عاشرا ـ الآثار

في اليوم العاشر.. كانت المحاضرات الملقاة عن علم الآثار في القرآن الكريم، وقد أبرزت أهمية هذا العلم، ودعوة القرآن للنظر في مصير الأمم والحضارات.
وقد وافق ما ألقي ـ بالرغم من طريقة إلقائه التي غلب عليها ما سبق ذكره من الاهتمام بالنقول والبلاغة والإعراب ـ هوى في نفس صاحبي عالم الآثار.
ذلك أن هذا العالم كان يختلف كثيرا عن علماء الآثار الذين عرفتهم..
وسر ذلك أنه كان يعيش الآثار، ولا يراها فقط..
حدثني في لقاءاتي معه عن الكثير من الآثار الجليلة التي رآها.. والتي كانت مبعث فخر بالنسبة للأمم التي وجدت فيها.. لكنه كان يتحدث، وكأنه يبكي..
كان ينظر إلى تلك الآثار من زوايا مختلفة.. تنصرف عنها أكثر أنظار الناس.
قال لي: أنا لا أنظر إلى الأهرام من الجانب العمراني فقط.. أنا أنظر إليها أيضا، وقبل ذلك، من الجانب الإنساني.. أنا أكاد أرى أولئك الرجال الذين أنهكتهم الحجارة الثقيلة، وهم يحملونها من أماكن بعيدة، والسياط تلهب ظهورهم..
وأكاد أرى أولئك العبيد المستسخرين في خدمة السيد الروماني، وهم يؤسسون المسارح، ويبنونها، ومع كل صخرة يضعونها يضعون كثيرا من دمائهم وعرقهم.
وفوق ذلك.. أرى هذه الآثار نعيا ينعانا.. لقد تجبرنا في الأرض كما تجبر قبلنا الفرعنة والرومانيون.. وسيأتي اليوم الذي نصبح فيه رمما، ويصبح عمراننا أطلالا ليرانا من بعدنا كما رأينا من قبلنا.
كان هذا الكلام هو التعبير المناسب عن نفس صاحبي.. ولذلك كان قريبا جدا من الدين، فقد كان شديد التواضع، جم الأدب، كثيرا الاهتمام بزوال الحياة ودوامها.
ولكنه مع ذلك كان شديد البعد من المسيحية.. ومن الكتاب المقدس على الخصوص.. ومن العهد القديم بالذات.
لقد صارحني بذلك.. وأخبرني أن تمجيد الكتاب المقدس للكثير من الظلمة لا يدل على مصدره الإلهي.. فالإله الذي صمم الكون لا ينبغي إلا أن يكون رحيما لطيفا ودودا..
ألقى صاحبي هذا محاضرته..
وفي المساء سرنا لمتحف تاريخي.. لنلتقي هناك بعلي بعد أن أعلمته عن طريق صديقه حذيفة بمحل لقائنا وزمانه.
في المتحف وقف صاحبي عالم الآثار يشرح لي كيفية معرفة التواريخ عن طريق الآثار..
قلت: أنا لا أزال متعجبا كيف استطاع هذا العلم أن يكتشف الكثير من التفاصيل التاريخية بالرغم من عدم وجود آثار مكتوبة.
عالم الآثار: كثيرا ما نجد وثائق مكتوبة، وهي تساعدنا كثيرا في معرفة التورايخ وتفاصيلها، بل تساعدنا على معرفة الحياة الاجتماعية وعلاقاتها.
وسأضرب لك مثالا على ذلك بما اكتشفه علم الآثار عن كوارث حلت بمصر في زمن المملكة الوسطى([1]).. وهذا لم يكتشف إلا في عام 1909 عندما عثر علماء الآثار على كتاب من ورق البردي دون عليه أحد رجال قصر فرعون النكبات التي حلت بمصر في عصر المملكة الوسطى، وقد تم الاحتفاظ بهذا المخطوط الهام في متحف (ليدن) في هولندا، وقام بترجمته الباحث والخبير في تاريخ مصر القديمة أ. هـ كاردنير (A.H.Gardiner)، ومما ورد فيه:(الوباء في كل أنحاء الأرض، الدم في كل مكان.. النهر هو كالدم.. نتيجة للهلاك الذي حل البارحة لقد استلقى الناس متعبين مثل الكتان المقطع.. إن مصر الدنيا تبكي، القصر بكامله دون موارده التي كان ترده من القمح والشعير والأوز والسمك.. المغفرة لقد هلكت البذور في كل جانب.. إن الارتباك والضجة المخيفة امتدت في كل الأرض لم يكن هناك خروج من القصر ولم يستطع أحد رؤية وجه رفيقه لمدة تسعة أيام لقد تدمرت البلدان بالمد المحتوم لقد عانت مصر العليا من الخراب.. الدم في كل مكان وكان ينتشر الطاعون في جميع أنحاء البلاد لا أحد حقاً سيبحر إلى بيبلوس اليوم ماذا سنفعل من أجل الأوز من أجل موميائنا؟ لقد نضب الذهب.. لقد عاد الرجال مشمئزين من تذوق الكائنات الحية وهم متعطشين للماء.. ذلك هو ماءنا وتلك هي سعادتنا ماذا ستنفل بالنسبة لذلك؟ كل شيء تدمر.. لقد تدمرت البلدان وأصبحت مصر العليا قاحلة.. لقد انقلبت المساكن بلحظة)
كا صاحبي عالم الآثار يقرأ من ذاكرته هذه الكلمات، وهو متأثر شديد التأثر، وكأنه يعيش تلك النكبات.
فجأة ظهر علي، وهو يقرأ بصوت رخيم قوله تعالى:{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}(الأعراف)
تسمر صاحبي في مكانه، وهو يسمع هذه الآيات، وقال لي: أليس هذا هو قرآن المسلمين؟
قلت: أجل..
قال: ادع لي هذا الرجل القارئ.. إنه يتحدث عن نفس ما أحدثك عنه.
دعوت عليا، فقال له عالم الآثار: هل تعلم أن ما ذكرته حل بالمصريين في عهد المملكة الموسطى؟
علي: أنا لا أعلم هذه التفاصيل.. ولكني أعلم أن المصريين بسبب بغيهم وعدوانهم حصلت لهم هذه النكبات.. فالقرآن الكريم لا يهتم بالزمان والمكان بقدر ما يهتم بالعلل والسنن.
عالم الآثار: ولكن من أدرى محمدا بعلم هذا.. لقد كانت الحضارة الفرعونية في الزمن الذي جاء فيه محمد مندثرة ومدفونة تحت طبقات من الرمال الصحراوية في وادي الملوك بمصر لم يسمع بها محمد، ولا قوم محمد.. ولا حتى أهل مصر أنفسهم.. لم يكونوا يعرفوا شيئاً عن تفاصيلها إلا بعض الأساطير والأخبار المغلوطة وبعض الإشارات الغامضة في التوراة، والتي كان الكثير منها مليئاً الأخطاء التاريخية، ولم تتمكن البشرية من اكتشاف أسرار الحضارة الفرعون إلا في مطلع القرن الثامن عشر عند وصول الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون، والذي أصطحب معه عالم الآثار الشهير شامبليون الذي أكتشف حجر رشيد، والذي تم من خلاله فك رموز الكتابة الفرعونية.
سكت قليلا، ثم قال: سمعت في الأيام الماضية أن القرآن تحدث عن كثير من الحقائق التي جاءت بها العلوم.. فهل فيه شيء من هذا العلم.. علم الآثار.
علي: هذا علم شريف.. دعانا القرآن الكريم إلى تعلمه.. بل إن القرآن الكريم يأمر بالسير في الأرض والبحث في الآثار، لا للتمتع بمناظرها أو التعجب من محاسنها، وإنما للاعتبار من مصير الظلمة الذين يدل عمرانهم على مبلغ قوتهم لتأخذ من ذلك العبر،قال تعالى:{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (الروم:9)
وهذا هو موقف القرآن من البحث في الآثار والتنقيب عنها ودراسة أحوال أهلها وأحوال التاريخ جميعا ،ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدخول إلى ديار الظلمة إلا بصحبة البكاء والخشوع ،قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ،فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم)
بل ورد النهي عن الاستقاء بمائهم أو استعماله ،فعندما نزل صلى الله عليه وآله وسلم بالحجر في غزوة تبوك، وقد كان منازل لثمود، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها، فقالوا:قد عجنا منها واستقينا، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء.
عالم الآثار: هذا الأمر العام.. وهو يدل على عمق المعاني التي ينطلق منها القرآن.. فهل ورد في القرآن بعض التفاصيل المرتبطة بهذا؟
علي: مثل ماذا؟
عالم الآثار: مثل ما كنت تقرؤه..
علي: القرآن الكريم يقص علينا أخبار الأمم، لنأخذ منها العبرة.
عالم الآثار: فاقرأ علي مثلما كنت تقرأ لأقارن ذلك بما ورد في علم الآثار.
علي: فلنواصل الحديث عن المصريين.. لقد ذكر القرآن الكريم نجاة بدن فرعون وحفظه لها لتكون آية لمن خلفه، فقال تعالى:{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}(يونس)
عالم الآثار: أأنت متأكد مما تقرأ؟
علي: كيف لا أكون متأكدا.. هذا كلام الله، ونحن نحفظه، والمسلمون يحفظونه من مئات السنين لا يخلفون منه حرفا واحدا.
عالم الآثار: فما قرأته يشير إلى حقيقة علمية عظيمة اكتشفها علم الآثار بعد جهود طويلة ([2]).
فرواية التوراة بشأن خروج اليهود مع موسى من مصر تؤيد بقوة الفرضية القائلة بأن منفتاح خليفة رمسيس الثاني هو فرعون مصر في زمن موسى، والدراسة الطبية لمومياء منفتاح قدمت لنا معلومات مفيدة أخرى بشأن الأسباب المحتملة لوفاة هذا الفرعون.
علي: فقد اتفقت التوراة مع القرآن في هذا.
عالم الآثار: ولكنها اختلفت في ذكر هذه الحقيقة.. فالتوراة تذكر أن الجثة ابتلعها البحر، ولا تعطي تفصيلاً بشأن ما حدث لها لاحقاً، أما القرآن الذي قرأته الآن، فذكر أن جثة فرعون سوف تنقذ من الماء.
وهذا ما حصل بالفعل.. فقد جاءت نتائج التحقيقات الطبية لتدعم الفرضية السابقة، ففي عام 1975جرى في القاهرة انتزاع خزعة صغيرة من النسيج العضلي، بفضل المساعدة القيمة التي أسداها الأستاذ Michfl Durigon ،وأظهر الفحص الدقيق بالميكروسكوب حالة الحفظ التامة لأصغر الأجزاء التشريحية للعضلات.
وهذه النتائج تشير إلى أن مثل هذا الحفظ التام لم يكن ممكناً لو أن الجسد بقي في الماء بعض الوقت، أو لو أن البقاء خارج الماء كان طويلاً قبل أن يخضع لأولى عمليات التحنيط.
بالإضافة إلى هذا، فقد جرت الدراسات الطبية الشرعية للمومياء بمساعدة Ceccaldi مدير مخبر الهوية القضائية في باريس والأستاذ Durigon، وسمحت لنا بالتحقق من وجود سبب لموت سريع كل السرعة بفعل كدمات جمجمية مخية سببت فجوة ذات حجم كبير في مستوى صاقورة القحف مترافقة مع آفة رضية، ويتضح أن كل هذه التحقيقات متوافقة مع قصص الكتب المقدسة التي تشير إلى أن فرعون مات حين ارتد عليه الموج.
سكت قليلا، ثم قال: أعد علي ما قرأته.
أعاد علي قراءة الآيات، فقال: إن هذه الكلمة { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَة} خطاب لي أنا عالم الآثار.. إنها آية كافية لتدلني على صدق القرآن وصدق محمد.
ففي العصر الذي وصل فيه القرآن للناس عن طريق محمد، كانت جثث كل الفراعنة ـ الذين شك الناس في العصر الحديث صواباً أو خطاً أن لهم علاقة بالخروج ـ كانت مدفونة بمقابر وادي الملوك بطيبة على الضفة الأخرى للنيل أمام مدينة الأقصر الحالية.. وفي عصر محمد كان كل شيء مجهولاً عن هذا الأمر، ولم تكتشف هذه الجثث إلا في نهاية القرن التاسع عشر، وبالتالي فإن جثة فرعون موسى التي مازالت ماثلة للعيان إلى اليوم تعد شهادة مادية في جسد محنط لشخص عرف موسى، وعارض طلباته، وطارده في هروبه ومات في أثناء تلك المطاردة، وأنقذ الله جثته من التلف التام ليصبح آية للناس كما ذكر القرآن.
هذه المعلومة التاريخية عن مصير جثة فرعون لم تكن في حيازة أحد من البشر في عهد محمد، ولا في العهود التي تلته.. فمن أنبأ محمدا بكل هذا، وبهذه الدقة العجيبة!؟
علي: بهذه المناسبة.. لقد ذكر القرآن الكريم أن وزير فرعون يقال له (هامان) فقال تعالى:{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } (القصص:38)، وقال تعالى:{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ } (غافر:36).. وقد شنع علينا الكثير بسبب هذا.
عالم الآثار: لم؟
علي: لقد ذكروا أن هامان المذكور في القرآن في ستة مواضع مختلفة كأحد المقربين إلى فرعون ليس له وجود إلا في آيات القرآن.. ذلك أن التوراة لم تذكر أن هامان كان في حياة موسى على الإطلاق.. هي لم تذكر إلا هامان الذي كان وزيراً وخليلا لأحشوريش ملك الفرس الذي يدعوه اليونان زركيس.
ابتسم عالم الآثار، وقال: وهذه آية أخرى تدل على صدق محمد، فخلال ترجمة نقش من النقوش المصرية القديمة تم الكشف عن اسم (هامان)، وهذا الاسم أشير إليه في لوح أثري في متحف هوف في فينا، وفي مجموعة من النقوش كشفت لنا أن هامان كان في زمن تواجد موسى في مصر، وقد رُقي إلى أن أصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية.
وقد سجل كتاب (Pharaoh Triumphant the life and times of Ramesses II K.A. Kitchen)، الكثير من المعلومات عن هامان: منها ([3]):(كان الشاب آمن (= هامن / هامان) ام اينت Amen em inet في مثل سن الأمير (رمسيس 2) ورفيق صباه، فلما أصبح رمسيس نائبا للملك ووريثا للعرش أصبح الفتى بالتبعية رفيقه وتابعه ففتح له الطريق لمستقبل زاهر وهي ما تحقق فعلا.
وكان لآمن ام اينت Amen em inet (هامان) أقارب ذوو نفوذ منهم عمه كبير كهنة الإله مين والإلهة ايزيس بقفط (شمال طيبة) وقائد فيالق النوبة، أي الساعد الأيمن لنائب الملك في النوبة.
ومنهم الفتى باكن خنسو مدرب الخيول الملكية الذي التحق بعد ذلك بالسلك الكهنوتي المستديم في خدمة آمون بطيبة.
وفي موضع آخر من الكتاب قال: رقّى الملك رفيق طفولته آمن ام اينت Amen em inet (هامان) إلى وظيفة قائد المركبات الملكية Royal Charioteer وناظر للخيل Super Intendent of Horse ([4]).
علي: وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:{ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ }(القصص:6)
عالم الآثار: وفي موضع آخر قال: وكان من علية القوم من اتخذ من الخدمة العسكرية ذريعة للوثوب إلى الوظائف المدنية العليا ،وقد تعرفنا من هؤلاء على..، وآمن ام اينت (هامان) القائد بسلاح المركبات ثم ميليشيات المدجاي Chief of Medjay-Militia، بعدها عين مديرا للمصانع (وزير صناعة} ([5]).
علي: إن هذه الوظيفة تتناسب تماما مع ما نص عليه القرآن في قوله تعالى:{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } (القصص:38)
علي: في هذا السياق بالذات.. لقد لقب القرآن الكريم حكام مصر القدامى بلقب (فرعون) في حوالي ستين آية كريمة.. ولكنه في سورة واحدة ذكر حاكم مصر بلقب (ملك)، وذلك في قوله تعالى:{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ } (يوسف:43) ففي هذه السورة كما سمعت لم يذكر لقب فرعون مع أن يوسف u عـاش في مصر، وهذا بخلاف التوراة التي تسمي ملك مصر في وقت يوسف u بفرعون.
عالم الآثار: صدق القرآن.. وهذا ما يدل على دقته العلمية ([6]).. فمن خلال حجر رشيد وتعرفنا على الكتابة الهيروغلوفية في أواخر القرن التاسع عشر، وتعرفنا على تاريخ مصر في مطلع القرن الحالي بشكل دقيق عرفنا أن حياة يوسف في مصر كانت أيام الملوك الرعاة (الهكسوس) الذين تغلبوا على جيوش الفراعنة، وظلوا في مصر من 1730 ق.م إلى 1580 ق.م حتى أخرجهم أحمس الأول، وشكل الدولة الحديثة (الإمبراطورية).
لذلك كان القرآن دقيقاً جداً في اختيار كلماته فلم يقع في الخطأ الذي وقعت فيه التوراة.
عالم الآثار: لقد شوقتني للاطلاع على ما في القرآن من هذه المعارف الجليلة، فهل هناك غيرها؟
علي: القرآن الكريم مليئ بمثل هذا.. وسأقرأ عليك الآن نبأ حضارة من الحضارات كان المشاغبون من سائر الأديان يستهزئون بالقرآن الكريم لذكره لها بسبب عدم ورودها في الكتاب المقدس.
عالم الآثار: وما هذه الحضارة؟
علي: هي حضارة عاد([7])، وقد أخبر القرآن الكريم أن قوم عاد بنوا مدينة اسمها (إرم) وصفها القرآن بأنها كانت مدينة عظيمة لا نظير لها في تلك البلاد قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)} (سورة الفجر).
وقد أخبر عن المكان الذي توجد به هذه المدينة، فقال:{ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الاحقاف:21).
فقد حدد القرآن مكان قوم عاد، وأنه في الأحقاف، والأحقاف جمع حقف، وهي الرمال، ولم يعيين القرآن موقعها، إلا أن الإخباريين كانوا يقولون إن موقعها بين اليمن وعُمان..
ويحدث القرآن أن عادا لم يقوموا بحق الشكر لنعم الله عليهم، بل انغمسوا في الشهوات، وتكبروا في الأرض، فقال لهم هود:{ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)}(الشعراء)
فقد أشارت هذه الآيات إلى أن قوم عاد كانوا مشهورين في بناء الصروح العظيمة والقصور الفارهة، ولما عصوا رسولهم أنزل الله تعالى عليهم العذاب وذلك بأن أرسل عليهم ريحاً عاصفة محملة بالغبار والأتربة والتي غمرتهم وقضت عليهم، كما قال تعالى:{ وَأَمَّا عَاد فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (الحاقة:6)
عالم الآثار: إن ما قرأته من القرآن يدل على أن قوم هود كانوا يسكنونه في الأحقاف، والأحقاف هي الأرض الرملية، والتي حددها المؤرخون بين اليمن وعمان.
وأنه كان لقوم عاد بساتين وأنعام وينابيع.. وأنهم بنوا مدينة عظيمة تسمى إرم ذات قصور شاهقة لها أعمدة ضخمة لا نظير لها في تلك البلاد.. وأنهم كانوا يبنون القصور المترفة والصروح الشاهقة.. وأنهم لما كذبوا هوداً أرسل عليهم الله تعالى ريحاً شديدة محملة بالأتربة قضت عليهم وغمرت دولتهم بالرمال.
علي: أجل.. ما قرأته يدل على كل هذا.
عالم الآثار: إن كل هذا مما كشفه علم الآثار.. فقبل فترة وجيزة امتلأت الجرائد العالمية الكبرى بتقارير صحفية تعلن عن (اكتشاف مدينة عربية خرافية مفقودة)، و(اكتشاف مدينة عربية أسطورية)، و(أسطورة الرمال (عبار)
وقد اكتشف هذه المدينة التي ذكرها القرآن (نيكولاس كلاب)، وهو عالم آثار هاو، وقد عثر على كتاب مثير جداً بينما هو يبحث حول التاريخ العربي، بعنوان (أرابيا فيليكس) ([8]) لمؤلفه (بيرترام توماس) الباحث الإنجليزي الذي ألفه عام 1932.. وقد ذكر الكاتب أنه اكتشف آثاراً لمدينة قديمة، كان يطلق عليها البدو اسم (عُبار).
لكن (توماس) الذي أبدى اهتماماً شديداً بالموضوع، توُفِى قبل أن يتمكن من إكمال بحثه.
وبعد أن راجع (كلاب) ما كتبه الباحث الإنجليزي، اقتنع بوجود تلك المدينة المفقودة التي وصفها الكتاب، ودون أن يضيع المزيد من الوقت بدأ بحثه، وقد استخدم (كلاب) طريقتين لإثبات وجود مدينة (عُبار)
أولهما: أنه عندما وجد أن الآثار التي ذكرها البدو موجودة بالفعل، قدم طلبا للالتحاق بوكالة ناسا الفضائية ليتمكن من الحصول على صور لتلك المنطقة بالقمر الصناعي، وبعد عناء طويل، نجح في إقناع السلطات بأن يلتقط صوراً للمنطقة.
وثانيهما: أنه قام بدراسة المخطوطات والخرائط القديمة بمكتبة (هانتينجتون) بولاية كاليفورنيا بهدف الحصول على خريطة للمنطقة. وبعد فترة قصيرة من البحث وجد واحدة، وكانت خريطة رسمها (بطلمى) عام 200 ميلادية، وهو عالم جغرافي يوناني مصري، وتوضح الخريطة مكان مدينة قديمة اكتُشفت بالمنطقة، والطرق التي تؤدى إلى تلك المدينة.
وفي الوقت نفسه، تلقى أخباراً بالتقاط وكالة ناسا الفضائية للصور التي جعلت بعض آثار القوافل مرئية بعد أن كان من الصعب تمييزها بالعين المجردة، وإنما فقط رؤيتها ككل من السماء.
وبمقارنة تلك الصور بالخريطة القديمة التي حصل عليها، توصل (كلاب) أخيراً إلى النتيجة التي كان يبحث عنها؛ ألا وهى أن الآثار الموجودة في الخريطة القديمة تتطابق مع تلك الموجودة في الصور التي التقطها القمر الصناعي.
وبعد فترة وجيزة، بدأت عمليات الحفر، وبدأت الرمال تكشف عن آثار المدينة القديمة، ولذلك وُصفت المدينة القديمة بأنها (أسطورة الرمال عبار)
علي: لقد وصف القرآن الكريم هذه المدينة بكونها ذات عمد، فهل كشفت الآثار عن ذلك؟
عالم الآثار: أجل.. لقد كانت الأعمدة الضخمة التي أشار إليها القرآن بوجه خاص من ضمن الأبنية التي كشفت عنها الرمال.
حتى أن د. زارينز، وهو أحد أعضاء فريق البحث وقائد عملية الحفر، قال:(إنه بما أن الأعمدة الضخمة تُعد من العلامات المميزة لمدينة (عُبار)، وحيث أن مدينة (إرَم) وُصفت في القرآن بأنها ذات العماد أي الأعمدة الضخمة، فإن ذلك يعد خير دليل على أن المدينة التي اكتُشفت هي مدينة (إرَم) التي ذكرت في القرآن الكريم)
علي: لقد ذكر القرآن الكريم ما حصل لهذه المدينة، فقال:{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ } (فصلت:16)، فهل عرف علماء الآثار كيفية هلاك هذه المدينة؟
عالم الآثار: أجل.. لقد ذكروا أن مدينة إرم أو (عُبار) تعرضت إلى عاصفة رملية عنيفة أدت إلى غمر المدينة بطبقات من الرمال وصلت سماكتها إلى حوالي 12 متر.
علي: لقد ذكر القرآن الكريم أن تلك الأرض التي كانت بها عاد أراض خصبة، تمتلئ بكل أصناف الخيرات، ولم تكن صحراء كما هي اليوم، فقد قال تعالى على لسان نبي الله هود:{ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(135)}(الشعراء)
عالم الآثار: صدق القرآن في ذلك.
علي: ولكن الذي يسافر إلى جزيرة العرب يلاحظ انتشار الصحارى بكثرة في معظم المناطق باستثناء المدن والمناطق التي زرعت لاحقاً.
عالم الآثار: وذلك مما يثير العجب فيما ذكره القرآن.
لقد كشفت السجلات التاريخية أن هذه المنطقة تعرضت إلى تغيرات مناخية حولتها إلى صحارى، بينما كَانتْ قبل ذلك أراض خصبة مُنْتِجةَ، فقد كانت مساحات واسعة مِنْ المنطقةِ مغطاة بالخضرة كما أُخبر القرآنِ.
وقد كَشفَت صور الأقمار الصناعية التي التقطها أحد الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا عام 1990 عن نظامَ واسع مِنْ القنواتِ والسدودِ القديمةِ التي استعملت في الرَيِّ في منطقة قوم عاد، والتي يقدر أنها كانت قادرة على توفير المياه إلى 200.000 شخصَ، كما تم تصوير مجرى لنهرين جافين قرب مساكن قوم عاد.
وقد قال أحد الباحثين الذي أجرى أبحاثه في تلك المنطقة:(لقد كانت المناطق التي حول مدنية مأرب خصبة جداً، ويعتقد أن المناطق الممتدة بين مأرب وحضرموت كانت كلها مزروعة)
كما وَصفَ الكاتبُ القديم اليونانيُPliny هذه المنطقةِ أنْها كانت ذات أراض خصبة جداً، وكانت جبالها تكسوها الغابات الخضراء، وكانت الأنهار تجري من تحتها.
بل قد وجدت بعض النقوشِ في بَعْض المعابدِ القديمةِ قريباً من حضرموت، تصور بعض الحيوانات مثل الأسود التي لا تعيش في المناطق الصحراوية، وهذا ما يدل على أن المنطقة كانت كما وصفها القرآن.
***
ما وصل الحديث بنا إلى هذا الموضع حتى أذن آذان المغرب، فامتلأ وجه علي بسرور عظيم، وقال: إن ربي يدعوني إليه.. وينبغي أن أسرع.. إن كل من ترونهم في هذا المتحف قد دعوا من قبل.. فمنهم من أجاب، ومنهم من لم يجب.. ولا يسعد إلا من أجاب..
قال ذلك، ثم أتى بمصحف، وقدمه لصديقنا عالم الآثار، وقال: هذا كلام الله الذي يتضمن حقائق الأزل.. فاقرأه بقلبك لتعيش الحياة التي لا موت بعدها.. ولن تحتاج حينها إلى أي أثر يدل عليك.. لأنك ستغيب في الأنوار التي لن تنطفئ.
أمسك
صاحبي عالم الآثار بالمصحف.. فشعرت ـ بمجرد إمساكه له ـ بأنوار كثيرة بدأت تتنزل
عليه.. وبمثلها شعرت ببصيص من النور يتنزل علي، اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
([1])انظر: موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، وكتب هارون يحي.
([2])انظر في هذا الموضوع: القرآن والعلم الحديث / د. موريس بوكاي، وكتاب القرآن والعلم المعاصر الدكتور موريس بوكاي ترجمة د. محمد إسماعيل بصل د. محمد خير البقاعي، ودراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة د. مريس بوكاي، ص 269 دار المعارف ط 4 / 1977.
وموريس بوكاي طبيب فرنسي جراح من اشهر أطباء فرنسا، اعتنق الإسلام بعد دراسة مستفيضة للقرآن الكريم وإعجازه العلمي.
([3]) رمسيس الثاني ،فرعون المجد والانتصار، ترجمة د.أحمد زهير أمين، ص 55.
([4])رمسيس الثاني ،فرعون المجد والانتصار، ص 73.
([5])رمسيس الثاني ،فرعون المجد والانتصار، ص 199.
([6]) انظر: الإنسان بين العلم والدين: د. شوقي أبو خليل، ص112.
([7])انظر: مع الأنبياء، لعفيف طبارة. . من آيات الإعجاز في القرآن الكريم، الدكتور زغلول النجار .. موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
([8]) وهي الاسم الروماني للجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، والتي تضم اليمن والجزء الأكبر من عمان، وقد أطلق اليونان على تلك المنطقة اسم (العرب السعيد) وأطلق عليها علماء العرب في العصور الوسطي اسم (اليمن السعيد)، وسبب تلك التسميات أن السكان القدامى لتلك المنطقة كانوا أكثر من فى عصرهم حظاً.
و السبب في ذلك يرجع إلى موقعهم الاستراتيجي من ناحية؛ حيث أنهم اعتُبروا وسطاء في تجارة التوابل بين بلاد الهند وبلاد شمال شبه الجزيرة العربية، ومن ناحية أخرى فإن سكان تلك المنطقة اشتهروا بإنتاج (اللبان) وهو مادة صمغية عطرية تُستخرَج من نوع نادر من الأشجار، وكان ذلك النبات لا يقل قيمة عن الذهب حيث كانت المجتمعات القديمة تُقبل عليه كثيراً.