رابعا ـ مشافي البركة

رابعا ـ مشافي البركة

لست أدري، هل استفقت من حلم جميل، أم أنني رحلت حقيقة إلى تلك العوالم الجميلة.. ولكني عدت لأرى متوسم الغذاء بجانبي، وقد رفع يده عن صدري، وهو يقول: كيف استقبلتك؟.. وهل علمتك؟

قلت: نعم الاستقبال.. وخير التعليم.. فبورك فيها.. فما أعظم أدبها.. وما أكثر علومها.

قال: كل أكوان الله تنعم بما رأيت من أدب، لأنها لا تعرف الصراع.. ولأن قلوبها لا تزال على الفطرة.

قلت: فحدثني عن سر رحلتي.. أهي حلم جميل حلمته؟.. أم هي..

قال: دعك من هذه الأسئلة.. فلا ينبغي أن تسأل عما لا تطيق فهمه.

قلت: صدقت.. فقد عرفت نفسي.. ومن عرف نفسه تواضع وتذلل.

قال: لا بأس عليك.. فستكمل رحلتك في مدرسة السلام.. لتفقه هذا وغيره.. فلا تعجل.

قلت: والآن.. لم يبق لي من هذا القسم إلا مشافي البركة، فكيف أزورها؟

دخل معلم البركة، وهو يقول: هيا.. فمشافي البركة تنتظرك.

قلت: هل سنذهب إلى المشافي.. فإني متلهف لزيارتها؟

قال: أجل..

خرجنا من مخزن الغذاء.. وكانت عيني تتلفت إلى أنواع الأغذية المباركة، فتراها تبتسم وتودعني، وكنت أبادلها كل ذلك.. وقد حمدت الله على أني لم أكن في أرض الصراع، فلو قمت بمثل ذلك فيها لرمي عقلي، ولرماني الأطفال بالحارة.

فجأة رأيت مبنى جميل قد كتب عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له الشفاء إلا الهرم)([1])

دخلنا المشفى المختص بالأدوية المباركة، فرأيت أنواعا كثيرة من الأدوية المحفوظة كما هي من غير أي تبديل أو تغيير فيها.

قلت لمعلم البركة: ألا تستخلصون من أدوية البركة ما ترونه من أنواع العلاج؟

قال: لا.. ألم تعلم بأنا نتعامل مع الدواء كما نتعامل مع الكائن الحي.. ولذلك نرى أن كل تغيير له قد يؤدي إلى قتله ونزع البركة منه.

قلت: فما فائدة وجود الخبراء إذن.. وما الفرق بينهم وبين العامة؟

قال: فائدة الخبراء هو البحث عن أسرار الشفاء في الألوان والأصناف.

قلت: لم أفهم قصدك.

قال: سأضرب لك مثالا بما يخرج من بطون النحل.

قلت: تقصد العسل.. لقد أخبر الله تعالى أنه شفاء، فقال تعالى:{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل:69)

قال: لقد ذكر الله تعالى في هاتين الآيتين اعتبار ما يخرج من بطون النحل شفاء مطلقا.. وهو يدل على أنه شفاء من كل داء.. ولكنه حدد مواصفات لذلك يكمن في البحث عنها دور الخبراء.

قلت: مثل ماذا؟

قال: فقد ذكر المواطن التي ينبغي أن تعيش فيها النحل.. والمآكل التي ينبغي أن تأكلها.

قلت: ألهذا علاقة بالشفاء؟

قال: أجل.. ألم يقل الله تعالى لها:{ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ }

قلت: إن من قومي من يطعمونها السكر..

قال: أيريدون أن يجنو من الشوك العنب.. إن النحل لا يعطي إلا ما يأخذ.. فهل تعطيه مزيفا، وتريد أن يعطيك خالصا؟

قلت: فكيف يتعامل العلماء هنا مع هذا الشرط؟

قال: لقد جعلوا في مخابر التجريب ثمرات مختلفة جلبوها من أنحاء العالم، ثم جربوا تأثير تغذية النحل بها في نوع العسل، ثم جربوه على المرضى بالأمراض المختلفة.

قلت: وهل رأوا تأثير ذلك؟

قال: أجل.. وقد حددوا لكل مرض من الأمراض نوعا خاصا.. ومدة استعمال خاصة.

قلت: وأصحاب الصيدليات عندكم ماذا يفعلون؟

قال: هم يربون الأنواع المختلفة ليعالجوا بها الأدواء المختلفة.

قلت: فالصيادلة عندكم مربو نحل؟

قال: لا.. ليسوا مربو نحل فقط.. بل هناك أدوية أخرى.. ستراها.. وما ذكرته لك مجرد مثال.

قلت:..

قال: والله تعالى ذكر في الآية أنه { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ }، فلم يسم ما يخرج من بطونها عسلا.. وفي ذلك دلالة على أن العلاج يشمل كل ما يخرج من بطونها سواء كان عسلا أو غيره.

قلت:..

قال: ثم ذكر الألوان المختلفة، وهو دليل على أن لها تأثيرا في الشفاء.. وفي انواع الشفاء.

قلت: فهمت هذا ووعيته.. فكيف نتعرف على مشافي البركة؟

قال: سترحل إليها كما رحلت في مخزن البركة.

قلت: وأين متوسم البركة ليضع يده على صدري.

ضحك، وقال: لا.. لن تحتاج إلى ذلك.. تلك كانت البداية.. وكنت تحتاج إلى مدد من البركات.. أما لآن.. فقد صارت لك القدرة بحمد الله على سماع أصوات الكائنات.

قلت: فماذا أفعل حتى أسمع أصواتها.

قال: تعال.. اجلس.. واسترخ تحت ظل هذه الشجرة المباركة.. وستأتيك أنواع الأدوية المباركة لتخبرك عن بركاتها.

قلت: وأنت..

قال: ستجدني بجانبك.. كلما احتجت إلي..

العسل

كان المكان جميلا، تفوح فيه الروائح العطرة، وتغرد بجانبه أصوات العنادل، وكان البساط الذي اتكأت عليه لا يختلف عن بساط الريح الذي سمعت حديثه في الأساطير، فقد كان يرفرف بي، وكأني أسبح في النسيم العليل.

فجأة طنت بجانب أذني نحلة، فاهتززت لطنينها، وحملت يدي أريد أن أبطش بها، فصاحت: ما الذي تفعله يا رجل؟

قلت: من الذي أرسلك إلي لتكدير صفوي؟

قالت: أنا لم يرسلني الله لأكدر صفو أحد، بل أرسلني لمداواة الآلام وغسل الجراح.. أرسلني لأبعث الابتسامة في الحناجر المملوءة أنينا.

قلت: ولكن الله أمرك أن تتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر، ولم يرسلك إلى جلدي وأذني.

قالت: لا.. أنا كلي علاج حتى قرصتي التي تخاف منها دواء وشفاء.

قلت: قرصك يؤلمني.. وقبل ذلك يخيفني.

قالت: ولكنه يشفيك ويعافيك.. قل لي: أيهما أعظم بركة: تلك الحقنة التي تملؤونها سموما، ثم تحقنون بها أجسادكم، أو قرصتي المباركة التي تفوح بأنوار الشفاء، وبركات العافية.

قلت: لا أستطيع أن أجيبك الآن.. فأنا لم أجلس هذا المجلس لأتحدث.

قالت: فلم جلست إذن؟

قلت: جلست كما يجلس المتوسمون لأسمع بركات الشفاء.

قالت: ومن يعلمك بركات الشفاء؟

قلت: اسكتي.. ألم تعلمي بأن الله رزقني سماع أصوات الكائنات؟.. وقد سمعت في مخزن الأغذية المباركة ما ينقضي دونه العجب.

قالت: وماذا تريد أن تسمع هنا؟

قلت: أريد أن أسمع أصوات الأدوية المباركة، وقد كدت أسمعها لولا أن جئت لتكدري صفوي.

قالت: أنا لم آت لأكدر صفوك.. بل أنا رسول معلم البركة إليك لأعرفك على مصانع الشفاء التي كلفني الله بإدراتها.

قلت: أنت لم تأتي إلي صدفة إذن.

قالت: لا وجود للصدفة في الكون ألم تقرأ ( أسرار الأقدار)؟

قلت: لم أرحل إليها بعد، فتلك في المرحلة الجامعية، وأنا لا أزال تلميذا في المدرسة الابتدائية.

قالت: إذن سأحاول أن أبسط في حديثي معك بقدر الإمكان.

قلت: هل تحتقرين كفاءتي لهذه الدرجة؟

قالت: أنا لا أحتقرك، ولكني نهيت أن أحدث الناس على خلاف ما تستطيعه عقولهم.

قلت: فحدثيني عن أسرار بركاتك.

قالت: سأبدأ بالشراب المبارك، والذي تسمونه العسل.

قلت: وهل هناك غيره؟

قالت: أجل.. وسنرجئ الحديث عنه إلى آخر الجلسة.

قلت: فحدثيني عن العسل.

بركات التكوين:

قالت: يتركب العسل من مواد مختلفة كلها بركات.. أولها ما تسمونه الغلوكوز، أو سكر العنب، وهو يوجد في بنسبة 75 بالمائة.. وأساس اختياري لهذا النوع من السكر هو أنه السكر الأساسي الذي تسمح جدران الأمعاء بمروره إلى الدم.. على عكس بقية الأنواع من السكاكر، وخاصة السكر الأبيض المعروف بسكر القصب، والذي يتطلب من جهازكم الهضمي إجراء عمليات متعددة من التفاعلات الكيماوية، والاستقلابات الأساسية، حتى تتم عملية تحويله إلى سكاكر بسيطة أحادية كالغلوكوز.

قلت: فأنت تستعملين هذا كمسوغ إذن..

قالت: لا.. لا أستعمله مسوغا فقط.. ألا تعلم أن عسلي غذاء وشفاء.. فسكري الذي حدثتك عنه ليس سهل الامتصاص فقط، بل هو بالإضافة إلى ذلك سهل الادخار.. فهو يتجه بعد الامتصاص مباشرة إلى الكبد، ليتحول إلى غلوكوجين، يتم ادخاره فيه لحين الحاجة.. فإن دعت الضرورة لاستخدامه يعاد إلى أصله ليسير مع الدم، فيغذي الجسم بما يحتاج من طاقة.

قلت: مهما يكن، فإن ما لدينا من السكر يغني عن سكرك.

قالت: لا تقل هذا.. فلا يمكن لك أن تقارن سكري بما لديكم من السكر.. فتمثل سكري في الجسم سهل وسريع.. ولا يضر سكري الكلى، ولا يسبب تلف أنسجتها.. ويزود سكري بأعظم وحدات النشاط بأقل صدمة للجهاز الهضمي([2]).. ولا يسبب أي اضطرابات في الأغشية الرقيقة للقناة الهضمية.

وفوق ذلك، فإن تناول كميات كبيرة من عسلي بدلاً من أي مادة حلوة ثانية لا يحدث أي ضرر للجسم، بل تجد أن النفع منه أكيد.

قلت: عرفت هذا المكون من مكونات العسل.. فحدثيني عن سائر المكونات.

قالت: عسلي يتكون من مواد كثيرة، منها ما عرف، ومنها ما لا يزال في طي النسيان، فمما عرف: بعض الأحماض العضوية وكمية قليلة من البروتينيات، وكمية لا بأس بها من الخمائر الضرورية لتنشيط تفاعلات الاستقلال في الجسم، وتمثيل الغذاء.

قلت: وما هذه الخمائر؟.. وما فائدتها؟

قالت: منها خميرة الأميلاز، وهي الخميرة التي تحول النشاء الذي في الخبز ومختلف المواد النشوية، إلى سكر عنب.. ومنها خميرة الأنفزتاز: وهي التي تحول سكر القصب إلى سكاكر أحادية يمكن امتصاصها في الجسم.. ومنها خميرتا الكاتالاز والبيروكسيداز: وهما ضروريتان في عمليات الأكسدة والإرجاع التي في الجسم.. ومنها خميرة الليباز: وهي الخاصة بهضم الدسم والمواد الشحمية..

قلت: بورك في خمائرك.. فحدثيني عن أملاحكم، فإني أعلم ما لها من تأثير على الصحة.

قالت: أملاح عسلي المعدنية قليلة، فهي تشكل نسبة 0.018 بالمائة من مكوناته، وعلى الرغم من ضآلة نسبتها، فإن لها أهمية كبرى، بحيث تجعل العسل غذاء ذا تفاعل قلوي.. مقاوماً للحموضة.. وله أهمية كبرى في معالجة أمراض الجهاز الهضمي المترافقة بزيادة كبيرة في الحموضة والقرحة.

ومن أهم العناصر المعدنية التي في العسل: البوتاسيوم والكبريت والكالسيوم والصوديوم والفوسفور والمنغزيوم والحديد والمنغنيز.. وكلها عناصر معدنية ضرورية لعملية بناء أنسجة الجسم الإنساني وتركيبها.

قلت: والفيتامنيات تلك المركبات المملوءة بأسرار الحياة؟

قالت: في عسلي كميات قليلة من الفيتامينات التي لها وظائف حيوية مهمة: فمنها فيتامين ب1، وله دور أساسي في عمليات التمثيل الغذائي داخل الجسم، ولا سيما بالنسبة للجملة العصبية.. ومنها فيتامين ب 2، وهو يدخل في تركيب الخمائر المختلفة التي تفرزها الغدد في الجسم.. ومنها فيتامين ب3 وهو فيتامين مضاد لالتهابات الجد.. ومنها فيتامين ب5، ومنها فيتامين بث: المضاد النزيف.. ومنها فيتامين ج: بنسبة 50 ملغ لكل كيلوغرام وله دوره في مناعة الجسم ومقاومته للأمراض.. ومنها..

قلت: ومم يتكون عسلك أيضا؟

قالت: من حبيبات غروية وزيوت طيارة، تعطيه رائحة وطعماً خاصاً.. ومنها مواد ملونة تعطيه لونه الجميل.

قلت: أهذا ما تتركبين منه.. إن كل ما ذكرت يوجد في سائر الأغذية.. وقد يوجد بكميات أوفر.

قالت: لا.. توجد مكونات أخرى لم تعرفوها.. ولعلك لم تستوعب ما قال لك معلم البركة.

قلت: وما قال؟

قالت: ألم يقل لك: إن الشأن ليس في المكونات، بل الشأن في البركة.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: ألا تجد في المعارك الجندي القصير النحيف يصول ويجول، بينما يرتد على عقبه الرجل العملاق الضخم.

قلت: صحيح هذا.. وقد قال الشاعر فيه:

ترى الرجلَ النحيفَ فتزدريه
فتزدريهِ
  وفي أثوابِه أسد مزيرُ

ويعجبُكَ الطريرُ فتبتليه

  فيخلفُ ظنكَ الرجلُ الطريرُ

فما عُظْمُ الرجالِ لهم بفخرٍ

  ولكن فَخْرُهُمْ كَرَمٌ وخَيْرُ

لقد عَظمَ البعيرُ بغيرِ لبٍ

  فلم يستغنِ بالعظمِ البعيرُ

يصرِّفهُ الصبيُّ بكلِّ وجهٍ

  ويحبسُهُ على الخَسْفِ الجرير

بركات الشفاء:

قالت: أما إن قلت هذا.. فقد جعلني الله جنديا من جندي الشفاء.. وشرفني بما لم يشرف به أحدا من مصانع الشفاء التي تفخرون بها.

قلت: وبم شرفك؟

قالت: ألم تسمع ما ورد في من القرآن الكريم؟

قلت: بلى.. فقد قال تعالى:{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل:69)

قالت: إن أول ما شرفني به هو الوحي الذي تمتلئ به جوارحي وكياني، فتراني أرقص جذلة، وأنا أستمع إليه.

قلت: إن قومي يفسرون الوحي الوارد في الآية بالإلهام والهداية والإرشاد.

قالت: أي إلهام يقصدون؟

قلت: الإلهام الغريزي..

قالت: أتعني أني لا أسمع شيئا.. ولا أشعر بشيء إلا أني أتحرك حركات آلية كحركات مصانعكم.

قلت: هذا ما يقصدون.

قالت: بئس ما يقولون..فليسلبوني من حياتي خير لي من أن يقولوا عني هذا.

قلت: فهل تسمعين الوحي حقيقة؟

قالت: أسمعه وأعيشه وأطرب له.. ولا أحسب أن عسلي إلا ثمرة مباركة من ثماره.. إن عسلي ملقح بنور الوحي.. مطعم بجمال الإرشاد الرباني.

قلت: ما بالك غضبت هكذا؟

قالت: كيف لا أغضب.. وأنتم تسلبونني أخص خصوصياتي.. أرأيت لو أن أحدهم رمى حركاتكم بالآلية، ورمي جهودكم بالجبرية.. أترضون بذلك؟

قلت: لا نرضى.. بل تأخذنا الحمية.

قالت: فكيف تريدون مني أن لا أغضب؟

قالت: أنت مجرد نحلة.

قالت: أفيك رائحة من روائح إبليس الذي تاه بناره على طينكم.

قلت: معاذ الله.

قالت: فلم تقول هذا إذن، وقد قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}(البقرة:26)، وقال تعالى:{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ }(الأنعام:38)

قلت: سلمت لكلام ربي.. فحدثيني عن أسرار الشفاء فيك.

قالت: إن بركات الوحي التي تملأ كياني تتغلغل في جزيئات العسل، فتملؤها بإكسير الشفاء.. فلذلك لا يعجز إكسير شفائي عن أي داء.

قلت: لدينا أدواء كثيرة تملأ مستشفياتنا.. ولا نرى لها من علاج.

قالت: فلم لم تجربوا العسل.. بل لم لم تداووا بالعسل.. فقد جعله الله شفاء لكل داء.

قلت: لعلهم داووا به.. فلم يفلح.

قالت: معاذ الله.. كلام الله لا يتخلف.. ألم تسمع ما ورد في الحديث أن رجلاً جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( اسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه، سقيته عسلاً، فما زاده استطلاقاً، قال:( اذهب فاسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه ما زاده إلا استطلاقاً، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم:( صدق اللّه وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً فبرئ([3]).

قلت: سمعت هذا الحديث كثيرا، وسمعه قومي.

قالت: سمعتموه، أم قرأتموه.

قلت: سمعناه وقرأناه.. وتكلمنا به.

قالت: فماذا وجدتم؟

قلت: أما القدماء، فقالوا: كان لهذا الرجل فضلات، فلما سقاه عسلاً، وهو حار تحللت فأسرعت في الاندفاع، فزاده إسهالاً، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه، ثم سقاه فازداد التحليل والدفع، ثم سقاه فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه، وصلح مزاجه واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته صلى الله عليه وآله وسلم.

أما المحدثون..

قالت: فقالو:..

قلت: أهذا ما تقصدين؟

قالت: لا.. أنتم لم تسمعوا الحديث بعد، بل اكتفيتم بقراءته.

قلت: كيف هذا؟

قالت: سماعه ـ الذي هو التحقق به ـ يدلكم على المنهج الذي تستعملون به العسل شفاء لكل داء.

قلت: كيف ذلك؟

 قالت: أرأيت لو أن طبيبا غبيا من أطبائكم أجرى هذه التجربة على من استطلق بطنه، فسقاه عسلا.. فرأى بطنه يزيد استطلاقا ماذا سيفعل؟

قلت: سيقدم دراسة تحذر المرضى من استعمال العسل.. أو قد يوضع في أواني العسل: لا يصلح استعماله لمن يستطلق بطنه.

قال: ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أدرك ما في قوله تعالى:{ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ }(النحل:69)أدرك أن الشفاء لا بد أن يتحقق، لأن كلام الله لا يتخلف.. ولذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول:( عليكم بالشفاءين العسل والقرآن)([4]

قلت: ولكن الخبراء عندنا يجربون([5]).

قالت: هم يجربون بعض التجارب.. لا كل التجارب.. هم يجربون على الفئران، والفئران ليست بشرا([6]).. وهم يجربون بلون من ألوان العسل، والعسل ألوان متعددة.. وهم يجربون بعسل مستنتج من غذاء معين، والأغذية كثيرة، ووفق ذلك يجربون ذلك بكميات معينة ومدد محددة..

أجبني: ألا يتطلب وصول تأثير بعض الأدوية عندكم شهورا؟

قلت: من الأدوية ما يحتاج استعماله سنوات.

قالت: فكيف تطلبون من ملعقة عسل واحدة أن تقضي على جميع عللكم.. وبين عشية وضحاها.

قلت: كل ما ذكرته صحيح.. ولكنه ليس سوى استنتاجات.. لا حقائق.. ونحن لا نسلم إلا للحقائق التي دلت عليها التجارب.

قالت: أما إن قلت هذا.. فسأدلك على رجل من أهل الله.. استطاع أن يعالج بعسلي بعض الأدواء التي تملأ قلوبكم بالمخافة.

قلت: من؟

قالت: ها هو ذا أمامك.

التفت، فرأيت صاحب لحية طويلة، يظهر من هندامه أنه بعيد كل البعد عن الحضارة وما تتزين به، قال لي مفاجئا: لا تنظر إلى لحيتي وثيابي..فالإنسان ليس لحية ولا ثيابا.

قلت: زعمت هذه النحلة أنك قد توصلت إلى علاج الأدواء الخطيرة بالعسل.

قال: أجل.. أنا أعيش في أدغال إفريقية.. وقد أصاب بعض إخواني هذا الداء الخطير الذي تسمونه فقدان المناعة المكتسبة.. وقد كان عفيفا طاهرا.. ولكن بعض المجرمين من ذوي البشرة البيضاء حقنوه به، وهم يزعمون أنهم يعالجونه لألم أصاب ضرسه.

قلت: فما فعلت؟

قال: لقد سمعت ما أوحى الله تعالى به إلى النحل.. فرحت إلى بعض الأدغال، وأخذت أجرب الأنواع المختلفة من العسل.. وبالمقادير المختلفة إلى أن وصلت إلى التركيبة التي لا يقوم لهذا المرض معها قائمة.

قلت: فلم لم تكتف بشراء العسل بدل إرهاق نفسك بالذهاب إلى الأدغال؟

قال: فعلت ذلك لسببين.. أما أحدهما، فلعدم ثقتي فيما يباع من عسل.. فهم يطعمونه سمومهم، وأما الثاني، فليقيني أن العسل ابن ما يأكله كما أن الدواء ابن العناصر التي يتكون منها.

قلت: أتقصد أن النحل مصنع من مصانع الدواء؟

قال: أجل.. هو مصنع يقوم بتحليل ما يأكله ليصنع منه إكسير العلاج.. فلذلك تختلف أنواع العسل باختلاف تغذية النحل.

قلت: فنلرجع إلى أخيك.. فهل شفي؟

قال: شفي شفاء تاما بحمد الله.. وقد أجرى له بعض المتوسمين تحاليل خاصة، فوجده قد عوفي عافية تامة.. بل اكتسب فوق ذلك من الصحة ما كان غائبا عنه.

قلت: فهل عدت وجربيته على غيره؟

قال: جربته على كثيرين.. وكلهم بحمد الله شفوا.

قلت: فهل تصف لي نوع التركيبة العسلية التي استخدمتها.. أم أنك تحتفظ بها سرا.

قال: انا لا أحتفظ بها.. ومعاذا الله أن أكتم ما علمني الله.. ولكنه لم يؤذن لي في نشرها في الوقت الحالي.

قلت: لم؟

قال: لقد جعل الله هذا الداء من الأدواء التي نزلت عقوبة على عباده بسبب إفراطهم في الانحراف.. ولم يأذن الله لهذه العقوبة أن ترفع بعد.

قلت: فهل نسكت عن البحث عن علاجها؟

قال: لا.. ابحثوا كما تشاءون.. وستجدون قريبا دواءها.. وستجدون للعسل من ذلك لحظ الأوفى.. ولكن اعلموا أنكم ستبتلون بغير هذا الداء.. ولعله أخطر منه إن ظللتم على هذا الانحراف.. فهذه سنة الله.. وسنته لا تتخلف.

قلت: فهل وجدت علاجا لأدواء أخرى؟

قال: أنا الآن بصدد البحث عن علاج يشفي من جميع أنواع السرطان.

قلت: هذا مهم جدا.. فهل توصلت إليه.

قال: توصلت إلى تركيبة عسلية تجعل من الأورام الخبيثة أوراما طيبة لا تؤذي صاحبها.. ولكني لم أكتف بذلك.. بل أريد أن يفتح الله علي باستئصالها تماما.

قلت: ذلك يستدعي عمليات جراحية.

قال: أنا من جهة لا تؤمن بهذه العمليات.. فلذلك نرمم ما يحتاج إلى الترميم من غير عمليات.

قلت: فدلني على ذلك..

قال: لم يأذن لي معلم البركات ولا معلم السلام في تعليمك هذه العلوم.

قلت: لم؟..

قال: لكل شيء أهله.. ولست من أهل هذا الباب.

قلت: فلم أخبرتموني؟

قال: إدراك الحقائق يستدعي هذه المعارف.. أما التفاصيل.. فتعرف عند أهلها.

قلت: ألا تأذنون لي في العلاج بالعسل؟

قال: لا نأذن لك ولا لغيرك ممن لم يؤته الله الفهم في هذا الباب.

أردت أن أحدثه فإذا به يهم بالانصراف، قلت: إلى أين.. فالحديث معك متعة لا تدانيها متعة.

قال: النحل في انتظاري.. وقد قدمت لهم اليوم طعاما خاصا لأنظر نوع العسل الذي يقدومه لي.. ثم نوع الشفاء الذي يجعله الله فيه.

وقد سمعت اليوم من بعض الصالحين حديثا، أريد أن أطبقة في العلاج.

قلت: وما سمعت؟

قال: سمعته صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول:( من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء)([7]

انصرف.. فعادت النحلة، تقول: هذا مثال واحد.. وأعرف من أمثاله الكثير ممن آتاهم الله الفهم عنه.

قلت: إن ما ذكره الشيخ دلني على مناهج جديدة يمكن استعمالها في الطب.. فنحن مقصرون جدا في استعمال العسل وفي البحث عن أسراره.

قالت: لأن شركات الأدوية هي التي تتحكم في صحتكم.. وهي لا يهمها من صحتكم إلا ما يملأ جيوبها.

قلت: ولكن العسل غال..

قالت: هو أرخص بكثير من الأدوية التي تملؤكم سموما.. ثم إن مصدر غلائه هو تقصيركم فيه.. ولو أحسنتم تربيته ووفرتم الجو الملائم له لاستغنيتكم عن السكر المملوء بالسموم واستعملتم العسل.. ليكون لكم دواء وغذاء.

قلت: وعيت هذا.. فعودي بي إلى أرض قومي ومعاملهم، وأخبريني عما اكتشفوا في عسلك من أسرار الشفاء.

قالت: لقد اكتشفوا الكثير مما لا يمكن حصره، وسأكتفي بذكر ما تمس الحاجة إليه.

قلت: فاذكريه بورك فيك.

قالت: أولا.. من أهم خواص عسلي أنه وسط غير صالح لنمو البكتيريات الجرثومية والفطريات.. ولذلك فهو قاتل للجراثيم، مبيد لها أينما وجدت..

قلت: ولكني سمعت شائعة في الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة تنص على أن العسل ينقل الجراثيم، كما ينقلها الحليب بالتلوث.

قالت: تلك شائعة أشاعها المجرمون عنا.. وقد ألهم الله طبيب الجراثيم ساكيت، فقام باختبار أثر العسل على الجراثيم بالتجربة العلمية.. فزرع جراثيم مختلف الأمراض في العسل الصافي.. وأخذ يترقب النتائج..

قلت: فماذا وجد؟

قالت: لشد ما كانت دهشته عظيمة عندما رأى أن أنواعاً من هذه الجراثيم قد ماتت خلال بضع ساعات في حين أن أشدها قوة لم تستطع البقاء حية خلال بضعة أيام.

قلت: ماتت الجراثيم إذن؟

قالت: ماتت طفيليات الزحار ( الديزيتريا)بعد عشر ساعات من زرعها في العسل.. وماتت جراثيم حمى الأمعاء ( التيفوئيد)بعد أربع وعشرين ساعة.. أما جراثيم الالتهاب الرئوي.. فقد ماتت في اليوم الرابع.. وهكذا لم تجد الجراثيم في العسل إلا قاتلاً ومبيداً لها.

قلت: فيمكن استعمال العسل مادة علاجية بهذه الخاصية.

قالت: أجل.. فقد وجد أن الحفريات التي أجريت في منطقة الجيزة بمصر دلت على وجود إناء، فيه عسل، داخل الهرم، مضى عليه ما ينوف على ثلاثة آلاف وثلاثمائة عام.. وعلى الرغم من مرور هذه المدة الطويلة جداً، فقد ظل العسل سليما لم يتطرق اليه الفساد.. بل إنه ظل محتفظاً بخواصه، لم يتطرق إليه الفساد.. بل إنه ظل محتفظاً حتى بالرائحة المميزة للعسل!!

قلت: هذه بركات عظيمة.. فزيديني من بركاتك؟

قالت: العسل الذي يتألف بصورة رئيسة من سكر العنب يمكن استعماله في كل الاستطبابات المبنية على الخواص العلاجية لهذا السكر كأمراض الدورة الدموية، وزيادة التوتر والنزيف المعوي، وقروح المعدة، وبعض أمراض المعي في الأطفال، وأمراض معدية مختلفة مثل التيفوس والحمى القرمزية والحصبة وغيرها.. بالإضافة إلى أنه علاج ناجح للتسمم بأنواعه.

بالإضافة إلى أن السكر المدخر في الكبد ( الغلوكوجين)ليس ذخيرة للطاقة فحسب.. بل إن وجوده المستمر في خلايا الكبد وبنسبة ثابتة يشير إلى دوره في تحسين وبناء الأنسجة والتمثيل الغذائي.. زيادة على أن هذا استعمل حديثاً، وعلى نطاق واسع، ليزيد من معاونة الكبد لمضادة التسمم.

قلت: فزيديني من أخبار بركاتك.

قالت: يحتوي العسل على عامل فعال جداً، له تأثير كبير على الخضاب الدموي (الهيموغلوبين)، وقد جرت دراسات حول هذا الأمر في بعض المصحات السويسرية أكدت التأثير الفعال على خضاب الدم حيث ازداد قوام الخضاب في الدم من 57 بالمائة إلى 80 بالمائة في الأسبوع الأول، أي بعد أسبوع واحد من المعالجة بالعسل.. كما لوحظت زيادة في وزن الأطفال الذين يتناولون العسل مقارنة بالأطفال الذين لا يعطون عسلاًَ.

قلت: رأيت بعض قومي يستعملون عسلك في شفاء الجروح.

قالت: أحسنوا صنعا.. وقد أثبتت معاملكم هذا.. وقد دلت الإحصائيات التي أجريت في عام 1946 على نجاعة العسل في شفاء الجروح ذلك أن الدكتور ( س. سميرنوف)، وهو أستاذ في معهد تومسك الطبي استعمل العسل في علاج الجروح المتسببة عن الإصابة بالرصاص في 75 حالة، فتوصل إلى أن العسل ينشط نمو الأنسجة لدى الجرحى الذين لا تلتئم جروحهم إلا ببطء.

وفي ألمانيا يعالج الدكتور (كرونيتز)وغيره آلاف الجروح بالعسل وبنجاح، مع عدم الاهتمام بتطهير مسبق، والجروح المعالجة بهذه الطريقة تمتاز بغزارة افرازاتها إذ ينطرح منها القيح والجراثيم.

ولهذا ينصح الدكتور (بولمان)باستعمال العسل كمضاد جراحي للجروح المفتوحة.. ويعرب عن رضاه التام عن النتائج الطيبة التي توصل إليها في هذا الصدد لأنه لم تحدث التصاقات أو تمزيق أنسجة أو أي تأثير عام ضار..

قلت: فلعسلك تأثير في الجلد إذن؟

قالت: أجل.. لا شك في ذلك.. وفي بعض الدول الأوروبية يقوم الريفيون بربط أماكن الحروق والجروح والتسلخات بأشرطة من القماش المدهون بالعسل.

وأثبتت حادثة واقعية لطفل انسكب عليه كوب من الشاي المغلي أدى إلى التهاب جلد الصدر والبطن، ومع دهانه سريعًا بالعسل المتجمِّد؛ في الصباح بعد الكشف عن أماكن الحرق تبين أن السطح البطني للجسم أبيض عاديّ، كأن لم يصبه شيء مع ظهور فقاعة بحجم حبة العنب في أعلى الصدر ممتلئة سائلاً يبدو أنها كانت قليلة الالتهاب؛ فلم تُرَ، ولم تُدهَن بالعسل، ومع المقارنة بين السطحين تبين المفعول الأكيد للعسل.

وفي الطب الروسي الشعبي كانت تُستعمَل لبخة العسل المخلوط بالدقيق لعلاج الخراريج السميكة التي تصيب الأكف والأقدام وكذلك سل الجلد.

وقد نشر الباحثون العاملون في عيادة الأمراض الجلدية، سنة 1945، في المعهد الطبي الثاني، في موسكو مقالة عن النجاح في علاج سبعة وعشرين مريضاً، من المصابين بالدمامل والخراجات، ثم شفاؤهم بواسطة استعمال أدهان العسل كمراهم.. ولا يخفى ما للادهان بالعسل من أثر في تغذية الجلد، وإكسابه نضارة ونعومة.

قلت: فلعسلك علاقة لهذا بالجمال؟

قالت: لا شك في ذلك.. فالعسل من مصادر الجمال؛ ولهذا يُستخدَم كمحلول للوجه مع اللبن؛ حيث يغذي العسل الجلد ويزيده بياضًا ونعومةً، ويقيه من الميكروبات، كما يعمل العسل على شدِّ الجلد المرتخي والمتشقق، والشفتين ولهذا ينصح بخلط (30)جرامًا من العسل بمثلها من عصير الليمون بنصف مثلها من ماء الكولونيا لهذا.

بل يعتبر العسل وعصير الليمون أحسن المواد لعلاج ضربة الشمس وتهيج وتبقع الجلد.

قلت: والجهاز التنفسي.. فإن أكثر المرضى يترددون على أطباء الجهاز التنفسي.

قالت: فانصحهم بالتردد على عسلي.

قلت: كيف؟

قالت: لقد استعمل العسل لمعالجة أمراض الجزء العلوي من جهاز التنفس، ولا سيما التهاب الغشاء المخاطي وتقشره، وكذلك تقشر الحبال الصوتية.

وتتم المعالجة باستنشاق محلول العسل بالماء الدافئ بنسبة 10 بالمائة خلال 5 دقائق.. وقد بين الدكتور ( كيزلستين)أنه من بين 20 حالة عولجت باستنشاق محلول العسل.. فشلت حالتان فقط.. في حين أن الطرق العلاجية الأخرى فشلت فيها جميعاً.. وهي نسبة عالية في النجاح.

ولهذا كله يستعمل العسل ممزوجاً بأغذية وعقاقير أخرى كعلاج للزكام.. وقد وجد أن التحسن السريع يحدث باستعمال العسل ممزوجاً بعصير الليمون بنسبة نصف ليمونه في 100غ من العسل.

قلت: بالمناسبة.. لقد رأيت فيلما عن ابن سينا.. وقد لاحظت أنه عالج السل في أطواره الأولى بالعسل.. فهل هذا صحيح.. أو هو مجرد مبالغة فنية؟

قالت: لا.. هذا صحيح.. ولو أنه لا ينبغي أن تأخذ علمك من الأفلام.. فبعض أهلها لا يتقون الله فيما يوزعونه من معلومات.

قلت: فهل ما فعله ابن سينا صحيح من وجهة النظر الحديثة؟

قالت: أجل.. وقد كان الدكتور ( ن. يورش)، وهو أستاذ الطب في معهد كييف، يرى أن العسل يساعد العضوية في كفاحها ضد الإنتانات الرئوية كالسل وخراجات الرئة والتهابات القصبات وغيرها..

قلت: عرفنا أثر عسلك في الصدر.. فما أثره في تلك العضلة التي تضخ الدماء في الجسم؟

قالت: عضلة القلب التي لا تقصر في حفظ دوران الدم، وبالتالي تعمل على سلامة الحياة.. لا بد لها من غذاء يقوم بأودها.. وقد عرفت أن العسل لوفرة ما فيه من سكر العنب يقوم بهذا الدور.. ومن هنا وجب إدخال العسل في الطعام اليومي لمرضى القلب.

قلت: فلننزل إلى الجهاز الهضمي.

قالت: إن المنطق الأساسي لاستعمال العسل كعلاج لكافة أمراض المعدة والأمعاء المترافقة بزيادة في الحموضة، هو كون العسل غذاء ذا تفاعل قلوي.. يعمل على تعديل الحموضة الزائدة.. ففي معالجة قروح المعدة والأمعاء ينصح بأخذ العسل قبل الطعام بساعتين أو بعده بثلاث ساعات.

وقد تبين أن العسل يقضي على آلام القروح الشديدة، وعلى حموضة الجوف والقيء.. ويزيد من نسبة هيموغلوبين الدم عند المصابين بقرح المعدة والاثنى عشري.

وقد أثبتت التجربة اختفاء الحموضة بعد العلاج بشراب العسل، كما أظهر الكشف بالتصوير الشعاعي اختفاء التجويف القرحي في جدار المعدة لدى عشرة مصابين بالقرحة من أصل أربعة عشر مريضاً، وذلك بعد معالجتهم بشراب العسل، لمدة أربعة أسابيع، وهي نسبة عالية معتبرة.

قلت: فنلسر قليلا نحو اليمين حيث يتربع الكبد على عرشه.

قالت: إن كافة الحوادث الاستقلالية تقع في الكبد تقريباً، وهو يدل على مدى الأهمية التي يكتسبها هذا العضو من أعضاء الجسم.

قلت: أعلم ذلك.. ولكني أبحث عن بركات الشفاء بالعسل.

قالت: لقد ثبت بالتجربة أن سكر العنب الذي هو المادة الرئيسية المكونة للعسل، يقوم بعمليتين اثنتين.. أما الأولى، فإنه ينشط عملية التمثيل الغذائي في الكبد.. وأما الثانية فإنه ينشط الكبد لتكوين الترياق المضاد للبكتريا لزيادة مقاومة الجسم للعدوى.

كما تبين أن للعسل أهمية كبيرة في معالجة التهاب الكبد والآلام الناتجة عن حصوات الطرق الصفراوية.

قلت: فلننزل إلى جهاز الإطراح الذي يخلص الجسم من الفضلات.

 قالت: يرى الدكتور ( ريمي شوفان)أن سكر الفواكه الذي يحتوي العسل على نسبة عالية منه يسهل الإفراز البولي أكثر من سكر العنب، وأن العسل أفضل من الاثنين معاً، لما فيه من أحماض عضوية وزيوت طيارة وصباغات نباتية تحمل خواص فيتامينية.

ولئن كثر الجدل حول العامل الفعال الموجود في العسل الذي يؤدي إلى توسيع الأوعية الكلوية وزيادة الإفرازات الكلوي أو ما يسمى بالإدرار، إلا أن تأثيره الملحوظ لم ينكره أحد منهم، حتى إن الدكتور ( ساك)بين أن إعطاء مئة غرام ثم خمسين غراماً من العسل يومياً أدى إلى تحسين ملموس، وزوال كل من التعكر البولي والجراثيم العضوية.

قلت: فلنصعد إلى الجهاز العصبي.. فما بركاتك عليه؟

قالت: لقد أثبتت المشاهدات السريرية الخواص الدوائية للعسل قي معالجة أمراض الجهاز العصبي، فقد بين البروفيسور ( ك. بوغوليبوف)و( ف. كيسيليفا) نجاح المعالجة بالعسل لمريضين مصابين بداء الرقص ـ وهو عبارة عن تقلصات عضلية لا إرادية تؤدي إلى حركات عفوية في الأطراف ـ ففي فترة امتدت ثلاث أسابيع أوقفت خلالها كافة المعالجات الأخرى حصل كل من المريضين على نتائج باهرة.. لقد استعادا نومهما الطبيعي، وزال الصداع ونقص التهيج والضعف العام.

قلت: والعين.. هل لها ترياق من لعابك؟

قالت: أجل.. ألم تعلم أني شفاء من كل داء، فكيف تقصر العيون دون شفائي.. لقد استعمل الأطباء في الماضي العسل كدواء ممتاز لمعالجة التهاب العيون.

قلت: ذلك قديما.. أما الآن، فقد اكتشفت أنواع كثيرة من العقاقير والمضادات الحيوية.

قالت: لا تعد لذكرها أمامي.. فكيف تقارن السيف بالعصا؟

قلت: أنا لم أقرنك.. ولكني..

قالت: لا بأس.. مع ما ذكرت لم يفقد العسل أهميته.. فقد دلت الإحصائيات على دور العسل في شفاء التهاب الجفون والملتحمة وتقرح القرنية، وأمراض عينية أخرى.

ومن أكثر المتحمسين الاستطباب بمراهم العسل الأساتذة الجامعيون في منطقة ( أوديسا)في الاتحاد السوفيتي، وخصوصاً الأستاذ الجامعي ( فيشر)والدكتور ( ميخائيلوف).. حتى إن تطبيب أمراض العين بمراهم العسل انتشر في منطقة ( أوديسا)كلها.

وقد كتب الدكتور( ع. ك. أوساولكو)مقالاً ضمنه مشاهدته وتجاربه في استعمال العسل لأمراض العين، فإن شئت أن أذكر لك ما خرج به من نتائج فعلت؟

قلت: اذكري.. فمن يشبع من العلم؟

قالت: من النتائج التي وصل إليها أن العسل يبدي بدون شك تأثيراً ممتازاً على سير مختلف آفات القرنية الالتهابية، فكل الحالات المعاندة على العلاج العادية والتي طبق فيها المرهم ذا السواغ العسلي تحسنت بسرعة غريبة، كما أن عدداً من حادثات التهاب القرنية على اختلاف منشئه، أدى تطبيق العسل صرفاً فيها إلى نتائج طبية.

وقد ختم بحثه بنصيحة يقول فيها:( من المؤكد أن ما توصلنا إليه من نتائج يدعوا المؤسسات الصحية كافة، والتي تتعاطى طب العيون، أن تفتح الباب على مصراعيه لتطبيق العسل على نطاق واسع في معالجة أمراض العيون)

قلت: فهل سمعت نصيحته؟

قالت: لقد اطلعت أخيرا على بعض بني جلدتك قام ببحث في هذا([8])، وقد دفع إيمانه بما في القرآن الكريم من ذكر العسل إلى تجربته علاجا.

قلت: فهل نجح العلاج؟

قالت: يستحيل أن لا ينجح.

قلت: فحدثيني عن مرض السرطان.. فلا أحسب أن هناك ما هو أكثر فتكا منه.

قالت: لقد ثبت لدى العلماء المتخصصين أن مرض السرطان معدوم بين مربي النحل المداومين على العمل بين النحل، ولكنهم حاروا في تفسير هذه الظاهرة..

فمال بعضهم إلى الاعتقاد بأن هذه المناعة ضد مرض السرطان لدى مربي النحل مردها إلى سم النحل الذي يدخل مجرى الدم باستمرار نتيجة لما يصابون به من لسع النحل أثناء عملهم.

ومال آخرون إلى الاعتقاد بأن هذه المناعة هي نتيجة لما يتناوله مربو النحل من العسل المحتوي على كمية قليلة من الغذاء الملكي ذي الفعلية العجيبة، وكمية أخرى من حبوب اللقاح.

ومال كثير من العلماء إلى الرأي الثاني خصوصًا بعد ما تم اكتشافه من أن نحل العسل، يفرز بعض العناصر الكيماوية على حبوب اللقاح تمنح انقسام خلاياها، وذلك تمهيداً لاختزانها في العيون السداسية، فهذه المواد الكيماوية الغريبة التي تحد من انقسام حبوب اللقاح، والتي يتناولها الإنسان بكميات قليلة جداً مع العسل لربما كان لها أثر كبير في الحد من النمو غير الطبيعي لخلايا جسم الإنسان، وبالتالي منع الإصابة بمرض السرطان.

ومع ذلك.. فلا زالت مخابركم أعجز إلى أن تصل إلى النتائج الحقيقية في هذا.

قلت: لم؟

قالت: لعدم الجدية والصدق.. فهم يتعاملون معي باحتقار.. ولا يستفيد مني إلا من يكرمني.. ويكرم شرابي المبارك.

بركات الألوان:

قلت: لقد حدثتني عن بركات تكوينك، وبركات شفائك..

قاطعتني وقالت: لم أحدثك عن بركات شفائي..

قلت: وعم كنت تتحدثين؟.. اشربي عسلا لتتخلصي من هذا النسيان.

قالت: أنا لم أحدثك إلا عن بعض بركات شفائي.. أما كل شفائي.. فذلك شأن آخر.. وله أسرار أخرى.. لا تفهمها أنت ولا قومك.

قلت: فحدثيني عن بركات ألوانك وأنواعك.. فقد ذكر تعالى أنه يخرج من بطنك شراب مختلف ألوانه.

قالت: الله تعالى في تلك الآية ينبهكم إلى النظر في ألوان عسلي لاستعمالها في العلاجات المختلفة، ألم تسمع بعلم الألوان؟

قلت: بلى.. سمعت به، ولكني لم أفهمه.

قالت: لا يهم أن تفهمه أو لا تفهمه.. المهم أن تستفيد منه.. فإنكم تستفيدون من كل شيء من غير أن تفهموه.. وأقل شيء أنكم تستفيدون من رزق الله، ثم لا تبحثون عن الله.

قلت: فحدثيني عن ألوانك.

قالت: قومك يذكرون لي أربعة ألوان: الأبيض، والكهرماني الفاتح، والكهرماني، والكهرماني الداكن.

قلت: فما سر هذا الاختلاف في الألوان؟

قالت: لقد ربط الله تعالى بين اختلاف الأراضي التي نسلكها وبين الألوان، فقال تعالى:{ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُه}(النحل:69).. وهذا يشير إلى حقيقتين علميتين عن سبب اختلاف ألوان العسل، أقرتها المتابعة العلمية الحديثة.

أما أولاهما، فهي أن اختلاف مرعى النحل يؤثر تأثيراً كبيراً في لون العسل.. وذلك لأن نوعية الرحيق وقف على نوعية الأزهار التي يرعاها النحل.

وأما الثانية، فهي أن اختلاف تركيب التربة الكيماوي بين بقاع الأرض المختلفة.. يؤدي إلى اختلاف لون العسل.. ذلك أن رحيق الأزهار يعتمد اعتماداً كبيراً على ما يمتصه النبات من المعادن التي في التربة.. وحيث كانت كمية المعادن تختلف باختلاف بقاع الأرض.. فإن من الطبيعي لذلك أن يختلف لون العسل.

قلت: ولكني سمعت من المربين أن اختلاف لون العسل يعتمد أيضاً على الأقراص الشمعية المستعملة في الخلية، فإذا كانت هذه الأقراص جديدة أعطت عسلاً فاتح اللون، وإذا كانت قديمة أعطت عسلاً داكناً.

قالت: ولكن التمحيص في هذه الحقيقة العلمية المؤثرة في لون العسل يدلنا على عظمة القرآن الكريم، كما يشير إلى بلاغته التي اقتضت أن يعطي من الحقائق العلمية ما يتطلبه الموقف وبصورة بالغة اللطف حتى يتمكن الإنسان من تفهمها وهضمها تماماً.

ذلك أن هذه الحقيقة العلمية التي ذكرتها والمؤثرة في لون العسل هي ذات تأثير عارض وليس بطبيعي.. إذ أن اختلاف الأقراص الشمعية بين القدم والجدة إنما مرده إلى ما يحدثه الإنسان، اليوم، الذي يضع الأقراص القديمة في خلية النحل.. أما عسل النحل.. كما يصنعه النحل.. دون أن تتدخل فيه يد الإنسان.. فإنه لا يتأثر مطلقاً بهذه الحقيقة التي ذكرتا، لأنه لا أثر لها، ولا وجود لها، في الأحوال الطبيعية.

ومن أجل ذلك لم تشر الآية الكريمة إلى هذا الأمر مطلقاً، لأنها تعالج العسل، كما ينتجه النحل، وفقاً للوحي الإلهي.

قلت: فما بركات ألوانك؟

قالت: لقد ذكرت لك أن ألوان عسلي تختلف باختلاف ألوان عذائي.. ألم تعلم بأني مصنع أدوية؟ .. قدموا لي ما تشاءون من أصناف الأغذية لأحولها لكم أصناف أدوية.

قلت: كيف ذلك.. وهل لكم علم بالكيمياء؟

قالت: كيمياؤنا تختلف عن كيميائكم.. كيميائكم بدأت بالإكسير الذي يحول الحجارة ذهبا.. وانتهت بالمصانع التي تحول السموم أدوية.. والفضلات أطعمة.. لتملأ الجيوب بالذهب الذي تأسست لأجله الكيمياء.

قلت: فما كيمياؤكم؟

قالت: نحن نتعامل مع الأشياء، لا مع عناصرها.

قلت: كيف ذلك؟..

قالت: نحن لا نعرف ما تسمونه من سكريات ودهون وبروتينات..

قلت: فما تعرفون؟

قالت: نحن نسلم على كل زهرة نشم رحيقها، ونسألها عن أنواع البركات المودعة فيها.. لنأخذ منها قدر ما نحتاجه لنصنع منه الإكسير المبارك.

قلت: أيعرف بعضكم بعضا؟

قالت: نحن لا نغتصب رحيق الأزهار إلا بعد إذنها لنا.. أتريدنا أن نطعم أولادنا أو أولادكم الحرام؟

قلت: أتعرفون الحرام؟

قالت: أنتم الذين لا تعرفونه.. لولا أن الله أذن لنا من الأكل من كل الثمرات ما امتدت أفواهنا إلى شيء منها.

قلت: وهل تسمون الله عند أكلكم؟

قالت: نحن لا نحتاج إلى ذلك.

قلت: أرفع عنكم القلم؟

قالت: نحن لا نغفل عنه، فنحتاج لأن نذكره.. إننا نذكره في كل لحظة بكل كياننا.. ونرقض جذلا.. ونحن نذكره.

بركات الأنواع:

قلت: فحدثيني عن بركات ما يخرج منك([9]) من أنواع بعد ما حدثتني عن بركات الألوان.

 قالت: لقد شاع في أوساط الناس أن عسلي وحده فيه شفاء للناس، بينما الآية تدل على ما هو أعم من ذلك.

قلت: فما الذي هو أعم من ذلك؟

قالت: هي تدل على كل ما يخرج من أجسامنا من عسل، وشمع، وسم، وغذاء ملكي، فقد ثبت لكل منها فوائد علاجية من أمراض مختلفة.

قلت: فحدثيني عن الشمع.

قالت: يُعَدُّ شمع النحل من أغلى وأهم أنواع الشموع، وكانت له أهمية كبيرة في العصور الماضية، ولكن أهميته قلت في عصركم نظرًا لاكتشاف المواد الشمعية الأخرى والشبيهة بالشمع، ولكن لا يزال شمع النحل هو الوحيد الذي يدخل في صناعة الأدوية ومواد التجميل.

قلت: طلبت منك الحديث عن بركات الشفاء لا عن بركات الصناعة.

قالت: لقد ثبت من خلال التجارب أن شمع العسل يساعد في حماية الجيوب الأنفية من الانسداد؛ فقد كتب دكتور جارفيس أن طفلاً عمره (8)سنوات كان يشكو من برد في الرأس وزكام شديد، ولم ينفع أي علاج معه؛ حيث يوجد بأنفه إفرازات مائية كثيرة، وتتطلب عدة نفخات، ويعاني الطفل من تورم أنسجة الأنف.

وبعد الفحص العام، وفحص الأنف أعطي الولد قطعة من شمع العسل لمضغها لمعرفة تأثيره، وبعد خمس دقائق من مضغ الشمع فوجئ الطبيب أن أنفه قد فتح، وصار بإمكانه التنفس، وبذلك كانت المضغة الواحدة من شمع العسل لها تأثير في ظرف خمس دقائق، وتستمر لمدة أسبوعين.

قلت: سمعت أن لك شرابا يسمى الغذاء الملكي.

قالت: أجل.. وهو سائل أبيض اللون يُسمَّى لبن النحل، وهو يشبه اللبن الكثيف أو القشدة، تفرزه الشغالات لتطعم به الملكة واليرقات.

والغذاء الملكي هو الذي يحدد مستقبل اليرقات المؤنثة؛ فإذا غذيت عليه طيلة الطور اليرقي خمسة أيام؛ فستصبح الملكة طويلة ورشيقة ومبايضها كاملة خصبة، وإن غذيت عليه لمدة ثلاثة أيام فقط، واستكمل غذاؤها بحبوب اللقاح المعجون بالعسل أصبحت شغالة عقيمة، مبايضها ضامرة.

قلت: حدثينا عن بركاتك علينا.. لا عن بركاتك على ملكاتكم.

قالت: هذا الغذاء ذو تركيب خاص يجعله يتمثل بأكمله في الجسم، ويمر في الدم بدون حاجة إلى عمليات الهضم، بالإضافة إلى احتوائه على كثير من المواد السكرية والبروتينية والدهنية والعناصر المعدنية والفيتامينات، ومواد أخرى لم يُقَّدر بعضها حتى الآن.

وقد ثبت أن هذا الغذاء يعمل على تنشيط أعضاء الجسم، ويزيد سرعة التحول الغذائي، ويشفي حالات الإرهاق والهبوط، وينشط الغدد، ويؤدي إلى زيادة النشاط ومقاومة الضعف سواء كان بسبب السن أو بمسببات أخرى.

قلت: فما بقي مما يخرج من بطنك؟

قالت: حبوب اللقاح.. وصموغ النحل.. والسم.

قلت: فحدثيني عن حبوب اللقاح؟

قالت: حبوب لقاح الأزهار هي المصدر الرئيسي لأهم المكونات الغذائية والعلاجية فيما يخرج من بطوننا، وقد ثبت حديثًا أن حبوب اللقاح نفسها تحتفظ ببعض الخواص الغذائية والعلاجية.

حيث تُستخدَم حبوب اللقاح التي يجمعها النحل كغذاء مركز للإنسان لتعويض النقص في الفيتامينات والأحماض الأمينية والعناصر المعدنية، وكذلك تحتوي حبوب اللقاح على كل الفيتامينات المعروفة فيما عدا (ب12)، وتساعد حبوب اللقاح في القضاء على الأنيميا لدى الأطفال؛ حيث تؤدي إلى زيادة عدد كرات الدم الحمراء، ونسبة الهيموجلوبين بعد شهرين من العلاج بحبوب اللقاح، وكذلك مستحضرات التجميل.

قلت: حدثيني عن صموغ النحل.

قالت: هي مواد صمغية يجمعها النحل من قلف الأشجار، وبراعم بعض النباتات؛ لكي يستعملها في تضييق مداخل الخلايا في فصل الشتاء، وفي تثبيت الأقراص الشمعية في سقوف الجحور التي يسكنها، وهذا الصمغ له لون بني مخضر، وله رائحة مريحة جدًّا.

قلت: حدثيني عن بركات الشفاء فيه.

قالت: لقد استعمل في الطب الشعبي منذ القرن التاسع عشر، ويُعتقَد أنه علاج ناجح للأورام الخبيثة والجروح، ويُستعمَل في علاج الكالو، وذلك بتسخين الصمغ حتى يكون طريًّا، ثم يشكل على هيئة قرص صغير يوضع على الكالو، ويربط عليه فيسقط الكالو بجذوره بعد أيام قليلة.

قلت: فحدثيني عما به بدأنا.

قالت: تقصد سمي..

قلت: أجل.. ولو أني أخافه.

قالت: هو عافية وشفاء.. فسمي سائل شفاف يجف بسرعة حتى في درجه حرارة الغرفة، ورائحته عطرية لاذعة، وطعمه مُرٌّ، وبه أحماض عديدة منها: الفورميك، والأيدروكلوريك، والأرثوفوسفوريك، وغيرها؛ بالإضافة إلى كمية كبيرة من البروتينيات والزيوت الطيارة.

قلت: حدثيني عن بركات الشفاء([10]).

قالت: الواقع أن استعمال سمي في العلاجات الطبية يعود إلى العصور القديمة، فقد ذكر في كتب صينية تعود إلى ما يزيد عن ألفي عام، وكتب عنه أبقراط وجالينوس والأطباء الإغريق.. ويقال: إن قدامى المصريين يعالجون الأمراض بمرهم مصنوع من منتجات النحل.

وفي عام 1888، نشر معالج نمساوي يدعى فليب تيرك تقريرا حول أولى الدراسات السريرية المتعلقة بلسعات النحل تحت عنوان:( تقرير حول ترابط غريب بين لسعات النحل والروماتيزوم)، ومنذ ذلك الحين شاع استعمال النحل لأغراض علاجية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، حيث شكل نوعا من العلاجات الشعبية المتداولة.

ولكن باقتراب القرن الواحد والعشرين بدأت المختبرات الطبية تبحث في هذا العلاج، وتدرس طرق استعمالاته الصيدلية، وعلى الرغم من أن الأبحاث السريرية بدأت قرابة العام 2000، فإن معظم المرضى يطبقونه إما بأنفسهم وإما بمساعدة نحّالين عاديين، أما الأطباء، فقد باشروا باستعمال العلاج بسم النحل لكن بطريقة أكثر تخصصية وعلى هيئة حقن.

قلت: فالاستفادة من هذا العلاج لا تزال قاصرة إذن؟

قالت: أجل.. ومع ذلك.. فقد أثبتت جدواها في كثير من العلل.. كأمراض الجهاز المناعي، مثل التهاب المفاصل والتصلب المتعدد.. وأمراض القلب والأوعية الدموية القلبية، كارتفاع ضغط الدم، وعدم انتظام النبض القلبي، والتصلب العصيدي، والأوردة الدوالية.. اضطرابات الغدد الصماء كمتلازمة ما قبل الدورة الشهرية والتشنجات المرافقة للدورة الشهرية وعدم انتظام الدورات الشهرية وانخفاض معدل سكر الدم.. والالتهابات كالكلأ والثؤلول والتهاب الثدي والتهاب الحنجرة.. والاضطرابات النفسية كالكآبة وتقلبات المزاج.. والاضطرابات الروماتيزمية كالتهاب المفاصل الروماتيزمي والالتهاب العظمي المفصلي والتهاب الكيس الزلالي وآلام وتر المرفق.. والمشاكل الجلدية كالأكزيما وداء الصدفية ومسامير اللحم والثؤلول والقرحات الموضعية.. وأمراض الدم كفقر الدم والتهاب اللثة النزفي وفرط دهن الدم.. أمراض الجهاز الهضمي كالالتهاب الكبدي المزمن والتهاب القولون والقرحة الهضمية.. وأمراض الجهاز العصبي كالوهن والخثار الدماغي والأرق والألم العصبي القطني.. وأمراض العين كإعتام عدسة العين والتهاب القزحية والجسم الهدبي.. وأمراض الأنف والأذن والحنجرة.. والأمراض المرتبطة بالتغذية وعملية التحول الغذائي كداء السكري وعدم انتظام معدل الكوليسترول والتريغليسريد وفقدان الشهية للطعام وسوء التغذية.. والأمراض السرطانية، كسرطان الخلية القاعدية والورم اللمفاوي والورم القتامي الخبيث.

قلت: فما سر هذه البركات الشفائية التي وضعها لله في سمك؟.. أليس سما؟

قالت: أنتم تسمونه سما كما تسمون سمومكم أدوية.. ألم تعلم أن لكم خبرة بتبديل الحقائق؟

قلت: صدقت.. فلنا الخبرة في ذلك.. وقد قال الشاعر:

إِن الفقيرَ، وإِن نمت

  هُ (نمته)مكارمٌ وفضائلُ

لا يستعانُ به، ولا

  يُعبا بما هو قائلُ

لو كانَ سبحانَ البلا

  غةِ (البلاغة)أنكرَتْهُ وائلُ

أو كان قساً في الفصا

  حةِ (الفصاحة)قيْلَ هذا باقلُ

قالت: صدق شاعركم.. فلو أن الأغنياء وأصحاب شركات الأدوية اهتموا بسمي لصارت النحلة منا بآلاف الدولارات.

قلت: حدثيني عن أسرار العلاج في هذا الذي يسمونه سما.

قالت: يحتوي هذا الترياق الذي تسمونه سما على أكثر من 40 مادة فاعلة، يتمتع العديد منها بتأثيرات فيزيولوجية.

أما المركب الأكثر غزارة في السم فهو العنصر المضاد للالتهاب ميليتين، وهو مادة تحفز في إنتاج الكورتيزول الذي يشكل عاملا هاما في عملية الشفاء الذاتية للجسم.

قلت: كيف يتم العلاج بهذا الترياق؟

قالت: هم يستخدمون لذلك أي نحلة من خلية أو قفير بواسطة ملقط، ويضعونها على جزء من الجسم حتى تلسعه على أن تبقى في موضعها مدة تتراوح بين عشر وخمس عشرة دقيقة.

قلت: فهل يحددون لذلك عددا من اللسعات؟

قالت: يختلف عدد اللسعات في الجلسة الواحدة، وعدد الجلسات، بحسب طبيعة المرض ومقدرة المريض على التحمل.. فلمعالجة التهاب الأوتار مثلا قد يحتاج المريض إلى ما بين جلستين وخمس جلسات علاجية فقط، يتعرض في كل منها إلى لسعتين أو ثلاث لسعات.

بينما قد تستلزم معالجة الأمراض المزمنة كالتهاب المفاصل مثلا عدة لسعات في الجلسة الواحدة مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع لمدة ثلاثة أشهر تقريبا.

قلت: فهل كل المعالجين يستعملون النحل.. ألا يستخلصون سمه ليحقنوا به.

قالت: هم يفعلون ذلك.. وهو خلاف الأصل.. فأكثر المعالجين بسم النحل في أرضكم لا يستخدمون النحل الحي، بل يحصلون منه على السم ويحقنونه تحت الجلد.. وتعطى الحقن كمعدل وسطي مرة واحدة إلى مرتين في الأسبوع.. أما عدد الحقن في كل جلسة، فيتجاوز بين حقنة واحدة إلى ثلاثين حقنة بحسب الداء الذي تجري معالجته.

ولهذا كلما زاد عدد الحقن أو اللسعات استغرقت الجلسة العلاجية وقتا أطول.

قلت: فهل لهذا العلاج تأثيرات جانبية؟

قالت: لا ينبغي استخدام النحل لمعالجة المرضى الذين يعانون من الحساسية الشديدة وداء السل وداء الزهري وداء السيلان وداء السكري العابر المعتمد على الأنسولين.

قلت: فغير هؤلاء هل تحدث لهم بعض الآثار الجانبية؟

قالت: من التأثيرات الجانبية الشائعة التي تتجلى لدى حقن المريض أو لسعه الشعور بالألم والحكاك والتورم.

قلت: قد ذقت من ذلك.. فلذلك تجديني أرهبك.

قالت: وهذه الآثار لا ضرر فيها على الصحة.. فقد ورد في مجلة رعاية المريض في عام 1999 أن مدير معهد Monmouth pain في نيوجرسي أعطى خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة 34 ألف حقنة لمئة وأربعة وسبعين مريضا، ولكنه لم يلحظ أي تعقيدات هامة على مرضاه.

الحجامة

يعلم الله كم امتلأ قلبي بمحبة هذه النحلة المملوءة خيرا وبركة، لقد قلت لها، وهي توشك أن تغادرني: إلسعيني بلسعة من لسعاتك أتذكرك بها.

قالت: لا.. لم يؤذن لي في ذلك.. ولو أذن لي لفعلت من غير أن تطلبني.. ألم تعلم أني لا أفعل إلا ما يطلب مني؟

قلت: نسيت أنك تتلقين الأوامر من السماء.. فاعذريني.. فلا أزال ملطخا بتراب الأرض، وأعراف أهل الأرض.

قالت: لا بأس عليك.. فبإمكانك أن تطير إلى الأعالي إن تسلقت جبال الإرادة بعزيمة أهل الله.

قلت: لا تنسينا من دعائك.. فإن دعاء المسافر مجاب، ولا أراك إلا قد أزمعت سفرا.

قالت: أجل.. فقد جاءتني رسالة تطلب مني زيارة زهرة بعيدة.. هي في انتظاري.. لأستخدم رحيقها في علاج داء أصاب مسكينا في ذروة جبل شاهق ليس له من يعالجه.

قلت: فاذهبي.. فقد جلست معك ما أضاع كثيرا من وقتك.

سارت النحلة، وبقيت مبهوتا فيما قالت، قلت لنفسي: لو كان الأمر إلي لاستبدلت كل تلك المصانع التي يفخرون بها بخلايا كبيرة تجمع جميع نحل العالم.. وتغذى بأغذية جميع نباتات الأرض.. لأبعث بها إلى المرضى، لأريحهم من السموم والسكاكين.

فجأة ظهر رجل بلباس عصري.. ولكنه يحمل آثارا لعصور قديمة كثيرة، فقلت: من أنت يا رجل.. دعني.. فإني متوسم جديد.. وتوسمي يحتاج إلى استرخاء لأسمع أصوات الكائنات.

قال: ألست من الكائنات؟.. بل من أشرافهم.. أنسيت بني لحمك ودمك؟

قلت: صدقني.. لقد انشغلت بأكوان الله الجميلة عن أكوانكم.. فصرت أستحيي من بشريتي.

قال: لا.. ففي البشر الرسل والأولياء والصديقون.. ولا يضرك من انحرف من البشر.. فهم لا يضرون إلا أنفسهم.

قلت: صدقت.. ولكني لا أزال أحمل همومهم.

قال: أنت إذن كالدم الذي يحمل الهموم.. فيحتاج إلى مشرط الجراح.

قلت: دعنا من مشارط الجراحين، فقد علمت من علوم النحل ما يغنينا عن الجراحين.

قال: لا.. لقد دعانا الحبيب الذي علمنا العلاج بالنحل إلى العلاج بالمشرط.

قلت: اعرف ما تقول يا رجل.. فالسنة قد دخلها الموضوع والمكذوب والمنكر والشاذ..

قال: لا.. أنا لا أتكلم إلا عن الأحاديث الصحيحة.

قلت: من أنت أولا؟.. ولم جئت؟

قال: أنا رسول معلم البركة إليك لأعملك دواء من الأدوية المباركة.

قلت: لقد أخبروني أن المتوسمين لا يتعلمون إلا من الأشياء نفسها.

قال: أنا حجام.. ولا يعملك الحجامة إلا حجام.

قلت: أنا أبحث عن الأدوية التي نزلت من السماء.. ودعتنا لها النصوص الممتلئة بالقداسة.

قال: وأنا أقوم بهذا النوع من العلاج.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن في الحجم شفاء)([11])، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن جبريل أخبرني أن الحجامة أنفع ما تداوى به الناس)([12])، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة)([13])، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:( ما مررت ليلة أسري بي على ملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي: عليك يا محمد بالحجامة)([14]

قلت: أكل هذه النصوص في فضل الحجامة؟

قال: وغيرها كثير.. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتبرها من أصول الأدوية، فيقول:( إن خير ما تداويتم به اللدود([15]) والسعوط والحجامة والمشي، وخير ما اكتحلتم به الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر)([16])، ويقول:( خير الدواء الحجامة والفصاد)([17])، ويقول:( إن أفضل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري([18])، فلا تعذبوا صبيانكم بالغمز([19])([20])، بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول:( من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء لشيء)([21]

قلت: ولكني سمعت الناس يذمون مهنة الحجامة، فكيف ترضاها لنفسك.

قال: كذبوا.. وكذبوا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.. ألم يسمعوا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( نعم العبد الحجام يذهب بالدم ويخف الصلب وتجلو عن البصر)([22]

قلت: لقد رغبتني في الحجامة.. فأخبرني ما مبدأ اهتمامك بها؟

قال: أنا عبد القادر الذي يطلق عليه عبد القادر([23]).

قلت: كلنا عبيد القادر.. فأيهم أنت؟

قال: رجل من بني عمومتك من بلاد الشام.

قلت: مرحبا بابن البلاد المباركة.. أخبرني عن أسرار ما اكتشفتموه من العلاج بالحجامة.

قال: لقد بدأت مع مجموعة من كبار الأطباء في جامعة دمشق بالبحث في هذا.. وقد توصلنا إلى نتائج علاجية باهرة.

قلت: فهل تحقق الشفاء بها؟

قال:أجل.. لقد استطاعت الحجامة أن تهز عروش أمراض ظلت مستعصية ومستحيلة الشفاء، فكان النجاح منقطع النظير لم يسبق لعلاجٍ طبي أو دواءٍ في العالم أن حققه، وخصوصاً عندما يتم الحديث عن أمراض مثل السرطانات والشلل والناعور والقلب القاتل والشقيقة والسكري وغيرها([24]).

قلت: أكل هذا تحقق؟

قال: أجل.. بحمد الله ومنته.. وقد وصل الأمر إلى الدرجة التي بدأت المراكز الدولية الاهتمام بهذا الكشف بعد أيام قليلة من إعلان نتائجه الطبية والمخبرية حتى وصل الأمر إلى أطباء القصر الملكي البريطاني الذين أبدوا اهتماماً كبيراً بهذا البحث الطبي، وجرت اتصالات بينهم وبيني وبين الفريق الطبي السوري للتعرف على الطريقة التي يمكن بها علاج مرض الناعور الوراثي (الهيموفيليا) المتفشي في الأسرة المالكة البريطانية، نظراً لِمَا تحقق من نتائج باهرة على مستوى هذا المرض([25]).

كما حضر وفد ياباني إلى سورية من أجل هذا الحدث الطبي العظيم.. أما الحكومة السويدية، فقد طلبت رسمياً من الحكومة السورية كتاب الحجامة.. ومثلها القصر الملكي السعودي الذي أبدى بالغ الاهتمام بهذا الفن الطبي، وأرسل القصر الملكي السعودي مراسل صحيفة الرياض الشهيرة في دمشق لعقد مجلس صحفي للإطلاع العلمي الطبي الموثوق عن مضمون وفعالية هذا الدواء والتقصي واستلام التحاليل الطبية المخبرية والسريرية، ومقابلة مرضى الشلل والسرطان والناعور والتليف الكبدي وغيرها من الأمراض الذين تم شفاؤهم شفاءً تاماً.

قلت: ولكن الحجامة قديمة على ما أعلم.. فكيف تعتبرون هذا كشفا حديثا؟

قال: الحجامة قديمة العهد، وقد طبقها الأنبياء الكرام وأوصوا بها الناس، وقد جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأحيا بعد موت ذِكْرها، وطبَّقها بأصولها، وله الفضل في سنِّها للمسلمين وللعالمين أجمعين.

إلاَّ أنها ـ وبعد عصر مديد ـ نُسِيت قوانينها نتيجة الإهمال والعبث، حتى اندثرت هذه القوانين وضاعت إلاَّ ما ندر منها..

بالإضافة إلى أن هناك أيدٍ أثيمة دسَّت الكثير عليها، فأقلع الناس عنها ونسوها.

قلت: لكن كثيرين ممن أعرفهم جربوها.. فلم يجدوا فيها أي نفع.

قال: سبب ذلك يرجع إلى أنهم لم يقوموا بتنفيذها ضمن القوانين المشروعة لها، فالقوانين اندثرت وضاعت، فهم ينفذوها شتاءً، صيفاً، أو بعد بذل مجهود وتعب جسمي، أو بعد الطعام وليس على الريق.

قلت: فهل توصلتم أنتم إلى قوانينها، وأسرار الشفاء فيها؟

قال: أجل.. لقد أعاد العلامة محمد أمين شيخو هذه السنة بإحيائه لقوانينها الدقيقة، فقد جاء بقوانينها ووضعها موضع تنفيذها الصحيح من الجسم.. كما جاء بالسر العام لآلية شفائها، وهو التخلص من الدم الفاسد.

لقد أعاد هذا الفن العلاجي الطبي بذلك الشكل الفعال العلمي المفيد ونشرها بقوانينها وأصولها في كافة معارفه.. وهم نشروها طبعاً في عامة الناس وهكذا حتى صارت ولها انتشار واسع في الكثير من البلاد والعباد.

قلت: فحدثني عن أسرار الشفاء.. وقوانينها.

قال: إن الشروط التي بينها العلامة محمد أمين شيخو والتي اعتمدها الفريق الطبي في بحثه العلمي تتلخص في أربعة أمور.

قلت: أنتم أيضا تتحدثون عن الأربعة.

قال: ماذا تقصد؟

قلت: لا بأس.. فهذا نوع من الفضول.. ما الأول منها؟

قال: أولها وأهمها المكان الذي تجرى فيه الحجامة.

قلت: حدثني عن آلية عمل الحجامة أولا.. ثم حدثني عن مكانها.

قال: تعمل الحجامة على إحداث نوع من الاحتقان الدموي في منطقة الكاهل من الجسم باستعمال كؤوس خاصة مصنوعة من الزجاج تعرف بإسم (كاسات الهواء).. وهي ذات بطن منتفخ، ثم عنق متطاول قليلاً بقطر أصغر من البطن ينتهي بفتحة مستديرة منتظمة.

وقد كانت هذه الكؤوس تتخذ قديما من القرون المجوّفة لبعض الحيوانات أو يصنعونها من عيدان النباتات الصلبة المجوّفة مثل أغصان خشب البامبو عند أهل الصين، وقد تطورت فيما بعد إلى كؤوس مصنوعة من الزجاج اليدوي لسهولة تنظيفها وتعقيمها وشفافيتها التي تسمح للحجَّام برؤية الدماء المستخرجة من المحجوم.

قلت: فحدثني الآن عن مكانها.

قال: تطبق الحجامة على منطقة الكاهل، وهي أعلى مقدم الظهر تحت لوحي الكتفين، وعلى جانبي العمود الفقري.

وقد ورد في النصوص ما يدل على مراعاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهذه المنطقة خاصة، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتجم في الأخدعين والكاهل([26])، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه وهو يقول:( من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء لشيء)([27]

قلت: ما سر اختيار هذه المنطقة بالضبط([28]

قال: لأنها أركد منطقة في الجسم، وخالية من المفاصل المتحركة، والشبكة الشعرية الدموية فيها أشد ما تكون تشعباً وغزارة، مما يجعل سرعة تيار الدم تقل، وبالتالي تحط رسوبيات الدم رحالها فيها.

زيادة على ذلك، فقد قمنا بدراسة هذه المسألة مخبرياً فوجدنا أن الحجامة على منطقة الكاهل تقل فيها الكريات البيض، وعند إجراء الحجامة في مواضع الساق والأخدعين وعلى الظهر بالقرب من الحوض كان دم الحجامة في هذه المناطق يماثل الدم الوريدي.

قلت: ما سر التأثير الذي يحدثه الاحتجام في هذه المناطق؟

قال: إن زيادة الدم الفاسد في البدن يجعله يتراكم في أركد منطقة فيها وهي الظهر، ومع تقدم العمر تسبب هذه التراكمات عرقلة عامة لسريان الدم العمومي في الجسم، مما يؤدي إلى ما يشبه الشلل في عمل كريات الدم الفتية، وبالتالي يصبح الجسم بضعفه عرضة لمختلف الأمراض.

قلت: فإذا احتجم ماذا يحصل؟

قال: إذا احتجم عاد الدم إلى نصابه، وذهب الفاسد منه، وزال الضغط عن الجسم، فاندفع الدم النقي العامل من الكريات الحمر الفتية ليغذي الخلايا والأعضاء كلها ويخلِّصها من الرواسب الضارة والأذى والفضلات.

قلت: أيمكن أن يكون هناك دم فاسد في الجسم؟

قال: أجل.. وهو الحاوي على نسبة عظمى من الكريات الحمر الهرمة وأشباحها وأشكالها الشاذة، ومن الشوائب الدموية الأخرى، ويشتد وجوده في منطقة الحجامة.

قلت: أليس الدم في الإنسان مقدرا بالمقدار الذي يحتاج إليه الجسم؟

قال: بلى..

قلت: فكيف لا تؤثر إزالة بعض الدم في عمليات الجسم؟

قال: نحن لا ننزع بالحجامة دما كثيرا.. ولا دما نقيا.. بل إن كمية الدم الفاسد المستخرج بعملية الحجامة الطبية للمرة الأولى يكون حوالي (100-150)غ، بينما تصل كمية الدم المأخوذ عند التبرع بالدم إلى (450)غ.

قلت: فعملية الحجامة إذاً لا تكلف شيئا كثيرا من الدم.

قال: ألم تسمع بأن أنفع الأدوية أرخصها ثمنا؟

قلت: ولكن الجراثيم.. ألا تخافون من وجودها في الكاسات أو المشارط؟

قال: ألنا تقول هذا الكلام؟.. ألسنا أطباء من أهل الاختصاص؟.. نحن نعقم الكاسات بعد الانتهاء من عملية الحجامة بشكل جيد، وذلك إن أمكن، وإلاَّ نقوم بإتلاف هذه الكؤوس بشكل نهائي في مكان خاص بالنفايات.

قلت: لا.. أقصد غيركم.. فقد ذكرت لك بأن الحجامة أصبحت وسيلة كسب جديدة للرقاة.

قال: هذا صحيح للأسف.. وليس الأمر قاصرا عليهم.. بل إن الشيء العجيب والمستنكر أن نسمع بقيام بعض الأطباء اللامبالين باستغلال اهتمام الناس بعملية الحجامة في هذه الفترة ليحققوا من ورائها غاياتهم المادية حتى ولو كانت على حساب صحة الناس ضاربين بالقوانين العلمية الصارمة في الدقة للحجامة عرض الحائط..

ونحن نتبرأ من تلك الممارسات لعملية الحجامة، والتي يشوه هؤلاء حقيقتها السامية ونفعها العميم للإنسانية نتيجة تجرؤهم بالقيام بمثل تلك العمليات بطرقٍ تؤدي إلى ضرر الناس والطعن بالطب بأرقى مستوياته.

قلت: عرفت السر الأول.. فما السر الثاني؟

قال: مواقيتها.. ألم تعلم بأن لكل شيء مواقيته الخاصة به؟

قلت: فما مواقيتها؟

قال: أربعة..

قلت: لم أسأل عن أعدادها.. فأنا أعلم أنها أربع.. فهل هناك غير الأربع؟

قال: هناك الميقات السنوي، والفصلي، والشهري، واليومي.

قلت: فحدثني عن الميقات السنوي.

قال: يستحب لكل صحيح أو مريض إجراءها في السنة مرة على الأقل، وقد أشار إلى هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( نعم العادة القائلة([29])، ونعم العادة الحجامة)([30]

قلت: هذا المريض عرفناه.. فلم الصحيح؟

قال: هي للصحيح وقاية، وللمريض علاج.. فالحجامة وقاية وعلاج.

قلت: فحدثني عن ميقاتها الفصلي.

قال: لقد أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا الميقات بقوله:( استعينوا على شدة الحر بالحجامة، فإن الدم ربما يتبيغ([31]) بالرجل فيقتله)([32]

قلت: فأنتم تجرون الحجام في الصيف؟

قال: لأن الحر يكون في فصل الصيف، فالحجامة حتماً تكون قبله، أي في فصل الربيع.

قلت: أتجرون الحجامة في فصل الربيع؟

قال: نحن نجريها في كل وقت.. ولكن هذا أفضل أوقاتها..

قلت: فما التفسير العلمي لاختيار هذه المواقيت؟

قال: قبل أن نبدأ في التفسير العلمي لهذا الموعد لا بد أن تعلم أولا أن من وظائف الدم تنظيم حرارة الجسم، فالماء يشكِّل النسبة العظمى في الدم (90بالمائة)من بلازما الدم، ولما كانت للماء خصائص أساسية تميِّزه بصفة خاصة عن غيره من السوائل المعروفة في الطبيعة مما يجعله خير سائل مساعد على تنظيم حرارة الجسم في الكائن الحي.

قلت: عرفت هذا عند زيارتي للماء.. فهو من الأغذية المباركة.

قال: وانطلاقا من القدرة العالية للماء على تخزين الحرارة، والتي تعلو قدرة أي سائل آخر أو مادة صلبة.. فإن الماء الموجود بالدم يختزن الحرارة التي يكتسبها أثناء مروره في الأنسجة النشطة الأكثر دفئاً ويحملها معه إلى الأنسجة الأخرى الأقل دفئاً أثناء حركته بين أجزاء الجسم المختلفة.

فللدم قدرة عالية على توصيل الحرارة تعلو على قدرة غيره من الأنسجة المختلفة في الجسم.

وعلى هذا فالدم هو المتلقي الأول والمتأثِّر الرئيسي الأول بالحرارة الخارجية من بين كل أنسجة الجسم المؤثرة على الجسم، فهو يمتص الحرارة من جزيئات الجسم المحيطة به لينقلها للأقل دفئاً والعكس.

ونظراً لدورة الدم المستمرة في الجسم فهو يعمل على تنظيم حرارة الجسم وتدفئة الأجزاء الباردة وتبريد الأجزاء الدافئة حتى تظل حرارة الجسم ثابتة باستمرار.

قلت: ولكن فصل الربيع قد يكون باردا.. فماذا تفعلون؟

قال: الأمر يحدُّه قانون عام لا يمكن لنا تجاوزه، وهو فصل الربيع والذي يشمل نيسان، وأيار، وربما نهاية آذار، وبداية حزيران، في اليوم السابع عشر إلى السابع والعشرين، من الشهر القمري فقط، بارتفاع الحرارة في آذار، وكذا بانخفاض الحرارة في أول حزيران إذا تصادفا مع نقص الشهر القمري.. وبذا نكون قد استفدنا من ثلث السنة لإجراء عملية الحجامة.

قلت: فحدثني عن الميقات الشهري.

قال: لقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة، ويوم تسع عشرة، ويوم إحدى وعشرين)([33])، وقد ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين)([34]

 قلت: ما سر تخصيص هذه الأيام في هذين الحديثين؟

قال: لعلك تعلم أن للقمر تأثيره الفعلي على الأرض.

قلت: أجل.. فإن القمر على الرغم من أن كتلته تبلغ جزءاً من ثمانين جزءا من كتلة الأرض إلا أنه يبلغ من القرب قربا([35]) يجعل له قوى جذبه ذات أثر عظيم.. فالمحيطات ترتفع لتكوِّن المد، وحتى القشرة اليابسة لا تخلو من التأثيرات.

فقارة أمريكا الشمالية قد ترتفع بمقدار خمسة عشر سنتمتر عندما يتوسط القمر سماءها.. بل للقمر فعل في صعود النسغ في الأشجار الباسقة الارتفاع.

قال: انطلاقا مما ذكرته لاحظ الأستاذان الفرنسيان جوبت وجاليه دي فوند أن للقمر تأثيرا على الحيوانات، فمنذ مولده كهلال إلى بلوغه مرحلة البدر الكامل يكون هناك نشاط جنسي عند الحيوانات والدواجن والطيور حتى أنهما لاحظا أن الدواجن تعطي بيضاً أكثر في هذه الفترة منها في فترة الشيخوخة، أي عندما يبدأ القمر في الانضمار التدريجي إلى أحدب فتربيع أخير، ثم إلى المحاق، فهناك فترة نشاط وفترة فتوة في الحيوانات ترتبط بأوجه القمر، وذلك حسب ملاحظتهما الخاصة.

وقد لاحظا على الدواجن وبعض الحيوانات المستأنسة ومثلها الأسماك ومحارات المحيط الهندي والبحر الأحمر أنها تنتج بويضات في فترات معينة لأوجه القمر.

قلت: كل هذا أصبح معروفا.. ولكني أريد تأثيره على الدم.. وبالتالي تأثيره على الحجامة.

قال: القمر يبلغ ذروة تأثيره في مرحلة البدر منه، فيؤثِّر على ضغط الدم رافعاً إياه، مهيجاً الدم مما يثير الطبيعة، وهذا ما عاينته بعض الدول الغربية من ارتفاع نسبة الجرائم والاعتداءات في هذه الليالي والأيام.

ففي الأيام من الأول وحتى الخامس عشر من الشهر القمري يهيج الدم ويبلغ حده الأعظمي، وبالتالي يحرك كل الترسبات والشوائب الدموية المترسبة على جدران الأوعية الدموية العميقة منها والسطحية وعند التفرعات وفي أنسجة الجسم عامة، تماماً كفعله في مياه البحار، فيكون بمثابة الملعقة الكبيرة في تحريكه لها لكي لا تترسب الأملاح فيها، ويصبح بإمكان الدم سحبها معه لأهدأ مناطق الجسم حيث تحط ترحالها هناك بالكاهل وذلك بعدما يبدأ تأثير القمر بالإنحسار من (17-27).

أما من (17-27)فيبقى للقمر تأثير مد ولكنه أضعف بكثير مما كان عليه، ولما كانت الحجامة تُجرى صباحاً بعد النوم والراحة للجسم والدورة الدموية، ويكون القمر أثناءها ما يزال مشرقاً حتى لدى ظهور الشمس صباحاً، فيكون له تأثير مد خفيف يبقى أثناء إجراء الحجامة وهذا يساعدنا في عملنا، إذ يبقى له تأثيرٌ جاذب للدم من الداخل إلى الخارج (الدم الداخلي للدم المحيطي والدم المحيطي للكأس)وهو ذو أثر ممتاز في إنجاز حجامة ناجحة مجدية من حيث تخليص الجسم من كل شوائب دمه.

قلت: فلنفرض أن الحجامة أجريت في أيام القمر الوسطى أي في من الثاني عشر إلى الخامس عشر؟

قال: إن فعل القمر القوي في تهييج الدم يفقد الدم الكثير من كرياته الفتية.

قلت: وفي الأيام الأولى للقمر.

قال: في أيامه الأولى، أي عند كونه هلالا لا يكون قد أدَّى فعله بعد في حمل الرواسب والشوائب الدموية من الداخل للخارج للتجمُّع في الكاهل.

قلت: لقد وردت بعض النصوص تحدد أياما معينة للحجامة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إن يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ([36])([37])، وقوله:( الحجامة على الريق أمثل وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ والعقل فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، فاجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت ويوم الأحد واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عافاه الله فيه أيوب من البلاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي ابتلي فيه أيوب وما يبدو جذام ولا برص إلا في يوم الأربعاء وفي ليلة الأربعاء)([38]

قال: لعلك تلاحظ التضارب بين الحديثين.. فالأول ينهى عن الحجامة يوم الثلاثاء بينما يأمر بالحجامة فيها في اليوم الثاني.

قلت: أجل.. ذلك واضح.. فبم تفسره؟

قال: هذا التناقض إن دلَّ على شيء فهو يدل على عدم صحة هذه الأحاديث([39]).. أما الصحيح الذي يقبله المنطق الواضح من خلال الواقع العملي والذي تجده موافقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  فهو الذي لا يحدد الأيام، وإنما يحدد التاريخ الذي يلي منتصف الشهر القمري كما مر معنا.

زيادة على هذا.. فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة ويوم إحدى وعشرين)([40]) يدل على عدم صحة الأحاديث التي تنهى عن معظم أيام الأسبوع.

قلت: لا أرى فيه ما تقصد.

قال: لو فرضنا أن يوم سبعة عشر من الشهر القمري أتى يوم الجمعة.. فهذا يعني أن يوم تسعة عشر سيكون حتماً يوم أحد، ويوم إحدى وعشرين سيكون يوم ثلاثاء.

ولنفترض أيضاً أن يوم سبعة عشر أتى يوم خميس، فسيكون يوم تسعة عشر يوم سبت، ويوم إحدى وعشرين يوم إثنين.. وهكذا فإن عدم ثبات الأيام بالنسبة للتواريخ للشهر القمري لكونه متبدلا من شهر لشهر، ومن سنة لسنة يثبت بطلان الأحاديث والادعاءات التي تنهى عن الأيام رغم دخول الموعد المحدد للحجامة في الربيع من كل سنة وبعد منتصف الشهر القمري وتؤكد بطلانها بشكل واضح جلي.

قلت: هذا تحليلك.. وهو قد يغضب المحدثين.. أفلا أدلك على ما هو ألطف منه وأكثر أدبا؟

قال: علمني مما علمك الله.

قلت: حاولوا أن تبحثوا في أسرار الأيام كما بحثتم في أسرار القمر.. فلله في الأيام من البركات ما لا يقل عما تعرفونه.

قال: فكيف نعمل مع التعارض؟

قلت: هذا سهل جدا.. اذهبوا للمحدثين.. فهم صيادلة الحديث وصيارفته.. وسيميزون المقبول من المردود.

قال: دللتني على خير.. دلك الله على كل خير.

قلت: فحدثني عن الميقات اليومي.

قال: لها بداية ونهاية كل يوم.

قلت: فما بدايتها؟

قال: تجرى الحجامة في الصباح الباكر بعد شروق الشمس لما ذكرنا من الفوائد.

قلت: فما ميقات انتهائها؟

قال: حسب حرارة الجو، فإن كانت الحرارة بارتفاع الشمس لا تزال معتدلة نستمر حتى الظهيرة، فهو جائز، لكنه غير مستحب،فالأفضل منه هو الساعات الأولى من النهار، لأن الحجامة تتم على الريق، فإن بقي الإنسان لساعات متأخِّرة قبل حلول الشمس وسط السماء، فلربما يتداركه التعب ويشعر بدوار لتأخُّره في الإفطار واحتجامه، فلكي نتفادى كل هذه الاحتمالات، ولكي ننفِّذ حجامة صحيحة مفيدة أتمَّ الفائدة نسارع في ساعات النهار الباكرة ونحتجم بين الساعة السابعة للعاشرة، وفي حال الضرورة الحادية عشر فالثانية عشرة.

قلت: وما الضرر في التأخر؟

قال: عندما نتأخَّر لساعات متأخِّرة للظهيرة فإننا نتحرَّك ونعمل، ومن شأن هذا أن يحرِّك الدم قليلاً، ويجرف القليل مما تقاعد من شوائبه في منطقة الكاهل، وبالتالي تكون الفائدة من الحجامة غير تامة.

قلت: عرفت السر الثاني.. فما السر الثالث؟

قال: سن المحتجم..

قلت: وهل هناك سن معينة للاحتجام؟

قال: أجل.. وهو يختلف بين الذكور والإناث، فنبدأ في الذكور من الثانية والعشرين، ونبدأ مع الإناث بعد تخطي سن اليأس.

قلت: لم تؤخرون الإناث إلى هذا السن؟

قال: لأن الله تعالى جعل لهن مصرفاً طبيعياً تستطيع من خلاله أن تتخلَّص من الدم العاطل، فبالمحيض تبقى دورتها الدموية في قمة نشاطها، وعندما تبلغ المرأة سن اليأس يتوقف المحيض، فتصبح خاضعةً لنفس ظروف الرجل الذي وصل إلى سن العشرين، وتدخل بمرحلةٌ فيزيولوجيةٌ جديدةٌ تقود إلى تغيرات نفسية وجسدية تمهِّد لنشوء أمراضٍ عديدة كارتفاع الضغط ونقص التروية والسكري وغيرها، وهنا تصبح الحجامة أمراً لا بديل عنه أبداً يعيد للمرأة استقرارها النفسي والجسدي، فإن ترفعت عن إجراء عملية الحجامة البسيطة غدا الجسم مرتعاً ومعرضاً للأمراض.

قلت: ولم لا تجرى للرجل الحجامة في مرحلة الطفولة والبلوغ؟

قال: لأن جسمه بتطلَّب كميات كبيرة من الحديد.. فهو في طور النمو، وهذه الكميات لا يؤمِّنها الغذاء كاملةً لهذا الجسم النامي، إنما يجري سدُّ النقص عن طريق هضم الكريات الهرمة والتالفة في الكبد والطحال وبلعميات عامة الجسم مشكِّلةً الحديد الاحتياطي المخزون الموضوع لحاجة الجسم.

فالجسم عامة ونقي عظامه يستفيد من هذه الكريات بعد تحويلها التحويلات المناسبة إضافة لبناء كرياته الحمراء بسلسلة من العمليات، أما بعد العشرين عاماً، فيتوقف الاستهلاك الكبير للكريات الحمر التالفة لتوقف عجلة النمو ويصبح الفائض منها كبيراً يجب التخلُّص منه.

قلت: عرفت السر الثالث.. فما السر الرابع؟

قال: هو ما يرتبط بالحجامة من غذاء وصوم وغيره.

قلت: سمعت أنك ذكرت بأن الحجامة تكون على الريق.

قال: أجل.. وقد أشار إلى هذا الحديث الذي ذكرته، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيه:( الحجامة على الريق أمثل وفيها شفاء وبركة)([41]).. ولهذا يحظر على المرء المحتجم تناول أية لقمة صباح يوم حجامته، بل يبقى صائماً عن الطعام ريثما ينفذها، ويجوز له تناول فنجانٍ من القهوة أو كأسٍ من الشاي، لأن كمية السكر الموجودة فيها تكون قليلة، فلا تحتاج للعمليات الهضمية المعقدة التي من شأنها أن تحرك الدم، وتؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية والتأثير على الضغط الدموي وضربات القلب.. كما أن هذه الكمية القليلة من الشاي أو القهوة تحتوي على منبه عصبي بسيط يجعل المرء يستقبل الحجامة بصحوة.

قلت: ما الضرر الذي يحصل بعدم صيام المحتجم قبل الحجامة؟

قال: الأكل ينشط جهاز الهضم في عمله، وتنشط بذلك الدورة الدموية لتتوافق متكافئة مع عمليات الهضم، فتزداد ضربات القلب، وينشط جريان الدم ويرتفع الضغط، وهذا يؤدي إلى تحريك الراكد والمتقاعد من الرواسب الدموية في الأوعية الدموية السطحية والأعمق لمنطقة الكاهل المتجمعة خلال النوم.

ومثل ذلك في عمليات توزيع الغذاء الناتج عن الهضم، فإنه ينشط الدم لكي ينقل هذه الأغذية لكافة أنسجة الجسم، وهذا الوضع لا يناسب الحجامة، وفيما إذا أجريت الحجامة بمثل هذه الظروف فإن المُستخرَج هو دم عامل، فضلاً عن أننا فقدنا الفائدة المرجوة من الحجامة، فإن المرء المحتجم يعاني أيضاً من دوار أو إغماء بسيط نتيجة تقليل الوارد الدموي للدماغ.

قلت: وبعد الحجامة.. هل يظل المحجوم صائما؟

قال: لا.. بإمكان المحجوم أن يتناول من الطعام ما سهل هضمه وتمثله، كالخضار والفواكه والسكاكر.. ولهذا عادةً ما يُقدَّم للمحجومين طبقٌ من سلطة الخضار الممزوجة مع قطع من الخبز المحمَّر والمتبَّلة بالزيت والخل مصحوباً بطبق من الزيتون.

قلت: واللبن.. ذلك الغذاء المبارك؟

قال: لا.. يحظر تناوله، وتناول مشتقاته كالجبن واللبن والقشدة والأكلات المطبوخة مع أحد هذه الأنواع طيلة يوم الحجامة، أي: طوال نهاره وليله.

قلت: لم؟.. أأنت من تلاميذ الماكروبيوتيك؟

قال: لا.. أنا من تلاميذ المباركوبيوتيك.. ولكن اللبن ومشتقاته يؤديان في الغالب للغثيان والقيء، ويعملان على اضطراب في الضغط بما يؤدي للضرر.

قلت: لم؟

قال: لاحتواء اللبن على مادة الكالسيوم، وهي تؤدي إلى اضطرابات في ضغط الدم.

قلت: حدثتني عن أسرار البركات، فحدثني عن بركات الشفاء.

قال: هي من الكثرة بحيث لا أطيق أن أذكرها لك في هذا المجلس.

قلت: الحجامة كالعسل إذن؟

قال: هي لا تصل إلى مرتبته.. ولكنها ببركات الله لا تقل عنه.

قلت: مع كل ما ذكرت فإني لا أزال محتارا.. فدلني على ما يزيل حيرتي.

 قال: لقد قدر الله مقادير الشفاء كما قدر أسبابها.. فمن الخلق من يكون شفاؤه في الحجامة.. فلا يشفى إلا بها.. فلا ينبغي أن نحرمه من ممارستها.. ومنهم من قدر الله شفاءه في الحبة السوداء، أو في نوع من أنواع العسل.. والطبيب الناصح يمارس كل ذلك وغير ذلك إلى أن يظفره الله بالدواء الشافي والترياق المبارك.

قلت: ألا يصبح المريض بذلك فأرا للتجارب؟

قال: لا.. يصبح فأرا إذا سقيتموه بسمومكم التي تنشر الأدواء حيثما حلت.. فإذا نفعت لم تنفع إلا قليلا لا بركة فيه.. أما الأدوية المباركة فحيثما حلت نفعت، وحيثما وقعت شفت.. فإن تخلف شفاؤها في أمر لسبب نجهله لم يتخلف في آخر.

قلت: فهلا تذكر لي أسبابا لتخلفها؟

قال: أسباب ذلك كثيرة منها ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه.. وأهمها الإيمان.. فالإيمان بحد ذاته شفاء.

قلت: الإيمان بماذا؟

قال: بصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإخبار عن تأثيرها.. والإيمان بصدق الملائكة في نصحها.. فقد نصحتكم بالاستشفاء بها في أعظم رحلة قررت أعظم الأحكام.. فآمنوا بظواهر النصوص تفلحوا وتصحوا.

قلت: بورك فيك وفي نصحك.. فحدثني عن بركات الأنواع.

قال: الحجامة نوعان: رطبة، وقد عرفتها، وجافة.. فأصخ سمعك لتعرف أسرارها.

قلت: كلي آذان صاغية.

قال: الحجامة الجافة هي عملية تكوين احتقان دموي في الموضع المطلوب، بواسطة كأس الهواء بدون تشريط، ومن خلال الحجامة الجافة يتم وضع الكأس على الموضع المحدّد طبقاً لنوع المرض، بعد عقمه بالمطهرات الطبية، ويتم شفط الهواء من خلال الخرطوم حتى يتم تفريغ الهواء، ومن ثم يترك الكأس هكذا لمدة تتراوح من 3 إلى 5 خمس دقائق، ثم ينزع الكأس فنجد دائرة حمراء على سطح الجلد مكان فوهة الكأس.

والحجامة الجافة تنقل الأخلاط الرديئة من مواضع الألم إلى سطح الجلد، وبذلك يختفي جزء كبير من الألم.

وقد يتمّ أحيانًا دهن الموضع بزيت الزيتون أو زيت النعناع، ثم الشفط البسيط وتحريك الكأس على وحول المكان المطلوب، لجذب الدم وتجميعه في طبقة الجلد.

قلت: لقد رأيت من العامة من يفعل هذا.. وهم يدعونها كؤوس الهواء، حيث تشعل ورقة أو قطعة قطن داخل الكأس لتفريغ الهواء، ثم توضع مباشرة على جلد المريض.

قال: ذلك صحيح.. فالهواء يسخن داخل الكأس فيتمدد بالحرارة، وعند ملامسته للجلد يبرد الهواء فينكمش ويقل حجمه فيحدث فراغاً داخل الكأس مما يجذب الجلد إلى جهته، ويؤولها آخرون أن الاحتراق نفسه يستهلك الأوكسجين ضمن الكأس، ويحدث فراغاً يجذب إليه الجلد ويحدث تبيغ الدم في موضعها، حيث يتغير لون الجلد فيصبح بنفسجياً لعدة ساعات نتيجة لاحتقان الدم فيه وتمر عليه أيام قبل أن يعود إلى الجلد لونه الطبيعي.

قلت: فهل لهذا النوع من الحجامة أثره العلاجي؟

قال: أجل.. فالحجامة الجافة تفيد في تخفيف أو إزالة الاحتقان من المناطق الواقعة حولها، علاوة على حدوث تأثيرات انعكاسية أخرى ذات تأثير بين في تسكين الألم وتخفيف الاحتقان.

ومن أهم استطباباتها آفات الرئة الحادة واحتقانات الصدر الناتجة عن الإصابات القلبية والرئوية، احتقانات الكبد، التهابات الكلية، التهاب التامور وفي العصابات القطنية الوربية.

ويمكن أن تقوم الحجامة الجافة مقام الاستدماء الذاتي لدى الأطفال أو لدى من يتعذر العثور على أوردتهم من الكهول. والاستدماء الذاتي يكون بنقل الدم من وريد المريض وحقنه في عضله الإليوي، وهي طريقة عامة لإزالة التحسس وتقوية الدفاع الذاتي للمريض.

قلت: فهل يدخل الاجتهاد في الحجامة وأنواعها؟

قال: أجل.. بشرط أن يكون ذلك من المختصين الخبراء.. وقد حصل من ذلك الكثير..

قلت: فاذكر لي ما يمكن الاستفادة منه.

قال: من ذلك ما يسمى بالحجامة المدلكة، وقد كتبت اختصاصية العلاج الفيزيائي الأمريكية أنيتا شانون Anita Shanon تقول عن هذا النوع:( الحجامة المدلكة هي تطوير حديث لعلاج قديم وتعتبرإضافة فعالة لعملية حفظ الصحة ومتممة لعلاج عدد من الأمراض الشائعة، ولقد اعتمدت التطبيقات العلاجية للحجامة من خلال إحداث تبيغ في الجلد المحجوم من أجل تصريف السوائل الفائضة والسموم.. وحل التصاقات وتنشيط الأنسجة الضامة.. وتنشيط الدوران الدموي في الجلد والعضلات القريبة.. وتنشيط الجهاز العصبي المحيطي)

وتتابع الدكتورة شانون بحثها فتقول: التطبيق المفضل للمحاجم هو السطح الواسع للظهر، ونتائجها لا تصدق خاصة كمعالجة مضافة للتدليك، وهي مسكنة بشكل فعال للجهاز العصبي كما تساعد على دخول العضوية في حالة من الاسترخاء، وليس نادراً أن تؤدي إلى غطيط عميق، وهي مفيدة جداً لمعالجة ارتفاع الضغط الدموي، والقلق والتعب، والصداع المزمن، والآلام العصبية، والتقفع العضلي، إذ أن العضلات المتقلصة والمحتقنة تتلين وتسترخي بسرعة بعد دقائق من الحجامة التالية للتدليك.

وترى د. شانون أن تخلية الهواء من الكؤوس يحاكي فعلها فعل الضغط الدائري للمساج العميق دون إحداث أي انزعاج. وحركة الكؤوس يمكن أن تكون دائرية أو خطية وهي مناسبة لحل العقد الجاسئة أو المعندة من الجلد المؤوف. واحمرار الجلد مكان التطبيق يدل على حضور جيد للدوران الدموي في سطح الجلد الذي يمكنه عند تطبيق المروخات والحلالات النباتية المائية المسكنة فوراً بعد الحجامة أن تمتص عميقاً في الأنسجة وتؤدي إلى فاعلية سريعة.

وتقول د. شانون: إن زيادة الورود الدموي الهائل إلى المنطقة تحضر إليها التغذية الكافية وتؤدي إلى سحب السموم خارج المنطقة عن طريق العود الوريدي. وفي الحقيقة شعور المرضى لا يمكن وصفه (يكاد لا يصدق)والمرضى كثيراً ما يصفون شعورهم بدفء عميق ودغدغة لطيفة تستمر في المنطقة لما بعد انتهاء الحجامة.

قلت: بورك فيك.. فقد عرفت أسرارا كثيرة كنت أجهلها من الأحاديث المخبرة عما جعل الله في الحجامة من شفاء.

قال: هذا واجبنا ـ نحن المؤمنين ـ نحو هدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.. فلا ينبغي أن نقصر في التعرف على هديه وأسراره.. بل يبحث كل في محله ومنزله الذي أنزله الله.

قلت: بالمناسبة.. لقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيباً، فقطع له عرقاً وكواه عليه([42]).

قال: نعم.. أعرف هذا الحديث.

قلت: ألا يتعارض هذا مع المواضع التي ذكرتها للحجامة؟

قال: لا.. هذاالحديث لا علاقة له بالحجامة([43]).. بل هو يتحدث عن عملية أخرى اسمها الفصد([44]) أو الفصادة، وهي شق أو قطع للعرق أو الوريد لاستخراج الدم، وهي بذلك تختلف عن الحجامة التي تجري بتشريط الجلد، وليس شق العرق.

قلت: فهل هي من العلاج المبارك؟

قال: كل ما ورد في النصوص من العلاج علاج مبارك.

قلت: لا أقصد هذا.. بل أقصد استعمالها ومدى نجاعته.

قال: إن الفصد علاج عريق في القدم، وقد ورد ذكره في أوراق البردي الفرعونية، كما خصص له كل من أبو قراط وجالينوس مقالة مفردة.. وأول نظرية متكاملة عللت مقاصد الفصد وضعها أرسطو في القرن الثالث قبل الميلاد، ثم إن جالينوس ـ وإن كان قد انتقد ارسطو في تفسيره لمنافع الفصد ـ أقر بفوائده الجمة، وأنه يهدف إلى تعديل الأخلاط في الجسم أو تحريكها إذا كان يرجع أسباب المرض إلى خلل في هذه الأخلاط.

وقد كان الفصد الوقائي شائعاً في أوربا حتى ظهور الطباعة عام 1462.

وفي القرن السابع عشر كان الفصد واسع الانتشار في إيطاليا، يدلنا على ذلك تلك الآنية الجميلة التي خصصت لجميع دم الفمصود. ورغم ظهور الأطباء في القرن الثامن عشر في الفصد على اختلاف مذاهبهم الطبية.

وفي أمريكا، وفي عام 1800 نجد أن بنيامين روش اعتمد في معالجته على إحداث نزف غزير لمعالجة الحمى الصفراء حيث يعطي المرضى الملينات ويعالجهم بالفصادة.

وعرف الفصد أوج تطبيقه في بداية القرن التاسع عشر حيث كان 75 بالمائة من نزلاء المشافي يفصدون في أوربا حتى أن مجلة الجراح الشهيرة أخذت اسمها من أداة الفصد، وكان الجراح الفرنسي بروسي  من أهم الدعاة إليه وكان يعالج به مرضى الالتهاب الحبني واضعاً قواعد للفصد تعتمد على النبض والحالة العامة، كما دعا بروسي بتطبيق العلق وكانت ممرضته تسأل الوافد الجديد عن مكان ألمه ثم تعلق له من 10 ـ 30 علقة وفق إجابته.

قلت: وأطباء المسلمين؟

قال: الأطباء المسلمون في عصر نهضتهم طبقوا الفصد مؤكدين أثره الوقائي، وهذا ما يؤكده ابن سينا إذ قال:( يجب أن تعلم أن هذه الأمراض مادامت مخوفة ولم يوقع فيها، إباحة الفصد فيها أوسع، فإن وقع فيها ليترك الفصد أصلاً)

ويرى أبو القاسم الزهراوي أن الفصد إما أن يستعمل لحفظ الصحة، وإما أن يستعمل في علاج الأمراض.

قلت: فما الحالات العلاجية التي كان يستخدم لها الفصد وأثبت جدواه([45]

قال: لقد جاء في الموسوعة الطبية السوفياتية الكبرى مقالا مهما عنها كتبه البروفسور ب.كونيايف وآخرون، وقد ذكروا أن للفصادة على العضوية تأثيرات كثيرة.. وأن الطرح المقصود لكمية كبيرة من الدم في وقت قصير تعادل تأثيرات النزف الدموي الحاد، فهي تنقص الدم الجائل وينخفض معها إلى حد ما الضغط الشرياني، وخاصة الوريدي مما يملك تأثيرات إيجابية حالة وجود فرط توتر وريدي ناجم عن قصور البطين الأيمن، وإن عودة الجائل إلى حجمه الطبيعي يتم بسرعة عقب الفصادة بسبب موه الدم، إذ تزيد نسبة الماء فيه أكثر من 15 بالمائة من الحدود السوية، وموه الدم هذا مرتبط بآلية عصبية ـ خلطية ناظمة لحجم الدم الجائل.

وذكروا أن الفصادة العلاجية تعتبر مثيرة لارتكاس العضوية الدماغية، كما أن ما تستدعيه من إعادة توزيع بعض العناصر في العضوية كالماء والشوارد والعناصر المكونة للدم تترافق مع زيادة نشاط آلية التنظيم العام والموضعي لدينمية الدم يؤهب لتراجع الاضطرابات في الدوران الدموي، وهذا ما يوضح ما نراه بعد الفصادة من تحسن الحالة العامة للمرضى وزوال الآلام في الرأس وخلف القص.

وزيادة على هذا([46])، فقد أكد اختصاصي القلب جيروم سوليفان في المركز الطبي في شارلستون بولاية كارولينا الجنوبية أن فقدان الدم بانتظام قد يؤدي إلى حماية الإنسان من النوبات القلبية، فعندما يفقد الجسم كمية من الدم، فإنه يفقد أيضاً عنصر الحديد الذي يخزنه الجسم في صورة مركب الفريتين.

وهو يذكر أن الناس الذين يحتوي دمهم على نسبة قليلة من الحديد هم الأقل عرضة للإصابة بالنوبات القلبية.

ويرجع هذا إلى أن الحديد المختزن يعتبر عاملا شديد الخطورة، وقد تأكد هذا بعد سلسلة من الأبحاث أجراها عدد من الأطباء الفلنديين، الذين تابعوا مجموعة من الرجال من متوسطي العمر لمدة خمس سنوات حيث وجدوا أن الرجال من متوسطي العمر لمدة خمس سنوات، حيث وجدوا أن الرجال الذين أصيبوا بنوبات قلبية هم الذين تزداد نسبة الحديد في دمائهم.

وعلاج هذه الحالة هو فقدان الدم بشكل منتظم، وهي مشكلة محلولة عند النساء بسبب الدورة الشهرية عندهن.

قلت: وعند الرجال.. فنحن لا نجد من يقوم بهذ النوع من الفصد.

قال: يوجد ذلك على مستوى واسع.

قلت: أين؟

قال: في كل المستشفيات.. وذلك بالتبرع بالدم بشكل منتظم، وبحد أدنى ثلاث مرات في السنة.. فتجمع بذلك بين علاجين نبويين: الفصادة والصدقة.

قلت: وهل أثبت التبرع بالدم جدواه كنوع من الفصادة؟

قال: أجل.. وقد قام البروفسور سالونين وثلاثة من زملائه من جامعة كيوبيو بفلندا بدراسة على 2682 شخصاً، ولمدة ست سنوات عن فائدة الفصادة عن طريق التبرع بالدم في أمراض القلب والأوعية فتبين أن 38 بالمائة من أمراض القلب والأوعية قد اختفت بفضل التبرع بالدم.. أي أن معظم المتبرعين بالدم قد تخلصوا من آفات القلب والأوعية التي تصيب غيرهم من غير المتبرعين.

قلت: فهل هناك ما يمنع من استعمال هذا النوع من العلاج؟

قال: أجل..ولهذا لم يرد أي حديث في فضلها.. بل ورد النص فقط في جواز استعمالها كأسلوب من أساليب العلاج.. ولهذا تمنع الفصادة مطلقاً عند وجود هبوط مرضي في الضغط الدموي أو وجود نقص في حجم الدم، كما أن من مضادات استطباباتها النسبية التصلب العصيدي الدماغي، وفقر الدم من أي منشأ خاصة إذا ترافق مع ميل لتشكل الخثرات.

وهناك بعض الاختلاطات التي تنجم عن الفصادة غير المراقبة بسبب هبوط الضغط أو نقص الخضاب وعدد الكريات الحمر في الدم الجائل كحصول فقر دم موضعي دماغي عند المصابين بالتصلب العصيدي يعالج بإعادة حجم الدم بحقن المصورة أو نقل كمية من الدم.

كما قد يحصل غشيان عند الأشخاص الضعفاء عند السحب السريع للدم حيث توقف العلمية فوراً، وينشق المريض الغول النشادري.

الحبة السوداء

بعد أن أمتعني بحديثه عن الحجامة والفصد، وآثارهما العلاجية، ذهب كما أتى من غير أن يترك لي أي فرصة لمزيد التعرف عليه وعلى فريق البحث المبارك الذي أجرى كل تلك الأبحاث، وأخرج للعالم أسلوبا جديدا من الأساليب التي تعيد الابتسامة للأنين.

لقد ابتسمت من كل قلبي، وأنا أشعر بأن الله تعالى، وإن قدر المرض، فإنه قدر من أنواع العلاج ما يمكن أن يحيط بكل مرض، ويقتل كل داء، وينشر العافية في كل بدن.

لقد صرت أنظر إلى المرض كما أنظر إلى الجوع.. فإن الله خلق للجائع من أصناف الطعام ما يسد جوعه في كل مرة بكل جديد مغن نافع.. وهكذا المرض أرسل له من أنواع العلاج ما يملأ صاحبه بالابتسامة والأمل..

بينما أنا كذلك إذ سقطت حبة سوداء على وجهي، فمددت يدي لأزيحها، فقالت بصوت رخيم: لا.. دعني هنا.. فهذا المكان أفضل لي.

قلت: هو أفضل لك.. ولكنه لا يناسبني.. إن مكانك إما أن يكون سلة المهملات.. أو قدر المطعومات.

قالت: أأنت أيضا تحتقرني.. أتحمل مثل قومك فيروسات العنصرية؟

قلت: لا.. لم أقصد النظر إلى لونك.. فلا يهمني سوادك أو بياضك.. ولكني تعودت أن لا أترك شيئا يسقط على وجهي أو بدني إلا أزحته.

قالت: يمكنك أن تفعل ذلك مع غيري.. أما أنا.. فلا ينبغي أن تنظر إلي إلا باحترام وتقدير وإجلال.

قلت: من أنت حتى تريدين مني هذه المعاملة الخاصة؟

قالت: أنا الحبة السوداء.

قلت: حبة البركة.

قالت: شكرا على هذه التسمية.. ولو أني أفضل ألا تسموني بها.

قلت: لم.. قومي يسمونك بهذا الاسم.. وهم يحترمونك بذلك.

قالت: أحب الاسم الذي سماني به حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال:( عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كلّ داء إلا السَّام([47])([48]

قلت: لقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن بركاتك الشفائية العظيمة، فذلك أطلقوا عليك حبة البركة.

قالت: أنا من قوم يقولون بسد الذرائع، فأخشى أن يحصروا البركة في، كما حصر بعضكم السنة في اللحية والقميص.

قلت: أتضحين بهذا الشرف العظيم لأجل سد الذريعة.

قالت: ليس لأجل ذلك فقط.

قلت: فما هو الشيء الآخر الذي يجعلك تضحين بهذا الاسم الجميل؟

قالت: إن كوني حبة سوداء يذكرني بالنقطة التي تحت الباء.

قلت: أتعرفينها؟

قالت: وقد ذقت من حلاوتها ما ترونه من بركاتي.

قلت: ولكني أرى لطعمك مرارة لا أتحملها.

قالت: تلك مرارة أشواقي.. فإني منذ جلست ذلك المجلس الشريف تحت الباء، وقلبي يتفطر شوقا إليه.

قلت: عهدي بالعاشقين تنور وجوههم، فكيف اسود وجهك.

قالت: ليكتب فيه محبوبي بحروف النور بركات الشفاء.

قلت: ألا يؤذيك لونك؟

قالت: من عرفه لا يؤذيه شيء.. ألم تسمع حديث ابن عباس؟

قلت: بلى.. فقد قال له صلى الله عليه وآله وسلم:( ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف)([49]

قلت: فحدثيني عن نفسك وعن بركاتك.

قالت: ألا تكفيك منزلتي؟

قالت: أنا من قوم لا يكفيهم إلا ما يملأ صدورهم بأخبار المخابر([50]).

قالت: لقد عرفت بركاتي من قديم، ولا يهمني أن يعرفني قومك أو غير قومك..

قلت: ألم نكلف بخطاب الناس على قدر عقولهم؟

قالت: بلى..

قلت: فرحمتك بهم أن تخاطبيهم بما يفهمون.

قالت: صدقت.. وسأحدثك بما يفهمون، فسل عما بدا لك.

قلت: لقد ذكرت أن بركاتك عرفت من قديم.

قالت: أجل.. ولكن الذي حفظها هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلولاه لكنت كغيري في غمار النسيان.

قلت: فمن عرفك من الشعوب؟

قالت: لقد عرفني المصريون القدماء، ولكن لم يعرف على وجه التحديد كيفية استخدامهم لي إلا أن اكتشاف زيتي ضمن مقتنيات أحد ملوكهم يدل بصورة قاطعة على مدى أهميتي في هذه الفترة.

ويشير العهد القديم في سفر أشعياء إلى أهميتي والطرق المتبعة حينئذ للحصول على زيتي، وقد عرف العبرانيون نباتي الذي كان ينمو بصورة واسعة في مصر وسوريا، باسم كيتساه.

وكتب ديسكوريدس، وهو طبيب يوناني شهير عاش في القرن الأول الميلادي: أن بذور حبة البركة كانت تستخدم في علاج الصداع واحتقان الأنف وآلام الأسنان، بالإضافة إلى استخدامها لطارد الديدان، كذلك استخدمت كمدر للبول واللبن.

بركات التكوين:

قلت: حدثتني عن تاريخك، فحدثيني عن أسرار بركاتك.

قالت: لقد حدثتك بأن بركتي مستمدة من عبوديتي، فكل من تحقق بعبودية الله نال من بركات الله.

قلت: أقصد ما يفهمه قومي.. فهم لا يؤمنون بمثل ما قلت.

قالت: لا بأس.. سأحدثكم عن كفني الذي أتكفن به.. لقد عكف العلماء منذ زمن على معرفة كيفية عملي، وخاصة دوري في عملية التئام الجروح، والذي استدعى معرفة مكوناتي، وقد وجدوا أني أحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن والبروتينيات النباتية، بالإضافة إلى بعض الأحماض الدهنية غير المتشبعة([51]).

بالإضافة إلى احتوائي على العديد من الأحماض الدهنية الأساسية والمهمة لصحة الجلد والشعر والأغشية المخاطية، وكذلك عملية ضبط مستوى الدم وإنتاج الهورمونات بالجسم وغيرها من الوظائف الحيوية المهمة.

بالإضافة إلى كل هذا أحتوي على مادة النيجيللون، وهي مادة بلّورية تم استخلاصها لأول مرة في عام 1929، وقد استخدمت منذ ذلك الحين باعتبارها المادة الفعالة الموجودة ببذرتي.

ويعد النيجيللون أحد مضادات الأكسدة الطبيعية مثل فيتامين ج وأ وكذلك الجلوتاثيون، والتي تلعب دوراً أساسيًّا في حماية الجسم ضد مخاطر ما يسمي بالشوارد الحرة.. وهناك العديد من الأبحاث التي نشرت مؤخراً عن دور الحماية الذي يلعبه النيجيللون في حماية الجسم من مخاطر العديد من المواد الغريبة.

قلت: وزيتك؟

قالت: إن الزيت الطيار الذي وضعه الله في يحتوي على مادة النيجيللون، وهي مادة مضادة للهسيتامين، ومنها فائدة الحبة السوداء في علاج الربو بتوسيع القصبات، وفي علاج ارتفاع الضغط الدموي بتوسيع الأوعية الدموية، وفي علاج بعض الأمراض الهضمية بإزالة التشنجات المعدية والمعوية.

قلت: أرى فريقا من قومي يفصلون زيتك، ويبيعونه بأغلى الأسعار.. ويزعمون له خواص علاجية خطيرة.. فهل ذلك صحيح؟

قالت: ألا تعرف قومك؟

قلت: أعرفهم وأجهلهم.

قالت: لقد أهلكهم حب الدينار والدرهم، فراحوا يتلاعبون بأجساد الخلق لأجلهما.. ألم تعلم كيف حولوا الرقية إلى شبكة يصطادون بها؟

قلت: بلى.. وقد سمعت من ذلك الكثير.

قالت: فكذلك هم يصطادون بزيتي، ويتلاعبون به.

قلت: ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن بركاتك..

قالت: أخبر عن بركات الحبة السوداء.. لا عن بركات زيت الحبة السوداء.. فإن كانوا مستنين بهدي النبوة، فليأخذوا الحروف بمعانيها.. ولا يبتدعوا.

قلت: لكنهم إن فعلوا ذلك لم يقدموا جديدا.. فالحبة السوداء تباع عند كل عطار، بل عند البقالين..

قالت: وما يضرهم أن يجعلني الله غذاء ودواء.

قلت:….

قالت: أنت تريد كلام المخابر.. لا مجرد كلام.

قلت: لم تجاوزي ما في نفسي.

قالت: لقد أخبر المختصون الصادقون أن فوائدي تتوقف على عدم طحني إلا عند الاستعمال، لأني إذا سحقت وتركت ـ ولو لعدة ساعات قبل استعمالي ـ فإن المادة الفعالة تتطاير مني، لأنها عبارة عن زيت طيار.. لكن إذا سحقت، ثم مزجت مع عسل مزجاً جيداً، وحفظت في علبة قاتمة اللون ومحكمة الغلق، فإني أحتفظ بفائدتي.

قلت: فما أفضل طريقة للاستفادة من بركاتك؟

قالت: بسيطة جدا كبساطتي.. لا تكلف فيها ولا تجارة.. وهي فوق ذلك سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: شوقتني، فما هي؟

قالت: لقد حدث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اشتكى تقمح([52]) كفا من شونيز وشرب ماء وعسلا([53]).

قلت: أيكتفي بسفك؟

قالت: أجل.. فإن أضفت إلي ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكون قد نلت ثلاث بركات: بركتي، وبركة الماء، وبركة العسل.

قلت: ولكني قد لا أطيق ذلك؟

قالت: فافعل بعض ما يفعله بعض قومك.

قلت: وما يفعلون؟

قالت: يضعون ملعقة مني على صحن يحتوي على اللبن الزبادي، ويغمر بزيت الزيتون.. ثم يجعلون ذلك من أطباق الفطور في الصباح أو العشاء.

قلت: هذه وصفة طيبة.

قالت: وأطيب منها وصفة الحبيب، بأبي هو وأمي.

قلت: فما المقدار الذي أنتفع به منك؟

قالت: إن كنت على دين قومك، فليس هناك دليل علمي كاف يشير إلى ذلك، إلا أن الدراسة التي أجريت في أمريكا وأشارت إلى فائدة الحبة السوداء في تنشيط الجهاز المناعي، استخدمت جراما واحدا من الحبة السوداء مرتين كل يوم([54]).

قلت: أهذا صحيح؟

قالت: لا زالت أبحاثكم قاصرة في هذا المجال، ولولا أن معلم البركة نهاني أن أتكلم لك بغير ما يعرفه قومك لذكرت لك ما ينقضي دونه العجب.

قلت: ولم نهاك؟

قالت: هذا من العلوم التي تحتاجون أنتم لامتطاء سنن الله للبحث فيها..

قلت: لا بأس.. فإن قولك هذا يشجع على إجراء المزيد من البحوث بطمأنينة وثقة.

قالت: أنا منجم من مناجم الصحة، لكن لمن عرف كيف يستعملني.

قلت: أيخطئون في استعمالك؟

قالت: كثيرا..

قلت: اذكري لي أمثلة على ذلك.

قالت: أنا دواء.. وينبغي أن أستعمل بمقدرا محدد، وقد ذكر بعضهم أنه لا ينصح باستعمالي بشكل يومي مستمر.. بل أستعمل لمدة 14 يوماً، ثم يكرر العلاج بعد أسبوعين أو أكثر، لإمكانية حدوث الأعراض الجانبية.

قلت: فهل ذكروا بعض المحاذير من استعمالك؟

قالت: الأصل أني من الأدوية المباركة.. وهي لا محاذير فيها.. ولكن سوء الاستعمال جعل البعض يحذر من استعمالي لمن يعانون من انخفاض ضغط الدم، أو نوبة الربو الحادة..

ومثل هؤلاء يحذر النساء الحوامل من استخدامي خلال فترة الحمل، لأن الزيت الثابت للحبة يسقط الجنين.. ومثلهن الاطفال الرضع.. ومثل ذلك استخدامي مع أدوية كيماوية أو عشبية أخرى خشية حدوث تداخلت دوائية([55]).

بركات الشفاء:

قلت: حدثتني عن بركات التكوين، فحدثيني عن بركات الشفاء.

قالت: لقد اخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن بركات الشفاء التي أودعها الله في، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام)([56]).. وفي حديث آخر يأمر صلى الله عليه وآله وسلم بالاستشفاء بي، فيقول:( عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السأم)([57]

وقد وردت أحاديث أخرى بصيغ أخرى تؤكد هذا، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( الشونيز([58]) دواء من كل داء إلا الموت)([59])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( الشونيز دواء من كل داء إلا السام)([60]

قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن شراح الحديث خصصوا العموم الوارد في الحديث، فذكر بعضهم أن هذا من العام الذي يراد به الخاص، لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة.

وذكر آخر استدلال عقليا على هذا، فذكر أن العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل فيه شفاء للناس الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى.

وقال غيرهما: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض، فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد، فيكون معنى قوله:( شفاء من كل داء)أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه([61]).

قالت: لقد أخطأوا في التأويل.. أيستدركون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. كيف يقولون هذا، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( شفاء من كل داء)

قلت: للأسف.. قد اتفق الشراح على هذا.

قالت: لا.. لم يتفقوا.. ألم تسمع ما قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة، فقد أتاه الله علما وحكمة؟

قلت: فما قال؟

قالت: لقد قال: تكلم الناس في هذا الحديث، وخصوا عمومه، وردوه إلى قول أهل التجربة، ولاخفاء بغلط قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب، ومدار علمهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب، فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم([62]).

قلت: بورك فيه.. فقد غار على حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من أن يمسه التبديل والتغيير.

قالت: وقد أثبت علمكم ما قال.. وسيثبت المستقبل تأويل كل ما قال.. فكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتخلف.

قلت: فحدثيني عن بركات شفائك التي عرفوها.

قالت: لن أحدثك على ما قال القدماء.. فلن تفهم كثيرا مما ذكروا.. بالإضافة إلى أن ما ذكروه لم يقدرني حق قدري.

قلت: ستحدثيني عن الدراسات المعاصرة.

قالت: أجل.. وهي ـ مع الجهد الذي تبذله ـ لا تزال قاصرة.

قلت: فمن يجري هذه البحوث؟

قالت: لقد تم نشره عشرات البحوث مؤخرًا في الدوريات العلمية المختلفة عن فوائد استخدامي.. وهي تؤكد جميعا الفوائد العديدة التي وصفتها النصوص.

ومعظم هذه الأبحاث يأتي من أوروبا وتحديدًا النمسا وألمانيا، والتي تأتي في مقدمة الدول الداعية لإحياء طب الأعشاب كطب بديل.

وانطلاقا من هذا ظهرت مستحضرات طبية متنوعة بين أقراص وكبسولات وأشربة وزيوت في العديد من الدول الأوربية، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بلدان العالم العربي والإسلامي.

قلت: فهل تعتبرين هذه الدراسات كافية للتنويه بقدرك؟

قالت: لا.. لقد ذكرت لك أنها قاصرة جدا.. فمعظم ما تم من دراسات كانت دراسات بدائية أجريت على الفئران، وكانت نتائجها مشجعة، ولكن يقتضي الأمر إجراء المزيد من الدراسات لتوثيق النتائج واستخلاص التوصيات.

قلت: فاذكري لي بعض هذه التجارب لأتبين المنهج الذي يتم على أساسه معرفة فوائدك.

قالت: سأذكر لك أربعة أنواع من التجارب، أما إحداها، فبمسحوقي، وأما الثانية، فبخلاصتي المائية، وأما الثالثة، فبخلاصتي الكحولية، وأما الرابعة فبزيتي الطيار.

قلت: فحدثيني عن النوع الأول.

قالت: لقد كشفت بعض البحوث أن معالجة الإنسان أو الجرذان بمسحوقي أدت الى زيادة عدد ونشاط بعض خلايا المناعة مثل خلايا   T الليمفاوية القاتلة وتنشيط الخلايات المبلغمة في التقام الجراثيم، كما أوضحت البحوث قدرة هذه الحبوب على زيادة افراز ادرار اللبن في الأغنام.

قلت: والنوع الثاني؟

قالت: لقد كشفت الدراسات التجريبية عن قدرة الخلاصات المائية لحبة البركة على تنشيط افراز بعض عوامل تنشيط المناعة من الخلايا اللمفاوية مثل مادتي انترليوكين1، وانترليوكين 3، وإلى تنشيط بلغمه الجراثيم، وكذلك إضعاف إفراز السوائل المعدية الحمضية، ومنع حدوث القرح المعدية التجريبية المحدثة بمادة الاسبرين في الجرذان.. بالإضافة إلى علاج بعض أمراض الديدان المعوية في الأغنام والديدان الشريطية في الاطفال.

قلت: والنوع الثالث؟

قالت: لقد كشفت الدراسات التجريبية أن للخلاصات الكحولية للحبة السوداء عدة تأثيرات، مثل الفتك بالعديد من الجراثيم مثل الاشريكية القولونية والزائفة الزنجارية وبعض الفطريات مثل الرشاشية.. بل إبادة بعض الخلايا السرطانية وإرخاء عضلات الأمعاء وكبح التقلصات والآلام التجريبية المحدثة ببعض الكيماويات.. وعلاج بعض المصابين ببعض الديدان المعوية مثل الدودة الشريطية والصفرا الخراطيني.. وتثبيط الالتهابات والآلام ومنع تسوس الأسنان ومنع انخفاض مستوى الهيموغلوبين، وعدد كريات الدم البيضاء المحدث ببعض العقاقير المضادة للسرطان مثل عقار سيسبلاتين.

قلت: والنوع الرابع؟

قالت: لقد كشفت الدراسات التجريبية قدرة هذا الزيت الطيار في جرعات صغيرة على إحداث بعض التأثيرات كتخفيض ضغط الدم الشرياني، وتخفيض سرعة النبض القلبي في الجرذان والوبر بتأثيره المنشط على بعض المستقبلات السروتونية في المخ.. وزيادة سرعة التنفس وتقلصات في رغامي حيوان الوبر عن طريق افراز مادة الهستامين.. وزيادة افراز مادة الصفراء في الكلاب.. وزيادة اخراج حمض اليوريك المسبب لمرض النقرس في البول.. والفتك بالعديد من الجراثيم مثل السلمونيلله والتيفية والصنمة الهيضية والزانفة الزنجارية وبعض الفطريات مثل الرشاشية السوداء وبعض الديدان المعوية.. وإرخاء عضلات الامعاء وكبح التقلصات المحدثة ببعض الكيماويات فيها.. وتخفيض مستوى سكر الدم في الأرانب والجرذان الصحيحة المصابة بداء السكر التجريبي بعد معالجتها بجرعات 5 مليجرام/ كيلوجرام حقنا في الصفاق بدون أي تأثير على مستوى الانسولين في الدم.

اما مركب الفاباينين فقد اكتشفت قدرتها على تثبيط الالتهابات التجريبية عبر افراز مادة هيدروكورتيزون وتثبيط نمو بعض الجراثيم خصوصا تلك المرتبطة بالتهابات حب الشباب، كما أن لها القدرة على تثبيط نمو بعض الأورام السرطانية في أكباد الجرذان وزيادة افراز المخاط من الشعب الهوائية في بعض المرضى المصابين بالتهابات رئوية وبالأخص المزمنة.

قلت: حدثتني عن الدراسات التي أجريت عليك، فحدثيني عن استخداماتك التي توصلت هذه الدراسات إليها.

قالت: لقد دل ما ذكرت من الدراسات وغيرها على استعمالات صحية كثيرة لي.. سأقتصر لك منها على ما أرى أنه ينفعك، ويملؤك يقينا بما وضع الله في من بركات الشفاء.

قلت: فحدثيني بارك الله فيك.. وقد فعل.

قالت: لقد ثبت حديثاً من خلال الدراسات والأبحاث التي أجريت علي أني ألعب دوراً هاماً في تقوية وتنشيط الجهاز المناعي في جسم الإنسان.

وبما أن قدرة الجسم على مجابهة الأمراض مرتبطة بقوة جهازه المناعي، فإنني بتقويتي لهذا الجهاز أشكل شفاء ودواء لكل الأدواء، فلذلك أفيد في معالجة كل الأمراض، بما فيه السرطانات، والأدواء التنفسية التي تصيب الإنسان.

قلت: فما سر تقويتك للجهاز المناعي؟

قالت: لقد أثبتت الدراسات أنَّني أنشط جهاز المناعة في جسم الإنسان بزيادة نسبة التائيات المناعية مقارنة مع التائيات المثبطة، ومن هنا كانت فائدتي في مكافحة الأمراض بشكل عام، والأمراض الفيروسية بشكل خاص.

قلت: فحدثيني عن بعض ثمرات هذا العلاج.

قالت: في الأمراض التنفسية أفيد في علاج الزكام والسعال والرَّبو.. وفي الأمراض الهضمية أفيد في علاج عسر الهضم، وغازات المعدة والأمعاء وضعف الشهية للطعام، وداء المتحولات الزحارية، والديدان الشريطية، وديدان الأسكاريس..وفي الأمراض الجلدية أفيد في علاج الجرب والقوباء الجلدية، والالتهابات الجلدية، والبثور الجلدية، وحب الشباب.

الأمران

بعد انصراف الحبة السوداء شعرت بمرارة تقرص لساني، فمددت يدي إلى لساني لأرى سر هذه المرارة، فنادتني نبتة بصوت رخيم: لا تمسح المرارة، فلولاها ما عرفت الحلاوة.

قلت: من أنت يرحمك الله.. فإن صوتك قد ملأني شوقا.. والأذن تعشق قبل العين أحيانا.

الثفاء:

قالت: أنا التي قال في الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:( عليكم بالثفاء([63]) فإن الله جعل فيه شفاء من كل داء)([64])

قلت: أأنت التي ذكرت مع الصبر، في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( ماذا في الأمرين من الشفاء: الثفاء والصبر)([65]

قالت: بلى.. وقد جاء معي إليك لترى من بركاتنا ما تستحلي به المرارة، كما تستحلي الحلاوة.

قلت: لا أعرف أن المرارة تستحلى.

قالت: بل إن حلاوتها لا تقل عن حلاوة الحلاوة.

قلت: لكن..

قاطعتني وقالت: إن مرارتنا أحلى بكثير من تلك الحلاوات التي يقتلونكم بها، ويملأون أجسادكم وأوراحكم سموما.

قلت: سلمت لك.. فإني أعلم عداوتك وعداوة إخوانك لسمومنا.

قالت: أتعلم سر مرارتي؟

قلت: لعلها مرارة الأحزان..

قالت: القلب الذي يعرفه لا يعرف الأحزان..

قلت: وهو لا يعرف المرارة.. فكيف عرفتها أنت؟

قالت: أنا لا أختار لنفسي حلاوة ولا مرارة.. فعبوديتي تجعلني أختار ما يختار لي، وحبي الذي ملأ به صدري يجعلني لا أشعر بحرارة ولا برودة، ولا مرارة ولا حلاوة، ولا شيء مما تشعرون به وتتألمون، أو تفرحون.

قلت: فقد قطعت مراحل في الطريق إليه.

قالت: أنا لم أسر حتى أقطع.

قلت: فكيف وصلت إلى هذه المرتبة؟

قالت: من لم يوصله لم يصل.. ومن لم يحركه لم يتحرك.

قلت: أتقولين بالجبر؟

قالت: جبر المحبين، لا جبر المتكلمين، ألم تسمع ما قال حاديهم:

أريدُ وصالَه ويريدُ هَجْري  فأتركُ ما أريدُ لما يريدُ

قلت: سلمت لك ما ذكرت.. فحدثيني عن سر بركاتك.

قالت: نحن لم نتجاوز الحديث عنها.

قلت: أقصد ما يعرفه قومي من العناصر والمركبات.. والآثار الشافيات.

قالت: ما أقل فقهكم.. لا تتبركون بالحب القدس.. وتتبركون بالطوب والجدران.

قلت: نحن من قوم لا نعرف من الحضارة غير الجدران..ألم يصفنا صلى الله عليه وآله وسلم بأنا من المتطاولين في البنيان.. فلذلك لا نرى منك غير ما فيك من العمران؟

قالت: لا مناص لي من خطابك وخطاب قومك على قدر عقولكم.. يذكر قومك أني من أكثر النباتات غنى باليود.. وهذا ما يجعلني سهلة الهضم، كما أني أحتوي على الحديد والكبريت والكلس والفوسفور والمنغنيز والزرنيخ، وأنا غنية بالفيتامين ج، وأحتوي على نسبة قليلة من الفيتامين أ وب وPP والكاروتين.. وتدل دراسات حديثة على احتوائي على عنصر (سكوالين)وهو مفيد؛ إذ يستخدم كقاتل للبكتيريا ويستخدم أيضاً كمضاد للأورام، وهو مقوٍ لمناعة الجسم أو منبه لمناعة الجسم.

قلت: بورك في تكوينك.. فما بركات شفائك؟

قالت: لقد اتفق الأقدمون والمحدثون على أني أفيد التقوية العامة، وأني فاتحة للشهية، مدرة للبول، طاردة للرياح، مهدئة ومخفضة لضغط الدم، صالحة لعسر النفس، وللربو وجلاء الصدر من البلغم والنيكوتين، فعالة في تفتيت الحصى والرمال ومكافحة للسرطان والروماتزم والسكري والسل.. أفيد في أمراض الجلد، ولتنقيه البول وطارد للسموم، وضد النزلات الصدرية والصداع.

ويرى الدكتور جان فالينه أنني مقوية ومرممة ومشهية، ومفيدة لمعالجة فقر الدم، وضد داء الحفر، ومدرة للبول، ومقشعة ومهدئة، ومنشطة لحيوية بصيلات الشعر، حيث تطبق عصارته على فروة الرأس لمنع تساقط الشعر، ولمعالجة التقرحات الجلدية.

قلت: رأيت بعض قومي يستعملونك حساء.

قالت: بورك فيما يفعلون.. فهذا الحساء طارد للدود، ومكافح للتسمم.. وينصح بتناوله المصابون بالتعب والإعياء، وللحوامل والمرضعات والمصابين بتحسس في الطرق التنفسية والجلدية، كما في الأكزيما، وهو نافع للبواسير النازفة.

قلت: ورأيت بعض قومي يستعملون مغلى بذورك أو منقوعها أو مسحوقها؟

قالت: نعم ما فعلوا.. فهذا صالح لمعالجة الزحار والإسهال والأمراض الجلدية وتضخم الطحال.

ويمكنهم أن يصنعوا كمادة من مسحوقي كمسكن لمعالجة آلام البطن والآلام الرئوية وغيرها.

قلت: فكيف نستعملك؟

قالت: يكفيكم كأس من مغلي الرشاد صباحاً ومساءً، ويضاف إليه العسل.

قلت: أتنصحيني بالمداومة على هذا؟

قالت: لا.. ينبغي أن تستعملني بجرعات متوسطة، ولفترة محددة.. والمناسب هو ملعقة صغيرة في اليوم، ولمدة (30)يوماً.

أما كثرة استخدامي ـ سواء بزيادة حجم الجرعة عن ملعقة صغيرة من مطحون حب الرشاد أو زيادة المدة ـ فإنني لا أنصحك بها.

قلت: وما أضرار الإفراط في تناولك؟

قالت: ألا تعلم أني أحتوي على مركب ( البنزايل أيزو تايوسيانيد)؟

قلت: وما به هذا المركب؟

قالت: هذا المركب يعمل على تثبيط الأورام السرطانية في الحيوانات عموماً، ومنها الإنسان.. فهو مادة مثبطة للبكتيريا والفطريات.

ولكن إذا أخذ بكميات زائدة، فإنه يسبب أمراض الغدة الدرقية، ولذلك فإن هذا المرض يكثر عند النساء بدل الرجال، لأن النساء يستخدمن حب الرشاد أكثر من الرجال، وربما بجرعات زائدة.

الصبر:

ما إن انتهى الثفاء من حديثه حتى تقدم الصبر، وهو يقول: أنا الصبر([66]).. أخو الثفاء.. وكلانا أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بركاته.. وأنا أروي حديثا عني .. ذكر فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  أن الرجل إذا اشتكى عينيه ضمدهما بالصبر([67]).

قلت: فقد وصفك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث للعيون.

قال: أجل.. وقد قال ابن سينا يثبت هذا:( إنه ينفع من قروح العين وجربها وأوجاعها، ومن حكة المآق، ويخفف رطوبتها)

ومثله قال أبو بكر الرازي:( وهو أيضا نافع للعين مجفف للجسد)

وقال إسحق بن عمران:( إنه ينفع من ابتداء الماء النازل في العين، وينقي الرأٍ والمعدة وسائر البدن من الفضول المجتمعة فيها)

وقال داود الأنطاكي:( والاكتحال به يحد البصر، ويذهب الجرب والحرقة وغلظ الأجفان)

قلت: صدقوا جميعا.. ونحن نحترمهم غاية الاحترام.. ولكن.. أنت تعلم قومي.

قال: أجل.. قتلهم الغرور، فلا يسمعون إلا أنفسهم.

قلت: أجل.. فأنت تعلم ذلك.. ولا أحسب إلا أنك عانيت منهم.

قال: أجل.. ولولا ما حباني الله به من الصبر لفررت منهم حيث لا يروني ولا ينتفعون بي.

قلت: فحدثني عما قاله قومي.

قال: لقد نشرت مجلة Cuits الأمريكية الشهيرة مقالا عن الصبر عام 1986 تقول فيه: (لقد تبين من خلال الدراسات السريرية الحديثة أن للصبر دورا في معالجة الالتهابات الجلدية الشعاعية، وسحجات الجلد السطحية، وفي تقرح قرنية العين، وفي قروح الرجلين)

قلت: فما سر هذا؟

قال: ما ملأني الله به من الصبر.

قلت: قومي لا يفهمون هذا.. فحدثهم عن العناصر والمركبات.

قال: لقد اكتشف العلماء وجود أربع مواد كيميائية فعالة في الصبر.

قلت: فما أولاها؟

قال: برادي كينياز، وهي مادة تزيل الألم والحكة والاحتقان، ولها فعل مقبض للشرايين، مما يخفف الانتفاخ والاحمرار الحاصل مكان الالتهاب.. وهذا ما يفسر إدخال شركات الأدوية ومستحضرات التجميل مادة الصبر في المستحضرات التي تعالج حرق الشمس.

قلت: فالثانية؟

قال: لاكتات المغنيزيوم.. وقد ثبت أنها تمنع تشكل الهيستامين، وهي المادة التي تسبب الحكة في الجلد..وهكذا أخفف من الحكة والالتهاب، وهذا ما يفسر فاعليتي في علاج لدغات الحشرات.

قلت: فالثالثة؟

قال: مضاد البروستا نلاندين.. وهي تخفف الألم والالتهاب مثلما تفعل حبوب الأسبرين.. وهكذا تعمل هذه المواد الثلاثة معا على تخفيف الألم والالتهاب، وتسكين الحكة والحرقان.

قلت: فالرابعة؟

قال: هي مادة الانتثراكينون.. ويعزى لها الفعل المسهل للصبر.

قلت: لقد وضع الله تعالى فيك مزيجا من مواد مسكنة، وأخرى مهدئة للحكة والالتهاب.

قال: أجل.. ولهذا وصفني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمادا على عيني المريض الملتهبتين.

قلت: لقد سمعت حديثا عن دورك في تلطيف الجلد.

قال: أجل.. لقد روت أم سلمة  قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت علي صبرا، فقال:( ماذا يا أم سلمة؟)فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله، ليس فيه طيب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل)

قلت: فقد ذكر صلى الله عليه وآله وسلم أنك تشب الوجه، أي تلونه وتحسنه.

قال: أجل.. وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن للصبر تأثيرا مرطبا للجلد، فيلطف الجلد وينعمه.

قلت: فما سر هذه الخاصية؟

قال: يعزو العلماء ذلك إلى أنني أحبس الماء في الجلد فيرطبه وينعمه.. ولهذا تجد في أسواق قومك مركبات مختلفة من كريمات ومستحضرات دوائية، وقد دخل في تركيبها مادة الصبر.

قلت: إن بعض قومي يصفونك لالتهاب المفاصل الرثواني.

قال: صحيح هذا.. وهو مرض مؤلم جدا، وقد يؤدي إلى حدوث تشوه في المفاصل، وإعاقة شديدة في حركتها.. وهو يصيب المفاصل الصغيرة في اليدين والقدمين بشكل خاص.

وقد نشرت مجلة النقابة الطبية لأمراض الأقدام بحثا استخدمت فيه موضعيا على مفاصل ملتهبة عند الفئران.. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أنني فعال في علاج هذا الالتهاب.. وهناك تجارب علمية تجرى حاليا على الإنسان.

قلت: ألا زالت بعض بركات شفائك لم تكشف بعد؟

قال: أجل.. ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم:( ماذا في الأمرين من الشفاء: الثفاء والصبر)([68])، فهذا الحديث يحمل الدلالة الواضحة على البركات الكثيرة التي أحملها.

 السنا والسنوت

ذهب الأمران، وجاءني اثنان كأنهما أخوان، فقلت: لا شك أنكما السنا والسنوت.

قالا بصوت واحد: أجل.. فقد جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيننا.. فلذلك ترى الأخوة بيننا متصلة، والمحبة بيننا منعقدة.

قلت: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكما:( عليكم بالسنا والسنوت، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام، وهو الموت)([69])  

قالا: أجل.. فنحن من أدوية السماء التي أنزلها الله على عباده، وبارك فيها.

قلت: فحدثاني عن نفسيكما.

السنا:

تقدم السنا، وقال: أما أنا، فقد وردت في النصوص تبين ما في من البركات، فعن أسماء بنت عميس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألها بماذا كنت تستمشين([70])؟، فقالت: بالشبرم([71])، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( حار جار)، ثم استمشيت بالسنا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( لو أن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا)([72]

قلت: فقد وصفك صلى الله عليه وآله وسلم كدواء ملين.

قال: لا.. لقد اعتبرني صلى الله عليه وآله وسلم من الأدوي المباركة التي لا يحد تأثيرها.

قلت: ولكن الحديث ورد في تسهيل البطن.

قال: النصوص المقدسة لا تخصص بمناسباتها.. بل تراعى فيها الألفاظ الواردة فيها.. لأنها خرجت ممن لا ينطق عن الهوى.

قلت: لن أجادلك في هذا.. فأنت أدرى بما وهبك الله من بركات.. ولكني مع ذلك لن أسلم لك حتى تخبرني بما قالوا.

قال: ألا تسلم لما قال حتى تسمع ما قالوا؟.. ما أضعف إيمانك؟

قلت: اعذرني.. فإني لا أزال رقيق الدين..

قال: فاسأل الله أن يعمقه، فلا خير في دين رقيق.

قلت: حدثني عن بركاتك التي يعرفها قومي.

قال: سأحدثك أولا عن بركات تكويني التي تهتمون بها، فأوراقي وثماري تحتوي على جلوكوزيدات انثراكينونية، وتعرف بمجموعة سنوزايد، ويوجد منها أربعة أ، ب، ج، د، كما أحتوي على جلوكوزيدات نفثالينية، ومواد هلامية ومواد فلافونيدية وزيت طيار.

وقد قامت شركات الأدوية في عصركم بتركيب العديد من الأدوية التي تحتوي على مركباتي منها برسنيد، وسناكوت.

بالإضافة إلى أن هناك أدوية أخرى تحتوي على مركباتي مع بعض المواد الأخرى، ومنها أجيولاكس وسينتولاكس وميوسينم وجليسينيد.

قلت: حدثتني عن بركات تكوينك، فحدثني عن بركات الشفاء.

قال: سأبدأ بما ورد في الحديث.. وهو اعتباري علاجا ملينا، فقد نص الخبراء على أني من أفضل الملينات؛ وذلك لأن مفعولي لا يبدأ إلا في القولون، حيث يتم تحللي بواسطة البكتيريا القولونية.

قلت: فأنت لا تؤثر على المعدة، ولا على الأمعاء الدقيقة؟

قال: أجل.. وبالتالي لا أؤثر على امتصاص الغذاء، كما تفعل معظم الملينات والمسهلات، ولا أسبب إمساكا بعد الإسهال.. بل لا أسبب أي تقلصات في الأمعاء، كما تفعل معظم المسهلات الأخرى([73])، وقد يحدث بسببي مغص خفيف سرعان ما يزول.

قلت: ألا يؤثر على الحامل؟

قال: أنا لا تمتصني الأمعاء، وبالتالي لا أؤثر على الجنين، كما لا أؤثر على الرضيع، وقد نصت الموسوعة الصيدلانية بأن الأم المرضع تستطيع استعماله لأنه لا يفرز في لبنها من خلال الثدي.

قلت: عرفت هذه البركة العلاجية، فهل هناك غيرها.

قال: أجل.. وكثير.. غير ما لم تكتشفوا.

قلت: فاذكر لي ما يطمئن به قلبي.

قال: لقد ذكر القدماء من منافعي الكثير.. ويكفيك ما قاله الموفق عبداللطيف البغدادي في الاربعين الطبية، ونقلها عنه ابن القيم والسيوطي، قال: ( السنا دواء شريف مأمون الغائلة، وقريب الاعتدال، لأنه حار يابس في الدرجة الأولى، يسهل الصفراء والسوداء، ويقوي جرم القلب، وهذه فضيلة شريفة فيه، وخاصيته النفع من الوسواس وتشنج العضل وانتشار الشعر، ومن القمل والصداع العتيق (المزمن)والجرب والبثور والحكة)

وقال الرازي:( السنا والشاهترج يسهلان الاخلاط المحترقة وينفعان من الجرب والحكة)

وقال ابن البيطار:( اذا خلط بالحنا فانه يسود الشعر واجوده المكي، ينفع من الشقاق العارض في البدن وينفع من الصداع المزمن ومن البثور والحكة)

وقال داود الانطاكي..

قلت: أخبرني بما قال قومي.. وبما يفقهونه؟

قال: لقد قامت أبحاث كثيرة على أوراقي وثماري، أثبتت فائدتي كأفضل مسهل، بالاضافة الى تنقتي للدم، والفتك بالفيروسات والفطريات.

وأعتبر أحد النباتات المهمة المسجلة في دساتير الأودية الأوروبية والأمريكية والهندية والصينية.

ويوجد حالياً في الهند مستحضر مكون من محلول مائي مركز من السنامكي حيث أستعمل لتنقية الدم.

ويوجد استخدام جديد يستعمل ضد الفيروسات وتكاثرها، حيث تم استخلاص راسب بروتوني من نوع السنا المعروف باسم سنا سيام واعطى نتائج 100 بالمائة لوقف نمو الفيروسات.

وقد تم استخلاص جلوكوزيدات من نباتي فيستولا ودكورا، واستخدمت ضد الفطريات.

قلت: فهل تستعمل خارجيا؟

قال: أجل.. يمكن استخدم منقوع أوراقي على هيئة حقنة شرجية للاطفال كمسهل، وذلك باستعمال منقوع غرام واحد لكل سنة من العمر، أما الكبار، فنسبة الحقنة الشرجية من 10- 15 غرام لكل 500 مليليتر من الماء.

قلت: فهل هناك محاذير من استعمالك؟

قال: يجب عدم استعمالي في حالة وجود سدد بالأمعاء وفي الالتهابات المرضية الحادة في الامعاء، وفي حالة التهاب الزائدة الدودية، ويجب عدم استعمالي من قبل المرأة الحامل ومثها المرضع.

السنوت:

تقدم السنوت([74])، فقال: وأنا لا أقل عن أخي السنا بركات، وقد ذكرنا في حديث واحد.

قلت: فحدثني عن بركات تكوينك..

قال: أنا أتكون من زيوت طيارة، أهم مركباتها مركبي الانيثول والغينشون.. وتعود الرائحة المميزة لي إلى المركب الأخير.

كما أحتوي على مركب الاستراجول بالإضافة إلى فيتامينات أ، ب، ج، ومعادن الفسفور والكالسيوم والكبريت والحديد والبوتاسيوم.

قلت: فما هي بركات العلاج بك؟

قال: لقد استخدمت من آلاف السنين لعلاج كثير من الأمراض([75])، وقد ذكر الأطباء من منافعي أني أفتح السدد، وأحد البصر، وخصوصاً صمغي، وأفرز الحليب، وأدر البول والطمث، وأفتت الحصاة وبالأخص ما كان مني رطباً طرياً، وأحلل الرياح، وأنفع من التهيج في الوجه وورم الأطراف، والتبخر بي يسكن الصداع، ويدفع ضرر السموم والهوام.

قلت: أريد ما قال أطباء قومي.. فلكل جيل أطباؤه.

قال: لقد درست دراسة مستفيضة، وقد أثبت الألمان أني من أفضل الأعشاب لعلاج تعب المعدة، ومشاكل الهضم، ولعلاج النفخة والغازات ولإزالة المغص.

وذكروا أن أفضل طريقة لاستخدامي هي سحق ثماري ووضعها في كأس مملوء بالحليب وشربه، كما أوصوا بأنه يمكن إعطائي للأطفال دون سن الثانية كمضاد لآلام المغص، وذلك بسحق ملعقة صغيرة ونقعها في ملئ فنجان قهوة عربي لمدة 15دقيقة، ثم يسل الماء ويضاف إلى حليب الطفل، ويمكن أن يعطوا الأطفال نفس الوصفة لإيقاف الاسهال، كما يمكن استخدامي لتهدئة وتنويم الأطفال.

وقد أثبت العلماء أن مركب الاستراجول الذي أحتوي عليه له تأثير مشابه لتأثير الهرومات الأنثوية، حيث اتضح أنه يزيد من افراز الحليب لدى المرضعات، ويساعد في إدرار الطمث.

كما أثبتت السلطات الصحية الألمانية استعمالي في أشكال مختلفة مثل الأشربة، مثل شراب العسل بالسنوت لعلاج احتقان الجهاز التنفسي، حيث يذيب المخاط المفرز في قنوات الجهاز التنفسي، وبالتالي يعمل كطارد للبلغم.

وأصبحت في كثير من دساتير الأدوية الأوروبية أستخدم لهذا الغرض، كما أثبتت الدراسات العلمية أن لي تأثيراً قاتلاً لبعض أنواع البكتيريا، ولهذا أستخدم لايقاف الاسهال المتسبب عن البكتيريا.

بالإضافة إلى هذا.. فإن لي وصفات علاجية كثيرة، أثبتت فعاليتها.

قلت: فهل هناك محاذير من استعمالك؟

قال: نعم هناك بعض المحاذير، وخاصة عند استعمال زيتي حيث إنه مركز واستخدام جرعة عالية منه تسبب احتقاناً وهبوطاً في القلب، وقد تسبب دوخة وغثيانا، بالإضافة إلى ظهور طفح جلدي، وربما سببت حدوث نوبة تشنجية تشبه نوبة الصرع.

قلت: وكأنك تنصح بعدم استعماله.

قال: أجل.. فقد جعل الله البركة في أجزائنا جميعا لا في زيوتنا وحدها.. ألم تسمع بما حصل للحبة السوداء المسكينة؟

قلت: بلى.. فهل هناك أضرار أخرى؟

قال: الأصل أنه لا ضرر في كل الأدوية المباركة.. ولكن الضرر في سوء استعمالها.. فالحامل ـ مثلا ـ يفضل عدم استعمالها لي كدواء لأني أسبب تنشيط الرحم، أما إذا كانت تستخدمني استخداماً عادياً مع الأكل بكمية معقولة، فلا ضرر من ذلك.

القسط البحري

بعد انصراف السنا والسنوت، سمعت صوتا غريبا لا يكاد يفهم قوله، فقلت: من أنت يرحمك الله.

قال: أنا الذي قال في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( إنَّ أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري)([76])

قلت: لا أعرفك..

قال: وما يضرك جهلك بي بعد أن عرفني حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوصى بي.

قلت: لم أجهلك جهلا بمكانتك.. ولكنك لا تنبت بأرض قومي.

قال: كيف تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يأمر بي، ثم لا تحدثك نفسك بالبحث عني وعن منافعي.

قلت: اعذرني في تقصيري في حقك.

قال: بل اعتذر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقصيرك في حقه.. بل اعتذر لنفسك، وتقصيرك في حقها، وفيما يصلح لها.

قلت: صدقت.. فنحن ندرس كلام من نرفعهم حرفا حرفا وكلمة وكلمة، ثم يمر علينا مثل ما ذكرت من النصوص، ولا نلقي له بالا.

قال: ليس ذلك النص فقط، بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكرني إجمالا وتفصيلا.

قلت: سمعت الإجمال، فهات التفصيل([77]).

قال: لقد وصفني رسول الله لبعض الأدواء، فقال:( لا تعذبوا صبيانكم بالغمز([78]) من العذرة([79])، وعليكم بالقسط)([80])، وقال:( عليكم بهذا العود الهندي، فإنَّ فيه سبعة أشفية: يسعط([81]) به من العذرة، ويلدُّ([82]) به من ذات الجنب([83])([84])

قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل وجدت من يبحث فيما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قال: هناك من بحث في هذه النصوص، ولكنه لم يوفها حقها من البحث.

قلت: فما وجدوا فيك من بركات؟

قال: لقد وجدوا أني أحتوي على مادة الهلينين، وحمض البنزوات، وكلاهما من المواد المطهرة للجراثيم..ولهذا ذكرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلاج اللوزات، والتهاب اللهاة، والتهاب البلعوم، وهو المقصود بالعذرة فيما سمعت من أحاديث.

قلت: لقد ذكرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلاج ذات الجنب.

قال: لقد ذكر أطباؤكم أن احتوائي على هذه المواد المطهرة القاتلة للجراثيم، وذاك ما يعلل دوري في علاج ذات الجنب الجرثومية، وذات الرئة الجرثومية.

قلت: فلم جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الأول بينك، وبين الحجامة؟

قال: هذا سر بديع يدل على مدى حرصه صلى الله عليه وآله وسلم على صحتكم.

قلت: فما فيه من الصحة؟

قال: إن الجمع بين الحجامة وبيني له مغزى طبي في ضوء احتوائي على حمض البنزوات، والهيلينين المطهرتين والقاتلتين للجراثيم.. فهو يدل على دوري في تعقيم مشرط الحجامة، إذا طلي به، ودوره في تعقيم الجروح المحدثة بهذا المشرط.

قلت: ما شاء الله.. ما أعظم نصحك يا رسول الله.. وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا سرا من الأسرار المهمة للعلاج.

قال: أجل.. زيادة على أن الجمع بين القسط البحري والحجامة يحمل سرا لطيفا، وهو: الوقاية من التشوهات والندبات، وقد أدرك هذا المتقدمون فقال موفق الدين البغدادي:( وفي جمعه صلى الله عليه وآله وسلم بين الحجامة والقسط سر ٌّلطيف، وهو أنه إذا طلي به مشرط الحجامة لم يتخلف في الجلد أثر المخاريط)، ثم قال:( وهذا من غرائب الطب)

قلت: لقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث عن غمز العذرة، فما سر ذلك؟.. وما علاقته بك؟

قال: غمز العذة هو ضغط اللوزات والحلق الملتهبين بالأصابع.. وقد كان أسلوبا من أساليب العلاج.. فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه ووضع البديل الشرعي له([85]).

قلت: فلم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الضغط على اللوزتين؟.. ألكونه لا يفيد في علاجها؟

قال: ليس ذلك فقط.. بل هو يسبب ألماً شديداً للمريض، وقد يسبب نزيفا دمويا.. بل قد يسبب انتشار الالتهاب إلى المناطق المجاورة.

قلت: فما معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رويته:( ويُلدُّ به ذات الجنب)؟

قال: اللدود هو ما يسقى في أحد جانبي الفم، وفي هذا إشارة إلى طريقة إعطاء الدواء للمريض عندما لا يتمكن غالباً من تناوله بيده، أو يرفض تناوله، كما يحصل عند الأطفال غالباً، فإذا رفض الطفل تناول الدواء فيجب إعطاءه إياه عنوة، وذلك بفتح فمه وسقيه الدواء في أحد جانبي فمه.

قلت: فلم لم يترك صلى الله عليه وآله وسلم أهل المريض يسقون مريضهم بالطريقة التي يشاءون؟

قال: لقد خشي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسقوا المريض في وسط فمه.. وذلك قد يؤدي إلى الشردقة.. فدل على الطريقة المثلى لإعطاء المريض الدواء.

قلت: ما أرحمك يا رسول الله.. وما أعظم حرصك علينا.. حتى الدواء تعلمنا كيف نتناوله.

تقدم مني نبات أجهله، فقلت: من أنت يرحمك الله.. وما الذي جعلك تقدم مع القسط؟

قال: أنا أخ من إخوان القسط، يقال لي: الورس([86]).. وقد نعتني صلى الله عليه وآله وسلم لذات الجنب، كما نعت الورس، فقد روي من حديث زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب، قال قتادة: يلد به، ويلد من الجانب الذي يشتكيه([87]).

وفي حديث آخر، قال زيد بن أرقم: نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذات الجنب ورساً وقسطاً وزيتاً يلد به([88]).

وقد وصفني في نواح أخرى، فقد صح عن أم سلمة  قالت: كانت النفساء تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً، وكانت إحدانا تطلي الورس على وجهها من الكلف.

قلت: فما قال فيك الأطباء؟

قال: لقد ذكروا أن مصدر قوتي في الحرارة واليبوسة في أول الدرجة الثانية.. وذكروا من منافعي أني أنفع من الكلف، والحكة، والبثور الكائنة في سطح البدن إذا طلي بي، وأن لي قوة قابضة صابغة، وأني إذا شرب مني نفعت من الوضح، ومقدار الشربة مني وزن درهم.

وقد ذكروا أني في مزاجي ومنافعي قريب من منافع القسط البحري، وإذا لطخ بي على البهق والحكة والبثور والسفعة نفع منها.

قلت: لم أقصد ما قال أولئك.. بل قصدت ما قال هؤلاء.

قال: ومن أولئك.. ومن هؤلاء؟.. لا أفهمك.

نبهني القسط البحري، وقال: أخي الورس لم يخرج بعد من زمانه.. فدعه مع من يعرفه من الأطباء.. أو ابحث له عمن يعرف به الناس من أطباء قومك.

قلت: كيف ذلك؟

قال: اذكر لهم أن طبيبا أمريكيا أو أوروبيا أخبر أن للورس فوائد صحية.. فسترى المخابر كلها تبحث عنه.. وتلهث في بحثها.

الحناء

بعد انصراف القسط البحري والورس بقيت متأملا ما ذكرا من تقصيرنا فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أصناف الهدي.. وبينما أنا في ذلك الاستغراق إذ شممت رائحة طيبة لنبتة أعرفها طالما رأيت أهلي يستعملونها، نادتني من غير أن أسألها: لا شك في معرفتك لي.. فأنا الحناء.. تلك النبتة الطيبة التي ورد ذكرها في الأحاديث الكثيرة.

قلت: أجل.. فقد استعملك صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا لاستعمالك.

قالت: ولذلك.. فأنا من أدوية السماء.. ولكنكم بعتموني بأدوية الأرض.

قلت: صدقت.. فقد كانو يستشفون بك ويتجملون.. فعوضوك بالأصباغ.. وعوضوا الاسشفاء بك بالمراهم.

قالت: ولكن لي أهلا لا زلت أحن إليهم.

قلت: تقصد سلف هذه الأمة الصالح.

قالت: وأقصد خلف هذه الأمة الفالح.

قلت: ألا يؤلمك انصراف الناس عنك؟

قالت: أما صالحوهم، فيؤلمني.. وأما غيرهم.. فلا أبالي.

قلت: حدثيني عن سر بركاتك.

قالت: تقصد الحقيقة أم الرسوم؟

قلت: الحقيقة والرسوم.

قالت: أما الحقيقة.. فيكفي لبركاتي أن تمتد عيني حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم إلي.. كيف وقد استعملني ودعا إلي.

قلت: والرسوم؟

قالت: ما يفهمه قومك من العناصر والمركبات.

قلت: فحدثيني بما يفهم قومي.

قالت: أنت تستعملون أوراقي وأزهاري.. أما أوراقي، فتحتوي على غليكوزايدات مختلفة أهمها اللاوزون، وهي المادة المسئولة عن التأثير البيولوجي الطبي، وعن الصبغة واللون الأسود، كما أحتوي على مواد راتنجية وتانيتات تعرف بـ حماتانّين.

أما أزهاري، فتحتوي على زيت طيار، له رائحة زكية وقوية، ويعتبر أهم مكوناته مادة الفوبيتا إيونون.

قلت: هذه بركات تكوينك، فما بركات استعمالك؟

قالت: لقد نلت الحظوة عند الجميع، فقد ذكر سلفكم عني أني محلل نافع من حرق النار، وإذا مضغت نفعت من قروح الفم والسلاق العارض فيه وأني أبرئ من القلاع.. وأن الضماد بي ينفع من الأورام الحارة الملتهبة.. وأني إذا ألزقت بي الأظافر معجوناً حسنها ونفعها، وأني أنبت الشعر وأقويه وأنفع من النفاطات والبثور العارضة في الساقين وسائر البدن.

وقد ذكرني ابن سينا، فقال:( الحناء فيه قبض وتحليل بلا أذى، ويستعمل في الطب الشعبي كقابض وفي التئام الجروح والحروق وغسول للعيون وكمروخ لمعالجة البرص والرثية)

قلت: هذا كلام مجمل.. فحدثيني عن التفصيل.. وهو كلام السلف.. فحدثيني عن كلام الخلف.

قالت: سأذكر لك أربعة أصول من البركة التي ملأني الله بها ورد النص عليها من السلف، وورد التدليل عليها من الخلف.

قلت: فما هي؟

قالت: الجمال، والعلاج، والتطهير، والحماية.

قلت: فلنبدأ بسر أسرار الوجود.

قالت: تقصد الجمال.

قلت: وهل تحيا الحياة بلا جمال؟

قالت: لقد بارك الله في.. فجعلني إكسيرا من أكاسير الجمال.. فلهذا كان حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعملني، ويدعو إلى استعمالي..

قلت: أكان صلى الله عليه وآله وسلم يستعملك؟

قالت: أجل.. ألم تسمع ما جاء في الحديث من أن أم سلمة أخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم([89]).

قلت: لم أسمع هذا.. لكني سمعت أنسا يقول: لم يختضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قالت: لقد أجاب أحمد بن حنبل عن هذا وقال: قد شهد به غير أنس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خضب، وليس من شهد بمنزلة من لم يشهد.

قلت: صدقت.. فلعل أنسا لم تيلغه أحاديث الاختضاب.. أو لم يلتفت إلى خضابه صلى الله عليه وآله وسلم.. وعلى العموم، تكفي شهادة أم سلمة 

قالت: حتى لو قلنا بعدم خضابه صلى الله عليه وآله وسلم، فيكفي أنه دعا إليه.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إنّ أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم)([90])

وحدث ابن عباس قال: مر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل قد خضب بالحناء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( ما أحسن هذا؟)، فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم، فقال:( هذا أحسن من هذا)، فمر آخر قد خضب بالصفرة، فقال:( هذا أحسن من هذا كله)([91])

قلت: عرفنا ما ورد عن السلف.. فحدثينا بما ذكر الخلف.

قالت: أنا أستخدم كصبغة منذ آلاف السنين، فكل التقاليد والعادات في أغلب مجتمعات إفريقيا وآسيا، ومثلها جميع الدول الإسلامية تستعملني للتزيين بوضعي كصبغة للشعر والأظافر والأقدام وراحة الأيدي وظهورها.

وقد انتشر استعمالي لصبغ الشعر والنقش به على الأيدي والأرجل في السنين الأخيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية مما جعل الشركات الأمريكية والأوروبية لصناعة مستحضرات التجميل تتنافس لإنتاج العديد من مركبات التجميل التي يدخل في صناعتها أوراق الحناء.

بل وجدت العديد من صبغات الحناء للشعر وذات الألوان المختلفة من اللون الاشقر حتى اللون الاسود أو الداكن، ثم أغلف بعلب جذابة وأباع بأسعار أضعاف السعر الذي يباع به المنتج في الدول العربية أو الآسيوية.

قلت: هم لا يتركون شيئا إلا تاجروا فيه.. فكيف تطمعين في أن يرحموك؟

قالت: أنا لم أمنعهم من التجارة في.. ولكني متأسفة لتلاعبهم بي.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: هم يضيفون إلى أوراقي المجففة والمطحونة صبغة كيميائية تعرف بارافينلين داي امين بنسب وكميات مختلفة تعطي الألوان من الأصفر الذهبي إلى اللون الأحمر الداكن الى اللون الاسود الغامق.

وهذه المادة خطيرة إذا وجدت بكمية عالية.

وقد يضيفون إلى وأوراقي المجففة والمطحونة أوراق نباتية تسمى انديقو وهي مادة آمنة الاستخدام وهي تصنع في المعامل، وتعطي اللون الأزرق عند إضافة الماء عليها، وعند خلط أوراق الحناء المجففة والمطحونة مع صبغة الانديقو تعطي صبغة نباتية سوداء.

قلت: فحدثيني عن بركات علاجك.

قالت: لقد وصفني صلى الله عليه وآله وسلم بالنفع.. وذلك يكفي لدلالتك على ما وضع الله في من بركات الشفاء.

قلت: لم يبلغني الحديث.. فأسمعيني.

قالت: عجبا لكم.. سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينكم بأيسر سبل الحصول عليها.. ثم تزعم أنها لم تبلغكم.. إن من كانوا يختضبون بي كانوا يرحلون البلاد، ويقطعون الجبال والوهاد من أجل حديث واحد.. ثم يظلون متأسفين إن فاتهم حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ثم تزعم أنت بأن الحديث لم يبلغك.. أنت الذي لم تبلغ الحديث.. أما هو فموجود في كل المصنفات أمامك.

قلت: اعذريني.. ولا تغضبي..

قالت: كيف لا أغضب.. وأنتم تحفظون كلام بعضكم بعضا.. وتنسون كلام المعصوم.

قلت: لقد أبلغت في نصحي.. ولك علي أن لا أفرط في تحصيل سنة أو بحث عن هدي.

قالت: أما إذا قلت ذلك.. فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا صُدع غلَّف رأسه بالحناء، ويقول:( إنه نافع بإذن الله)([92])، وكان لا تصيبه قرحةٌ ولا شوكةٌ إلا وضع عليها الحناء([93])..

بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنني بالحجامة التي عرفت فضائلها، فقد روى أنَّه ما شكا إليه أحد وجعاً في رأسه إلا قال:(احتجم)، ولا شكا إليه وجعاً في رجليه إلا قال له:( اختضب بالحناء)([94])

قلت: فهل قال الخلف في ذلك شيئا([95]

قالت: لقد ذكروا أني أفيد في علاج الصداع.. وفي نوع خاص منه، وهو الصداع الناجم عن فرط التوتر الشرياني.

قلت: فما سر ذلك؟

قالت: هم يرجعون ذلك لامتلاكي خاصيتين اثنتين، فأنا أنظم ضربات القلب، وأنبهه من جهة، وأسبب ارتخاء العضلات وتوسيع الأوعية الدموية من جهة أخرى.

قلت: فكم ملعقة أشرب منك لأجل ذلك؟

قالت: ما تقول؟.. هل سمعت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شربني؟

قلت: لا.. لقد ورد ـ حسب ما رويت ـ أنه يغلف رأسه بالحناء.

قالت: فلماذا تتجاوز هديه؟.. لعلك تقيس الشرب على التغليف.. ما أفلح من قاس.

قلت: رويدك.. لقد ذكرت أنك تنفعين لوجع الرأس.. ولم أكن لأتصور قدرتك على ذلك من غير شرب.

قالت: الزم هديه صلى الله عليه وآله وسلم.. واستعملني كما استعملني.

قلت: بأن أضع عجينتك على الجبهة.

قالت: هكذا فعل.. فلا تتجاوز ما فعل.

قلت: فلنفرض أني تجاوزت.. أليس هذا من الأمور العادية التي لا تخضع للأحكام الشرعية.

قالت: لقد فعل بعض من يزعمون لعقولهم الذكاء من العطارين الذين يتخذون البشر فئران تجارب.

قلت: فماذا حصل؟

قالت: لقد جاء إلى مختبر قسم تحليل الأدوية والسموم بمستشفى من المستشفيات عينة من محلول الحناء استخدمت من مريض وصفت له عن طريق أحد محلات العطارة حيث سببت له العديد من المشاكل الصحية أدخل بسببها المستشفى ورقد على سريرها لعدة أسابيع، وخضع لعدة تحاليل طبية، وأنواع مختلفة من الاشعة.

قلت: لماذا.. هل تناول سما؟

قالت: لا.. لقد تناول محلول الحناء لفترات طويلة عن طريق مـدعي العلاج الشعبي الذين كثرت الامراض الجسمية والصحية بسبب وصفاتهم الشعبية.. والتي لا تعتمد على أي أساس علمي.

قلت: فما مخاطر استعمالك الداخلي؟

قالت: خطره كبير على الجهاز الهضمي والجهاز الدموي..

قلت: فعودي.. حدثينا عن منافع العلاج بك.

قالت: عجينتي اذا وضعت على الرأس تفيد في حالة ضربة الشمس والصداع، وخاصة إذا أضيف للعجينة ملعقة من خل التفاح.

قلت: لقد وصفك صلى الله عليه وآله وسلم لعلاج الجروح والقرح.. فما سر ذلك؟

قالت: ذلك يرجع لامتلاكي خاصيتين اثنتين:

أما أولاهما، فاحتوائي على مضادات حيوية فعالة ضد أنواع كثيرة من الجراثيم.

وأما الثانية، فاحتوائي على مواد قابضة للقضاء على الالتهابات الفطرية بالقضاء على الرطوبة، وإزالة الوسط لنمو الفطور.

قلت: فكيف تستعملين؟

قالت: أستعمل في علاج الأورام والقروح بعجني وتضميد الأورام بي.

قلت: فحدثيني عما وضع الله فيك من بركات التطهير؟

قالت: لقد ثبت علمياً أنني إذا وضعت في الرأس لمدة طويلة بعد تخمري.. فإن المواد القابضة والمطهرة الموجودة بمحتوياتي تعمل على تنقية فروة الرأس من الميكروبات والطفيليات، ومن الإفرازات الزائدة للدهون.. كما أنني أعمل على الإقلال من إفراز العرق عند مفرطي التعرق.

وفوق ذلك أطهر الرأس من قشر الشعر والتهاب فروة الرأس.

ولا أزال أستعمل كغرغرة لتطهير قروح الفم واللثة واللسان وآلام الحلق.

قلت: فحدثيني عما وضع الله فيك من بركات الحماية؟

قالت: انطلاقا مما عرفت سابقا.. فإن لي أدورا عظيمة في حماية الجلد من التشققات.. ذلك أن الفطريات المتسببة في هذه العلل ترهبني، فلا تكاد تقترب مني.

الحلبة

انصرفت الحناء وتركتني.. فجاءت خلفها حبة حلبة تختال في مشيتها، فقلت: ما هذا الزهو؟.. ألم تبلغك أحاديث النهي عن الاختيال؟

قالت: اختيالكم ناشئ عن كبر.. واختيالي ناشئ عن نشاط.

قلت: وتعرفين التأويل.. والهرب من مستلزمات النصوص!؟

قالت: لا.. ولكني استننت في مشيتي بأبي دجانة، عندما اختال في مرضاة الله، لا في مرضاة هواه.

قلت: وكيف أمنت نفسك.. أفلا يمكن أن يكون ذلك خدعة لبس بها الشيطان عليك؟

قالت: ومن الشيطان؟

قلت: الذي يغوي الإنسان.. ألا تعرفينه؟

قالت: لا أعرفه.. ولا أسمع به.. أنا من عالم.. وأنتم من عالم.. فلا تحكم علي بأحكام عالمك.

قلت: عذرا.. نسيت أني أتحدث مع حلبة.

قالت: إن قلت هذا جهلا بقدري.. فاعلم أن النص قد ورد بذكري والثناء علي، فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاد بعض أصحابه بمكة، فقال: ادعوا له طبيباً، فدعي الطبيب، فنظر إليه، فقال: ليس عليه بأس، فاتخذوا له فريقة، وهي الحلبة مع تمر عجوة رطب يطبخان، فيحساهما، ففعل ذلك، فبرئ.

قلت: ليس في هذا الحديث شيء من فضلك.. بل كل ما فيه إذن العلاج بك.

قالت: فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( لو تعلم أُمتي ما في الحُلبةِ لاشتروا ولو بوزنها ذهباً)([96])

قلت: هذا حديث ضعيف.

قالت: فقد ورد في حديث آخر قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( استشفوا بالحلبة)([97])

قلت: مهما يكن من أمر.. فحدثيني عن أسرار بركاتك.

بركات التكوين:

قالت: سأحدثك ـ أولا ـ عن بركات تكويني التي يهتم لها قومك([98]).

قلت: فحدثيني.

قالت: لقد ذكروا من خلال تحليلي أني غنية بالمواد البروتينية والفسفور والمواد النشوية.. وأني لا أختلف في ذلك عن زيت كبد الحوت، كما أحتوي على مادتي الكولين والتريكونيلين، وهما يقاربان في تركيبهما حمض النيكوتينيك، وهو أحد فيتامينات ( ب)، كما تحتوي بذوري على مادة صمغية وزيوت ثابتة وزيت طيار يشبه زيت اليانسون.

وأحتوي على مادة الميوسيليج التي تدخل في صناعة الحبوب والكبسولات للعمل على تماسكها وعدم تفتيتها، كذلك أحتوي على مادة السابونين والديوسجانين التي تعمل على تحفيز إفراز الهرمونات الجنسية الأنثوية، وأدخل في صناعة حبوب منع الحمل والكورتيزونات التي تعمل كمسكنات للأمراض الصدرية والروماتيزم.

وهكذا اعتبروني صيدلية متكاملة يمكن استخدامي خارج وداخل الجسم.

 بركات الشفاء:

قلت: فحدثيني عن بركات الشفاء التي وضعها الله فيك.

قالت: لقد عرفني الناس من قديم.. واستعملوني في أغراض كثيرة.. ولولا نجاح استعمالي ما داوموا عليه.

قلت: ففيم استعملوك؟

قالت: لقد قالوا عن حبة الحلبة ـ التي هي أنا بلا فخر ـ: إنها إذا طبخت بالماء لينت الحلق والصدر والبطن.. وأنها تسكن السعال والخشونة والربو، وعسر النفس.. وأنها جيدة للريح والبلغم والبواسير.. وأنها محدرة الكيموسات المرتبكة في الأمعاء.. وأنها تحلل البلغم اللزج من الصدر، وتنفع من الدبيلات وأمراض الرئة، وتستعمل لهذه الأدواء في الأحشاء مع السمن والفانيذ.

وذكروا أن دقيقي إذا خلط بالنطرون والخل، وضمد به، حلل ورم الطحال، وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه، فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه، وأنه إذا ضمد بي الأورام الصلبة القليلة الحرارة، نفعتها وحللتها، وإذا شرب مائي نفع من المغص العارض من الرياح، وأزلق الأمعاء.

قلت: ولكن….

قاطعتني، وقالت: وأني إذا أكلت مطبوخة بالتمر، أو العسل، أو التين على الريق حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة، ونفعت من السعال المتطاول منه.

وأني نافعة من الحصر، مطلقة للبطن، واني إذا وضعت على الظفر المتشنج أصلحته، ودهني ينفع إذا خلط بالشمع من الشقاق العارض من البرد.

قلت: لحظة فقط….

قاطعتني، وقالت: وأني يمكن أن أؤكل مطبوخة للتغذية وفتح الشهية ولزيادة الوزن، كما يشرب مغلاي حيث أنه ينفع في بعض الإضطرابات المعدية والصدرية…. كما أعطى للفتيات في زمن البلوغ لتنشيط الطمث، ومثل ذلك لفقر الدم ولضعاف البنية والشهية وللنحفاء.

قلت: لحظة فقط….

قاطعتني، وقالت: كما أني أزيل الكلف من الوجه.. ويستخدم مغلى بذوري كغرغرة لعلاج التهابات اللوزتين.. بل ذكروا أن منافعي أضعاف ما ذكروا.

قلت: أريد أن تذكري لي ما قال المحدثون من الأطباء.

قالت: المحدثون متفرغون للسموم التي ينتجونها.. فلذلك لم يجدوا الوقت الكافي للنظر في منافعي.

قلت: ألم يبحثوا فيك؟.. عهدي ببعضهم يهتمون بمنافع الأعشاب.

قلت: بحثوا.. ولكنهم مقصرون جدا.

قلت: فما قالوا؟

قالت: لقد ذكروا فائدتي لمرضى السكري.. فقد أجريت في الهند بحوث عديدة عليها في القرن الحالي، وأثبتت أن 2 جرام من الحلبة المطحونة تعادل وحدة أنسولين، لذلك تستخدمها الهند حالياً في علاج مرض السكر من النوع الأول، أي المعتمدين على الأنسولين من الخارج.. ومثل ذلك النوع الثاني، أي غير المعتمدين على الانسولين من الخارج.

قلت: فما سر ذلك؟

قالت: يرجع ذلك ـ كما يقولون ـ إلى احتوائي على سلاسل البيتيدات المرتبطة بالزنك، والتي يعزى إليها التأثير على سكر الدم، وهذا علاوة على زيادة ما بي من الأحماض الأمينية والكبريتية، فهي التي تساعد على تحويل السلاسل البيتيدية لمصنعات البنكرياس إلى إنسولين فَعال.

قلت: فما علاقة هذا بمرضى السكري؟

قالت: ألا تعلم أن مرضى السكر من النوع الثاني يعانون نقصاً في الرابطة الكبريتية التي تربط هذين الخيطين لتعطي جُزيء الإنسولين الفعال، لذلك فإن إمداد الكبريت في صورته العضوية في النباتات يزيد من تحول هذه الخيوط، التي غالباً ما تفرز في صورة طبيعية إلى الأنسولين الفعال.

قلت: هذه فائدة عظيمة.

قلت: وهناك غيرها كثير.

قلت: ففيم تستعملين أيضا؟

قالت: تشير الأبحاث إلى أن بذوري تحتوي على مادة مضادة للالتهاب، لذلك أستخدم في حالات آلام المفاصل، كما أن كماداتي تستخدم في علاج الجروح.

قلت: فما ذكروا غير هذا؟

قالت: لقد ذكروا أن بذوري تحتوي على مادة ديوسجنين، وهي مادة لها مفعول شبيه بمفعول هرمون الاستروجين الأنثوي، ولذلك أستخدم في علاج متاعب المرأة في سن اليأس.

قلت:….؟

قالت: وتشير الابحاث الى أني يمكن أن أعيد للقولون عافيته، وأخلصه من المخاط الزائد، ولهذا أوجد في محلات العطارة على هيئة كبسولات ومحببات تباع في الصيدليات، وتؤخذ عادة صباحاً ومساءً لهذا الغرض.

قلت:….؟

قالت: وقد أفادت مجموعة من الدراسات الطبية بأنني من أهم الأعشاب المدرة لحليب الأم.. وقد أوضح خبراء التغذية أن تناول المرضعات لملعقة كبيرة من الحلبة المسحوقة أو شربها مع الماء أو الحليب يساعد في زيادة إدرار حليب الثدي.

قلت:….؟

قالت: كما أن أوراقي والبذور المستنبتة مني تؤكل لاحتوائها على فيتامينات لتقوية الجسم والدم، فأنا احتوي على البروتينات، والكربوهيدرات، والهرمونات، والسكريات، كما تغلى بذوري وتحلّى بالسكر أو العسل، وتعطى للتدفئة أو التغذية في فصل الشتاء.

كما أنه يمكن استخدام مسحوق بذوري بعد خلطه بالسمن والسكر؛ ليعطي قيمة غذائية عالية، ومثل ذلك تستخدم البذور المسحوقة بعد تحويلها إلى شراب بعد الولادة لإدرار اللبن من الثدي.

وأعطى للفتاة المراهقة لتنظيم الدورة الشهرية، ولفتح الشهية، ومعالجة فقر الدم، كما يمكن استخدام بذوري في علاج السعال الديكي، والربو، والأمراض الصدرية، والبواسير، والإمساك، والبقع الداكنة، والكلف بالنسبة للبشرة.

قلت: والاستعمال الخارجي؟

قالت: يمكن أن أطحن واستخدم كلبخة مع الماء الساخن على مكان الخراج لإنضاجه، وللإصبع الداحس، وخراريج الثدي والشرج.

أدوية خاصة

الكمأة:

انصرفت حبة الحلبة مختالة كما دخلت، فجاءت بعدها الكمأة([99]) في غاية التواضع والمذلة، فتعجبت منها، وقلت: ما بالك أيتها الكمأة المباركة.. ألم يبلغك ما ورد فيك من الأحاديث التي تشبهك بالمن.. فقد قال فيك:( الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء من للعين)([100]

قالت: بلى.. وكيف لا أحفظ قول حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم.. ولولاه لكنت في طيات الخمول.. لقد قال ذلك بعد أن اتهمني أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا:( الكمأة جدري الأرض)فصحح ذلك، وقال ما قال بأبي هو وأمي.

قلت: فلم لا تختالين كما اختالت أختك الحلبة؟

قالت: كل منا له مقام معلوم لا يجاوزه.. أما مقامها فدعاها لما دعاها له من الخيلاء.. أما مقامي فهو مقام الحزن المتدفق من بحار التوكل.

قلت: الحزن.. وهل في أرض السلام حزن؟

قالت: حزن العارفين.. لا حزن الغافلين.

قلت: تقصدين الحزن الوارد في قوله تعالى:{ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (التوبة:92)

قالت: أجل.. فلذلك جعلني الله دواء للعين..

قلت: وكيف تزعمين التوكل؟

قالت: ألا تراني بلا ساق ولا أوراق.. ولا تحرث أرضي ولا تزرع.

قلت: فمن أين يأتيك رزقك رغدا؟

قالت:{ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران:37)

قلت: تلك مريم ـ عليها السلام ـ

قالت: كل من توكل على الله عامله الله كما يعامل مريم ـ عليها السلام ـ.. ليس عند ربك إلا العدل والفضل.

قلت: فحدثيني عن أسرار بركاتك.

قالت: لقد نطق بها الحبيب.. ألا يكفيك؟

قلت: بلى.. هو على العين والرأس.. ولكنك تعرفين قومي.. وما ملأونا به من الأوهام.

قالت: لا بأس عليك.. فالله يغير من حال إلى حال.. لقد ذكروا أني غنية بالبروتين، حيث أحتوي منه على 13بالمائة وأحتوي على الفسفور، والبوتاسيوم، والصوديوم([101]).

قلت: فما المن الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنك منه؟

قالت: لقد ذكروا أنه من جنس المن الذي نزل على موسى u، والذي نص عليه قوله تعالى:{ يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}(طـه:80)

قلت: فلم سمي كذلك؟

قالت: لأنه مما امتن الله به على عباده بدون علاج، فأنا شبيه به.. ولذلك فأنا أخرج بلا مؤونة ولا كلفة، بالإضافة إلى أني من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه أي شبهة.

قلت: ولكن فيك أنواعا خطيرة على الصحة.

قالت: أجل، ذلك صنف من أصنافي يميل لونه إلى الحمرة يحدث الاختناق.

قلت: لقد وصفك صلى الله عليه وآله وسلم لعلاج العين.. فهل ثبت ذلك؟

قالت: أيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولا.. ثم تسأل عن ثبوته.

قلت: لم أقصد ذلك.. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد الأطباء.. ولكني أسأل عن اهتمام المحدثين بك من هذه الناحية.

قالت: نعم.. لقد وفق الله بعض الصادقين، فأخرج للناس جدوى العلاج بي من الناحية التي يفهمونها.

قلت: فأخبريني خبره.

قالت: في المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي ألقى الدكتور المعتز بالله المرزوقي محاضرة عن نتائج معالجته لآفات عينية مختلفة بتقطير ماء الكمأة في العين.

فقد تم استخلاص العصارة المائية منها في مختبر فيلانوف بأوديسا، ثم تم تجفيف السائل حتى يتمكن من الاحتفاظ به لفترة طويلة، وعند الاستعمال تم حل المسحوق في ماء مقطر لتصل إلى نفس تركيز ماء الكمأة الطبيعي، وهو ماء بني اللون له رائحة نفاذة.

وقد عالج به حالات متقدمة من الرمد الربيعي فكانت النتائج إيجابية حيث تم تشخيصه عند 86 طفلاً، ثم تقسيهم إلى مجموعتين عولجت بالأدوية المعتادة، ومجموعة أضيف ماء الكمأة إلى تلك المعالجات، حيث تم تقطير ماء الكمأة في العين المصابة 3 مرات يومياً ولمدة شهر كامل.

وكان الفرق واضحاً جداً بين المجموعتين، فالحالات التي عولجت بالأدوية المعتادة ظهر فيها تليف في ملتحمة الجفون، أما التي عولجت بماء الكمأة المقطر عادت الملتحمة إلى وضعها السوي دون تليف الملتحمة.

الإثمـد:

تقدم الإثمد، وقال: أنا أخ للكمأة.. كلانا جعلنا الله بركة على العين.

قلت: لكنها نبات، وأنت جماد.

قال: وما الفرق بين النبات والجماد؟

قلت: نحن نسمي النبات كائنا حيا، ونسمي الجماد كائنا..

قال: ميتا..

قلت: نعم.. لكنا نكتفي بتسميته جمادا.

قال: ألم تسمعوا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب جبل أحد.. وجبل أحد يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قلت: بلى..

قال: فهل يمكن أن يحب الميت؟

قلت: لا..

قال: فكيف تجعلوننا موتى إذن؟

قلت: هكذا يقول قومي.

قال: قومك يرددون مقولة إبليس.. فلا تتبعهم، واتبعني { أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}(مريم:43)

قلت: أنا معك فيما تقول.. ولا أدل على ذلك من حديثك معي.. ولم أجلس هذا المجلس إلا وأنا أدرك حياتك وحياة إخوانك.. ولكني جلست هنا لأستفيد من بركاتكم.

قال: لا شك في بركاتي.. فقد جرى اسمي على لسان الحبيب، كما جرى كحلي في عينيه الشريفتين.. وما كان ليلمسه شيء فيمحق.

قلت: فما قال فيك الحبيب؟

قال: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اكتحل يكتحل في اليمنى ثلاثة يبتدئ بها ويختم بها، وفي اليسرى ثنتين([102]).

قلت: هذا ما جرى في عينيه، فأين ما جرى على لسانه؟

قال: لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( إن خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر)([103])

قلت: لقد ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بركتين للشفاء.

قال: أجل.. أما أولاهما.. فإني أؤثر على زمر جرثومية كثيرة، وأبيد العديد من الطفيليات كاللايشمانيا والبلهارسيا والمثقبيات والخيطيات، ولهذا أستعمل في بريطانيا لمعالجة البلهارسيا.

قلت: وما فائدة ذلك على جلاء البصر؟

قال: إن آفات العين التهابية جرثومية، وعندما تسلم الملتحمة من الاحتقان يمكن أن يكون البصر جيداً.

قلت: والثانية؟

قال: إنباتي للشعر ثابت علمياً، إذ أن من خصائصي الدوائية تأثيري على البشرة والأدمة، فينبه جذر الشعرة، ويكون عاملاً في نموها، لذا يستعملون مركباته (طرطرات الإثمد والبوتاسيوم)لمعالجة بعض السعفات والصلع، تطبق على شكل مرهم بنسبة 2 _ 3 بالمائة.

قلت: فما علاقة هذا بجلاء البصر؟

قال: لأنه بتقوية بصيلات أهداب العين تحفظ الرموش، فتطول أكثر، وبذلك تزداد قدرتها في حفظ العين من أشعة الشمس، وفي تصفية الغبار والأوساخ، فتزيد الرؤيا وضوحاً وجلاءً أكثر منها في استعمال الأكحال الخالية من الإثمد.

قلت: لقد سمعت البعض يطعن في دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للاكتحال بالإثمد، ويستدل على ذلك بحصول حوادث انسمام عند بعض الحوامل نتيجة الاكتحال به.

قال: ذلك غير صحيح.. فلعل هؤلاء الحوامل اكتحلوا بأكحال مغشوشة تحتوي على عنصر الرصاص السام، فالانسمام إنما يحصل من غش الإثمد بالرصاص، وليس من الاكتحال بالإثمد كما دعا إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: لقد اختارك النبي صلى الله عليه وآله وسلم على غيرك.. فهل هناك غيرك مما يكتحل به؟

قال: أجل.. هناك مركبات أخرى شائعة تستخدم لتكحيل العين غير كحل الاثمد.. مثل الهباب الناتج عن حرق الفحم او الزيت.. وغيرها.. ولكني الوحيد الذي لم تثبت التجارب أية آثار جانبية لي أو ضارة سواء على العين أو على الجسم.. ولهذا لا أزال أستخدم من قديم للرجال والنساء جميعا.

المردقوش:

تقدم المردقوش، وهو يقول: لقد ورد في حديث لا يعلمون مدى صحته، يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( عليكم بالمرزنجوش([104])، فإنه جيد للخشام ([105])) ([106])

قلت: فما دمت لا تدري صحته، فما جلوسك مع أدوية السماء.

قال: ألم تسمع ما قال الشاعر:

أدر ذكر من أهوى ولو بملام  فإن أحاديث الحبيب مدامي

قلت: بلى..

قال: فحسبي أن أوضع في ورقة واحدة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ذلك يكفي لملئي بالعزة والفخر.. ألم تسمع ما قال عروة بن حزام؟

قلت: أجل.. فقد اكتفى من محبوبته بأقل ما يكتفي الناس، فقال:

وإني لأهوى الحشر إذ قيل إنني وعفراء يوم الحشر ملتقيان

 قال: وقد كان من بركات ذلك أن قيض الله من يبحث في بركاتي.. أتعرف الدكتور عبد الباسط محمد السيد([107]

قلت: وكيف لا أعرفه!؟.. إنه على ثغر من ثغور العلم والدين.

قال: فقد ذكر أنه وجد بالتجريب العلمي أن المستخلص المائي المحتفظ بالزيوت الطيارة من عشبي له أثر فعال في تنظيم هرمونات الرنين، والآلدوستيرون، والبروستاجلاندين، وهي هرمونات الغدة الجاركلوية، وبهذا أكون علاجا جيدا لضغط الدم المرتفع.

قلت: هذه بركة عظيمة.. فزيديني.

قالت: لقد وجد أني أنظم هرمون البرولاكتين، وأنه عند تجريبي بواقع كوبين من المستخلص المائي مني، فإني أحل محل الدواء الكيميائي، وبذلك أستخدم في علاج حالات عدم انتظام الدورة الشهرية، وعسر الطمث.

ومن ناحية أخرى فإني أستخدم بنجاح في علاج حالات تسمم الحمل، إذ أني آمن تماماً أثناء الحمل.

قلت:….؟

قال: وبسبب احتوائي على مولدات الهرمونات في صورة تربينات، لذا فإني مفسد لتنظيم الهرمونات، وبعبارة أوضح أعيد الاتزان الهرموني، وإذا أخذني الأصحاء فإني لا يؤثر في اتزانهم الهرموني، بل يؤدي دوره في إسراع التمثيل الغذائي.

وقد ثبت حديثاً أن المستخلص المائي المحتفظ بالزيوت الطيارة منه يخفض سكر الدم بنسبة تصل إلى 15 بالمائة.. أما عن استخدامه في الخشام، أي الزكام، فقد وجد أن لي علاقة وثيقة بتوسيع الشعب الهوائية.. وثبت أن لي علاقة وثيقة بإزالة الصداع النصفي.. كما يستخدم الزيت الناتج مني في علاج المفاصل، والآلام الروماتزمية، كما أني مهدىء وطارد للغازات.. كما أستخدم كمضاد للميكروبات، إذ أوضع مع اللحوم المصنعة كمادة حافظة طبيعية.

النار الشافية:

بينما أنا منشغل بحديث الناقة إذ رأيت نارا تجر ذيولها، وترفع هامتها، فاقتربت منها، وصحت فيها: كفي من كبريائك أيتها النار.. وشمري عن ساقيك.. واحذري الخيلاء التي جرت إبليس إلى التكبر بك على أبي آدم u.

قالت: لا تفخر بطينك على ناري.. فيحيق بك ما حاق بإبليس عندما افتخر بناره على طينكم.

قلت: أنا لا أفخر.. ولكني أرى ذيولك وهامتك تنم عن كبرياءك.

قالت: أخطأت في هذا.. فلست ممن يفعل ذلك خيلاء.. أنا أمة من إماء الله أمتلئ عبودية لله.. ألم تسمع قوله تعالى وهو يخاطبني:{ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}(الانبياء:69)

قلت: بلى..

قالت: فأنا نار الله الموقدة على الجاحدين.. وأنا فضل الله وبركته على الموقنين، ألم يقل الله تعالى مبينا فضلي:{ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ}(الواقعة:71)؟

قلت: سلمت لك في هذا.. ولكني لا أبحث الآن عنه.

قالت: فعم تبحث؟

قلت: عن أسرار الشفاء التي أنزلها الله من السماء.

قالت: فأراك لم تخطئ المجيء إلي.

قلت: فما فيك من أسرار الشفاء المنزل من السماء؟

قالت: من أنواع الدواء التي وردت في السُنَّة النبوية قولاً وفعلاً: الكيّ بالنار، فقد ثبتت في العلاج بذلك جملة أحاديث صحاح.

قلت: فاذكري لي منها ما أعلم به صدق دعواك.

قالت: لقد ثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى أُبيّ بن كعب طبيباً، فقطع له عرقاً، وكواه عليه.

ولما رُمي سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ورِمت، فحسمه الثانية، والحسم: هو الكيّ.

وفي طريق آخر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله بمشقص، ثم حسمه سعد بن معاذ أو غيره من أصحابه.

وفي لفظ آخر أن رجلاً من الأنصار رُمِي في أكحله بمشقص، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به فكوى.

وقال أبو عبيد: وقد أُتِيَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل نُعِتَ له الكيّ، فقال:( اكووه وارضفوه)، قال أبو عبيد: الرّضف: الحجارة تسخن، ثم يكمد بها.

قلت: أراك تنتقين من النصوص ما تشائين.. أتؤمنين ببعض الكتاب وتكفرين ببعض.. ألم تسمعي قوله صلى الله عليه وآله وسلم  في الحديث المتفق عليه:( وما أحب أن أكتوي)، وفي لفظ آخر:( وأنا أنهى أمتي عن الكيّ)؟

ألم تسمعي حديث عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الكيّ، قال: فابتلينا، فاكتوينا فما أفلحنا، ولا أنجحنا، وفي لفظ: نهينا عن الكي، وقال: فما أفلحنا ولا أنجحنا؟

ألم تسمعي حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون؟

قالت: صدقت وصدق حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم.. وقد خطفت هذه الأحاديث من لساني.

قلت: فكيف تزعمين بأنك من أدوية السماء.. وقد ورد في النصوص النهي عنك؟

قالت: أراك تأخذ ببعض الكتاب وتكفر ببعض، فقد تضمنت أحاديث الكيّ أربعة أنواع، أحدها: فعله، والثاني: عدم محبته له، والثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه.

قلت: فكيف تجمعين بين هذه المتعارضات؟

قالت: لا تعارض بينها بحمد الله تعالى، وقد جمع العلماء بينها بطرق من الجمع، فقال بعضهم وأحسن: فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه، فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه، فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفاً من حدوث الداء.

أما حديث السبعين ألفا، الذين يدخلون الجنة بغير حساب، والذين وصفوا بأنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطَّيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة منها أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها، كما كان أهل الجاهلية يعتقدون.

ومنها أنه يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث: مَن غفل عن أحوال الدنيا، وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طب الأطباء ورقَى الرقاة، ولا يحسنون من ذلك شيئاً.

قلت: فلماذا لا نستن بسنة هؤلاء؟

قالت: إن هَدْي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو خير الهًدْي، وسُنَّته هي المتبعة دون غيرها، وقد تداوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتداوى أصحابه في حياته، ومن بعده.

قلت: ولكن من الصحابة من لم يكتو!؟

قالت: لأن الكي لا يصلح له.. أرأيت لو أن شخصا لا يحتاج إلى إجراء عملية جراحية، فأجراها فأثرت في صحته ألا يندم على ذلك؟

قلت: بلى..

قالت: فعلى هذا تحمل أحاديث النهي([108]).. فالعلاج بالنار من الأدوية الخاصة بأحوال معينة.. ألم تسمع بأن آخر الدواء الكي.. فلا يصح اللجوء إلى هذا العلاج إلا بعد استنفاذ جميع الوسائل.. أو استعماله في الأحوال الخاصة به، كما في مرض اللقوة([109]).. فقد ورد في النصوص معالجة اللقوة بالكي.

قلت: فما اللقوة؟

قالت: هي شلل العصب الوجهي.

قلت: فكيف تشفى بالكي؟

قالت: يغلب أن البرد هو السبب في إحداثها، ولهذا فإن المعالجات الحديثة مبنية على أساس أن سبب اللقوة هو تشنج الأوعية المغذية للعصب، لذا فهم يعطون الأدوية الموسعة للأوعية، وما الأدوية المحمرة سوى ضرب من ضروب الأدوية الموسعة للأوعية.

نباتات من الجنة

ذهبت النار تجر أذيالها.. فرأيت خلفها منظرا بهيجا يشبه الجنة، فحثثت خطاي إليه.. فالتقيت في طريقي ثلاثا أعرفهن تمام المعرفة: الزنجبيل، والكافور، والزعفران، فاستوقفنني، فوقفت، وقلت: ما خطبكن أأنتن شرطيات تحلن بين الخلق والجنة؟

قلن: لا.. ولكن الجنة دار القرار.. ولا يمكنك أن تدخلها الآن.. أنسيت الصراط والميزان؟.. أم حملت معك صكا بالغفران؟.. ولو كان معك ذلك الصك أتسمح لنفسك أن تدخلها قبل مفتاح الهداية ورسول الرحمة؟

قلت: صدقتن.. فما أقل فقهي.. وما أقل أدبي.. ولكن ما بالكن جئتن من الجنة.

قلن: نحن بركة من بركات الجنة شرفن بذكر أسمائنا من ضمن أسماء نعيم الجنة.

قلت: فهل أنتن عينه؟

قلن: شتان بيننا وبين ذلك.. ولكنا مع ذلك اكتسبنا شرف أن نكون من أدوية السماء.

قلت: أأنتن من أدوية أهل الجنة؟

قلن: بئس ما تقول يا رجل.. أين ذهب عقلك؟.. وهل يمرض أهل الجنة حتى يحتاجون إلى التداوي بنا؟

قلت: فحدثوني عنكن.

الزنجبيل:

تقدمت نبتة الزنجبيل([110])، وقالت: من عرفني.. فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الزنجبيل، وقد ورد اسمي في قوله تعالى وهو يصف نعيم أهل الجنة:{ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً} (الانسان:17).. وأنا إن لم أكن بعيني في الجنة إلا أن الله تعالى بارك في بأنواع الشفاء.

وقد روي عن أبي سعيد الخدري قوله: (أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جرة زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة، وأطعمني قطعة)([111])

قلت: فما فيك من بركات الشفاء؟

قالت: يستعمل منقوعي قبل الأكل كمهدئ للمعدة وعلاج النقرس، كما أني هاضمة وطاردة للغازات، وأستعمل لتوسيع الأوعية الدموية، وزيادة العرق والشعور بالدفء وتلطيف الحرارة، وأستخدم كتوابل في تجهيز الأطعمة ومنحها الطعم المميز، وأضاف إلى أنواع من المربّات والحلوى، وأضاف إلى المشروبات الساخنة كالسحلب والقرفة.

وقد أفادت دراسه حديثة أني قد أساعد في تخفيف آلام الصداع الناتجه عن التوتر النفسي.

قلت: هذه بركة عظيمة، فما سرها؟

قالت: لقد أوضح الباحثون أن فعاليتي تكمن في قدرتي على تقليل إنتاج مركبات (بروستاجلاندنيز) المسببه للألم في الجسم فضلاً عن كوني راخياً للأعصاب والعضلات، حيث أساعد على الاسترخاء وتخفيف التوتر، لذلك أسهم في تخفيف آلام الصداع الخفيفه.

قلت: ولكني أريد وصفة لإزالة الآلام الشديد.

قالت: إذا أردت وصفة لذلك فعليك مزجي مع البابونج وزهرة الزيرفون، فإني بذلك أعطي مشروباً أقوى وأكثر فعاليه في إزالة الصداع والتشجيع على الاسترخاء.

قلت: أهذا ما فيك من بركات الشفاء؟

قالت: لا..بركاتي كثيرة.. ألم تسمع ما قال في الأطباء؟

قلت: فما قالوا؟

قالت: لقد قالوا:( الزنجبيل معين على الهضم، ملين للبطن تليينا معتدلا، نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد، والرطوبة، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة كحلا واكتحالا، وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة، وهو بالجملة صالح للكبد والمعدة)([112])

قلت: فاذكري لي وصفات أنتفع بها، وينتفع بها قومي.

قالت: لي وصفات كثيرة لا يكفي وقتك لعرضها.. فالتمسها عند أهلها من الأطباء، لا من العطارين.

الكافور:

تقدمت نبتة الكافور، وقالت: أما أنا فقد شرفت بذك اسمي في نعيم أهل الجنة في قوله تعالى:{ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} (الانسان:5).. وليس في الدنيا من الجنة إلا الأسماء.

قلت: فما بركاتك؟

قالت: كثيرة، وسأذكر ما يعرفه قومك منها، فقد صرحت السلطات الألمانية الصحية باستخدام الكافور النقي لعلاج الأمراض التالية: الكحة والتهاب الشعب الهوائية والربو حيث يؤخذ بجرعات قليلة.

ويمكن وضع الكافور الصلب النقي في وعاء به ماء يغلي ثم يزاح من على النار ويشم البخار المتصاعد بمعدل ثلاث مرات في اليوم وتكون مدة شم البخار المشبع باالكافور حوالي 10دقائق.. كما يمكن دهان الصدر بمرهم يحتوي على الكافور.

ويستخدم الكافور ضد عدم توازن الجملة العصبية للقلب ويستخدم بنفس الطريقة السابقة. كما يستخدم في عدم انتظام وتناسق دقات القلب.

ويستخدم على هيئة مرهم أو مستحلب للتخفيف من آلام الروماتيزم، وذلك عن طريق دهن الجزء المصاب ثلاث مرات يومياً.

ويستخدم ضد هبوط ضغط الدم إما عن طريق الفم أو الاستنشاق.. ويستخدم ضد آلام الظهر وخاصة آلام الفقرات القطينة حيث تدهن المناطق المصابة بمرهم يحتوي على الكافور.

قلت: أرى لك منافع عظيمة.

قالت: ولكني عزيزة النفس، فيندر وجود الأصناف النقية مني.. ثم إني لا ينبغي أن يصفني إلا الأطباء.

قلت: لم؟

قالت: لأن هناك مقادير من تجاوزها أصابه الضرر.

قلت: فما المقادير النافعة؟

قالت: الجرعات اليومية الآمنة من الكافور هي ما بين 2- 4 و1جرامات موزعة على ثلاث جرعات في اليوم الواحد.. أما فيما يتعلق بالاستعمالات الخارجية، فإن الجرعة اليومية يمكن أن تكون ما بين،5-، 19جرامات حيث تكون إما في مرهم أو كريم أو هلام.

قلت: وما الجرعات الخطرة؟

قالت: يجب أن لا تصل الجرعة إلى 6جرامات حيث أن هذه الجرعة قاتلة وذلك بالنسبة للاستعمال الداخلي و1جرام قاتلة للطفل تحت سن الثانية، أما في الاستعمال الخارجي فيجب أن لا تزيد كمية الكافور على 20جراماً حيث انها تعتبر جرعة مميتة.

ويجب عدم استخدام زيت الكافور قطعياً داخلياً نظراً لاحتوائه على مادة السافرول التي تسبب التسرطن، كما يجب عدم استخدام الكافور النقي من قبل المرأة الحامل وكذلك الطفل الذي يقل عمره عن سنتين بأي حال من الأحوال.

قلت: رأيت بعض النسوة يستنشقن الكافور، ويضعنه بين ملابسهن وبين الفرش، فهل لذلك من منافع؟

قالت: إذا استنشق الكافور للتمتع برائحته أو للعلاج فلا خوف من ذلك، ولكن يجب أن لا يبالغ في ذلك لأن للكافور جرعات محددة، فإذا زاد الاستنشاق وتعدى الجرعات الآمنة فانه قد يحدث التسمم.

أما فيما يتعلق بوضع بلورات من الكافور بين الملابس والفراش فلا خوف من ذلك وهو مادة مطهرة وقاتل لبعض أنواع الحشرات وبعض أنواع البكتيريا.

الزعفران:

تقدمت زهرة زعفران، وقالت: أما أنا فإني من نباتات الجنة..

قاطعتها، وقلت: كيف تقولين ذلك؟.. وأين ذكرك في القرآن الكريم؟

قالت: أنسيت السنة؟.. أنسيت الكلام المستخلص من عطور الهدى، والمضمخ بروائح الحقائق؟

قلت: اعذريني.. فهل ورد فيك من السنة شيء؟

قالت: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( الجنة بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها([113])المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا ييأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم)([114])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة فقد وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل في نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك، ومن جرح به جراح في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء)([115])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( الحور العين خلقن من الزعفران)([116])

قلت: لقد ورد فيك نصوص كثيرة.

قالت: أجل.. وذلك يدل على فضلي.

قلت: فما فيك من بركات الشفاء؟

قالت: في بركات كثيرة، فزيتي مضاد للألم والتقلصات، ومزيل لآلام الطمث وآلام غشاء اللثة، ومسكن ومقو للجهاز العصبي المركزي.

وأنا أستخدم منذ القدم في علاج كثير من الأمراض مثل النزلات المعوية، وكمهدئ لاضطرابات المعدة ولعلاج السعال الديكي ونزلات البرد والتخفيف من غازات المعدة.

وأدخل في صناعة الأدوية الحديثة كتلك المستعملة لطرد الديدان المعوية والأدوية المهدئة للحالات العصبية والنفسية والأدوية المستعملة لتنشيط الإفراز البولي وكثير من الأدوية الأخرى.

وفوق ذلك أستعمل كتوابل في تجهيز الأطعمة والمأكولات.. بل قد أثبتت بعض البحوث الحديثة جدواي في الوقاية من السرطان.

قلت: اعلمي ما تقولين.

قالت: لقد ورد في أحدث دراسة نشرتها مجلة ( الطب والبيولوجيا التجريبية)المتخصصة، أن باحثين في المكسيك أثبتوا أن بالإمكان استخدام الزعفران كعامل واق من السرطان أو في البرنامج العلاجي المخصص لهذا المرض.

ووجد الباحثون بعد مراجعة مجموعة كبيرة من الدراسات المخبرية والأبحاث التي أجريت على الحيوانات، أن الزعفران لا يمنع فقط تشكل أورام سرطانية جديدة، ولكنه قد يسبب تقلص وانكماش الأورام الموجودة، كما يزيد فعالية العلاج الكيماوي ويشجع آثاره المضادة للسرطان.

وأوضح الباحثون أن الفوائد الصحية للزعفران قد ترجع بصورة جزئية إلى محتواه العالي من المركبات التي تعرف بالكاروتينويد التي تشمل أيضا مادتي “لايكوبين” و”بيتاكاروتين” كعوامل وقاية وعلاج من السرطان.

وأشار الخبراء إلى أن زراعة الزعفران وحصاده عملية غاية في الصعوبة لذلك فإن مصادره محدودة وغالية، منوهين إلى أن هذه الدراسة تضيف إثباتات جديدة على أن بعض الأطعمة والبهارات تحتوي على مركبات تملك خصائص واقية من السرطان.

قلت: لقد رويت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن الحور العين خلقن من الزعفران، فهل لذلك من سر؟

قالت: لقد أثبتت الأبحاث بأني من الأدوية المفرحة المنشطة، فأنا مضادة للتشنج، أدخل السرور على قلب من يشربني، منبهة للمعدة، شديدة المفعول للأمعاء والأعصاب، منشطة مدرة للطمث، ولهذا أدخل في بعض الأدوية المستخدمة لتنشيط القلب.

قلت: فهل لاستعمالك من مخاطر؟

قالت: من أسرف في استعمالي لا بد أن يتضرر، فالأبحاث تؤكد بأن كثرة استعمالي تصدع الرأس وتنوم الحواس لذا ينصح بعدم الإكثار مني.

قلت: ومن يسرف فيك مع غلاء ثمنك؟

قالت: ثمني يدل على قيمتي.. وهو نتيجة الجهد المبذول في استخراجي، حيث أن الحصول على غرام واحد من الزعفران الأصلي يتطلب مائة زهرة وللحصول على نصف كيلو من نفس الصنف يحتاج 225 ألف زهرة من زهور الزعفران لذا كان سعره باهظا.

ولهذا احذر من الزعفران المغشوش، فبعض الجشعين يخلطني بأعشاب مشابهة لي لزيادة الوزن مثل العصفر المشابه للوني وفي سرعة الذوبان بالماء ويباع على أني زعفران صحيح.


([1])   الحاكم وقال صحيح ووافقه الذهبي.

([2])   من الملاحظ أن القيمة الحرارية للعسل مرتفعة جداً، لاحتوائه على الغلوكوز.. و قد ثبت أن كيلوغراماً واحداً من العسل يعطي 3150حريرة.

([3])   البخاري ومسلم.

([4])   ابن ماجه.

([5])   البحوث الحديثة لا تزال تجد كل يوم جديدا في العسل… وكمثال على التطورات المتعلقة باستعمال العسل كمضاد حيوي أنه في سنه 1937 أظهر دولد في بحثه مفعول العسل كمضاد حيوي على سبعة عشر نوعا من مختلف الميكروبات… وفي سنه 1944 ناقش بلاكي محتويات العسل التي قد يكون لها مفعول المضاد الحيوي… وفي سنه 1956 استخلص فوجل مكونات العسل، بواسطة عدة مذيبات وتوصل إلى إن المواد القاتلة للميكروبات فيه موجودة في المواد القابلة للذوبان في الأثير… وفي سنه 1958 وجدت الدراسات أن المضاد الحيوي في العسل ليس في الخمائر الموجودة فيه، وفي سنة 1958 أيضا وجد ورنك أن العسل المخفف له نفس المفعول كمضاد حيوي وانه قد يكون ذلك بسبب خميرة الانفرتيز بالعسل…. وفي سنه 1960 قال ستومغاري أن تلك المادة في العسل غير معروفة وناقش كل من ستنسون سنة 1960 وجوناشن سنة 1963 المادة القاتلة للميكروبات بالعسل، وافترضوا أن تكون في حامض الجليكونيك أو في فوق اكسيد الهيدروجين… وفي سنه1970-  وجد كافاناج في دراسة على مريضة عملت لها عمليات استئصال الرحم أن استعمال العسل موضعيا على الجرح يجعله خاليا من الميكروبات بين 3 إلي 6 أيام فقط، وان الالتئام يحدث بعد أسبوعين في المتوسط.

([6])   في الطب المتداول تتم تجربة الدواء على الحيوانات بحقنها بمواد تصيبها بالمرض، ثم تحقن بالدواء لمعرفة مدى فعاليته. بعد ذلك يطرح الدواء الجديد في السوق. وهذه طريقة ناقصة إن لم تكن خطا تماماً. فالحيوانات تختلف فزيولوجياً عن الإنسان، كما أنها لا تستطيع الكلام لتخبرنا عما تحس به عند أخذ الدواء. وقد وجد أن الفئران، وهي من أهم الحيوانات وأكثرها استعمالاً في هذا المجال، تتأثر بالمواد التي تحقن بها بدرجة تختلف كثيراً جداً عن تأثر الإنسان بها. وهذا يعني أن ما يحسبه المصنعون فتحا جديداً في علاج المرض الفلاني لا يعدو كونه وهما، لأنّ أثره العلاجي على الإنسان سيكون مختلفا ً. هذا ناهيك عن الآثار الجانبية التي ستكون مختلفة هي الأخرى. انظر: الطب البديل.

([7])   ابن ماجة.

([8])  في عام (1981) أشار د. محمد عمارة – رئيس قسم طب العيون بجامعة المنصورة – إلى نجاح العسل في علاج التهاب القرنية، وعتمات القرنية المترتبة عن الإصابة بفيروس الهربس، والتهاب وجفاف الملتحمة، وينصح بوضع العسل في جيب الملتحمة الأسفل (2 – 3)مرات يوميًّا مثل وضع المراهم تمامًا، وإن كان ذلك ربما يؤدي إلى حدوث حرقان وقتي بالعين وانهمار الدموع؛ فإنه سرعان ما يتلاشى وتتحسن الحالة بنسبة (85 بالمائة).

انظر: دراسة إكلينيكية عن  استخدام عسل النحل موضوعياً في علاج بعض أمراض العين السطحية، الأستاذ الدكتور/ محمد عمارة، جمهورية مصر العربية، موقع: إسلام ست، وقد نشر بحثا في هذا عن طريقة جديدة لعلاج هريس القرنية منشور في صحائف المؤتمر الرمد الدولي الثالث والعشرين الذي عقد في  كيوتو باليابان 1978، صفحة (175 ـ 1753).

([9])   شراب النحل…اختلاف في الألوان واتفاق في الشفاء، رضوة حسن، 9/1/2001

([10])   انظر:مجلة الدليل إلى الطب البديل.

([11])   مسلم.

([12])   الخطيب.

([13])   أبو داود وابن ماجة والحاكم.

([14])   الترمذي، وقال حسن غريب، وابن ماجة.

([15])   اللدود: هو بالفتح من الأدوية: ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم.

([16])   الترمذي وقال حسن غريب، والحاكم.

([17])   أبو نعيم في الطب.

([18])   القسط: عقار معروف في الأدوية طيب الريح، تبخر به النفساء والأطفال. النهاية 4/60 وسنتحدث عنه في هذا الفصل.

([19])   الغمز: العصر والكبس باليد، النهاية 3/385.

([20])   مسلم.

([21])   أبو داود وابن ماجة.

([22])   الترمذي وابن ماجة والحاكم عن ابن عباس.

([23])   أقصد: المفكر والباحث عبد القادر يحيى، وهو المشرف العام على الأبحاث العلمية للحجامة، من موقع الحجامة.

([24])   نحن ننقل هذا مع علمنا بكثرة المخالفين لهؤلاء الأطباء احتراما لوجهة النظر المتفائلة من هذا النوع من العلاج الذي دلت عليه النصوص… واحتراما لأهل الخبرة وتصديقا لهم فيما رأوه من نتائج.

ومن باب الموضوعية نذكر أنه حصلت قبل فترة في سورية ضجة كبيرة حول الحجامة بسبب هذا، وقد دعت نقابة أطباء سورية إلى عقد ندوتين في دمشق حول الحجامة نوقشت فيهما واقع الحجامة في القطر… وأشار الدكتور رمضان رمضان نقيب الأطباء في سورية في مستهل الندوة إلى ما ادعي من دراسة علمية نشرت حول الحجامة في الإعلام وفي بعض الكتب المتفرقة، فهي تفتقد بالكلية لمنهجية البحث العلمي.. وبما أنه لا توجد معايير أو استطبابات للحجامة بالمفهوم الطبي الحديث وبالتالي فإن انتشار الحجامة بالشكل الحالي يشكل خطراً على الصحة العامة، وإذا ما كان هناك بعض الاستطبابات الطبية فيجب أن تحدد حسب دراسات علمية تقوم بها جهات علمية مسؤولة.

وأكد الدكتور عبد الغني عرفة أن الحجامة تطبيق للنظرية العلمية القائلة بوجود جهاز مناعي ذاتي في الجسم وأن هذا الجهاز يصيبه الكسل أحياناً فهو بحاجة إلى إعادة تنشيطه، وقد أكدت التجارب الكثيرة أن الحجامة كفيلة بذلك.

أما استطباباتها العلاجية فهي تطبق في الحالات التي يكون فيها الجهاز المناعي متراخياً، ولا أقول معطلاً، كما في حالات الشقيقة والآلام العصبية المختلفة وفي أمراض اضطرابات التغذية كالسكري وفي ارتفاع الضغط الدموي.

وبين الدكتور عبد المالك الشالاتي أن الحجامة تفيد بدون شك في بعض الأمراض وليس في كل الأمراض، وهي شائعة في كل أنحاء العالم، وهي نوع من الطب البديل الذي له جمعياته المنتشرة هنا وهناك.

وتساءل الدكتور أحمد ديب دشاش: لماذا الحجامة الآن، وهل عجز الطب عن مداواة بعض الأمراض ونريد تجربة الحجامة، وهل تفضل الحجامة مثلاً لأنها أكثر فعالية؟ ثم هل يتم تطبيقها في أماكن أو بأيد ووسائل عقيمة نظيفة تضمن سلامة المريض من انتقال العدوى بمرض خطير كالإيدز مثلاً؟ إذن لابد من إجراء دراسة تقيم فعالية الحجامة حسب المنهج العلمي. انظر مقدمة كتاب: الحجامة والقسط البحري للدكتور محمد نزار الدقر.

([25])   وهذا ما صرحت به إذاعة لندن الرسمية BBC في نشراتها الأخبارية الرسمية.

([26])   الترمذي وأبو داود وإسناده صحيح.

([27])   أبو داود بإسناد حسن.

([28])   وقد روي احتجام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غيرها، ففي الحديث: كان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم يحتجم ثلاثاً:واحدة على كاهله واثنتين في الأخدعين، أخرجه أحمد وأصحاب السنن وإسناده صحيح، وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو محرم في رأسه لصداع كان به، رواه البخاري، وعن جابر بن عبد الله  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  احتجم على وركه من وثء كان به » أخرجه أبو داود والنسائي.

([29])   القائلة: المقيل والقيلولة: الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم. يقال: قال يقيل قيلولة، فهو قائل.

([30])   الديلمي.

([31])   أي غلبة الدم على الإنسان، يقال: تبيغ به الدم إذا تردد فيه.

([32])   الحاكم في تاريخه.

([33])   الترمذي وقال حسن غريب.

([34])   الترمذي وقال: حسن غريب.

([35])   قدر وسطيا بـ (385000 كم)

([36])   يرقأ: يقال: رقأ الدمع والدم والعرق يرقأ رقوءا بالضم إذا سكن وانقطع. النهاية 2/248.

([37])   أبو داود.

([38])   ابن ماجه كتاب الطب في أي الأيام يحتجم رقم (3487)وابن السني وأبو نعيم – عن ابن عمر.

([39])  قال ابن القيم: وكل الأحاديث التي ذكرت فيها الأيام ضعيفة، وقال الفيروزبادي في سفر السعادة: وباب الحجامة واختيارها في بعض الأيام و كراهتها في بعضها ما ثبت منه شيء، أي في السنة.

وقال ابن حجر وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء ( أي من الصحة)على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت.

([40])   ابن ماجة.

([41])   ابن ماجه والحاكم وابن السني وأبو نعيم عن ابن عمر.

([42])   مسلم.

([43])   انظر: كتاب الحجامة والقسط البحري تأليف الدكتور محمد نزار الدقر.

([44])   عرف بأنه طرح لكمية من الدم من الدورة الدموية لغاية علاجية بحتة بطريقة البزل للوريد بإبرة أو جرح الوريد أو تشطيبه وأحياناً ببزل الشريان.

([45])   انظر: الموسوعة الطبية الفقهية للدكتور أحمد محمد كنعان ـ دار النفائس

([46])   عن مجلة العربي العدد 434 يناير 1995.

([47])   الموت.

([48])   البخاري ومسلم.

([49])   أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عباس.

([50])  الإعجاز الطبي في السنة النبوية، للدكتور كمال المويل.

([51])   إن (100)غ من الحبة السوداء تحتوي على: (19.3)غ ماء، و(17.9)غ بروتين، و(12.9)غ دهن، و(10.80)ملغ كالسيوم، و(1)ملغ كالسيوم، (20)ملغ فيتامين أ، و(2.6)ملغ نياسين، و(6.3)غ ألياف، و(7.8)غ رماد.

والقيمة الغذائية تساوي (364)سعرة حرارية.

([52])   تقمح: أي استف كفا من حبة السوداء يقال: قمحت السويق بالكسر إذا استففته. النهاية (4/107)

([53])   الخطيب البغدادي عن أنس.

([54])   ذكر بعضهم أن بعض الأمراض الداخلية يكفي فيها جرعات صغيرة، أما بعضها الآخر، فيحتاج لجرعة أكبر… وذكر أن الجرعة الفعالة حوالي ملعقة صغيرة.

([55])   ومثل ذلك استخدام الحبة السوداء كعلاج للاشخاص الذين يستخدمون الاسبرين بصفة مستمرة وكذلك الورفارين مرقق الدم.

([56])   البخاري ومسلم.

([57])   النسائي وابن ماجة.

([58])   هو الحبة السوداء.

([59])   ابن السني وأبونعيم عن بريدة.

([60])   الترمذي.

([61])   فتح الباري: 10/145.

([62])   فتح الباري: 10/145.

([63])   الثُفّاء نبات عشبي حولي قائم من الفصيلة الصليبية موطنه منطقة الشرق الأوسط والحجاز ونجد. وأزهاره بيضاء متعددة. و من أسماء الثفّاء _ الرشاد _ في سورية _ البقدونس الحاد _ يؤكل من غير طبخ حيث تضاف أوراقه الغضة إلى السلطات والحساء ومع اللحوم والسمك كمادة مشهية، مسهلة للهضم.

([64])   ابن السني وأبو نعيم في الطب.

([65])   أبو داود في مراسيله والبيهقي.

([66])   مقالة للدكتور حسان شمسي باشا.

([67])   مسلم.

([68])   أبو داود في مراسليه والبيهقي.

([69])   الترمذي وابن ماجة وأحمد. 

([70])   أي بأي دواء تستطلقين بطنك، حتى يمشي ولا يصير بمنزلة الواقف، فيؤذي باحتباس النجو، ولهذا سمي الدواء المسهل مشيا على وزن فعيل. وقيل لأن المسهول يكثر المشي والاختلاف للحاجة، وقال الجزري في النهاية: أي بما تسهلين بطنك، ويجوز أن يكون أراد المشي الذي يعرض عند شرب الدواء إلى المخرج، انظر: تحفة الأحوذي: 6/213.

([71])   هو حب يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوي. النهاية 2/440ـ وهو من الأدوية التي أوصى الأطباء بترك استعمالها لخطرها وفرط إسهالها.  

([72])   أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم، قال الترمذي: حسن غريب.

([73])   يقول البروفسور سبلر وهو من الخبراء العالميين فى هذا المجال، في مقال له:« إن أكثر الأدوية شيوعا في معالجة الإمساك هي الأدوية المستخلصة من نبات السنا… وفي القولون تقوم تلك المركبات بتحريض أعصاب القولون على القيام بحركة إجمالية، يتبعها مرور البراز بشكل طبيعي »

([74])   وهو يعرف بالسنوت والرازيانج والشمار والبسباس والكمون والشمرة والشمر المر والشمر الحلو والحلوة والشمر الكبير وشمر الحدائق والشمر الوحشي والشمر الزهري.

([75])   للسنوت تاريخ قديم فقد زرعه الصينيون القدماء والهندوس والمصريون وزرعه الرومان وأكلوا عروقه وأوراقه العطرة الزكية الرائحة. وكان السنوت من أفضل المواد الطبية المستخدمة في العصور الوسطى وكانت تضاف أوراقه الطازجة إلى مأكولات السمك والخضروات وذلك عند الأغنياء، أما الفقراء فتوكل أوراقه كمادة مشهية في أيام الصيام.

([76])   البخاري.

([77])   انظر: الإعجاز الطبي في السنة النبوية، تأليف الدكتور كمال المويل.

([78])   الغمز: الضغط بالأصابع.

([79])   العذرة: بضم العين و سكون الذال هي التهاب الحلق واللوزات.

([80])   البخاري.

([81])   السعوط: هو تناول الدواء عن طريق الأنف بالتقطير.

([82])   اللَّدود: قال ابن حجر العسقلاني: اللَّدود بفتح اللام و بمهملتين،هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض.

([83])   ذات الجنب: قال عنه ابن حجر العسقلاني:« هو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع »

([84])   البخاري.

([85])   مع نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن غمز العذرة نجد أنَه لا زال شائعاً في بعض المناطق، فيسمون العذرة بنات الأذن، ويسمون غمزها، أي ضغطها بالأصابع رفع بنات الأذن.

([86])   الورس: هو بزر أصفر يجلب من بلاد اليمن، ويدخل في البخورات… قال أبو حنيفة اللغوي: الورس يزرع زرعاً، وليس ببري، ولست أعرفه بغير أرض العرب، ولا من أرض العرب بغير بلاد اليمن.

وقال الاصمعي:« ثلاثة اشياء لا تكون الا باليمن وقد ملأت الارض: الورس واللبان والعصب (يعني برود اليمن)»

([87])   الترمذي.

([88])   ابن ماجه.

([89])   البخاري.

([90])   الترمذي وقال حديث صحيح.

([91])   سنن أبي داود. 

([92])   ابن ماجة.

([93])   ابن ماجة.

([94])   أحمد،و أبو داود.

([95])   انظر: الإعجاز الطبي في السنة النبوية، للدكتور كمال المويل.

([96])   رواه الطبراني وفيه سليمان بن سلمة الخبايري وهو متروك، انظر: مجمع الزوائد: 5/44، مسند الشاميين: 232، المعجم الكبير: 20/96.

([97])   ذكره ابن القيم ولم يذكر ما فيه من التصحيح والتضعيف ولم أجده.

([98])   انظر: التداوي بالنبات و الطب النبوي، للدكتور عبد الباسط محمد السيد.

([99])   الكمأة: نبات فطري وتشبه في شكلها البطاطا مع اختلاف اللون والرائحة، تنمو في الصحارى، وتحت أشجار البلوط.

([100])   البخاري.

([101])   انظر: المعتز بالله المرزوقي: في محاضرة له بعنوان ( الكمأة و ماؤها شفاء للعين)من مواد المؤتمر  العالمي الأول عن الطب الاسلامي الكويت 1980.

([102])   الترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد وقال الترمذي: حديث حسن.

([103])   الترمذي وحسنه وابن ماجة، وصححه ابن حيان.

([104])   اسم من أسماء المردقوش.

([105])   الزكام.

([106])   قال ابن القيم:« ورد فيه حديث لا نعلم صحته »

([107])   انظر: التداوي بالنبات والطب النبوي، للدكتور عبد الباسط محمد السيد.

([108])   ولهذا قيل: إنما نُهي عنه عمران بن حصين خاصة، لأنه كان به ناصور، وكان موضعه خطراً، فنهاه عن كيه، فيشبه أن يكون النهي منصرفاً إلى الموضع المخوف منه، والله أعلم.

([109])   يقول الثعالبي في فقه اللغة: اللَّقْوَةُ أَنْ يَتَعَوَّجَ وَجْهُهُ ولا يَقْدِرَ على تَغْمِيضِ إحْدَى عَيْنَيْه، وفي لسان العرب اللَّقْوة: داء يكون في الوجه يَعْوَجُّ منه الشِّدق، وقد لُقِيَ فهو مَلْقُوٌّ.

([110])   انظر: شفاء العليل في عجائب الزنجبيل، تأليف: أبي الفداء محمد عزت محمد عارف.

([111])   أبو نعيم في الطب النبوي.

([112])   الطب النبوي:246.

([113])   الملاط: الطين الذي يجعل بين سافي البناء يملط به الحائط أي يخلط. النهاية 4/357.

([114])   أحمد والترمذي عن أبي هريرة.

([115])   أحمد وابن حبان.

([116])   ابن مردويه، والخطيب البغدادي.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *