رابعا ـ الفنانون

رابعا ـ الفنانون

فتحت دفتر الغريب على فصله الرابع، فوجدت عنوانه (الفنانون)، فقلت: من تقصد بالفنانين؟

قال: أولئك الذين تذوقوا الجمال وعاشوه وراحوا بما أوتوا من مواهب يحاولون تصويره وإمتاع الخلق به.

قلت: فما علاقة هؤلاء بأشعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قال: أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم الفنانون..

قلت: ما تقول؟

قال: إن المعاني النبيلة التي يوجهنا إليها الإسلام، والتي تتناسب مع الجمال الذي يمتلئ به الكون لا يتذوقه إلا صاحب حس مرهف، وذوق رفيع.

قلت: ولكني أرى الفنانين أعظم الناس غفلة، فهم يجرون في أودية الغواية أكثر من الشعراء.

قال: أولئك أحد أربعة: إما لا حظ لهم في الفن، وإنما هم أدعياء فيه، وإما أن الإسلام عرض لهم بصورة مشوهة جعلتهم ينفرون منه، وإما أن الإسلام لم يعرض لهم أصلا.

قلت: أرأيت لو أن الإسلام عرض لهم بصورته سيقبلونه؟

قال: لا يقبلونه فقط.. بل يقبلون عليه بكل كيانهم، ويسخرون كل طاقاتهم في سبيل خدمته.

قلت: ولكن البعض يأمرهم بتطليق الفن قبل اعتناق الإسلام.

قال: أولئك حجب بين الله وبين عباده.. الإسلام يطلق الطاقات ولا يعطلها.. والفنان المسلم هو الذي يعبد الله في محراب فنه.. فيجعل فنه مرقى من مراقي الهداية ومعراجا من معارج الروح.

قلت: أراك وضعت أسماء كثيرة في هذا الفصل.. فهل التقيت بهم جميعا؟

قال: هناك من التقيت به.. وهناك من حدثني بحديثه الثقاة.. وهناك من قرأت له، أو قرأت عنه.

الفونس إيتان دينيه:

كان من أول الأسماء التي وضعت في هذا الفصل اسم (الفونس إيتان دينيه)([1])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذ الرجل من كبار الفنانين والرسامين العالميين، وقد دُوّنت أعماله في معجم (لاروس)، ولا تزال جدران المعارض الفنية في فرنسا تزين بلوحاته الثمينة، وفيها لوحته الشهيرة (غادة رمضان)

وقد أسلم، وألّف بعد إسلامه العديد من الكتب القيمة، منها كتابه الفذ (أشعة خاصة بنور الإسلام)، و(ربيع القلوب)، و(الشرق كما يراه الغرب)، و(محمد رسول الله)، و(الحج إلى بيت الله الحرام).. وغيرها.

وقد ذكر في هذه الكتب أسرار انجذابه الإسلامه، ومن أقواله في ذلك:

(لقد أكد الإسلام من الساعة الأولى لظهوره أنه دينٌ صالحٌ لكل زمان ومكان، إذ هو دين الفطرة، والفطرة لا تختلف في إنسان عن آخر، وهو لهذا صالح لكل درجة من درجة الحضارة)([2])

(لقد حقق القرآن معجزة لا تستطيع أعظم المجامع العلمية أن تقوم بها، ذلك أنه مكن للغة العربية في الأرض بحيث لو عاد أحد أصحاب رسول الله إلينا اليوم لكان ميسورًا له أن يتفاهم تمام التفاهم مع المتعلمين من أهل اللغة العربية، بل لما وجد صعوبة تذكر للتخاطب مع الشعوب الناطقة بالضاد. وذلك عكس ما يجده مثلاً أحد معاصري (رابيليه) من أهل القرن الخامس عشر الذي هو أقرب إلينا من عصر القرآن، من الصعوبة في مخاطبة العدد الأكبر من فرنسيي اليوم)([3])

(أحسّ المشركون، في دخيلة نفوسهم، أن قد غزا قلوبهم ذلك الكلام العجيب الصادر من أعماق قلب الرسول الملهم وكلهم كثيرًا ما كانوا على وشك الخضوع لتلك الألفاظ الأخاذة التي ألهمها إيمان سماوي، ولم يمنعهم عن الإسلام إلا قوة حبهم لأعراض الدنيا)([4])

(إن معجزة الأنبياء الذين سبقوا محمدًا كانت في الواقع معجزات وقتية وبالتالي معرضة للنسيان السريع. بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآيات القرآنية: (المعجزة الخالدة) وذلك أن تأثيرها دائم ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان وفي كل مكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة في كتاب الله، وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الهائل الذي أحرزه الإسلام، ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون لأنهم يجهلون القرآن، أو لأنهم لا يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة فضلاً عن أنها غير دقيقة)([5])

(إن كان سحر أسلوب القرآن وجمال معانيه، يحدث مثل هذا التّأثير في [نفوس علماء] لا يمتون إلى العرب ولا إلى المسلمين بصلة، فماذا ترى أن يكون من قوة الحماسة التي تستهوي عرب الحجاز وهم الذين نزلت الآيات بلغتهم الجميلة؟.. لقد كانوا لا يسمعون القرآن إلا وتتملك نفوسهم انفعالات هائلة مباغتة، فيظلون في مكانهم وكأنهم قد سمِّروا فيه. أهذه الآيات الخارقة تأتي من محمد ذلك الأمي الذي لم ينل حظًا من المعرفة؟.. كلا إن هذا القرآن لمستحيل أن يصدر عن محمد، وأنه لا مناص من الاعتراف بأن الله العلي القدير هو الذي أملى تلك الآيات البينات)([6])

(لا عجب أن نرى النبي الأمي يتحدى الشعراء، ويعترف لهم بحق نعتهم له بالكذب، أن ائتوا بعشر سور من مثله، فقد آمن بعجزهم عن ذلك)([7])

وتحدث عن تأثير دراسته لشخصية محمد صلى الله عليه وآله وسلم في انجذابه للإسلام، ومن أقواله في هذا قوله: (إن الشخصية التي حملها محمد بين برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدًا حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشيء الجديد)([8])

وقوله: (إن نبي الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذي لم يعتمد في إتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى إلا بلاغة التنزيل الحكيم)([9])

(إن سنة الرسول الغرّاء باقية إلى يومنا هذا، يجلوها أعظم إخلاص ديني تفيض به نفوس [مئات الملايين] من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة)([10])

(كان النبي يعنى بنفسه عناية تامة، إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال، وكان ينظر نفسه في المرآة.. ليتمشط أو ليسوي طيات عمامته.. وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري أن يروق الخالق سبحانه وتعالى)([11])

(لقد (دعا) عيسى إلى المساواة والأخوة، أما محمد فوفق إلى (تحقيق) المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته)([12])

وتحدث عن تأثير المناهج الإسلامية في انجذابه للإسلام، فقال: (إن الأمم الإسلامية على اختلاف جنسياتها وبلدانها قد طبعها الإسلام بطابعه الواضح المحسوس. بل إن آثاره لا تزال باقية في أهل أسبانيا وإن كانوا قد ارتدوا عنه منذ خمسة قرون)([13])

(إن الإسلام [هو] عقيدة التوحيد الإلهية العليا، وله تلك المبادئ السامية التي تقوم عليها تلك العقيدة.. [ونحن نطلب] من خصومنا أن يدلونا عليها في الإنجيل أو في كتاب مقدس آخر إن كانوا صادقين)([14])

(إن الإسلام منذ البداية في أيامه الأولى قد أخذ في محاربة الخرافات والبدع، وهو نفس العمل الذي يقوم به العلم إلى يومنا هذا)([15])

(كما أن الإسلام قد صلح منذ نشأته لجميع الشعوب والأجناس فهو صالح كذلك لكل أنواع العقليات وجميع درجات المدنيات.. وبينما تجد الإسلام يهيج من نفسه الرجل العملي في أسواق لندن حيث مبدأ القوم (الوقت من ذهب) إذ هو يأخذ بلب ذلك الفيلسوف الروحاني، وكما يتقبله عن رضا ذلك الشرقي ذو التأملات.. إذ يهواه ذلك الغربي الذي أفناه الفن وتملكه الشعر)([16])

(عندما رفع الله إليه مؤسس الإسلام كان هذا الدين القويم قد تمّ تنظيمه نهائيًا، وبكل دقة، حتى في أقل تفاصيله شأنًا)([17])

وتحدث عن إعجابه الشديد بسماحة الإسلام والمسلمين، فقال: (من الحقائق التاريخية أن النبي أعطى أهل (نجران) المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية. وها نحن أولاً نرى المسلمين إذا بشروا بدينهم فإنهم لا يفعلون مثل ما يفعل المسيحيين في الدعوى إلى دينهم، ولا يتبعون تلك الطرق المستغربة التي لا تتحملها النفس والتي يحبها الذوق السليم. وقد أنصف القس ميثون الحقيقة في كتابه (سياحة دينية في الشرق) حيث يقول: إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة وهما أقدس قواعد الرحمة والإحسان عند الشعوب والأمم)([18])

(ليس من فخار المسيحية أن تضم في تعدادها أولئك الذين يباعون لها من ولدان العبيد ولا أولئك اليتامى الذين ينشأون في مهادها نشأة دينية مسيحية. أما الذين يعتنقون الإسلام في وقتنا هذا من المسيحيين وغيرهم فإنما هم الخاصة سواء كانوا من الهيئات الاجتماعية الأوروبية أو الأمريكية، كما أن إخلاصهم في ذلك لا شك فيه لأنهم أبعد ما يكونون عن الأغراض المادية)([19])

(إن الإسلام بلغ من تماسك بنائه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلاً، ففي أقل من مائة عام، ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد وقد اندفعوا لأول مرة في تاريخهم، خارج حدود جزيرتهم.. أن يستولوا على أغلب بقاع العالم المتحضر القديم: من الهند إلى الأندلس)([20])

(المسلمون، على عكس ما يعتقده الكثيرون، لم يستخدموا القوة أبدًا خارج حدود الحجاز.. لإكراه غيرهم على الإسلام. وإن وجود المسيحيين في أسبانيا لدليل واضح على ذلك، فقد ظلوا آمنين على دينهم طوال القرون الثمانية التي ملك فيها المسلمون بلادهم وكان لبعضهم مناصب رفيعة في بلاط قرطبة. ثم إذا بهؤلاء المسيحيين أنفسهم يصبحون أصحاب السلطان في هذه البلاد فكان أول هم لهم أن يقضوا قضاء تامًا على المسلمين)([21])

(إن القدوة الحسنة التي لا تقترن بمحاولة التبشير المتعصبة، لهي أقوى أثرًا في النفوس التقية من مضايقات القسس المبشرين. ولقد اضطر العالم (دوزي) – رغم تعصبه ضد الإسلام – إلى الاعتراف بأن الكثير من المسيحيين الذين كانوا في إسبانيا (اعتنقوا الإسلام عن عقيدة)([22])

(وكيف لا يكون المسلم متسامحًا وهو يجل الأنبياء الذين يجلّهم اليهود والنصارى فموسى بالنسبة إليه (كليم الله) وعيسى (روح الله) يجب تبجيله كما يبجل محمد (حبيب الله):{ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } (البقرة: 285)([23])

كات ستيفنس:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (كات ستيفنس)([24])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا هو الاسم القديم للمغني الإنجليزي (يوسف إسلام)

قلت: أعرفه.. ويعلم الله شدة محبتي له.. فهل التقيته؟

قال: أجل.. لقد تشرفت بذلك، وقد جمعني معه ـ ومعنا بعض الناس ـ مجلس من المجالس، وقد سأله بعضهم عن قصة إيمانه، فقال: أود أن أبدأ قصتي بما تعرفونه جميعًاً، وهو أن الله قد أستخلفنا في الأرض وأرسل لنا الرسل وآخرهم رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليهدينا إلى الطريق القويم، وعلى الإنسان أن يلاحظ واجبه نحو هذا الإستخلاف وأن يسعى لتحضير نفسه للحياة الخالدة القادمة فمن تفوته الفرصة الآن لن تأتيه أخرى فلن نعود ثانية حيث يقول القران الكريم:{ وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (السجدة: 12-14)، وقال:{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } (فاطر: 37)

وقد نشأت في بيئة مرفهة تملؤها أضواء العمل الفني الإستعراضي المبهرة.. وكانت أسرتي تدين بالمسيحية، وكانت تلك الديانة التي تعلمتها، وقد تعلمت من خلالها أن الله موجود، ولكن لا يمكننا الإتصال المباشر به، فلا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق عيسى فهو الباب للوصول إلى الله، وبالرغم من اقتناعي الجزئي بهذه الفكرة إلا أن عقلي لم يتقبلها بالكلية.

وكنت أنظر إلى تماثيل النبي عيسى فأراها حجارة لا تعرف الحياة، وكانت فكرة التثليث أو ثلاثية الإله تقلقني وتحيرني، ولكني لم أكن أناقش أو أجادل احتراما لمعتقدات والدي الدينية.

ثم بدأت أنصرف عن الدين شيئا فشيئا.. لأنشغل بالموسيقى والغناء، فقد كنت أرغب في أن أكون مغنيا مشهورا.

وقد أخذتني تلك الحياة البراقة بمباهجها ومفاتنها فأصبحت هي إلهي، وأصبح الثراء المطلق هو هدفي تأسياً بأحد أخوالي الذي كان واسع الثراء، وبالطبع كان للمجتمع من حولي تأثير بالغ في ترسيخ هذه الفكرة داخلي حيث أن الدنيا كانت تعني لهم كل شيء وكانت هي إلههم.

ومن ثم اخترت طريقي وعزمت أن يكون المال هو هدفي الأوحد، وأن تكون هذه الحياة هي مبلغ المنى ونهاية المطاف بالنسبة لي، وكان قدوتي في هذه المرحلة كبار مطربي البوب العالميين، وانغمست في هذه الحياة الدنيوية بكل طاقتي، وقدمت الكثير من الأغاني ولكن داخلي وفي أعماق نفسي كان هناك نداء إنساني ورغبة في مساعدة الفقراء عند تحقيقي للثراء المنشود.

ولكن النفس البشرية ـ كما يخبرنا القرآن الكريم ـ لا تفي بكل ما تعد به، بل تزداد طمعاً كلما منحت المزيد، وقد حققت نجاحاً واسعاً، وأنا لم أتعد سنواتي التسعة عشرة بعد، واجتاحت صوري وأخباري وسائل الإعلام المختلفة، فجعلوا مني أسطورة أكبر من الزمن وأكبر من الحياة نفسها، وكانت وسيلتي لتعدي حدود الزمن والوصول إلى القدرات الفائقة هي الانغماس في عالم الخمور والمخدرات.

بعد مضي عام تقريباً من النجاح المادي والحياة الراقية وتحقيق الشهرة أصبت بالسل ودخلت المستشفى، وأثناء وجودي بالمستشفى أخذت أفكر في حالي وفي حياتي: هل أنا جسد فقط، وكل ما عليَ فعله هو أن أسعد هذا الجسد؟ ومن ثم فقد كانت هذه الأزمة نعمة من الله حتى أفكر في حالي، وكانت فرصة من الله حتى أفتح عيني على الحقيقة وأعود إلى صوابي.. لماذا أنا هنا راقداً في هذا الفراش؟

وأسئلة أخرى كثيرة بدأت أبحث لها عن إجابة، وكان اعتناق عقائد شرق أسيا سائداً في ذلك الوقت، فبدأت أقرأ في هذه المعتقدات، وبدأت لأول مرة أفكر في الموت وأدركت أن الأرواح ستنتقل لحياة أخرى، ولن تقتصر على هذه الحياة‍‍‍‍‍، وشعرت آنذاك أني على بداية طريق الهداية، فبدأت أكتسب عادات روحانية مثل التفكر والتأمل وأصبحت نباتياً كي تسمو نفسي وأساعدها على الصفاء الروحي، وأصبحت أؤمن بقوة السلام النفسي وأتأمل الزهور.. ولكن أهم ما توصلت إليه في هذه المرحلة هو إدراكي أني لست جسدا فقط.

وفي أحد الأيام بينما كنت ماشياً إذا بالمطر يهطل، وأجدني أجري لأحتمي من المطر، فتذكرت مقولة كنت قد سمعتها قبل ذلك، وهي أن الجسد مثل الحمار الذي يجب تدريبه حتى يأخذ صاحبه أينما يريد، وإلا فإن الحمار سيأخذ صاحبه إلى المكان الذي يريده هو.

إذاً فأنا إنسان ذو إرادة، ولست مجرد جسد كما بدأت أفهم من خلال قراءتي للمعتقدات الشرقية، ولكني سئمت المسيحية بالكلية، وبعد شفائي عدت لعالم الغناء والموسيقى ثانية، ولكن موسيقاي بدأت تعكس أفكاري الجديدة، وأتذكر إحدى أغنياتي التي قلت فيها:

ليتني أعلم

ليتني أعلم من خلق الجنة والنار

ترى هل سأعرف هذه الحقيقة وأنا في فراشي

أم في حجرة متربة

بينما يكون الآخرين في حجرات الفنادق الفاخرة.

وعندها عرفت أني على الطريق السليم.

وفي ذلك الوقت كتبت أيضاً أغنية أخرى (الطريق إلى معرفة الله)

وقد ازدادت شهرتي في عالم الموسيقى، وعانيت من أوقات عصيبة لأن شهرتي وغناي كانتا تزدادان بينما كنت من داخلي أبحث عن الحقيقة.

وفي تلك المرحلة أصبحت مقتنعاً أن البوذية قد تكون عقيدة نبيلة وراقية ولكني لم أكن مستعداً لترك العالم والتفرغ للعبادة، فقد كنت ملتصقاً بالدنيا ومتعلقاً بها، ولم أكن مستعداً لأن أكون راهباً في محراب البوذية وأعزل نفسي عن العالم.

وبعدها حاولت أن أجد ضالتي التي أبحث عنها في علم الأبراج أو الأرقام ومعتقدات أخرى لكني لم أكن مقتنعاً بأي منها.

ولم أكن أعرف أي شيء عن الإسلام في ذلك الوقت وتعرفت عليه بطريقة أعتبرها من المعجزات، فقد سافر أخي إلى القدس وعاد مبهوراً بالمسجد الأقصى وبالحركة والحيوية التي تعج بين جنباته على خلاف الكنائس والمعابد اليهودية التي دائماً ما تكون خاوية.

وقد أحضر لي أخي من القدس نسخة مترجمة من القرآن، وعلى الرغم من عدم إعتناقه الإسلام إلا أنه أحس بشيئ غريب تجاه هذا الكتاب وتوقع أن يعجبني وأن أجد فيه ضالتي.

وعندما قرأت الكتاب وجدت فيه الهداية، فقد أخبرني عن حقيقة وجودي والهدف من الحياة وحقيقة خلقي ومن أين أتيت، وعندها أيقنت أن هذا هو الدين الحق، وأن حقيقة هذا الدين تختلف عن فكرة الغرب عنه وأنها ديانة عملية وليست معتقدات تستعملها عندما يكبر سنك وتقل رغبتك في الحياة مثل المعتقدات الأخرى.

ويصم المجتمع الغربي كل من يرغب في تطبيق الدين على حياته والإلتزام به بالتطرف، ولكني لم أكن متطرفاً فقد كنت حائراً في العلاقة بين الروح والجسد فعرفت أنهما لا ينفصلان وأنه بالإمكان أن تكون متديناً دون أن تهجر الحياة وتسكن الجبال، وعرفت أيضاً أن علينا أن نخضع لإرادة الله وأن ذلك هو سبيلنا الوحيد للسمو والرقي الذي قد يرفعنا إلى مرتبة الملائكة، وعندها قويت رغبتي في اعتناق الإسلام.

وبدأت أدرك أن كل شئ من خلق الله ومن صنعه وأنه لاتأخذه سنة ولا نوم، وعندها بدأت أتنازل عن تكبري لأني عرفت خالقي وعرفت أيضاً السبب الحقيقي وراء وجودي وهو الخضوع التام لتعاليم الله والانقياد له وهو ما يعرف بالإسلام.

وعندها اكتشفت أني مسلم في أعماقي، وعند قراءتي للقرآن علمت أن الله قد أرسل بكافة الرسل برسالة واحدة، إذاً فلماذا يختلف المسيحيين واليهود؟ نعم، لم يتقبل اليهود المسيح لأنهم غيروا كلامه، وحتى المسيحيون أنفسهم لم يفهموا رسالة المسيح وقالوا أنه ابن الله، كل ما قرأته في القرآن من الأسباب والمبررات بدا معقولاً ومنطقياً.

وهنا يكمن جمال القرآن فهو يدعوك أن تتأمل وأن تتفكر وأن لا تعبد الشمس أو القمر، بل تعبد الخالق الذي خلق كل شيء، فالقرآن أمر الإنسان أن يتأمل في الشمس والقمر وفي كافة مخلوقات الله. فهل لاحظت إلى أي مدى تختلف الشمس عن القمر؟ فبالرغم من إختلاف بعدهما عن الأرض إلا أن كل منهما يبدو وكأنه على نفس البعد من الأرض! وفي بعض الأحيان يبدو وكأن أحدهما يغطي الأخر! سبحان الله.

وعندما صعد رواد الفضاء إلى الفضاء الخارجي ولاحظوا صغر حجم الأرض مقارنة بالفضاء الخارجي أصبحوا مؤمنين بالله لأنهم شاهدوا آيات قدرته.

وكلما قرأت المزيد من القرآن عرفت الكثير عن الصلاة والزكاة وحسن المعاملة.. ولم أكن قد اعتنقت الإسلام بعد، ولكني أدركت أن القرآن هو ضالتي المنشودة، وأن الله قد أرسله إلىّ، ولكني أبقيت ما بداخلي سرا لم أبح به إلى أحد.

وبما أن فهمي يزداد لمعانيه عندما قرأت أنه لا يحل للمؤمنين أن يتخذوا أولياء من الكفار تمنيت أن ألقى إخواني في الإيمان.

وفي ذلك الوقت فكرت في الذهاب إلى القدس مثلما فعل أخي، وهناك بينما أنا جالس في المسجد سألني رجل: ماذا تريد؟ فأخبرته بأني مسلم، وبعدها سألني عن اسمي فقلت له: (ستيفنس)، فتحير الرجل، وانضممت إلى صفوف المصلين، وحاولت أن أقوم بالحركات قدر المستطاع.

بعد عودتي إلى لندن قابلت أختا مسلمة اسمها نفيسة، وأخبرتها برغبتي في إعتناق الإسلام، فدلتني على مسجد نيو ريجنت، وكان ذلك في عام 1977 بعد عام ونصف تقريباً من قراءتي للقرآن، وكنت قد أيقنت عند ذلك الوقت أنه عليّ أن أتخلص من كبريائي وأتخلص من الشيطان وأتجه إلى اتجاه واحد.

وفي يوم الجمعة بعد الصلاة اقتربت من الإمام وأعلنت الشهادة بين يديه.

سكت قليلا، ثم قال: رغم تحقيقي للثراء والشهرة إلا أني لم أصل إلى الهداية إلا عن طريق القرآن، والآن أصبح بإمكاني تحقيق الاتصال المباشر مع الله بخلاف الحال في المسيحية والديانات الأخرى.

لقد أخبرتني سيدة هندوسية ذات مرة قائلة: (أنت لا تفهم الهندوسية، فنحن نؤمن بإله واحد، ولكننا نستخدم هذه التماثيل للتركيز).. ومعنى كلامها أنه يجب أن تكون هناك وسائط لتصلك بالله، ولكن الإسلام أزال كل هذه الحواجز، والشيء الوحيد الذي يفصل بين المؤمنين وغيرهم هو الصلاة، فهي السبيل إلى الطهارة الروحية.

وأخيراً أود أن أقول: إن كل أعمالي أبتغي بها وجه الله، وأدعو الله أن يكون في قصتي عبرة لمن يقرؤها.. وأود أن أقرر أني لم أقابل أي مسلم قبل اقتناعي بالإسلام، ولم أتأثر بأي شخص، فقد قرأت القرآن ولاحظت أنه لا يوجد إنسان كامل، ولكن الإسلام كامل، وإذا قمنا بتطبيق القرآن وتعاليم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فسوف ننجح في هذه الحياة.

ويل سميث:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (ويل سميث)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا ممثل أمريكي وفقه الله، فأسلم بعد ما أثار فضوله للبحث في الإسلام تمثيله لفيلم (علي)، الذي يحكي قصة حياة لاعب الملاكمة الأمريكي المسلم (محمد علي كلاي)، فعندما قرأ قصة حياة محمد علي، بدأ يتساءل حول ماهية هذه الديانة العظيمة، وبدأ يبحث في أسرارها وكيف تزداد قوة يوما بعد يوم وكيف يزداد كذلك عدد معتنقيها يوما بعد يوم، وخاصة في الولايات المتحدة أكثر منها في أي بلد آخر.

واكتشف ويل سميث، بعد قراءة الكثير عن الإسلام، الحقيقة، التي تؤكد أن الإسلام هو الطريق الذي يجب اتباعه في هذه الحياة، وكان قد اتصل ببعض الإتحادات والمراكز الإسلامية بالولايات المتحدة، وقرر اعتناق الإسلام.

وقد ذكر هذا الممثل العالمي أنه سوف يواصل الدراسة والبحث حول الإسلام لكي يستطيع أن يطبقه كما ينبغي أن يطبق.

وقد ذكر السيد سفيان زاكوت.. وهو مدير رابطة مسلمي أمريكا الشمالية.. أن محمد علي هو مثل جيد للمسلمين، وكذلك هو متحدث جيد عن الإسلام في الولايات المتحدة في كافة المجالات، وإذا استطاع ويل سميث أن يقوم بنفس الدور فسوف يكون ذلك مفيد جدًا للمسلمين في أمريكا.

وكان ويل سميث قد ظهر في برنامج في التليفزيون الأمريكي لجمع التبرعات لحادث سبتمبر إلى جوار محمد علي، وقد دافعا عن الإسلام، وقالوا عنه: إنه دين السلام والمحبة.

جينو لو كابوتو:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (جينو لو كابوتو)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا فنان إيطالي، وقد كان يرأس مهرجان البحر الأبيض المتوسط في مدينة بيشيله الإيطالية منذ عام 1996 وله اهتمامات عدة في المسرح والسينما والشعر وكذلك في ثقافة الأطفال وفنونهم بالإضافة الي كونه رائد المهرجان الدولي شعر ـ موسيقي ـ مسرح الذي يقام في مدينة كونفر سانو بجنوب إيطاليا.

وقد قدر الله أن ألتقي به بعد إعلان إسلامه في عمان، وقد سألته عن سر اعتناقه للإسلام، فأجاب: منذ أكثر من عشرين سنة، وأنا أطوف في بلدان عربية وإسلامية وأعيد مخزوني الثقافي متوغلاً في تفاصيل الإسلام حيث تعلمت أركانه والآذان والصلاة فضلاً عن اقترابه الشديد من الدين المسيحي وعرفت أن الإسلام هو إلى الأبد، مدعوماً بنصائح ودروس كنت أتلقاها من صديقي الدكتور سلطان العويضة الملحق الثقافي السعودي إذ تفرغ لي كثيراً وأعطاني الكثير من المعلومات والقصص وسير المسلمين وأهمية القرآن الكريم وأحاديث خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم لدرجة أني شعرت بانتصار روحي فور دخولي الدين الإسلامي، هذا وقررت تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم والمواظبة علي حفظ حدود الله بالإضافة الي دراسة تاريخ الصحابة من المسلمين الأوائل.

وأضاف: لقد وجدت أن كل الحضارات الإنسانية تستلهم قيمها من الدين الإسلامي نفسه، وأن ابن خلدون وابن رشد هما عربيان وللأسف ان الغرب ينظر الي الإسلام نظرة خاطئة.

وقال: أرى أن الإسلام يحمل المعاني السامية والنبيلة ويهذب الذات ويعطي للإنسان أملاً وحياة تنبض بالخير والعطاء والإيمان والسلام، وأدركت أن الإنسان لا يمكن أن يعيش لوحده من دون الله.

جيرمان جاكسون:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (جيرمان جاكسون)([25])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا مغن أمريكي.. وهو شقيق المغني المعروف (مايكل جاكسون)، وقد قدر الله أن ألتقي به لأسأله عن سر إسلامه، فكان من جوابه لي: عند زيارتي إلى عدد من دول منطقة الشرق الاوسط في عام 1989 بصحبة أختي الكبرى، حيث زرنا خلال هذه المرحلة البحرين ورحب بنا الكثيرون.

وكنت مرة أتبادل الحديث مع الاطفال في المنامة خلال تلك الرحلة، فمن جملة أسئلتهم البريئة سؤال كان عن ديني، فأجبتهم بأنني مسيحي، وسألتهم بدوري عن دينهم، فأجابوني بصوت واحد أن دينهم الإسلام، وكانوا فخورين جدا بالانتماء لهذا الدين، وانطلقوا في الحديث عنه، وسألتهم أكثر عنه، وصار كل واحد منهم يحدثني عن الإسلام بطريقة أدهشتني، فهؤلاء الاطفال الذين أحببتهم كانوا فخورين جدا بدينهم ويتحدثون عنه بسعادة غامرة.

بعد عودتي من البحرين والحديث مع أولئك الاطفال عن الإسلام تيقنت من أنني سأصبح مسلماً.. وتحدثت مع صديق لي اسمه علي قنبر عن هذا الشعور الذي بدأ ينتابني منذ فترة، وأفصحت له عن رغبتي في تعلم المزيد عن الإسلام، وسافرت معه الى المملكة العربية السعودية لأتعرف على الإسلام أكثر فأكثر، وهناك أعلنت اسلامي.

سكت قليلا، ثم قال: سافرت مع صديقي علي قنبر الى مدينة الرياض لمعرفة المزيد عن الإسلام، ومن هناك سافرت الى جدة واصطحبتني اسرة سعودية كريمة بعد اعتناقي للاسلام الى مكة المكرمة لاداء العمرة.

وقد وصف جاكسون أنه بعد إسلامه شعر بأنه ولد من جديد، يقول: كانت لدي العديد من الاسئلة الحائرة التي ابحث لها عن اجابات، خاصة الاسئلة المتعلقة بالمسيحية وعيسى عليه السلام، فوجدت إجابات جاهزة ومقنعة لكل هذه الاسئلة لحظة اعتناقي الإسلام.

وقد كنت في حيرة من امري كمسيحي نشأ في أسرة متدينة، اذ كان يحيرني دائما أن الانجيل مكتوب على ايدي اشخاص عاديين، وكان دائما يخطر ببالي أن هؤلاء بشر فكل واحد منهم سيراعي نفسه ومجموعته في ما يكتب، بينما القرآن كتاب الله حفظه الله على مر السنين والاجيال:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)

وفي السعودية وجدت اشرطة جميلة جدا للمغني البريطاني السابق والداعية الإسلامي يوسف اسلام، وفيها مناظرة حول الإسلام والمسيحية ومنها تعلمت الشيء الكثير.

وقد حدثني في لقائي معه عن الحملة الإعلامية الجائرة التي يعترض لها الإسلام، وقد ذكر لي عجبه من أن الناس العاديين في اميركا يصدقون هذه الحملة الاعلامية الجائرة لجهلهم بحقيقة الإسلام وسماحة هذا الدين.

قال جاكسون: ان الحملة الاعلامية الجائرة في اميركا ضد الإسلام والمسلمين لم تقتصر على اجهزة الاعلام المختلفة، بل ان هوليوود عاصمة صناعة السينما الاميركية تحاول فيما تنتجه من أفلام أن تصور للناس ان المسلمين ارهابيون وقتلة واشرار. ولقد عرفت من خلال تجربتي قبل اعتناقي الإسلام وبعده ان الناس عليهم الا يصدقوا ما تنتجه هوليوود من افلام تسيء الى الإسلام والمسلمين. وان هذا التشويه يؤلم كل مسلم ويجعله يتمنى لو انه يستطيع تغيير هذه الصورة بصورة الإسلام الحقيقية اسلام الحضارة والنور، اسلام التسامح والاخاء.

وقد ذكر لي تأثير الإسلام فيه، فقال: لقد قدم لي الإسلام حلا لكل مشكلاتي، فأصبحت إنسانا بلا أي مشاكل، وكنت من داخلي أتغير بشكل رائع، حيث امتنعت عن شرب الخمر تماما وغيرها من الاشياء المحرمة امتثالا لأوامر ديني الجديد.

براين هوايت:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (براين هوايت)([26])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا اسم موسيقي بريطاني هداه الله للإسلام، وقد اختار أن يسمى بعد إسلامه (إبراهيم هويت)

وقد تشرفت بالالتقاء به والحديث معه عن سر إسلامه، ولست أدري لم اختار أن يبدأ حديثه بقوله: من المحتمل أن أكون عنصريا متطرفا في عنصريتي قبل اعتناقي للدين الإسلامي، الدين الذي علمني معنى التسامح والتراحم بين الناس ونزع عني شرور التطرف والكراهية والقسوة.

ثم أضاف: اعتقد أنه من فرط عنصريتي وتطرفي أنني لم اتحدث مع شخص غير أبيض لمدة 21 عاما من حياتي، فكنت شخصا معتدا بنفسه وبلون بشرته أكثر من اللازم، وأعيش حياة نظيفة وراقية، وأجتهد في عملي كسائر أبناء الشمال البريطاني. وكنت أحسب أن العالم ينتهي عند مدينة ميدلسبره البريطانية، حيث تنشئتي وتربيتي هناك.

ثم حدثني عن كون هذا هو سر إسلامه فيما بعد.

قلت: كيف ذلك؟

قال: لقد ذكر لي أنه ذهب إلى أحد المساجد في مدينة جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، وشاهد مصلين من مختلف الاجناس والألوان يصلون مع بعضهم بعضا، فاندهش لذلك اندهاشا كان مقدمة لإسلامه، قال لي: عندما رأيت ذلك المشهد الرهيب قلت لنفسي: ما هي حقيقة الإسلام؟ هذا الدين الذي يستطيع أن يجمع الناس في جنوب افريقيا من كل الاماكن ومن مختلف الاجناس والألوان؟ وعندما عدت الى بريطانيا حرصت على البدء في القراءة عن الدين الإسلامي.

ثم قررت اشهار اسلامي بعد دراسة عميقة للدين الإسلامي، وشعرت بارتياح وسعادة بالغتين، لان الله سبحانه وتعالى هداني الى هذا القرار الخاص باعتناقي للاسلام. وسارعت الى تعليق آلاتي الموسيقية وهجرت شرب الخمر والذهاب الى الحانات والليالي الصاخبة.

كريستيان باكر:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (كريستيان باكر)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا اسم مغنية من قناة إم تي في  (MTV) الأوروبية، وقد ولدت في عائلة بروستانتية وعاشت في هامبورج، بألمانيا، وقد حدثتني عن نفسها قبل إسلامها، والألم يعتصرها، فقالت: عندما كنت في سن الواحدة والعشرين اشتركت في راديو هامبورج كمذيعة في الراديو.. وعشت في نوتينج هيل، وكنت البنت الجديدة في المدينة، لقد دعيت إلى كل مكان، وصورني المصورون وتابعتني الصحافة.. التقيت بالكثير من المشاهير، واستمتعت بوقتي.. لقد أنفقت معظم مالي في الملابس، وسافرت إلى كل أوروبا، وإلى أفضل الأماكن.

لقد كنت الفتاة الأولى في قناة إم تي في، وظهرت في شاشة التلفاز طوال الوقت، وعرفني الناس في أوروبا كلها، وفي وقت من الأوقات وقفت على المنصة أمام سبعين ألف شخص.. لسبع سنوات قدمت برامج كثيرة، وقابلت الكثيرين من نجوم الغناء.

قلت: فكيف تحولت عن هذه الحياة إلى حياة الإيمان؟

قالت: لقد كنت ـ في كل ذلك الضجيج ـ منجذبة نحو الحياة الروحية، ولكن لم أفعل أي خطوات عملية نحو تلك الحياة إلى أن التقيت في عام 1992م بعمران خان، وهو من فريق لعبة الكريكت الباكستاني، وكانت تلك أول مرة ألتقي فيها بمسلم.

وقد كان عمران في ذلك الوقت يبحث عن حقيقة الإيمان، وقد دارت بيننا الكثير من النقاشات عن الإسلام، وقد أعطاني بعض الكتب عن الإسلام، وبدأت أقرأ عن دين الله.

وفي ذلك الحين بدأت في تحدي انحيازاتي، وبدأت أنظر بين السطور، وقرأت القرآن وبدأ كل شئ يكون له معنى.

قلت: إن قومنا يشوهون موقف الإسلام من المرأة، ألم يؤثر ذلك فيك؟

قالت: كامرأة غربية عصرية وذات درجة علمية، احتجت لأن أنظر إلى رؤية الإسلام للمرأة، لا يمكن أن أقبل بأن أظلم، فاكتشفت أن رسالة الإسلام مؤيدة للمرأة ومؤيدة للرجل، في الإسلام كان للمرأة حق التصويت في عام 600، الرجال يلبسون ملابس محتشمة، والنساء يلبسون ملابس محتشمة، لا أحد من الجنسين يطلق العنان لنظره…بل كلا الجنسين يغض بصره، لا أظن أنها ظاهرة صحية بأن يطلق الناس العنان لشهواتهم الجنسية..إن ذلك يثير الشهوة الخاطئة مرة أخرى.

قلت: فبم اشتغلت بعد إسلامك؟

قالت: لقد فتح الإسلام لي نوافذ كثيرة كانت مغلقة في وجهي.. أنا الآن أصلي الصلوات الخمس، وأصوم شهر رمضان.. وكنت أشرب الخمر في باريس..ولكن الآن لا ألمسها.. وفي عام 2001 ذهبت إلى مكة.. وكانت تجربة رائعة.. لقد عدت بالسعادة والطمأنينة.. وعندما عدت بدأت بالدراسة الجامعية في جامعة ويست مينيستر، حيث درست الطب الطبيعي، والأعشاب، والطب الصيني.. لقد فتحت أمامي أبواب أخرى لعالم عجيب، النظرة الأخرى للإنسان والطبيعة، والصحة والمرض.

هذا ما حدثتني به، وقد كان آخر ما ذكرته لي قولها، والبشر يعلو وجهها: الإسلام هو أكبر هدية حصلت عليها.


([1])  ايتين دينيه ( 1861 – 1929 ) Et. Dinet تعلم في فرنسا، وقصد الجزائر، فكان يقضي في بلدة بوسعادة نصف السنة من كل عام، وأشهر إسلامه وتسمى بناصر الدين (1927)، وحج إلى بيت الله الحرام (1928).

([2])  محمد رسول الله، ناصر الدين دينيه، ص (345)

([3])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 35.

([4])  محمد رسول الله، ص 106.

([5])  محمد رسول الله، ص 118.

([6])  محمد رسول الله، ص 119.

([7])  محمد رسول الله، ص 121.

([8])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 15.

([9])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 16.

([10])  محمد رسول الله، ص 51.

([11])  محمد رسول الله، ص 312.

([12])  محمد رسول الله، ص 323.

([13])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 15.

([14])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 15.

([15])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 18.

([16])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 38.

([17])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 315.

([18])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 18.

([19])  أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 39.

([20])  محمد رسول الله، ص 315.

([21])  محمد رسول الله، ص 332.

([22])  محمد رسول الله، ص 333.

([23])  محمد رسول الله، ص 333.

([24])  ولد يوسف إسلام تحت اسم ستيفن ديمتري جورجيو في شهر يوليو/ تموز 1947 لأم سويدية وأب من القبارصة اليونانيين. وتربى ستيفن في حي ويست إند بلندن في شقة تقع فوق المطعم المملوك لوالديه.

ونظراً لأن والده كان من القبارصة اليونانيين، فإنه كان يعتنق مذهب الأورثوذكس اليونان لكنه تلقى تعليمه في مدرسة كاثوليكية. وحصل ستيفنز على 8 ألبومات ذهبية متتالية، وحازت أغانيه على شهرة واسعة في بريطانيا والولايات المتحدة.

([25])  انظر قصة إسلامه في حوار أجرته معه مجلة (المجلة) في العدد 966.

([26])  انظر: المسلمون الجدد -إعداد: إمام محمد إمام.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *