المقدمة

المقدمة

يتناول هذا الكتاب بالبحث والمناقشة والحوار أصلين كبيرين تتأسس عليهما جميع المعتقدات المسيحية:

أولهما: العقيدة في طبيعة المسيح وكونه إلها أو أقنوما من إله، وقولهم بالتثليث (الأب والابن والروح القدس)، وأنهم واحد في الجوهر متساوون في القدرة والمجد، وأن بين الأقانيم تمييزاً بين الوظائف والعمل.

ثانيهما: عقيدة الصلب والفداء، وهي العقيدة التي تنص على أن المسيح صلب ليكفر الخطيئة التي ارتكبها آدم تحت تأثير زوجته حينما أكلا من الشجرة المحرمة، وانتقلت الخطيئة بطريق الوراثة إلى جميع نسله، وكانت ستظل عالقة بهم إلى يوم القيامة، لولا أن افتداهم المسيح بدمه كفارة عن خطاياهم.

وهو يناقش هاتين العقيدتين بهدوء مستخدما العقل والنقل، أو الفطرة والكتاب المقدس، ففي كليهما نجد ما يفند هاتين العقيدتين، ويعطي البدائل الصحيحة عنهما.

وهو يخاطب صنفين من الناس:

أولهما: أولئك الصادقين المخلصين من المسيحيين الذين امتلأوا حبا وتعظيما للمسيح إلى الدرجة التي أخرجوه بها عن حقيقته ووظيفته التي كلفه الله بها، ونحن نخاطب في هذا الكتاب عقولهم وعواطفهم معتمدين مصادرهم المقدسة التي يؤمنون بها كما نؤمن نحن أيضا بكثير مما ورد فيها.

ونقول لهم في هذا الكتاب، وعبر الحوارات الواردة فيه أننا مثلكم نحب المسيح ونعظمه ونعتقد فيه الولاية والقديسية والنبوة والرسالة والربانية، وكلها حقائق عظيمة تملأ القلب له محبة ومهابة وتعظيما لا يقل عن تلك المحبة والمهابة والتعظيم التي توجهونها إليه..

بل إننا لا نختلف عنهم في اعتقاد الولاية التكوينية للمسيح، وأن الله يجري على يديه من التكوينات ما شاء، وأننا يمكن أن نتواصل معه كما كان يتواصل معه الحواريون، ويمكننا أن نتوسل به إلى الله، ونستغيث به كما كان يفعل المرضى والمقعدون، وأنه يمكنه ـ كما كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويرد للمشلول قوته وعافيته ـ أن يفعل ذلك الآن أيضا، لكنه لا يفعله إلا بإذن الله Pمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِO [البقرة: 255]

ونقول لهم بأنه لا يهمنا أن تطلقوا عليه اسم [يسوع] أو [المسيح] أو [المخلص]، فكل هذه أسماء وألقاب صحيحة لا حرج فيها، ونحن نسلم لكم بها، بل نسميه كما تسمونه أيضا.. ولكنا لا نسميه [ابن الله] إلا إذا أردتم بذلك ما أراده الكتاب المقدس نفسه من الولاية والنبوة والربانية والمكانة الرفيعة.

وبذلك لن تتضرروا بتخلصكم من تلك العقائد التي يعافها العقل، ويرفضها الذوق، ويخالفها الكون جميعا، لأن علاقتكم بالمسيح لن تتضرر، بل لعلها تزداد صدقا وحقانية..

الثاني: هم أولئك المسلمين البسطاء الذين تألموا لكل ما يرونه في بلاد المسلمين من جرائم باسم الدين، فراحوا يبحثون عن أي عقيدة تخلصهم من الشتات النفسي الذي أصابهم، فوجدوا من المبشرين من يدعوهم إلى [يسوع المحبة]، فراحوا يتصورون أن هذه العقيدة هي العقيدة الصحيحة، لا العقيدة في الإله المتجبر الذي رسمه لهم الدعاة المحرفون للإسلام.

ونحن ندعوهم من خلال هذا الكتاب إلى مراجعة أنفسهم، لتنسجم عقولهم مع قلوبهم، وليوقنوا أن وجود المحرف في الإسلام لا يلغي وجود الأصالة، وأن وجود الكذابين والمزورين لا يلغي وجود الصادقين والمحققين.

وننبه القراء الكرام إلى أننا لم نأت في هذا الكتاب بجديد، فكل الطروحات الموجودة فيه موجودة في تراث السلف والخلف ممن اهتموا بالحوار الإسلام المسيحي، ولذلك لم نهتم كثيرا بالتوثيق للمصادر والمراجع المعتمدة.. لكن الميزة التي قد تميزه عن غيره هي لغة الحوار، فقد حاولت تبسيطها ليفهمها العام والخاص، لأن الكثير ممن بدلوا دينهم، وتحولوا إلى المسيحية لم يتحولوا إلا بسبب كونهم عوام بسطاء لا حظ لهم من العلم أو الثقافة، فلذلك تأثروا بالخطاب العاطفي أكثر من تأثرهم بالحجاج العقلي.

والميزة الثانية هي الأدب في الحوار مع الآخر، فقد رأيت الكثير من الكتب والمنتديات تتناول هذه المسائل بطريقة ساخرة، مملوءة بالسباب والشتائم، وهو مخالف لديننا، فنحن لم نؤمر أن نقول للناس سوءا، بل أمرنا أن نقول لهم حسنا، Pوَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًاO [البقرة: 83]، وأمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن، Pوَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُO [النحل: 125]

والكتاب يتشكل من قصتين منفصلتين كل واحدة منهما تعالج أصلا من الأصول، مستخدمة أساليب الحوار والجدال والمناقشة، وهي الأساليب التي حبذنا استعمالها في هذه السلسلة لتتيح لنا فرصة أكبر لمخاطبة العقول والقلوب.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *