سابعا ـ العدوان

بعد أن انتهينا من الدراسة في القسم السادس، وبعد أن رأيت تأثير التعاليم التي بثها ابن حزم في نفوس السامعين، سرت مع أهل السوق إلى القسم السابع، وكان اسمه (قسم العدوان)، وقد عرفنا أن شيخه رجل يقال له (أبو الحسن الماوردي)([1])، وقد علمنا أن له كتابات مهمة في علم الأخلاق مثل (أدب الدنيا والدين)، و(نصيحة الملوك)، و(تسهيل النظر وتعجيل الظفر)
وقد صادف دخولنا عليه أن رأيناه في غرفة مظلمة لا نكاد نرى فيها شيئا، وقد أحاط به جمع قد أغلقوا أعينهم، واستغرقوا في حديثه استغراقا تاما، وكأنهم يبصرونه ولا يسمعونه، ولذلك لم يفطوا لكل تلك الجلبة التي أحدثناها بدخولنا..
ومما لا أزال أذكره من حديثه قوله([2]): لقد مررتم على الميزان ورأيتم هوله وخطره، وأن الأعين شاخصة إلى لسان الميزان، { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} (الأعراف)، ومن :{.. ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)} (المؤمنون)، و{ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} (القارعة)
واعلموا بعد هذا أنه لا ينجو من خطر ذلك الميزان الدقيق إلا من حاسب فى الدنيا نفسه ووزن فيها بميزان الشرع أعماله وأقواله وخطراته ولحظاته، وإنما حسابه لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل الموت توبة نصوحا، ويتدارك ما فرط من تقصيره فى فرائض الله تعالى، ويرد المظالم حبة بعد حبة، ويستحل كل من تعرض له بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه وبطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه مظلمة ولا فريضة.
فمن فعل هذا، فإنه يدخل الجنة بغير حساب، أما إن سولت له نفسه الأمارة بالسوء فمات قبل رد المظالم، فإن خصماءه سيحيطون به فهذا يأخذ بيده، وهذا يقبض على ناصيته، وهذا يتعلق بلببه، هذا يقول ظلمتنى، وهذا يقول شتمتنى، وهذا يقول استهزأت بى، وهذا يقول ذكرتنى فى الغيبة بما يسوؤنى، وهذا يقول جاورتنى فأسأت جوارى، وهذا يقول عاملتنى فغششتنى، وهذا يقول بايعتنى فغبنتنى وأخفيت عنى عيب سلعتك، وهذا يقول كذبت فى سعر متاعك، وهذا يقول رأيتنى محتاجا وكنت غنيا فما أطعمتنى، وهذا يقول وجدتنى مظلوما وكنت قادرا على دفع الظلم عنى فداهنت الظالم وما راعيتنى.
فبينما أنت كذلك وقد أنشب الخصماء فيك مخالبهم، وأحكموا فى تلابيبك أيديهم، وأنت مبهوت متحير من كثرتهم حتى لم يبق فى عمرك أحد عاملته على درهم أو جالسته فى مجلس إلا وقد استحق عليك مظلمة بغيبة أو خيانة أو نظر بعين استحقار، وقد ضعفت عن مقاومتهم، ومددت عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك لعله يخلصك من أيديهم إذ قرع سمعك نداء الجبار جل جلاله :{ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} (غافر)، فعند ذلك ينخلع قلبك من الهيبة، وتوقن نفسك بالبوار، وتتذكر ما أنذرك الله تعالى على لسان رسوله حيث قال :{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)} (إبراهيم)
فما أشد فرحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس وتناولك أموالهم، وما أشد حسراتك فى ذلك اليوم إذا وقف ربك على بساط العدل وشوفهت بخطاب السياسة، وأنت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على أن ترد حقا أو تظهر عذرا، فعند ذلك تؤخذ حسناتك التى تعبت فيها عمرك، وتنقل إلى خصمائك عوضا عن حقوقهم.
اسمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يحدثنا عن ذلك اليوم، قال: (أتدرون ما المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: (إنّ المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثمّ طرح في النّار)([3])
فانظر إلى مصيبتك فى مثل هذا اليوم إذ ليس يسلم لك حسنة من آفات الرياء ومكايد الشيطان، فإن سلمت حسنة واحدة فى كل مدة طويلة ابتدرها على لسانك من غيبة المسلمين ما يستوفى جميع حسناتك، فكيف ببقية السيئات من أكل الحرام والشبهات والتقصير فى الطاعات، وكيف ترجو الخلاص من المظالم في يوم يقتص فيه للجماء من القرناء فقد حدث أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى شاتين تنتطحان فقال: (يا أبا ذر أتدرى فيم ينتطحان) قلت: لا قال: (ولكن الله يدرى، وسيقضى بينهما يوم القيامة)([4])
فكيف بك يا مسكين فى يوم ترى صحيفتك خالية عن حسنات طال فيها تعبك، فتقول أين حسناتى، فيقال نقلت إلى صحيفة خصمائك، وترى صحيفتك مشحونة بسيئات طال فى الصبر عنها نصبك، واشتد بسبب الكف عنها عناؤك، فتقول يا رب هذه سيئات ما قارفتها قط، فيقال هذه سيئات القوم الذين اغتبتهم وشتمتهم وقصدتهم بالسوء وظلمتهم فى المبايعة والمجاورة والمخاطبة والمناظرة والمذاكرة والمدارسة وسائر أصناف المعاملة.
حدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب، ولكن سيرضى منكم بما هو دون ذلك، بالمحقرات وهى الموبقات، فاتقوا الظلم ما استطعتم، فإن العبد ليجىء يوم القيامة بأمثال الجبال من الطاعات فيرى أنهن سينجينه، فما يزال عبد يجىء فيقول: رب إن فلانا ظلمنى بمظلمة، فيقول: امح من حسناته، فما يزال كذلك حتى لا يبقى من حسناته شىء، وإن مثل ذلك مثل سفر نزلوا بفلاة من الأرض ليس معهم حطب فتفرق القوم فحطبوا فلم يلبثوا أن أعظموا نارهم وصنعوا ما أرادوا)([5])، وكذلك الذنوب.
ولما نزل قوله تعالى :{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} (الزمر)، قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب، قال: (نعم ليكررن عليكم حتى تؤدوا إلى كل ذى حق حقه)([6])
فأعظم بشدة يوم لا يسامح فيه بخطوة، ولا يتجاوز فيه عن لطمة، ولا عن كلمة حتى ينتقم للمظلوم من الظالم، حدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يحشر الله العباد عراة غبرا بهما)، قيل: ما بهما؟ قال: (ليس معهم شىء، ثم يناديهم ربهم تعالى بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، لا ينبغى لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عليه مظلمة حتى أقتصه منه، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقتصه منه، حتى اللطمة) قيل: وكيف، وإنما نأتي الله عز و جل عراة غبرا بهما؟ فقال: (بالحسنات والسيئات)([7])
فاتقوا الله عباد الله ومظالم العباد بأخذ أموالهم، والتعرض لأعراضهم، وتضييق قلوبهم وإساءة الخلق فى معاشرتهم، فإن ما بين العبد وبين الله خاصة فالمغفرة إليه أسرع، ومن اجتمعت عليه مظالم وقد تاب عنها وعسر عليه استحلال أرباب المظالم فليكثر من حسناته ليوم القصاص، ويسر ببعض الحسنات بينه وبين الله بكمال الإخلاص بحيث لا يطلع عليه إلا الله فعساه يقربه ذلك إلى الله تعالى، فينال به لطفه الذى ادخره لأحبابه المؤمنين فى دفع مظالم العباد عنهم.
فتفكر الآن فى نفسك إن خلت صحيفتك عن المظالم، أو تلطف لك حتى عفا عنك وأيقنت بسعادة الأبد كيف يكون سرورك فى منصرفك من مفصل الفضاء، وقد خلع عليك خلعة الرضا، وعدت بسعادة ليس بعدها شقاء، وبنعيم لا يدور بحواشيه الفناء، وعند ذلك طار قلبك سرورا وفرحا، وابيض وجهك واستنار وأشرق كما يشرق القمر ليلة البدر.
فتوهم تبخترك بين الخلائق رافعا رأسك خاليا عن الأوزار ظهرك، ونضرة نسيم النعيم وبرد الرضا يتلألأ من جبينك، وخلق الأولين والآخرين ينظرون إليك وإلى حالك ويغبطونك فى حسنك وجمالك، والملائكة يمشون بين يديك ومن خلفك وينادون على رءوس الأشهاد هذا فلان بن فلان رضى الله عنه وأرضاه وقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، أفترى أن هذا المنصب ليس بأعظم من المكانة التى تنالها فى قلوب الخلق فى الدنيا بريائك ومداهنتك وتصنعك وتزينك، فإن كنت تعلم أنه خير منه، بل لانسبة له إليه فتوسل إلى إدراك هذه الرتبة بالإخلاص الصافى والنية الصادقة فى معاملتك مع الله فلن تدرك ذلك إلا به.
وإن تكن الأخرى، والعياذ بالله، بأن خرج من صحيفتك جريمة كنت تحسبها هينة وهى عند الله عظيمة فمقتك لأجلها فقال: (عليك لعنتى يا عبد السوء، لا أتقبل منك عبادتك)، فلا تسمع هذا النداء إلا ويسود وجهك، ثم تغضب الملائكة لغضب الله تعالى، فيقولون: (وعليك لعنتنا ولعنة الخلائق أجمعين)، وعند ذلك تنثال إليك الزبانية وقد غضبت لغضب خالقها، فأقدمت عليك بفظاظتها وزعارتها وصورها المنكرة، فأخذوا بناصيتك يسحبونك على وجهك على ملأ الخلق وهم ينظرون إلى اسوداد وجهك وإلى ظهور خزيك، وأنت تنادى بالويل والثبور، وهم يقولون لك: (لا تدع اليوم ثبورا واحدا وادع ثبورا كثيرا)، وتنادى الملائكة ويقولون: (هذا فلان بن فلان كشف الله عن فضائحه ومخازيه ولعنه بقبائح مساويه، فشقى شقاوة لا يسعد بعدها أبدا وربما يكون ذلك بذنب أذنبته خفية من عباد الله أو طلبا للمكانة فى قلوبهم أو خوفا من الافتضاح عندهم)
فما أعظم جهلك إذ تحترز عن الافتضاح عند طائفة يسيرة من عباد الله في الدنيا المنقرضة، ثم لا تخشى من الافتضاح العظيم فى ذلك الملأ العظيم مع التعرض لسخط الله وعقابه الأليم والسياق بأيدى الزبانية إلى سواء الجحيم.
***
ما إن وصل الماوردي من حديثه إلى هذا الموضع حتى ارتمى جميع أصحابي من أهل السوق على الأرض يبكون ويصرخون.. فالتفت إلينا الماوردي، وقال: مرحبا بكم.. لقد كنت في انتظاركم.. اعذروني إن لم أستقبلكم بما يليق بكم، فإني لم أفطن لدخولكم.
قال رجل منا: كفى بموعظتك مستقبلا لنا، فقد حركت منا ما كان ساكنا، وأحيت منا ما كان ميتا.. وقد جئناك لعلك تدلنا على الطريق الذي نتطهر به من الآثام التي هوت بحياتنا إلى درك الجحيم.
قال آخر: لقد عرفنا من هذه المدرسة الطيبة أن كل ما حل بنا ثمار لبذور ذنوبنا..
قال آخر: فعلمنا من علوم قسمك ما يطهرنا من العدوان الذي ملأ حياتنا ظلمات.
قال الماوردي: صدقتم.. فليس كالعدوان ظلمة.. لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فقال: (إيّاكم والشّحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظّلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم، فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش فإنّ اللّه لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش)، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)([8])
قال رجل منا: لقد علمنا أصحابك من الأساتذة أصول الآثام التي تنبني عليها فروعها.. فما أصول العدوان؟
قال الماوردي: سبعة.. من وقع فيها جميعا كان عاتيا جبارا ظالما.. ومن وقع في بعضها كان له من الإثم بقدر ما له منها.
قال الرجل: فما هي؟
قال الماوردي: سأجعلكم أنتم الذين تكتشفونها.. لقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب النّاس يوم النّحر، فقال: (يا أيّها النّاس، أيّ يوم هذا؟) قالوا: يوم حرام. قال: (فأيّ بلد هذا؟) قالوا: بلد حرام. قال: (فأيّ شهر هذا؟) قالوا: شهر حرام. قال: (فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا). فأعادها مرارا. ثمّ رفع رأسه، فقال: (اللّهمّ هل بلّغت؟ اللّهمّ هل بلّغت؟)
قال ابن عبّاس: (فو الّذي نفسي بيده، إنّها لوصيّته إلى أمّته فليبلّغ الشّاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض)([9])
التفت الماوردي إلى الجمع، وقال: ما هي أصول العدوان التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث؟
قال رجل منا: ذلك واضح.. فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاعتداء على الدماء، وعلى الأموال، وعلى الأعراض.
قال الماوردي: وورد في سورة القلم قوله تعالى :{ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)} (القلم)، وفي سورة الماعون:{ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} (الماعون)
قال الرجل: هاتان الآيتان تذكران الاعتداء بالمنع..
قال الماوردي: صدقت.. فقد لا يعتدي الظالم على مالك، ولكنه يمنعك ماله مع أنك محتاج إليه.. وهو لا يختلف عن سائر أنواع الاعتداء.
قال الرجل: عرفنا الرابع.. فما الخامس؟
قال الماوردي: لقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا خذله اللّه في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره اللّه في موطن يحبّ فيه نصرته)([10])
قال الرجل: هذا الحديث يذكر الاعتداء بالخذلان.
قال الماوردي: صدقت.. فقد لا يعتدي الظالم على نفسك، ولكنه يحرمك من نصرته، فيمكن أعداءك منك، ويكون بذلك عونا منهم عليك.
قال الرجل: عرفنا الخامس.. فما السادس؟
قال الماوردي: لقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التّقوى هاهنا.ويشير إلى صدره ثلاث مرّات. بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه)([11])
قال الرجل: هذا الحديث يضيف إلى ما سبق الاحتقار.
قال الماوردي: أجل.. فقد لا يعتدي الظالم على عرضك، ولكنه يضعك في سلة مهملاته، فلا يهتم بك، بل يحتقرك ويسخر منك.
قال الرجل: عرفنا السادس.. فما السابع؟
قال الماوردي: لقد نص عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحلّ الهجرة فوق ثلاثة أيّام، فإن التقيا فسلّم أحدهما فردّ الآخر اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ برىء هذا من الإثم، وباء به الآخر، وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنّة)([12])
قال الرجل: هذا الحديث يضيف إلى ما سبق الهجر..
قال الماوردي: وبهذا تكتمل السبع التي يجتمع فيها جميع العدوان.
قلنا: عرفنا الأصول.. فحدثنا عن تفاصيلها.
قال الماوردي: بم تريدون أن أبدأ؟
قلنا: حدثنا عن الدماء.. فلا شك أنها أعظم العدوان عدوانا.
قال الماوردي: صدقتم.. وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أوّل ما يقضى بين النّاس في الدّماء)([13])، وقال: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)([14])
قلنا: لم؟.. لم كان الأمر كذلك؟
قال الماوردي: لكرامة الإنسان عند الله، فالإنسان بنيان الله ملعون من هدمه، وقد روي في الحديث أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: (يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع اللّه عورته، ومن تتبّع اللّه عورته يفضحه ولو في جوف رحله قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك! وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند اللّه منك)([15])
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم : (لزوال الدّنيا أهون عند اللّه من قتل رجل مسلم)([16])
ولهذا، فإن أول ما ذكرته الملائكة عندما أخبرها الله بأنه جاعل في الأرض خليفة:{ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} (البقرة)
ومن الوعيد الوارد في قتل النفس بغير حق قوله تعالى:{ وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93)} (النساء)، وقوله:{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140)} (الأنعام)
بل قد قرن الله قتل النفس بالشرك بالله، فقال:{ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68)} (الفرقان)
والنهي عن قتل النفس وصية من الوصايا الكبرى الواردة في سورة الأنعام، قال تعالى:{ قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} (الأنعام)
ومثل ذلك هو وصية من الوصايا الكبرى الواردة في سورة الإسراء، قال تعالى:{ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33)} (الإسراء)
وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن قتل النفس كبيرة من أكبر الكبائر، بل قد قرنها بالشرك بالله، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (أكبر الكبائر الإشراك باللّه، وقتل النّفس، وعقوق الوالدين، وقول الزّور- أو قال وشهادة الزّور-)([17])
وفي حديث آخر اعتبر قتاله كفرا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)([18])، وقال: (من حمل علينا السّلاح فليس منّا)([19])
وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الشدة التي يعانيها القاتل يوم القيامة، فقال: (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده. وأوداجه تشخب دما يقول: يا ربّ قتلني هذا حتّى يدنيه من العرش)([20])
قال: كل قتل محرم.. لا تفريق بين نفس ونفس:
فأول نفس محرمة هي نفس صاحبها، ولهذا وردت النصوص المتشددة في تحريم قتل النفس، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ([21]) بها في بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن شرب سمّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا. ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا)([22])
وقال: (كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال اللّه: بدرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنّة)([23])
ومن النفوس المحرمة نفس المؤمن، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم :(كلّ ذنب عسى اللّه أن يغفره، إلّا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمّدا)([24])
حتى المؤمن الذي أسلم تقية تحت السيف نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتله، ففي الحديث عن المقداد أنّه قال: يا رسول اللّه، إن لقيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسّيف فقطعها ثمّ لاذ بشجرة وقال: أسلمت للّه، آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقتله)، قال: يا رسول اللّه، فإنّه طرح إحدى يديّ ثمّ قال ذلك بعد ما قطعها آقتله؟ قال: (لا، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال)([25])
ومن النفوس المحرمة نفس المعاهد، قال صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من أمّن رجلا على دمه فقتله، فإنّه يحمل لواء غدر يوم القيامة)([26])
وقال: (من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنّة. وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما)([27])
بل من النفوس المحرمة نفوس الحيوانات إذا قتلت لغير غرض، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله قال:( من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)
وعنه أنه مرّ بفتيان من قريش يترامون طيرا ًأو دجاجة، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن من اتخذ شيئا ًفيه الروح غرضا([28]).
قلنا: عرفنا الأول.. فحدثنا عن الثاني.. حدثنا عن العدوان على الأموال.
قال الماوردي: لقد ورد في النصوص المقدسة الكثيرة تعظيم حرمة الأموال، وبيان أنها لا تقل عن حرمة النفوس.
قلنا: لم كان الأمر كذلك؟
قال: لأنه لا يمكن أن تستقيم الحياة من دون أموال، فالمال هو قوام الحياة، كما قال تعالى :{ (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} (النساء)
ولذلك فإن سلب المال يكاد يكون سلبا للحياة نفسها.
قلنا: وعينا هذا.. فحدثنا عن الفروع المرتبطة بهذا.
قال: لقد ورد في النصوص المقدسة، وفي الشريعة المنبنية عليها حرمة كل أخذ لأموال الناس من غير رضا منهم، ومن غير الطرق المشروعة التي أذن الله فيها..
قلنا: ما هذه الطرق؟
قال: كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المجلس.
قلنا: فاذكر لنا من أمثلتها ما نستدل به على غيرها.
قال: من ذلك – مثلا- السرقة([29])، فقد ورد التشديد فيها، بل قد نص القرآن على أن مرتبكها يعاقب بقطع يده، قال تعالى:{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} (المائدة)
وكان من نصوص المبايعة التي يبايع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه المبايعة على عدم السرقة، قال تعالى:{ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) } (الممتحنة)
قلنا: وعينا هذا.. فاذكر لنا غيره.
قال: التسول([30]).. فهو نوع آخر من أنواع السرقة.. ولذلك ورد في النصوص تحريم السؤال لغير المحتاج، ولغير العاجز، ففي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم،: (لا تزال المسألة بأحدكم حتّى يلقى اللّه، وليس في وجهه مزعة لحم)([31])
وقال: (ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان). قالوا: فما المسكين يا رسول اللّه؟ قال: (الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئا)([32])
وعن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (من يكفل لي أن لا يسأل النّاس شيئا وأتكفّل له بالجنّة؟) فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدا شيئا)([33])
وعن قبيصة بن مخارق قال: تحمّلت حمالة([34])، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أسأله فيها. فقال: (أقم حتّى تأتينا الصّدقة فنأمر لك بها) قال: ثمّ قال: (يا قبيصة! إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالة فحلّت له المسألة حتّى يصيبها ثمّ يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش. ورجل أصابته فاقة حتّى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلّت له المسألة حتّى يصيب قواما من عيش فما سواهنّ من المسألة، يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا)([35])
وعن أبي كبشة الأنماريّ أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه) قال: (ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده اللّه عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح اللّه عليه باب فقر، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللّه مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه ويعلم للّه فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه اللّه علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه اللّه مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم: لا يتّقي فيه ربّه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم للّه فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه اللّه مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان. فهو نيّته فوزرهما سواء)([36])
وعن حكيم بن حزام قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: (إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس([37]) لم يبارك فيه وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى)([38])
وعن سعد قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: (لا). فقلت: بالشّطر؟ فقال: (لا). ثمّ قال: (الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير-. إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس([39])، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللّه إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك) ([40])
وعن عوف بن مالك قال: كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه ثمّ قال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) فقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه. ثمّ قال: (ألا تبايعون رسول اللّه؟) قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول اللّه! فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا، الصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة)، ولا تسألوا النّاس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إيّاه)([41])
قلنا: فلم تشددت الشريعة مع المتسولين هذا التشدد؟
قال الماوردي: لأن المتسول لا ينفكّ عن ثلاثة أمور محرّمة:
أولها: إظهار الشّكوى من اللّه تعالى، إذ السّؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة اللّه تعالى عنه وهو عين الشّكوى.
والثّاني: أنّ فيه إذلال السّائل نفسه لغير اللّه تعالى، وليس للمؤمن أن يذلّ نفسه لغير اللّه، بل عليه أن يذلّ نفسه لمولاه، فإنّ فيه عزّه.. فأمّا سائر الخلق فإنّهم عباد أمثاله، فلا ينبغي أن يذلّ لهم إلّا لضرورة، وفي السّؤال ذلّ للسّائل بالإضافة إلى إيذاء المسئول.
والثّالث: أنّه لا ينفكّ عن إيذاء المسئول غالبا، لأنّه ربّما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب قلب منه، فإن بذل حياء من السّائل، أو رياء فهو حرام على الآخذ، وإن منع ربّما استحيا وتأذّى في نفسه بالمنع، إذ يرى نفسه في صورة البخلاء، ففي البذل نقصان ماله، وفي المنع نقصان جاهه، وكلاهما مؤذيان، والسّائل هو السّبب في الإيذاء، والإيذاء حرام إلّا بضرورة([42]).
قلنا: وعينا هذا.. فاذكر لنا غيره.
قال: الرشوة.. فإن فيها استيلاء على حقوق الآخرين بطرق غير مشروعة.. ولهذا اعتبرها القرآن الكريم من أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى:{ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} (البقرة)، أي لا تدلوا بأموالكم إلى الحكّام: أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقّا لغيركم وأنتم تعلمون أنّ ذلك لا يحلّ لكم.
وفي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (الرّاشي والمرتشي في النّار)([43])
وقال: (ما من قوم يظهر فيهم الرّبا إلّا أخذوا بالسّنة([44]) وما من قوم يظهر فيهم الرّشا إلّا أخذوا بالرّعب)([45])
وقال: (من ولي عشرة فحكم بينهم بما أحبّوا، أو بما كرهوا جيء به مغلولة يده، فإن عدل، ولم يرتش، ولم يحف فكّ اللّه عنه، وإن حكم بغير ما أنزل اللّه وارتشى، وحابى فيه. شدّت يساره إلى يمينه ثمّ رمي به في جهنّم، فلم يبلغ قعرها خمسمائة عام)([46])
وقال: (من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هديّة عليها، فقبلها، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الرّبا)([47])
وعن عبد اللّه بن عمرو قال: لعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم الرّاشي والمرتشي([48]).
وعن أبي حميد السّاعديّ قال: استعمل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللّتبيّة، فلمّا قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي. قال: فقام رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه. وقال: (ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر). ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه. ثمّ قال: (اللّهمّ هل بلّغت؟) مرّتين)([49])
قلنا: وعينا هذا.. فاذكر لنا غيره.
قال: الاحتكار.. وهو أن يضيق على الناس بأن يخزن السلع الضرورية ليرفع أسعارها، فإذا ما ارتفعت باعها لهم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم مبينا جريمة المحتكر باحتكاره الذي أداه إليه جشعه: (لا يحتكر إلّا خاطىء)([50])
وقال: (من احتكر على المسلمين طعاما ضربه اللّه بالجذام والإفلاس)([51])
وقال: (من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد بريء من اللّه تعالى وبريء اللّه تعالى منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمّه اللّه تعالى)([52])
قلنا: وعينا هذا.. فاذكر لنا غيره.
قال: التطفيف.. وهو الاستيفاء من النّاس عند الكيل أو الوزن، والإنقاص والإخسار عند الكيل أو الوزن لهم.. ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير الّتي يتعامل بها النّاس.
وقد ورد الوعيد الشديد لمن يقع في هذا، قال تعالى:{ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6)} (المطففين)
بل إن الله تعالى أخبر أنه أرسل رسولا من رسل الله الكرام جل رسالته النهي عن التطفيف في الموازين والعبث بها، قال تعالى:{ وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)} (الأعراف)، وقال:{ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)} (الشعراء)
قال رجل منا: لقد ظللت متعجبا فترة من هذا..
قال الماوردي: لا تتعجب.. فالكون الذي خلقه الله قائم على موازين دقيقة.. ولا يمكن أن يستقيم ولا أن يستقيم أي شيء فيه من دون رعاية تلك الموازين، قال تعالى :{ وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9)} (الرحمن)
ومن تعلم أن يخدع في موازين الطعام، فسيخدع في جميع الموازين.
ولهذا أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الوعيد الشديد الذي ينال المطففين الذين اختلت عندهم الموازين، فقال: (خمس بخمس، قيل: يا رسول اللّه وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلّا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزّكاة إلّا حبس عنهم القطر، ولا طفّفوا المكيال إلّا حبس عنهم النّبات، وأخذوا بالسّنين)([53])
وقال: (إذا وزنتم فأرجحوا)([54])
وقال مخاطبا أصحاب الكيل والوزن: (إنّكم قد ولّيتم أمرا فيه هلكت الأمم السّالفة قبلكم)([55])
قلنا: وعينا هذا.. فاذكر لنا غيره.
قال الماوردي: التّناجش.. ذلك الذي ورد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إيّاكم والظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تجسّسوا ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد اللّه إخوانا)([56])
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يتلقّى الرّكبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا بيع حاضر لباد([57])، ولا تصرّوا الإبل والغنم([58])، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر)([59])
قلنا: ما التناجش؟
قال الماوردي: للتناجش صور عديدة ذكرها العلماء .. منها أن يشترك النّاجش والبائع للسّلعة في خداع المشتري بأن يتواطأ كلاهما على ذلك..
ومنها أن يقع الإغراء بدون علم البائع بأن يتطوّع النّاجش من تلقاء نفسه برفع ثمن السّلعة..
ومنها انفراد البائع بعمليّة الإغراء بأن يزعم أنّه اشترى بأكثر ممّا اشتراها به، وربّما حلف على ذلك ليغرّ المشتري، وقد يقع ذلك منه بأن يخبر بأنّه أعطي في السّلعة ما لم يعط..
ومنها أن يأتي شخص إلى وليّ أمر فتاة وقد حضر من يخطبها فيذكر مهرا أعلى ليغرّ الخاطب بذلك، أو يذمّها..
ومنها أن يمدح شخص سلعة ما كي تباع، أو يذمّها كي لا تنفق على صاحبها، وذلك كما في الإعلانات المغرضة الّتي لا تتّفق مع الواقع.
قلنا: وعينا هذا.. فاذكر لنا غيره.
قال الماوردي: الميسر([60]).. ذلك الذي ورد النهي المشدد عنه في قوله تعالى:{ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} (البقرة)، وقوله:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (المائدة)
وقد ورد تحريمه بكل أنواعه في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إيّاكم وهاتان الكعبتان([61]) الموسومتان اللّتان تزجران زجرا؛ فإنّها ميسر العجم)([62])
وقوله: (الخيل ثلاثة: ففرس للرّحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشّيطان، فأمّا فرس الرّحمن، فالّذي يرتبط في سبيل اللّه عزّ وجلّ فعلفه وبوله وروثه وذكر ما شاء اللّه، وأمّا فرس الشّيطان فالّذي يقامر عليه ويراهن، وأمّا فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي ستر من فقر)([63])
وقوله: (مثل الّذي يلعب بالنّرد ثمّ يقوم فيصلّي مثل الّذي يتوضّأ بالقيح ودم الخنزير ثمّ يقوم فيصلّي)([64])
وقوله: (من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا اللّه. ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق)([65])
وقوله: (من لعب بالنّردشير فكأنّما صبغ يده في لحم خنزير ودمه)([66])
قلنا: وعينا هذا.. فاذكر لنا غيره.
قال: الربا.. ذلك الذي حذرت منه مصادرنا المقدسة أشد التحذير.. قال تعالى:{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) } (البقرة)
وقال:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} (آل عمران)
وأخبر الله تعالى أنه لخطورته كان محرما في الديانات السابقة، قال تعالى:{ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161)} (النساء)
وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الشدة التي تنتظر المرابين في الدنيا والآخرة، فقال: (يأتي آكل الرّبا يوم القيامة مخبّلا يجرّ شقّيه، ثمّ قرأ:{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ.. (275)} (البقرة)([67])
وعن ابن مسعود أنه ذكر حديثا عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه: (ما ظهر في قوم الزّنا والرّبا إلّا أحلّوا بأنفسهم عذاب اللّه)([68])
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (ما أحد أكثر من الرّبا إلّا كان عاقبة أمره إلى قلّة)([69])
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل من رابى أو تعامل مع المرابين، فعن ابن مسعود قال: (آكل الرّبا وموكله، وشاهداه، وكاتباه إذا علموا به، والواشمة والمستوشمة للحسن، ولاوي الصّدقة، والمرتدّ أعرابيّا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)([70])
وعن جابر قال: لعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم آكل الرّبا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء)([71])
قلنا: عرفنا الثاني.. فحدثنا عن الثالث.. حدثنا عن العدوان على الأعراض.
قال الماوردي: لم يشتد دين من الأديان اشتداد الإسلام في بيان حرمة الأعراض.. قال صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ)([72])
وقال: (لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم)، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: (هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم)([73])
وقال: (من حمى مؤمنا من منافق بعث اللّه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنّم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه([74]) به حبسه اللّه على جسر جهنّم حتّى يخرج ممّا قال)([75])
بل إن الله تعالى رتب العقوبات المشددة على من استطال على أعراض المسلمين، فقذفهم من غير بينة، قال تعالى:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} (النور)
هذا في العقوبات التشريعية أما العقوبات المقدرة عليهم من الله في الدنيا والآخرة مما لا يستطيع الحكام إيقاف تنفيذه، فقد نص عليه قوله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} (النور)
واعتبر صلى الله عليه وآله وسلم القدح في الأعراض من أكبر الكبائر، ففي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم :(اجتنبوا السّبع الموبقات)، قيل: يا رسول اللّه وما هنّ؟ قال: (الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)([76])
وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن حرمة الأعراض مقررة في جميع ديانات رسل الله، ففي الحديث أنّ يهوديّين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله فقال: لا تقل نبيّ؛ فإنّه إن سمعها تقول نبيّ كانت له أربعة أعين، فأتيا النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فسألاه عن قول اللّه تعالى :{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)} (الإسراء)، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم :(لا تشركوا باللّه شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، شكّ شعبة: وعليكم يا معشر اليهود خاصّة لا تعدوا في السّبت)، فقبّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنّك نبيّ. قال: (فما يمنعكما أن تسلما؟) قالا: إنّ داود دعا اللّه، أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود)([77])
ولم تكتف الشريعة بهذا.. بل إنها بينت حرمة كل ما يؤدي إلى التلاعب بالأعراض، فحرمت سوء الظن، والتجسس، والغيبة، والبهتان، وشهادة الزور.. وغيرها كثير.
قلنا: فحدثنا عن أولها.. حدثنا عن سوء الظن([78]).
قال الماوردي: سوء الظن هو بداية الشر، وهو الخطوة الأولى التي يخطوها من يريد أن ينتهك الأعراض، ولذلك ذكره القرآن في أول المحرمات المرتبطة بالأعراض، قال تعالى :{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} (الحجرات)
ومثل ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تجسّسوا، ولا تحسّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد اللّه إخوانا)([79])
فالظن السيء هو الذي يدفع صاحبه إلى التجسس، والتجسس يدعوه إلى الغيبة، والغيبة قد يبالغ فيها فتتحول إلى بهتان أو إفك، وهكذا يؤدي الشر بعضه إلى بعض، وينبت بعضه بعضا.
قلنا: عرفنا الأول.. فحدثنا عن الثاني.. حدثنا عن التّجسّس.
قال الماوردي: التجسس هو الخطوة الثانية للشر، وهو الخطوة التي يخطوها من يريد أن ينتهك الأعراض، ولذلك ذكره القرآن قبل ذكره للغيبة.
وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عنه نهيا شديد، فقال: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع اللّه عورته، ومن يتّبع اللّه عورته يفضحه في بيته)([80])
وبما أن الأمراء يتعرضون له أكثر من غيرهم، فقد خصهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنهي، فقال: (إنّ الأمير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم)([81])
قلنا: عرفنا الثاني.. فحدثنا عن الثالث.. حدثنا عن الغيبة.
قال الماوردي: ألا يكفيكم في التحذير منها ذلك التشبيه الذي شبه الله به المغتاب حين قال:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} (الحجرات)
وفي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من أكل لحم أخيه في الدّنيا قرّب له يوم القيامة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيّا فيأكله ويكلح ويصيح)([82])
وقال: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع اللّه عورته، ومن يتّبع اللّه عورته يفضحه في بيته)([83])
وقال: (لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس ويقعون في أعراضهم)([84])
وقال: (من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ اللّه يطعمه مثلها من جهنّم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ اللّه يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإنّ اللّه يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة)([85])
وعن جابر قال: كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فارتفعت ريح منتنة، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (أتدرون ما هذه الرّيح؟ هذه ريح الّذين يغتابون المؤمنين)([86])
ومرّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بقبرين فقال: (إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير. أمّا أحدهما فيعذّب في البول وأمّا الآخر فيعذّب في الغيبة)([87])
وعن عائشة قالت: قلت للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حسبك من صفيّة كذا وكذا- تعني قصيرة- فقال: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته). قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: (ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا)([88])
قلنا: عرفنا خطورة الغيبة، والعقوبة المرتبطة بها.. ولكنا لم نعرف حدها؟
قال: لقد حدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه فقد بهتّه)([89])
قال رجل منا: ما دام الأمر كما تقول.. فهنيئا للظالمين.. فسيسطون ويظلمون من غير أن ينتقدهم أحد.
قال الماوردي: كيف تقول ذلك، وأنت تعلم أنه لا تقدس أمة لا ينتقد فيها ظلمتها؟
قال الرجل: ولكن ذلك غيبة كما ذكرت.
قال الماوردي: للغيبة مجالها.. وهم الناس العاديون البسطاء الذين لا ضرر منهم على أحد من الناس.. أما من تعدى وظلم فلا غيبة فيه.
قال الرجل: فهناك مستثنيات من الغيبة إذن؟
قال الماوردي: أجل.. وقد ذكر العلماء ستة منها.
قال الرجل: فما هي؟
قال الماوردي: أولها المتظلّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلّم إلى السّلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.
وثانيها الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصّواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التّوصّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
وثالثها الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقّي، ودفع الظّلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكنّ الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنّه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك، فالتّعيين جائز.
ورابعها تحذير المسلمين من الشّرّ ونصيحتهم، ومن ذلك جرح المجروحين من الرّواة والشّهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.. ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوىء الّتي فيه بنيّة النّصيحة..
وخامسها أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة النّاس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلّا أن يكون لجوازه سبب آخر ممّا ذكرناه.
وسادسها التّعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب؛ كالأعمش والأعرج والأصمّ، والأعمى؛ والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك؛ ويحرم إطلاقه على جهة النّقص؛ ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
فهذه ستّة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه؛ ودلائلها من الأحاديث الصّحيحة مشهورة([90]).
قلنا: عرفنا الثالث.. فحدثنا عن الرابع.. حدثنا عن البهتان([91]).
قال الماوردي: لقد ذكره الله تعالى، فقال:{ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21)} (النساء)، وقال:{ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112)} (النساء)، وقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58)} (الأحزاب)
وأخبر عمن سبقنا من الأمم، فقال: { فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156)} (النساء)
وقال عما وقع في حادثة الإفك:{ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16)} (النور)
قلنا: أليس البهتان هو الكذب على الآخرين؟
قال الماوردي: أجل.. وقد عرفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهتّه)([92])
وعن عليّ بن أبي طالب قال: دعاني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إنّ فيك من عيسى مثلا، أبغضته يهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الّذي ليس به) ألا وإنّه يهلك فيّ اثنان، محبّ يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إنّي لست بنبيّ، ولا يوحى إليّ، ولكنّي أعمل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة اللّه فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم)([93])
وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن عقوبة من يقع في البهتان، فقال: (من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه اللّه في نار جهنّم حتّى يأتي بنفاد ما قال فيه)([94])
قلنا: عرفنا الرابع.. فحدثنا عن الخامس.. حدثنا عن شهادة الزور([95]).
قال الماوردي: شهادة الزور هي قمة الخبائث المرتبطة بالأعراض، ولذلك قرنها الله تعالى بالشرك به، فقال :{ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31)} (الحج)
وأخبر تعالى أن شرك المشركين بعد أن اتضحت لهم الحقائق شهادة زور، قال تعالى :{ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4)} (الفرقان)
ولذلك فإن من صفات المؤمنين الأساسية عدم شهادة الزور، قال تعالى :{ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72)} (الفرقان)
وفي الحديث قال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا)؟) قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: (الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين- وجلس وكان متّكئا، فقال-: ألا وقول الزّور). قال: فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت)([96])
وقال: (من لم يدع قول الزّور والعمل به فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)([97])
وروي أنّ امرأة قالت: يا رسول اللّه أقول: إنّ زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)([98])
وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيبا فقال: (أيّها النّاس، عدلت شهادة الزّور إشراكا باللّه) ثمّ قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم :{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)} (الحج)([99])
قال رجل منا: لم حظي التحذير من شهادة الزور كل هذا الاهتمام من التوجيهات القرآنية والنبوية؟
قال الماوردي: لأن لأصل في الشّهادة أن تكون سندا لجانب الحقّ، ومعينة للقضاء على إقامة العدل، والحكم على الجناة الّذين تنحرف بهم أهواؤهم وشهواتهم، فيظلمون أو يبغون، أو يأكلون أموال النّاس بالباطل، فإذا تحوّلت الشّهادة عن وظيفتها، فكانت سندا للباطل، ومضلّلة للقضاء، حتّى يحكم بغير الحقّ، استنادا إلى ما تضمّنته من إثبات، فإنّها تحمل حينئذ إثم جريمتين كبريين في آن واحد.
الجريمة الأولى: عدم تأديتها وظيفتها الطّبيعيّة الأولى.
الجريمة الثّانية: قيامها بجريمة، تهضم فيها الحقوق، ويظلم فيها البرآء، ويستعان بها على الإثم والبغي والعدوان([100]).
قلنا: عرفنا الثالث.. فحدثنا عن الرابع.. حدثنا عن العدوان بالمنع.
قال الماوردي: لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا الركن من أركان العدوان في قوله:( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)([101])، وقوله:( أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله)([102])
بل نص القرآن الكريم على هذا الركن في مواضع مختلفة بصيغ مشددة تدل على أن الأمر ليس موكولا لرغبات الناس، وإنما هو واجب من واجبات الدين، فلا يصح أن يموت الناس جوعا في نفس الوقت الذي تمتلئ يه خزائن الكثيرين، ولو دفعوا الزكاة.
فالواجب هو إغناء المحتاجين بأدنى ما يجب إغناؤهم به، وما الزكاة إلا وسيلة لذلك، إن كفت فبها، وإن لم تكف وجب في أموال الجميع ما يكفيهم.
والقرآن الكريم يحض على هذا ويصرح به ويشير إليه، قال تعالى :{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)} (المدثر)
فقد اعتبر تعالى عدم إطعام المساكين من الجرائم التي تسبب الدخول في جهنم، بل تقرن هذه الجريمة بترك الصلاة، ثم تقدم على التكذيب بالدين، ثم يتوعدون بعدم نفع الشافعين فيهم.
بل لم يعف القرآن الكريم من هذا الواجب حتى العامة من الناس الذين لا يملكون ما يطعمون غيرهم، لأنه لم يأمر بالإطعام فقط، بل أمر بالحض على الإطعام، ليشمل هذا الأمر الجميع، قال تعالى :{ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)} (الفجر)
وقال تعالى يذكر موقفا من مواقف القيامة الشديدة :{ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} (الحاقة)
بل نجد هذا في سورة كاملة تكاد تكون خاصة بهذا الجانب يعتبر من لا يحض على طعام المسكين مكذبا بالدين، قال تعالى:{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} (الماعون)
قلنا: عرفنا الرابع.. فحدثنا عن الخامس.. حدثنا عن العدوان بالخذلان([103]).
قال الماوردي: لقد أشار الله تعالى إلى هذا الركن من أركان العدوان، فقال:{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)} (آل عمران)، وقال:{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} (آل عمران)، وقال:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)} (التوبة)، وقال:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12)} (الحشر)
وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه في قوله: (ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا خذله اللّه في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره اللّه في موطن يحبّ فيه نصرته)([104])
وأشار إليه في قوله: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا: يا رسول اللّه، هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: (تأخذ فوق يديه)([105])
وفي قوله: (من أذلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذلّه اللّه- عزّ وجلّ- على رؤوس الخلائق يوم القيامة)([106])
وفي قوله: (من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ اللّه يطعمه مثلها في جهنّم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ اللّه يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء، فإنّ اللّه يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة)([107])
وفي قوله: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج اللّه عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة)([108])
قال رجل منا: فهذا يدل على وجوب نصرة المؤمن في كل المحال؟
قال الماوردي: أجل.. فالتناصر ركن من الأركان الكبرى التي يقوم عليها بنيان المجتمع المسلم.. وقد أشار إلى هذا الركن قوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (لأنفال:72)
ففي هذه الآية الكريمة حض على نصر المؤمنين بعضهم بعضا، فلا يصح أن ينعم المسلم بالأمن في الوقت الذي يصاب إخوانه بكل أنواع البلاء.
ولأجل تحقيق هذا الركن شرع الإسلام الجهاد في سبيل الله، قال تعالى في تبرير الأمر بالجهاد مع كونه إزهاقا للأرواح التي جاءت الشريعة لحفظها:{ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرا (75)}( النساء)
وقد ورد هذا التبرير في مواضع مختلفة، وكلها تنطلق من أن الغرض من القتال في الإسلام ليس المقصود منه التوسع ولا الاستعمار والسيطرة، وإنما المقصد منه نصرة المستضعفين، قال تعالى:{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39)} (الحج)، وقال تعالى:{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} (البقرة)، وقالتعالى:{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}( البقرة)
قلنا: عرفنا الخامس.. فحدثنا عن السادس.. حدثنا عن العدوان بالاحتقار([109]).
قال الماوردي: الاحتقار مرض من الأمراض الخطيرة، وهو يجعل المعتدي ينظر إلى غيره كما ينظر إلى الخنافس والبعوض، وقد ذكره الله عن أصناف من الناس جعلهم يستعلون على الرسل وأتباع الرسل، قال تعالى:{ فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27)} (هود)، وقال:{ قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)} (الشعراء)
وقد أجاب الرسل أقوامهم المزدرين بقولهم:{ وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)} (هود)
ولهذا، فقد نهيت هذه الأمة عنه، كما نهي عنه قبلها سائر الأمم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد اللّه إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التّقوى هاهنا) ويشير إلى صدره ثلاث مرّات (بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)([110])
وقال: (من سمّع النّاس بعمله سمّع اللّه به سامع خلقه وصغّره وحقّره)([111])
وقال: (يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة)([112])
وقال: (إنّ من أربى الرّباء الاستطالة في عرض المسلم بغير الحقّ)([113])
وعن أبي مسعود البدريّ قال: لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل([114])، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ اللّه لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء، فنزلت :{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)} (التوبة)([115])
ومن هذا الباب ما ورد في النصوص المقدسة من النهي عن الاستهزاء.. وهو نوع من الاحتقار الخفي، وقد ذكر الله تعالى أنه صفة أعداء الرسل التي قابلوا بها أقوامهم، قال تعالى:{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32)} (الرعد)
وقال:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11)} (الحجر)
وأخبر أنه صفة المنافقين، فقال:{ يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (التوبة)
وأخبر أنه صفة الغافلين، قال تعالى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7)} (لقمان)
وقد نهي المؤمنون لذلك من صحبة هؤلاء المستهزئين، أو مجاراتهم في سلوكهم، قال تعالى:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58)} (المائدة)
وقد أخبر الله تعالى عن الجزاء الذي ينتظر المستهزئين مهما اختلف صنفهم، فقال تعالى:{ وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} (الجاثية)
وقال:{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106)} (الكهف)
ومن هذا الباب ما ورد في النصوص المقدسة من النهي عن الشماتة ([116]).. وهي الفرح بما يصيب الغير من المصائب، وقد اعتبر الله ذلك صفة المنافقين، فقال:{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)} (آل عمران)
وقال:{ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} (التوبة)
وكان النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يتعوّذ من جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء([117]).
وعن المعرور بن سويد، قال: رأيت أبا ذرّ وعليه حلّة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك؟ قال: فذكر أنّه سابّ رجلا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فعيّره بأمّه، قال: فأتى الرّجل النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له، فقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم وخولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم عليه)([118])
وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن العقوبة التي تنتظر الشامتين، فقال: (لا تظهر الشّماتة لأخيك فيرحمه اللّه ويبتليك)([119])
قلنا: عرفنا السادس.. فحدثنا عن السابع.. حدثنا عن العدوان بالهجر.
قال الماوردي: الهجر هو مقاطعة المسلم لأخيه، وعدم اهتمامه به أو حرصه عليه، وهو من أعظم المحرمات كما تدل على ذلك النصوص المقدسة الكثيرة، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك باللّه شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا)([120])
وقال: (لا تحلّ الهجرة فوق ثلاثة أيّام، فإن التقيا فسلّم أحدهما فردّ الآخر اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ برىء هذا من الإثم، وباء به الآخر، وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنّة)([121])
وقال: (لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام)([122])
وقال: (لا يحلّ لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال، فإنّهما ناكبان عن الحقّ ما داما على صرامهما وأوّلهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفّارة له، وإن سلّم فلم يقبل وردّ عليه سلامه ردّت عليه الملائكة، وردّ على الآخر الشّيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنّة جميعا أبدا)([123])
وقال: (لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات، دخل النّار)([124])
وقال: (لا يكون لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلّم عليه ثلاث مرار كلّ ذلك لا يردّ عليه، فقد باء بإثمه)([125])
وقال: (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس: فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه ويردّ أهل الضّغائن بضغائنهم حتّى يتوبوا)([126])
وقال: (من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه)([127])
وعن معاوية القشيريّ قال:
قلت: يا رسول اللّه، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها
إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلّا في البيت)([128])
([1]) أشير به إلى علي بن محمد بن حبيب، أبي الحسن البصري ثم البغدادي، الماوَرْدي (364 ـ 450 هـ)، المُلَقّب بـ (أقضى القضاة)، ولي القضاء ببلدان شتّى، ثم سكن بغداد، وكان من وجوه فقهاء الشافعية، وللماوردي مصنّفات في الفقه والاَُصول والتفسير والاَدب، منها: الحاوي، النكت في تفسير القرآن، الاَحكام السلطانية، الاقناع، مختصر في الفقه، أعلام النبوّة، أدب الدنيا والدين، وقد اخترناه هنا لأجل كتبه في الأخلاق التي ذكرناها في المتن.
([2]) ذكر أبو حامد الغزالي هذه الموعظة المطولة في كتاب ذكر الموت من إحياء علوم الدين، وقد نقلناها هنا بالتصرف الذي ألفناه في هذه السلسلة.
([3]) رواه مسلم.
([4]) رواه أحمد.
([5]) رواه أحمد والبيهقى فى الشعب دون ذكر المثل، وأول الحديث رواه مسلم مختصرا من حديث جابر: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون فى جزيرة العرب ولكن فى التحريش بينهم)
([6]) رواه أحمد واللفظ له والترمذى من حديث الزبير وقال حسن صحيح.
([7]) رواه أحمد بإسناد حسن.
([8]) رواه أحمد وأبو داود.
([9]) رواه البخاري ومسلم.
([10]) رواه أبو داود والطبراني في الأوسط واسناده حسن.
([11]) رواه البخاري ومسلم.
([12]) رواه الطبراني في الأوسط والحاكم واللفظ له وقال: صحيح الإسناد.
([13]) رواه البخاري ومسلم.
([14]) رواه البخاري.
([15]) رواه الترمذي.
([16]) رواه النسائي.
([17]) رواه البخاري ومسلم.
([18]) رواه البخاري ومسلم.
([19]) رواه البخاري ومسلم.
([20]) رواه أحمد.
([21]) يتوجأ: أي يطعن وهي رواية مسلم، وعبارة البخاري يجأ بها أي يطعن أيضا والأصل في يجأ يوجأ.
([22]) رواه البخاري ومسلم.
([23]) رواه البخاري ومسلم.
([24]) رواه البخاري.
([25]) رواه البخاري ومسلم.
([26]) رواه ابن ماجة.
([27]) رواه البخاري.
([28]) رواه البخاري ومسلم.
([29]) سبق ذكر تعريفها وأنواعها والحد المرتبط بها في رسالة (عدالة للعالمين) من هذه السلسلة.
([30]) التّسوّل: طلب الصّدقة من الأفراد في الطّرق العامّة، والمتسوّل: الشّخص الّذي يتعيّش من التّسوّل ويجعل منه حرفة له ومصدرا وحيدا للرّزق (معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (37) للدكتور أحمد زكي بدوي)
([31]) رواه البخاري ومسلم.
([32]) رواه البخاري ومسلم.
([33]) رواه أحمد وأبو داود.
([34]) الحمالة بفتح الحاء: الدية والغرامة التي يحملها الإنسان بسبب الصلح بين الناس.
([35]) رواه مسلم.
([36]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
([37]) بإشراف نفس: أي بتطلع وطمع.
([38]) رواه مسلم.
([39]) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم اليهم.
([40]) رواه البخاري ومسلم.
([41]) رواه مسلم.
([42]) إحياء علوم الدين.
([43]) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
([44]) السّنة: القحط والجدب.
([45]) رواه أحمد.
([46]) رواه الحاكم والطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات.
([47]) رواه أبو داود.
([48]) رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن.
([49]) رواه البخاري ومسلم.
([50]) رواه مسلم.
([51]) رواه أحمد وابن ماجة.
([52]) رواه أحمد.
([53]) رواه الطبراني في الكبير.
([54]) رواه ابن ماجة.
([55]) رواه الترمذي والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الترمذي: روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا.
([56]) رواه البخاري ومسلم.
([57]) أي لا يكون الحاضر (ساكن الحضر) للبادي (ساكن البادية) سمسارا، أي يتقاضى أجرة منه ليبيع له بضاعته، ويجوز ذلك إذا كان البيع بدون أجرة. من باب النصيحة.
([58]) لا تصروا الإبل والغنم: من التصرية وهي الجمع، والمعنى: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها.
([59]) رواه البخاري ومسلم.
([60]) الميسر: هو القمار بأيّ نوع كان، مثل النّرد والشّطرنج أو الفصوص، أو الكعاب، أو البيض، أو الجوز، أو الحصى، أو ما شابه ذلك، وهو من أكل أموال النّاس بالباطل (الكبائر للذهبى: 88)
([61]) الكعبتان مثنى كعبة وهي الواحد من فصوص النرد.
([62]) رواه أحمد والطبراني ورجال الطبراني رجال الصحيح.
([63]) رواه أحمد ورجاله ثقات.
([64]) رواه أحمد وأبو يعلى وزاد (لا تقبل صلاته) والطبراني.
([65]) رواه البخاري ومسلم.
([66]) رواه مسلم.
([67]) رواه الطبراني والأصبهاني من حديث أنس، ونحوه عند ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
([68]) رواه أبو يعلى بإسناد جيد، ورواه الحاكم وصححه.
([69]) رواه ابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
([70]) رواه أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.
([71]) رواه مسلم.
([72]) رواه أحمد وأبو داود.
([73]) رواه أحمد وأبو داود.
([74]) شينه: أي عيبه وذمّه.
([75]) رواه أبو داود.
([76]) رواه البخاري ومسلم.
([77]) رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح.
([78]) سوء الظّنّ: هو اعتقاد جانب الشّرّ وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمل الأمرين معا.
([79]) رواه مسلم.
([80]) رواه أبو داود.
([81]) رواه أبو داود.
([82]) قال ابن حجر: سنده حسن.
([83]) رواه أبو داود.
([84]) رواه أحمد.
([85]) رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
([86]) رواه أحمد وابن أبي الدنيا ورواة أحمد ثقات.
([87]) رواه أحمد والطبراني بإسناد صحيح.
([88]) رواه أحمد.
([89]) رواه مسلم.
([90]) انظر: الزواجر لابن حجر الهيثمي (383- 384).
([91]) البهتان: كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيّره لفظاعته، وسمّي بذلك لأنّه يبهت أي يسكت لتخيّل صحّته، ثمّ ينكشف عند التّأمّل، وهو أفحش من الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراء، وقيل: كلّ ما يبهت له الإنسان من ذنب وغيره (انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر:1/ 165)
([92]) رواه مسلم.
([93]) رواه أحمد.
([94]) رواه الطبراني بإسناد جيد.
([95]) عرفها القرطبيّ بقوله: (شهادة الزّور هي الشّهادة بالكذب ليتوصّل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال)
([96]) رواه البخاري ومسلم.
([97]) رواه البخاري.
([98]) رواه البخاري ومسلم.
([99]) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
([100]) الأخلاق الإسلامية للميداني:1/ 546.
([101]) البزار، والطبراني في الكبير عن أنس.
([102]) مسلم عن ابن عمر.
([103]) الخذلان: ترك النّصرة ممّن يظنّ به أن ينصر (المفردات 144)
([104]) رواه أبو داود والطبراني في الأوسط واسناده حسن.
([105]) رواه البخاري.
([106]) رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.
([107]) رواه أحمد وأبو داود.
([108]) رواه البخاري ومسلم.
([109]) الاحتقار: هو أن يستصغر شخص شخصا آخر أو ما يصدر عنه من معروف يسديه أو هديّة يعطيها.
([110]) رواه مسلم.
([111]) رواه الطبراني في الكبير بأسانيد أحدها صحيح وكذا البيهقي.
([112]) رواه البخاري ومسلم.
([113]) رواه أحمد وأبو داود.
([114]) نتحامل: أي يحمل بعضنا لبعض بالأجرة.
([115]) رواه البخاري ومسلم.
([116]) قال الرّاغب: الشّماتة الفرح ببليّة من تعاديه ويعاديك (المفردات: 273)، وقال القرطبيّ: الشّماتة: السّرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدّين والدّنيا (الجامع لأحكام القرآن (7/ 291)
([117]) رواه البخاري ومسلم.. قال سفيان (راوي الحديث): (الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة لا أدري أيّتهنّ هي)
([118]) رواه البخاري ومسلم.
([119]) رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه.
([120]) رواه مسلم.
([121]) رواه الطبراني في الأوسط والحاكم واللفظ له وقال: صحيح الإسناد.
([122]) رواه البخاري ومسلم.
([123]) رواه أحمد، وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه
([124]) رواه أبو داود.
([125]) رواه أبو داود.
([126]) رواه الطبراني في الأوسط.
([127]) رواه أبو داود.
([128]) رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه.