سابعا ـ حماية

سابعا ـ حماية

في اليوم السابع..

لم أنتظر بولس، فقد أخبرني بعدم تمكنه من زيارتي اليوم، فلذلك بقيت أفكر أين أذهب، وبمن أتصل، وفجأة خطر على بالي الموعد الذي عقده عبد القادر مع أولئك المستضعفين المنبوذين ليحدثهم عن حماية الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فسررت كثيرا لهذه الفرصة العظيمة.

سرت إلى ذلك المحل، وكلي همة ونشاط، وكلي ـ في نفس الوقت ـ أسف على صاحبي بولس الذي ستفوته فرصة التعرض لهذه الأنوار الجديدة من شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

لكني ما وصلت إلى ذلك المحل حتى رأيت من بعيد صاحبي بولس في نفس ذلك المحل متخفيا عن الجمع، بحيث يسمع من غير أن يراه أحد، فلذلك تخفيت أنا الآخر حتى أرى بولس من غير أن يراني، وأسمع عبد القادر من غير أن يلحظ الجمع ذلك مني.

جاء عبد القادر بأنوار الإيمان التي تسري في كل كيانه، وقال للجمع المحيطين به، والذين ازدادوا كثرة على كثرتهم: لقد طلبتم مني الحديث عن حماية الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال أحدهم: أجل، فنحن نتعجب كيف استطاع محمد في تلك البيئة الموبوءة بالعداء له أن يحمي نفسه، ويحمي رسالته.

قال آخر: إن نجاته من كل تلك الأهوال برسالته كنجاة رجل غرق في عرض المحيط، وغرقت معه كنوز كثيرة يحملها، لكنه فجأة قطع عشرات الآلاف من الأميال ليخرج لا وحده فقط، بل تخرج معه كل كنوزه، لا يضيع منها كنز واحد.

 عبد القادر: إنها حماية الله.. لقد حمى الله رسوله ليؤدي الرسالة التي كلف بها، كما حمى جميع أنبيائه، قال تعالى:{ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس:103)، وقال تعالى ذاكرا نبيه يونس u:{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الانبياء:88)

أنتم تلاحظون أن القرآن الكريم يربط في هذا بين المؤمنين والأنبياء، فالله تعالى يحمي المؤمنين المستضعفين الذي تكون لهم همة الخروج من استضعافهم من كل ما يكيده أعداؤهم لهم، لقد قال تعالى في ذلك:{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (الحج:38)

قال رجل من الجمع: لقد عرفنا أمس مواطن البلاء الكثيرة التي تعرض لها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فحدثنا اليوم عن جنود الحماية التي وفرها الله له.

 عبد القادر: هي جنود كثيرة.. فلا يمكن إحصاء جنود الله، قال تعالى:{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } (المدثر: 31)

وقد حمى الله ببعض هذه الجنود الظاهرة والخفية رسول الله كما حمى الفئة المؤمنة الصامدة في كل مكان وكل زمان، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (الأحزاب:9)، وقال تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (الفتح:4)، وقال تعالى:{ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} (الفتح:7)

ولكن مع ذلك.. فسأذكر لكم بعض الأمثلة عن الجنود التي حمى الله بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، والتي تحقق بها وعده له بأن يعصمه من الناس، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة:67)

جند الرعب:

فمن الجنود الذين حموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مؤامرات أعدائه جند الرعب الذي يملأ قلوب من يقترب من جنابه الشريف، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الجند في في موقف من مواقف نصرة الدين، فقال:{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (آل عمران:151)، وقال تعالى:{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (لأنفال:12)، وقال تعالى:{ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} (الأحزاب:26)، وقال تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (الحشر:2)

وقد ذكر المؤرخون وعلماء السيرة الكثير من الأمثلة على هذا النوع من الجند:

فممن دكهم هذا الرعب الذي أيد الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أبو جهل، فقد رويت عنه الروايات الكثيرة المنبئة عما تعرض له من تخويف رباني نتيجة همه بإيذاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم:

ومما يروى من ذلك: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم([1])؟ قال: قيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب.

فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه([2])، ويتقي بيديه، فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار، وهولاً وأجنحة.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبين كيف حماه الله تعالى: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا)([3])

وفي حديث آخر عن العباس قال: كنت يوما جالسا في المسجد، فأقبل أبو جهل، فقال: ان لله علي ان رأيت محمدا ساجدا ان أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت عليه، فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبانا حتى أتى المسجد فعجل قبل أن يدخل من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا يوم شر فاتزرت واتبعته([4]).

وفي حديث آخر عن ابن عباس قال: قال أبو جهل: يا معشر قريش، ان محمدا قد أبى الا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني لأعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي، وقد غدت قريش، فجلسوا في أنديتهم ينظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه ثم رجع، منتقعا لونه، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، فأتى قريشا، فقالوا له: مالك؟ قال: لما قمت إليه عرض لي فحل من الابل، فوالله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ذاك جبريل، لو دنا مني لاخذه)([5])

وفي حديث آخر عن ابن عباس قال: مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي، فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمد، لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فانتهره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال جبريل: فليدع ناديه سندع الزبانية، فوالله لو دعا ناديه لاخذته زبانية العذاب ([6]).

ومنهم النضر بن الحارث، فقد روي عن عروة أن النضر بن الحارث كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتعرض له، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما يريد حاجته في نصف النهار في حر شديد، فبلغ أسفل من ثنية الحجون، فرآه النضر بن الحارث، فقال: لا أجده أبدا أخلى منه الساعة، فأغتاله، فدنا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى منزله، فلقي أبا جهل، فقال: من أين؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده، فإذا أسود تضرب بأنيابها على رأسي فاتحة أفواهها فذعرت منها ووليت راجعا، فقال أبو جهل ـ الذي أصابه من قبل ما أصابه ـ: هذا بعض سحره([7]).

ومنهم دعثور بن الحارث الغطفاني، فقد روي في الحديث: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، معهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا، ومعهم أفراس، فهزمت منه الاعراب فوق ذروة من الجبال، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذا أمر فعسكر به، وأصابهم مطر كثير، فذهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحاجته، فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة، ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون، فقالت لدعثور وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه، حيث أن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله، فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف مشهورا فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الله عز وجل)، ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقام على رأسه، فقال: (من يمنعك مني؟) قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله، لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه سيفه ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه فقال: والله، لأنت خير مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا أحق بذلك منك)

فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول، والسيف في يدك، قال: قد كان والله ذلك، ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل، فدفع في صدري، فوقعت لظهري، وعرفت أنه ملك، وشهدت أن محمدا رسول الله.

وجعل الرجل يدعو قومه الى الاسلام، ونزلت هذه الآية:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المائدة:11)([8])

ومنهم غورث بن الحارث، فعن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة، تركناها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وان رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان: لأقتلن لكم محمدا، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت ظل شجرة، فعلق سيفه، فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعونا، فجئناه، فإذا عنده أعرابي جالس فقال: (إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فسقط السيف من يده، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السيف وقال: (من يمنعك مني؟) قال: كن خيرا آخذ، فخلى سبيله فأتى أصحابه، فقال: جئتكم من عند خير الناس ([9]).

ومنهم شيبة بن عثمان، فعن عكرمة قال: قال عثمان بن شيبة لما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنينا فذكرت أبي وعمي، وقتل علي وحمزة اياهما، فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، فجئته من خلفه فدنوت منه حتى لم يبق الا أن أسوره بالسيف إذ دفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه البرق، فنكصت القهقرى، فالتفت الي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا شيبة، ادن مني)، فوضع يده على صدري، واستخرج الله الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري، وهو أحب الي من سمعي وبصري([10]).

ومنهم نفر من المنافقين أرادوا الفتك به صلى الله عليه وآله وسلم، فعن حذيفة في قوله تعالى:{ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } (التوبة: 74) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجع قافلا من تبوك الى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناس من أصحابه، فتآمروا عليه أن يطرحوه في عقبة في الطريق، فلما هموا وبلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر خبرهم، قال: (من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم)، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم، قد غشوهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها بالمجن وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعر أنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس.

وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أدركه قال: (اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار)، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا حذيفة، هل عرفت من هؤلاء الرهط، أو الركب أو أحدا منهم؟)، قال: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هل علمتم شأنهم وما أرادوا؟) قالوا: لا، والله يا رسول الله، قال: (فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، وإن الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم، وأسماء آبائهم)، قيل: يا رسول الله، أفلا تأمر بهم فتضرب أعناقهم، قال: (أكره أن يتحدث الناس، ويقولوا: ان محمدا وضع يده في أصحابه)

فلما أصبح أرسل إليهم كلهم، فقال: (أردتم كذا وكذا)، فحلفوا بالله ما قالوا، ولا أرادوا الذي سألهم عنه فذلك قوله تعالى:{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} (التوبة:74)، فهم اثنا عشر رجلا، حاربوا الله ورسوله، وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار([11]).

جند الإخفاء:

ومن الجنود الذين حموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مؤامرات أعدائه جند الإخفاء.

تعجب الجمع من قوله هذا، فقال: الله قادر على كل شيء، فلذلك قد يلقي الله تعالى سرابيل ستره على من يشاء من بعده لحمايته، كما قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} (يّـس:9)

ومن هؤلاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد ألقى الله عليه في بعض مواضع الحاجة هذه السرابيل حتى يحميه ويحفظه من أعدائه.

ومن المواقف التي حمى الله بنها نبيه بهذا النوع من الجند، ما روي في عصمته صلى الله عليه وآله وسلم من المخزوميين، فعن ابن عباس أن ناسا من بني مخزوم تواصوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقتلوه، منهم أبو جهل والوليد بن المغيرة ونفر من بني مخزوم، فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما يصلي فلما سمعوا قراءته فأرسلوا إليه الوليد ليقتله، فانطلق حتى انتهى الى المكان الذي يصلي فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فرجع إليهم فأعلمهم بذلك، فأتاه من بعده أبو جهل والوليد ونفر منهم، فلما انتهوا الى الصوت، فإذا الصوت من خلفهم، فينتهون إليه فيسمعونه أيضا من خلفهم، ثم انصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلا([12]).

ومنها موقفه صلى الله عليه وآله وسلم مع زيد بن قيس وعامر بن الطفيل، كما ورد في الحديث أن عامر بن الطفيل قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يريد أن يغدر به، فقال لاربد: انا قدمنا على الرجل، فاني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك، فاعله بالسيف، قال: أفعل.

فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أريدك يا محمد قم معي أكلمك، فقام معه فخليا إلي جدارا ووقف عامر يكلمه، فقال: يا محمد خالني قال: (لا، حتى تؤمن بالله وحده)، فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أما والله، لأملأنها عليك خيلا حمرا ورجالا.

فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم اكفني عامر بن الطفيل)

فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عامر لاربد: ويحك يا اربد، أين ما كنت أمرتك به؟ قال: ما كان على ظهر الارض رجل أخوف عندي على نفسي منك، وأيم الله، لا أخاف بعد اليوم أبدا، قال: لا أبا لك، لا تعجل علي، فوالله، ما هممت بالذي أمرتني به مرة الا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف([13]

ومنها موقفه الشديد عند الهجرة.. وسأقصه علكيم بطوله، فقد كان إخفاؤه صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المحل آية بينة لا شك فيها.

فعن أ بي مصعب المكي قال: أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الغار أمر شجرة([14])، فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسترته، وبعث الله العنكبوت، فنسجت ما بينهما، فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار.

وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أربعين ذراعا، جعل بعضهم ينظر في الغارـ فلم ير إلا حمامتين وحشيتين بفم الغار، فرجع إلى أصحابه، فقالوا له: ما لك؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قال، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما، فبارك عليهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفرض جزاءهن وانحدرتا في الحرم فأفرخ ذلك الزوج كل شئ في الحرم. ([15])

وفي حديث آخر عن ابن عباس أن المشركين قصوا أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فمكث فيه ثلاثة أيام([16]).

لقد ذكر القرآن الكريم هذا الموقف الشديد الذي وقفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار، فقال تعالى:{ إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:40)

لقد كان الموقف شديدا، فلم يكن يحول بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك الكيد العظيم المدبر له إلا تلك الخيوط الواهية من نسيج العنكبوت..

ومما يروى في هذا أن المشركين استأجروا رجلا يقال له علقمة بن كرز بن هلال الخزاعي، فقفا لهم الأثر حتى انتهى إلى غار ثور وهو بأسفل مكة فقال: ههنا انقطع أثره ولا أدري أخذ يمينا أم شمالا أم صعد الجبل.

فلما انتهوا إلى فم الغار قال أمية بن خلف: ما أربكم في الغار، إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ([17]).

وقبل هذا الموقف عندما وقف المشركون يتربصون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليقتلوه، أخفاه الله أعينهم لم يروه، فقد حدث محمد بن كعب عن ذلك، فقال: قال أبو جهل وهم جلوس: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا، فإذا متم بعثتم بعد موتكم، وكانت لكم جِنَانٌ خير من جنان الأرْدُن وأنكم إن خالفتموه، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تُعَذَّبون بها.

وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك، وفي يده حفنة من تراب، وقد أخذ الله على أعينهم دونه، فجعل يَذُرّها على رؤوسهم، ويقرأ أول سورة يس حتى انتهى إلى قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} (يّـس:9)، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحاجته، وباتوا رُصَدَاء على بابه، حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار، فقال: ما لكم؟ قالوا: ننتظر محمدًا. قال: قد خرج عليكم، فما بقي منكم من رجل إلا قد وضع على رأسه ترابا، ثم ذهب لحاجته. فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب([18]).

وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عليًا يوم الهجرة أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه، ويريدون بياته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم، فأخذ حفنة من البطحاء، فجعل يذره على رءوسهم، وهم لا يرونه وهو يتلو قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} (يّـس:9)([19]).

جند الإعلام:

ومن الجنود الذين حمى الله بهم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم جند الإعلام.. وهم جند ليس لهم من دور غير إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤامرات التي يدبرها أعداؤه له.

لاشك أنكم تعرفون أهمية المعلومة في المعارك، حتى أن الرؤساء والملوك، بل من هم دونهم يضعون ميزانيات ضخمة للعيون والجواسيس ليترصدوا لهم كل تحرك توجه ضدهم.

أما محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن له من العيون إلا ما يطلعه الله عليه سواء من عالم الحكمة أو من عالم القدرة.

وسأذكر لكم بعض الأمثلة عن ذلك:

لعل أولهم هو الوحي الرباني، فالقرآن الكريم كان يتنزل ليفضح المؤامرات المختلفة، كما قال تعالى:{ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} (التوبة:64)

فالنفاق ذلك الخطر الخفي لا يعلمه إلا من يعلم السر وأخفى، ولذلك أخبر القرآن الكريم عن كثير من مؤامرات المنافقين وعلاماتهم ليتميزوا عن المخلصين الصادقين.

فمن الآيات التي بينت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض مواقف هؤلاء المعادية للإسلام، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولهتعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}(النساء)

فقد نزلت هذه الآيات رجل من المنافقين اختصم مع رجل من اليهود، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد، وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف([20]).

فعن الشعبي قال: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حاكمهم لانه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم.

فلما اختلفا اجتمعا على أن يحكما كاهنا في جهينة، فأنزل الله تعالى الآيات السابقة.

وفي حديث آخر عن ابن عباس أنها نزلت في رجل من المنافقين كان بينه بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الاشرف، وهو الذى سماه الله تعالى الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاختصما إليه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لليهودي.

ومنها قوله تعالى:{ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} (الأحزاب:12)

فقد نزلت هذه الآية تخبر عن استهزاء المنافقين ومثلهم اليهود بما وعد به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه من النصر والتمكين.

فقد قال ابن عباس وأنس بن مالك : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم، قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وفي حديث آخر: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الخندق يوم الاحزاب، ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا، فكنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الانصار في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب، أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبر خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه.

فرقا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمر، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع سلمان الخندق والتسعة على شفة الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعول من سلمان، فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة حتى كأن مصباحا في جوفه بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكبير فتح، فكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكسرها وبرق منها برق أضاء مابين لابتيها حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكسرها، وبرق منها برق أضاء مابين لابتيها، حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون.

وأخذ يد سلمان ورقى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى القوم فقال: رأيتم ما يقول سلمان، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ضربت ضربتي الاولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا.

فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحفر، فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون أن تبرزوا؟

فنزل القرآن يفضحهم، وينبئ عن مقولتهم هذه، ونزل كذلك قوله تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:26)

ومنها قوله تعالى:{ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران:188)

فقد نزلت هذه الآية تفضح ما تخئه نفوس المنافقين من غرور([21])، فقد روي أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه، فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت هذه الآية ([22]).

وفي حديث آخر: دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهود فسألهم عن شئ فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه، ثم قرأ ابن عباس:{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران:187))([23])

وفي حديث آخر: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الارض كلها إن محمدا ليس نبي الله، فاثبتوا على دينكم وأجمعوا كلمتكم على ذلك، فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن، ففرحوا بذلك وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا، وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله، فلذلك قول الله تعالى:{ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (آل عمران: 188)، يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة.

ومنها قوله تعالى:{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (آل عمران:199)

فقد نزلت هذه الآية في الرد على شبهات بعض المنافقين، ففي الحديث: نزلت في النجاشي، وذلك لما مات نعاه جبريل u لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الذي مات فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، فقالوا: ومن هو؟ فقال: النجاشي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لاصحابه: استغفروا له، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه، فأنزل الله تعالى هذه الآية([24]).

ومنها قوله تعالى:{ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء:78)

فقد نزلت هذه الآية لما استشهد الله من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد: لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ومنها قوله تعالى:{ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (النساء:88)

ففي هذه الآية يخبرر الله تعالى المؤمنين المتحيرين عن حقيقة بعض المنافقين، فعن عبد الله بن يزيد بن ثابت، أن قوما خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أحد فرجعوا، فاختلف فيهم المسلمون، فقالت فرقة نقتلهم، وقالت فرقة لا نقتلهم، فنزلت هذه الآية([25]).

وفي حديث آخر: أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلموا وأصابوا وباء المدينة، وحماها فأركسوها، فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: مالكم رجعتم؟ فقالوا: أصابنا وباء المدينة فاجتويناها، فقالوا: ما لكم في رسول الله أسوة؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا هم مسلمون، فأنزل الله تعالى الآية([26]).

ومنها قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة:57)

فقد ذكر ابن عباس أن هذه الآية نزلت في رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث اللذان أظهرا الاسلام، ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونها، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ومنها قوله تعالى:{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} (المائدة:58)

فقد ذكر الكلبي في سبب نزولها أن منادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا نادى إلى الصلاة، فقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قوموا صلوا اركعوا، على طريق الاستهزاء والضحك فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وذكر السدى أنها نزلت في رجل من نصارى المدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدا رسول الله قال: حرق الكاذب، فدخل خادمه بنار ذات ليلة، وهو نائم وأهله نيام، فطارت منها شرارة في البيت فاحترق هو وأهله.

وذكر آخرون أن الكفار لما سمعوا الآذان حضروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون على ذلك، وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الامم، فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الآذان الأنبياء من قبله، ولو كان في هذا خير كان أولى الناس به الانبياء والرسل من قبلك، فمن أين لك صياح كصياح البعير، فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33)

ومنها قوله تعالى:{ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (التوبة:61)

فقد نزلت هذه الآية في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون ما لا ينبغي، قال بعضهم: لا تفعلوا، فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون، فيقع بنا، فقال الجلاس بن سويد: نقول ما شئنا، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول، فإنما محمد أذن سامعة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وذكر محمد ابن إسحاق وغيره أن الآية نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحارث، وكان رجلا أذلم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث، وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه نقول ما شئنا، ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال السدى: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت ووديعة ابن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعندهم غلام من الانصار يدعى عامر بن قيس فحقروه، فتكلموا وقالوا: لئن كان ما يقوله محمد حقا لنحن أشر من الحمير، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فدعاهم فسألهم، فحلفوا أن عامرا كاذب وحلف عامر أنهم كذبة، وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى تبين صدق الصادق من كذب الكاذب، فنزلت فيهم هذه الآية، ونزل قوله:{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} (التوبة:62)

ومنها قوله تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (التوبة:65)

فقد نزلت هذه الآية في أقوام من المنافقين:

فعن قتادة، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين إذ قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات له ذلك، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبي الله: اجلسوا على الركب فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا؟ فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وعن زيد بن أسلم ومحمد بن وهب قالا: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فقال عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهب عوف ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق.

ومنها قوله تعالى:{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} (التوبة:74)

فقد نزلت هذه الآية في أقوام من المنافقين:

فعن الضحاك، قال: خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك، وكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وطعنوا في الدين، فنقل ما قالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم، فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذابا لهم.

وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، رجلا من جهينة ورجلا من غفار، فظهر الغفاري على الجهيني، فنادى عبد الله بن أبي: يا بني الاوس انصروا أخاكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، فوالله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الأذل، فسمع بها رجل من المسلمين، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فأرسل إليه، فجعل يحلف بالله ما قال، وأنزل الله تعالى هذه الآية.

أما قوله تعالى:{ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا}، فقد قال الضحاك: هموا أن يدفعوا ليلة العقبة، وكانوا قوما قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم معه يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك كان ليلا قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، وكان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر وسائقه حذيفة فسمع حذيفة وقع أخفاف الابل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين، فقال: إليكم يا أعداء الله فأمسكوا، ومضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل منزله الذي أراد، فأنزل الله تعالى قوله:{ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا}

ومنها قوله تعالى:{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (التوبة:101)

فقد ذكر الكلبي أنها نزلت في جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار من أهل المدينة، يعني عبد الله بن أبي وجد ابن قيس ومعتب بن بشير والجلاس بن سويد وأبي عامر الراهب.

ومنها قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (التوبة:107)

فقد نزلت هذه الآية في بعض المنافقين الذين أسسوا مسجدا ليضاروا به المسلمين.

فقد ذكر المفسرون أن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتيهم، فأتاهم فصلى فيه، فحسدهم إخوتهم بنو عمرو، وقالوا: نبنى مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليصلى فيه كما يصلى في مسجد إخواننا، وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح، وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وعاداه وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا عامر الفاسق وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم، فأخرج محمدا وأصحابه فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء.. فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلى لنا فيه، فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم، فنزل عليه القرآن وأخبر الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن يشكر والوحشي قاتل حمزة، وقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه، فخرجوا وانطلق مالك وأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه أهله، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة، ومات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا.

ومنها قوله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (المجادلة:8)

فقد قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو مصيبة أو هزيمة، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أصحابهم وأقرباؤهم، فلما طال ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمرهم أن يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ومنها قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة:11)

فقد ذكر مقاتل سبب نزولها، فقال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصفة وفي المكان ضيق وذلك يوم الجمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والانصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لمن حوله من غير أهل بدر، قم يا فلان وأنت يا فلان، فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون للمسلمين: ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس؟ فوالله ما عدل على هؤلاء قوم أخذوا مجالسهم وأحبهم القرب من نبيهم أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ومنها قوله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (المجادلة:14) إلى قوله تعالى:{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (المجادلة:18)

فقد ذكر السدى ومقاتل أنها نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجرة من حجره، إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعينى شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فعلت، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وفي حديث آخر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كان الظل يقلص عنهم، فقال لهم: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعين شيطان، وإذا أتاكم فلا تكلموه، فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلمه، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ نفر دعا بأسمائهم، فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى:{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (المجادلة:18)([27])

بالإضافة إلى هذا كله، فقد أنطق الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الأشياء لتخبره بما تختزنه من مكايد، ومن ذلك قصة الشاة المسمومة.

والحديث ـ كما روي بأسانيد كثيرة مختلفة([28])ـ هي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما افتتح خيبر، واطمأن الناس، أهدت زينب ابنة الحارث امرأة سلام بن مشكم، وهي ابنة أخي مرحب لصفية امرأته شاة مصلية، وقد سألت: أي عضو الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاء، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور، فقدمت إليه الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكتف، وانتهس منها فلاكها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتناول بشر بن البراء عظما، فانتهس منه.

قال ابن إسحاق: فأما بشر فاساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلفظها، فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ارفعوا ما في أيديكم، فإن كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها.

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى اليهودية، فقال: (أسممت هذه الشاة؟)، فقالت: من أخبرك؟ قال: (أخبرتني هذه التي في يدي، وهي الذراع)، قالت: نعم، قال: (ما حملك على ما صنعت؟)، قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومات بشر من أكلته التي أكل ولم يعاقبها.

جند الكفاية:

ومن الجند الذي حمى الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كما حمى به سائر الأنبياء جند الكفاية، وهي التي يشير إليها قوله تعالى:{ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة:137)

وقد تحقق هذا الوعد الإلهي، وأشار القرآن الكريم إلى هذا التحقق، فقال تعالى:{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95)

وقد أخبر القرآن الكريم أن الله تعالى يمد عباده الصالحين من أنبيائه وغيرهم بهذا النوع من الجند، قال تعالى:{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (الأنعام:10)، وقال تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (الانبياء:41)

وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إمداد الله بعض عباده الصالحين بهذا النوع من الجند، فقال ـ فيما رواه أحد المضطهدين – : كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبرت سِنِّي وحضر أجلي، فادفع إلي غلاما لأعلمه السحر. فدفع إليه غلاما فكان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه، فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه

وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي. وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر.

قال: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة، قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر. قال: فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبّ إليك وأرضى من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس. ورماها فقتلها، ومضى الناس. فأخبر الراهب بذلك فقال: أيْ بُنَي، أنت أفضل مني، وإنك سَتُبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي.

فكان الغلام يبُرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان جليس للملك فعمي، فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما هاهنا أجمعُ. فقال: ما أنا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله، عز وجل، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك. فآمن فدعا الله فشفاه. ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان، من رَدّ عليك بصرك؟ فقال: ربي؟ فقال: أنا؟ قال: لا ربي وربك الله. قال: ولك رب غيري؟ قال: نعم، ربي وربك الله. فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال: أيْ بُنَي، بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال: ما أشفي أنا أحدًا، إنما يشفي الله، عز وجل. قال: أنا؟ قال: لا. قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله.

فأخذه أيضا بالعذاب، فلم يزل به حتى دل على الراهب، فأتى بالراهب فقال: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض. وقال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فَدَهدهوه من فوقه فذهبوا به، فلما علوا به الجبل قال: اللهم، اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون. وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله.

فبعث به مع نفر في قُرقُور فقال: إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرِّقوه في البحر. فلججوا به البحر فقال الغلام. اللهم، اكفنيهم بما شئت. فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله.

ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهمًا من كنانتي ثم قل: بسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل، ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه، وقال: باسم الله رب الغلام. فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم.

فأمر بأفواه السكك فَخُدّت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها. قال: فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي: اصبري يا أماه، فإنك على الحق([29]).

وسأذكر لكم بعض الأمثلة على من كفى الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم شرهم، وهي مصدقا قوله تعالى:{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95)

فمنهم الأسود بن عبد يغوث، وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان يسخر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول له إذا لقيه: أما كلمت اليوم من السماء يا محمد.

وكان إذا رأى أصحابه قال: قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى وقيصر، وما أشبه هذا القول([30]).

فخرج من عند أهله، فأصابته السموم، فاسود وجهه حتى صار حبشيا، فأتى أهله فلم يعرفوه، وأغلقوا دونه الباب، فرجع متلددا حتى مات عطشا([31]).

بالإضافة إلى هذا، فقد روي أن جبريل u أومأ إلى رأسه، فضربته الأكلة، فامتخض رأسه قيحا([32]).

بالإضافة إلى هذا، فقد روي أن جبريل u حنى ظهره حتى احقوقف صدره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالي خالي، فقال: دعه عنك يا محمد فقد كفيته([33]).

ومنهم الحارث بن قيس السهمي، وكان يأخذ حجرا يعبده، فإذا رأي أحسن منه تركه وأخذ الأحسن، وفيه نزل قوله تعالى:{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} (الفرقان:43)

وكان يقول مستهزئا: لقد غر محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت، والله ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث.

وكانت عقوبة الله له أن أكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى انقد بطنه([34])، ويقال إنه أصابته الذبحة، وقال بعضهم: امتخض رأسه قيحا.

ومنهم الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وكان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض، ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ثم يمكون ويصفرون.

وكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكلام شق عليه فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعمي الله بصره ويثكله ولده، فخرج يستقبل ابنه، وقد قدم من الشام، فلما كان ببعض الطريق جلس في ظل شجرة فجعل جبريل u يضرب وجهه وعينه بورقة من ورقها خضراء وبشوك من شوكها حتى عمي، فجعل يستغيث بغلامه، فقال له غلامه: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك.

بالإضافة إلى هذا، فقد روي أن جبريل u أومأ إلى عينيه فعمي فشغل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولما كان يوم بدر قتل ابنه زمعة بن الأسود، فتحقق بذلك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه([35]).

ومنهم مالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان، وكان سفيها فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستعاذ بالله من شره، فعصر جبريل بطنه حتى خرج ما في بطنه فمات([36]).

ومنهم العاصي بن وائل السهمي، وقد كان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فركب حمارا له ـ ويقال بغلة بيضاء ـ فلما نزل شعبا من تلك الشعاب، وهو يريد الطائف ربض به الحمار ـ أو البغلة ـ على شبرقة فأصابت رجله شوكة منها، فانتفخت حتى صارت كعنق البعير ومات([37]).

وقد ذكر خباب بن الأرت بعض سخريته بالمسلمين، فقال: كنت قينا ـ أي حدادا – في الجاهلية فعملت للعاصي بن وائل سيوفا، فجئته أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث.

قال: وإني لميت ثم مبعوث؟! قلت: بلى.

قال: دعني أموت وأبعث، فنؤتى مالا وولدا فأعطيك هنالك حقك، ووالله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب أثرى عند الله مني ولا أعظم حظا.

فأنزل الله تعالى فيه:{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} (مريم:77([38])

ومنهم الحكم بن أبي العاصي بن أمية، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشتمه ويسمعه ما يكره.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي ذات يوم وهو خلفه يخلج بأنفه وفمه فبقي على ذلك، وأظهر الإسلام يوم الفتح، وكان مغموصا عليه في دينه، فاطلع يوما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بعض الحجر، فخرج إليه بعنزة، وقال: من عذيري من هذا الوزغة؟ لو أدركته لفقأت عينه أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، ولعنه وغربه من المدينة فلم يزل خارجا منها إلى أن مات عمر بن الخطاب ([39]).

وقد ذكره ابن عمر فقال: كان رجل خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحاكيه ويلمض فرآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كذلك كن، فرجع إلى أهله، فلبط به مغشيا عليه شهرا، ثم أفاق حين أفاق، وهو كما يحاكي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([40]).

ومنهم الوليد بن المغيرة، فقد ذكر أنه مر برجل يقال له حراث بن عامر بن خزاعة، وهو يريش نبلا له، ويصلحها فوطئ على سهم منها فخدشته خدشا يسيرا، ويقال علق بإزاره فخدش ساقه خدشا خفيفا فأهوى إليه جبريل فانتفض الخدش وضربته الأكلة في رجله أو ساقه فمات([41]).

وقد كان من كبار الساخرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المستهزئين به مع كونه حكيم قومهم ومرجعهم، وفيه نزل قوله تعالى:{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)}(المدثر)

فقد روي في سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة سمع شيئا من القرآن الكريم، فخرج على قريش فقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة. فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذْي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله.

فلما سمع بذلك النفرُ من قريش ائتمروا، فقالوا: والله لئن صبا الوليد لتصْبُوَنَّ قريش، فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه.

فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال للوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة؟ فقال: ألستُ أكثرهم مالا وولدا. فقال له أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه، فقال الوليد: أقد تحدث به عشيرتي؟! فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة، ولا عمر، ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر. فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآيات.

وقال قتادة: زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وما يعلى، وما أشك أنه سحر، فأنزل الله:{ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} الآية.

وقد روي أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام، فأتاه فقال: أي عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: يعطونكه، فإنك أتيت محمدًا تَتَعَرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له. قال: فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقوله شيئًا من ذلك. والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى.

فقال له أبو جهل: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر فيه. فلما فكر قال: إن هذا سحر يأثره عن غيره. فنزلت الآيات.

ومن كبار المستهزئين أبو لهب، وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يطرح القذر والنتن على باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرآه حمزة بن عبد المطلب وقد طرح من ذلك شيئا، فأخذه وطرحه على رأسه، فجعل أبو لهب ينفض رأسه ويقول: صابئ أحمق، فأقصر عما كان يفعل، لكنه كان يدس من يفعله([42]).

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا بني عبد مناف أي جوار هذا؟ ثم يميطه عن بابه([43]).

وقد تحدث ابن عباس عن مشهد من مشاهد حربه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء:214) صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي لبطون من قريش، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟) قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال: فأنا لكم نذير بين يدي عذاب شديد.

فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا، فأنزل الله تعالى:{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (المسد:1) ([44])

ولما خوفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعذاب قال: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي منه بمالي وولدي فأنزل:{ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (المسد:2)

وقد عاقبه الله تعالى بأن مات بداء يعرف بالعداسة، كانت العرب تتشاءم به، وتفر ممن ظهر به، فلما أصاب أبا لهب تركه أهله حتى مات، ومكث مدة لا يدفن حتى خافوا العار، فحفروا له حفرة، فرموه فيها.

ومن كبار المستهزئين عتبة بن أبي لهب، فقد روي أنه قال: يا محمد هو يكفر بالذي دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سلط عليه كلبا من كلابك)

وكان أبو لهب يحتمل البز الى الشام، ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه، ويقول: إنكم قد عرفتم سني وحقي، وإن محمدا قد دعا على ابني دعوة، والله ما آمنها عليه، فتعاهدوه، فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه الى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فطاف بهم الأسد، فجعل عتبة يقول: يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي، قتلني محمد وهو بمكة وأنا بالشام، لا والله ما أظلت السماء على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء، فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم، فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم، وناموا فجاء الأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى إليه.

وقال هبار: فجاء الاسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقابض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه ثم هزمه هزمة، ففضخ رأسه فقال وهو بآخر رمق: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس؟ ومات، فبلغ ذلك أبا لهب، فقال: ألم أقل لكم اني أخاف عليه دعوة محمد؟ قد والله عرفت ما كان لينفلت من دعوة محمد([45]).

ومن كبار المستهزئين أم جميل زوجة أبي لهب، وأخت أبي سفيان، وقد كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا، وهي حمالة الحطب، وإنما سماها الله تعالى بذلك لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه بالليل على طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يمر هو وأصحابه لتعقرهم بذلك.

 فبينا هي ذات يوم تحمل حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك فجذبها من خلفها بالحبل الذي في عنقها فخنخقها به.

ومنهم رجل كان يختلج بوجهه إذا تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الحديث: كان رجل يجلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشئ اختلج بوجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كن كذلك)، فلم يزل يختلج حتى مات([46]).

ومنهم ناس كانوا يغمزون في قفاه صلى الله عليه وآله وسلم ففي الحديث: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي، ومعه جبريل، فغمز جبريل، فوقع مثل الظفر في أجسادهم، فصارت قروحا حتى نتنوا، فلم يستطع أحد أن يدنو منهم فأنزل الله تعالى:{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} (الحجر:95)([47])

ومنهم نفر من اليهود أرادوا الفتك به صلى الله عليه وآله وسلم فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج الى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين، فقالوا: اجلس يا أبا القاسم، حتى تطعم وترجع بحاجتك، فجلس ومن معه في ظل جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم فلما خلوا والشيطان معهم ائتمروا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: لن تجدوه من الآن، فقال رجل منهم: إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته، فجاءوا إلى رحى عظيمة ليطرحوها عليه، فأمسك الله عنها أيديهم، وأخبره بما ائتمروا به من شأنه، فقام ورجع أصحابه، ونزل القرآن:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المائدة:11)([48]).

ومنهم نفر أرادوا قتله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله، فرعدت يد الاعرابي، وسقط السيف منه، وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فأنزل الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة:67)([49])

ومن كبار المستهزئين أبو الأصداء، وقد كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يقول له: إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم، ويقول للناس: هو معلم مجنون، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لعلى جبل إذا اجتمعت عليه الأروى، فنطحته حتى قتلته([50]).

ومنهم أمية بن خلف الجمحي، وقد كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم همزه ولمزه، فأنزل الله تعالى:{ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}(الهمزة)([51])

ومنهم النضر بن الحارث، وقد كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجلسا فدعا فيه إلى الله، وتلا عليهم القرآن، وحذر قريشا ما أصاب الأمم الماضية خلفه في مجلسه إذا قام فحدثهم عن ملوك الفرس، ثم يقول: والله ما محمد بأحسن حديثا مني، وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها، فأنزل الله تعالى:{ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان:5)

قال ابن إسحاق: وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعرض له النضر، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه وعليهم:{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ(98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ(99)لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ(100)} (الأنبياء)

ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقبل عبد الله بن الزبعرى ـ وأسلم بعد ذلك ـ حتى جلس إليهم، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم.

فقال عبد الله: أما والله ولو وجدته لخصمته، فسلوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى ابن مريم.

فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله، ورأوا أنه قد احتج وخاصم.

فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته، فأنزل الله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الانبياء:101)

ومنهم الأخنس بن شريق الثقفي، وكان من أشراف القوم، وممن يستمع منه، وكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرد عليه، فأنزل الله تعالى:{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)}(القلم)

ومنهم أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وكانا متصافيين حسنا ما بينهما.

وقد روي أن عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ولا يؤذيه وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام ـ في رواية أنه أمية بن خلف ـ فقالت قريش: صبأ أبو معيط.

وقدم خليله من الشام ليلا، فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد ما كان أمرا، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ.

فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط، فحياه فلم يرد عليه التحية فقال: ما لك لا ترد علي تحيتي، فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبأت؟

قال: أوقد فعلتها قريش؟

ثم قال: ما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه في مجلسه، فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن مسح وجهه من البزاق([52]).

وقد روي أن عقبة لما تفل في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجع ما خرج منه إلى وجهه، فصار برصا.

وقال أبي بن خلف: والله لأقتلن محمدا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله.

فلما بلغ أبيا ذلك أفزعه لأنهم لم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولا إلا كان حقا، فلما كان يوم بدر، وخرج أصحاب عقبة، أبي أن يخرج فقال له أصحابه: اخرج معنا، فقال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه.

فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله في أخدود من الأرض فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسيرا في سبعين من قريش وقدم إليه أبو معيط فقال: أتقتلني بين هؤلاء؟ قال: نعم، فقام إليه علي بن أبي طالب فضرب عنقه.

فلما كان يوم أحد خرج أبي مع المشركين فجعل يلتمس غفلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليحمل عليه، فيحول رجل بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبينه، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: خلوا عنه.

فأخذ الحربة ورماه بها، فوقعت في ترقوته، فلم يخرج منه دم كثير واحتقن الدم في جوفه، فجعل يخور كما يخور الثور فاحتمله أصحابه وهو يخور فقالوا: ما هذا الذي بك! فوالله ما بك إلا خدش، فقال: والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني! أليس قد قال: أنا أقتله، والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم، فما لبث إلا يوما حتى مات.

وأنزل الله تعالى في أبي معيط:{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} (الفرقان:27)([53])

ومنهم أبو جهل عمرو بن هشام، وقد كناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وكان يكنى قبل ذلك أبا الحكم ([54]).

قال ابن إسحاق: ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: والله يا محمد لتتركن سب آلهتنا أو لنسبن إلهك الذي تعبد، فأنزل الله تعالى:{ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } (الأنعام: 108)

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقي أبا جهل، فقال: (إن الله تعالى أمرني أن أقول لك:{ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى }(القيامة: 34 -35)، فنزع ثوبه من يده وقال: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء، ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء، وأنا العزيز الكريم، فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته، وأنزل:{ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}(الدخان)([55])

 هذا في حياته..

أما بعد وفاته، فقد روي من ذلك الكثير، حتى أن المسلمين صاروا يتفاءلون بتصدي الأعداء لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم يعلمون أن الله سينصره لا محالة.

***

 ما وصل عبد القادر من حديثه إلى هذا الموضع حتى ابتدره أحد الحاضرين قائلا: لقد عرفنا كيف حمى الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بصنوف الجنود الذين صدوا عنه كل من تعرض له، أو كل من أراد أن يتعرض له، ومع تسليمنا لكل ما ذكرته، واعتقادنا بأن اجتماع كل ذلك من الأمور التي تدل على قصد الحماية.

ولكنا ـ مع ذلك ـ لا نرى كل ما ذكرته كافيا لنشر الدين وحمايته، فالدين لم يكن محمد وحده، بل كان أمة من الناس.. فكيف امتدت الحماية إليهم جميعا؟

 عبد القادر: أنت تسأل عن انتصارات محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالثلة القليلة التي معه.

الرجل: يمكنك أن تقول ذلك.

 عبد القادر: لذلك حديث آخر.. فتلك معجزة أخرى، وسأحدثكم عنها غدا ـ إن شاء الله ـ لمن شاء منكم أن يحضر.

الرجل:وكيف لا نشاء.. إن حديثك عن محمد ينفخ فينا من روح الثبات والعزيمة ما كنا نفتقده.

 عبد القادر: فموعدنا غدا إن شاء الله في هذا المحل.

قال ذلك، ثم انصرف، فلاحظت بولس ينصرف متخفيا متغير الوجه، وكأنه يهم بشيء، أو يخطط لشيء.

أما أنا، فانصرفت، ومعي بصيص جديد من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


([1])  أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو التراب.

([2])  أي رجع يمشي إلى ورائه.

([3])  رواه البخاري ومسلم.

([4])  رواه البزار والطبراني والحاكم وصححه.

([5])  رواه ابن اسحاق وأبو نعيم والبيهقي.

([6])  رواه أحمد والترمذي.

([7])  رواه أبو نعيم.

([8])  رواه البيهقي، وقال: روي في غزوة ذات الرقاع قصة أخرى، مثل هذه، فان كان الواقدي قد حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكانت قصتان.

([9])  رواه البخاري ومسلم وابن اسحاق وابو نعيم والحاكم والبيهقي.

([10])  رواه البيهقي وأبو نعيم.

([11])  رواه ابن أبي حاتم وابو الشيخ عن الضحاك والبيهقي.

([12])  رواه البيهقي، وروى ابن جرير نحوه عن عكرمة ما يؤكد هذا.

([13])  رواه الطبراني وابن المنذر وابو نعيم عن ابن عباس وابن جرير وابو الشيخ عن ابن زيد والبيهقي عن ابن اسحاق.

([14])  وفي رواية عند قاسم بن ثابت: أنبت الله شجرة الراءة.

([15])  رواه ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي وابن عساكر.

([16])  رواه أحمد بسند حسن.

([17])  رواه البلاذري في تاريخه وأبو سعيد في الشرف.

([18])  رواه ابن إسحاق.

([19])  رواه ابن سعد وابن هشام وأحمد، وقد حسنه ابن كثير وابن حجر في الفتح.

([20])  هذا على قول من الأقوال، والآية عامة كما هو معلوم.

([21])  هذا معنى من معانيها، بالإضافة إلى معناها العام، فخصوص السبب لا ينفي عموم اللفظ.

([22])  رواه مسلم.

([23])  رواه البخاري ومسلم.

([24])  رواه الواحدي في أسباب النزول.

([25])  رواه البخاري ومسلم.

([26])  رواه أحمد.

([27])  رواه الحاكم.

([28])  رواه البخاري ومسلم عن أنس، وأحمد، وابن سعد، وأبو نعيم عن ابن عباس، والدارمى، والبيهقي عن جابر، والبيهقي بسند صحيح – عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، والطبراني عنه عن أبيه، والبزار والحاكم، وأبو نعيم عن أبي سعيد، والبيهقي عن أبي هريرة والبيهقي عن ابن شهاب.

([29])  رواه مسلم وأحمد وغيرهما.

([30])  رواه البلاذري.

([31])  رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس، ورواه أيضا عن الربيع بن أنس.

([32])  ويقال أومأ إلى بطنه فسقى بطنه ومات حبنا، رواه الطبراني والبيهقي والضياء بسند صحيح.

([33])  رواه ابن أبي حاتم والبلاذري بسند صحيح.

([34])  رواه عبد الرازق وابن جرير وغيرهما عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس..

([35])  رواه البلاذري.

([36])  رواه ابن لكلبي والبلاذري.

([37])  رواه البلاذري، وذكر أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس أنه لما ربض به حماره أو البغلة لدغ، فمات مكانه

([38])  رواه البخاري ومسلم.

([39])  رواه البلاذري.

([40])  رواه أبو الشيخ وابن مردويه، وهذا المبهم الظاهر أنه الحكم.

([41])  رواه البلاذري.

([42])  رواه البلاذري.

([43])  رواه البلاذري.

([44])  رواه البخاري ومسلم.

([45])  رواه البيهقي وابو نعيم عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، والبيهقي عن قتادة وأبو نعيم وابن عساكر عن عروة عن هبار بن الاسود، وابو نعيم عن طاوس، وابن اسحاق وابو نعيم عن محمد بن كعب القرظي، يزيد بعضهم على بعض.

([46])  رواه أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي.

([47])  رواه البزار والطبراني.

([48])  رواه ابن جرير عن عكرمة وبرير بن أبي زياد وعبد الحميد عن مجاهد وابن اسحاق عن عاصم بن عمر، وابن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وابو نعيم والبيهقي عن الزهري وعروة بن الزبير.

([49])  رواه ابن جرير.

([50])  رواه البلاذري.

([51])  رواه ابن إسحاق.

([52])  رواه ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند صحيح.

([53])  رواه ابن أبي حاتم.

([54])  رواه البلاذري وغيره.

([55])  ذكره السيوطي في الدر المنثور (7/418) وهو مرسل..

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *