ثالثا ـ مصانع الشفاء

ثالثا ـ مصانع الشفاء

خرجت من مزارع الشفاء بالقناعات الكثيرة التي امتلأت بها من فضل الله على عباده بتيسير أنواع الدواء التي ترمم ما يصلح أجسادهم إلى الأجل الذي أراده الله لانتهاء الوظيفة، والتسريح من الخدمة، والإحالة على التقاعد.

فجأة لاحت لي لافتة كتب عليها (مصانع الشفاء).. فدخلت، فوجدت كثرة كثيرة من الناس.. كل واحد في شغل يختلف عن شغل غيره.

أحسست بالحاجة إلى السؤال عن سر هؤلاء ووظيفتهم، وعلاقتهم بالمصانع.. فجاءني معلمي من غير أن أجهد نفسي بالبحث عنه، وقال: هذه مصانع الشفاء..

قلت: قرأت ذلك.. ولكني أستغرب لهؤلاء.. وما يعملون؟

قال: هؤلاء يبحثون في صنع ما يشفي الخلق من آلامهم.

قلت: لقد علمت بأن أهل هذه المدائن يعتقدون أن الدواء أنزل من السماء.. ولم تصنعه يد الإنسان.. بل رأيتهم يسمون ما نصنعه من الأدية سموما.. فكيف يستقيم هذا المصنع مع مبادئهم.. أم تراهم تخلوا عنها!؟

قال: لا.. هم لم يتخلوا عنها.. ولكنك أنت الذي لم تفهمهم، ولم تفهم مبادئهم.

قلت: فما يقصدون؟

قال: إن ما حملته من بذور الخطأ التي استوحيتها من كلماتهم ستصحح لك في هذا القسم.. فقد وضعوا فيه قسما مرتبطا بالضوابط الشرعية لاستخدام الأدوية المصنعة.

قلت: أتكون زيارتي لهذا القسم مرتبطة بهذا فقط؟

قال: أجل.. فمصانع هذا المستشفى تختلف عن مصانعكم.. وأدويتها غير أدويتكم.. ولهذا ستمر ـ فقط ـ على ما يبين لكم الأحكام المرتبطة بأدويتكم.

قلت: أهي أربعة.. كسائر ما رأيت؟

قال: أجل.. أما القاعة الأولى، فهي قاعة الشرعية.. فلا يحل صنع الدواء الذي لم يأذن الشرع في صنعه.

قلت: والثانية؟

قال: قاعة الضرورة.. وهي القاعة التي تبين لأحوال التي يجوز فيها استعمال هذا النوع من الأدوية.

قلت: والثالثة؟

قال: قاعة الموازنة.. وهي القاعة التي تتم فيها الموازنة بين المصالح والمفاسد المنجرة عن صناعة الأدوية.

قلت: والرابعة؟

قال: قاعة البدائل.. وهي القاعة التي يبحث فيها عن بدائل الأدوية المصنوعة بما هو أقل خطرا وأجدى نفعا.

الشرعية

سرت إلى القاعة الأولى المرتبطة بقيد الشرعية، فوجدتها بشكل مسجد جميل يجلس فيه الفقهاء في حلق مختلفة ومعهم الأطباء.. وقد كان المنظر جميلا أغراني بالدخول، والانضمام إلى حلقة من الحلقات.

تحدث أحدهم، فقال: من رحمة الله تعالى بعباده أنه لم يجعل دواءهم فيما حرم عليهم.. فالخبيث لا يؤدي إلى الطيب.. والداء لا يوصل إلى الدواء.

قال آخر: لقد وقف الورعون الموقف الصحيح من أول خطوة حين نظروا إلى المحرمات على أنها علل لا أدوية، فهذا الإمام جعفر الصادق سليل بيت النبوة، سأله بعض الناس عن الخمر، فقال له:(ما يمنعك من الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي؟)، قال: لا يوافقني قال:(فما يمنعك من العسل الذي قال الله فيه: { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ }(النحل:69)؟ قال: لا أجده. قال: فما يمنعك من اللبن الذي نبت منه لحمك واشتد عظمك؟ قال: لا يوافقني. قال:(تريد أن آمرك بشرب الخمر.. لا والله لا آمرك)

قال آخر: وسئل عن الدواء يعجن بالخمر، فقال:(ما أحببت أن أنظر إليه ولا أشمه، فكيف أتداوى به؟)

قال آخر: ومما يذكر عن ابن النفيس أنه فى مرضه الأخير وصف له بعض الأطباء تناول شيء من الخمر، إذ كانت علته تناسب أن يتداوي بها على ما زعموا، فأبي ان يتناول شيئا من ذلك وقال:(لا ألقي الله تعالى.. وفى باطني شيء من الخمر)

قال آخر: وهذا ليس من الورع المستحب.. بل هو من الورع الواجب.. فقد ورد في النصوص ما يبين حرمة التداوي بالمحرمات، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بالمحرم)([1])

قال آخر: بل ورد في الحديث إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم وجود داوء في المحرمات، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من أصابه شيء من الأدواء، فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله، فإن الله تعالى لم يجعل في شيء مما حرمه شفاء)([2])

قال آخر: وسأل بعضهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخمر، فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إنه ليس بدواء ولكنه داء)([3]).. وفى حديث آخر عن طارق بن سويد الحضرمى؛ قال: قلت: يا رسول الله ؛ إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها، قال:(لا)، فراجعته، قلت: إنا نستشفى للمريض، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء)

قال آخر: وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الخمر يجعل فى الدواء، فقال:(إنها داء وليست بالدواء)([4])

مضار الحرام:

قال آخر: أنا طبيب.. وسأخبركم بما يوافق ما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم من كون الخمر داء لا دواء فيه.. وسأنقل لكم ما يقوله من لا يفرق بين الحلال والحرام.. فهذا الدكتور أوبري لويس وهو رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن يقول فى أكبر وأشهر مرجع طبي بريطاني([5]):(إن الكحول هو السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله، ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله.. ولهذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية، ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها (Psycho-pathic Anomaly))

ثم يقول:(إن جرعة واحدة من الكحول قد تسبب التسمم وتؤدي إما إلى الهيجان أو الخمود، وقد تؤدي إلى الغيبوبة.. أما شاربو الخمر المزمنون (ch Alcoholics) فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون)

قال أحدهم: لقد كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة.. بل على زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. بل حتى كثيرا من عوام عصرنا أن للخمر بعض المنافع الطبية.

قال: تلك أوهام كثيرة وقعوا فيها بسب الجهل.. ولما تقدمت الاكتشافات العلمية بطلت تلك المزاعم وتبين أنها مجرد أوهام، وأن كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم عنها هو الحق الذي لا ريب فيه ولا التباس.

قلت: ولكن الله تعالى ذكر أن للخمر منافع، فقال: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } (البقرة:219).. فقد أثبت المنافع.. ولكنه أخبر بأن المضار أكثر من المنافع.

قال: صدقت.. منافع الخمر التي ذكرها القرآن الكريم هي بحسب ما يتوهمه الذين كانوا يقولون بإباحتها، وهي إما منافع مادية لمن يبيع الخمر ويتجر بها، ولكنها طامة كبرى على المجتمع وخسارة مادية أية خسارة..

وإما منافع طبية وصناعية وأغلبها موهوم.. مثل الاعتقاد بأن الخمر تفـتح الشهية، وقد استخدمت الخمر كفاتح للشهية منذ أقدم العصور، واستخدمها اليونان والرومان والفرس والعرب وتفننوا فيها.. بل يستخدمها الأوروبيون اليوم وخاصة الفرنسيون وتدعى (Apenibf) أي فاتحة للشهية، وعادتهم أن لا يشربوا صعب الأطعمة إلا النبيذ.. ومثلهم الإيطاليون..

قلت: فهذه منفعة.. فكثير من الناس تسد شهيتهم، فيرق عظمهم ويسلمهم ذلك للموت المحقق.

قال: الخمر تكذب على أصحابها.. فهي تفتح الشهية أول الأمر، فتزيد من إفراز حامض المعدة كلور الماء (Hcl).. ولكنها بعد فترة تسبب التهاب المعدة.. وتعقب تلك المنفعة الموهومة مضرات وعواقب وبيلة وخيمة، أولها التهابات المعدة، وفقدان الشهية والقيء المتكرر وآخرها سرطان المريء.

قلت: ومن المنافع التي يذكرها بعض قومي حمايتهم من البرد.. وخاصة للذين يسكنون المناطق الباردة.

قال: كذبوا.. وقد جاء وفد اليمن ووفد من حضرموت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطلبوا منه أن يسمح لهم بشرب الخمر بحجة أن بلادهم باردة، فأبى ذلك.. فقد روي أن ديلم الحميري سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا، وإنا نتخذ من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا، وبرد بلادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(هل يسكر؟)، قال: نعم، قال:(فاجتنبوه) قال: إن الناس غير تاركيه، قال:(فإن لم يتركوه فقاتلوهم)([6])

قلت: وما موقف العلم من هذا؟

قال: ألا يكفيك ما أخبر نبيك صلى الله عليه وآله وسلم؟

قلت: أنت من قومي.. وتعرف قومي..

قال: لقد جاء الطب الحديث بعد هذه الحادثة بألف وأربعمائة عام ليخبر بأن ذلك الدفء ليس إلا وهما.. فالخمر توسع الأوعية الدموية، وخاصة تلك التي تحت الجلد، فيشعر المرء بالدفء الكاذب، كما يحصل في أعياد الميلاد في أوروبا وأمريكا حيث يسكر كثير من الناس، ويبقى بعضهم في الشوارع والحدائق يتعرضون للبرد القارس، فيموتون من البرد، وهم ينعمون بالإحساس الكاذب بالدفء.

قلت: من المنافع التي يعتقدها قومي تأثيرها الصحي على مرضى القلب، وقد سمعت من يقول:(من أصابته أزمة قلبية، وكاد يموت فعلم أنه لو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر، فإنه يجوز له شربه)

قال: هذا خطأ فاحش، بل هو وهم قاتل.. فإن الخمر لا توسع الشرايين التاجية المغذية للقلب، كما كان موهوما من قبل، وإنما تضيقها.

قلت: كيف ذلك.. هذا من المعلوم عند العامة بالضرورة؟

قال: ومتى يؤخذ العلم عن العامة!؟.. إن الخمر تسبب في ترسيب الدهنيات والكوليسترول في جوفها، وبذلك تساعد على تسبب جلطات القلب والذبحة الصدرية، وخاصة مع التدخين.. فكلتا المادتين تساهمان في انسداد الشرايين التاجية، الأولى (أي الخمر) بترسيب الدهنيات والكوليسترول، والثانية بانقباض الشرايين وتضييق مجراها.

قلت:.. ولكن..!؟

قال: ليس ذلك فقط، بل إن للخمر خاصية أخرى تجعل منها داء للقلب لا دواء له.. فهي تصيب عضلة القلب بالتسمم (Toxic Cordionyopathy).

قلت: إن من قومي من يذكرونها علاجا للبواسير.

قال: قد كان ذلك في الأزمنة الغابرة([7])، وما دروا أن الخمر تسبب البواسير وتهيجها وذلك إما مباشرة بسبب الاحتقان وتمدد الأوعية الدموية في الشرج.. وإما بواسطة تليف الكبد وازدياد ضغط الدم في الوريد البابي.

خبث الحرام:

قال أحدهم: والأمر لا يتوقف على ما يحمله الحرام من مضار.. بل إن الحرام يحوي ما هو أخطر من ذلك.

قالوا: وهل هناك ما هو أخطر من ذلك؟

قال: الخبث.. ولهذا ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمى الدواء المحرم الدواء الخبيث، ففي الحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عَنِ الدَّوَاءِ الخَبِيثِ([8]).

قالوا: وما في الخبيث من المعاني؟

قال: ألا تعلمون أن الدواء ليس مجرد مواد تدخل الجسم، فيتوقف تأثيره عليها.. بل إنه يؤثر من جهات أخرى لا نعرفها!؟

قالوا: كيف ذلك؟

قال: إن الله تعالى برحمته لم يحرم الطيبات([9]).. بل حرم الخبائث.. وهي ممحوقة البركة.. إذا نزلت الجسم لم تنزله لتداويه.. بل تنزله لتملأه بالأسقام.

قال آخر: ولكن البركة شيء معنوي.

قال: لا.. إن لها تأثيرا حسيا قويا.. لقد التقيت ببعض العلماء، فذكر لي سرا في عدم صحة الاستشفاء بها.

قالوا: فما ذكر لك؟

قال: لقد قال لي:(إن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول، واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها، والمبارك من الناس أينما كان هو الذى ينتفع به حيث حل، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها، وبين حسن ظنه بها، وتلقى طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا، كان أكره لها وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شىء لها، فإذا تناولها فى هذه الحال، كانت داء له لا دواء إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة، وهذا ينافى الإيمان، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء)([10]

قال أحدهم: صدق فيما قال.. فإن شرط الانتفاع بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته.. وهذا كلام يعرفه الأطباء.. وسمى هذا التأثير (Plucebo effect).

قالوا: فحدثنا عن هذا؟

قال: إن الأبحاث الطبية الحديثة تتجه إلى هذا.. فقد رأوا اختلاف تأثير الدواء الواحد في المجتمعات المختلفة، فبينما يؤثر الدواء في مجتمع بعينه بطريقة خاصة، يختلف ذلك التأثير ولو يسيرا في مجتمع آخر.. بل إن تأثير الدواء يختلف من شخص إلى آخر.

وقد ذكروا لذلك عوامل عديدة.. والعامل النفسي أحدها، فإن تلقى المريض الدواء بالقبول واعتقد منفعته حصل له، ولو نوع شفاء، وإن كان تلقيه له بسوء الظن فيه، واعتقاد مضرته، لم يحصل له نوع شفاء بل ربما حصل له نوع ضرر.

أما تأثير الدواء الخبيث أو المأكل أو المشرب الخبيث في النسل فهو باب جديد من أبواب الطب.. وقد كثر الكلام فيه بعد اكتشاف عقار الثاليدوميد (Thaludomude)، وهو عقار مهديء خال من المضاعفات، فلما أعطى للحوامل تشوهت الأجنة، وخرج الأطفال بدون أطراف.

وثارت قضايا أمام المحاكم في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، حيث اكتشفت هذا الدواء، وسحب الدواء، ولكن الشركة التي أنتجته أفلست لفرط ما دفعت من غرامات وتعويضات.

قلت: فما ترى من تفسير لذلك؟

قال: إن الأغذية والأشربة تتحول بعد الهضم والامتصاص إما إلى طاقة تحرك الجسم ووقود للعقل والقلب، أو إلى مواد لبناء الأنسجة وإبدال التالف منها بجديد صالح.

قلت: أعلم هذا.. وقد رأيت تفاصيله في حصون العافية.

قال: ونحن نعرف الآن أن المواد النشوية والدهنية تتحول إلى طاقة بينما تتحول المواد البروتينية إلى خلايا وأنسجة، ويقع ذلك ضمن عمليات كيماوية معقدة فدورة كريب (Krebs cyde) مثلا هي مجموعة من العمليات الكيماوية البالغة التعقيد التي تحول سكر الدم في ميتوكوندريا الخلايا إلى طاقة مخزونة عبر ما يقرب من أربعين عملية كيماوية.

وتتحول ضمن دورة كريب وخارجها مجموعة من الأحماض الأمينية الهامة لبناء الخلايا والأنسجة، فالمواد البروتينية ليست إلا مجموعة ضخمة من الأحماض الأمينية هذه.

وهكذا ترى أن ما تأكله أو تشربه يتحول بالتالي إلى محرك لعضلة يدك أو عضلة قلبك أو قادح لزناد فكرك، أو يتحول إلى نفس تلك العضلة في اليد أو اللسان أو القلب، أو يجري في عروقك مع دمك مكونا الكريات الحمراء أو البيضاء أو الصفائح، أو حيوانا منويا يخرج من صلبك وترائبك.. أفلا يدخل في تركيب جسمك وتكوين فكرك بعد هذا ما تأكله أو تشربه من الخبائث كالخمر ولحم الخنزير وغيرها مما حرمها الله؟ بل إنها لكذلك.

الضرورة

سرت إلى القاعة الثانية، وهي القاعة التي تبحث في الضرورات المبيحة لاستعمال الأدوية الصناعية، فوجدت أهلها متفرقين كل يمسك بشيء من الأدوية، ويحاول أن يتعرف على وجه الضرورة فيها.

تقدمت إلى مجموعة منهم، فسمعت أحدهم يقول: لا شك أنكم تعرفون غرابة هذه الأدوية على بنيان الإنسان، فهي من طينة غير طينته، ومن شكل لا يلائم شكله.. ولكنها مع ذلك قد تصلح علاجا لكثير من الأمراض التي تعاني منها البشرية.. والتي لم نجد لها بعد علاجا كافيا شافيا.

قال آخر: سلمنا لهذا.. ولكن الذي ننكره هو المبالغات الكثيرة في استعمال هذه الأدوية.. فالطب المتداول يصف العقاقير الكيمياوية بأنواعها المختلفة من أقراص وكبسولات وسوائل وحقن، كما يصف المواد الغذائية([11]).

قال آخر: وهو إذا ما فشل في استخدام الأدوية يلجأ إلى الجراحة.. وأثناء العملية الجراحية وبعدها، لا يكف هذا الطب عن هوسه بهذه الكيميائيات، فتراه يعطى المريض كميات أكبر من هذه الأدوية.

قال آخر: وليس الأمر قاصرا على هذا.. فالتجار يتنافسون كل يوم في صناعة الجديد من الأدوية، وهم لا يفكرون إلا في العقاقير الكيميائية.

قال آخر: ومع عقم الكثير من هذه العقاقير في علاج الكثير من الحالات المرضية إلا أن الهوس يبقى مستمرا.

قال آخر: لقد لاحظت في أرض الصراع أنواع الغرر التي يتعرض لها المرضى.. فكم من دواء يصدر من مؤسسات البحوث وشركات الأدوية والدوائر الطبية المختلفة لمرض ما، وكأنه الترياق الذي يكسر كل علة.. وإذا به بعد أن يخرج إلى السوق، ويبدأ الأطباء بوصفه للمرض، بفترة من الزمن يتبدد الأمل ويكتشف الناس أن هذا الدواء الجديد ليس أفضل من سابقه.. وربما اكتشفوا أنه أكثر إيذاءً بسبب الآثار الجانبية التي يخلفها.

قال آخر: لا أظن أننا اجتمعنا لمناقشة هذا..

قال آخر: نعم.. لقد جئنا لمناقشة مخاطر الأدوية لنبين الأصل في حكمها.. ثم نواحي الضرورة في استعمالها.

قالوا: فمن حضر لنا ما يمكن قوله في هذا؟

قال أحدهم: لقد درست مجموعة أدوية تستعمل على نطاق واسع لعلاج حالة حموضة وقرحة المعدة والإثني عشري.

قالوا: فما وجدت؟

قال: الكثير من المخاطر التي تحتوي عليها هذه الأدوية.

قالوا: فصل لنا ما نحتاج إلى بت الحكم فيه.

قال: إن الطب المتداول ـ في أرض الصراع ـ لا يعتقد أن التغذية الخطأ هي أهم أسباب حصول قرحة المعدة، وإنما يرجع السبب إلى عدوى من الأسنان أو اللوزتين أو الأمعاء، أو عدم وصول الدم بشكل كاف مما يؤدي إلى حصول القرحة، وقد رأوا أنه بما أن حامض الهيدروكلوريك موجود بكثرة في المعدة فإنه يبقي القرحة مفتوحة.

قالوا: فماذا اقترحوا لعلاج هذا؟

قال: لقد قادهم هذا إلى نظام غذائي قلوي، وإلى استعمال عقاقير ضد الحموضة، وأخرى لتأخير إفراغ المعدة من الطعام، وثالثة لتقليل إفراز الحامض المعدي.

قالوا: فما وجه الخطر في هذا؟

قال: هناك، بصفة عامة، نوعان من مضادات الحموضة، الأول القابلة للامتصاص، ومنها بيكاربونات الصوديوم، وكاربونات الكالسيوم، فامتصاص أيّ منهما يسبب حصول مستويات عالية من أملاح الصوديوم والكالسيوم في الجسم، والنتيجة ازدياد في قلوية الدم والأنسجة.

قالوا: إلى الآن لا نرى لهذه الأدوية أي خطر.. فلم تشنع عليها؟

قال: اصبروا.. فبعد دراستها وتجربة المرضى الكثيرين لها رأيت أن من أهم أعراضها الغثيان والضعف والصداع، ثم من الممكن أن تؤدي إلى تلف الكلى، ومن الممكن أن ترفع مستويات الكالسيوم في الدم مما يؤدي إلى تكلس الأنسجة والأعضاء الناعمة.

قالوا: هذه مخاطر عظيمة لا ينبغي التوقف في تحريم ما يؤدي إليها.

قال: أما النوع الثاني، وهي مضادات الحموضة غير القابلة للامتصاص، ومنها هايدروكسيد الألمنيوم، فإنه يقلل مستويات الفوسفات في الدم، مما يدفع الجسم لاستخلاصها من العظام، وهذا يسهم في ضعف العظام.. بل يصبح العظم فاقداً للملح إلى درجة تجعل حصول الكسور سهلة نسبياً.

إضافة إلى ذلك احتمال الإصابة بالإمساك.. كما أنه من الممكن ـ على الرغم من اعتباره غير قابل للامتصاص ـ أن يذوب رافعاً نسبة الألمنيوم، وهو مادة سامة إذا ما كان مستواه عاليا.

قالوا: لا شك في المخاطر التي يحملها مثل هذا الدواء.. فما المخاطر التي تؤخر من إفراغ المعدة من الطعام؟

قال: من آثارها الجانبية الأقل شيوعا، ولكن الأخطر، احتباس البول، وحالة الماء الأزرق في العين، كما أنه من الممكن حصول انسداد كامل للفتحة البوابية عند هؤلاء الذين عندهم إنسداد جزئي، ولهذا لا يجوز وصفه لمن لديه قرح في المريء.

قالوا: والأدوية التي توصف لتقليل إفراز الحامض المعدي؟

قال: منها السميتدين والرانيتدين.. ومن آثارها البسيطة التي من الممكن أن تحدث الإسهال وآلام العضلات والدوار والطفح الجلدي.. كما تم تسجيل حالات نادرة من العقم، بالإضافة إلى آثار أخرى حصلت بسبب بعض الخواص الهرمونية الجنسية في السميتدين.. بالإضافة إلى ذلك سجلت حالات التهاب البنكرياس والتهاب الكلى معه أيضاً.

قالوا: لقد عرفنا المخاطر التي تحويها مثل هذه الأدوية.. فهل من بدائل عنها؟

قال: هناك بدائل كثيرة، تمتلئ بها مطاعم الشفاء ومزارعه.. ولكن الناس يأبون إلا هذه الكيميائيات.

قالوا: فليفت الفقهاء بحرمة مثل هذه الأدوية وعدم استعمالها إلا للضرورة القصوى.

قال: هم يخافون.

قالوا: ممن!؟.. إن الفقيه لا يخاف إلا الله.

قال: هم يخافون أن يرموا بالتخلف إن هم تحدثوا في مثل هذا.. وهم يروون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)

قالوا: فليخبروهم أن يرووا معه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا ضرر ولا ضرار)

التفتوا إلى خبير كان جالسا معهم، وقالوا: وماذا وجدت أنت؟

قال: لقد بحثت في الأدوية التي توصف لعلاج حالات الروماتزم وأمراض المفاصل، فوجدت لها من المخاطر ما سأصفه لكم.

قالوا: من الأدوية المستعملة الأسبرين.. ولا نرى له من المخاطر، بل هو من الأدوية الآمنة.

قال: نعم ذلك صحيح.. ولكن ذلك يصح مع القرص والقرصين ولوجع الرأس أو البرد.. أما إذا زادت الجرعة عن 2.4 غم فإنه من المؤكد تقريبا أن يصاب المريض بآثار جانبية قوية لا شك في خطورتها.. منها القرح المعدية والنزيف الذي يؤدي إلى فقدان الدم إلى درجة خطيرة في بعض المرضى.. ومنها الغثيان.. ومنها تأثر السمع إلى درجة سماع رنين في الأذن، بل والصمم.. ومن الأمور العادية حصول الدوار الترنحي عند تناول جرعات عالية من الأسبرين، وحتى التشوش الذهني.. ومن الممكن أن يصبح المريض شديد الحساسية بحيث يحصل معه حالة احتباس الماء في الجسم، إضافة إلى الطفح الجلدي.. وفي حالات معينة قد تحصل حالات دم مرضية نادرة كفقدان القدرة على إنتاج الصفائح الدموية.

على أن هناك آثار أكثر خفاء لهذا العقار هي تدمير وزيادة إفراز فيتامين أَ وحامض البنتوثينيك وهو من مجموعة فيتامين ب المركب.. وهو أمر محزن حقا لأن هذين الفيتامينين يلعبان دوراًضرورياً في تخفيف التهاب المفاصل، وفي العمليات المختلفة للجسم المساعدة على مقاومته المرض.

قالوا: فما علاج كل هذه الحالات التي وصفت؟

قال: ليس هناك أي حل لهذه الآثار الجانبية سوى التوقف عن تناول الأسبرين.. مع ذلك، فقد وجدت أن من هذه الآثار ما لا يمكن شفاؤه بعد ذلك.

قالوا: ولكن ألم يضعوا بدائل أخرى؟

قال: هناك الفينلبيوتازون، وهو ـ مثل الأسبربن ـ يسبب نزف المعدة، قد حصل لي هذا شخصيا حيث لم يتوقف النزيف إلاّ بإجراء عملية جراحية كبيرة، والتي كان لها مضاعفات غير قابلة للتقويم.

بالإضافة إلى هذا، فإن له أثرين جانبيين نادرين وخطرين

قالوا: ما هما؟

قال: هذا العقار يسبب احتباس الماء، وفي بعض المرضى، يكون هذا إلى الدرجة التي تؤدي إلى عجز القلب.. أما الأثر الخطير الآخر فهو مرض من أمراض الدم، حيث يتوقف نخاع العظام عن إنتاج كريات الدم البيضاء، وهو ما يقلل المناعة الطبيعية للجسم ضد الأمراض، فيترك المريض فريسة سهلة للعدوى.

قالوا: ما نسبة ندرة هذا الخطر؟

قال: هو ليس نادرا ندرة حقيقية، فهذه الآثار الجانبية تصيب 20 بالمائة إلى 40 بالمائة من المرضى الذين يأخذون الفينلبيوتازون.

بالإضافة إلى أن من آثاره الجانبية العامة قرح المعدة والنزيف والغثيان واحتباس الماء وارتفاع ضغط الدم والدوار الترنحي والأرق..أما الطفح الجلدي وتضخم الغدة الدرقية في أمراض الدم المميتة والتهاب الكلى فناًدرة ولكنها أكثر خطورة، وعندما يحقن فإنه قد يؤدي إلى حدوث خراجات وتلف عصبي.

قالوا: هذه سموم وليست أدوية.. فهل هناك بدائل أخرى؟

قال: من العقاقير التي يمكن مقارنتها بهذا العقار، في مجموعة العقاقير غير الستيرويدية، الأنّدوميثاسين والنابروكسين والفنبوفن والأبوبرولمن والسلنداك وغيرها.

قالوا: أهذه عقاقير آمنة؟

قال: لا.. بل لهذه العقاقير آثار جانبية مشابهة لتلك التي في الفينلبيوتازون.. إضافة إلى الحساسية، وبضمنها الربو، واختلاطات الكبد والكلية.

قلت: ما بالك لا تذكر الكورتزون وهورمون الأدرينوكورتكوتروفك([12]) (ACTH).. وكلاهما من الهرمونات الطبيعية.. فالأول هورمون طبيعي تفرزه الغدة الكظرية، والثاني هورمون طبيعي أيضاً تفرزه الغدة النخامية.. ويعطى كلاهما زيادة نسبة الكورتزون في الجسم.

قال: أجل.. لقد تم التصفيق لهذين العقارين على أساس أنهما الدواء الشافي من الروماتزم والتهاب المفاصل.. ولكنهما في الحقيقة ليسا علاجاً شافيا، فهما لا يؤثران في العلاج، بل أنهما يحجزان ما يسبب المرض عن المريض.

قلت: لا حرج في أن ينعم المريض ببعض الراحة.. وهل الحياة إلا أيام وساعات!؟

قال: ذلك التأثير لا يدوم إلا فترة قصيرة، يشعر المريض حينها بالراحة وزوال الآلام بالإضافة إلى ما يستتبعها من الكآبة، ثم تحصل الانّتكاسة بعد مدة قصيرة.. وقد تكون بالساعات ليعود المريض إلى أسوأ مما كان عليه.

قالوا: فما الآثار الجانبية لهذه العقاقير؟

قال: من الآثار الجانبية لهذين العقارين زيادة إمكانية التعرض لشلل الأطفال.. ويعتقد بعض الأطباء أنه إذا ما استعملت بشكل غير دقيق، فإنها من الممكن أن تسبب ضعف عظام المريض، بسبب تقليل الأملاح منها مما يؤدي إلى الكسور.. وقد سجلت حالات تأثر كبير لفقرات العمود الفقري بعد الاستعمال الطويل للكورتيزون، وكل ذلك بسبب نقص حاد في الكالسيوم والفسفور والنتروجين، بسبب الكورتيزون كما يعتقد الأطباء.

بل إن المجلات الطبية تحذر من أخطار الكورتيزون فتقول بعضها بأنه يشل دفاعات الجسم الطبيعية ضد العدوى، وأنه قد يسبب أعرضاً مضرة في حالات السل وانفصام الشخصية والسكري وقرحة المعدة.. كما أنه، وربما كان أسوأ من الجميع، يغطي تقدم المرض عن الطبيب والمريض بحيث لا يعرفان بأنّ المرض قد تقدم.

وبعد التوقف عن تناول العقار تعود الأعراض إلى سابق عهدها، وربما أسوأ، وقد يصاب المريض بالعدوى بسبب هبوط مناعته ضد الأمراض.

وبعد أخذ عينات من غدد بعض المرضى الذين يأخذون الكورتيزون، وبعضهم لمدة خمسة أيام فقط لوحظ حدوث ضمور في الغدد الأدرينالية، فتصور الحال بعد سنين من استعماله.

هذا بالإضافة إلى احتمال حصول ردود الفعل الحادة في مختلف أنحاء الجسم مثل الجلد والكليتين والدم والأعضاء التناسلية والشعر والمعدة والعقل والشخصية والأعصاب والقلب والأوعية الدموية.. ولعل أكثر أثر جانبي وضوحاً هو الوجه المدور للمرض الذين يتعاطون الكورتيزون، وكذلك علامات الشد والبثور في الوجه.

قالوا: فهل اخترعوا أدوية أخرى لا تحمل هذه الآثار؟

قال: اخترعوا الستيرويدات الكورتيزونية، وهي هرمونات صناعية دخلت السوق على أساس أنها أقل ضرراً من الكورتيزون، إلا أن التجربة أثبتت أنها تحدث آثاراً جانبية خطيرة كالكورتيزون.

قال أحدهم: سمعت عن حقن الذهب.. فهل بحثت فيها؟

قال: أجل.. وهي تستعمل عندما تفشل كل العقاقير الأخرى، ودائماً تتوقف المعالجة عندما تبدأ أمراض الدم ومشاكل الكلية بالظهور، أما الطفح فشائع ويؤدي ظهوره إلى توقف المعالجة.. ومن آثارها الجانبية الأخرى قرح الفم، واحتباس الماء، والتهاب القولون، واضطرابات عصبية، ومشاكل رئوية.

الموازنة

قصدت القاعة الثالثة من القاعات التي يناقش فيها أهل الحل والعقد في (مصانع الشفاء) ضوابط استعمال الأدوية الكيميائة، فقرأت لافتة مكتوبا عليها قوله تعالى: { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } (الرحمن:7 ـ 8)

سمعت أحدهم يقول: لا يكفي أن ننكر أو نقر.. بل لا بد من وضع موازين تضبط التعامل مع هذه الأدوية التي مزجت بين كونها ترياقا، وكونها سموما.

قالوا: ما تقصد بذلك؟

قال: لقد قسم الفقهاء الأشياء إلى ثلاث حالات: أما الأولى، فهي أن يكون فيها ضرر محض ولا نفع فيها البتة، والثانية أن يكون فيها نفع محض، ولا ضرر فيها أصلًا، والثالثة: أن يكون فيها نفع من جهة وضرر من جهة.

أما الضرر المحض، فلا شك في حرمته لقوله تعالى: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ } (البقرة:195)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)

وأما المنفعة المحضة، فلا شك في إباحتها.

قالوا: والضرر المختلط بالنفع؟

قال: يوازن بينهما.. فإن كان الضرر أشد أفتي بالحرمة.. وإن كان أقل أفتي بالجواز المضبوط بضوابط الضرورة.

قالوا: فكيف نطبق هذا على الأدوية المصنعة؟

قال: هذا يطبق على الصانع، وعلى الطبيب،وعلى المريض.

قالوا: فصل ذلك.

قال: لقد كنت في أرض الصراع، فوجدت العجب العجاب.. لقد رأيت الجميع يتنافسون في زرع ابتسامة لحظية على فم المريض ليستلوا ما في جيبه، فإذا ما عاد الألم عادوا، واستلوا ما في جيبه مقابل ابتسامة أخرى.. وهكذا.

قالوا: وإلى أن ينتهي بهم هذا؟

قال: إلى زرع الآلام في جميع جسده.. وحينذاك يعلقوه بحياة وهمية خير منها الموت.. بل إنهم قد يبيعون له الموت المبتسم.. ألم تسمعوا عن الموت الرحيم؟

قالوا: بلى.. فما ترى من علاج لهذا؟

قال: لقد وضعت دراسة طويلة في هذا درست فيها جميع الأدوية المصنعة في أرض الصراع.

قالوا: من أي ناحية درستها؟

قال: من جهة مضارها ومنافعها.

قالوا: كيف ذلك؟

قال: لقد رأيت بعض الأدوية ـ مثلا ـ يوقف ألم الرأس في لحظات معدودات.

قالوا: هذا منفعة محضة.

قال: ولكني وجدته يؤذي جميع أجهزة الجسم ابتداء من الفم الذي يمر عليه.. فهو لا يمر على شيئا إلا خلف خلفه ضررا..

قالوا: فبماذا حكمت على هذا النوع؟

قال: هذا النوع ضرر محض.

قالوا: لم.. لقد ذكرت أن له منفعة في وقف إيلام الرأس.. أليس ذلك منفعة؟

قال: بلى.. ولكن هناك بدائل كثيرة لهذا.. وهي لا تضر بشيء.. أما هذا السم الذي آذى كل أجهزة الجسم، فإن منفعته منفعة موهومة.. إنه مثل التخدير الذي تلقاه الدجاجات المسكينات قبل ذبحها.

 قالوا: فهل بحثت في البدائل؟

قال: ذلك من شأن أهل البدائل في القاعة المجاورة.. وقد أنبأوني على الكثير منها.

قالوا: فاذكر لنا أمثلة على اختلاط النفع بالضرر.

قال: قد يصاب الإنسان بجراثيم فتاكة، فيضطر إلى استعمال بعض الأدوية المصنعة بسبب إهمال البحث في البدائل.. ففي هذه الحالة يجوز استعمال هذه الأدوية مع الإقرار بضررها باعتبار ذلك محدودا من جهة، وضرورة من جهة أخرى.

البدائل

خرجت إلى قاعة البدائل([13])، وقد كنت أتصورها كسائر القاعات، لكني لما دخلتها وجدتها مستشفى قائما بذاته، وبمجرد دخولي سمعت همسات فارحة داخلها، فأصخت بسمعي إلى بعضها، فسمعت هذا الحوار:

قال الأول: لقد قدم ـ اليوم ـ الحكماء السبعة الذين أرسلوا إلى الأقاليم للتعرف على بدائل الدواء.

قال الثاني: وهل جاءوا بشيء؟

قال الأول: لقد جاءوا بأشياء كثيرة.. وهم يزعمون أن لكل مرض ما لا يحصى من أنواع الأدوية.

قال الثاني: إنهم سيقضون بهذا على ما تنتجه مصانع الصراع من أدوية.

قال الأول: ولكنهم أخبروا عن مدى الإيذاء الذي تلقوه من هذه المصانع، بل من المرضى الذين امتلأت أفواههم بالسخرية منهم.

قال الثاني: فهل تأثروا بذلك؟

قال الأول: لا.. هم مقتنعون تماما بما يفعلون.. ولهذا لا يؤثر فيهم شيء.

قال الثاني: وما سبب قناعتهم؟

قال الأول: لقد لاقوا من فتك الأدوية الصناعية ما جعلهم لا يرتدون القهقرى.

قال الثاني: كيف فكر هذا المستشفى في إرسالهم؟

قال الأول: لقد سمعوا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(اطلبوا العلم، ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم)([14])

قال الثاني: ولكن الحديث ضعيف.. وعهدي بهم ينفرون من الضعيف.

قال الأول: لقد سمعوا معه قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } (الحجرات:13)

تقدمت منهما، وقلت: فما فهموا منها؟

قال الأول: إن قومك جلسوا على عرش العالم، فألغو بجلوسهم التاريخ والعالم.

قلت: لم أفهم.

قال:إن قومك ألغوا حضارات العالم، وخبراتهم الطبية وقدراتهم العلاجية، مع أن القرآن الكريم يطلب التعارف وتبادل الخبرات، واحترام كل طرف للطرف الآخر.

قلت: فهل ترى من حل لقومي؟

قال: أجل.. حلول كثيرة.

قلت: فما أولها؟

قال: أن يخرج الأطباء والمرضى من قوقعة المستشفيات ودخان المعامل، ويطلقوا حرية الفئران البيضاء، ليتجولوا بين البدو في الفيافي وقمم الجبال، ويبحثوا عند الهنود والصينيين عن بدائل الدواء.

قلت: وهل يوجد ذلك، أو هل يمكن ذلك!؟.. وهبهم ذهبوا.

قال: لا يكفي أن يذهبوا، بل يجب ان يسمعوا.

قلت: فهبهم سمعوا.

قال: لا يكفي ان يستمعوا، بل لا بد أن يتعلموا، ويبحثوا، ويجربوا، فحينذاك ستلتقي البشرية جميعا على هدف واحد، وحينذاك تنزل بركات الشفاء.. فهل وعيت ما قلت؟

قلت: لا أعي إلا بمثال؟

قال: هؤلاء الحكماء السبعة خير الأمثلة..

قلت: لم كانوا سبعة.. عهدي بأهل السلام يحبون الأربع!؟

قال: تلك أركان، وهي محصورة.. أما السبعة فعدد يفيد الكثرة، وهو غير محصور.

قلت: فما قال هؤلاء السبعة؟

قال: العلم لا يتلقى إلا من أهله.. فهيا اقترب منهم لتسمع من أفواههم ما يقولون.. واعلم بأن ما يصفونه أدوية من أدوية الأرض، وهي قد تخطئ، وقد تصيب، وأهل هذا المستشفى ـ كما تعلم ـ لا يردون المخطئ حتى لا يحرموا المريض من إمكانية صوابه..

قلت: وأنتما ألا تسيراني معي؟

قالا: لا.. لا بد أن تسير وحدك.. فلم يؤذن لنا في السير معك.

مغناطيس الشفاء

سرت إلى رجل يحمل مغناطيسا بشكل حذوة حصان، فقلت: أأنت معلم المغناطيس؟

قال: لا.. أنا عالم ولست معلما.. رزقني الله في صغري هذا المغناطيس الذي تراه معي، فسخرت حياتي كلها في البحث عن أسرار المغنطة، وقد جئت إلى هذا المستشفى ـ من رحلة طويلة في البحث عن أسرار العلاج به([15]) ـ وقد جئت لتطبيقها هنا.

قلت: وهل أذن لك فقهاء هذا المستشفى في ذلك؟

قال: لقد شجعوني على ذلك..

قلت: ولكن ألم يسمعوا بما لقي من تقديس حتى اعتقد بعض الأقوام بأن له قوة إلهية، بل وذهب أحد الفلاسفة إلى حد القول بأن للمغناطيس روحاً لأنه يحرك الحديد.. ألا يعرفون سد الذرائع؟

قال: لو طبقوا ما خفته من ذرائع الفساد لما تركوا شيئا في الحياة.. فهل هناك شيء لم يعبد من دون الله!؟

قلت: وهل رأوا ما تفعل؟

قال: لا بد من ذلك.. ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم:(اعرضوا علي رقاكم)، فما كان لهم أن يفتوا من غير أن يعرفوا.

قلت: قد عرفت المغناطيس، وقد غرمت به في صغري كما غرمت به، فما هو العلاج به؟

قال: هو علاج يستخدم الطاقة المغناطيسية في علاج كثير من الأمراض التي تصيب الجسم.. وهو علاج قديم.. فقد كان يعتقد للمغناطيس خواص رائعة في الماضي، حيث كان الأشراف يلبسونه للحيلولة دون تقدم السن([16])، وكانت كليوباترا تلبسه على جبهتها للمحافظة على جمالها، كما كان يلبس لإزالة الصداع.

وقد عرف الآريون المغناطيس على أن له بالإضافة إلى قوى غيبيةوجذبية للحديد، له خواص علاجية. وهناك ذكر للعلاج بالمغناطيس لبعض الأمراض في الكتابات الموجودة لبعض الأديان.

وقد بدأ تطوير العلاج بالمغناطيس مؤخراً في بعض الدول المتقدمة تقنياً كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي واليابان ودول أخرى غيرها.

وكان رائد المغناطيسية البشرية الدكتور فرانتس مسمر الذي درس الطب في فيينا في القرن الثامن عشر، وطور فكرة وجود قوى من أماكن أخرى من الكون تؤثر على الإنسان بقوة.. وقد كان مسمر متأثراً بأفكار الفيزيائي فيليبوس باراسلساس في القرن السادس عشر، والذي قال بأن للمغناطيس قوى علاجية بحيث يمكن أن يشفى العضو المصاب بوضع قطعة مغناطيس عليه، كما تأثر مسمر بعمل الأب هول أستاذ التنجيم في النمسا، والذي استعمل المغناطيس في علاج المصابين بحالات عصبية.

وقد أكد الدكتور صامويل هانمان منشئ الهوميوباثي الذي كان معاصراَ لمسمر وجود القوة الحركية في المغانط الملحية بعد التجارب الدقيقة، وأيد استعمال قطبي المغناطيس. كما أكد على وجود القوة المغناطيسية البشرية، وهي التي يمكن استعمالها في العلاج إذا ما اتصل الشخص صاحب النية الصادقة والرغبة القوية في شفاء المريض، إذا اتصل بالمريض لمساً أو حتى بدون اتصال أن يستعمل هذه القوة المغناطيسية الطبيعية التي حباه الله إياها في شفائه. وهذا متحقق في فعل المعالجين الموجودين حالياً والذين يسمونهم (HEALERS)

قلت: كيف يعالج المغناطيس، وما أراه إلا حديدا قد آتاه الله قوة الجذب.

قال: هو لا يقوم بالشفاء بذاته، بل يهيئ بيئة متوازنة للجسم للإسراع في عملية الشفاء.

قلت: كيف ذلك؟

قال: العلاج المغناطيسي يعتمد على نفس قواعد الطاقة المغناطيسية في الطبيعة، حيث تخترق الطاقة المغناطيسية الجلد في موضع معين لتمتص عن طريق الشعيرات الدموية الموجودة في الجلد المغطي لهذا الموضع، وتسير في الدم حتى تصل إلى مجرى الدم الرئيسي الذي يغذي جميع الشعيرات الدموية الموجودة بالجسم.

قلت: وكيف يمتص الدم الطاقة المغناطيسية؟

قال: ألا تعلم أن الدم يحتوي على الهيموجلوبين، وهو يحتوي على جزيئات حديد، وشحنات كهربية أخرى، وهي تمتص هذه الطاقة المغناطيسية، فينشأ تيار مغناطيسي في مجرى الدم يحمل الطاقة المغناطيسية إلى أجزاء الجسم المختلفة.

قلت: وما تأثير هذه الطاقة الممتصة؟

قال: هي تساعد على تحفيز الأوعية الدموية فتتمدد، وبالتالي تزداد وتتحسن الدورة الدموية، مما يؤدي لزيادة تدفق الغذاء إلى كل خلايا الجسم، وبالتالي تساعده على التخلص من السموم بشكل أفضل وأكثر كفاءة.

وهي كذلك تعادل المحتوى الهيدروجيني لخلايا وأنسجة الجسم، وتساعد هذه البيئة المتوازنة على تحسين أداء وظائف الجسم، وبالتالي يشفي الجسم نفسه بنفسه.

قلت: فالطاقة المغناطيسية إذاً تساعد الجسم على أن يشفي نفسه بنفسه عن طريق تحفيز الكيمياء الحيوية الموجودة فيه.

قال: أجل.. وهو ما يعرف بآلية الشفاء الذاتي، وبالتالي يحدث الشفاء بطريقة تلقائية.

قلت: فهل تأثير هذه الطاقة محدود زمانا ومحلا.. أم أنه مطلق؟

قال: لقد أثبتت الدراسات أن للطاقة المغناطيسية تأثيراً على كل أجزاء الجسم.. وهذا التأثير قد يظل عدة ساعات حتى لو أبعدنا المجال المغناطيسي عن الجسم.

 قلت: فما الفوائد التي لمستها من خلال تطبيق هذا النوع من العلاج؟

قال: كثيرة، منها زيادة قدرة هيموجلوبين الدم على امتصاص جزيئات الأكسجين مما يزيد من مستويات الطاقة بالجسم.

ومنها تقوية خلايا الدم غير النشطة مما يؤدي لزيادة عدد الخلايا في الدم.

ومنها تمدد أوعية الدم برفق مما يساعد على زيادة كمية الدم التي تصل إلى خلايا الجسم، فيزداد إمدادها بالغذاء وتزداد قدرتها على التخلص من السموم بشكل أكثر فاعلية.

ومنها تقليل نسبة الكوليسترول في الدم وإزالته من على جدران الأوعية الدموية، مما يؤدي لتقليل ضغط الدم المرتفع للمعدل المناسب.

ومنها أنها تعادل الأس الهيدروجيني في سوائل الجسم مما يساعد على توازن الحمض مع القلوي بالجسم، زيادة على أنها تعدل أنشطة الإنزيمات بالجسم بما يتناسب مع احتياطياته.

ومنها أن إنتاج الهرمونات واطلاقها يزداد أو يقل تبعاً لمتطلبات الجسم في أثناء فترة العلاج، ومثل ذلك زيادة سرعة تجدد خلايا الجسم مما يساعد على تأخير الشيخوخة.

ومنها أنها تساعد على تنظيم وظائف الأعضاء المختلفة بالجسم، وتساعد على التخلص من الإحساس بالألم عن طريق تهدئة الأعصاب، فعندما يتم إرسال الإشارات التي تعبر عن الألم للمخ تقوم الطاقة المغناطيسية بتقليل النشاط الكهربي وتغلق قنوات وصول هذه الإشارات للمخ، فيزول الألم.

قلت: هذه فوائد مباركة عظيمة النفع.. فاذكر لي الحالات المرضية التي يمكن علاجها باستخدام هذه الطاقة.

قال: من الحالات التي يمكن علاجها باستخدام العلاج المغناطيسي: خشونة وضعف مفاصل الأيدي والأرجل والأذرع والأقدام والأكتاف.. ومنها علاج المشاكل الهضمية، كعسر الهضم، والتهاب المعدة، وغيرهما.. ومنها علاج عدم انتظام عمليات التمثيل الغذائي بالجسم مثل نقص إنتاج الأنسولين.. ومنها علاج بعض أنواع السرطان.. ومنها علاج الإصابات مثل الجروح والحروق.. ومنها علاج النزيف الذي ينتج عن ضعف الأنسجة والأعضاء مثل نزيف اللثة.. ومنها علاج الأشكال المختلفة لالتهاب المفاصل.. ومنها علاج كسور المفاصل والعظام، وعلاج انثناء المفاصل في أي جزء من أجزاء الجسم.. ومنها علاج عدوى وحصى الكلى.. ومنها علاج عدم انتظام عملية التنفس مثل أمراض الربو والالتهاب الشعبي.. ومنها علاج المشاكل الجلدية مثل حب الشباب والأكزيما.

قلت: فما هي نتائج العلاج بهذه الطاقة؟

قال: نتائج إيجابية عموما، ففي دراسة قام بها د. ناكاجاوا مدير مستشفى أسوزا بطوكيو استخدم فيها العلاج المغناطيسي لعلاج 11 ألف مريض يعانون من تشنج العضلات في الأكتاف ومنطقة الرقبة تحقق الشفاء بنسبة 90 بالمائة بين هؤلاء المرضى.

قلت: عرفت إيجابيات هذا الدواء.. فهل له من سلبيات؟

قال: لقد أطلق أحد زملائي، وهو د. كيميث مكلين، وهو أحد علماء معهد المغناطيسية بولاية نيويورك الأميركية على العلاج بالمغناطيسية وصف معجزة الطبيعة، حيث أنه يفيد في علاج كل الأمراض، وبدون أعراض جانبية تذكر.

قلت: لم.. فعهدي بالأدوية تحوي من السلبيات بقدر ما تحوي من الإيجابيات.

قال: لا يعتبر العلاج بالمغناطيسية دواء، فلذلك لا يمكن أن يسبب الإدمان مثل بعض الأدوية كما أنه لا يتفاعل مع أي دواء.. زيادة على ذلك فقد أجريت تجارب كثيرة جداً على الحيوانات التي تجرى عليها التجارب عادة لمصلحة الإنسان كالأرانب والفئران والأسماك والطيور، وكذلك النبات وبعض الأنسجة الحية، وقد أكد في هذه التجارب أن تعرض الكائن الحي إلى قوة مغناطيسية عالية جداً لا تسبب له ضرراً مما شجع على تدعيم التعريض للمغناطيس للأغراض العلاجية.

قلت: فهو لا يحوي أي سلبيات إذن.

قال: ليس على العموم.. فالعلاج الذي لا يحوي أي سلبيات هو العلاج المبارك، أما هذا فله سلبياته.. ولكنها قليلة جدا.

قلت: فما هي؟

قال: بعض الأعراض الجانبية والتي قد تظهر ـ إن وجدت ـ بشكل واضح لعدة أيام قليلة بعد العلاج بالمغناطيسية.. وهي تتمثل في الصداع والأرق وارتفاع درجة حرارة الجسم.. وهي تزول بعد يوم أو يومين من العلاج وبشكل تلقائي.

قلت: فهل تعالجون جميع المرضى بمغناطيس واحد؟

قال: لا.. درجة شدة المرض ومدته هي التي تحدد قوة حجر المغناطيس المستخدم، ومن الأفضل أن يبدأ المريض باستخدام حجر المغناطيس ذي قوة منخفضة، ثم يزيد من قوته تدريجيا بعد ذلك.

أما الأطفال، والصغار، وكبار السن، فيعالجون عن طريق مغناطيس كهربي منخفض القوة.

قلت: والمدة.. هل هي سواء بالنسبة لجميع المرضى؟

قال: لا.. ففترة العلاج بالمغناطيسية تزداد إذا كان المريض يعاني من الأنيميا، أو نقص الكالسيوم، أو العلاج بعقاقير تخمد نظام المناعة التلقائي بالجسم.

لمسات الشفاء

سرت إلى رجل يحرك يده حركات مختلفة، تصورت للوهلة الأولى أنه يعاني مرضا عقليا، فقد رأيت بعضهم بين قومي يبالغ في مثل هذه الحركات، اقتربت منه، وقلت: ما بك يا أخي.. أرى أهلك قد أهملوك.. هل تحتاج لشيء!؟

نظر إلي متعجبا، وقال: ولم يهملني أهلي؟.. وهل تراني صبيا أحتاج إلى حضن والدتي أو رعاية والدي!؟

قلت: لا أراك صبيا.. ولكني أراك..

ضحك، وقال: لا تذهب بك الظنون مذاهبها.. فأنا حكيم من الحكماء السبعة الذين قدموا لهذا المستشفى من رحلة البحث عن بدائل الصناعة.

قلت: فأي مغاطيس وجدت؟

قال: أنا لم أذهب للبحث عن المغناطيس.. بل ذهبت للبحث عن الدواء البديل.

قلت: فما وجدت؟

قال: لقد وجدت رجلا من قومك اسمه (أندرو تيلر ستل)

قلت: وهل يوضع هذا الرجل في كوب الماء ليشرب بدل الدواء؟..

قال: لا.. هذا رجل كان يخدم في الخطوط الأمامية للقتال في الحرب الأهلية الأمريكية كجرّاح.. وقد فقد أولاده الثلاثة في ذات السحايا الفقرية.

قلت: كثيرون هم الذين يشبهون هذا الرجل.. فما ميزته؟

قال: لقد أصبح (أندرو تيلر ستل) غير مقتنع.. بل متشائماً من الطب المتداول.

قلت: متى كان ذلك؟

قال: في أواسط القرن الماضي.

قلت: يحق له أن يتشاءم.. فقد كان العلاج المتوفر غير نافع في أكثر الحالات، وكانت الجراحة أمراً قاسيا جداً لحداثة استعمال المخدر.. وأسباب أخرى.

قال: لهذا كله أراد ستل أن يجد طريقة علاجية أكثر تعاطفاً مع المريض وأكثر نفعاً.

قلت: هنا بدأت تدخل الموضوع.. فماذا وجد؟

قال: بعد تجارب طويلة أجراها تأكد من أن الوسائل اليدوية لوحدها أكثر فعالية بشكل ملفت للنظر من الطرق الأخرى في أكثر الحالات التي تعامل معها.. وفي عام 1874 بدأ باستعمال الطرق اليدوية في العلاج، والتي سماها الأستيوباثي([17])، وذلك مع الجراحة أيضاً في عيادة كبيرة جداً، وأصبح معروفاً للنجاحات التي حققها.

وبعد ثماني عشرة سنة، وبعد أن أثبت بأن هذه الطرق هي أكثر فعالية من الطرق المتوفرة في حينه، أسس أول مدرسة لتعليمها سماها مدرسة الطب الأوستيوباثي في كركسفل بولاية مزوري.

قلت: ولكن المعالجة والدعك اليدوي ليس جديداً، فقد وصف أبو قراط أبو الطب عدة حركات لمعالجة العمود الفقري.. كما أن الطب الشعبي في كل أنحاء العالم يحتوي على أشكالاً من هذه المعالجة.. وأعرف من بني قومي من يلعب بها لعبا.

قال: ذلك صحيح.. ولكنه بينهم محصور في أمراض محدودة.. وليس لمختلف الحالات المرضية كما رأى أندرو ستل.

قلت: فهل رأى صاحبك هذا أن هذا الدعك يمكن أن يحقق الشفاء لمختلف العلل؟

قال: هو لم يقل بأنه يحقق الشفاء.. وإنما قال ـ كما قال إخوانه من أصحاب الطب البديل ـ بأن للجسم قوة ذاتية للشفاء واستعادة الصحة، وقد تميز عنهم بتصوره أنه إذا ما تداخلت مشكلة بنيوية، مثل شد عضلي أو انحناء في العمود الفقري.. أو غيرهما، فإن ذلك سيؤثر بشكل سلبي على السريان الدموي والعصبي، وبالتالي يؤثر على قدرة الجسم على الشفاء، ويحصل المرض.

قلت: ما تقصد بذلك؟

قال: هو يرى ضرورة كون مصادر الدم والأعصاب لكل أنسجة الجسم غير معاقة لكي تعمل هذه الأنسجة بالشكل الصحيح، وتقوم بترميم الجسم وتصليحه.

قلت: هذه الفكرة.. وما أسهل أن نفكر.. ولكن كيف طبقها في العلاج؟

قال: لقد أسس ـ انطلاقا من ذلك التصور ـ طريقة للمعالجة أو الدعك باليد سماها بلغته MANIPULATION، ويقصد منها إعادة أي انحرافات بنيوية إلى وضعها الطبيعي.

قلت: أرى أن صاحبك يغلب الجانب الميكانيكي الآلي في الإنسان.

قال: هذا صحيح.. فهو يرى أن الجسم يحتوي على دفاعاته الذاتية.. وأن المرض يحصل عندما تضعف هذه الدفاعات.. والضعف قد حصل لكون الجسم أصبح غير صحيح ميكانيكيا.

قلت: لقد ذكرت لي صحبتك له.

قال: أجل.. لقد صحبته طويلا.. وتعلمت على يده.

قلت: فكيف كان يتعامل مع مرضاه؟

قال: كان الدكتور ستل ينظر إلى مرضاه بنفس النظرة الكلية.. ولم يكن ينظر إليهم بالطريقة المعتادة أي معالجة الأعراض بدون البحث عن الأسباب.. ولهذا كان يسأل المريض عن كل ما يتعلق به مما يعتبره الطبيب البديل ذا علاقة بحالته المرضية.. فيسأله عن صحته العامة ومهنته وحتى حياته السابقة.. وهو يلاحظ قبل أن يبدأ بسؤاًل المريض كيف يمشي وكيف هو وضع قامته ودرجة الحركة عندما يجلس.. وهو يهتم بدرجة الحركة في كل المفاصل، في ذلك القفص الصدري، وهو شيء يستطيع ملاحظته من تنفس المريض مثلاً.

قلت: هذا التشخيص.. ولكني أريد العلاج.

قال: كان يقوم بفحص الأنسجة الرابطة بواسطة أصابعه، وكان يفحص الأعضاء الداخلية يدويا كالكبد والمعدة.. فقد كان يرى أن البنية والوظيفة في الأعضاء مترابطة بشكل لا فكاك عنه، وقد سمعته يقول:(إن الجهاز العظمي العضلي، من العظام والأربطة والعضلات والصّفاق([18])تكون بنية واحدة والتي عندما تتعرض للاختلاف عن وضعها الطبيعي من الممكن أن تحدث تغييرات في وظائف أجزاء أخرى من الجسم)

قلت: أراه يعطي للصفاق أهمية كبرى.

قال: أجل.. ولهذا كان يقول:(إن الصفاق هو المكان الذي تبحث فيه عن أسباب المرض، وهو المكان الذي يبدأ فيه عمل)

قلت: فهذا النوع من العلاج يهتم ـ فقط ـ بالصفاق؟

قال: لا.. لعل اهتمامه الأكبر بالعمود الفقري.. فقد كان ستل أول من قدم تفسيراً مقبولاً حول أهمية العمود الفقري للمحافظة على الصحة حيث أنه محيط بالحبل الشوكي.. والحبل الشوكي ـ كما تعلم ـ ملحق بالدماغ.. وهو يسطر على كل فعاليات الجسم، بما فيها الأعضاء الحيوية الهامة كالكلى والقلب والكبد والرئتين والأوعية الدموية والغدد.

ولهذا فإن أي تداخل مع الأعصاب المارة من وإلى الدماغ من خلال الحبل الشوكي لا بد وأن يؤثر على العمل الطبيعي للأنسجة التي تمر منها أو إليها هذه الأعصاب.

قلت: الصفاق والعمود الفقري هما محلا الداء والدواء عند صاحبك؟

قال: لا.. هناك الأعضاء الميكانيكية الأخرى كالمفاصل والعضلات.. بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى مسببة للمرض كالغذاء والوراثة والبيئة والنفس والبكتريا.. فهو لا يدعي إمكانية علاج الحالات المرضية الناتجة من هذه العوامل.

قلت: فهناك ميادين محدودة للعلاج بهذا النوع على حسب ما فهمت؟

قال: أجل.. فقد أثبتت التجارب لأصحابي بأن المريض الذي يتم تخليصه من الخلل الميكانيكي الحاصل في جهازه العظمي العضلي، وذلك بإزالة الخلل المرضي الأوستيوباثي، يتخلص من حالات مرضية كانت قد سببت من هذا الخلل، بل ويعود إلى صحته الكاملة إذا ما كان سبب المرض هذه الاختلالات الأوستيوباثية فحسب.. ولكنه إذا ما ترسخ المرض العضوي ـ بحيث سبب عطباً دائماً في الأعضاء المحنية ـ فإن الأوستيوباثي لا تعود نافعة لإزالة الحالة.

قلت: لقد ذكرت الخلل المرضي الأوستيوباثي.. فما الذي تقصد به؟

قال: هذه التسمية تقدم القاعدة العلمية لفعل العلاج الأوستيوباثي.. فنحن نعتقد ـ كما يعتقد معلمنا ـ أن لكل مفصل مجالا معينا من الحركة، وهو المجال الطبيعي.. وتساعد المفاصل في حركتها الأربطة والأوتار والعضلات وكذلك الصفاق.

وهذه الأنسجة تمكن المفصل من الحركة حسب المجال الطبيعي لكل إنسان، ذلك لأنّ لكل إنسان مجالا لحركة المفاصل يختلف عن غيره.. وعندما يحصل تحرك لأي مفصل بشكل غير اعتيادي يحصل تثبيت للمفصل مما يبقيه، بمساعدة الأوتار والأربطة والعضلات في نقطة هي أقصى ما يمكن في مجال حركته، وعندما يكون المفصل بهذا الوضع يسمي الأوستيوباثيون هذه الحالة بالخلل المرضي الأوستيوباثي.

قلت: فهل يظهر هذا الخلل لعيون أصحابك؟

قال: لا.. إن هذا الخلل ليس واضحا عيانا ً، وإلا لبان ذلك في صور الأشعة.. فهو لا يتضمن تباعداً كبيراً للعظم عن مكانه الطبيعي، وإنما هو مجرد تحرك بسيط للمفصل بحيث يثبت في أقصى ما يمكن من مجال حركته.. ومع ذلك فإنه من الأهمية بمكان، بحيث أن تشخيصه ضروري جداً كمقدمة للعلاج.. وهنا تبرز ضرورة مراجعة معالج أوستيوباثي متدرب بشكل صحيح على ذلك.

قلت: فكيف يؤثر هذا الاختلال البسيط؟

قال: لأنه بذلك سيؤثر على أي جزء في الجسم.. وهو ما يمنعه من المصادر الدموية والعصبية اللازمة، وبالتالي من التغذية، وهذا يؤدي به لا محالة إلى المرض.

قلت: أريد توضيحا أكثر لهذا.

قال: إن حدوث الخلل المرضي الأوستيوباثي يؤدي ـ مثلا ـ إلى حصر الأعصاب التي تسير من خلال الفقرات من الحبل الشوكي إلى أجزاء الجسم المختلفة، ومن أجزاء الجسم عائدة إلى الدماغ.. وعند حصول الخلل الأوستيوباثي في مفصل ما فإن الأجزاء القريبة منه لا بد أن تصاب بالمشكلة ذاتها، وهذا يؤدي إلى أن تحصر الألياف العصبية المارة إلى المفصل من خلالها.

كما يمكن أن يلتهب العصب الذي لا يمر من المنطقة مباشرة،وإنما قريباً من المنطقة المحصورة.

قلت: هذه ناحية ناتجة عن الخلل الميكانيكي..

قال: هناك ناحية أخرى.. وهي نقص مصدر الدم، وهذا يحصل إذا ما حصل أي شد عضلي في العضلات المتصلة مباشرة أو بشكل غير مباشر للجزء من العمود الفقري المتأثر بالخلل الأوستيوباثي، حتى وإن لم يكن قريباً منه.. وسيؤدي ذلك إلى عدم عمل الصفاق بالشكل الطبيعي مما يقلل من سريان الدم أو قد يوقفه كليا ً، مما قد يؤدي إلى حالات مرضية خطيرة.

 قلت: هل هناك مضاعفات أخرى غير هذين؟

قال: أجل.. فهذا قد يؤدي إلى عطب القرص الفقري.. فعندما يستمر الخلل الأوستيوباثي بدون علاج لفترة طويلة تصبح إمكانية إزالته أقل.. وحتى لو لم يكن القرص الفقري متحركاً من مكانه، فقد لوحظ في البحث المختبري بأن قابليته على امتصاص الماء من الدمواللمف تقل إذا ما استمرت حالة الخلل الأوستيوباثي، وهذا يسبب تقلصاً في حجم القرص مما يقلل من كفاءته كمانع للصدمات.

 وقد يؤدي كل ذلك إلى تلف المفصل.. وذلك مشابه تماما للتلف الذي يحصل في أي جزء من الماكينة الموضوع باستمرار تحت الشد المستمر عندما يكون في غير الوضع الاعتيادي له حسب التصميم.

قلت: إلى الآن لا زلت متشوقا لمعرفة كيفية الفحص.

قال: بعد أن يتم التشخيص، ويتوصل المعالج إلى سبب المشكلة يبدأ بالمعالجة التي غرضها إعادة توازن العمود الفقري والشد فيما حوله، وكذلك موازنة الشد في الأجزاء البنيوية الأخرى.. وبهذا يمكن إعادة حركات كل أجزاء البنية إلى طبيعتها وتقليل الحصر والاختلافات غير الطبيعية عن الأعصاب وفي الدورة الدموية.

قلت: لكن كيف يعيد كل أجزاء البنية إلى طبيعتها؟

قال: هناك طرق عديدة لذلك مثل المد والتدليك وغيرها، ويعتمد إجراؤها على عدة عوامل منها حجم المريض ووضع قامته ونوع المشكلة ووضع المفصل المعين، فإذا ما كان المفصل معاقاً مثلاً لا يجب أن يحاول المعالج إعادته إلى وضعه الطبيعي، بل ينصح المريض بما يجب عمله.. ومن أكثر الطرق استعمالا في إزالة تثبيت المفصل في أقصى نقطة من مجال حركته هي الحركة السريعة جداً.

أما التدليك فهو خاص بهذه الطريقة العلاجية، وإن كان يشابه التدليك المعروف الذي يقوم بعمله المعالج الطبيعي في الطب المتداول والذي يقوم به أي شخص في الحقيقة، وما يقوم به المعالج الأوستيوباثي هنا هو معالجة للأنسجة الرقيقة الموجودة تحت الجلد مباشرة.

قلت: تقصد الصفاق؟

قال: أجل.. فقد رأيت اهتمام الأوستيوباثي بالصفاق بدءاً من الدكتور ستل حيث سمعت ما قال.

قلت: ألا يؤلم هذا الأسلوب العلاجي؟

قال: كثير من المرضى يخشون من هذا خصوصاً من تلك الحركة السريعة جداً، إلا أن الواقع ينفي حصول أي ألم في العلاج.. ولكن قد يحس المريض بعدم الراحة للحظة واحدة بسبب وضعه غير المريح على سرير العلاج مثلاً.

ولكن كل ذلك يعتمد على الاسترخاء الكامل للمريض، وخصوصاً في الحركة السريعة جداً.. ذلك لأن الاسترخاء يجعل العضلات مرتخية مما لا يشد المفاصل إلى درجة تمنع حصول تحركها إلى الوضع الطبيعي وهو ما يبتغيه المعالج.

كما أن الاسترخاء ضروري جداً لمن كان يشكو من الآلام، في أثناء المعالجة وخارجها.. وقد طور المعالجون الأوستيوباثيون طرقا عديدة لتحقيق ذلك.

قلت: فما مدة العلاج؟

قال: هي تعتمد على الحالة نفسها.. فإذا كانت الحالة مزمنة، فإن المراجعة الأولى قد تستغرق ساعة من الزمن، وقد يعطى فيها بعض العلاج، كما يضع المعالج في هذه الحالة برنامجاً من جلسات علاجية قصيرة على مدة زمنية طويلة، بحيث تطول الفترات الزمنية فيما بين الجلسات شيئا فشيئاً.

أما إذا كانت الحالة جديدة، فإن جلسات العلاج لا بد أن تكون معدودة.

إبر الشفاء

تركت الأوستيوباثي يحرك يديه بحركاته الغريبة، ثم سرت في القاعة أبحث عن حكيم آخر، وعن أسلوب آخر من أساليب العلاج البديل.

رأيت رجلا يحمل مجموعة إبر.. لست أدري هل كان ينظمها أم كان يعبث بها، اقتربت منه ناصحا، وقلت: يا أخي.. هذه الإبر خطيرة يمكن أن تصيب أي إنسان بآلام شديدة.

التفت إلي، وقال: ليس لي مهمة في الحياة إلا أن أغرسها في الأجسام.. بل أثبتها فيها تثبيتا.

قلت: أراك تحمل حقدا عظيما..

قال: بل أشفق شفقة عظيمة.

قلت: لا تستقيم لك الشفقة مع إيلام خصومك.

قال: أنا لا أغرس هذه الإبر إلا في أجسام أصدقائي.

قلت: لا أرى أنه يمكن أن يفكر أحد في صحبتك.

قال: لا.. هم يقصدونني.. وقبل آلاف السنين كانوا يقصدون إخوانا لي كانوا يحملون نفس الإبر التي أحملها.

قلت: أرى أن لكلامك نبرات صدق.. فحدثني عن شأنك.

قال: أنا أحد الحكماء الذين أتوا ببدائل الصناعة.

قلت: من أين أتيت بها؟ وعلى من تتلمذت؟

قال: أتيت بها من الصين.. لقد رحلت إلى الصين لتعلمها.. وقد تتلمذت هناك على خلق كثيرين.

قلت: على ما يعتمد علاجك؟

قال: على هذه الإبر.

قلت: هل أنت جراح؟

قال: لا.. أنا أغرس هذه الإبر في الجسم، وأعالج بها([19]).

قلت: أي بدعة هذه التي تقولها؟

قال: لا.. ليست هذه بدعة.. هذه أقدم من طب قومك.. بل لا يعرف لأولها تاريخ على التحديد([20]).

قلت: فحدثني عن هذا النوع من العلاج.

قال: أتعرف الين واليانغ؟

قلت: عموما.. فقد عرفت ذلك من جورج أوشاوا.

قال: فاعرف الآن بأن هناك مسارين للطاقة في جسم الإنسان أحدهما هو الين، والآخر هو اليانغ، وذلك في مفهوم عام عن الطاقة يسمى تشاي (CH‘i) أو قوة الحياة، أو القوة الحيوية.. والين واليانغ متكاملان على الرغم من كونهما متعارضين، ولأجل بقاء الإنسان في حالة صحية جيدة يجب بقاء الينواليانغ في حالة توازن.

قلت: عرفت هذا.

قال: لقد وجد الصينيون أن هذه القوة الحيوية (الين واليانغ) تدور في الجسم في مسارات تشابه الدم واللمف والأعصاب، وسموها خطوط المريديان (MERIDIANS) والتي تدل في معناها الحرفي على خطوط الزوال أو خطوط الطول والعرض، ويمكن رصد هذه المسارات الآن بالطرق الإلكترونية ووسائل أخرى، وغيابها يعني الموت.

قلت: أهي شبكة في الجسم كشبكة العروق والأعصاب؟

قال: أجل.. فهناك 26 دائرة رئيسة من خطوط المريديان، وكل واحدة مقترنة بوظيفة أو عضو من وظائف وأعضاء الجسم.

قلت: نحن نعرف حركات الدم بجس العروق.. فكيف تعرفون هذه المسارات؟

قال: نحن نقيم وضع هذه المسارات بواسطة النبضين الذين يتم الإحساس بهما في منطقة الرسغ، أي قريبا من نبض القلب الذي يفحصه الطبيب الاعتيادي، ولكنه شيء مختلف كلياً عنه.

ويمكن تقييم وضع الجسم الصحي بهذه الطريقة حتى قبل أن تبدأ الأعراض بالظهور، وبهذا فالطبيب الصيني يستطيع أن يعرف بأن صحة المريض تتدهور،وبذا ينصح المريض قبل أن تظهر المشكلة وتتعقد.

ولهذا السبب كان الطبيب الصيني يتقاضى أجراً عندما يكون الإنسان متمتعاً بصحة جيدة، فإذا ما مرض يتوقف عن الدفع إلى أن يستطيع الطبيب أن يعافيه من المرض.

قلت: فما دور الطاقة الحيوية في الجسم؟

قال: دورها أن تبقي الين واليانغ في توازنهما المطلوب بطرد الطاقة الفائضة خلال سطح الجسم عند نقاط معينة على خطوط المريديان وتحويلها إلى المناطق التي تفتقد إليها.

قلت: أهناك نقاط في الجسم مختصة بهذا؟

قال: أجل.. وقد اكتشفوا منها حاليا 800 نقطة.. ولا يزال البحث فيها مستمرا.

قلت: فهمت هذا.. ولكني لا أزال لا أدرك دور الإبر في الشفاء.. أو أنواع العلل التي يمكن أن تعالجها.

قال: إن المعالجة بالإبر تعتمد على تغيير مستويات الطاقة في نظام خطوط المريديان، وهذه الخطوط عبارة عن قنوات تربط النقاط العلاجية الخاصة بالأعضاء المختلفة، وسر ذلك هو وجود اتصالات بين هذه القنوات المختلفة، والتي تشكل شبكة معقدة منها.

أما أنواع العلل التي يمكن علاجها، فتختلف اختلافاً شديداً.. فبعضها كألم الشقيقة تستجيب غالباً بشكل جيد جداً، في حين أن غيرها كروماتزم المفاصل والربو تستجيب في بعض الأحيان، وبشكل جزئي.

وهناك أنواع من الحالات كالحالات المعدية والأمراض الخبيثة لا تستجيب مطلقاً، وإن كان يمكن إزالة بعض أعراضها.

وعلى كل حال يمكن القول بأن العلاج بالإبر قد نجح نجاحاً تختلف درجته في علاج الأمراض الوظيفية المختلفة كالشقيقة والصداع المزمن والقرح ومشاكل الهضم والتهاب المفاصل والتهاب الأعصاب وعرق النسا والتهاب الجلد والأكزيما وضغط الدم العالي والكآبة والقلق والالتهابات الصدرية وكثير غيرها.

أما الأمراض التي تحدث تغييراً في الأنسجة كالتهاب المفاصل الذي أدى إلى تغيرات في سطوح المفاصل، فإن العلاج بالإبر لا يمكن أن يكون إلا علاجاً مساعداً لعلاج آخر، وليس علاجا يتوقع منه أن يشفي هذه الحالات.

قلت: فما سر هذه الاستجابات المختلفة؟

قال: ذلك يعتمد على أسباب مختلفة، منها العامل الفردي، حيث لوحظ أن بعض من يعاني من حالات اعتقدنا عدم استجابتا بدرجة كبيرة للعلاج بالإبر استجابت بشكل ملفت للنظر، في حين أن حالة أخرى تعتبر من الحالات التي تعالجها هذه الطريقة بسهولة لم تستجب.

ومنها الوقت من اليوم، واليوم من الشهر الذي يعطى فيه العلاج، فإنه معروف منذ زمن بأن الكثير من الأفعال والعمليات الجسمانية لها إيقاع حيوي كذاك الذي يحدث لمدة يوم واحد أو 24 ساعة في أمور مثل درجة حرارة الجسم ومستويات الأملاح والهرمونات في الدم.. ولهذا يفضل بعض المعالجين التقليديين أن تتم جلسات العلاج في ساعات مختلفة من النهار والليل للحصول على نتائج أفضل.

قلت: فهل يتعارض استعمال الإبر مع الأدوية الصناعية؟

قال: قد يحصل ذلك، ويكون من عوامل تخلف العلاج بالإبر.. فبعض هذه الأدوية لها تأثير على الجهاز العصبي المركزي، بل إن منها ما يعطى لهذا السبب كالمهدئات ومضادات الكآبة.. فكل مضادات الهستامين التي تستعمل للحساسية أو غثيان السفر غالباً ما يكون لها تأثير على الدماغ.

ومثل ذلك، فإن ملامسة النقاط التي عولجت بالإبر، سواء بالملابس أو باليد أو أية ملامسة تلقائية أخرى، في الأيام التي تعقب العلاج تعتبر تقوية للتحفيز الذي قامت به الإبرة على شكل استجابة التهابية من الأنسجة التي في نقطة العلاج.. لذا فإن أي دواء مضاد للالتهاب سيقضي على هذا الأثر المهم، والذي يطيل من عمر التحفيز العلاجي.

ومن هذه الأدوية الكورتزون والأسبرين والبيوتازوليدين.. والتي لا شك أنك عرفت خطرها على الصحة.

قلت: أجل.. فقد عرفت ذلك في قاعة الضرورة.

قال: ولأجلها تهنا في الأرض للبحث عن البدائل.

قلت: أيشترط الإيمان بجدوى العلاج لحصول الشفاء.. أم يمكن أن يجرب أي مجر من غير أن يؤمن؟

قال: بالإيمان يتحقق الشفاء من غير إبر.. ولكن الإبر قد تؤثر من غير إيمان.

قلت: من ملاحظتك للمرضى الذين عالجتهم ما جدوى العلاج؟

قال: ذلك يختلف باختلاف المرضى واختلاف أمراضهم.. فمنهم من كانت استجابته بتخفيف الأعراض من حيث قوتها، وترددها على المريض، أو بتحولها أقل إزعاجاً.. او أن المريض يقلل من اعتماده على الأدوية التي كان يأخذها… ومنهم من يشفى تماما بحمد الله.

قلت: على ما يعتمد ذلك؟

قال: على ما ذكرنا من أسباب.. بالإضافة إلى أنه لا يمكن أن يحصل تقدم نحو الأحسن منذ الجلسة الأولى، وإنما يحتاج ذلك إلى مرور عدة جلسات علاجية.

ويجب أن تتوقع أن تشتد الأعراض في البداية، وهذا يحدث في الكثير من الحالات، وهو يدل على أن التحفيز قد حدث في نقاط لها علاقة بالمرض، وهو المطلوب.

قلت: فهناك أعراض جانبية إذن؟

قال: هي ليست كأعراض الأدوية.. وإنما هي رد فعل عادي جداً ومتوقع في كل العلاجات البديلة التي لا تسكت الأعراض ـ كما يفعل قومك ـ وإنما تخرجها إلى السطح، وتحفز القوة الحيوية لكي تقضي عليها.

قلت: فهل هناك مخاطر من هذا الدواء؟

قال: لا أكتمك بأنها قد تحوي على بعض المخاطر.. فهي من أدوية الأرض واجتهادات أهل الأرض، ولكنها تقل مع الأطباء المهرة.

قلت: فاذكر لي مخاطرها كما ذكرت لي بركاتها.

قال: من مخاطرها العدوى، والتي قد تحصل عند إدخال الإبرة غير المعقمة، ولهذا يفضل استعمال الإبرة مرة واحدة مع مريض واحد فقط.. كما أنه من الممكن أن تحصل العدوى من جلد المريض نفسه، وهنا لا بد من تعقيمه بالكحول.

ومنها تدمير الأنسجة، وهو ما يمكن أن يحصل عند إدخال الإبرة فتدمر الأوردة أو الأعصاب([21]) أو حتى أعضاء كبيرة كالرئتين([22]) مثلاً.. ولهذا يفضل ـ احتياطا ـ مراجعة طبيب درس التشريح الجسماني بشكل كاف بحيث يعرف المناطق الحساسة والرقيقة.

ومنها إسكات المرض، وهذا يحصل إذا ما استطاع العلاج بالإبر تخليص المريض من أعراض المرض كالآلام مثلاً فيعتقد المريض بأن حالته تتحسن في حين أن المرض يتقدم نحو الأسوأ.. فقد يكون ألم الظهر مصاحباً للسرطان فإنه يمكن للعلاج بالإبر أن يزيل الألم فيعتقد المريض بأن الحالة تتحسن في حين أن الأورام مستمرة بالانتشار.

قلت: هذه مخاطر عظيمة.

قال: لقد عرفت في غرفة الموازنات كيف تتعامل مع مثل هذا.

قلت: أجل.. ننظر إلى المحاسن والمساوئ ثم نوازن بينهما، كما قال تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }(البقرة:219).. فكيف تطبق هذا الميزان في الإبر؟

قال: أتجنب مواطن الخطر.. وكل ما يمكن أن يؤدي إليها.. فإن فشلت في حالة من الحالات أرسلتها لإخواني من الحكماء..

قلت: السبعة..

قال: لا.. هم إلى السبعين أقرب منهم إلى السبعة.

قلت: ولكني سمعتهم يقولون (الحكماء السبعة)

قال: لقد قالوا ذلك لك ليبينوا لك كثرة البدائل.. لا ليحصروها.

أقدام الشفاء   

ما ابتعدت قليلا عن صاحب الإبر حتى وجدت رجلا يمسك بقدمه، وهو يدلكها دلكا غريبا، فتصورت أنه قد تعثر وسقط، فاقتربت منه مسرعا، وقلت: كيف وقعت؟.. دعني أنظر إلى موضع الألم حتى أضمدك، أو أحملك إلى من يضمدك.

قال: لا.. ليس الألم في قدمي.

قلت: أين هو إذن؟

قال: لقد أصابني ألم في معدتي.. فجلست أعالجها.

ضحكت، وقلت: وهل معدتك في قدمك؟.. ألست من بني آدم؟.. إن بني آدم يحملون معدهم في بطونهم، لا في أقدامهم.

قال: أنا منهم، ومثلهم.. معدتي لا تزال في بطني.

قلت: ولكن.. لم تهت عنها، فرحت تبحث عنها في قدمك.. هل تراك أحول؟

قال: لا.. أنا أبصر بكلا عيني جيدا.

قلت: فلم ذهبت إلى قدميك بدل معدتك؟

قال: ذهبت إلى المركز الصحي لمعدتي.

قلت: وهل لمعدتك مركز صحي؟.. وأين؟

قال: لمعدتي، ولكل أعضائي وأجهزتي مراكز صحية.. أترى أن الله خلق لنا كل شيء.. ولم يخلق لأجسامنا مراكز صحية ترمم فيها.

قلت: هذه فكرة طيبة.. ولكن أين هذه المراكز؟

قال: في القدمين..

قلت: في القدمين كل مراكز صحة الإنسان.

قال: أجل..

قلت: لا تمزح معي.. فإني طالب علم.. وأخاف أن أنخدع بتصديقك.. فتكون لك أوزار جهلي.

قال: لا.. لست كاذبا ولا مخادعا.. ولكني طالب حق مثلك.. وقد آلمني أنين المرضى، فقطعت الجبال السبعة لأبحث لهم عن أسرار الشفاء.

قلت: ألم تجدها إلا في القدمين؟

قال: هذا ما اهتممت له ويسره الله لي، ألم تعلم أن الله { أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طـه:50)

قلت: بلى..

قال: فلا تحقر ما أعطاني.. فالله لم يحتقرني حين أعطانيه.

قلت: اعذرني.. فأنا من قوم امتلأوا بالغرور.. وامتلأوا بعده بالجدل.. ولكني مع ذلك من قوم لا يقبلون إلا بالبرهان، ألم يقل الله تعالى: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:111)

قال: بلى.. فعن أي برهان تبحث؟

قلت: عما تفعله وتقوله؟

قال: لا بد أن تعرفني ـ أولا ـ وتعرف ما أعمل حتى تعلم برهاني.

قلت: صدقت.. فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

قال: أنا ممن يسمون بالحكماء السبعة، وقد قدمت هذه الأيام من الصين بعد أن من الله علي بالتتلمذ على علاج ولد قبل أكثر من خمسة آلاف سنة.

قلت: تلك الإبر الصينية.. وقد كنت عند الحكيم الذي يعالج بها.

قال: هما أخوان.. فالاثنتان تعملان على أساس واحد، وعليه فمن كان يأخذ علاجاً بالإبر، لا يجب أن يحاول الاستفادة من علاجي.. والعكس صحيح..

قلت: فبم تعالج أنت؟

قال: أنا أعالج بالمعالجة الانعكاسية([23]).

قلت: المعالجة الانعكاسية.. ما المعالجة الانعكاسية؟

قال: هي ما رأيتني أفعله من التدليك في قدمي.

قلت: لم أسألك عن هذا.. وإنما سألتك عن سره.

قال: نحن نعتقد أن الجسم مقسم إلى مناطق مختلفة كالمناطق التي تقسم بها البلاد.. وقد قسم أستاذي ومعلمي الدكتور فترجيرالد([24]) الجسم إلى عشرة مناطق طولية([25]) بحيث تقع كل خمسة على أحد جانبي الجسم، بتناظر على جانبي الخط الوهمي الذي يقسم الجسم طولياً إلى قسمين متساويين.

قلت: أتقسمون الجسم كما يقسمه أصحاب الإبر الصينية؟

قال: لا.. بل هي مقاطع بعرض متساو وعلى عمق الجسم.. وهناك نقاط في القدم تنعكس بالتأثير على أعضاء الجسم بحيث تقع النقطة أو النقاط الخاصة بعضو ما في نفس المنطقة الطولية التي يقع فيها هذا العضو.

قلت: أهذا ما أردته بوجود المراكز الصحية لأعضاء الجسم في القدمين؟

قال ـ وهو يشير إلى مناطق مختلفة من قدمه ـ: أجل.. فالرأس، توجد مناطق انعكاساته في منطقة الأصابع حيث توجد نقاط انعكاسية لكل من الدماغ والجيوب الأنفية والعينين والأذنين وقناة أوستاكي.

والجهاز العضلي العظمي، توجد مناطق انعكاساته في مختلف مناطق القدمين كما هو واضح.. وهناك مناطق انعكاس للعمود الفقري على جانب القدم بحيث تبدأ بالمنطقة العنقية في الإصبع الكبير، وتنتهي بالعجز في كعب القدم، وهناك مناطق انعكاسية للرقبة والكتفين والحجاب الحاجز وعصب الظهر النازل إلى الساقين وهو المسمى عرق النسا والمفاصل الأخرى جميعاً.

والهرمونات، توجد مناطق انعكاساتها في باطن القدم، وهي للغدد المختلفة كالبنكرياس والأدرينالين والمجاورة لها والدرقية، أما الغدد المنتجة كالرحم والمبايض وقناة فالوب في النساء أو البروستات والخصية للرجال ففي وجه القدم.

والجهاز التنفسي، توجد مناطق انعكاسات للرئة والقصبة الهوائية والحنجرة والأنف.

والقلب والدورة الدموية، ومنطقة انعكاس القلب في المنطقة العرضية الأولى من القدم اليسرى في وسط باطن القدم، أما الأوعية الدموية فيمكن تحسين دوران الدم بها بتدليك المناطق المختلفة من القدم، أو حسب المنطقة ذات الدورة الدموية غير الطبيعية.

والجهاز اللمفاوي، وتقع نقاط انعكاس عقد اللمف في قاعدة الأصابع بين كل إصبعين في وجه القدم وفي جانب الكاحل، أمّا الطحال والغدة الثيموسية ففي باطن القدم اليسرى.

والجهاز الهضمي، وتقع مناطق انعكاسات أجزائه المختلفة في باطن القدمين.

قلت: كل ما ذكرته لا يمكنني أن أناقشك فيه.. لأني لا زلت لا أعرف مصدر هذه المعلومة ولا توجيهها.

قال: لا يهمك ذلك.. ألا تعرف أنك تتعامل مع أشياء كثيرة في حياتك دون أن تدرك حقيقتها ولا وجه عملها؟

قلت: ربما..

قال: لا.. هذا هو الصحيح.. إن معدتك تهضم الطعام دون أن تحتاج أن تشرح لك كيفية هضمها للطعام.

قلت: معدتي مأمورة.. أما هذه فأدوية.. وهي خاضعة للاجتهاد.

قال: ربما تكون خاضعة للاجتهاد، وربما تكون توقيفية منزلة.

قلت: أيمكن هذا؟

قال: لا يستنكر هذا.. فالله تعالى عندما دل الخلق على طعامهم دلهم على شفائهم.. ألا تعلم أن الحيوانات تعرف كيف تعالج نفسها!؟

قلت: لا أعلم ذلك..

قال: هناك حكيم من حكمائنا تعلم على يد الحيوانات كثيرا من أسرار الشفاء.. أفترى أن الله يهدي الحيوانات ولا يهدي عباده.

قلت: وضح ما تقصد.

قال: هذا العلاج القديم الذي لا تعرف جذوره قد يكون وحيا من وحي الله نزل على نبي من أبنياء الله.. فأرشد العباد إليه كما أرشد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخلق إلى الحجامة والعسل والقسط والحبة..

قلت: ولكني لا أعرف أن الله أرسل نبيا في الصين.

قال: وهل الصين أدني شأنا من العرب أو بني إسرائيل.. ألم يقل الله تعالى: { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ } (فاطر:24)

قلت: ولكن القرآن الكريم لم يخبرنا بهذا.

قال: لقد قال الله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ }(غافر:78)

قلت: لقد ذكر المفسرون والمؤرخون أخبار العالم من آدم u إلى الآن ولم يذكروا هذا..

قال: إن التاريخ الذي ملأوا به كتبهم هو تاريخ بني إسرائيل.. وهو تفسير بني إسرائيل للتاريخ.. وهم يختصرون التاريخ في قوميتهم، فلا تسمعوا لهم.

قلت: عد بنا إلى دليلك.

قال: مما يدلك على هذا أن العلاج به لم يقتصر على الصينيين.. ولو لم تثبت جدواه لما انتشر هذا الانتشار.

قلت: أعرف في غير الصين؟

قال: أجل.. لقد وجد ما يثبت أن المصريين قد استعملوا هذه الطريقة بشكل أو بآخر كما تدل على ذلك الرسوم الأثرية حيث رسم فيها تدليك القدم بشكل معين، وذلك قبل 3.000 عام.

قلت: والمعاصرون.. هل قبلوا هذا؟

قال: لعلك لا تصدق بأن أول من أعطى هذه الطريقة العلاجية دفعة حقيقية إلى الأمام هو معلمي الدكتور الأمريكي وليم فتزجيرالد في 1913م.. وكان في ذلك الوقت رئيساً لقسم الأنف والحنجرة في مستشفى سانت فزانس في هارتفرد بولاية كونكتكت، وكان يحظى باحترام بالغ كطبيب وجراح في هذا التخصص.. ويبدو أن عمله السابق في أوروبا، في لندن وفيينا، قد جعله يتعرف على هذه الطريقة العلاجية التي لم تكن آنذاك سوى أفكار غير ممارسة عملياً على نطاق واسع.

لقد لاحظ الدكتور فتزجيرالد بأن بعض المرضى لم يكونوا يحسون بآلام شديدة عند إجراء بعض العمليات في الأنف والحنجرة في حين يتألم غيرهم كثيراً، وعلم أن السبب هو أن الأولين كانوا يضغطون على أيديهم ـ والتدليك في اليدين مستعمل هنا كما في القدمين ـ بسبب خوفهم أو قلقهم مما كان يخفف الألم، وبمرور الوقت استطاع معرفة هذه المناطق وغيرها وتأثيرات كل منها على أعضاء وأقسام الجسم المختلفة.

 وهناك آخرون ساهموا في تطوير ونشر الطريقة الانعكاسية مثل الدكتور بوورز الذي كتب مقالات حول الموضوع، والذي يعود إليه تسمية الطريقة، ومنهم الدكتور جو رايلي وزوجته اليزابث حيث كتب كتباً عديدة حول الموضوع.

وهناك سيدة أمريكية تدعى يونس انغهام والتي كتبت، بعد أن تدربت مع الدكتور رايلي، كتابين أصبحا من الكتب المعتمدة في دراسة وممارسة الطريقة، أما الرائد الأول لهذه الطريقة في بريطانيا فهي السيدة دورين بيلي، والتي تعرفت على الطريقة من السيدة انغهام أثناء زيارتها لأمريكا.

قلت: سلمت لك بكل هذا.. ولكني أريد شيئا ملموسا أقنع به قومي.

قال: تقصد التفسير العلمي الذي ينسجم مع عقول قومك.

قلت: لم تعدو ما في نفسي.

قال: لقد قدمت نظريات عديدة في ذلك، إلاّ أنّ الشيء المقبول هو أنّ المعالجة الانعكاسية تؤثر على الدورة الدموية والأعصاب..

قلت: لا أشك في أن الدورة الدموية الصحية مهمة جداً لأداء الوظائف بالشكل الصحيح لكل أعضاء الجسم، فالدم هو الناقل للمواد الغذائية إلى كل الأنسجة، وهو الذي يحمل منها الفضلات لطردها.

 أما الجهاز العصبي، فإنّ أكثر المشاكل سببها شد عصبي في مناطق الجسم المختلفة.

ولكن كيف تؤثر هذه المعالجة في الدم والأعصاب؟

قال: هي مفيدة جداً في تقليل الشد العصبي مما يجعل هذه المناطق المختلفة مسترخية أكثر، وبالتالي تؤدي وظائفها بشكل أفضل.. ولمعرفة مدى دقة العملية، وكذلك أهميتها يجب أن تعرف أنه توجد 200،7 نهاية عصبية في القدمين والتي تتصل بباقي أجزاء الجسم من خلال الحبل الشوكي والدماغ.

ومن الأمور المصاحبة لهذه الطريقة العلاجية تكسير المعالج لبلورات الكالسيوم التي توجد في القدمين.. وهذه البلورات هي جزء من الكالسيوم الموجود في الدم، والتي تتجمع في القدمين، بسبب الجاذبية الأرضية، إذا ما كان هناك عدم توازن في الجسم أي حالة مرضية.. وعندما يدلك المعالج القدمين ويحس بوجود هذه البلورات فإنها تتكسر بفعل التدليك.

والأهم من ذلك هو أن المعالجة الانعكاسية تساعد القوة الشفائية الموجودة في الجسم دون اللجوء إلى الأدوية الخارجية.

قلت: كيف ذلك؟

قال: لقد عرف وجود سريان من الطاقة يربط بين الأعضاء الواقعة في نفس المنطقة الطولية، إلا أن طبيعة هذه الطاقة لا تزال غير معروفة.

قلت: أهي كخطوط المريديان الصينية التي بحث فيها أصحاب إبر الشفاء؟

قال: أجل.. واتفاقنا على هذا يدل على أن هذا له أصل لا نعرفه.. وقد أمكن بواسطة التصوير الكرلياني الحديث (KIRLIAN) مشاهدة مجالات الطاقة المحيطة بالأشياء.. وقد شوهد في هذا التصوير أن مجالات الطاقة الموجودة حول مناطق الانعكاسات في القدمين تضعف إذا ما كان هناك عدم توازن في المنطقة المتعلقة بهذه النقاط الانعكاسية، كما شاهدوا كيف أن مجالات الطاقة هذه تزداد قوتها بعد المعالجة الانعكاسية.

قلت: ألا يمكن أن يكون سر قدرة المعالجة الانعكاسية على تقليل الألم هو التدليك نفسه؟

قال: يمكن أن يكون ذلك خاصة وأنه قد يسبب إفراز المورفينات الطبيعية من الدماغ.. ولهذا نجد بعض المرضى، في بعض الحالات، يشعرون بإحساس معين في منطقة الجسم التي يجري معالجتها، أي تدليك نقاط انعكاساتها.

قلت: فهل هناك آثار مزعجة لهذا النوع من التداوي؟

قال: توجد آثار مزعجة.. ولكنها قليلة مقارنة بأدوية قومك.

قلت: ما هي؟

قال: هناك ردود فعل تختلف بين مريض وآخر.. منها رغبة أكبر بالتبول لأن الكليتين تطردان كمية أكبر من اليوريا، أي البول، والذي قد يكون ذا لون ورائحة مختلفين.. ومنها زيادة في عمل الأمعاء الغليظة مع احتمال تكون الغازات.. ومنها أعراض مشابهة لأعراض البرد بسبب زيادة إفراز المخاط من الأغشية المخاطية مما قد يدفع المريض للتمخط، ومن الممكن أن يزداد السعال مع البلغم.. ومنها زيادة في الطفح الجلدي خصوصاً إذا كان قد تتم إسكاته بالأدوية المتداولة، كما يمكن أن يزداد التعرق.. وقد تظهر حالات من الماضي كان قد تم إسكاتها سابقاً.. وقد تتغير طبيعة النوم إلى نوم أعمق أو صعوبة في النوم، كما قد تصبح الأحلام ملحوظة أكثر([26]).

قلت: فهل يمكن تفادي هذه الآثار؟

قال: لا.. هذه علامات إيجابية.. وهي دالة على أن العلاج يعمل، وأن الجسم يحاول إعادة التوازن المفقود.

ولهذا قد يحدث ما يطلق عليه (أزمة الشفاء)، وهي التي تزيد فيها أعراض الحالة المرضية لمدة زمنية قصيرة، ثم تزول ليصبح الجسم بعدها بوضع أفضل مما كان عليه قبلها.. ومن الخطأ تصور أن هذا من فشل العلاج، والذي قد يدفع المعالج إلى تركه العلاج في الوقت الذي بدأ فيه العلاج بالعمل.

المرض الشافي

سرت كلمات الانعكاسيين في قدمي، فملأتهما نشاطا، وصارتا جذلتين مسرورتين تكادان أن تطيرا بي.. فهذه أول مرة أدرك أن الله وضع في قدمي مستشفى قائما بذاته لعلاجي.

ما ابتعدت قليلا عن صاحبي حتى وجدت رجلا قد أخذته الحمى كل مأخذ.. وهو ـ مع ذلك ـ في غاية الفرح والسرور، فهرعت إليه، وقبلت رأسه، وقلت: لا شك أنك أحد أولئك الذين رأيتهم في (ابتسامة الأنين) يبتسمون للبلاء.

قال: ولم يبتسمون له؟

قلت: رضى بما قدر الله.

قال: نعم الرجال هم.. ولكني لا أزعم لنفسي هذا.

قلت: فكيف تبتسم مع أن الحمى تلتهم أعضاءك وتمتص دماء الحياة من جسدك؟

قال: أنا فرح لأني لا أزال احتفظ بالقوة الحيوية التي تحميني من العلل.

قلت: سمعت بها.. ولكن دعني منها.. وحدثني عن سبب الحمى التي اعترتك لعل أنواعا من السموم تخترق جسدك.. هيا بنا إلى الطبيب لعلاجها.

قال: أنا طبيب.. وقد حقنت نفسي بدواء أثار في هذه الحمى.

قلت: ولم حقنت نفسك به؟.. ألعلة أصابتك؟

قال: لا.. أنا بحمد الله سليم معافى.. ولكني فعلت ذلك لأرى تأثيره في.. وأرى نوع الأمراض التي يعالجها.

قلت: ما تقول ـ يا رجل ـ أأنت في وعيك، أم أن تأثير الحمى قد امتد إلى مداركك، فجعلك تهرف بما لا تعرف!؟

قال: لا.. ما كان لي أن أجلس في هذا المستشفى ثم أهرف ما لا أعرف.

قلت: من أنت.. فإني أرى لك حديثا عجبا.

قال: أنا من الحكماء الذين يطلق عليهم (الحكماء السبعة)

قلت: ما أغرب هؤلاء الحكماء.. ماذا وجدت.. لقد وجد أصحابك المغناطيس والإبرة واليد والقدم.. فماذا وجدت أنت؟

قال: وجدت أربعة أركان للعلاج..

قلت: أعلم أن أركان كل شيء أربعة.. فما هي؟ وقبل ذلك من أنت؟

قال: أنا رجل من بني قومك أصابتني أمراض مزمنة احتار فيها الأطباء، فجربوا فيها كل سمومهم.. وبعد أن يئست منهم ذهبت إلى صديق لي من ألمانيا وذلك عام 1796 م، وهو صامويل هانمان.. وقد درس الكيمياء والطب، واعتاد أن يزيد من دخله بكتابة المقالات والكتب، واعتاد في كتاباته الاحتجاج ضد الممارسات الطبية الخشنة والجرعات الكبيرة من الأدوية التي تعطى للمرضى، ولكنه ما لبث أن يئس من أن يصبح طبيبًا، فصار يعمل بالترجمة.

قلت: فهل جلستما تبكيان على حظ الطب المتداول؟

قال: تقريبا كنا نفعل ذلك.. ولكن حدثت بعد ذلك المفاجأة.

قلت: ماذا حدث؟

قال: في عام 1790 بالتحديد، بينما كان هانيمان يقوم بترجمة كتاب المواد الطبية لصاحبنا الدكتور ويليام كولين مر على عبارة حول لحاء الكينا يشير فيها كولين إلى أن الكينين ـ وهي مادة مستخلصة من لحاء الكينا ـ علاج جيد للملاريا بسبب الخصائص القابضة له.. لكن تلك العبارة لم تقنع هانيمان الذي كان يدرك ككيميائي أن هناك الكثير من المواد القابضة الأكثر قوة من الكينين التي ليس لها أي تأثير في علاج الملاريا.

قلت: فهل أرسل رسالة إلى صاحبه ينبهه إلى هذا؟

قال: لا.. لقد قرر أن يختبر المادة أكثر..

قلت: كيف يختبرها.. أعلى مرضى الملاريا؟

قال: لا.. لقد أعطى نفسه جرعات من الكينين، ليختبر تأثيره عليه ويسجل ردود أفعاله.

قلت: فماذا حصل؟

قال: لقد حصلت المفاجأة.. لقد ظهرت أعراض الملاريا عليه.

قلت: هذا عجيب.. أدواء ينتج أعراض داء؟

قال: لقد كان هذا معاكساً للرأي الطبي السائد، والذي لا يزال سائدا في أوساط الطب المتداول.

قلت: لعلها صدفة.. فلماذا اهتم لها أو اهتممت لها كل هذا الاهتمام.

قال: لا.. لقد كان صاحبي عبقريا.. فافترض فرضية راح يبحث عن دليلها.

قلت: فما افترض؟

قال: القانون الأول من قوانين الشفاء..

قلت: الأربعة؟

قال: أجل..

قلت: فما هو؟

قال: لقد استخلص بأن المادة التي تعالج مريضاً ما تظهر نفس أعراض المرض على الشخص السليم لو تناولها، أو أن المادة التي تنتج أعراضاً على الشخص السليم هي التي تعالج المريض بنفس الأعراض.

قلت: فكيف تأكد من صحة هذا؟

قال: لقد أعاد التجربة على آخرين من بينهم شخصي الضعيف الذي يجلس أمامك.. واستمر في تدوين ردود أفعالنا، ثم أعاد الكرة مستخدمًا مواد أخرى كانت تستخدم كعلاج مثل البلادونا والزرنيخ.. وسميت العملية بالإختبارات العملية، والتي أجريت في ظل شروط صارمة من عدم تعاطي المتعرض للتجربة للكحوليات أو الشاي أو القهوة.

وقد توصل من خلال تلك التجارب إلى الأعراض المشتركة المتكررة في أغلب الحالات الناتجة عن كل مادة من المواد التي استعملها في الإختبار، وسميت تلك الأعراض بالأعراض الرئيسية التي تكون معًا ما يمكن أن نسميه الصورة الدوائية لكل مادة مختبرة.. ومن ثم فقد توصل إلى اكتشاف قاعدة المثل يعالج المثل.

قلت: فهل انتقلتم إلى المرضى؟

قال: أجل.. لقد جربنا هذه الأدوية على المرضى الذين كانوا يعانون من حالات لها نفس أعراض الأدوية هذه.. وقد كانت النتائج ممتازة، حتى أنهم استطاعوا شفاء من كانت حالاتهم ميئوساً منها.. بل إن الشفاء يتم أحيانا بجرعة واحدة فقط.

قلت: فما أطلقتم على هذا النوع من العلاج؟

قال: لقد أطلق الدكتور هانمان على هذا الطب الجديد اسم الهوميوباثي([27]) اشتقاقا من الكلمتين اليونانيتين (OMEOS) أي مشابه، و(PATHOS) أي معاناة.. أي أن المادة التي يجب أن تعالج المريض في حالة معينة وتشفيه هي التي تنتج نفس المعاناة لدى الشخص السليم لو تناولها.

قلت: إن هذه الفكرة تشبه ما نعرفه من التطعيم ضد الأمراض السارية.

قال: أجل.. ولكن مع فارق مهم وخطير.. وهو أن التطعيم إجراء وقائي قبل الإصابة بالمرض، أما في الهوميوباثي فهو علاج لحالة مرضية موجودة، ولكل الحالات بلا استثناء.

قلت: فهل خرج صاحبك بهذا النوع من العلاج إلى الناس، أم أنه خاف أن يرموه بالحجارة؟

قال: لا.. لقد ظهر كتاب لهانمان في عام1810 م، وقد أحدث ضجة في الأوساط الطبية لاشتماله على نظام علاجي جديد كلياً وجذرياً وهو الهوميوباثي، واسم الكتاب (ORGANONN OF THE ART OF HEALING).

وقد وضع فيه القانون والمبادئ التي يقوم على أساسها هذا العلم، والتي كانت حصيلة عشرين عاماً من العمل المتواصل الدؤوب([28]).

قلت: فهل رماه الناس بالحجارة؟

قال: أولئك بني جلدتك.. أما علاجه، فقد لقي كل الاحترام..فقد لقي هذا النوع من العلاج شعبية كبيره في الهند وباكستان، ويدرس هذا الطب في جامعاتها.

بل للطب التماثلي معاهد ومستشفيات في أوروبا وأمريكا، وهي ذات شعبية كبيره وخاصةً في المملكة المتحدة، حيث أن الملكة اليزابيت تعالج بهذا الطب، وبسبب تشجيعها له انتشر في أوروبا وأمريكا..والأمير تشارلز من رواد هذا الطب، وقد ساهم في فتح مراكز للتعليم والمعالجة.. وقد طلب مؤخرا من المستشفيات تقديم وجبات نباتية متوازنة خالية من المواد الكيماوية.

ويعتبر الآن من أكثر أنواع الطب البديل تحدياً للطب الحديث.. حيث أنه أحرز نجاحات كثيرة خاصة مع خلوه من الآثار الجانبية.

قلت: هذا القانون الأول.. فما القانون الثاني؟

قال: ينص القانون الثاني على أن (المرض ليس هو العطب في عمل عضو معين، لكنه ـ كل شيء ـ اختلال في قوته الحيوية المسؤولة عن عمل الجسم ككل)

قلت: سمعت هذا من كل من مررت به من الحكماء.

قال: كلهم يتفقون على هذا.. وهو يخالف تجزئة قومك للإنسان.. ولهذا يعتقد صاحبي.. بل كل أصحابي.. بل كل الحكماء أنه توجد في الجسم قوة، سماها هانمان (VITAL FORCE) أي القوة الحيوية، وأنها هي التي تقف وراء عمل الأعضاء بالشكل الصحيح أي الصحي.. فإذا ما حصل اختلال في الوضع الطبيعي لهذه القوة ظهرت أعراض المرض على الإنسان.. وقد استدل على ذلك برد فعل الجسم على شكل الحمى عندما يصاب ببرد.

قلت: أكان صاحبك مسلما؟

قال: لا.. للأسف.. ولو أنه وجد من يعرفه بالإسلام تعريفا صحيحا جميلا لكان أسلم.

قلت: أتدري.. لقد نطق بما نطق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)([29]).. فقد استدل صلى الله عليه وآله وسلم لوحدة الجسد بالحمى.

قال: وقد أشار إلى هذه القوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الآخر:(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)([30])، فقد اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم صلاح الجسد وفساده رهنا لصحة القلب.

قلت: فكيف تعرف على هذه القوة؟

قال: إننا جميعا نحس بهذه القوة الحيوية في حياتنا اليومية عندما نستطيع أن نتأقلم مع الظروف المتغيرة، سواء كانت تغييراً في الطقس أو عند السفر أو تغييرا في الطعام، أو عند الحزن الشديد أو المرض.. فنحن نلاحظ في جميع هذه الأحوال قوة ومرونة وقابلية على التأقلم على هذه الظروف المستجدة.

إننا الآن أكثر قدرة على إدراك القوة الحيوية لوجود وسائل التعرف على أمور أخرى مشابهة لها كالمغناطيسية والكهرباء اللذين لا نستطيع معرفة الدافع وراء حركاتها وقواها المختلفة.

قلت: أرى أن أصحابك يعظمون هذه القوة..

قال: وكيف لا يعظمونها.. وهي حقيقة الإنسان، ومصدر قوته.. لقد كتب أحد أصحابنا، وهو (كنت)([31]) يقول واصفاً بعض خصائص القوة الحيوية:(إنها محبوة بذكاء خلاق، أي أنها تعمل وتكون اقتصاديات العضو البشري.. إنها بناءة، فهي تبقي الجسم بحالة بناء وإعادة بناء مستمرة، ولكن عندما يكون العكس صحيحاً، عندما تنسحب القوة الحيوية من الجسم لأي سبب فإن القوى التي أصبحت حرة غير منضبطة تصبح قوى تدميرية.. إنها معرضة للتغيرات، أو بعبارة أخرى، يمكن أن تسير بنظام أو لا نظام، بوضع اعتيادي أو مرض.. إنها تهيمن وتسيطر على الجسم الذي تحتله.. إن لها خاصية التأقلم.. إن وجود قابلية التأقلم في الجسم لا شك فيها، ولكن ما هو هذا الشيء فيه الذي يمكنه أن يكون متأقلما؟ إن الجسد الميت لا يتأقلم، لابد إنها القوة الحيوية التي تجعله يتأقلم ليبقى، بحالة منتظمة في حر أو برد، في رطوبة أو جفاف وفي جميع الظروف)

قلت: هذه لغة أقرب إلى الشعر منها إلى العلم.

قال: هذا أسلوب قومك.. فهم يرمون كل ما لا يفهمونه بالشعر والفلسفة.. وهل الحياة إلا شعر وفلسفة!؟

قلت: فكيف يطبقون هذ الفلسفة على العلاج؟

قال: هم يرون أنه لتحقيق الشفاء يجب أن يكون العلاج معيناً للطبيعة وليس إجراءاً معزولاً عنها.. ولذلك لا يصح أن نتيه مع التسميات المختلفه للأمراض كتشخيص لهذا المريض أو ذاك.. لأنّه من الممكن أن يشكو مريضان من أعراض متشابهة، ولكنها بسبب علتين مختلفتين، أو أن يشكوان من أعراض مختلفة، ولكن العلة واحدة.

ولتحقيق الشفاء يجب أن يوصف الدواء اللازم، أي الصحيح مائة في المائة وإلا لا يمكن الحصول على نتائج إيجابية، بل يمكن أن تخف الحالة فحسب.

قلت: فكيف يتم هذا؟

قال: لتحقيق الشفاء يجب تغيير الدواء عندما تتغير الأعراض في كل مرحلة من مراحل المرض، فإن الهوميوباثي يساعد الجسم على محاربة المرض ولا يحاربه هو بنفسه كالدواء المتداول.. لذا وجب مساعدة الجسم بالشكل المطلوب في كل مرحلة من مراحل المرض، أي كلما حصل تغير ما في الأعراض أو قوة المريض يعود الدواء الذي كان يتناوله غير منسجم مع ما استجد.

قلت: ما معنى هذا؟

قال: ستفهمه في القانون الثالث.

قلت: فما القانون الثالث؟

قال: هو القانون الذي ينص على أنه (لا يمكن للأدوية أن تخترق الجسم الفيزيائي للوصول والتأثير على القوة الحيوية إلا إذا كانت هذه الأدوية في حالتها الديناميكية المنشطة)

قلت: فما معنى هذا لقانون؟

قال: تفهمه بإدراك معنى الدواء الهوميوباثي.

قلت: فما الدواء الهوميوباثي؟

قال: يستخرج الدواء الهوميوباثي من مصادر متعددة، إلا أن النباتات تشكل أكثر من 60 بالمائة من مصادره.. وتستخلص المواد من أجزاء مختلفة من النبات، من قشور وجذور وأوراق وأزهار وأثمار الأشجار والشجيرات والنباتات الأخرى.. ثم الأملاح مثل فوسفات الكالسيوم وملح الطعام والذهب والفضة والبلاتين والكبريت.. ثم الحيوان، مثل حليب البقرة، وأصداف بعض البحريات، والصبغة الزرقاء من الحيوان البحري الحبار التي يقذفها عندما يتعرض له، ولسعات الحشرات، وفرو القطة، وشعر الحصان.. ثم الأنسجة المريضة مثل تيوبركلنيوم المستخلص من قيح السل والذي يستعمل في علاج حالات مشاكل الصدر والحنجرة المتكررة، وهو شبيه بعملية التلقيح في الطب المتداول.. ثم المواد المثيرة للحساسية عند بعض الأفراد مثل غبار الطلع الذي يثير حساسية الرمد الربيعي، أو غبار البيت الذي يسبب الربو.. ثم الدواء الذي يصنع من الأدوية التي يصفها الطب المتداول، ويستفاد منها في علاج الآثار الجانبية لهذه الأدوية مثل حامض الساليسيليك الذي هو مادة الأسبرين، فإن الدواء الهوميوباثي المحضر منه يساعد على تخفيف الآثار الجانبية للأسبرين كالدوار ورنين الأذن.

قلت: أهذه مصادر أدويتكم.. إنها مصادر غريبة.

قال: وطريقة عملها أغرب.. فإنها كلها تستعمل لتؤثر على أساس قاعدة معالجة الشبيه بالشبيه، أي معالجة المريض بدواء يسبب أعراضا في السليم تشابه الأعراض التي عند المريض.

قلت: فهمت كل هذا.. ولكني لم أفهم القانون الثالث بعد.. فما معنى توقف تأثير الدواء على القوة الحيوية على كونه في حالته الديناميكية المنشطة؟

قال: ستفهم ذلك بإدراك كيفية تحضير الدواء الهوميوباثي.

قلت: فكيف يحضر هذا الدواء؟

قال: لقد سمى الدكتور هانمان تحضير الدواء الهوميوباثي من هذه المصادر المختلفة ” POtENTIZATION ” أو التقوية، أي وسيلة الحصول على قوة أو فعالية المصدر الدوائي بشكل أمين، ولكنه فعال لمعاونة عملية الشفاء.

قلت: ما التقوية؟.. وكيف تكون؟

قال: إن الغاية من عملية تحضير الدواء هو الكشف عن الجوهر الطبيعي للمصدر، والذي يجب أن يكون متناسقاً مع جوهر الشخص المتعاطي له.

قلت: فهمت هذا.. ولكني أسأل عن الكيفية؟

قال: كيفية الوصول إلى تلك الحالة تتم عن طريق الرج والضرب على سطح قوي، ثم بالتخفيف.. وقد كان ذلك على عهد صاحبي يجري يدويا، أما الآن فيجري باستعمال ماكينة خاصة.

قلت: فسر لي كيفية ذلك.. فلا يزال خيالي عاجزا عن تصوره.

قال: في البدء يؤخذ مستخلص المادة، ويطحن، ثم ينقع في الكحول، أو الماء، أو سكر الحليب لمدد معينة للحصول على المحلول الأول المسمى المحلول الأم.. بعدها تؤخذ قطرة من المحلول الأم وتخلط مع قطرات من الكحول، ثم يرج بقوة لمدة معينة مع الضرب على سطح قوي، لنحصل عندها على محلول 10:1.. بعدها تؤخذ قطرة من هذا المحلول الأخير وتخلط مع 9 قطرات من الكحول، ثم يرج بقوة لمدة معينة مع الضرب على سطح قوي لنحصل على محلول 1: 100.. وهذا في الطريقة العشرية.

أما في الطريقة المئوية، والتي هي مستخدمة أيضاً، فتخلط قطرة واحدة من مستخلص المادة مع 99 قطرة من الكحول، ومع الرج والضرب نحصل على محلول 1: 100، وفي المرة الثانية نحصل على محلول 1: 10.000، وهكذا.. وأقل نسبة مصنعة، عادة، هي ا: 1.000.000 أي واحد إلى مليون.

قلت: لا أرى أن هناك مادة في هذا المحلول.. ولا أستطيع أن أتخيل وجود دواء فيها.

قال: ولكن الحقيقة العجيبة تنص على أن هذه النسب المخففة هي ليست فقط فعالة، وإنما هي فعالة أكثر من النسب الأقل تخفيفا.. أي أن الدواء يصبح أقوى كلما تم تخفيفه، مع الرج والضرب طبعاً.. وهو شيء لا يمكن مقارنته بالدواء الاعتيادي.

 قلت: إنك وصاحبك تناقضان أصولا عقلية.. كيف يكون التأثير بنقص التركيز؟.. لا أكاد أعي ما تقول.. أليس للحمى التي يرتعش لها جسمك تأثير فيما تدعي؟

قال: لا.. إنها حمى شفاء لا حمى داء.. صدقت في أن التخفيف، في الحالات القصوى، يصل بالمادة الأولى إلى درجة ينعدم فيها وجود أي جزيء منها، وهذا ما حمل البعض على القول بعدم وجود أي فعالية في هذه المحاليل المخففة جداً.. ولكنهم متوهمون.

قلت: كيف يتوهمون.. وأنت تقر بنفسك بضعف التركيز إلى درجة التلاشي.

قال: لقد ذكرت ضعف التركيز..ولكني ذكرت معه قوة التأثير.

قلت: سلمت لك هذا.. فما سره؟

قال: لقد اكتشف هانمان بأن هذا شكل من القوة الداخلية عند كل مادة في الطبيعة، فإنه يمكن تحريك هذه القوة واستعمالها إذا عرفنا كيف نتعامل مع المادة بشكل صحيح.. وقد أوضح العلم، بعد هانمان بكثير، بأنه إذا تم تقليص مادة ما إلى حالتها الجزيئية بحيث يتم فصل جزيء منها، فإن هذا الجزيء يعرض شكلا من أشكال الحركة التلقائية سميت الحركة البراونية([32])، وتتألف كل ذرة وجزيء من درجات عالية من الطاقة، وأن الجسميات الموجودة داخل الذرة تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء، ومن هذا يتضح أن المواد كلها تخزن كميات هائلة من الطاقة الساكنة بداخلها.

وبسبب ما، يتمكن الرج والتخفيف الهوميوباثي من إطلاق هذه الطاقات العظيمة العلاجية..وكما أنه يمكن رؤية الحركة البراونية في المجهر، فإنه يمكن رؤية هذه الطاقات من خلال النتائج الباهرة التي تحققها في العلاج.

وكما أصبحتم تتقبلون ما تقوله الفيزياء الكميةوأينشتاين من أن المادة هي في الحقيقة طاقة، وأنه يمكن إطلاق هذه الطاقة، فإنه يمكن هضم أمر هذه المواد الفعالة بشكل عجيب، والتي تتوجه لتخليص الإنسان من المرض.

قلت: أدركت هذا.. واسمح لي أن أعترض اعتراضا عليك وعلى صديقك.

قال: لا حرج عليك.. اعترض كما تشاء.

قلت: لقد ذكرت أنه قام بالتجارب على نفسه وعلى أصدقائه وعلى المرضى.. ألا يتنافى هذا مع أصول التجارب العلمية.. فهي لا تجري تجاربها على الإنسان قبل إجرائها على الحيوان.

قال: هذا خطأ من أخطاء قومك.. فهم يجربون الدواء على الحيوانات بحقنها بمواد تصيبها بالمرض، ثم تحقن بالدواء لمعرفة مدى فعاليته.. ثم بعد ذلك يطرح الدواء الجديد في السوق.

قلت: هذه الطريقة المثلى.. فقد يكون الدواء سما؟

قال: ولكنها طريقة ناقصة إن لم تكن خاطئة تماماً.. فالحيوانات تختلف فزيولوجياً عن الإنسان، كما أنها لا تستطيع الكلام لتخبرنا عما تحس به عند أخذ الدواء.. بل قد وجد أن الفئران، وهي من أهم الحيوانات وأكثرها استعمالاً في هذا المجال، تتأثر بالمواد التي تحقن بها بدرجة تختلف كثيراً جداً عن تأثر الإنسان بها، وهذا يعني أن ما يحسبه المصنعون فتحا جديداً في علاج المرض الفلاني لا يعدو كونه وهما، لأنّ أثره العلاجي على الإنسان سيكون مختلفا ً.. هذا بالإضافة إلى أن الآثار الجانبية ستكون مختلفة تماما هي الأخرى.

قلت: والأمان.. وحرمة الإنسان..؟

قال: لقد كنت تذكر لي بأن دواءنا خال من الدواء.. وأن تركيزه يجعله ماء صافيا.. فكيف تخاف منه؟

قلت:….!؟

قال: ولهذا فإن الدواء في الهوميوباثي يجرب على الإنسان كما فعلنا في السنين الأولى لهذه الطريقة العلاجية.. وبهذه التجارب والتي تسمى(PROVINGS) تعطى للإنسان المتطوع للتجربة(PROVER) المادة التي هي قيد البحث، وتسجل الملاحظات كلها حسب الدقة التي وضعت في التشخيص.. وبعد أن تصبح المادة دواءاً يتم مطابقة أعراض المريض مع ما حصل للمتطوع للتجربة، ويوصف الدواء على أساس التماثل بين الاثنين.

قلت: فهمت هذا.. فحدثني عن القانون الرابع.

قال: إن القانون الرابع ينص على أنه (يجب البحث عن المرض في المستوى الديناميكي وليس المستوى الفيزياوي – الكيمياوي)

قلت: أرى صاحبك يجعل القوة الحيوية في كل شيء حتى في المرض.

قال: أجل.. لقد فهمت فلسفتنا.. فقد كان هانمان يبحث في إمكانية وجود العوامل الخارجية كأسباب للمرض، وهو شيء مشابه لفكرة البكتريا والمكروبات السائدة في الطب المتداول.. ولهذا، فإنه في كتابته عن الكوليرا قارن بينها وبين مخلوقات قاتلة التصقت بشعر المريض أو جلده أو ملابسه.. ومع ذلك فقد قال بأن هذه المخلوقات لا تستطيع أن تضر الجسم إلا بعد أن تحدث تشويشاً في الوضع الطبيعي للقوة الحيوية فيقع، لأجل ذلك، هذا الجسم فريسة للمرض.

قلت: فالصراع يتم إذن بين مسببات المرض والقوة الحيوية للإنسان؟

قال: ليس هذا فحسب.. بل أسبابه كذلك، فقد اعتقد بأن هذه المخلوقات أو العوامل التدميرية المضرة ليست هي التي تسبب المرض كأجسام ولا حتى سمومها، وإنما طبيعتها الخاصة أو قوتها الحيوية ذاتها أو روحها.. بل ذهب إلى أكثر من ذلك، وهو أن هذه المخلوقات الحية النابضة التدميرية لا تؤثر إلا على الأجسام القابلة لذلك، وأنها لا تؤثر عليهم إلا على مستوى الطاقة الحركي.

قلت: لماذا؟.. وهل تفرق هذه المخلوقات بين جسم وجسم؟

قال: أجل.. والدليل على ذلك أنه إذا كان المرض يحل بمجرد التعرض للبكتريا أو لعدد كبير منها، لماذا لا يصاب كل من يتعرض لها؟

فهناك من ينام في نفس السرير مع مريض بالسل مثلاً، ثم لا يصاب بالمرض، وبنفس الوقت هناك من يعيشون معيشة صحية، ومع ذلك يصابون بالمرض.. ولهذا فقد ذهب أصحابي إلى أن المرض لا يحصل إلا بتحقق شرطين.. أولهما وجود عامل خارجي.. والثاني قابلية الجسم للمرض.

قلت: فليس السبب إذن التعرض لكمية أكبر من المكروبات؟

قال: لا.. ولو كان الأمر كذلك لأصيب جميع السكان بالوباء الذي يصيب منطقتهم.

قلت: لقد ذكرتني بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) فقد نفى صلى الله عليه وآله وسلم أصل العدوى..

قال: وهذه الفكرة متناسقة تماماً مع فكرة الحساسية التي يؤمن بها الطب المتداول، حيث يصاب الإنسان بكل آثار المادة المعينة بمجرد أن يتعرض لكمية صغيرة منها، هذا على الرغم من أن هذه المادة غير مضرة للأغلبية الساحقة من الناس.

بل يمكن إثبات ذلك بشكل واضح عند النظر إلى الفترة الأولى من الإصابة بالمرض، وهي فترة حمل المرض يحمل فيها المريض المرض، ولكن بدون أي أعراض ظاهرة.. ففي هذه الفترة يكون المرض موجودا على المستوى غير المحسوس، ولكنا سنعرف به بعد ظهور الأعراض، فهل يستطيع أي طبيب أن ينكر وجود المرض قبل ظهور الأعراض؟

قلت: فهمت فلسفتكم للمرض، فكيف تميزون بين الأنواع المختلفة للأمراض؟

قال: أنت لم تفهمنا بعد.. ألم تعلم بأنا ـ مع إخواننا من أصحاب الطب البديل ـ ننظر إلى المريض نظرة كلية، فعن طريقها، وعن طريقها فقط، يمكن القضاء على المرض.. فليس هناك شيء اسمه مرض عضو معين، وليس صحيحا أن نقول بأن المعدة مصابة بالمرض الفلاني.. ولكن الصحيح أن نقول بأن الشخص مريض، وأن الأعراض المرضية ظهرت في معدته، أو أن المعدة هي أكثر جزء متأثر بالمرض.

قلت: فما الفرق بين القولين.. فسواء قلنا إن المعدة مريضة أو عليها عرض المرض.. فإن الأمر ليس سوى خلاف عبارات وألفاظ.

قال: لا.. الأمر أخطر من ذلك بكثير.. ولهذا لما كان الإنسان يعالج المرض، منذ عصور بإسكات أعراض المرض فقط، فقد سبب ذلك ضعفا يتضاعف شيئاً فشيئا على مر الأجيال، وبدأ الأطفال بوراثة حساسيات معينة في أعضاء معينة من كل من الأب والأم مما ينتج عطباً في الطفل، إما هو نسخة من الذي كان عند أحد الأبوين أو من مجموع ما كان عند الاثنين معاً.

قلت: أريد الفرق العملي بين الأمرين فإني لا أكاد أفهمه.

قال: إن النظرة الهوميوباثية للمريض نظرة كلية، وبالتالي فإن العلاج لا بد وأن يكون ناظراً إلى المريض كجسم مريض وليس كمرض معين، أي يجب أن يكون العلاج علاجاً للمريض ككل، وليس لذلك العضو الذي تبدو عليه آثار المرض، ذلك لأنّ الأعراض ليست إلا ردود فعل الجسم ومحاولته التخلص من التأثيرات المضرة التي ليست إلا تعبيرات مادية عن اختلالات سبقتها على المستوى الديناميكي الكهرومغناطيسي.

قلت: عرفت هذا.. وأريد التأثير العملي.. أو الدواء.

قال: الفكرة في الدواء تنطلق من هذا، وهي أن يعطى المريض دواءاً كان قد ثبت بالتجربة أنه يسبب للسليم أعراضاً مشابهة لتلك التي عند المريض.

قلت: ما الغرض من هذا الدواء.. ومن إعطائه بهذا الشكل؟

قال: بما أن هذا الدواء يحفز أعراضاً مشابهة لتلك التي عند المريض بالتجربة، فإنه سيحفز هذه الأعراض عنده عندما يتناوله.. وهذا سيحفز القوة الحيوية أن تقاومه لأنّ لكل فعل رد فعل.

فالذي يحصل هو أن القوة الحيوية تقاوم الأعراض المرضية، وهي في معرض مقاومتها للأعراض الناتجة عن الدواء.

قلت: ولكن ما الذي يحفز القوة الحيوية بعد تعاطي الدواء، ولا يحفزها قبله؟

قال: إنه ما ذكرنا من قوة الجرعة الدوائية التي تعطي أعراضاً أقوى من أعراض المرض ذاته مما يؤدي إلى رد فعل أقوى من جانب القوة الحيوية.

قلت: أرى أنه من الصعوبة تحديد مثل هذا الدواء.. فالعوامل المؤثرة في القوة الحيوية كثيرة جدا.

قال: أجل.. فالعوامل التي تؤدي إلى إلى حصول المرض قد تكون، بل لا بد وأن تكون، أكثر من واحد.. فهناك العامل الوراثي، وهو وراثة الضعف على مر الأجيال.. وهناك عامل التطعيم ضد الأمراض السارية والوبائية.. وهناك عامل الأدوية القوية التي يصفها الطب المتداول.. فكل هذه العوامل تسبب خللا في القوة الحيوية إلى الدرجة التي تصيب المرض بحالة مرضية مزمنة.

ولهذا عندما يعالج الطبيب الهوميوباثي هذا المريض فلا بد أن يلاحظ بدقة كبيرة التبدل المستمر للأعراض في مراحل العلاج المختلفة، لأنّ الأدوية التي يصفها في هذه المراحل تعمل على القضاء على العوامل التي اجتمعت مسببة المرض واحدا واحدا.. وكلما بدأ عامل بإظهار نفسه كان على المعالج أن يغير الدواء إن كان هذا الدواء لا ينفع في الحالة بعد أن تبدلت أعراضها.

قلت: هل قام أصحابكم بدارسة علمية لردود الأفعال تجاه الأدوية الهوميوباثية؟

قال: أجل.. فعلمنا أصوله الشاملة التي تجيب عن كل تساؤل.

قلت: فما ذكروا؟

قال: لقد وجدوا اثنين وعشرين رد فعل.. تختل بحسب مرحلة العلاج.

قلت: ماذا يحصل بعد الوصفة الأولى؟

قال: تنتقل الأعراض المرضية من مركز الجسم إلى محيطه.. أو تنتقل من أعلى الجسم إلى أسفل.. أو تنتقل من الأعضاء الأكثر أهمية([33]) إلى الأقل أهمية.. أو تختفي برتيب معاكس لترتيب ظهورها في الجسم، فتختفي الأعراض التي ظهرت في البداية في نهاية العلاج، وتختفي التي ظهرت في آخر الأمر في بداية العلاج.

التأمل الشافي

بعد أن بذلت جهدا عقليا شديدا في محاولة فهم ما قاله الحكيم الخامس شعرت بالراحة تسري في أوصالي.. فتعجبت من هذا.. وقلت: سبحان الله.. إن الجهد الجسدي يثمر التعب.. ولكن الجهد العقلي لا يثمر إلا الراحة والسكينة والاستقرار.

ما إن خطر هذا الخاطر على خاطري حتى ربت أحدهم على كتفي، وقال: صدقت.. وقد فهمت أساسا مهما من الأسس التي تقوم عليها اليوغا([34]).

قلت: من أنت؟.. وكيف عرفت ما أفكر فيه؟

قال: أنا فرد من هذا الكون.. أما سر معرفتي لما تفكر فيه، فلن تفهمه إلا إذا فهمت اليوغا.

قلت: فما اليوغا؟

قال: هي الوحدة([35]).. ويمكنك أن تسميها التكامل.

قلت: لم أقصد ترجمة الكلمة، وإنما قصدت معناها.

قال: الوحدة بمعناها الشامل.. والذي يبدأ بربط الإنسان بالوجود، وينتهي بربط الإنسان بعضه بعض.

قلت: كيف يتوحد الإنسان بالوجود؟

قال: ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم عن أحد:(هذا جبل يحبنا ونحبه)([36])

 قلت: بلى.. ففيهما إثبات حياة الكائنات.

قال: لا.. ليس ذلك فقط.. بل فيه توحدها، وتوحد مشاعرها.

قلت: أنا أعرف هذا.. فقد أخبر الله تعالى بقنوت كل شيء له وسجوده بين يديه.

قال: فهذا هو التوحد الكوني.

قلت: فما الحاجة إليه؟

قال: لأن التشتت يجعلك فردا شاذا في الكون.. وهو ما يجعل كل شيء يحاول طردك كما يطرد جسمك الأشياء الغريبة عنه.

قلت: إنك تصور لي الكون، وكأنه جسم واحد.. وله روح واحدة.

قال: ذلك صحيح.. فالكون كالجسم فيه الأجهزة المختلفة.. ولكنه في الحقيقة ليس إلا ذاتا واحدة.

قلت: فما التوحد الشخصي؟

قال: هو توحد الروح والجسد.. أو هو توحد العقل والجسم.

قلت: بماذا توحدهما؟

قال: تدعو العقل لخدمة الجسد.. وتدعو الجسد لخدمة العقل.. أو توفر للعقل الوسائل التي يخدم بها الجسد.

قلت: أنا احترم جميع ما ذكرت من أقوال.. ولولا أن لي مهمة في هذا القسم لجلست معك وتبادلنا أطراف الحديث في هذه المسائل.. فإن لي حنينا إليها.

قال: وعم تبحث؟

قلت: أنا أبحث عن أسرار الشفاء بالبدائل.. وقد زرت حتى الآن خمسة حكماء.. وأنا أبحث عن سادسهم.

قال: فأنا سادسهم.. أنا حكيم من الحكماء السبعة..

قلت: ولكن الحكماء السبعة جاءوا بطرق علاجية.. وأثمرت طرقهم في علاج المرضى.. أما أنت فلا أراك تريد غير دمج الإنسان مع نفسه، ثم دمجه مع الكون.

قال: هذه هي طريقتي العلاجية التي ذهبت من أجلها إلى الهند لتعلمها على يد أهلها.

قلت: فهل يمكن لما ذكرته أن يحقق الشفاء؟

قال: أجل.. فقبل ألفي عام قال باتانجالي، وهو أحد كبار حكماء اليوغا، بأن اليوغا هي السيطرة على فعاليات العقل.. فمثلما استطعنا بالتدريب أن نمشي ونستعمل أيدينا بتوافق في أول مراحل الطفولة، نستطيع بالتدريب أن نتعلم كيف نستعمل عقولنا بشكل مسيطر عليه.

قلت: فالغرض من اليوغا إذا هو السيطرة على العقل؟

قال: أجل.. فالطريقة المركزية لتحقيق السيطرة على العقل هي ما نسميه بالتأمل.

قلت: أللتأمل من التأثير ما يحدث الشفاء؟

قال: أجل.. وقد تم فحص التأمل علمياً وكانت النتائج مدهشة حقاً.. فقد اكتشفوا أن الشخص المتأمل يخفض من حاجته للأوكسجين بحوالي 20 بالمائة.. في الحين الذي لا يستطيع تخفيضه في الأحوال العادية أكثر من 5 بالمائة.

قلت: فما السر في ذلك؟

قال: هذا سر مهم جدا له تأثيره الكبير على الإنسان.. فالدماغ هو أكبر مستهلك للطاقة على الرغم من أن حجمه لا يزيد على 2 بالمائة من حجم الجسم.. وسبب إدمانه للطاقة هو هبوط فعالياته.

قلت: أتريد من العقل أن ينام.. إن نشاطه دليل على حياته.

قال: ولكنه نشاط صراع لا سلام..ولا خير في الصراع.. إن فعاليات الدماغ ـ التي ننكرها، والتي تستخدم جل طاقتنا ـ هي الأفكار التي تخطر في بالنا بسرعة، وتبتعد وتقترب، وكأن هناك في أدمغتنا مناقشات حامية.

قلت: فكيف عرفتم هذا التأثير؟

قال: أسلافنا تلقوه حقائق لا ندري مصدرها.. فلعل نبيا من الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أرشد إلى هذا الطريق الحياتي العلاجي.

قلت: حدثني بما يفهمه قومي.

قال: هناك جهاز إلكتروني يقوم بفحص مدى استرخاء الجلد، بحيث أن الجلد يبدو أكثر استرخاء بمجرد أن تجلس لتستريح لمدة قصيرة من الزمن، ويمكن معرفة تغير الحال بواسطة صوت يخرج من الجهاز.

وإذا وضعت قطبي الجهاز على إصبعيك، وقمت بالإحساس بأنك تعيس لمدة ثوان ستسمع بأن الصوت قد أصبح عالياً جداًن بعدها إذا توقفت عن ذلك الإحساس لا يعود الصوت إلى ما كان عليه قبله إلا بعد مرور دقائق.

قلت: أيوجد هذا الجهاز؟

قال: أجل.. وهو يعمل بأساليب بسيطة.. فالأفكار التي نحملها هي التي تسري في أجسادنا بالبلاء والعافية.. فقارن بين ما يحدث عندما تصاب بمختلف الأحاسيس المؤلمة مع ما حدث من تغيير في الجلد بسبب إحساس مفتعل لم يستغرق أكثر من ثوان معدودة.

قلت: أيتأثر الجسم بالحقيقي والمفتعل من التأثرات؟

قال: أجل.. فسواء كان القلق أو الخوف حقيقيين أو مفتعلين، فإن التأثير السلبي على الجسم مؤكد، ويستمر لمدة من الزمن حتى بعد زوال الحالة.

قلت: فكيف تربطون هذا بالمرض والعلاج؟

قال: نحن نعتقد أن من أهم أسباب المرض نفس المريض.. أي معيشته بطريقة غير متوافقة مع الطبيعة سواء أكان ذلك بسبب إهماله أو عدم معرفته.

قلت: فكيف تعيدون الإنسان إلى الطبيعة؟

قال: بتصحيح الأخطاء ومن قبل المريض نفسه.. فاليوغا تعلم الطريق، وعلى المريض أن يتبع النظام الصحيح.. ألم تسمع قول معلمك بأنه لا طاقة له ببناء ولا هدم؟

قلت: ولكنه يقول لي دائما:(يداك هما اللتان تبنيانك) ولم يقل: عقلك هو الذي يبنيك.

قال: لأن يداك تأتمران بأمر عقلك.. فلذلك إن أردت من شخص شيئا هل تذهب يده تستجديها، أم تذهب إلى عقله تحاول إقناعه؟

قلت: بل أذهب إلى عقله.

قال: فهكذا مع المرض والشفاء.. لا تذهب إلى المرض تطلب منه الخروج.. بل اطلب من العقل أن يطرده عنك.

قلت: وهل فعل العقل شيئا من هذا حتى أطمئن إلى قوته؟

قال: فعل الكثير.. لقد استُخدِمَت اليوجا بنجاح مع حالات مرضى القلب.. كما أثبتت فاعليتها مع أنواع كثيرة من الأمراض، كالالتهاب الشعبي، والبرد، والإمساك، والاكتئاب، وإجهاد البصر، والانتفاخ، والصداع، وعسر الهضم، وعدم انتظام الدورة الشهرية عند النساء، وضعف الأعصاب، والسمنة، ومشاكل البروستاتا، والروماتيزم، وعِرق النسا، ومشاكل الجيوب الأنفية، والتهاب الحلق، وتجاعيد البشرة.. ولهذا أصبحت أحد العناصر الأساسية في ممارسات الطب البديل في الغرب.

قلت: هل يمكن أن تشرح لي كيفية التأثير على حسب ما يفهمه قومي؟

قال: سأضرب لك مثلا على ذلك بمرضى السكري، فمريض البول السكري لا يستطيع جسمه إنتاج هرمون الأنسولين بكفاءة، وهو الهرمون الذي يساعد على تحريك الجلوكوز، الذي هو مصدر للطاقة، من مجرى الدم في الخلايا، وأظهرت الأبحاث الحديثة أن بعض أنواع اليوجا وهي الهاثا يوجا([37]) توفر فائدة حقيقية في توازن السكر في الدم؛ حيث أثبتت الأبحاث التي أُجرِيَت على عينة من مرضى السكريّ أن التزام هؤلاء المرضى بممارسة اليوجا خمس مرات، وبشكل يومي قد مكنهم من تقليص عدد جرعات الأنسولين التي يحتاجونها.

قلت: هذه فائدتها للمرضى؟

قال: وهي للأصحاء لا تقل شأنا.. فممارسة اليوجا مرة واحدة أسبوعيًّا لها فائدة كبيرة في مقاومة الضغوط النفسية والأمراض عموما.

قلت: ما هي الأعمار التي تسمح بأدائها؟

قال: هي ملائمة لكل الأعمار، فالمهم أن يطور الإنسان مهاراته في رياضة اليوجا بما يلائم قدراته الجسمية.

إرادة الشفاء

سرت باحثا عن الحكيم السابع، محاولا استخدام التأمل الباطني لاستكناه حقيقته والعلاج الذي جاء به، وبينما كنت كذلك إذ رأيت رجلا يجلس مع نفسه، وهو يخاطب شيئا لا أراه، ويقول:(ابتعدي أيتها القطة المؤذية.. وإلا سلطت عليك كراتي البيضاء.. إن أنيابك الحادة لا تخيفني.. وإن مخالبك أوهى من بيت العنكبوت)

دعكت عيني بيدي محاولا رؤية هذه القطة التي يخاطبها.. لكني لم أجد شيئا.. لم أتسرع بلوم الرجل، فقد عرفت عواقب التسرع.. بل أرجعت اللوم على نفسي، واتهمت عيني.. ثم قصدت الرجل قائلا: إنها قطة مؤذية.. فسلط عليها كراتك البيضاء.

قال: هل ترى القطة؟

حاولت التخلص قائلا: أنا أرى أشياء كثيرة.. والقطط من الأشياء التي يسهل لعيني رؤيتها.

قال: لا.. لا أقصد القطط العادية.. أقصد قطتي.

قلت: كل القطط عادية.. هي تختلف في ألوانها.. وفي أصوات موائها، ولكنها تبقى دائما قططا.

قال: لم تجبني عن سؤالي.

قلت: إن شئت الصراحة، فإني لا أرى قطة، ولا كرات بيضاء.. ولكني اتهمت عيني وصدقتك.

قال: فهلا أردت رؤيتها؟

قلت: وهل يمكن للإرادة أن تصور لعيني قطة أحادثها وتحادثني؟

قال: الإرادة تأتي بالمعجزات.

قلت: أخبرني ما الذي جعلك تستهوي عالم القطط دون غيرها من العوالم.. ألك هواية بجمع القطط؟

قال: لا.. أنا لا أجمع القطط.. ولا أحب جمعها.. ولكني أصابني مرض أقعدني كما ترى.. فجلست أعالج نفسي.

قلت: تعالجها بالقطط.. هذه أول مرة أسمع فيها العلاج بالقطط.

قال: لا.. ليس هذا علاجا بالقطط.. بل هو علاج بالإرادة.. أنا أستعمل سلاح الإرادة والتخيل في مقاومة أدوائي.

قلت: وما علاقة القطة بذلك؟

قال: أنا أعقد جلسات لنفسي أستعمل فيها الإرادة في الشفاء.

قلت: لا شك أنك الحكيم السابع الذي أبحث عنه.

قال: صدقت.. فأنا من الذين يعافون تلك السموم التي تداوون بها أنفسكم؟

 قلت: فهل رحلت إلى الصين أو الهند لتعلم هذا الأسلوب من العلاج؟

قال: لا.. لم أرحل إلى أي بلد من البلدان.. أنا من صغري حبيس مسقط رأسي.. ولكنه كانت لي علاقة مع بعض مشايخ الروح.. فحاولت أن أطبق أسلوب الترقي الروحي في العلاج الجسدي.

قلت: كيف ذلك؟

قال: في العلاج الروحي الذي كنت أمارسه كنت أتصور الشيطان جاثما على صدري.. وأنا أطرده بصنوف الذكر والاستعاذة.. فيفر مني، ويسلك فجا غير فجي.

قلت: هذا صحيح.. وقد أخبر الله تعالى عنه، فقال يأمرنا بالاستعاذة: { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }(الناس:4 ـ 6).. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر اللّه خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس)([38])

قال: لقد استعملت هذا التصور في طرد صنوف الأدواء التي تحل بجسمي.

قلت: كيف ذلك؟

قال: أنا أجلس مع نفسي، فأتصور الألم إنساناً أو مخلوقاً آخر.. ثم أتكلم معه، وأسأله أسئلة مختلفة، ثم استدرجه للقضاء عليه.

قلت: كيف ذلك؟

قال: سأذكر لك مثالا عن صاحب من أصحابي اعتمد هذا الأسلوب في العلاج، هو رولاند شون، فقد حكى لي عن نفسه ما استفاد منه، فرحت أطبقه.

قلت: وما حكى لك؟

قال: لقد التوى عموده الفقري في مناسبة بسيطة، وبعد ثماني سنوات كان لا يزال يعتقد بأن الألم لم يكن بدنياً تماماً، وإنما هناك جانب نفسي.. وقد كان حساسا، فاعتقد بأن للألم علاقة بإحساسه بالذنب من تغييره عمله.

قلت: وما علاقة إحساسه بالذنب بالمرض؟

قال: لقد أثبتت الأبحاث أن الرغبة بالانتقام من النفس من الممكن أن تؤدي إلى أشكال عديدة من الألم.. فحتى لو زال السبب البدني فإن الألم يستمر لأن المريض يحتاج إلى الألم.

قلت: كيف يحتج الألم للمرض؟

قال: ألم تسمع مذهب صديقي ادوارد باخ؟

قلت: لا أعرفه.. ولا أعرف مذهبه.

قال: هو الدكتور الإنكليزي إدوارد باخ، وقد كان طبيبا هوميوباثياً وباحثاً بكتربولوجيا ناجحاً.. وفي عام 1930م ترك عمله في عيادته الناجحة في شارع هارلي الشهير في لندن، وعكف على محاولة العثور على نظام طبي أبسط وأكثر طبيعية بحيث لا يحتاج إلى تغيير أو تدمير أي شيء من مواد الدواء الأولية.. وهو صاحب العلاجات الزهرية.. وهو يتجول في هذا المستشفى للبحث عن بعض الأزهار، ولو صبرت قليلا للقيته.

قلت: فما مذهب صديقك هذا؟

قال: هو يرى بأن المرض ليس سوى عملية تصحيحية، وأنه ينبهنا إلى أخطائنا كي لا نقع فيها مستقبلاً.

قلت: فهو ينظر إلى الجانب الإيجابي في المرض.

قال: لا.. هو يفسر المرض بهذا.. فهو يرى بأن المرض ليس قاسياً أو انتقاماً.. بل هو إجراء اتخذته الروح لكي تدلنا على أخطائنا، وللحيلولة دون ارتكابنا للمزيد منها، ولمنعنا من إحداث عطب أكثر، ولجلبنا من جديد إلى طريق النور والحقيقة والذي كان يجب علينا ألا ننحرف عنه.

قلت: إن ما تقوله هو ما يقوله ديننا.. وقد مررت في (ابتسامة الأنين) على ما في المرض من نعمة التطهير.. فعندما دخل عبد الله بن مسعود على النبي r في مرضه وجده وهو يوعك وعكا شديدا، فقال: إنك لتوعك وعكا شديدا، إن ذاك بأن لك أجرين قال:(أجل ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر)

قال: بل شبه صلى الله عليه وآله وسلم تأثير المرض بقوله:( إنما مثل المريض إذا برأ وصح كالبردة تقع من السماء في صفائها ولونها)

ولهذا وردت النصوص بالنهي عن سب المرض، فقد دخل r على أم السائب، فقال:(ما لك يا أم السائب تزفزفين؟) قالت:(الحمى، لا بارك الله فيها)، فقال:(لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد)([39])

قلت: فلنرجع إلى صديقك رولاند شون، فقد كنت تذكر لي ما اعتمده من علاج.

قال: لقد كان يعقد لنفسه جلسات مختلفة لا يداوي نفسه فيها إلا بالإردة.

ففي الجلسة الأولى.. كان يصور تصوّر الألم كقطة كبيرة متوحشة وغاضبة لها أسنان هائلة، وهي تسحب عموده الفقري، ثم جاءت طيور بيضاء، وحاولت أن تطرد القطة إلا أنها لم تفعل، وكانت تعود إلى العمود مرة بعد أخرى.

قلت: ألا بد من اختيار القطة؟

قال: لا ليس بالضرورة.. فالغاية هي تصوير الألم كمخلوق.. ثم تترك العقل الباطن يختار، وارض باختياره من غير أن تحاول أن تختار بين صور متعددة..

قلت: فما الطيور البيضاء؟

قال: قد تكون الطيور البيضاء كناية عن كريات الدم البيضاء.. وقد كان عددها قليلاً لا يفي بالغرض.

قلت: وفي الجلسة الثانية؟

قال: كان يتكلّم مع القطة ويسألها:(لماذا أنت هنا؟).. فتجيبه بأنه يستحق أن يلقن درساً لأنه ترك عمله، ثم يسألها:(أليس ما عانيته لحد الآن كافياً؟)، فتجيبه:(نعم).. ثم تذكر له بأنها لن تذهب طواعية، وإنما يجب أن تطرد، كما أنها متضايقة من وجود هذه الطيور.. فيسألها:(كيف أتخلص منك، هل بأن تبتلعك كريات الدم البيضاء؟).. ثم أرسل إليها مجموعات من كريات الدم البيضاء، كمجموعات الجراد، بحيث أصبحت القطة مغطاة بها بشكل كامل.. ثم إن المنطقة غسلت، وجاء رجال صغار يحملون بعض الماء الذي رشقوا به المنطقة لينظفوها من الالتهاب والفضلات.

قلت: ما كان تأثير هذه الجلسة عليه؟

قال: لقد كان المشهد غير واضح، وكان في أثنائه إشارات عاطفية مريحة، وفي بعض الأحيان ذهاب الشد في عضلات المعدة.. زيادة على إيجابية هذه الجلسة مقارنة مع الأولى.. ولذلك استطاع أن ينام تلك الليلة أفضل من المعتاد، كما استيقظ بحالة عقلية أفضل، على الرغم من وجود الألم.

قلت: فماذا فعل في الجلسة الثالثة؟

قال: لقد هاجمت الكريات البيضاء مرة أخرى القطة التي أصبحت خائفة وصغيرة.. ثم جاء فريق من رجال صغيري الحجم، وغسلوا أليافا عصبية وبدأوا عملية تصليح.. وكانوا يغنون ويلعبون أثناء العمل حيث كانوا يتزحلقون على الألياف العصبية.

وفي بعض الأحيان كانوا يدخلون مقطعاً جديداً، وفي أخرى كانوا يربطون أطراف الألياف لعمل توصيله.

قلت: هذا مشهد إيجابي للغاية، فكل الإشارات تدل على أن الجسم بدأ بتصليح نفسه.

قال: وفي الجلسة الرابعة لم تظهر القطة، بل ظهر رجل لم يكن غاضباً، بل كان في الحقيقة حذراً.. وقد سأله عن سر وجوده، فأجابه بأنه يريد سحب الأعصاب بعيداً عن العظم الخارج.. وعندها يطلب منه أن يتم التصليح، فجاء رجال، وجلبوا معهم حبالا وبكرات لجذب العظم. ثم دلكوا المنطقة ببعض المراهم وسحبوا الأعصاب برفق.. ثم سألهم:(هل يمكن عمل أكثر من ذلك الآن؟)، فقالوا له:(لا، ليس الآن، ولكن تستطيع أن تدفئ المنطقة).. ثم جاء رجل بيده مصباح حراري، وبدأ يمرر اللهب على المنطقة، بعدها طلب منه أن يطفئه لأنه يريد أن ينهي الجلسة.

قلت: ألاحظ التركيز في هذه الجلسة على التصليح.

قال: ملاحظتك في محلها.. فالأمر المهم هنا هو أن تجمع جميع دفاعات الجسم لتعمل من أجل منفعتك.. وكان اللهب أو الحرارة صورة ذهنية لعلاج حقيقي إذ أن زيادة حرارة المنطقة يزيد من الدورة الدموية فيها مما يساعد في العلاج.

قلت: فما الذي حصل بعد كل هذه الجلسات؟

قال: إن أهم شيء يجب ملاحظته والاهتمام به هو ضرورة أن ترى نفسك، قبل إنهاء الجلسة، خالياً تماماً من الألم، وكل الأعراض الأخرى أي خالياً من المرض، وأنك أصبحت قادراً على أن تفعل كل ما تحب أن تفعله.

ويجب أن ترى بعين عقلك حالتك التي تحب أن تكون عليها، وليس أن تتحسن وأنت في وضعك الحالي.. إن العقل الباطن يعمل على ضوء مبادئ متعددة، وبرؤيته للنتيجة النهائية، أي زوال الألم، يقوم بعمل برامج معينة لتحقيق ذلك.. وهذه البرامج هي برامج هادفة وليست خادعة.

قلت: لا أزال أشعر أن الإرادة أضعف من أن تحل محل الأدوية.. ولا أزال لا أدرك ضعف الخيال وقصوره.. فهو ملجأ الكسالى.

قال: لا.. الإرادة هي القوة الداخلية التي تعطي التوجيه والغاية فيما نعمل.. فهي تمثل الوسيلة التي تجمع كل الطاقات الجسمانية والعواطف والدوافع في علاقة تعاونية هادفة.

وهي والخيال من أسلحة الروح والجسد.. والتخيل لا يقل عن الإرادة.. بل إنهما إن كانا في صراع.. فإن التخيل لا بد وأن ينتصر.

قلت: أيمكن أن يتصارعا؟

قال: الإرادة الفاعلة هي التي تمتطي الخيال لتحقق به ما تريد.. لكن عندما لا يكون لشخص ما فكرة واضحة عن غاية الإرادة، فمن الممكن أن تتوجه الإرادة وقابلية التخيل إلى هدفين متضادين.. وعندما يحدث ذلك، يصبح الشخص محكوماً بقدرته التخيلية أكثر من إرادته، وهنا يصرع الخيال السلبي الإرادة، فيحطمها.

قلت: ألهذا توجه الخيال لخدمة الإردة؟

قال: أجل.. بل أستخدمه في العلاج.. وقد وجدت أنه في حالات كثيرة أجدى من السموم التي تداوون بها أنفسكم.

قلت: أجلوسنا مع القطط والأفاعي.. ثم تصوير انتصارنا عليها أجدى من الأدوية؟

قال: لقد جربت هذا.. فوجدت هذه الحقيقة.. ولا عليك ألا تصدقني.. فليس لدي صيدلية تبيع الخيال، فأخاف من خسارة زبون، أو أفرح لكسب زبون.

قلت: ولكن قومي من المتحفظين قد ينكرون هذا.. فكيف تصور الألم بصورة حسية؟

قال: ألم تسمع ما قال ابن القيم في الحمى؟

قلت: لقد ذكر ابن القيم قول الذي سب الحمى ومعارضته له، فقال:(ذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسبها:

زارت مكفرة الذنوب وودعت    تبا لها من زائر ومودع

قالت وقد عزمت على ترحالها ماذا تريد فقلت: أن لا ترجعي

فقلت: تبا له إذ سب ما نهى رسول الله r عن سبه، ولو قال:

زارت مكفرة الذنوب لصبها    أهلا بها من زائر ومودع

قالت وقد عزمت على ترحالها ماذا تريد فقلت:أن لا تقلعي

لكان أولى به ولأقلعت عنه فأقلعت عني سريعا)

قال: فابن القيم استخدم هذ النوع من العلاج قبل صاحبي.

قلت: كيف ذلك؟

قال: لقد تخيل الحمى امرأة جاءت تكفر ذنوبه، وهو نفس ما يقوله صاحبي، وخاطبها كما يخاطب الأحياء.

قلت: ولكنه رحب بها، أما صاحبك فأرسل عليها كراته البيضاء.

قال: كل منهما استخدم أسلوبا من الأساليب.. أما ابن القيم، فاعتبر الداء محبوبا اشتاق إليه.. وفي العادة نرى سرعة ذهاب من نشتاق إليه.

قلت: وصاحبك؟

قال: تعامل مع المرض كالعدو.. فأرسل عليه ما جهزه الله به من وسائل المقاومة.

قلت: فأيهما أقوم قيلا؟

قال: كلاهما.. ولو أن صاحبك يحبذ أسلوب ابن القيم.

قلت: ولم؟

قال: أنسيت أنه معلم السلام؟

قلت: ذكرتني به.. لقد طال شوقي إليه.

قال: بل إن ما فعله ابن القيم فعله قبله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روي أنه دخل على أعرابي يعوده وهو محموم، فقال:(كفارة وطهور)، فقال الأعرابي:(بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور)، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتركه.

قلت: فما في هذا الحديث مما نحن فيه؟

قال: لقد أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن ينظر للمرض نظر المسالمين لا المحاربين.. ولو فعل ذلك لاستحيا المرض من نفسه، وانصرف عنه.

قلت: أنت تعرفني.. وتعرف قومي ففسر لي ما تقول.

قال: يلعب الاعتقاد بإمكانية حصول الشفاء دوراً هاماً فيه.. فلذا كان من الضروري أن تعتقد بأنك تستطيع معالجة نفسك، وتحقيق الشفاء مهما أخبرك الطبيب بعكس ذلك.. أما إذا كنت شاكاً بنجاح الطريقة العلاجية فأمامك أحد طريقين: إما أن تنسى الموضوع.. وإما أن تجرب، ولكن بعقل مفتوح قدر الإمكان.. بل من الضروري أن تحاول أكثر من مرة، فأنت تتعلم شيئاً جديداً، ولا يجوز أن تتوقع أن تتمكن منه في أول محاولة.

قلت: ولكني محتار في كيفية قضاء الخيال أو الإرادة في دحر جيوش الألم، وهي تنهش أعضائي.

 قال: إن الألم قد يكون متسبباً عن حدوث عدم توازن في الإيعازات العصبية من خلال الحبل الشوكي من الدماغ إلى الأجهزة، وبالعكس.. وبما أننا نستطيع نسيان الألم غير الحاد عندما يتوجه انتباهنا إلى أمر مهم، فإن احتمال الألم يعتمد على عوامل نفسية، في حين أن مستوى الألم يعتمد على عوامل بدنية.

قلت: أرى أن صاحبك يتحدث عن الألم ومصدره، وكيف يقضي عليه بالكريت البيضاء، وهي معلومات علمية.. فهل يشترط ذلك في ممارسة هذا الأسلوب من العلاج؟

قال: لا يشترط.. ولكن المعرفة بتشريح الجسم، ومثلها المعرفة بكيفية حصول الألم تفيد كثيراً في التصوير الذهني.. لأن الصور التي تتخيلها تكون أقرب إلى الواقع كلما ازددت معرفة بالتشريح والألم.

وهذا ينطبق على الأمراض عموما، فكلما ازدادت معرفتك بكيفية حصول مرضك وتأثيره في جسمك كلما كنت أكثر تمكناً في تصوير الحالة إلى أقرب ما يمكن من الحقيقة.

قلت: وعيت كل ما قلت.. ولكن كيف أبحث عن المرض، أو كيف أشخصه، أليس التشخيص نصف العلاج؟

قال: بلى.. فمن الصعوبات التي يواجهها المريض في الكثير من الأمراض هي معرفة موقع المرض.. فالألم في الكتف أو الساق مثلاً ليس من الضرورة أن يكون مصدره الكتف أو الساق.

قلت: فكيف أبحث عن الألم؟

قال: كما تبحث على كل الأشياء.

قلت: ولكني أنا ذلك المكان.. فهل أدخل في ذاتي؟

قال: أجل.. فمن عالج ذاته بذاته لا يصعب عليه أن يشخص ذاته بذاتته.

قلت: بالجلوس مع النفس؟

قال: أجل.. تبدأ بالاسترخاء أولا.. ثم تغير حجمك لتصبح صغيراً.

قلت: ما الحاجة إلى ذلك؟

قال: لا يمكنك أن تدخل في داخل جسمك إلا إذا غيرت حجمك.. ادخل جسمك من خلال مجرى الدم، أو من خلال أماكن أخرى كفتحة الأذن أو الأنف.. وبعد أن تصبح في الداخل، ألق نظرة على الجدران المختلفة للأوعية وعلى الأنسجة، والتي ستكون متصورة بشكل أفضل إذا كان لديك معرفة أكبر بها.

استعمل الرحلة الأولى للتعرف على داخل جسمك،وأهمل أمر المرض. ثم ابدأ بالتعامل مع المرض في الرحلات التي تليها.. وهذا التمرين، كالتمارين الأخرى، يصبح أكثر سهولة بالمداومة عليه.

قلت: ألا يمكن أن أستعمل ما يستعمله بعض مشايخ الروح من الإرشاد حالات الجلسات الروحية؟

قال: يمكن ذلك.. بل يحبذ خاصة للذين يصعب عليهم التركيز.. فيمكنهم استعمال الأشرطة المسجلة.. حيث يوجد تسجيل صوتي لشخص يقوم بإدخالك في حالة الاسترخاء المطلوبة، ثم يصف لك الصور التي يجب أن تتصورها في ذهنك، متدرجاً بالمشاهد وكأنها قطعة من فلم أو تمثيلية مع خلفيات صوتية مناسبة.

قلت: لا.. هم يستعملون جلسات جماعية يقوم فيها المرشد بالتوجيه.

قال: يمكن ذلك.. فيمكن أن تعقد جلسات جماعية يجلس فيها عدد من المرض في حلقة، ويجلس معهم المعالج، ثم يبدأ بإعطاء الإرشادات اللازمة ليدخلهم في حالة الاسترخاء، ومن ثم في التصوير الذهني.. وهي منتشرة في الغرب، وناجحة جداً.

قلت: أرى أن لكلامك من الأنوار ما يجعل عقلي وقلبي يجتمعان على قبوله.. بل أرى النصوص من القرآن الكريم والسنة المطهرة تتزاحم لتقرير وتأكيد كل ما ذكرت..

قال: أجل.. فكل ما ورد في السنة من الاستعاذات.. أو ما ورد فيها من آداب عيادة المريض يصب في هذا، بل إن في دعوته صلى الله عليه وآله وسلم إلى التنفيس عن المريض ورفع معنوياته تهيئة له لاستعمال هذا العلاج.

قلت: بل إن في وضع اليد على موضع الألم ما يدل على هذا.. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا اشتكى أحدكم، فليضع يده حيث يجد ألمه، ثم ليقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبعا)([40])وفي حديث آخر أمر صلى الله عليه وآله وسلم بمسح اليد على موضع الألم، فقال:(امسحه بيمينك، وقل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد سبع مرات)([41])

قال: وفي ذكر ذلك سبعا من أسرار التأكيد ما يدل على ما ذكرنا.

قلت: ولكن لم يغفل قومي عن استعمال هذا النوع من العلاج؟

قال: أسباب التقصير في استعمال هذا النوع من العلاج كثيرة.. منها تغليب عصركم للجانب الأيسر من الدماغ على الجانب الأيمن.

قلت: أنحن نقصر في حق جانب كامل من جوانب الدماغ؟

قال: أجل.. فالدماغ يقسم إلى قسمين يعملان بطريقتين مختلفتين.. فعمليات المنطق والرياضيات والقراءة والكتابة واللغات والتحليل تتم في القسم الأيسر.. أما عمليات التعرف والتناغم والصور البصرية والتركيب والأحلام والعلامات والعواطف ففي القسم الأيمن.

قلت: كيف عرفت هذا.. أم تراك استعملت تصويرك الذهني؟

قال: لا.. لقد وجدو أن الجانب الأيسر ينشط عند إجراء عملية حسابية لإيجاد حاصل جمع رقمين مثلاً.. في حين وجدوا نشاط الجانب الأيمن عند عملية تذكر شكل أحد الشوارع.

قلت: فالرسام أو النحات أو الشاعر يهيمن القسم الأيمن على فكره وحياته.

قال: والقسم الأيسر هو المهيمن على الفيزيائي أو العالم الرياضي.

قلت: ألا يمكن أن نستفيد من كلا القسمين.. أو نعيش كلا القسمين؟

قال: بلى.. ذلك ممكن..بل هو المطلوب.. ألا ترى أسلافك كيف كانوا يجمعون بين الفن والرياضياتوالطبيعيّات في آن واحد!؟

قلت: وفي عصرنا؟

قال: لقد أهلككم التخصص.

العلاج الزهري:

بينما أنا مع الحكيم السابع إذ قطع جلستنا رجل يحمل أزهارا.. قلت: لا شك أنك الدكتور إدوارد باخ الذي حكى لي عنك صاحبك الحكيم السابع.

قال: فمن أنت؟.. فأنا أبحث عن الحكيم السبعين.

قلت: لم أصل إلى هذه الدرجة بعد.. بل أنا مجرد تلميذ للسلام.

قال: أهلا بك.. وبكل تلاميذ السلام.. فلا أرى أحدا يفهمنا أو يقدرنا غيركم معشر تلاميذ السلام.. كيف هو حال معلمك؟

قلت: لقد اشتقت إليه.. فلي مدة لم ألقه.

قال: سلني عما بدا لك.

قلت: لقد علمت أنك في عام 1930م تركت عملك في عيادتك الناجحة في شارع هارلي الشهير في لندن، وعكفت على محاولة العثور على نظام طبي أبسط وأكثر طبيعية بحيث لا يحتاج إلى تغيير أو تدمير أي شيء من مواد الدواء الأولية.

قال: أجل.. وقد هداني ذلك إلى ثلاثة أمور تختلف فيها أدويتي عن الأنظمة الطبية السائدة في الغرب.

قلت: فما أولها؟

قال: تصوري للمرض أكبر كثيراً من حدود الفرد.. بل إن أصوله ترجع إلى نظام كوني.. فلذلك قادني هذا إلى شكل جديد من أشكال التشخيص لا يعتمد على الأعراض الفيزياوية.. بل يعتمد كلياً على حالات عدم التجانس الروحي، أو المشاعر السلبية..

 قلت: فهمت بعض هذا سابقا، فما الثانية؟

قال: يتم استخلاص الطاقات العلاجية للأزهار من حالتها المادية البسيطة، أي مباشرة، وليس بالتخفيف الهوميوباثي، وهنا لا يمكن أن يكون هناك جرعة أكثر من اللازم، ولا آثاراً جانبية، ولا تضارباً مع أي طريقة علاجية أخرى.

قلت: هذا يحتاج إلى أسئلة كثيرة، قد أسألك عنها بعد أن تخبرني عن الناحية الثالثة.

قال: إن كون أدويتي زهرية عديمة الضرر مطلقاً، جعلها متيسرة للعلاج من المعالج أو للعلاج الذاتي لمجموعة أكبر من الناس بالمقارنة مع باقي الأنظمة العلاجية.. بل لا يحتاج استعمالها إلى تدريب على الطب أو العلاج النفسي المعروف، وإنما إلى الإدراك، والقدرة على التفكير والتقدير، وأهم من كل ذلك الحساسية الطبيعية، والإحساس بالشخص الآخر.

قلت: إنك تحمل بشارات عظيمة للشفاء.. فكيف تفسرها؟

قال: لم تصل الوسائل العلمية الاختيارية والقياسية ـ التي يستعملها قومك ـ إلى المستوى الذي تشرح فيه كيفية عمل أكثر الأنظمة العلاجية البديلة.. ولعل أدويتي أكثرها صعوبة لأنها تتجه صوب الحالة الروحية للفرد، وهي شيء ليس في المستقبل المنظور احتمال قياسه، هذا إن كان ذلك ممكناً.. ولكن مع ذلك لا يمكن تجاهل الأثر الذي تحدثه هذه الأدوية، فهي تعمل وتحقق نتائج إيجابية حقيقية.

قلت: أنا لا أتحدث مع باحثين من قومي.. بل إني أتحدث معك شخصيا.. فأخبرني عن تفسيراتك لتأثير أدويتك.

قال: إن عمل هذه الأدوية هو لرفع ذبذباتنا، وفتح قنواتنا لاستقبال الذات الروحية، ولإغراق طبائعنا بالمزية المعينة التي نحتاج.. وهي قادرة، كأي موسيقى جميلة، أو أي شيء مجيد مشجع يمنحنا التحفيز للمثابرة، إلى رفع طبائعنا وتقريبناً أكثر من ذواتنا.. وهذا العلم ذاته لجلب السلام والأمن وإزالة معاناتنا.. وهي تشفي، ليس بمهاجمة المرض، وإنما بإغراق أبداننا بذبذبات جميلة من طبيعتنا العليا، والتي في وجودها يذوب المرض كما يذوب الثلج في الشمس المشرقة.

قلت: أراك تعالج بالسلام.. لا بالصراع كما يفعل قومي.

قال: ليس هناك شفاءاً حقيقياً إذا ما لم يحصل تغيير في النظرة، والسلام العقلي، والسعادة الداخلية.

قلت: فما علاقة الأزهار بهذا؟.. أم أنك ترشي المرض بهذه الرشوة ليبتعد عن جسد الإنسان؟

قال: لا.. الرشوة حرام مطلقا.. ورشوة الروح أخطر من رشوة الجسد.

قلت: فما الغرض من الأزهار إذن؟

قال: لقد ذكرت لك أني لا أعتمد على الأعراض البدنية في التشخيص.

قلت: أجل.. بل على الحالات الروحية السلبية.

قال: ولا شيء غيرها، فإني أرى أن المرض هو نتيجة الصراع بين الشخصية، ومحاولة إخراج ما تريده الروح إلى الواقع.

قلت: فما دور الأزهار في هذا؟

قال: إن هذه الحالات السلبية لا تتم مهاجمتها للقضاء عليها، وإنما بإغراقها بموجات متجانسة أعلى لكي تذوب كما يذوب الثلج في الشمس المشرقة.

قلت: أللأزهار مثل هذه الموجات؟

قال: أجل.. فكل زهرة من الأزهار تحوي طبيعة من طبائع الروح، أو أن لها موجات طاقة معينة.. وكل واحدة من هذه الطبائع في تجانس مع طبيعة روحية إنسانية، أو مع تردد من ترددات مجال الطاقة البشري.

قلت: وهل اكتشفت هذه الأزهار التي تحوي طبائع الروح؟

قال: أجل.. وقد اكتشفت ثمانية وثلاثين زهرة لا يمكن الزيادة عليها، فهي ثابتة.. لأنها نظام متكامل لعلاج كل الحالات المرضية، أي كل الاختلالات في مستويات الطاقة جميعا.

قلت: فكيف عرفتها؟

قال: ذلك ما لا يمكن ذكره الآن.. ألم تر الغزالي كيف يفر إلى الكشف في كل حالة يصعب تفسيرها؟

قلت: فهل أنت من لمكاشفين؟

قال: لا أحد من الخلق إلا ويعطيه الله من الكشف ما ينتفع به وينفع غيره.

قلت: ولكنك طبيب.. ولست مريدا في خلوة.

قال: ولكوني طبيبا جاء كشفي مرتبطا بتخصصي.

قلت: لن أجادلك في هذ.. ولا يهمني.. فلله في خلقه من الشؤون من لا يمكن تصوره.. فما هذه الأدوية؟.. وهل هي جميعا أزهار كاسمها؟

قال: لا.. منها ما هو زهرة النبتة، ومنها ما هو أوراق شجرة معينة كالصنوبر أو الزان، ومنها ما هو براعم شجرة أخرى، وهناك نوع واحد ليس بنبات، وهو ماء ينابيع غير ملوث من قبل المدنية الحديثة.

قلت: فما تفعل هذه الأدوية؟

قال: إن لهذا الدواء المعين تردداً من الطاقة متجانساً كالذي في الطبيعة الروحية البشرية المعينة، إلا أنه غير مشوه مثلها، بل هو في تناغمه الطبيعي.. لذا إنه قادر على تأسيس علاقة مع تلك الطبيعة الروحية البشرية، وبواسطة موجاته المتجانسة يستطيع أن يعيد التجانس إلى الروح.

قلت: وهل للروح هذا العدد من الطبائع؟

قال: أجل.. فالروح الإنساني يحوي كل الثماني والثلاثين طبيعة الموجودة فيما وجدته من أدوية.. وأدويتي تعمل كإنزيم يعيد تأسيس العلاقة بين الروح والشخصية في النقطة التي انقطعت فيها، وهو ما يمكن الروح من أن تعيد اتصالاتها مع الشخصية.. أو كما أقول دائما: يصبح الإنسان نفسه من جديد في النقطة التي أصبح فيها ليس نفسه.

قلت: فحدثني كيف يحضر دواؤك؟

قال: نبدأ بقطف الأزهار.. ونفعل ذلك عندما تكون ناضجة تماماً، أي عندما تكون على وشك السقوط.

قلت: لم اخترتم هذا الوقت بالضبط؟

قال: في هذا الوقت تكون الطاقات الضرورية مركزة فيها.. وهذا أهم شيء في العلاج بأدويتي، ولهذا يبقى محضرو هذه الأدوية الفاصلة الزمنية ما بين قطف الأزهار وتحضير الدواء إلى أقصر ما يمكن لكي لا تضيع أي كمية من الطاقة.. وهنا تشترك العناصر الأربعة بكل قدراتها الهائلة في عمل الدواء، فالأرض والهواء يجلبان النبتة إلى نقطة النضوج، أما الشمس، أي العنصر الناري فتحرر روح النبتة من جسمها، ثم يعمل الماء كواسطة.

قلت: تحضير دوائك سهل جدا!؟

قال: أجل.. ألم تسمع قولي:(ليس هناك أي ضرورة للعلم أو المعرفة لاستعمال الدواء طبعاً، وإنما فقط الطرق البسيطة الموصوفة هنا، وإن الذين سيحصلون على أكبر فائدة من هذه المنحة الإلهية هم الذين يبقونها على حالتها النقية، بعيداً عن العلم، بعيداً عن النظريات، لأن كل ما في الطبيعة بسيط)

قلت: فهل تحتفظون بهذه الأدوية الزهرية في حالتها المركزة أم تعمدون إلى تخفيفها كإخوانكم من المثليين؟

قال: يتم اقتناء الدواء بحالته المركزة، ثم يصار إلى تخفيفه بحيث تضاف قطرتين منه إلى كمية من الماء، وتستعمل مادة حافظة كخل التفاح إذا كانت الكمية تكفي لمدة قد تؤثر على جودة الدواء.

قلت: فكيف يستعمل المرضى هذا النوع من الأدوية؟

قال: تستعمل القطارة لتناول الدواء الذي يجب أن يتناول أربع مرات في اليوم على الأقل، هذا في الحالات الاعتيادية، أي على طول مدة علاج حالة مزمنة.. أما في الحالات الشديدة فتضاف بضع قطرات من الدواء في قدح من الماء يتم ارتشافه تدريجيا في جلسة واحدة..

وهناك دواء محضر من خمسة أدوية ويسمى علاج الإنقاذ([42])، وهذا يستعمل في الحالات الطارئة.. وقد أنقذ حياة ما لا يعد ولا يحصى من الناس أثناء انتظارهم للمعونة الطبية بعد الحوادث.

قلت: كيف يعمل هذا الدواء العجيب؟

قال: في هذه الحالات يجنح الوعي، أو العناصر الذهنية في الجسم، إلى الانسحاب من الجسم الفيزيائي، وبذا يصبح غير قادر على بدء العمليات الشفائية الذاتية.. ولهذا يمنع علاج الإنقاذ تلاشي الطاقات، أو يعيدها بسرعة إلى طبيعتها، ومن ثم تبدأ عمليات الشفاء.

قلت: أتستعمل أدويتك مشروبة فقط؟

قال: لا.. من الممكن الاستفادة منها بطرق أخرى، كالكمادات كما في حالات الالتهابات الجلدية.. أو يمكن إضافتها إلى الحمام المملوء بالماء.

قلت: أرايت إن وصف أحد أطباءكم زهرة لا تتناسب مع نوع المرض؟

قال: لا تخف.. فلن يحدث أي ضرر من ذلك.. لأنه إذا كان تردد الزهرة التي استخلص الدواء منها ليس صحيحاً، فإن الذات العليا تدرك ذلك، ومن ثم فهي لا تدخلها في نظام الطاقة.. وبذا فليس لها أي تأثير، في حين أن جميع الأدوية الكيمياوية تؤثر على عمليات التمثيل الحيوية سواء كانت مناسبة للحالة أو لا.

قلت: فهل هناك أعراض جانبية تنتج عن تناول الدواء؟

قال: هناك أعراض.. ولكنا نعتبرها مرحلة من مراحل الشفاء.. لا كالأعراض التي تعرفونها.

قلت: اشرح لي هذا.

قال: عندما يواصل الفرد علاجه الذاتي، أو علاج غيره، فإن المشاكل الواقعة في منطقة الحدود بين العقل الواعي والعقل الباطن تبدأ بالظهور، فهي يجب أن تدرك وأن تحل.

وعندما يحدث ذلك فإن الإنسدادات، أي ما يوقف الإمكانية من أن تدرك، كما دلت الخبرة العملية، تبدأ بالذوبان بترتيب عكسي، ومنذ عهد الطفولة.. وفي هذه الحالة تحدث أزمة الشفاء بشكل خفيف أو شديد في الوعي، وهكذا، قد تظهر إلى السطح مشكلة قديمة، وتظهر بشكل مؤلم، إلى أن يمكن تحريك دافع كاف لتحقيق التغيير.. وليس هناك رد فعل مشترك للجميع، لأن لكل شخص فردية متميزة ومشاكل متميزة.

قلت: لا يزال فهمي قاصرا دون معرفة إيجابية هذه الأعراض.

قال: إيجابية الأعراض تدركها من إدراك نوع تأثير الدواء.. فالجزء الذي كان نائماً أو مشلولاً لفترة من الزمن قد امتلأ بالحياة من جديد.. ولهذا فإن فكرة مؤلمة كان قد تم إسكاتها لسنين قد تظهر إلى السطح من جديد باحثة عن حل لأنها لم تحل في حينها.

قلت: إن الذي تقوله يحدث في المعالجة الطبيعية عندما يبدأ الجسم بطرد السموم.. فتحصل زيادة في الأعراض.

قال: أجل.. ولكن على المستوى الروحي.. واطمئن، فإن ما يظهر من اللاوعي لا يمكن أن يكون أعظم من أن يستطيع الشخص أن يتحمله.. ففي الأدوية الزهرية من المستحيل أن تحدث أزمة شفاء اصطناعية، لأن هذه الأدوية تسند الذات العليا فحسب وهي الطبيب الداخلي الذي يوجه كل شيء دائماً في مصلحتنا.

قلت: بما أن هذا الدواء يتعامل مع مصادر الطاقة في الإنسان.. ألا تبدي هذه المصادر أي فرح عند استقبال هذا الدواء؟

قال: بلى.. فهناك من تؤثر فيه الجرعة مباشرة، إذ تبدو عيناه أكثر نعومة أو أكثر روحانية، وذلك بمجرد أن حصل الاتصال بين الدواء والذات العليا.. وكثيراً ما يحدث أن يتنفس الإنسان نفسا عميقاً بعد الجرعة، وهو ما يدل على إحساس بالراحة في مستوى الطاقة.

قلت: فهل يتساوى الناس في الاستفادة من هذه الأدوية.. أو في حدوث تأثيراتها؟

قال: لا شك أنهم يختلفون.. فالأشخاص متفتحو الذهن والمهتمون بالعالم غير المادي ـ كتلاميذ السلام ـ يستجيبون بشكل أسرع من أولئك الذين يرفضون قبول هذه الأفكار أصلاً، ويحاولون في اللاوعي أن يخرسوا صوت ذواتهم العليا مرة بعد مرة، أي أولئك الذين يتجهون نحو إسكات مشاكلهم عوضا عن حلها.

أما كبار السن، وخصوصا أولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة، فيستجيبون بشكل أبطأ لأدوية باخ الزهرية، لأنهم أصبحوا متقولبين في كياناتهم النفسية.

أما أصحاب الأمراض الميئوس منها فإنهم دائماً يستجيبون للعلاج.. وذلك لأن الاتصال الجديد مع الروح سيقود، بوعي أو لا وعي، إلى تعامل فكري ونفسي جديد مع المرض بحيث يأخذ شكلاً جديداً من السكون والسلام العقلي والتفكير الإيجابي.. فالكثير من المرضى الراقدين في المستشفيات يقضون أيام عمرهم الأخيرة بألم أقل، وبتجانس أكثر واحترام وذلك بفضل ما نعطيهم من الأدوية.


([1])  أبو داود.

([2])  أبو نعيم في الطب ، وقد ورد موقوفا عن ابن مسعود:  إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عليكم » وهو في البخاري وغيره.

([3])  مسلم.

([4])  أبو داود، والترمذى.

([5])  مرجع برايس الطبي- الطبعة العاشرة.

([6])  أبو داود.

([7])  وقد روي أن أحدهم سأل الإمام الصادق عن رجل به مرض البواسير الشديد، وقد وصف له دواء من نبيذ لا يريد به اللذة بل يريد الدواء فقال: لا ولا جرعة. قيل: ولم؟ قال: لأنه حرام وأن الله لم يجعل في شيء مما حرمه دواء ولا شفاء.

([8])  الترمذي وغيره.

([9])  لقد حرم الله تعالى الطيبات على بعض الأمم من باب العقوبة، كما قال تعالى:) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً((النساء:160)

([10])  الطب النبوي: 124.

([11])  هناك طرق علاجية يستعملها الطب الحديث، ولكنها لا تمثل إلا جزءاً يسيراً جداً من العلاج المتداول، كالعلاج الطبيعي من تمارين ومساجات، وتعريض بالإشعاع، والكهرباء وغيرها.

([12])  يعطى لتحفيز الغدة الكظرية لإفراز الكورتيزون.

([13]) أكثر ما نورده في هذا المبحث من معلومات علمية موجودة بمواقع الطب البديل، وهي مواقع كثيرة متشابهة.

([14]) العقيلي وابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وابن عبد البر في العلم.

([15])  المعالجة المغناطيسية MAGNETOTHERAPY: هي الطريقة العلاجية التي تستعمل مغناطيساً واحداً أو أكثر على مواضع مختلفة من الجسم لتحقيق الشفاء.

([16])  أجريت تجارب على الحيوانات للنظر في إمكانية زيادة أعمارها. وقد وجد العالم الروسي الدكتور “كوماروف” البيولوجي في معهد علوم الجينات ونائب رئيس اللجنة الوطنية لإطالة العمر صناعياً بأن عمر الذباب المنزلي قد تضاعف بإطعامهم السكر الممغنط. كما أجرى تجارب على متطوعين لمعرفة التغيرات التي تطرأ على الأنسجة لإطالة العمر. وهو يأمل في إطالة عمر الإنسان إلى 400 سنة.

وأجريت تجارب أخرى لإطالة أعمار الفئران في الاتحاد السوفيتي وتوصلوا فيها إلى إطالة أعمارها بنسبة 50% من معدل العمر الطبيعي. وقد حصلت مفاجأة في أثناء التجارب وهي أن فأرة عمرها أربع سنوات ولدت في هذا السن المتقدم، بل إن العمر المعتاد لها لا يتجاوز ثلاث سنوات.

([17])    الأوستـيوباثي OSTEOPARHY: هو نظام علاجي يتعامل مع بنية الجسم، أي العظام والمفاصل والأربطة والأوتار والعضلات وكل الأنسجة الرابطة، وعلاقتها مع بعضها، وتأثيرات وضعها الصحي على أجهزة الجسم المختلفة.

([18])  وهو الطبقة التي توجد تحت الجلد مباشرة والتي تتألف من حزم من أنسجة ليفية مرنة والتي تغلف العضلات والأعصاب والأعضاء المختلفة.

([19])  العلاج بالإبر الصينية ACUPUNCTURE هي الطريقة العلاجية المعتمدة على إدخال إبر ذات هيئة معينة في نقاط معينة على جسم المريض لمدة زمنية قصيرة في الجلسات العلاجية.

([20])  فأول كتاب كتب في هذا الموضوع يعود إلى أيام الإمبراطور الأصفر هوانغ تاي الذي عاش في وقت الولايات الحربية في الصين في الفترة بين 475 و221 قبل الميلاد… ففي هذا الكتاب أمر الإمبراطور بعدم استعمال أي علاج عدا الإبر وأن يتم تدريسها وممارستها بحيث يصعب نسيانها أو العزف عنها مستقبلاً.

وهناك كتاب آخر اسمه كتاب الجبال والبحار كتب قبل أكثر من 2.000 سنة يشير إلى وجود صخور تنفع في صنع الإبر. على أن هناك من يعتقد بأن أولى الكتابات في هذا الموضوع كانت قد بدأت قبل 4.500 سنة واستمرت لمدة 1.500 سنة بحيث كتب آخر فصل منها قبل 3.000 سنة.

([21])  وذلك يؤدي ذلك إلى آلام عصبية أو فقدان الإحساس أو غير ذلك.

([22])  حيث يمكن أن يخرج الهواء من الرئة المثقوبة ويدخل في الحيز المجاور فيحدث ضغطاً يتزايد حتى يؤدي إلى توقف الرئة عن العمل والاختناق.

([23])  المعالجة الانعكاسية REFLEXOLOGY: هي تدليك نقاط معينة في القدمين بطريقة معينة بحيث يحدث ذلك تأثيرا علاجياً في مناطق الجسم المختلفة.

([24])  من الكتب التي كتبت حول العلاج حسب المناطق، أي تقسيم الجسم إلى مناطق، ما كتبه طبيبان أوروبيان في 1582 م هما الدكتور أدامز والدكتور أتاتس كما كتب الدكتور بل في لايبزغ كتاباً بعد ذلك بقليل حول نفس الموضوع.

([25])  بالإضافة إلى هذه المناطق الطولية العشرة، هناك ثلاث مناطق عرضية من الممكن أن يكون لها انعكاسات في القدمين، وهي: الخط المار بالكتفين، والخط المار بالوسط بمستوى أضلاع الصدر السفلى، والخط المار بمستوى منطقة الحوض… وقد وجدوا أن المنطقة العرضية الأولى تمثلها منطقة أصابع القدم، أما المنطقة الثانية فتمثلها المنطقة الوسطى والثالثة منطقة الكعبين.

([26])  هناك بعض المواد التي تباع في الأسواق (في الغرب) مما يعلن عنها بأنها نوع من المعالجة الانعكاسية مثل بعض الأحذية والنعال أو القطعة الخشبية الاسطوانية المحززة والتي يراد منها تقوية عضلات القدم وتنشيط الدورة الدموية. وفي حالة النعال أو الحذاء يجب مراعاة عدم انتعاله لمدة طويلة مخافة عمل التدليك بهذه الطريقة أكثر من اللازم، هذا مع أن احتمال أن يكون التدليك متوازناً بين النقاط احتمالاً ضعيفاً تماً يجعل استعمال هذه الأحذية غير محبذ.

([27]) الهوميوباثي Homeopathy: طريقة علاجية تعتمد على إعطاء المريض دواء محضراً بأسلوب خاص، بحيث أن هذا الدواء لو أعطي إلى السليم بجرعات عالية فإنه يسبب عنده نفس الأعراض المرضية الظاهرة عند المريض.

([28])  وملخص هذه المبادئ ـ والتي سنشرحها هنا ـ هو:

1- يحصل الشفاء بتوافق مع قوانين معينة موجودة في الطبيعة.

2- لا يمكن حصول الشفاء خارج هذه القوانين.

3- لا وجود للأمراض وإنما هناك أفراد مرضى.

4-المرض يكون ديناميكياً (متغيراً متحركاً) بطبيعته، ولذا فالعلاج يجب أن يكون كذلك كي يصبح فعالا.

5- لا يحتاج المريض إلا إلى دواء واحد في أية مرحلة من مراحل المرض. ولا يمكن أن يحصل الشفاء إذا لم يتم تناول هذا الدواء المعين.

([29])  مسلم.

([30])  البخاري ومسلم.

([31])  وهو أمريكي، ويعتبره البعض أعظم طبيب هوميوباثي بعد هانمان، في كتابه الموسوم « محاضرات في الفلسفة الهوميوباثية »

([32])  نسبة إلى براون.

([33])  ينص الطب الهوميوباثي على أن الطبيعة تحاول دائماً أن تبعد المرض عن الأعضاء الأكثر أهمية وعن مركز الجسم، إلا أنه بعد مدة، وعندما تتلاشى مصادر مقاومته يتقدم المرض إلى الأعضاء الأكثر عمقاً.

([34])  اليوغا YOGA: هي الطريقة العلاجية التي تستعمل حركات اليوغا لتحقيق التوازن المفقود وعلى أساس الأفكار الفلسفية لليوغا.

([35])  اليوغا كلمة مأخوذة من اللغة السنسكريتية الشرقية القديمة، وتعني التكامل أو الوحدة.

([36])  البخاري ومسلم:.

([37])  وهي تعني التوازن، وهذا النوع من اليوجا يمثل الفكرة المركزية لليوجا، وهي الترابط بين الجسم والعقل.

([38])  الحافظ الموصلي.

([39])  مسلم.

([40])  مسلم.

([41])  الترمذي.

([42])  يحضر علاج الإنقاذ عادة، بالإضافة إلى النوع السائل، على شكل مرهم للاستعمال الخارجي.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *