ثالثا ـ الشحناء

ثالثا ـ الشحناء

بعد أن انتهينا من الدراسة في القسم الثاني، وبعد أن رأيت تأثير التعاليم التي بثها الآجري في نفوس السامعين، سرت مع أهل السوق إلى القسم الثالث، وكان اسمه (قسم الشحناء)، وقد عرفنا أن شيخه هو علي بن الحسين المسعودي([1]).. وعلمنا أن له كزملائه من العلماء من المصنفات ما أثبت به تضلعه في علوم الأخلاق، وقد أضاف إلى ذلك علمه بالتاريخ وأحوال الأمم وما مر بها من قوة وضعف.. وقد رشحه كل ذلك لأن يتولى رئاسة التدريس في هذا القسم الخطير من هذه المدرسة.

بعد أن دخلنا القسم تعجبنا من تلك المعاملة الطيبة التي قابلنا بها المسعودي حتى أن أحدنا قال له: لقد ظلمك من وضعك في هذا القسم.. فأنت أستاذ في الحب والمودة لا في الشحناء والبغضاء.

ابتسم المسعودي، وقال: لا يعرف الحب والمودة ولا يقدرهما حق قدرهما إلا من عرف الشحناء والبغضاء وصلي بنارهما.. وأنا قد اخترت هذا القسم لأني جلت البلاد، وطفت دفاتر المؤرخين، وبحثت عن أسرار الصراع، فوجدتها جميعا تنطلق من جمرة الشحناء التي لا تعرف إلا الإحراق، وأول ما تبدأ به في إحراقها قلوب أصحابها.

قلنا متعجبين: قلوب أصحابها!؟

قال المسعودي: أجل.. فما الحريق الخارجي إلا شعلة من ذلك الحريق الداخلي.

قلنا: لقد ملأتنا بالعجب.. فحدثنا عن أسرار هذه الحرائق، وعن مشعلها في قلوب أصحابها.

قال المسعودي: لقد عرفتم طغيان الأنا وعتوها.. وعرفتم أن الأناني لا يبصر إلا نفسه، ولا يحب أن يبصر إلا نفسه.

قلنا: لقد تعلمنا علوم ذلك من الآجري.

قال: فذلك الطغيان الذي تمتلئ به الأنا يوقد نار الشحناء في قلب صاحبها.. فلذلك تراه لا يريد الخير إلا له.. فإن أبصر خيرا في غيره راح يشعل فيه نيران قلبه.. وعندما تشتعل النار تبدأ بقلب صاحبها.

قلنا: نراك تومئ إلى الحسد والحقد.

قال: أجل.. فالحسد والحقد هي النيران التي تريد أن تلتهم الحياة.. ولكنها في عتوها لا تلتهم إلا قلب صاحبها.

قلنا: فلم لم يسم هذا القسم باسم الحقد والحسد؟

قال: لأن الحسد والحقد ثمرتان من ثمار البغض، وشعلتان من ناره.. فالقلب الممتلئ بالشحناء والبغضاء هو الذي يوحي لصاحبه بآيات الحقد والحسد..

لقد رأيت النصوص المقدسة تنص على ذلك في مواضع كثيرة، وكأنها تدلنا على البحث عن المنبع الذي تنبع منه الآثام.. فلا يمكن أن تعالج الآثام إلا من منابعها.

اسمعوا إلى الله تعالى، وهو يحذر أولياءه من قلوب أعدائهم الممتلئة بالبغض، قال تعالى:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)} (آل عمران)

وأخبر عن سر الفرقة بين أتباع الملل، فقال مشيرا إلى ذلك بحال النصارى:{ وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14)} (المائدة)

وقال مشيرا إلى ذلك بحال اليهود:{ وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} (المائدة)

وذكر أن من العلل التي حرمت بسببها بعض المحرمات هي ما تبثه في قلوب أصحابها من بغضاء، وهو يدل على أن سد منافذ البغضاء مقصد مهم من مقاصد الشريعة، قال تعالى:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)} (المائدة)

ولهذا، فقد ورد في التوجيهات النبوية الكثيرة النهي عن البغض، وكل ما يترتب عليه، أو يوصل إليه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد اللّه إخوانا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام)([2]

وقال: (إذا فتحت عليكم فارس والرّوم، أيّ قوم أنتم؟) قال عبد الرّحمن بن عوف: نقول كما أمرنا اللّه([3]). قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (أو غير ذلك تتنافسون، ثمّ تتحاسدون، ثمّ تتدابرون، ثمّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض)([4]

وقال: (دبّ إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء. هي الحالقة. لا أقول: تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدّين، والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أفلا أنبّئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السّلام بينكم)([5])

وقال: (سيصيب أمّتي داء الأمم، فقالوا: يا رسول اللّه وما داء الأمم؟ قال: (الأشر والبطر والتّكاثر والتّناجش([6])  في الدّنيا والتّباغض والتّحاسد حتّى يكون البغي)([7]

وقال: (والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تسلموا، ولا تسلموا حتّى تحابّوا، وأفشوا السّلام تحابّوا، وإيّاكم والبغضة، فإنّها هي الحالقة، لا أقول لكم تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدّين)([8]

الحسد:

قلنا: عرفنا أصل النار، فحدثنا عن فرعها الأول.. حدثنا عن الحسد([9])، وحدثنا عن الحسود.

قال: الحسد هو النار التي تختصر هدف صاحبها في الحياة في أن يرى النعم تسلب، والبلايا تنزل.

والحسود هو المريض الذي لا يحب أن يرى غير المرضى، والمبتلى الذي لا يحب أن يرى إلا أهل البلاء.

وهو الذي لا ينال من المجالس إلّا مذمّة وذلّا، ولا ينال من الملائكة إلّا لعنة وبغضا، ولا ينال من الخلق إلّا جزعا وغمّا، ولا ينال عند النزع إلّا شدّة وهولا، ولا ينال عند الموقف إلّا فضيحة ونكالا.

وهو الظالم الذي يشبه المظلومين.. فهو في نفس دائم، وهمّ لازم، وقلب هائم.

وهو الذي وصفه الشاعر، فقال:

إنّ الحسود الظّلوم في كرب  ‍
ذا نفس دائم على نفـــــــس
  يخاله من يراه مظلوما
  يظهر منها ما كان مكتوما

وهو الذي وصفه الآخر، فقال:

إنّي لأرحم حاسدي من حرّ ما  ‍
نظروا صنيع اللّه بي فعيونهــم
  ضمّت صدورهم من الأوغار
  في جنّة وقلوبهم في النــــــــــار

قال رجل منا: عد بنا من الوصف إلى التحقيق.. فما حقيقة الحسد؟

التفت المسعودي إليه، وقال([10]): اعلم أن الحسد لا يكون إلا على نعمة، فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان: إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، وهذه الحالة تسمى حسداً.. فالحسد حده (كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه)

والحالة الثانية: أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها.. وهذه تسمى غبطة، وقد تختص باسم المنافسة، بل قد تسمى حسدا.. ولا حرج في التسمية بهذا.. ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(لا حسد إلّا في اثنتين: رجل آتاه اللّه مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ، ورجل آتاه اللّه حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها)([11])

قال الرجل: فالأولى هي الحسد؟

قال المسعودي: أجل.. وهو حرام بكل حال، إلا كراهيتك لنعمة أصابها فاجر أو كافر ليستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق، فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها، فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد، ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته.

قال آخر: إنا نرى الحسدة مختلفين.. فمنهم من يحب زوال النعمة عن المحسود، وإن كان ذلك لا ينتقل إليه.. ومنهم من يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في دار حسنة أو ولاية نافذة أو سعة نالها غيره وهو يحب أن تكون له، ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه، ومكروهه فقد النعمة لا تنعم غيره بها.. ومنهم من لا يشتهي عين النعمة لنفسه بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلاً يظهر التفاوت بينهما.. ومنهم من يشتهي لنفسه مثل النعمة فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه.

فهل لهؤلاء جميعا حكم واحد؟

قال المسعودي: معاذ الله.. فموازين الله العادلة تأبى إلا أن تفرق بين الجرائم فلا تضع الكبيرة مع الصغيرة، ولا تضع الدقيق مع الجليل.

قال الرجل: فما الفرق بين من ذكرت؟

قال المسعودي: أما الأخير، وهو من يشتهي لنفسه مثل النعمة فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عن المنعم عليه، فقد ذكرت لكم أنه أولى باسم المنافسة منه باسم الحسد، وهو معفو عنه في شؤون الدنيا، ومندوب إليه في شؤون الدين.

وأما الأول، فهو أخبثهم، وهو الحاسد الحقيقي، والثالث مذموم وغير مذموم، والثاني أخف من الثالث.

قال آخر([12]): فما الوقود الذي يمد نار الحسد بما يشعلها أو يزيدها اشتعالا؟

قال المسعودي: سبعة من حطب جهنم النفوس هي التي توقد نيران الحسد في القلوب.

قال الرجل: فما أولاها؟

قال المسعودي: العداوة والبغضاء.. وهذا أشد وقود الحسد اشتعالا، فإن من آذاه شخص وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه وغضب عليه ورسخ في نفسه الحقد.. والحقد يقتضي التشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان، وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى فمهما أصابت عدوة بلية فرح بها وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه وأنها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك لأنه ضد مراده، وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه بل أنعم عليه.

وبالجملة فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما، وغاية التقى أن لا يبغي وأن يكره ذلك من نفسه، فأما أن يبغض إنساناً ثم يستوي عند مسرته ومساءته، فهذا غير ممكن، وهذا مما وصف الله تعالى الكفار به أعني الحسد بالعداوة إذ قال الله تعالى :{.. وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)} (آل عمران)، وقال :{ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} (آل عمران)، والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه.

قال الرجل: فما الثانية؟

قال المسعودي: التعزز.. وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره.. فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علماً أو مالاً خاف أن يتكبر عليه، وهو لا يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه، وليس من غرضه أن يتكبر بل غرضه أن يدفع كبره، فإنه قد رضي بمساواته مثلاً، ولكن لا يرضى بالترفع عليه.

قال الرجل: فما الثالثة؟

قال المسعودي: الكبر.. وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه، فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته، أو ربما يتشوف إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه فيعود متكبراً بعد أن كان متكبراً عليه.. ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما حكى الله تعالى عنهم ذلك، قال تعالى :{ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)} (الزخرف)، وقال تعالى يصف قول قريش :{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} (الأنعام)

قال الرجل: فما الرابعة؟

قال المسعودي: التعجب، كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا لأنبيائهم :{.. مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)} (يس)، وقالوا:{ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)} (المؤمنون)، وقالوا :{.. مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)} (المؤمنون)

انظروا كيف تعجب هؤلاء الجاحدون من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم، وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعاً أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة، لا عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة أو سبب آخر من سائر الأسباب، بل قالوا متعجبين :{.. أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)} (الإسراء)

قال الرجل: فما الخامسة؟

قال المسعودي: الخوف من فوت المقاصد، وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فإن كان واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عوناً له في الانفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية، وتحاسد الأخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال، وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ، بل كذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم، وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهه محصورين، إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل بهم إلى أغراض له.

قال الرجل: فما السادسة؟

قال المسعودي: حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود.. وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر وفريد العصر في فنه وأنه لا نظير له، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة أو علم أو عبادة أو صناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به ويفرح بسبب تفرده.

ومن هذا الباب أتي علماء اليهود الذين أنكروا معرفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يؤمنوا به مخافة أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم.

قال الرجل: فما السابعة؟

قال المسعودي: خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى، فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص عيشهم فرح به، فهو أبداً يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته.

وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس ورذالة في الطبع عليه وقعت الجبلة، ومعالجته شديدة لأن الحسد الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة يتصور زوالها فيطمع في إزالتها، وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض فتعسر إزالته إذ يستحيل في العادة إزالته.

قال آخر: عرفنا الحطب الذي يوقد نار الحسد، فما الماء الذي يطفئ ناره؟ وما المرهم الذي يعالج به المريض المحترق بنار الحسد؟

قال المسعودي: مراهم كثيرة..

قال الرجل: فاذكر لنا منها ما عسانا ننتفع به.

قال المسعودي: أولها أن يوجه الحسد التوجيه السليم.. فتنتقل بالحسد من حالته الأولى إلى حالته الثانية.. وتنتقل من محبة زوال النعمة عن غيرك إلى محبة أن تكون لك النعم التي تنزل على غيرك..

إن ذلك يجرك إلى المنافسة والتسابق والمسارعة.. وكلها مما دعت النصوص المقدسة إليه، قال  تعالى :{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} (المطففين)

انظروا كيف وجه القرآن المتنافسين إلى الوجهة الصحيحة التي لا يصح أن يتنافسوا إلا فيها.. لقد وردت هذه الآيات في سورة المطففين، وكأنها تقول لهم: وجهوا تنافسكم على الدنيا وتسارعكم إليها إلى ذلك النعيم المقيم الذي لا يتنعم به إلا المتقون.

وفي آية أخرى يعبر عن المنافسة بالسباق، قال تعالى :{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} (الحديد).. لقد وردت هذه الآية الكريمة عقب ذكر حقيقة الدنيا.. قال تعالى فيها :{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} (الحديد)، وكأنها توجه المتحاسدين المستغرقين الدنيا إلى الوجهة الحقيقية التي لا يصح أن يوجه التنافس إلى غيرها.

وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللّه مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم للّه فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه اللّه علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه اللّه مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم للّه فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه اللّه مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فوزرهما سواء)([13]

وفي الحديث أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا : ذهب أهل الدثور([14]) بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، فقال:(وما ذاك ؟)، فقالوا : يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟)، قالوا : بلى يا رسول الله، قال: (تسبحون وتكبرون وتحمدون، دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة)، فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)([15]

قال آخر: عرفنا هذا.. فهل من علاج غيره؟

قال المسعودي: بما أن السبب الأكبر للحسد هو المزاحمة على الدنيا.. فإن العلاج الأكبر للحسد هو الترفع عن الدنيا.. ذلك أن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين، أما الآخرة فلا ضيق فيها، وإنما مثال الآخرة نعمة العلم فلا جرم من يحب معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وملائكته وأنبيائه وملكوت سمواته وأرضه لم يحسد غيره إذا عرف ذلك أيضاً، لأن المعرفة لا تضيق على العارفين، بل المعلوم الواحد يعلمه ألف ألف عالم ويفرح بمعرفته ويلتذ به، ولا تنقص لذة واحد بسبب غيره، بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس وثمرة الاستفادة والإفادة.

فلذلك لا يكون بين علماء الدين الصادقين محاسدة، لأن مقصدهم معرفة الله تعالى وهو بحر واسع لا ضيق فيه، وغرضهم المنزلة عند الله ولا ضيق أيضاً فيما عند الله تعالى لأن أجل ما عند الله سبحانه من النعيم لذة لقائه وليس فيها ممانعة ومزاحمة، ولا يضيق بعض الناظرين على بعض بل يزيد الأنس بكثرتهم.

نعم إذا قصد العلماء بالعلم المال والجاه تحاسدوا لأن المال أعيان وأجسام إذا وقعت في يد واحد خلت عنها يد الآخر، ومعنى الجاه ملك القلوب ومهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم الآخر أو نقص عنه لا محالة: فيكون ذلك سبباً للمحاسدة، وإذا امتلأ قلب بالفرح بمعرفة الله تعالى لم يمنع ذلك أن يمتلئ قلب غيره بها وأن يفرح بذلك.

والفرق بين العلم والمال أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن اليد الأخرى والعلم في قلب العالم مستقر ويحل في قلب غيره بتعليمه من غير أن يرتحل من قلبه، والمال أجسام وأعيان ولها نهاية، فلو ملك الإنسان جميع في الأرض لم يبق بعده مال يمتلكه غيره، والعلم لا نهاية له ولا يتصور استيعابه، فمن عود نفسه الفكر في جلال الله وعظمته وملكوت أرضه وسمائه صار ذلك ألذ عنده من كل نعيم، ولم يكن ممنوعاً منه ولا مزاحماً فيه، فلا يكون في قلبه حسد لأحد من الخلق لأن غيره أيضاً لو عرف مثل معرفته لم ينقص من لذته بل زادت لذته بمؤانسته، فتكون لذة هؤلاء في مطالعة عجائب الملكوت على الدوام أعظم من لذة من ينظر إلى أشجار الجنة وبساتينها بالعين الظاهرة، فإن نعيم العارف وجنته معرفته التي هي صفة ذاته، يأمن زوالها وهو أبداً يجني ثمارها؛ فهو بروحه وقلبه مغتذ بفاكهة علمه وهي فاكهة غير مقطوعة ولا ممنوعة بل قطوفها دانية، فهو وإن غمض العين الظاهرة فروحه أبداً ترتع في جنة عالية ورياض زاهرة، فإن فرض كثرة في العارفين لم يكونوا متحاسدين بل كانوا كما قال فيهم رب العالمين :{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} (الحجر)، فهذا حالهم وهم بعد في الدنيا، فماذا يظن بهم عند انكشاف الغطاء، ومشاهدة المحبوب في العقبى؟ فإذن لا يتصور أن يكون في الجنة محاسدة ولا أن يكون بين أهل الدنيا في الجنة محاسدة، لأن الجنة لا مضايقة فيها ولا مزاحمة، ولا تنال إلا بمعرفة الله تعالى التي لا مزاحمة فيها في الدنيا أيضاً، فأهل الجنة بالضرورة برءاء من الحسد في الدنيا والآخرة جميعاً، بل الحسد من صفات المبعدين عن سعة عليين إلى مضيق سجين.

قال آخر: وعينا هذا.. فهل من علاج غيره؟

قال المسعودي: العلم النافع.. فمن علم علم اليقين أن الحسد ضرر في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما.. مهما عرف هذا عن بصيرة فارق الحسد لا محالة.

قال الرجل: فسر لي هذا.. فكيف يكون الحسد ضررا علي في الدين والدينا؟

قال المسعودي: أما كونه ضرراً عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى، وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته، فاستنكرت ذلك واستبشعته.. وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين الإيمان، وناهيك بهما جناية على الدين. وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته، وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى، وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم.. وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب، وتمحوها كما يمحو الليل النهار.

وأما كونه ضرراً عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به، ولا تزال في كمد وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم، فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عليهم، فتبقى مغموماً محروماً متشعب القلب ضيق الصدر قد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك وتشتهيه لأعدائك، فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقداً، ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسدك.

قال الرجل: وعيت هذا.. ولكن كيف ينتفع المحسود بحسدي له في الدنيا والدين؟

قال المسعودي: أما منفعته في الدين: فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكره مساويه، فهذه هدايا تهديها إليه؛ أي أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلساً محروماً عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة، فكأنك أردت زوال النعمة عنه فلم تزل. نعم كان عليه نعمة إذ وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضفت إليه نعمة إلى نعمة وأضفت إلى نفسك شقاوة إلى شقاوة.

وأما منفعته في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين، ولا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد، وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة وأن تكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت بنفسك ما هو مرادهم، ولذلك لا يشتهي عدوك موتك بل يشتهي أن تطول حياتك ولكن في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة الله عليه فيتقطع قلبك حسداً. ولذلك قيل:

لا مات أعداؤك بل خلدوا  ‍
لا زلت محسوداً على نعمــة
  حتى يروا فيك الذي يكمد
  فإنما الكامل من يحســــــــد

قال آخر: وعينا هذا.. فهل من علاج غيره؟

قال المسعودي: العمل النافع..

قال الرجل: ما مرادك بذلك؟

قال المسعودي: أنتم تعلمون أن الحسد يكلف صاحبه أقوالا وأفعالا..

قال الرجل: أجل.. وإلا لما عرفنا حسد الحسود.

قال المسعودي: فالعمل النافع بناء على هذا هو أن الحاسد يكلف نفسه نقيض ما تطلبه نفسه من الأعمال، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه.. وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه.. وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه، فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد، لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان، ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصبر ما تكلفه أولاً: طبعاً آخر ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له: لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف وأن ذلك مذلة ومهانة، وذلك من خداع الشيطان ومكايده بل المجاملة – تكلفاً كانت أو طبعاً – تكسر سورة العداوة من الجانبي وتقل مرغوبها وتعود القلب التآلف والتحاب، وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض.

قال الرجل: ما أجل هذا الدواء.. ولكني أراه شديد المرارة.

قال المسعودي: نعم هو مر.. ولكن النفع في الدواء المر.. فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينقل حلاوة الشفاء.

قال الرجل: فهل تدلنا على ما يخفف مرارته؟

قال المسعودي: إنما تهون مرارة هذا الدواء بقوة العلم وبقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه.

الحقد:

قلنا: عرفنا الفرع الأول، فحدثنا عن الفرع الثاني.. حدثنا عن الحقد([16]).

قال: الحقد جمرة من جمر الغضب.. فالغضب إذا لزم كظمه لعجز صاحبه عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقداً.

قال الرجل: عرفنا وقوده، فما نيرانه التي تفيض عنه؟

قال المسعودي: سأذكر لكم سبعة منها.

قال الرجل: فما أولها.

قال المسعودي: الحسد.. فالحقد يحملك على أن تتمنى زوال النعمة عن المحقود عليه، فتغتم بنعمة إن أصابها وتسر بمصيبة إن نزلت به.

قال الرجل: فما الثانية؟

قال المسعودي: أن تزيد على إضمار الحسد في الباطن، فتشمت بما أصابه من البلاء.

قال الرجل: فما الثالثة؟

قال المسعودي: أن تهجره وتصارمه وتنقطع عنه وإن طلبك وأقبل عليك.

قال الرجل: فما الرابعة؟

قال المسعودي: أن تعرض عنه استصغاراً له.

قال الرجل: فما الخامسة؟

قال المسعودي: أن تتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة وإفشاء سر وهتك ستر وغيره.

قال الرجل: فما السادسة؟

قال المسعودي: إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه.

قال الرجل: فما السابعة؟

قال المسعودي: أن تمنعه حقه من قضاء دين أو صلة رحم أو رد مظلمة. وكل ذلك حرام.

قال الرجل: أرى أن الحقد هو أم البلايا.. وهو كالحسد نار تأكل صاحبها قبل أن تصل إلى غيره، بل قد لا تصل إلى غيره.

قال المسعودي: أجل.. فليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحسّ فضل اللّه فيها، وفقر عباده إليها، وإذا رأى أذى يلحق أحدا من خلق اللّه رثى له، ورجا اللّه أن يفرّج كربه ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا ناصع الصفحة، راضيا عن اللّه وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى، ذلك أنّ فساد القلب بالضّغائن داء عضال، وما أسرع أن يتسرّب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرّب السائل من الإناء المثلوم.

ثم سكت قليلا، ثم قال: إنّ الشيطان ربّما عجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنم، ولكنّه- وهو الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربّه، حتّى يجهل حقوقه أشدّ ممّا يجهلها الوثنيّ المخرّف، وهو يحتال لذلك بإيقاد نار العداوة في القلوب، فإذا اشتعلت استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم، وتلتهم علائقهم وفضائلهم، ذلك أنّ الشرّ إذا تمكّن من الأفئدة الحاقدة تنافر ودّها وارتدّ الناس إلى حال من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر اللّه به أن يوصل، ويفسدون في الأرض.

إنّ الحقد هو المصدر الدفين لكثير من الرذائل الّتي رهّب منها الإسلام، فالافتراء على الأبرياء جريمة يدفع إليها الحقد، وقد عدّها الإسلام من أقبح الزور، أمّا الغيبة فهي متنفّس حقد مكظوم، وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظنّ وتتبّع العورات، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم، أو خصائصهم البدنيّة أو النفسيّة، وقد كره الإسلام ذلك كلّه كراهية شديدة.

إنّ جمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنّهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما تمنّوه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكفّ أخرى، وهذه هي الطامّة الّتي لا تدع لهم قرارا، وهم بذلك يكونون خلفاء إبليس- الّذي رأى أنّ الحظوة الّتي كان يتشهّاها قد ذهبت إلى آدم- فآلى ألّا يترك أحدا يستمتع بها بعدما حرمها، وهذا الغليان الشيطانيّ هو الّذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم، كليلي اليد، وكان الأجدر بهم أن يتحوّلوا إلى ربّهم يسألونه من فضله، وأن يجتهدوا حتّى ينالوا ما ناله غيرهم، إذ خزائنه سبحانه ليست حكرا على أحد، والتطلّع إلى فضل اللّه عزّ وجلّ مع الأخذ بالأسباب هي العمل الوحيد المشروع عند ما يرى أحد فضل اللّه ينزل بشخص معيّن، وشتّان ما بين الحسد والغبطة أو بين الطموح والحقد([17]).

قال آخر: عرفنا نيران الحقد، بل رأيناها بأم أعيننا، ونحن نبحث عن الماء الذي يطفئها.

قال المسعودي: لا يمكن أن تطفأ النار، ومنبع النار يبعث بلهبه.

قال الرجل: فما منبع النار؟ وكيف نطفئه؟

قال المسعودي: لايمكن أن تطفئوا نيران الغضب ما لم تمنعوا الوقود عنه.

قال الرجل: فما الوقود الذي يهيج الغضب؟

قال المسعودي: وقود الغضب كثير.. منه الزهور والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه.. وهي جميعا أخلاق مذمومة ولا خلاص من الغضب مع بقائها.

قال الرجل: فكيف نقتل نار الشر التي تنبع منها؟

قال المسعودي: تستطيع أن تميت الزهو بالتواضع.. وتميت العجب بمعرفتك بنفسك.. وتزيل الفخر بأنك من جنس عبدك، إذ الناس يجمعهم في الانتساب أب واحد؛ وإنما اختلفوا في الفضل أشتاتاً فبنو آدم جنس واحد وإنما الفخر بالفضائل؛ والفخر والعجب والكبر أكبر الرذائل وهي أصلها ورأسها، فإذا لم تخل عنها فلا فضل لك على غيرك، فلم تفتخر وأنت من جنس عبدك من حيث البنية والنسب والأعضاء الظاهرة والباطنة؟

وأما المزاح فتزيله بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر وتفضل عنه إذا عرفت ذلك.

وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس وبصيانة النفس عن أن يستهزأ بك.

وأما التعيير فالحذر عن القول القبيح وصيانة النفس عن مر الجواب.

وأما شدة الحرص على مزايا العيش فتزال بالقناعة بقدر الضرورة طلباً لعز الاستغناء وترفعاً عن ذل الحاجة.

قال الرجل: فكيف نستعمل هذه الوصفات؟

قال المسعودي: بالرياضة والمجاهدة.. فكل خلق من هذه الأخلاق وصفة من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة، وحاصل رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها لترغب النفس عنها وتنفر عن قبحها، ثم المواظبة على مباشرة أضدادها مدة حتى تصير مألوفة هينة على النفس، فإذا انمحت عن النفس فقد زكت وتطهرت عن هذه الرذائل وتخلصت عن الغضب الذي يتولد منها([18]).

قال آخر: لقد عرفنا علاج أصل الداء.. فهل من دواء مهدئ للغضب في حال ثورانه؟

قال المسعودي: ستة علوم إن علمها الغاضب قتلت غضبه في مهده، وأطفأت ناره قبل أن تحرقه.

قال الرجل: فما أولها؟

قال المسعودي: أن يتفكر في الأخبار الورادة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال، فيرغب في ثوابه، فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام وينطفئ عنه غيظه قال مالك بن أوس ابن الحدثان: غضب عمر على رجل وأمر بضربه فقلت: يا أمير المؤمنين :{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (الأعراف)، فكان عمر يقول:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (الأعراف)، فكان يتأمل في الآية، وكان وقافاً عند كتاب الله.. ومثل ذلك أمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثم قرأ قوله تعالى :{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} (آل عمران)، فقال لغلامه: خل عنه.

قال الرجل: فما الثاني؟

قال المسعودي: أن يخوف نفسه بعقاب الله وهو أن يقول في نفسه: (قدرة الله على أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علي يوم القيامة أحوج ما أكون إلى العفو، فقد قال تعالى في بعض الكتب القديمة: يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق، وقيل: ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم إذا غضب أعطاه صحيفة فيها: ارحم المسكين واخش الموت واذكر الآخرة، فكان يقرؤها حتى يسكن غضبه)

قال الرجل: فما الثالث؟

قال المسعودي: أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمر العدو لمقابلته والسعي في هدم أغراضه والشماتة بمصائبه وهو لا يخلو عن المصائب فيخوف نفسه بعواقب الغضب في الدنيا إن كان لا يخاف من الآخرة.. وهذا يرجع إلى تسليط شهوة على غضب، وليس هذا من أعمال الآخرة ولا ثواب عليه، لأنه متردد على حظوظه العاجلة يقدم بعضها على بعض، إلا أن يكون محذوره أن تتشوش عليه في الدنيا فراغته للعلم والعمل وما يعينه على الآخرة فيكون مثاباً عليه.

قال الرجل: فما الرابع؟

قال المسعودي: أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب، ويتفكر في قبح الغضب في نفسه ومشابهة صاحبه للكلب الضاري والسبع العادي، ومشابهة الحليم الهادئ التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء، ويخير نفسه بين أن يتشبه بالكلاب والسباع وأرذال الناس وبين أن يتشبه بالعلماء والأنبياء في عادتهم لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مسكة من عقل.

قال الرجل: فما الخامس؟

قال المسعودي: أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الإنتقام ويمنعه من كظم الغيظ، ولا بد وأن يكون له سبب مثل قول الشيطان له: إن هذا يحمل منك على العجز وصغر النفس والذلة والمهانة وتصير حقيراً في أعين الناس! فيقول لنفسه: ما أعجبك! تأنفين من الاحتمال الآن ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك؟ وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس ولا تحذرين من أن تصغري عند الله والملائكة والنبيين؟ فمهما كظم الغيظ فينبغي أن يكظمه لله، وذلك يعظمه عند الله، فما له وللناس؟ وذل من ظلمه يوم القيامة أشد من ذله له انتقم الآن، أفلا يحب أن يكون هو القائم إذا نودي يوم القيامة: ليقم من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا؟ فهذا وأمثاله من معارف الإيمان ينبغي أن يكرره على قلبه.

قال الرجل: فما السادس؟

قال المسعودي: أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشيء على وفق مراد الله لا على وفق مراده، فكيف يقول مرادي أولى من مراد الله؟ ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه.

***

بقينا مع المسعودي أياما معدودات يعلمنا فيها أمراض الشحناء، ويستعمل في التنفير عنها كل ما آتاه الله من العلم والحكمة.. وبعد أن رأى أن المحيطين به قد فقهوا عنه ما أراد أن يبلغهم إياهم ويدربهم عليه، طلب منهم أن يسيروا للقسم الرابع.


([1]) أشير به إلى علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن الهُذَلي، البغدادي (235 ـ 346هـ) المؤرخ الكبير، خرج سنة (301هـ) من بغداد، وقام برحلةٍ واسعة، طاف بها في البلاد النائية المختلفة واهتمّ بدراسة أحوال الاَُمم، وعقائدها، وعاداتها، ومواطنها.

وكان موَرخاً بارعاً، وجغرافيّاً ماهراً، وفقيهاً مُفتياً أُصولياً، ومتكلّماً عارفاً بالفلسفة.. وكان له اضطلاعٌ في الاَدب وعلم النجوم والاَخلاق والسياسة والاَنساب، كما ينمّ عن ذلك مصنّفاته الكثيرة المتنوعة.

من مصنّفاته: مروج الذهب ومعادن الجوهر والاِشراف، الواجب في الفروض اللوازب، نظم الاَدلّة في أُصول الملّة، الزاهي في أُصول الدين، المقالات في أُصول الديانات، الاستبصار في الاِمامة، والهداية إلى تحقيق الولاية، والاِبانة في أُصول الديانة، والاَدعية، وطبّ النفوس، وسرّالحياة في الاَخلاق، والفهرست في الرجال، وذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور، وأخبار الاَُمم من العرب والعجم، وفنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف، وحدائق الاَذهان في ذكر آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وتفرّقهم في البلدان، وغير ذلك.

([2]) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى في الكبير.

([3]) نقول كما أمرنا اللّه: معناه نحمده ونشكره، ونسأله المزيد من فضله.

([4]) رواه مسلم.

([5]) رواه الترمذي والبزار والبيهقي وغيرهم.

([6]) الأشر: المرح وقيل: هو البطر، والبطر: هو الطغيان في النعمة، والتناجش هو أن يزيد الرجل ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها.

([7]) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.

([8]) رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الأدب.

([9]) عرفه الجرجانيّ بقوله: (الحسد تمنّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد)، وقال الجاحظ: (الحسد: هو التألّم بما يراه الإنسان لغيره وما يجده فيه من الفضائل، والاجتهاد في إعدام ذلك الغير ما هو له، وهو خلق مكروه وقبيح بكلّ أحد)، وقال الماورديّ: (حقيقة الحسد: شدّة الأسى على الخيرات تكون للنّاس الأفاضل)، وقال المناويّ: (الحسد: تمنّي زوال نعمة عن مستحقّ لها، وقيل: هو ظلم ذي النعمة بتمنّي زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد)، وقال الراغب: (الحسد تمنّي زوال نعمة من مستحقّ لها، وربّما كان مع ذلك سعي في إزالتها)

([10]) من (إحياء علوم الدين) بتصرف.

([11]) رواه البخاري ومسلم.

([12]) رجعنا في التعرف على أسباب الحسد إلى الإحياء مع التصرف الذي ألفناه في هذه السلسلة.

([13]) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح- وهذا لفظه – وابن ماجة.

([14]) الدثور: الأموال الكثيرة.

([15]) رواه البخاري ومسلم.

([16]) عرفه الجرجانيّ بقوله: الحقد: هو طلب الانتقام، وتحقيقه: أنّ الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفّي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا، وقيل: هو سوء الظنّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة (التعريفات ص 95)

([17]) انظر: خلق المسلم للشيخ محمد الغزالي ص 90- 102..

([18]) انظر التفاصيل المرتبطة بكيفية الرياضة في هذه السلسلة في محال مختلفة.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *