. وقد كان يبرر عقوقه بما يجده في الكتاب المقدس من دعوة مباشرة أو غير مباشرة للعقوق.

وكان يصيح فينا كل حين بقوله ـ كما في (لوقا:14: 26) ـ:( إِنْ جَاءَ إِلَيَّ أَحَدٌ، وَلَمْ يُبْغِضْ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَزَوْجَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وأَخَوَاتِهِ، بَلْ نَفْسَهُ أَيْضاً، فَلاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ تِلْمِيذاً لِي )

ويصيح بما صاح به المسيح:( لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لألقي سَلاماً عَلَى الأَرْضِ.. مَا جِئْتُ لألقي سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً.. فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا) (متى: 10 : 34)

بل جعلتموه يقول 🙁 جِئْتُ لأُلْقِيَ عَلَى الأَرْضِ نَاراً، فَلَكَمْ أَوَدُّ أَنْ تَكُونَ قَدِ اشْتَعَلَتْ؟ ) (لوقا 12 : 49)

***

وأما أخي الثاني، فقد كان على عكس أخي الأول.. كان شابا شيوعيا ملحدا لا علاقة له بالدين.. ولا علاقة له بالأخلاق.. وفوق ذلك كان من المثليين.. بل كان من دعاتهم الكبار..

لقد كان يحمل جنسية هولندية([8]).. وقد سعى مع رفاقه لأن يقر البرلمان الهولندي تشريعًا يسمح بزواج الشواذ، ويعترف بحقهم في كل ما يتصل بالزواج الحقيقي..

وقد استطاع مع رفاقه الشواذ أن يعقد في العاصمةُ الهولندية (أمستردام) أولَ زواج رسمي بين الشواذ في العالم، وسط حضور وزراء الحكومة والمواطنين الهولنديين، بالإضافة إلى إذاعة الزواج على الهواء مباشرة.

***

قلنا: حدثنا عن أخويك.. فحدثنا عن أخواتك.

قال: أما أختي الأولى.. فقد كان اسمها (سيمون دي بوفوار)([9])، فقد كان لها من التحرر ما عمقت به الهوة التي كانت تعيشها أسرتنا، وقد انتمت إلى بعض حركات تحرير المرأة التي نشأت في الستينات، والتي بدأت بالمطالبة بضمانات قانونية للمرأة في مجال ظروف العمل والحقوق السياسية تحت شعار (تحرير المرأة من سلطة الرجل)

لكنها في غمرة انتصاراتها لم تكتف بذلك، بل تحولت إلى استخدام مفهوم جديد من (الأنثوية)، أو (النسوية) أو (النسوانية)، أو كما نعبر عنه في بلادنا (Feminism)

لقد مارست هذه الأخت المتمردة كل ما لقنوها إياه من دروس لم تزد إلا في تفكك أسرتنا.. لقد كانت كل حين تصيح فينا بأنها الأفضل.. وأنها ترفض رفضا مطلقا ما تسميه (السلطة الأبوية)، وكانت تذكر لنا كل حين أن المجتمعات الإنسانية كانت في البداية أمومية، ثم استولى عليها الرجال.

بل إن التمرد وصل بها إلى درجة الوقاحة فذكرت لنا أن المرأة يمكنها أن تستغني عن الرجل في كل شيء حتى في العلاقات الجنسية.. وقد أدى ذلك بها إلى أن تقع أسيرة لنوادي المثليات.

ولم تكتف أختي بالخراب الذي سببته لأسرتنا.. بل راحت ـ مع أعضاء حركتها ـ ترحل إلى العالم أجمع لتبشر بالتخلص من عبء الأسرة، والدعوة إلى (أن النظام الأسري ضد طبائع البشر)

وقد تحقق لأختي وللحركة التي تنتمي إليها الكثير من المطالب.. لقد أقنعوا المجتمعات المختلفة أن هذا السلوك الذي يمارسونه من قضايا حقوق الإنسان التي ينبغي أن تثار كل الصراعات من أجلها.

بل قد استطاعوا أن يقنعوا الكثير من مجموعات ذلك العالم الذي لا يعرف إلا استهلاك بضائعنا بجدوى ما يدعون إليه من قيم، وهي قيم ومبادئ لا تدعو إلا للشذوذ والسلوك الاجتماعي المنافي للطبيعة.

والأخطر من كل ذلك هو أن حركتها بدأت في تبني هذه المفاهيم والمبادئ النسوانية وصياغتها في وثائق رسمية تضفي عليها الصفة القانونية والشرعية، لتحاول بعد ذلك أن تصنع منها قضية دولية.

بل إنها في غمرة سعيها لاعادة تحديد المفاهيم المرتبطة بدور الرجل والمرأة داخلها، طالبت بمخاطبة الله عز وجل بضمير (هي) معتبرة أن مخاطبة الخالق بضمير المذكر فقط إهانة للنساء وتحقير من شأنهن.

لقد كانت من نتائج تلك الصيحات الشيطانية أن تخرب بنيان الأسرة في بلادنا، وفي بلاد كثيرة.. فتلك الحركات التحررية لم تجعل من المرأة عندنا معولاً لهدم أسرتها فقط، وإنما جعلتها معولا لهدم مقومات مجتمعها من الأساس.

وقد ظهر نتيجة لذلك أشكال شاذة من التعايش بين امرأة وامرأة، أو بين رجل ورجل وحتى بين أكثر من رجل وامرأة، بل إن بعض الدول الإسكندنافية أضفت جميعها شرعية قانونية على مثل هذه الأشكال، وسمحت لهؤلاء الشواذ بتبني الأطفال وتنشئتهم وسط هذا العبث الإنساني غير الأخلاقي.

سكت قليلا، ثم قال: نعم.. ليست كل الأسر حصل لها ما حصل لهؤلاء.. ولكن القوة التي ينتشر بها هؤلاء لا تبشر إلا بالخراب العظيم الذي ينتظر البشرية..

لقد بدأت أمارات هذا الخراب تظهر على الأسر عندنا.. فلم يبق ذلك الزواج التقليدي الذي تباركه الكنيسة.. والذي يتم بين رجل وامرأة كما اعتادت البشرية منذ نشأتها.. إلا في بيئات محدودة.. لقد حل محله شكل قانوني جديد يفرغ مؤسسة الزواج من مضمونها بشكل مدهش، فبدلاً من الزواج الكنسي أو حتى المدني الذي يفرض على طرفيه تبعات قانونية يضيق بها كلاهما، ظهر عندنا شكل جديد من العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن ما يسمى بزواج العقود، وهو ليس زواجاً من الأساس إلا أن طرفيه يلجآن إليه لتنظيم توزيع النفقات ومسئوليات الحياة اليومية بين طرفين غالباً ما يكونان قد تعاشرا لمدة سابقة معاشرة الأزواج، ولكن دون أن يتم تسجيل هذه العلاقات على أنها علاقات زواج قد تؤدي عند الانفصال مثلاً إلى اقتسام ثروة الطرفين بالتساوي كما هو متبع عند الطلاق من زواج كنسي أو مدني.

***

قلنا: فحدثنا عن أختك الثانية.

قال: لقد اشتغلت المسكينة في بعض دور السينما([10]).. وقد عاشت حياتها جميعا منشغلة عن نفسها وعن أهلها.. وقد انتهت في الأخير إلى مصحة نفسية..

لا أزال أذكر جيدا اليوم الأول والأخير الذي زرتها فيه قبل أن تنتحر..

لقد كانت تردد، وهي تحت تأثير الأقراص الكثيرة المخدرة التي شربتها: أهلا (بريجيت باردو).. أهلا بالممثلة الفرنسية المشهورة.. ألست أنت الذي قال لك الصحفي: لقد كنتِ في يوم من الأيام رمزاً للتحرر والفساد.. فأجبته قائلة: هذا صحيح كنت كذلك، كنت غارقة في الفساد الذي أصبحت في يوم ما رمزاً له.. لكن المفارقة أن الناس أحبوني عارية، ورجموني عندما تبت.. عندما أشاهد الآن أحد أفلامي السابقة فإنني أبصق على نفسي، وأقفل الجهاز فوراً، كم كنت سافلة.

ثم التفتت إلى جهة أخرى، وقالت: أهلا (مارلين مونرو).. أهلا بممثلة الإغراء الأمريكية التي تعد أشهر ممثلة في تاريخ هوليود.. ألست المرأة التي قيل عنها: (إنها أسطورة هوليود التي لا يخبو نورها، ولا ينطفىء وهجها، ولا ينقطع الحديث عنها)

لقد كنت أظن أنك فارقت الحياة منذ سبعة وثلاثين عاماً.. كيف ظهر لك أن تعودي.. حدثيني عن سبب وفاتك.. فقد مت في ظروف غامضة..

لقد ذكر المحققون أنهم وجدوك جثة هامدة في منزلك، واكتشف المحقق الذي تناول قضيتك أنك مت منتحرة، ووجد رسالة محفوظة في صندوق الأمانات في مانهاتن في نيويورك، وجهتها إلى فتاة تطلب نصيحة منك عن الطريق إلى التمثيل.. قلت فيها تخاطبينها وتخاطبين كل من ترغب العمل في السينما:( احذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء؛ إني أتعس امرأة على هذه الأرض؛ لم أستطع أن أكون أماً، إني أفَضِّل البيت، والحياة العائلية الشريفةَ على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة، بل الإنسانية)

وقلت في نهاية الرسالة : (لقد ظلمني الناس، وإن العمل في السينما يجعل المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة.. إني أنصح الفتيات بعدم العمل في السينما وفي التمثيل؛ إن نهايتهن إذا كن عاقلات كنهايتي)

التفت إلى جهة أخرى، وقالت: أهلا بالفنانة الإيطالية العالمية (داليدا).. أهلا بالفنانة التي وصلت مبيعات أغانيها إلى 85 مليون اسطوانة، والتي غنت 400 أغنية بالفرنسية، و 200 أغنية بالإيطالية، و 20 أغنية بلغات مختلفة منها الألمانية، والأسبانية، واليابانية، والعربية.. أهلا بالتي حصدت الجوائز العالمية.. أهلا بالتي تركت للدنيا أغاني كثيرة، خلفت ثروة تقدر بأكثر من 30 مليون فرنك فرنسي..

أجيبيني.. هل عشت حياة سعيدة رغم كل تلك الثروة والجاه ؟

لقد علمت أنك لم تؤسسي أسرة، ولم تنجبي طفلاً، أو طفلة، مع أن الإنجاب كان حلم حياتك.

وقد علمت ـ فوق ذلك ـ أنك كنت مدمنة للمخدرات، تلجئين إليها كل حين للخلاص من الاكتئاب، والوحدة، والعذاب النفسي.

وقد علمت ـ فوق ذلك كله ـ أنك حاولت الانتحار عام 1967م، محاولة اللحاق بحبيبك (لويفي تانكر) الذي قتل نفسه بمسدسه، فلم تطيقي العيش من دونه، فتجرعت مواد سامة؛ رغبة في الانتحار، ولكن محاولتك باءت بالإخفاق في المرة الأولى.. ولكني صممت ونجحت أخيرا.. وقد تركت ورقة كتبت فيها : (الحياة لا تحتمل، سامحوني؛ الحياة أصبحت بالنسبة لي مستحيلة)

التفت إلى جهة أخرى، وقالت: أهلا بالفنانة الأمريكية الشهيرة، التي نالت من المال والشهرة والانطلاق ما جعلها أشهر فنانة في هذا العصر.. الفنانة العظيمة (مادونا).. هل تعلمين أن شهرتك قد طبقت الخافقين؟.. وأن ثروتك لا يمكن تقديرها.. أجيبيني.. هل وجدت الراحة والاستقرار؟

لقد سمعت أنك صرحت بأنك تعيشين حالة اكتئاب عميق، وذلك بعد أن اكتشفت أنه لم يبق بينك وبين سن الأربعين سوى ثلاث سنوات، ذلك السن المتعارف عليه لدى الأطباء بأنه آخر فرصة للإنجاب بالنسبة للمرأة دون مشكلات.

وسمعت بأنك صرحت لمجلة نمساوية بأنك نادمة ندماً شديداً على السنوات التي أضعتها وراء الغناء هنا وهناك دون أن تفكري أن تتزوجي من جديد بعد زواجك الأول الذي لم يستمر، ودون أن تفكري في إنجاب طفل أو أكثر يملأون عليك حياتك بعد أن تنصرف عنك الأضواء.

قالت ذلك، ثم راحت تصرخ بهستيرية.. وقد سمعت أنها ماتت بعد تلك الكلمات..

***

قلنا: حدثتنا عن أسرتك.. فحدثنا عنك أنت.

قال: ماذا عساي أقول لكم..

بعد أن خرج جميع إخواني وأخواتي، ولم يبق إلا أنا، ولم يبق معي إلا ذلك الأب المشوه، وتلك الأم المنحرفة.. قررت أن أكون مستقيما، فطلبت لنفسي زوجة.. لقد كانت الفطرة تحثني على أن أتخذ زوجة..

لكني لم أتمتع بذلك الزواج إلا شهرا واحدا.. بعدها انقلبت حياتي إلى جحيم..

كان أول ما فرضته علي زوجتي هو التخلص من والدي.. فلم تكن تطيق أن ترى وجهيهما.. وقد اضطررت لذلك ـ وقد شاخا ـ إلا أن أرميهما في بعض ديار العجزة..

قال رجل منا مستغربا: ترمي والديك في ديار العجزة!؟

ابتسم، وقال: ربما لا يوجد شيء أرحم لهما في تلك الديار من ديار العجزة..

لعلكم لم تسمعوا بما قال النائب الديمقراطي الأمريكي (كلودبير) في معرض تعليقه على تقرير أعدته لجنة في مجلس النواب الأمريكي، بعد دراسة استمرت ست سنوات جاء فيها: (إن أكثر من مليون مسن ومسنة، تجاوزت أعمارهم (65عاماً) يتعرضون لإساءات خطيرة، فيضربون ويعذبون عذاباً جسدياً ونفسياً، وتسرق أموالهم من قبل ذويهم)

وقد أكد التقرير أن الإساءة للمسنين، تأخذ عدة أشكال، منها الضرب والإهمال والحرمان من الطعام والشراب، وقد يصل الأمر إلى القتل أحياناً.

لقد قال معلقا على هذا : ( إن وضع المسنين في أمريكا عارٌ وطني مرعب)، وقال: ( لا أحد يدرك حتى الآن أبعاد هذه المشكلة المرعبة، ولا يرى أحد أن يعترف بما يجري، لقد تجاهلنا المشكلة لأنها مخيفة، لدرجة تمنعنا من الاعتراف بوجودها، ولا نريد أن نصدق أن مثل هذه الأشياء، يمكن أن تحدث في دولة متحضرة)

وقالت الدكتورة (سوزان ستايتمتر) أستاذة الدراسات العائلية في جامعة (ملاوير): (لقد تعودنا طوال تاريخنا على الإساءة للمسنين، إننا نميل إلى العنف البدني، وقد أصبح هذا جزءاً ثابتاً من طبيعة عائلات كثيرة تسيء للمسنين، بالعنف والاضطهاد، وأصبح إهمالهم وعدم الرفق بهم، أو حتى نجدتهم من الأمور الشائعة في المجتمعات الأوربية)([11])

قال الرجل: أيحصل هذا في أمريكا المتحضرة؟

قال: ليس في أمريكا وحدها يحصل هذا.. في كل تلك البلاد الممتلئة بالصراع تحدث كل الغرائب.. اسمحوا لي أن أذكر لكم بعض ما يحصل هناك مما رأيته أو شاهدته أو سمعت به لتروا مدى الانحطاط الذي وصلنا إليه.

مما سمعت به في تلك البلاد أن امرأة قامت بتقييد أبيها البالغ من العمر(81عاماً) بسلسلة وربطته أمام الحمام، وأخذت تعذبه لعدة أيام.

وحدثني صديق لي كان يدرس في بريطانيا أن صديقاً له، كان يعمل مناوباً في أحد المستشفيات هناك، وكان قد توفي رجل مسن في تلك الليلة عنده، فأحب أن يعزي أسرة المتوفى، واتصل بولده في الساعة الثانية عشرة ليلاً، وعزاه بوفاة والده على وجل.. فما كان من الابن إلا أن امتعض من هذا الاتصال وقال: أتتصل بي في هذه الساعة المتأخرة من الليل، لتخبرني بوفاة والدي؟! وماذا تنتظر مني أن أفعل؟!.. أنا مسافر صباحاً لمدة ثلاثة أيام، ضعوه في الثلاجة، وسأراجعكم حين عودتي، من أجل استلام الجثة.

***

قلنا: فماذا حصل بعد أن رميت والديك في ديار العجزة.. هل اطمأنت زوجتك بعد ذلك؟.. وهل وجدت الاستقرار الذي كنت تحلم به؟

قال: كيف أجد الاستقرار في تلك البلاد التي لم تكن تعرف إلا الصراع ؟

قلنا: فأي صراع جديد حصل لك؟

قال: تلك الجريمة الخطيرة التي تسمى (الخيانة الزوجية)..

قلنا: كيف حصل ذلك؟

قال: ما أسهل أن تقع الخيانات في مجتمعاتنا.. فقد كان فيها من التفتح والانحلال ما ييسر كل سبل الرذيلة..

لقد جاء في الإحصائيات([12]) أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته.. وفي كثير من هذه الحالات يعلم الزوج بخيانة زوجته وتعلم الزوجة بخيانة زوجها، ومع هذا قد تستمر العلاقات الزوجية الشكلية دون أن يطرأ عليها أي انفصام.

قلنا: فما مصير زواجك بعد اكتشافك للخيانة؟

قال: الطلاق.. لقد رحت للمحاكم أسعى لتطليق زوجتي.

قلنا: لكنك ذكرت موقف الكنيسة من الطلاق..

قال: لقد رضخت الكنيسة أخيرا.. وصارت تقر بالطلاق.. وتحكم به.. وتوافق عليه..

ومع ذلك، فلم يكن لي اهتمام بالكنيسة، ولا اهتمام بمعرفة رأيها.. فقد كانت الفضائح التي تملأ أذني من أخبار رجالها ما يردعني عن الالتفات إليها.

قلنا: فكيف صار المجتمع ينظر إليك بعد تطليقك لزوجتك؟

قهقه بصوت عال، وقال: كل الذين قاموا بالإجراءات المرتبطة بتطليقي لزوجتي كانوا من المطلقين أو المطلقات.

قلنا: هي مصادفة غريبة إذن؟

قال: لا.. ليست مصادفة غريبة.. الطلاق عندنا يكاد يساوي الزواج..

لقد نشرت بعض صحفنا([13]) مقالا تحت عنوان (بريطانيا الجديدة: أزمات زوجية وعائلية وارتفاع حالات الخيانات.. على أنواعها) جاء فيه : (بريطانية مقبلة على أزمة اجتماعية كبيرة.. وتتحدث أرقام رسمية نشرت أمس في لندن عن تزايد المخاوف من زيادة نسبة الطلاق وانخفاض نسبة الزواج وارتفاع نسبة الخيانة الزوجية بين الطرفين وتقول الأرقام ما يلي: 30 بالمائة من الأزواج الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 عاماً عليهم أن يتوقعوا سلسلة عمليات طلاق خلال 15 عاماً الآتية.. ارتفع عدد الأمهات المطلقات إلى مليون وربع المليون أم، والرقم مرشح للزيادة.. 50 بالمئة من الأزواج الجدد يرفضون الإنجاب خلال السنوات الثلاث الأولى من زواجهم..

أما في أمريكا.. فنسبة الطلاق في ازدياد مطرد فبينما كانت نسبة الطلاق سنة (1900م) لا تتجاوز (10%) قفزت النسبة في عام (1948م) لتصبح (40%) أما الآن فنسبة الطلاق في أمريكا تتجاوز (70%) من الزيجات تنتهي بالفشل والطلاق.

قلنا: فما أسباب ذلك؟

قال: الأسباب معروفة.. منها: الخيانة الزوجية، وقد ذكرت لكم أن نسبتها تتجاوز (75%).. ومنها التكاليف الباهظة في وقت ليس لدى الرجل فيه أي استعداد لتحمل أية مسؤولية لا عن الزوجة ولا عن الأطفال، فهو يريد أن يستمتع بالمرأة، لكن لا يريد أن تنجب، وإذا أنجبت لا يعترف بهذا الولد، ولا ينفق عليه.. ومنها العمل، فالرجل يعمل والمرأة تعمل، وبالتالي ليس بينهما علاقة زوجية حقيقية.. وغيرها من الأسباب الكثيرة..

***

قلنا: فما حصل بعد تطليقك لزوجتك؟

قال: تزوجت أخرى.. ثم أخرى.. ثم أخرى.. إلى أن يئست من أن أجد امرأة محترمة أكون معها بيتا ممتلئا بالسلام..

وعندما يئست من ذلك لجأت إلى ما لجأ إليه رفاقي.

قلنا: الانتحار.

قال: أجل.. لقد كان هو الحل الوحيد الذي أنهي به حياتي الممتلئة بالصراع.

قلنا: فحدثنا كيف تم تخطيطك للانتحار؟

قال: لم يكن الأمر صعبا.. فما أسهل أن يصنع المصارعون أدوية الموت.

قلت: أي دواء استعملته؟

قال: لقد ذهبت إلى جمعية من جمعيات الانتحار.. كانت تسمى (طائفة معبد الشمس)([14])، وقد كانت من الطوائف التي تدعو إلى الانتحار، وتيسر السبل إليه.

وقد سلمتني هذه الطائفة من أدوية الموت ومناهجه ما رحت به أحاول التخلص من نفسي.. لكن من سوء حظي أو من حسنه أن الله أنقذني من أن يكون مصيري هو الانتحار بالرغم من أني أعددت كل عدته.

قلنا: كيف كان ذلك؟

السلام

قال: لقد سقطت قارورة الموت من يدي فجأة.. لا.. ليس فجأة.. بل بعد سماعي لصوت جميل كان يردد من قرآن المسلمين هذه الآية :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم:21)

قلنا: وما حصل بعدها؟

قال: لقد أغمي علي بعد أن حصلت لي بعض تلك اللذات التي حدثتني عنها تلك الطائفة.. ولم أفطن إلا وأنا في بيت رجل من المسلمين كان يسكن واشنطن.. ولكنه كان أغرب الناس عنها.

بعد أن فتحت عيناي في بيته، وجدته وأهل بيته جميعا بجانبي.. شعرت براحة عظيمة لم أشعر بمثلها في حياتي.. لقد لاحظت ابتسامتهم العذبة وهم ينظرون إلي، بل إني سمعت تكبيرهم بمجرد أن فتحت عيناي.. لقد كبروا الله وحمدوه على نجاتي مع أني لم أكن أعرفهم، ولم يكونوا يعرفونني.

بعدها قال لي الرجل: الحمد لله على نجاتك.

نظرت إليه خجلا، وقلت: من أنت؟.. وكيف أنقذتني؟.. لقد شربت الدواء الذي لا يحتاج شاربه إلى أي دواء بعده.. فلم خلصتني؟

ابتسم، وقال: أنا أخ من إخوانك.. أرسلني الله إليك في وقت أحوج ما تكون فيه إلي.. وأنا أعتذر إليك، لأني لم أسرع بالمجيء إليك حتى وصلت إلى تلك الحال.

قلت: من أنت؟

قال: أنا رجل من هذه البلاد.. كان قلبي ممتلئا بالبرودة.. وكان صدري مملوءا بالظلمات.. ربما كنت مثلك تماما.. لكن الله شاء أن أتعرض للشمس التي لا يتعرض لها أحد إلا أطعمته من الأنوار ما يخلصه من كل برد ومن كل ظلمة.

قلت: لا أعي كثيرا مما تقول.. فاذكر لي اسمك.

قال: لقد كنت أسمى أسماء كثيرة.. مرة فرويد، ومرة نيتشة.. لكني بعد أن تعرضت لتلك الأشعة تسميت باسم محمد.. ولكن أصحابي يأبون إلى أن يدعونني أمين الدين([15]).

قلت: لقد سمعت بمثل هذه الأسماء.. أليست هذه الأسماء هي الأسماء التي يتخذها أولئك الإرهاببون من أكلة لحوم البشر؟

ابتسم، وقال: أنت تردد ما كنت أردد أنا زمنا طويلا.. وإن شئت أريتك من مقالاتي ما يبين لك أني لم أختلف عنك في هذا الموقف.

قلت: فكيف تحولت عن قولك؟.. وأي سحر هذا الذي رمي عليك، فجعلك تتراجع عن آرائك؟

قال: كنت صحفيا.. وقد شاء الله أن أرسل إلى بقعة من بقاع ذلك العالم.. وقد ودعت أهلي عند إرسالي وداع من سيفارقهم فراقا لا يعود بعده.. ولكني عدت إليهم بالحياة التي كنت أفتقدها..

لقد كنت أعيش قبل أن أذهب إلى تلك البقعة كما تعيش القطط والكلاب.. بل كما تعيش الخنافس والجعلان.. بل كانت حياتي لي لا تختلف عن حياة أي بهيمة من بهائم الغاب لا هم لها من الحياة إلا اقتناص ما تملأ به غرائزها.

ولكني عندما ذهبت، ورأيت من أهل الله من رأيت امتلأت بأشواق رفيعة سامية، وامتلأت نفسي بسلام لا أرى أن هناك في الدنيا سلاما يعدله.

قال ذلك، ثم ابتسم بلطف، وقال: اعذرني.. لقد انشغلت بالحديث عن نفسي عن تعريفك بهؤلاء..

أشار إلى المحيطين بي، وقال: هؤلاء هم أهلي.. لقد كنا متفرقين متفككين يصارع بعضنا بعضا.. ولكني بمجرد أن رجعت جعلت أول أهدافي أن تكون لي أسرة كما لكل مسلم أسرة.. فلا يمكن أن يرى الإنسان السلام وهو يعيش في أجواء الصراع.

بمجرد أن عدت ذهبت إلى والدي اللذين أرسلتهما إلى دور العجزة، فأسكنتهما معي، وها هما أمامك.. لقد قاما ليال طويلة يدعوان الله لك بالشفاء.. ولعل ما تظفر به من العافية لم يكن إلا بسبب تلك الدعوات المباركة التي دعوا بها لك.

أشار إلى أربع نسوة، وقال: هؤلاء هن زوجاتي..

انتفضت من فراشي، وقلت: أنت تعدد الزوجات.. هذا ما يؤخذ على المسلمين؟

قال: أجل.. هم يقولون ذلك.. وهم يتلاعبون بذلك القول.. لقد اتخذت الصحافة من زواجي بهؤلاء الزوجات الأربع مادة للسخرية مع أنهن أنفسهن كن صديقاتي قبل أن يمن الله على بالإسلام..

لقد كنت في تلك الجاهلية الجهلاء أعيش معهن جميعا معيشة الأزواج.. وكان الكل يعلم ذلك، ولم ينكر أحد علي ذلك.. ولكني بمجرد أن نظرت إليهن نظر الرحمة، فخيرتهن بين الفراق وبين الزواج بي اخترن جميعا الزواج بي.. كلهن.. لم ترد إحداهن أن تلغي الأخرى.. في ذلك الحين قامت الدنيا ولم تقعد.

لقد كتبت الصحافة ما شاء لها أن تكتب مع أن الحرية التي تدعيها تجعل لأي شخص الحرية في أن يختار المعيشة التي يريد.. ولكن تلك الصحافة الممتلئة بالتناقضات تقدر معيشة الخليلات البئيسة، وتحتقر معيشة الزوجات الشريفة.

أذكر ممن كتب في ذلك صديقا لي كان مسؤولا كبيرا.. كان من أكبر مسؤولي هذا البلد.. كان اسمه (جونسون)، وكانت حياته مملوءة بكل أنواع الانحراف.. وكانت له علاقات مع صحفيات وغيرهن كان معاونوه يحضرونهن له، وذات مرة ـ وبمرآي ـ أحضر جونسون ثلاث فتيات دفعة واحدة من مزرعته بتكساس، وأصر على توظيفهن في البيت الأبيض ليبقين رهن إشارته.

وكان منهم (فرانكلين روزفلت) ـ الذي حكم هذه البلاد منذ عام 1933، وأعيد انتخابه للمرة الثالثة في عام 1940 ـ لقد كان هذا الرجل المقعد ذا علاقات نسائية متعددة، على الرغم من أنه كان مقعدا يتحرك بكرسي طبي.

وكان منهم (جون كيندي).. وكان من أشهر عشيقاته  ممثلة الإغراء الراحلة (مارلين مونرو)، والتي لقيت مصرعها في حادث غامض قيل إنه من تدبير المخابرات المركزية الأمريكية، وكان شقيقه (روبرت) على علاقة هو أيضا بمارلين مونرو في ذات الوقت، وكان يقابلها في مكتبه أثناء عمله مدعيا عاما لهذه البلاد.

وقد أقام جون كيندي علاقات أخرى مع عشرات من النساء أثناء ارتباطه بزوجته (جاكلين).. ومن عشيقاته سكرتيرتان هما الشقراء (فيدل) والسمراء ( فادل) والثالثة كانت فتاة تعمل في عصابات المافيا وتدعى (جوديث كامبل)

كل هؤلاء لقيت منهم ما لقيت بعد أن هداني الله.. وبعد أن هدى الله هؤلاء النسوة الطيبات، فرحن يبدلن الحياة الخبيثة في البيت الخبيث بالحياة الطيبة في البيت الطيب.

أشار إلى مجموعة أولاد وبنات، وقال: هؤلاء هم أولادي.. وهم ـ كما ترى ـ قد نور الله قلوبهم بالإيمان.. لقد تداولوا عليك في فترة مرضك.. كل واحد منهم يسقيك من بره ما يسر الله لك الشفاء.

نظرت إليهم نظرة امتنان، فبادلوني بنظرات جعلتني أرى الحياة بصورة أجمل بكثير من الصورة التي كنت أنظر بها إليها.

***

بعد أن يسر الله لي الشفاء التام، وصرت أنهض من فراشي كما ينهض الأصحاء، طلبت من أمين الدين أن يأذن لي في العودة إلى بيتي.. ذلك البيت المملوء بالظلمات، فقال: لا.. لا ينبغي أن تذهب الآن.. أنت في حالة نقاهة.. وينبغي أن تظل هنا.

قلت: شكرا.. لقد شفيت تماما.. وأنا ممتن لك.. يكفيني ذلك الإزعاج الذي سببته لكم.

قال: ومن قال لك بأنك أزعجتنا.. بالعكس نحن سررنا كثيرا.. الحمد لله.. لقد وسع الله علينا.. ومن وسع الله عليه ينبغي أن يوسع على غيره.. هكذا علمنا الإسلام([16]).

لقد اتخذت في هذا البيت بيتا خاصا بأي ضيف يأتيني.. واستفدت ذلك من المسلمين الذين عشت معهم.. فلذلك لا يسبب لي الضيوف أي حرج، أما الطعام، فقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن الله يبعث مع الضيف رزقه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( الضيف يأتي برزقه ويرتحل بذنوب القوم يمحص عنهم ذنوبهم )([17])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إذا دخل الضيف على القوم دخل برزقه، وإذا خرج خرج بمغفرة ذنوبهم )([18])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إذا أراد الله بقوم خيرا أهدى إليهم هدية الضيف ينزل برزقهن ويترحل، وقد غفر الله لأهل المنزل) ([19])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( الرزق أسرع إلى البيت الذي يؤكل فيه من الشفرة إلى سنام البعير)([20])

 بل أخبر صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ( إن أسرع صدقة إلى السماء أن يصنع الرجل طعاما جيدا، ثم يدعو إليه ناسا من إخوانه)([21])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إن من موجبات المغفرة إطعام السغبان)([22])

بل أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بما هو أعظم من ذلك، فقال:( أطعموا الطعام، وأفشوا السلام تورثوا الجنان )([23])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( من أطعم مسلما جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة )([24])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( من ذبح لضيفه ذبيحة كانت فداه من النار )([25])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن فضل مطعم الطعام، فقال:( خيركم من أطعم الطعام ورد السلام)([26])، وعلى عكس ذلك، قال صلى الله عليه وآله وسلم:( لا خير فيمن لا يضيف )([27])

في مساء ذلك اليوم قدم أقارب كثيرون لمحمد يهنئونه بشفائي، ويهنئوني مثله.. وقد تعجبت لما رأيت من اللحمة التي وصلت بين قلوبهم، وهي ما لم أجده في البيئة التي كنت أعيش فيها.

سألت محمدا عن سر هذا، فقال: إن الفضل لما تراه من هذه اللحمة التي وصلت قلوبنا للإسلام.. لقد كنا في جاهليتنا قبل أن يمن الله علينا بالإيمان والإسلام ننفر من بعضنا نفورا تاما، لكني بمجرد أن جئت من تلك البلاد الطيبة رحت أبحث عن أقاربي وأجدد علاقاتي معهم وأمتنها، وقد من الله على كثير منهم بالإسلام بسببي.

قلت: أفيمن رأيت من ليس مسلما؟

قال: أجل.. فيهم المسلم، وفيهم غير المسلم.

قلت: ولكنك لم تفرق بينهم في معاملتك؟

قال: هكذا علمنا الإسلام.. لقد حدثت أسماء قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله، قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال : (نعم، صلي أمك)([28]

بل إن القرآن الكريم ذكر هذا، فقد قال تعالى :{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة:8)

قلت: ولكن.. أليس الطبع يغلب التطبع.. فكيف تحولت بهذه السهولة مما كنت عليه إلى ما صرت إليه؟

قال: لأني سمعت النصوص المقدسة التي وردت في مصادر المسلمين تخاطب أركاني جميعا.. تخاطب نفسي وعقلي وقلبي وروحي.. فلذلك لم أجد إلا أن أخضع لها، وألتذ بذلك الخضوع بلذة لا تعدلها لذة.

قلت: فأسمعني هذه النصوص التي أثرت فيك كل هذا التأثير.

قال: أول ما هزني من النصوص هو ما ورد في القرآن الكريم من التشديد في قطع الرحم:

فالقرآن يقرن تقوى الله بالرحم، وكأنه يقول 🙁 لا تقوى لمن لم يصل رحمه)، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

وهو يقرن بينها وبين الإفساد في الأرض، قال تعالى :{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (محمد:22)، وقال :{ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27)، وفي موضع آخر ما هو أشد من ذلك، قال تعالى :{ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25)، وفي مقابل ذلك قال تعالى :{ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (الرعد:21)

وتأكيدا لهذه المعاني وردت الأحاديث النبوية تشدد على قطع الرحم، وتعتبره من الكبائر التي رتبت عليها العقوبات التي تنزجر لهولها النفوس:

ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى، قال فذاك لك)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 اقرءوا إن شئتم :{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} (محمد)([29])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 ما من ذنب أجدر – أي أحق – أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)([30])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 لا يدخل الجنة قاطع)([31])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس وليلة جمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم)([32])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم  :(إنه أتاني جبريل عليه السلام فقال : هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب لا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل – أي إزاره خيلاء – ولا إلى عاق لوالديه ولا إلى مدمن خمر)الحديث([33]).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر)([34])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب، فيصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير، وليصيبنهم خسف وقذف حتى يصبح الناس، فيقولون: خسف الليلة ببني فلان وخسف الليلة بدار فلان خواص، ولترسلن عليهم حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط على قبائل فيها وعلى دور، ولترسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادا على قبائل فيها وعلى دور بشربهم الخمر ولبسهم الحرير واتخاذهم القينات وأكلهم الربا وقطيعتهم الرحم)([35]).

وعن جابر قال :خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن مجتمعون فقال: (يا معشر المسلمين اتقوا الله وصلوا أرحامكم فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم، وإياكم والبغي فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة بغي، وإياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إزاره خيلاء إنما الكبرياء لله رب العالمين)([36])

وعنه قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (لا يجالسنا اليوم قاطع رحم)، فقام فتى من الحلقة فأتى خالة له قد كان بينهما بعض الشيء فاستغفر لها فاستغفرت له ثم عاد إلى المجلس فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم)([37])

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم :(إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم)([38])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله)([39])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(قال الله عز وجل : أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته أو قال بتته)([40]) أي قطعته.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل فمن قطعها حرم الله عليه الجنة)([41])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(إن الرحم شجنة([42]) من الرحمن([43]) تقول يا رب إني قطعت، يا رب إني أسيء إلي، يا رب إني ظلمت، يا رب يا رب، فيجيبها : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟)([44])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(الرحم حجنة([45]) متمسكة بالعرش تتكلم بلسان ذلق : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول الله تبارك وتعالى : أنا الرحمن الرحيم وإني شققت الرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ومن بتكها([46]) بتكته)([47])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(ثلاث متعلقات بالعرش : الرحم تقول اللهم إني بك فلا أقطع، والأمانة تقول اللهم إني بك فلا أخان، والنعمة تقول اللهم إني بك فلا أكفر)([48])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(الطابع معلق بقائمة العرش فإذا اشتكت الرحم وعمل بالمعاصي واجترئ على الله – تعالى – بعث الله الطابع فيطبع على قلبه فلا يعقل بعد ذلك شيئا)([49])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم  :(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)([50])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه)([51])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر)([52])، أي بها الزيادة في العمر.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه)([53])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة السوء ويدفع بهما المكروه والمحذور)([54])

وعن رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في نفر من أصحابه فقلت : أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال : نعم، قلت : يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال الإيمان بالله، قلت : يا رسول الله ثم ماذا ؟ قال : ثم صلة الرحم، قلت : يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله ؟ قال : الإشراك بالله، قلت : يا رسول الله ثم ماذا ؟ قال قطيعة الرحم، قلت : يا رسول الله ثم ماذا ؟ قال: ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف([55]).

وعرض أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله – أو يا محمد – أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني عن النار؟ فكف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: لقد وفق هذا أو لقد هدي، قال: كيف قلت ؟ فأعادها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم، دع الناقة)([56])، وفي رواية: وتصل ذا رحمك، فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن الله ليعمر بالقوم الديار وينمي لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم)، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال :(بصلتهم أرحامهم)([57])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(إنه من أعطي الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمرن الديار ويزدن في الأعمار)([58])

وقيل له صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله من خير الناس؟ قال 🙁 أتقاهم للرب وأوصلهم للرحم، وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر)([59])

وعن أبي ذر قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم بخصال من الخير : أوصاني أن لا أنظر إلى من هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أصل رحمي، وإن أدبرت، وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا، وأوصاني أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة)([60])

وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال: إني أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال: هل لك من أم؟ قال : لا، قال: وهل لك من خالة ؟ قال نعم، قال: فبرها([61]).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)([62])

وأتاه آخر، فقال: يا رسول الله : إن لي قرابة أصل ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال 🙁 إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل – أي الرماد الحار – ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)([63])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(أفضل الصدقة صدقة على ذي الرحم الكاشح)([64])، أي الذي يضمر عداوة في كشحه – أي خصره – كناية عن باطنه.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا وأدخله الجنة برحمته) قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال 🙁 تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك ؛ فإذا فعلت ذلك يدخلك الجنة)([65])

وعن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال؟ فقال 🙁 يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك)([66])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة : أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وأن تعفو عمن ظلمك)([67])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(إن أفضل الفضائل : أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتصفح عمن شتمك)([68])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع به الدرجات؟) قالوا: نعم يا رسول الله؟ قال 🙁 تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك)([69])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم، وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم)([70])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب، وإن أعجل البر ثوابا لصلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا)([71])

***

قلت: فكيف ظهر لك أن تخرج والديك من دور العجزة لتضمهما إليك؟

قال: لقد امتلأت بالمعاني العظيمة التي وردت في النصوص المقدسة.. والتي تحث على البر، وتحذر من العقوق، ومن العواقب الخطيرة التي تنتظر العاقين.

قلت: فاذكر لي منها بعض ما أثر فيك هذا الأثر العظيم.

قال: من ذلك ما ورد في القرآن الكريم من اقتران عبادة الله وتوحيده بالبر بالوالدين.. ولا يقرن المهم إلا بمثله([72]): قال تعالى :{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ  مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء:36)، وقال تعالى :{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(الأنعام: من الآية151)، وقال تعالى :{ وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14)، وقال تعالى :{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} (الاسراء:23)

انظر كيف نهى الله تعالى حتى على مجرد أن يقال لهما أف، ولو علم الله شيئا أدنى من (أف) لنهى عنه.. ثم أمر بأن يقال لهما القول الكريم: أي اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة وموافقة مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن سيما عند الكبر، لأن الكبير يصير كحال الطفل لما يغلب عليه من الخرف، فيرى القبيح حسنا والحسن قبيحا، فإذا طلبت رعايته وغاية التلطف به في هذه الحالة وأن يتقرب إليه بما يناسب عقله إلى أن يرضى.

ثم أمر – تعالى – بعد القول الكريم بأن يخفض لهما جناح الذل من القول بأن لا يكلمهما إلا مع الاستكانة والذل والخضوع وإظهار ذلك لهما واحتمال ما يصدر منهما، ويريهما أنه في غاية التقصير في حقهما وبرهما، وأنه من أجل ذلك ذليل حقير، ولا يزال على نحو ذلك إلى أن يثلج خاطرهما، ويبرد قلبهما عليه، فينعطفا عليه بالرضا والدعاء([73]).

وقد ضرب الله تعالى نموذجا للبر بإبراهيم ـ عليه السلام ـ فقد ذكر القرآن الكريم خطابه لأبيه بلطف شفَّافٍ، وإشفاقٍ بالغ، وحرص أكيد؛ رغبة في هدايته ونجاته، وخوفاً من غوايته وهلاكه.. يقول الله تعالى :{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً (41) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (44)} (مريم)

انظر هذه الرقة التي يخاطب بها إبراهيم ـ عليه السلام ـ أباه رغم كفره بالله.. ورغم شدته عليه.. لقد ذكر القرآن جواب الأب الشديد لابنه، فقال :{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً) (مريم:46).. وما كان من إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلا أن رد عليه بكل رقة :{ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) (مريم:47)

بل ذكر القرآن الكريم أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ لازم الاستغفار لأبيه إلى أن نهي عن ذلك، قال تعالى :{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } (التوبة:114)

وهذه البراءة التي ذكرها الله عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ ليست براءة من الإحسان إليه، أو الأدب معه، بل هي براءة من اتباعه على كفره ونصرته عليه.. كما قال تعالى يوصي المؤمنين :{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان:15)

وبمثل هذه الوصايا العظيمة أوصانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد اعتبر العقوق من أكبر الكبائر.. ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -ثلاثا -؟) قلنا: بلى يا رسول الله، قال 🙁 الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)، وكان متكئا فجلس فقال 🙁 ألا وقول الزور وشهادة الزور)، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت)([74])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)([75])

وذكر صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه الذي كتبه إلى أهل اليمن وبعث به عمرو بن حزم : (وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم)الحديث([76]).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)، قيل : يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال 🙁 يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه)([77])

وفي رواية:(من الكبائر شتم الرجل والديه)، قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال:(نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)([78])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)([79])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه والديوث والرجلة([80]) من النساء)([81])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(ثلاثة حرم الله – تبارك وتعالى – عليهم الجنة : مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر الخبث في أهله)([82])، أي الزنا مع علمه به.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم  :(يراح ريح الجنة من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحه منان بعمله ولا عاق ولا مدمن خمر)([83])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفا ولا عدلا عاق ومنان ومكذب بقدر)([84])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه)([85])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ثلاثة لا ينفع معهن عمل : الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف)([86])

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة هكذا، ونصب أصبعيه ما لم يعق والديه)([87])

وعن معاذ قال : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشر كلمات، قال:( لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك)الحديث([88]).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم  :(أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه)([89])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يلج حظيرة القدس مدمن خمر ولا العاق ولا المنان عطاءه)([90])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم :(لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق ولا منان)، قال ابن عباس : فشق ذلك علي ؛ لأن المؤمنين يصيبون ذنوبا حتى وجدت ذلك في كتاب الله عز وجل في العاق :{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) وفي المنان :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)(البقرة: من الآية264)، وفي الخمر :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90)([91])

وتكميلا لهذا وردت النصوص الكثيرة تحث على البر، وتقرنه بأفضل الأعمال، وفي الحديث: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال:(الصلاة على وقتها)، قيل: ثم أي؟ قال:( بر الوالدين)، قيل: ثم أي؟ قال:(الجهاد في سبيل الله)([92])

 وفي حديث آخر، قال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه)([93])

وجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم قال:(فيهما فجاهد)([94]).. وفي رواية قال: أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال:(فهل من والديك أحد حي؟)، قال: نعم، بل كلاهما حي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :(فتبتغي الأجر من الله) قال: نعم قال 🙁 فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)([95])

وجاءه رجل، فقال :(جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان)، فقال 🙁 ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما)([96])

وروي أن رجلا من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي قال: أذنا لك قال: لا قال: (فارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما)([97]

وأتاه رجل، فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي قال: (قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد)([98])

وأتاه طلحة بن معاوية السلمي، فقال: يا رسول الله إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية، قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 الزم رجلها فثم الجنة)([99])

وأتاه جاهمة، فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم قال 🙁 فالزمها فإن الجنة عند رجلها)([100])

وقيل له: يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما؟ قال 🙁 هما جنتك ونارك)([101])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من سره أن يمد له في عمره، ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه)([102])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره)([103])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)([104])

 وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك محقا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يرد على الحوض)([105])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 رغم أنفه، ثم رغم أنفه([106])، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال:( من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة)([107])

وصعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فقال: آمين آمين آمين، ثم قال 🙁 أتاني جبريل ـ عليه الصلاة و السلام ـ فقال: يا محمد من أدرك أحد أبويه فمات فدخل النار فأبعده الله، فقل آمين، فقلت آمين، فقال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار، فأبعده الله، فقل آمين فقلت آمين، قال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله فقل آمين فقلت آمين)([108])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار، ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله)([109])

وحكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (انطلق ثلاثة نفرٍ ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار ـ أي: دخلوا الغار للمبيت فيه قال: ـ فانحدرت صخرةٌ من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال الأول: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبِقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً ـ أي: لا أقدم عليهما أحدًا بهذا الغبوق من الحليب ـ قال: فنأى بي طلب الشجر يومًا ـ أي: استطرد مع غنمه في المرعى إلى أن بعُد عن مكانه على غير العادة ـ قال: فلم أرح عليهما ـ أي: لم أرجع عليهما ـ حتى ناما، فحلبت لهما غبُوقهُما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي ـ أي: يتصايحون ببكاء من شدة الجوع ـ قال: فاستيقظا فشربا غبُوقهُما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنّا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت لا يستطيعون الخروج منه) الحديث ([110])..

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من أصبح مطيعًا لله فِي والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وإن كان واحدًا فواحدًا ومن أمسى عاصيًا لله فِي والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وإن كان واحدًا فواحدٌ)، قال رجل: وإن ظلماه ؟ قال 🙁 وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه)([111])

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (مَا من ولد بار ينظر إِلَى والديه نظر رحمة إلا كتب له بكل نظرة حجة مبرورة)، قالوا : وإن نظر كل يوم مائة مرة؟ قال 🙁 نعم، الله أكبر وأطيب)([112])

بل إن النصوص المقدسة لا تكتفي بالحث على البر في الحياة، بل تضيف إليه الأمر بالبر بعد الوفاة، ففي الحديث أن رجلا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ ز فقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما)، فقال الرجل: ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 فاعمل به)([113])

سكت قليلا، ثم قال: لقد أثمرت هذه النصوص ثمارا عظيمة في واقع المسلمين.. فكانت المجتمعات المسلمة في جميع فترات التاريخ تراعيها وتحافظ عليها، وتخشى العواقب الوخيمة التي يجرها العقوق، وترجو الثمار الطيبة التي يجرها البر.

***

بقيت في أسرة أمين الدين مدة من الزمان أرى فيها السلام وهو ينشر أشعته الدافئة الجميلة عليها إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي استأذنني فيه أن يسير إلى هذه البلاد ليساهم في رفع الفتنة التي تريد أن تستأصل المسلمين، وقد استأذنته في أن أحضر معه، لكنه أبى، وقال لي: أنا لست أدري هل أعود من هذه الفتنة أم لا.. ولا أريد أن أزج بك في أي شيء يضرك.

لكني بعد فراقه لي، أظلمت الدنيا في عيني، فلم أجد إلا أن ألحقه، وها أنا ذا بينكم.. وقد قدر الله من شأننا ما ترون.. وأنا لا آسف على شيء في حياتي إلا على ذلك الذي فتح الله به علي من الأبواب ما كان مغلقا، وأضاء به علي من الأنوار ما كان مظلما.


([1])أشير به إلى توماس روبرت مالتوس (1766 – 1834م)، وهو اقتصادي بريطاني، اشتهر بمقالته عن مبادئ علم السكان سنة 1798م.. وتقوم فكرته الأساسية في هذا الكتاب على أن أعداد السكان في العالم تميل إلى الزيادة، بينما كميات الطعام تقل، كما كان يعتقد أن الحروب والأمراض ستفتك بالأعداد الزائدة من البشر، ما لم يتم تحديد النسل.

وأوحت مقالة مالتوس المذكورة إلى تشارلز داروين فكرة العلاقة بين التطوّر والبقاء للأصلح.. وفشلت تنبؤات مالتوس في التحقق خلال القرن التاسع عشر، حيث أمكن عن طريق وسائل الزراعة المتقدمة إنتاج الطعام الكافي لمعظم الناس.

وُلدَ مالتوس في مدينة سري ببريطانيا، وكان يرغب في أن يكون رجل دين، إلا أنه بعد تخرجه في جامعة كمبردج عمل أستاذًا للتاريخ والاقتصاد السياسي في كلية شركة الهند الشرقية عام 1805م وبقي في هذه الوظيفة إلى أن توفي.

([2]) ثبت بطلان هذه النظرية وما دعا إليه أصحابها، بل ثبت خلاف ما تدعو إليه هذه النظرية، فقد تضاعف سكان أوربا منذ أن أقدم (مالتوس) على نظريته عدة مرات، ومع ذلك لم تصب إنكلترا، ولا أوربا، ولا الولايات المتحدة بالمجاعات التي كان ينذر بها (مالتوس). بل على العكس من ذلك زاد الإنتاج زيادة رهيبة، حتى إن الفائض من الطعام في أوربا والولايات المتحدة بلغ جبالاً من القمح والجبن واللحم، وأنهاراً من اللبن والزبد. ومن أجل ذلك، قامت حكومات هذه الدول بحرق الفائض أو رميه في البحر؛ حتى لا ينخفض السعر في السوق العالمي!!!.

ولأجل ما سبق، أصبحت كثير من الدول تدعو إلى زيادة النسل والإنجاب وتحث عليه، وتزيل الأسباب التي تعوق ذلك.

فهذه إيطاليا تصدر قانوناً ضد منع الحمل المراقب، فقد صدرت رسالة بابوية عام (1968م) تمنع ذلك. وهذه إسبانيا تحظر بيع وسائل منع الحمل. وهذه ألمانيا تحذر من انقراض الألمان في القرن القادم – أي القرن الحالي-، إن لم يحصل توازن بزيادة عدد المواليد.

وهذا الرئيس اليوناني يحض على إنجاب المزيد من الأبناء؛ لإقامة قوات مسلحة ضخمة لمواجهة القوات التركية وتهديداتها، وهذه زوجة رئيس فرنسا اختارت الأمهات المثاليات – على مستوى الدولة – من اللواتي أنجبن نحو ثلاثة عشر مولوداً.

([3]) انظر في هذا كتابا رائعا لهارون يحي عنوانه (التضحية عند الكائنات الحية)

([4]) ظل الطلاق محرماً في ظل الكنيسة زمناً طويلاً حتى حدث الانفصام بين الكنيسة والدولة فأباحت التشريعات الوضعية الطلاق ثم تبعتها بعض الطوائف المسيحية، أما تعدد النساء فإنه مازال محرماً وإن نظرت إليه بعض الطوائف على أنه مباح وما زالوا يمارسونه بشكل سري في بعض الولايات الأمريكية.

([5]) ذكرنا تفاصيل موقف الكنيسة والمسيحية من التعدد بتفصيل في رسالة (النبي المعصوم) من هذه السلسلة.

([6]) صحيفة الحياة في العدد (13099).

([7]) ذكر المسيري في موسوعته عن اليهودية بأن الطلاق يتم حسب الشريعة اليهودية في محكمة حاخامية.. وتنتهي الإجراءات بأن يعطي الرجل زوجته قسيمة طلاق تُسمَّى في التوراة «سفير كيرتوت» أي كتاب الطلاق (تثنية 24/3)، وتُسمَّى في التلمود «جيط»، ويكون في حضور شهود أو أمام محكمة شرعية (بيت دين). وتتلخص وظيفة المحكمة في التأكد من أن الإجراءات تتفق مع القانون الديني، ولا تتنافى معه، ثم يسجل كاتب المحكمة الطلاق، ويعطي نسخة من القسيمة لكل من الزوجين.. والطلاق، حسب الشريعة اليهودية، من حق الرجل، يمارسه متى أراد. (انظر: الموسوعة اليهودية)

([8]) المعلومات التي نذكرها هنا منقولة من مقال بعنوان (الانهيارُ الاجتماعي يعصف بالمجتمع الغربي) في موقع الألوكة.

([9]) أشير به إلى (سيمون دي بوفوار)، ولدت عام 1908 في باريس لعائلة برجوازية، والدها كان محاميا خسر أملاكه في الحرب العالمية الأولى.. أما أمها فعملت على تلقينها هي وأختها الصغرى مبادئ الكاثوليكية، والتي ما لبثت دي بوفوار أن أعلنت كفرها بها.

درست الفلسفة في جامعة (أكول نورمال سوبراير) وكانت جامعة تضم الذكور فقط حينها، وفي عام 1929 تعرفت على جان بول سارتر الذي كان وقتها طالب في قسم الفلسفة، ونشأت قصة حب بينهما استمرت حتى وفاة سارتر عام 1980، لكن بدون أن يلتزما بالزواج.

في الأعوام 1931- 1943 درست بوفوار الفلسفة في ثانويات مختلفة في إرجاء فرنسا. في الأعوام 1941- 1943 عملت كبروفيسور (أستاذه جامعيه) في السوربون. عام 1943 نشرت روايتها الأولى (المدعوة)،. هذه الأعوام كانت مهمة في صقل شخصيتها كفيلسوفة ومفكرة، لاسيما في المجال النسوي. في عام 1981 كتبت (مباركة الانفصال عن سارتر)، وبه وصف صعب للسنوات الأخيرة التي عاشها سارتر. تعتبر دي بوفوار أماً للتيار النسوي ما قبل عام 1968، وقد اشتهرت بصورة خاصة بفضل كتابها (الجنس الآخر) الذي نشرته عام 1949. توفيت بوفوار في باريس عام 1986 ودفنت إلى جانب جان بول سارتر.

([10])استدفنا المعلومات عن الفنانات الواردة هنا من كتاب (التوبة وظيفة العمر) للشيخ محمد الحمد.

([11]) انظر مقالا بعنوان: المسنون في ديننا وحضارتهم، لخالد ابن ناجم الشريف، مجلة الأسرة، العدد (105)

([12])نشرت هذه الإحصائية صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن في عددها الصادر 15/7/1400 هـ الموافق 29/5/1980 م.

([13])انظر: صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر 12/7/1400 الموافق 26/5/1980.

([14]) وهي طائفة تتواجد في كندا وأوروبا وخاصة فرنسا وسويسرا.. وأصحابها يعتقدون أن الانتحار الجماعي في طقوس معينة يمكَّن الواحد منهم أن يولد من جديد في كوكب الشعرى اليماني.

وقد وجد (48) شخصاً من أعضاء هذه الطائفة قتلى منتحرين في أحد الشاليهات في سويسرا.. وفي جبال الألب بفرنسا انتحر 16 شخصاً من أتباعها في ديسمبر 1995م.. وفي كويبك بكندا عثر على جثث لخمسة منتحرين في مارس 1997.. وكان قد سبق ذلك العثور على خمسة أطفال آخرين في مدينة مونتريال بكندا أيضاً.. انظر مقالا بعنوان (ظاهرة الانتحار) لأوزجان يشار، منشور في موقع عشتار / التاريخ: 1423هـ.

([15]) أشير به إلى المفسر الفقيه المحدث أمين الدين أو أمين الإسلام الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي الطوسي السبزواري الرضوي المقلب بـ(المشهدي)..

قال صاحب (رياض العلماء) بعد الترجمة له: كان قدس سره وولده رضي الدين أبو نصر حسين بن الفضل، صاحب (مكارم الأخلاق) وسبطه: أبو الفضل علي بن الحسن صاحب (مشكواة الانوار) وسائر سلسلته وأقربائه من أكابر العلماء ويروي عنه جماعة من أفاضل العلماء، منهم ولده المذكور، وابن شهر آشوب والشيخ منتجب الدين، والقطب الراوندي)

وسبب اختيارنا له هنا هو ما اشتهر عنه من اهتمامه بأسرته، حتى تخرج منها الكثير من العلماء الأفاضل.

([16]) ننبه هنا إلى أنا اقتصرنا في هذا الفصل على بعض ما شرعه الإسلام في هذا الباب، أما التفاصيل، فقد أفردناها ـ أولا ـ بسلسلة فقهية مفصلة هي (سلسلة فقه الأسرة برؤية مقاصدية) والتي طبعت أجزاؤها تحت عنوان (مكتبة الأسرة المسلمة)

والثاني أن الكثير من التفاصيل المرتبطة بالموضوع في هذه السلسة طرقناه في رسالة (رحمة للعالمين)

([17])  رواه أبو الشيخ.

([18])  الديلمي.

([19])  أبو الشيخ في الثواب وأبو نعيم في المعرفة.

([20])  ابن ماجة  والبيهقي.

([21])  ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان.

([22])  البيهقي في الشعب.

([23])  الطبراني.

([24])  أبو نعيم في الحلية.

([25])  الحاكم.

([26])  أبو يعلى، والحاكم.

([27])  أحمد، والبيهقي.

([28]) رواه البخاري ومسلم.

([29]) رواه البخاري ومسلم.

([30]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه والحاكم، وقال صحيح الإسناد.

([31]) رواه البخاري ومسلم، قال سفيان : يعني قاطع رحم.

([32]) رواه أحمد بسند رواته ثقات.

([33]) رواه البيهقي.

([34]) رواه ابن حبان وغيره.

([35]) رواه أحمد مختصرا وابن أبي الدنيا والبيهقي، وفي تتمة الحديث 🙁 وخصلة نسيها جعفر)

([36]) رواه الطبراني في الأوسط.

([37]) رواه الأصبهاني، ويؤيد هذا ما رواه الطبراني بسند صحيح عن الأعمش قال: كان ابن مسعود جالسا بعد الصبح في حلقة فقال : أنشد الله قاطع رحم لما قام عنه فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة مغلقة دون قاطع رحم)

([38]) رواه الطبراني.

([39]) رواه البخاري ومسلم.

([40]) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

([41]) رواه أحمد بإسناد صحيح.

([42]) الشجنة بكسر أوله وضمه وإسكان الجيم : القرابة المشتبكة كاشتباك العروق.

([43])أي مشتق لفظها من لفظ اسمه الرحمن.

([44]) رواه أحمد بإسناد جيد قوي وابن حبان في صحيحه.

([45]) الحجنة بفتح الحاء والجيم وتخفيف النون : صنارة المغزل، أي الحديدة العقفاء التي يعلق بها الخيط ثم يفتل الغزل.

([46]) البتك : القطع.

([47]) رواه البزار بإسناد حسن.

([48]) رواه البزار.

([49]) رواه البزار واللفظ له والبيهقي.

([50]) رواه البخاري ومسلم.

([51]) رواه البخاري.

([52]) رواه الترمذي.

([53]) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبزار بإسناد جيد والحاكم.

([54]) رواه أبو يعلى.

([55]) رواه أبو يعلى بإسناد جيد.

([56]) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

([57]) رواه الطبراني بإسناد حسن.

([58]) رواه أحمد بسند رواته ثقات إلا أن فيه انقطاعا.

([59]) رواه أبو الشيخ وابن حبان والبيهقي.

([60]) رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له.

([61]) رواه ابن حبان والحاكم.

([62]) رواه البخاري وغيره.

([63]) رواه مسلم.

([64]) رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.

([65]) رواه البزار والطبراني والحاكم وصححه.

([66]) رواه وأحمد بإسنادين أحدهما رواته ثقات.

([67]) رواه الطبراني بسند محتج به.

([68]) رواه الطبراني.

([69]) رواه البزار والطبراني.

([70]) رواه ابن ماجه.

([71]) رواه الطبراني.

([72]) وفي ذلك يقول ابن عباس : ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لم تقبل منها واحدة بغير قرينتها: إحداها : قوله تعالى :{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } (المائدة: من الآية92)، فمن أطاع الله ولم يطع رسوله لم يقبل منه.. والثانية قوله تعالى :{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } (البقرة: من الآية43)، فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه.. الثالثة قوله تعالى :{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } (لقمان: من الآية14)، فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه.

([73]) انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر.

([74]) رواه البخاري ومسلم.

([75]) رواه البخاري.

([76]) رواه ابن حبان في صحيحه.

([77]) رواه ابن حبان في صحيحه.

([78]) رواه البخاري ومسلم.

([79]) رواه البخاري وغيره.

([80]) الرجلة: المترجلة، أي المتشبهة بالرجال.

([81]) رواه النسائي والبزار واللفظ له بإسنادين جيدين والحاكم وصححه.

([82]) رواه أحمد واللفظ له والنسائي والبزار والحاكم وصححه.

([83]) رواه الطبراني في الصغير.

([84]) رواه ابن أبي عاصم بإسناد حسن.

([85]) رواه الحاكم وصححه.

([86]) رواه الطبراني في الكبير.

([87]) رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، وابنا خزيمة وحبان في صحيحيهما باختصار.

([88]) رواه أحمد وغيره.

([89]) رواه الحاكم وصححه.

([90]) رواه أحمد، ورواه البزار إلا أنه قال :(لا يلج جنان الفردوس)

([91]) رواه الطبراني بسند رواته ثقات.

([92])رواه البخاري ومسلم.

([93])رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

([94])رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

([95]) هذه الرواية لمسلم.

([96])رواه أبو داود.

([97])رواه أبو داود.

([98])رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط وإسنادهما جيد ميمون بن نجيح وثقه ابن حبان وبقية رواته ثقات مشهورون.

([99])رواه الطبراني.

([100])رواه ابن ماجه والنسائي واللفظ له والحاكم وقال صحيح الإسناد.

([101])رواه ابن ماجه.

([102])رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح.

([103])رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم والأصبهاني، وقال الحاكم صحيح الإسناد.

([104])رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم بتقديم وتأخير وقال صحيح الإسناد.

([105])رواه الحاكم من رواية سويد عن أبي رافع عنه وقال صحيح الإسناد قال الحافظ سويد عن قتادة هو ابن عبد العزيز واه.

([106])رغم أنفه: أي لصق بالرغام وهو التراب.

([107])رواه مسلم.

([108])رواه الطبراني بأسانيد أحدها حسن ورواه ابن حبان في صحيحه.

([109])رواه أحمد من طرق إحدها حسن.

([110]) رواه البخاري ومسلم.. وتتمة الحديث:( قال الآخر : اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها.. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.

وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا.. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون)

([111]) رواه البيهقي فِي شعب الإيمان.

([112])رواه البيهقي فِي شعب الإيمان.

([113])رواه أبو داود وابن حبان فِي صحيحه.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *