رابعا ـ الحزم

رابعا ـ الحزم

في اليوم الرابع، صاح السجان بصوته المزعج قائلا: في هذا المساء.. سيساق إلى الموت (ميثم التمار)([1]).. وقد رأت إدارة السجن أن تسمح لجميع السجناء بتوديعه والجلوس إليه بشرط ألا يخترقوا قوانين السجن.. ومن يخترقها فسيتحمل مسؤولية خرقه.

ما هي إلا لحظات حتى اجتمع جميع السجناء حول رجل كان ممتلئا قوة وعزيمة وحماسة، وكأنه لم يكن ينتظر في ذلك اليوم تلك المشنقة التي شنق فيها إخوانه.

ما إن اجتمعت الجموع حوله حتى قال بنبرة ممتلئة بالقوة والحنان: لقد حدثكم أخي زيد عن الرفق الذي جاءت به الشريعة.. وأنا سأحدثكم عن الحزم الذي جاءت به.. فلا يمكن أن تستقيم موازين العدالة من غير أن يجتمع هذان الركنان: الحزم والرفق..

ومع أن الحزم قد يوحي بالقوة والشدة.. إلا أنكم ستكتشفون من خلال ما سأذكره لكم أن الحزم الذي جاءت به شريعة الإسلام هو الحزم الوحيد الذي يقتصر على وضع الشدة في موضعها دون أن يتجاوز به موضعها.

الحزم في الإسلام كالعملية الجراحية المحدودة التي لا يقصد منها إلا استئصال الشر..

لن أطيل عليكم.. فهذه المقصلة تنتظرني..

ولهذا، فإني أبادر، فأقول بأن ما جاء به الإسلام في مجال الحزم يتوزع على ثلاثة أنواع كبرى: الحدود، والجنايات، والتعزيرات.

ولكل واحد من هذه الأنواع أحكامه الخاصة به.. والتي يسرني أن أعرفكم بها، وأن أجيبكم على الشبهات التي تثار حولها([2]).

الحدود

قلنا: فحدثنا عن النوع الأول.. حدثنا عن الحدود.

قال: الحدود في الشريعة هي العقوبات المقررة على ست جرائم، هي: الزنا.. والقذف.. والشرب.. والسرقة.. والحرابة.. والبغي.

الزنا:

قلنا: فلنبدأ بأول المعاقبين.. بالواقعين في الزنا.. لم نظرت إليهم الشريعة باعتبارهم مجرمين.. فراحت تنفذ فيهم أقسى العقوبات؟

قال: لعلكم قد سمعتم من إخواني الذين سبقوني بأن الإسلام دين الفطرة؟

قلنا: أجل.. وما علاقة ذلك بالعقوبة التي قررها الإسلام للزناة؟

قال: ألا ترون أن الفطرة التي فطر عليها جسد الإنسان تأبى إلا أن تعاقبه بأشد العقوبات بسبب وقوعه في هذا الانحراف؟

قال رجل منا: أجل.. بل لم تعاقب الفطرة أحدا كما عاقبت الزناة.. إنهم في كل حين يصيبهم من الأدواء ما لا يصيب غيرهم من الناس..

لقد قرأت في بعض الجرائد([3]) أن هناك 34 مليون مصاب بالأيدز في العالم.. وأن 19 مليون شخص توفوا بسبب المرض منذ اكتشافه قبل 20 عاما.. وأن 24.5 مليون مصاب جنوب الصحراء الأفريقية.. ومليوني شخص ماتوا العام الماضي من 2.8 مليون بسبب المرض..

وقرأت أن هناك 3 بليون دولار قيمة الأدوية التي تحتاجها القارة الأفريقية وحدها سنويا لأجل أدوية السيدا.

وقرأت أن 50 % من المواطنين ممن هم في سن الخامسة عشر يهددهم الموت بسبب هذا المرض.

قال آخر: لقد اعتبرت المراجع الطبية الأمراض الجنسية أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم.. ولقد تم التغلب على كثير من الأمراض المعدية، ورغم ذلك ظهرت الأمراض الجنسية بصورة وبائية مفزعة وخطيرة.

ابتسم ميثم، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد أخبر البشرية عن كل ذلك، نصحها غاية النصح، ولكنها أبت إلا أن تسمع لدعاة الشياطين الذين راحوا ينحرفون بفطرتها..

لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم مخاطبا العالم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا : (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) ([4])

ثم وقف، وقال: هل رأيتم أحدا من الناس راح يلوم الفطرة التي عاقبت الزناة بهذه العقوبات وغيرها؟

قلنا: مجنون من يفعل ذلك.. البشر عادة لا يلومون إلا على شيء يكتسبونه.. أما ما يحصل لهم مما هو خارج إرادتهم فلا نرى أحدا يعاتب فيه أو يلوم.. بسبب بسيط، وهو أنه لا يجد من يكيل له هذا اللوم.

قال: فلماذا إذن يطرحون الشبهات على العقوبة التي وضعها الإسلام ليردع بها نوازع النفس الشريرة.

قلنا: لأن البشر ينظرون إلى تشريعات الإسلام باعتبارها تشريعات بشرية.. ولو نظروا إليها على أنها تشريعات قدرية ما وجهوا لها أدنى عتاب.

قال: أرأيتم لو أن أجيال البشرية الطويلة التي تلظت بنيرات تلك العقوبات القدرية سمعت بتلك الروادع التشريعية، وهابت منها، ولم تنظر إليها باحتقار، وراحت تنفذها في حياتها.. هل سيصيب البشرية ما أصابها؟

قال رجل منا: لقد قرأت بأن المنطقة الإسلامية هي أكثر المناطق معافاة في العالم من هذا النوع من الأمراض.

قال: أرأيتم لو أن رجلا أصيب بمرض من هذه الأمراض.. وعانى بسببه الأمرين.. عرض عليه أن يجلد ظهره بدل أن يصاب بما أصيب به.. هل سترونه سيقبل؟

قلنا: وكيف لا يقبل.. بل سيشتري تلك الجلدات بكل ما أوتي من مال؟

قال: فأنتم إذن تقرون العقوبة التي وضعها الشرع رادعا عن الزنا؟

قلنا: لم نسمع بها.. فكيف نقر شيئا لم نسمع به؟

قال: لقد نظر الإسلام إلى الزنا باعتباره جريمة من أفحش الجرائم وأبشعها.. نظر إليها على أنها عدوان على الخلق والشرف والكرامة.. وأنها مقوض لنظام الأسر والبيوت.. وأنها مروج للكثير من الشرور والمفاسد التي تقضي على مقومات الأفراد والجماعات.. وأنها بالتالي سبيل من السبل التي تنحرف بكيان الامة..

ولهذا كله، فإنه وضع لها من العقوبات ما يملأ النفس رهبة منها..

بدأ ذلك بالطبع بمخاطبة إيمان المؤمنين بالله واليوم الآخر.. فراح يبين لهم تعارض الوقوع في هذه الفاحشة مع إيمانهم بالله ومع سعادتهم التي يطلبونها في اليوم الآخر:

قال صلى الله عليه وآله وسلم يبين ذلك:( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)([5])

وقال:( ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له)([6]

وقال : ( إذا زنى الرجل أخرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)([7])

وقال : (من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه)([8])

وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال:( أن تجعل لله ندا وهو خلقك)، قلت: إن ذلك لعظيم، قيل: ثم أي؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قلت ثم أي؟ قال : أن تزاني حليلة جارك)، وتلا هذه الآية:{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)} (الفرقان) ([9])

وقال : (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان، وملك كذاب، وعائل – أي فقير – مستكبر)([10])

وقال : (لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني ولا إلى العجوز الزانية)([11])

وقال : (أربعة يبغضهم الله : البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر)([12])

وقال : (تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلم يدعو دعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية أو عشارا)([13])

وقال : (إن الزناة تشتعل وجوههم نارا)([14])

وقال : (الزنا يورث الفقر)([15])

وقال : ( إذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة)([16])

وقال : (ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله)([17])

وقال : (لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم الزنا فإذا فشا فيهم الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب)([18])

وقال : (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ـ فذكر الحديث إلى أن قال: ـ فانطلقنا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نار، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة.. )، وفي آخر الحديث : ( وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني) ([19])

وفي رواية : ( فانطلقنا إلى مثل التنور، قال فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا – أي صاحوا)

وقال : ( إن الناس يرسل عليهم يوم القيامة ريح منتنة، فيتأذى منها كل بر وفاجر حتى إذا بلغت منهم كل مبلغ ناداهم مناد يسمعهم الصوت ويقول لهم : هل تدرون هذه الريح التي قد آذتكم؟ فيقولون: لا ندري والله ألا إنها قد بلغت منا كل مبلغ، فيقال: ألا إنها ريح فروج الزناة الذين لقوا الله بزناهم ولم يتوبوا منه ثم ينصرف بهم)([20])

وقال : (المقيم على الزنا كعابد وثن)([21])

وقال : (  لما عرج بي مررت برجال تقرض جلودهم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يتزينون للزينة، قال: ثم مررت بجب منتن الريح فسمعت فيه أصواتا شديدة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: نساء كن يتزين للزينة ويفعلن ما لا يحل لهن)([22])

لم تكتف الشرعية بهذا الترهيب من الزنا.. بل ورد فيها ما يوفر للمجتمع الإسلامي كل أسباب الطهارة:

فقد ورد التأكيد على تحريم النظر إلى الأجنبيات، قال تعالى :{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } (النور:30)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه إيماناً يجد حلاوته فى قلبه)([23])

وأمر الله تعالى النساء ألا يظهرن الزينة إلا للأزواج أو الأقارب من الصلب الذين لا يُخشى منهم فتنة، قال الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } (الأحزاب:59)، وقال :{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)

ونهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الخلوة.. فقال: ( ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)([24])

وحرم أن يمس الرجل امرأة لا تحل له.. فقال: ( لأن تضرب بمخيط فى رأسك فتدمى به خير لك من أن تمس امرأة لا تحل لك)

بالإضافة إلى كل هذا دعت الشريعة إلى حظر إثارة الغريزة بأي وسيلة من الوسائل، حتى لا تنحرف عن المنهج المرسوم: فنهى عن الاختلاط، والرقص، والصور المثيرة، والغناء الفاحش، النظر المريب، وكل ما من شأنه أن يثير الغريزة أو يدعو إلى الفحش حتى لا تتسرب عوامل الضعف في البيت، والانحلال في الأسرة.

وحض صلى الله عليه وآله وسلم الشباب على إخراج هذه الشهوة فى منفذها الشرعى بالزواج.. فقال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)([25])، أى قاطع للشهوة.

ورخص للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنين أو ثلاثة أو أربع مادام يملك النفقة ويستطيع العدل.

وأمر أولياء الأمور أن لا يغالوا فى مهور بناتهم.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير)([26])

بعد ذلك كله.. اعتبر الزنا جريمة فانونية تستحق أقصى العقوبة، لأنه وخيم العاقبة، ومفض إلى الكثير من الشرور والجرائم.

ذلك أن الزنا يفسد نظام البيت، ويهز كيان الاسرة، ويقطع العلاقة الزوجية، ويعرض الأولاد لسوء التربية مما يتسبب عنه: التشرد، والانحراف والجريمة.

وبالزنا يضيع النسب، وتصير الأموال لغير أربابها المستحقين لها عند التوارث.

وبالزنا الذي قد ينتج عنه الحمل، يقوم الرجل بتربية غير ابنه.

وفوق ذلك كله، فإن الزنا علاقة مؤقتة، لاتبعة وراءها.. وهو بالتالي عملية حيوانية بحتة، ينأى عنها الانسان الشريف.

لأجل هذا كله جاءت العقوبات التي تردع النفوس التي لا تردع إلا بالألم..

ولم تأت هذه العقوبة هكذا مفتوحة يلبي فيها أصحاب النفوس العدوانية ما تطلبه نفوسهم من عدوان.. بل جاءت محاطة بكثير من القيود لتجعل منها رادعا وعلاجا، لا عقوبة وانتقاما:

فقد اشترطت الشريعة لثبوت هذه الجريمة شهادة أربعة شهود عدول.. وكأن الشريعة لا ترصد هذه العقوبة على هذه الفعلة بوصفها، ولكنها ترصدها على شيوعها على الملأ من الناس، بحيث لا يبغى بين الناس من لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.

ثم إن الشريعة بعد ذلك دعت إلى درء الحدود بالشبهات.. كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ادرءوا الحدود بالشبهات)([27])

ثم إن الشريعة فرضت عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف محصنة، ثم لم يأت بأربعة يشهدون بأنهم رأوا منها ومن المقذوف بها ما يكون بين الزوج وزوجته، قال الله تعالى :{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:4)

ثم بعد ذلك كله رغبت الشريعة فى التستر على عورات المسلمين، وإمساك الألسنة عن الجهر بالفواحش وإن كانت قد وقعت.. فقد قرر الله تعالى ذلك، فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } (النور:19)

بعد هذا كله.. وبكل هذه الضوابط.. شرع الإسلام اللجوء إلى الألم كوسيلة من وسائل العلاج.. باعتباره آخر العلاج.. فآخر العلاج الكي.

قلنا: فحدثنا عن هذا الألم الذي عاقب به الإسلام الزناة.

قال: لقد نص على هذه العقوبة قوله تعالى :{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } (النور: 2).. والآية تنص على أن عقوبة الزاني مائة جلدة.

قال رجل منا: ألا ترى أن هذه العقوبة شديدة، ولا تتناسب مع الرحمة التي تزعم أنها صفة الإسلام الأساسية، وأن ما فيه مما قد يبدو شديدا هو في حقيقته رحمة؟

قال: بل هذه العقوبة الرادعة هي الرحمة بعينها.. لقد عرف الشارع نوع النفس التي توقع صاحبها في مثل هذه الجرائم.. إنها نفس شهوانية لا هم لها إلا تتبع شهواتها وأهوائها ولو على حساب طهارة المجتمع..

فالشريعة حينما وضعت عقوبة الجلد للزنا لم تضعها اعتباطاً، وإنما وضعتها على أساس من طبيعة الإنسان وفهم لنفسيته وعقليته، والشريعة حينما قررت عقوبة الجلد للزنا دفعت العوامل النفسية التي تدعو للزنا بعوامل نفسية مضادة تصرف عن الزنا، فإذا تغلبت العوامل الداعية على العوامل الصارفة وارتكب الزاني جريمته مرة كان فيما يصيبه من ألم العقوبة وعذابها ما ينسيه اللذة ويحمله على عدم التفكير فيها.

قلنا: هل ترى أن مثل هذه العقوبة يمكن أن تطبق في عصرنا؟

قال: ما دمنا بشرا.. وما دامت النوازع البشرية المنحطة فينا.. فيمكن أن تطبق.. لن يحول بين الإنسان وتطبيقها إلا تلك الأهواء والشهوات التي تريد لأهوائه أن تتحرر من أي رادع.

قال رجل منا: صدقت في هذا.. وقد رأيت من خلال اطلاعي على قوانين العقوبات في بعض دول العالم في فترات قريبة.. أن عقوبة الجلد وإن كانت ألغيت من أكثر قوانينها الجنائية إلا أنها لا تزال عقوبة معترفاً بها في قوانين بعض الدول، ففي إنجلترا يعتبر الجلد إحدى العقوبات الأساسية في القانون الجنائي، وفي الولايات المتحدة يعاقب المسجونون بالجلد، وفي قانوني الجيش والبوليس في مصر وإنجلترا لا يزال الجلد عقوبة أساسية.. وهكذا الأمر في كثير من الدول.

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية رجعت معظم بلاد العالم إلى عقوبة الجلد وطبقتها على المدنيين في جرائم التموين والتسعير وغيرها.. بل رأيت من قوانين العالم ما يقرر عقوبة الجلد في القوانين العسكرية.

قال ميثم: ألا ترون أن في اضطرار أكثر بلاد العالم إلى تطبيق عقوبة الجلد على المدنيين أثناء الحرب لشهادة قيمة لهذه العقوبة، واعترافاً من القائمين على القوانين الوضعية بأن عقوبة الحبس تعجز عن حمل الناس على طاعة القانون.

ثم ألا ترون أن العالم حين يقرر عقوبة الجلد في القوانين العسكرية يعترف بأن هذه العقوبة ضرورية لحفظ النظام بين الجند وحملهم على طاعة القانون؟

ثم ألا ترون أن المدنيين في أنحاء العالم اليوم أشد حاجة من الجند إلى هذه العقوبة بعد أن أصبحوا لا يحرصون على النظام، ولا يعترفون بالطاعة للقوانين؟

ثم ألا ترون من العجب أن ترى القوانين ضرورة طاعة الجند للنظام، ثم لا يرونه للمدنيين، وكأن المدنيين ليسوا من الأمة، أو ليسوا هم الذين يمدون الجيش بالجنود؟

القذف:

قلنا: فحدثنا عن العقوبات التي شرعت لردع القاذفين.

قال: لقد اعتبرت الشريعة القذف من الكبائر العظيمة، ولذلك عالجته من نواح مختلفة..

لقد عرفت أنه ناتج عن أمراض النفوس من الغل والحسد والحقد.. وغيرها، فلذلك وضعت البرامج الطويلة التي تخلص النفوس من هذه الأمراض.

وعرفت أنه ناتج عن الغفلة والفراغ.. فلذلك راحت تملأ وقت المسلم بكل ما ينفعه في دينه ودنياه، معتبرة ما عداه من اللغو الذي يتنزه عنه المؤمنون.

وعرفت أنه ناتج عن المجالس اللاهية.. فأبدلتها بمجالس العلم والذكر.

وبعد ذلك كله نشرت وعيا في المجتمع بأن حرمة عرض المسلم تعدل حرمة دمه.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)([28]).. وجاء في خطبة الوداع : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)([29])

بعد ذلك اعتبرت الكلام في الأعراض كبيرة من الكبائر.. ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الكبائر أولهن الإشراك بالله وقتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وفرار يوم الزحف، ورمي المحصنات، والانتقال إلى الأعراب بعد هجرته)([30])

وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والديات، وكان في الكتاب: (وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم)([31])

وأخبرت بالعقاب الشديد الذي ينال من يقع في أعراض المسلمين في الدنيا أو في الآخرة.. ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال)([32])

وقال: (أيما عبد أو امرأة قال أو قالت لوليدتها يا زانية ولم تطلع منها على زنا جلدتها وليدتها يوم القيامة)([33])

وقال : ( سباب المسلم فسق وقتاله كفر)([34])

وقال: ( المتسابان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يتعدى المظلوم)([35])

وقال: (سباب المسلم كالمشرف على الهلكة)([36])

وقال: ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)، قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)([37])

وقال: ( من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله)([38])

وقال له رجل: يا رسول الله الرجل يشتمني وهو دوني أعلي منه بأس أن أنتصر منه؟ قال: (المتسابان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان)([39])

وعن جابر بن سليم قال : رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت : من هذا؟ قالوا لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت : عليك السلام يا رسول الله، قال لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الموتى أو الميت، قل السلام عليك، قال : قلت أنت رسول الله؟ قال : أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإذا أصابك عام سنة – أي قحط – فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء وفلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك، قال : قلت اعهد إلي، قال : لا تسبن أحدا، فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال : ولا تحقرن شيئا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة – أي الكبر واحتقار الغير – وإن الله لا يحب المخيلة([40])، وإن امرؤ شتمك أو عيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه)([41])

وفي رواية : ( وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك فلا تعيره بشيء تعلمه فيه ودعه يكون وباله عليه وأجره لك، فلا تسبن شيئا) قال : ( فما سببت بعده دابة ولا إنسانا)([42])

بعد هذا كله وغيره شرعت عقوبتين لحماية الأعراض من أن تصبح لعبة بيد العابثين: أما أولاهما، فعقوبة حسية تتمثل في الجلد.. وأما الثانية، فعقوبة معنوية تتمثل في رفع أهليته للشهادة.

وقد نص على هاتين العقوبتين في قوله تعالى :{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور: 4)

قلنا: فحدثنا عن سر العقوبتين اللتين عاقبت بهما الشريعة القاذفين.. لم عوقب القاذف بالجلد؟.. ولم عوقب بمنعه من حق الشهادة؟.. ولم لم يكتف بتأديبه بالسجن؟

قال: لقد لاحظت الشريعة العادلة الحكيمة أن من أهم البواعث التي تدعو القاذف للافتراء والاختلاق: الحسد والمنافسة والانتقام.. ولاحظت أنها جميعاً تؤول إلى غرض واحد يرمي إليه كل قاذف، وهو إيلام المقذوف وتحقيره.

ولهذا عالجت الشريعة القاذف بمحاربة دوافع الجريمة لديه..

وبما أن القاذف يرمي إلى إيلام المقذوف إيلاماً نفسياً، ليتمتع هو بذلك الألم..  فكان جزاؤه الجلد ليؤلمه إيلاماً بدنياً.. لأن الإيلام البدني هو الذي يقابل الإيلام النفسي؛ لأنه أشد منه وقعاً على النفس والحس معاً، إذ أن الإيلام النفسي هو بعض ما ينطوي عليه الإيلام البدني.

وبما أن القاذف يرمي من وراء قذفه إلى تحقير المقذوف، وهذا التحقير فردي؛ لأن مصدره فرد واحد هو القاذف، فكان جزاؤه أن يحقر من الجماعة كلها، وأن يكون هذا التحقير العام بعض العقوبة التي تصيبه، فتسقط عدالته ولا تقبل له شهادة أبداً، ويوصم وصمة أبدية بأنه من الفاسقين.

وهكذا حاربت الشريعة الإسلامية الدوافع النفسية الداعية إلى الجريمة بالعوامل النفسية المضادة التي تستطيع وحدها التغلب على الدوافع الداعية للجريمة وصرف الإنسان عن الجريمة، فإذا فكر شخص أن يقذف آخر ليؤلم نفسه ويحقر شخصه ذكر العقوبة التي تؤلم النفس والبدن، وذكر التحقير الذي تفرضه عليه الجماعة، فصرفه ذلك عن الجريمة.

وإن تغلبت العوامل الداعية إلى الجريمة مرة على العوامل الصارفة عنها فارتكب الجريمة، كان فيما يصيب بدنه ونفسه من ألم العقوبة، وفيما يلحق شخصه من تحقير الجماعة ما يصرفه نهائياً عن العودة لارتكاب الجريمة، بل ما يصرفه نهائياً عن التفكير فيها.

سكت قليلا، ثم قال: أما ما ذكرتم من السجن وغيره.. وهو ما مارسته القوانين الحديثة، فهي تعاقب على القذف بالحبس أو بالغرامة أو بهما معاً.. فهي عقوبات غير رادعة، ولذلك ازدادت جرائم القذف والسب زيادة عظيمة، وأصبح الناس وعلى الأخص رجال الأحزاب يتبادلون القذف والسب كما لو كانوا يتقارضون المدح والثناء، كل يحاول تحقير الآخر وتشويهه بالحق أو بالباطل، وكل يريد أن يهدم أخاه ليخلوا له الجو ينطلق فيه، وسيظلون كذلك حتى يمزقوا أعراضهم ويقطعوا أرحامهم ويهدموا أنفسهم بأيديهم، ولكنهم سيتركون أسوأ مثل يحتذى لمن بعدهم.

ولو أن أحكام الشريعة الإسلامية طبقت على هؤلاء بدلاً من القانون لما جرؤ أحدهم على أن يكذب على أخيه كذبة واحدة؛ لأنها تؤدي به إلى الجلد، وتنتهي بإبعاده عن الحياة العامة، فلا قيادة ولا رئاسة ولا أمر ولا نهي، ذلك أن من كذب سقطت شهادته، ومن سقطت شهادته سقطت عدالته، ومن سقطت عدالته سقطت عنه قيادته ورئاسته، ولأن الأمر والنهي من حق المتيقن، ولا يكون أبداً للفاسقين.

قال رجل منا: ألا ترى أن فكرة الجلد نفسها فكرة قديمة.. فالبشر تطوروا كثيرا؟

ابتسم ميثم، وقال: نعم الحياة تطورت.. ولكن طبيعة الناس لم تتطور.. إن طبيعة الإنسان واحدة في جميع العصور.. لا تتغير ولا تتبدل، ولو تغيرت مظاهره الحياة وتبدلت وسائلها.. هي طبيعتهم إذا تقدموا وطبيعتهم إذا تأخروا.. هم في جميع عصورهم يرجون الثواب ويحرصون على الوصول إليه.. وهم في جميع عصورهم يخشون العقاب ولا يرضونه لأنفسهم.

ولهذا، فإن الحكيم هو الذي يستغل طبيعة البشر في سياستهم وتوجههم.. وقد فعلت الشريعة الحكيمة ذلك، فاستغلت طبيعة البشر، فأقامت أحكامها على أساس ما في خلائقهم الأصلية من رجاء وخوف، ومن قوة وضعف، فجاءت أحكاماً صالحة لكل مكان وزمان؛ لأن طبائع البشر واحدة في كل مكان؛ ولأنها لا تتغير بتغير الأزمان. وذلك هو السر في صلاحية الشريعة للقديم والحديث، وهو السر في صلاحيتها للمستقبل القريب والبعيد.

السكر:

قلنا: فحدثنا عن العقوبات التي شرعت لردع السكارى.

قال: لقد اعتبرت الشريعة السكر من الكبائر العظيمة، ولذلك عالجته من نواح مختلفة..

لقد بينت ـ أولا ـ أن الخمر، وإن كان فيها بعض المنافع الظاهرة.. هي في حقيقتها تحتوي على مضار كثيرة.. مضار لا تقارن بمنافعها.. قال تعالى :{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) (البقرة: 219).. أي أن في تعاطيهما ذنبا كبيرا، لما فيهما من الأضرار والمفاسد المادية والدينية، وأن فيهما كذلك بعض منافع للناس.. وهي منافع مادية لا تتجاوز الربح بالاتجار فيها، وكسب المال دون عناء في الميسر.. ومع ذلك فإن الاثم أرجح من المنافع فيهما.

بعد ذلك نهى الله عزوجل المؤمنين أن يصلوا لله وهم في حالة سكر.. لأنه لا تستقيم الصلاة إلا في حالة حضور عقلي كامل.. قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ  O (النساء: 43).. وبما أن الصلاة تستغرق جميع أوقات يوم المسلم.. فإن ذلك سيضعه في حرج كبير..

بعد ذلك.. وبعد أن حضرت النفوس لتجنب هذه الآفة الخطيرة جاء التحريم المطلق.. التحريم الذي عبر عنه بالاجتناب، وهو أبلغ صيغ التحريم.. قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) (المائدة)

انظروا كيف وصف الله تعالى الخمر، ومن معها من الآثام ـ من الميسر والأنصاب والأزلام ـ بكونها رجسا خبيثة مستقذرة عند أولي الالباب.. وبكونها من عمل الشيطان وتزيينه ووسوسته.. وبدورها في إيقاع العداوة والبغضاء.

كل هذه الأسباب هي الداعية إلى التحريم..

فالله يتلطف بعباده، ويخبرهم أنه لم يحرم عليهم الخمر لكونها شرابا يجدون فيه لذة ونشوة.. ولكنه حرمه لكل ما فيه  من تلك الآثام والمضار التي لم تزدها الأيام إلا تأكيدا.

ويدل لذلك أن الله تعالى وعد المؤمنين بخمر في الآخرة.. خمر طاهرة ليس فيها شيء من الإثم.. قال تعالى يصف نعيم أهل الجنة:{ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) (الطور)، أي: يتعاطون فيها كأسا من الخمر لا يتكلمون عنها بكلام لاغ ولا هَذَيَان ولا إثم  ولا فُحْش، كما يتكلم السكيرون من أهل الدنيا.

وقال في آية أخرى يصفها :{ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ (الصافات : 46 – 47)، وقال:{ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ) (الواقعة: 19)

 انظروا كيف نزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، فنفى عنها صداع الرأس، ووجع البطن، وإزالة العقل بالكلية، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هَذَيَانا وفُحشا، وأخبر بحسن منظرها، وطيب طعمها ومخبرها..

وكان ذلك كله علاجا لما تمليه الشياطين على نفس الإنسان من حب الخمر وعشقها والتفاني فيها والإدمان عليها.

ولم تكتف الشريعة بتحريم الخمر، بل حرمت كل الوسائل المؤدية إليها، فقد ( لعن رسول الله الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها)([43])

وفي حديث آخر : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة له وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له([44]).

وفي حديث آخر: (إن الله حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه)([45])

وفي حديث آخر: ( لعن الله اليهود ثلاثا إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه)([46]).

وفي حديث آخر: (من باع الخمر فليشقص الخنازير([47])([48]

وفي حديث آخر: ( أتاني جبريل u فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها)([49])

ومن ذلك تحريمه الخمر قليلها وكثيرها، من عنب كانت أو من غيره..

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)([50])

وروي أن رجلا من اليمن سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له (المزر)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 أمسكر هو؟)، قال: نعم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( كل مسكر حرام…إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخيال قالوا: يا رسول الله: وما طينة الخيال؟ قال: (عرق أهل النار)([51])

وقال:( إن من العنب خمرا، وإن من التمر خمرا، وإن من العسل خمرا، وإن من البر خمرا، وإن من الشعير خمرا)([52])

وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: يا رسول الله: أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن (البتع) ـ وهو من العسل حين يشتد([53]) ـ والمزر ـ وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد ـ قال الراوي: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي جوامع الكلم بخواتيمه، فقال: (كل مسكر حرام)([54])

وبما أن النفوس لا تردع بشيء كما تردع بالترهيبات، فقد وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبين أنواع العقوبات التي ينالها من نازعنه نفسه لشربها:

فمن ذلك بيان تعارض شرب الخمر مع الإيمان.. فالإيمان يقتضي أن تكون اللطائف جميعا في منتهى قوتها، وعنفوانها، فلا يعبد الله بعقل نائم، ولا بجسد متهالك:

قال صلى الله عليه وآله وسلم : (من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه)([55])

وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر)([56])

ومن ذلك إخباره عن بعد شارب الخمر عن الله وملائكة الله.. قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق)([57]

ومن ذلك إخباره عن عدم قبول الله لأعمال شارب الخمر:

قال صلى الله عليه وآله وسلم : (من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم تقبل منه صلاة سبعا، وإن مات فيها مات كافرا، فإن أذهبت عقله عن شيء من الفرائض)([58])

وقال: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو)([59])

وقال: (من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قال : يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال : عصارة أهل النار)([60]

وقال: ( لا يشرب الخمر رجل من أمتي فتقبل له صلاة أربعين صباحا)([61])

وقال: (كل مخمر خمر وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرا نجست صلاته أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل : وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال صديد أهل النار، ومن سقى صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)([62]

وقال: (من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة فإن مات مات كافرا وإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل : يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال صديد أهل النار)([63]

وقال: (من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه ؛ فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال)([64])

ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وآله وسلم أن الخمر مفتاح للآثام:

قال صلى الله عليه وآله وسلم : (اجتنبوا الخمر، فإنها مفتاح كل شر)([65]

وقال: ( الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، وحب الدنيا رأس كل خطيئة)([66]

وعن أبي الدرداء قال : (أوصاني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وإن حرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر)([67]

وحكى: ( أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه، فاختار الخمر، وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أرادوه منه) ([68])

ومن ذلك تبيين العقوبات الدنيوية التي يمكن أن تحل بالمدمنين على الخمر المستحلين لها.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولعب ولهو، فيصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير، وليصيبنهم خسف وقذف حتى يصبح الناس فيقولون: خسف الليلة ببني فلان وخسف الليلة بدار فلان خواص، ولترسلن عليهم حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط على قبائل فيها وعلى دور، ولترسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادا على قبائل فيها وعلى دور بشربهم الخمر ولبسهم الحرير واتخاذهم القينات وأكلهم الربا وقطيعتهم الرحم)([69])

وقال:( والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحون قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وأكلهم الربا ولبسهم الحرير)([70]

وقال: (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رءوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)([71]

وقال: (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قال رجل من المسلمين : يا رسول الله متى ذلك؟ قال: (إذا ظهرت القينات أو القيان والمعازف وشربت الخمور)([72])

وقال: (إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار : إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمور ولبسوا الحرير واتخذوا القيان واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء)([73])

ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وآله وسلم أن من شرب الخمر في الدنيا لن يشربها في الآخرة:

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة)([74])

وقال: (من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة)([75]

وقال: (من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)([76])

ومن ذلك إخباره عن أنواع العقوبات التي ينالها من شرب الخمر:

قال صلى الله عليه وآله وسلم:( من شرب الخمر أتى عطشان يوم القيامة، ألا فكل مسكر خمر وكل خمر حرام، وإياكم والغبيراء)([77])

وقال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله جل وعلا من نهر الغوطة، قيل : وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم([78]).

وقال: ( لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم)([79]

وقال: (أربع حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه)([80])

وقال: (لا يلج حائط القدس مدمن خمر، ولا العاق، ولا المنان عطاءه)([81]

وقال: (مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن)([82]

وقال: ( من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن)([83]

وقال: ( لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق ولا منان)([84]

وقال: (ثلاثة قد حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة : مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث)([85]

وقال: ( يراح ريح الجنة من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها منان بعمله ولا عاق ولا مدمن خمر)([86])

وقال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا، الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر، قالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث؟ قال : الذي لا يبالي من دخل على أهله.. قالوا: فما الرجلة من النساء؟ قال : التي تشبه بالرجال([87]).

وقال: (ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته منه شيء إلا حرمت بها عليه الجنة فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية)([88])

وقال: (من شرب الخمر سقاه الله من حميم جهنم)([89])

وقال: ( كل مسكر حرام، وإن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار)([90])

وقال: (إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات([91]).. وأقسم ربي بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر إلا سقيته مكانها من حميم جهنم معذبا أو مغفورا له، ولا يدعها عبد من عبيدي من مخافتي إلا سقيته إياها من حظيرة القدس)([92]

وقال: (من ترك الخمر وهو يقدر عليه إلا سقيته منه من حظيرة القدس، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه إلا كسوته إياه في حظيرة القدس)([93]

وقال: ( من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا)([94])

وقال: ( من شرب حسوة من خمر لم يقبل الله منه ثلاثة أيام صرفا ولا عدلا، ومن شرب كأسا لم يقبل الله صلاته أربعين صباحا، والمدمن الخمر حق على الله أن يسقيه من نهر الخبال، قيل يا رسول الله وما نهر الخبال؟ قال صديد أهل النار)([95])

وقال: ( من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة، ومن مات من أمتي وهو يتحلى الذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة)([96]

وقال: (من فارق الدنيا وهو سكران دخل القبر سكران وبعث سكران وأمر به إلى النار سكران إلى جبل يقال له سكران فيه عين يجري منها القيح والدم وهو طعامهم وشرابهم ما دامت السموات والأرض)([97])

وقال: (من ترك الصلاة سكران مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها)([98])

بعد كل هذه التوجيهات وغيرها.. وبعد هذه التربوية النبوية العميقة لأجيال الأمة جاءت الشريعة بالعقوبة التي تردع النفوس التي لا يردعها إلا الألم.. وهي عقوبة مضبوطة بالضوابط الشرعية كسائر العقوبات حتى لا يستغلها المتعسفون.. وهي عقوبة لا تمس غير المسلمين المواطنين في بلاد الإسلام باعتبارها من الدين الذي جاء الإسلام بتحريره من كل إكراه.

قلنا: فما هذه العقوبة؟

قال: لقد قد ورد في النصوص من التشديدا على من يعود لشرب الخمر ما يفتح المجال واسعا أمام ولي الأمر ليقضي على هذه الآفة:

فمن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)([99])

وقوله: (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم)([100])

وقوله: (إذا سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن عاد في الرابعة فاقتلوه)([101])

لست أدري كيف صحت: القتل.. هنا أيضا!؟

نظر إلي مبتسما، وقال: شريعة الله لا تحكم بالقتل لأجل القتل.. هي شريعة حياة لا شريعة موت.. ولكنها تردع بالقتل، فمن النفوس من لا يقهر نوازعها الشريرة إلا القتل أو التهديد بالقتل.. لقد قال الله تعالى يبين ذلك:{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:179).. انظروا كيف ختم الآية بـ :{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ليبين أن الهدف من التشريعات هو الردع أكثر منه التنفيذ.

السرقة:

قلنا: فحدثنا عن العقوبات التي شرعت لردع اللصوص.

قال: لقد نظرت الشريعة إلى السرقة وأخواتها من الاختلاس.. والجحود.. والحرابة والغصب.. والنّبش.. والنّشل.. والنّهب.. وغيرها.. على أنها اعتداء على الأموال.. التي اعتبرت حفظها لأهلها مقصدا من مقاصد الدين.

ولذلك عالجت الظاهرة بجملة معالجات:

بدأت بالحث على الكسب الحلال، واعتبرته من الفرائض التي يؤجر فاعلها:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب به إلى الجبل فيحتطب ثم يأتي فيحمله على ظهره فيأكل خير له من أن يجعل في فيه ما حرم الله عليه)([102])

وقال: ( طلب الحلال واجب على كل مسلم)([103])

وقال: ( طلب الحلال فريضة بعد الفرائض)([104])

وقال: (من أكل طيبا وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة، قالوا يا رسول الله : إن هذا في أمتك اليوم كثير، قال: وسيكون في قرون بعدي)([105])

وقال: (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خلق، وعفة في طعمة)([106]

وقال: ( طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره)([107]

ثم عمقت ذلك بالترهيب من الحرام.. باعتبار أن آكل الحرام لن ينال أي بركة، ولن ينزل عليه من الله أي خير.. حتى دعاؤه لا يستجاب، وعمله لا يقبل:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ } (المؤمنون:51)، وقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة:172)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)([108])

وقال لسعد: ( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة.. والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به)([109]

وقال: (إنه لا دين لمن لا أمانة له ولا صلاة ولا زكاة، إنه من أصاب مالا من حرام فلبس جلبابا يعني قميصا لم تقبل صلاته حتى ينحي ذلك الجلباب عنه ؛ إن الله تبارك وتعالى أكرم وأجل من أن يقبل عمل رجل أو صلاته وعليه جلباب من حرام)([110]

وقال:( من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم من حرام لم يقبل الله عز وجل له صلاة ما دام عليه)([111])

ثم قطعت الطريق على من يريد أن يحتال باستعمال الحرام في الخير والإحسان، فأخبرت أن ذلك لن يقبل منه:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من جمع مالا حراما ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره عليه)([112]

وقال: ( من كسب مالا حراما فأعتق منه ووصل منه رحمه كان ذلك إصرا عليه)([113]

وقال: (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب، ومن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، قالوا: وما بوائقه يا رسول الله؟ قال: (غشه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فيتصدق منه فيقبل منه ولا ينفق منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظفره إلا كان زاده إلى النار، إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث)([114])

ثم ملأت القلوب رعبا من الحرام عندما ربطته بعذاب الله الشديد:

قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء:10)

وعندما سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: الفم والفرج، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله وحسن الخلق([115]).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( ما تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه)([116]

وقال: (الدنيا خضرة حلوة، من اكتسب فيها مالا من حله وأنفقه في حقه أثابه الله عليه وأورده جنته، ومن اكتسب فيها مالا من غير حله وأنفقه في غير حقه أورده الله دار الهوان، ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة، يقول الله تعالى :{ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } (الاسراء: 97)([117])

وقال: ( لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا من سحت والنار أولى به)([118]

وقال: ( لا يربو لحم نبت من سحت([119]) إلا كانت النار أولى به)([120]

بعد ذلك اعتبرت كل من شارك في الحرام آكلا له.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( من اشترى سرقة وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في عارها وإثمها)([121])

بعد كل ذلك شرعت الشريعة الحكيمة العقوبة الشديدة التي تردع النفوس التي لا يردعها إلا الألم.. وقد وضعت من الضوابط التي تحفظ ذلك ما يقيها من كل استعمال سيء.. وهي ضوابط دقيقة ترتبط بالسّارق.. وبالمسروق منه .. وبالمال المسروق.. وبجميع الملابسات المرتبطة بالجريمة.. حتى يؤدي هذا الحكم الغرض الذي قصد منه.

قلنا: فما هذا الألم الذي شرعته الشريعة لذلك.. ووضعت له كل هذه الضوابط؟

قال: لقد عبر القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعالى :{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38).. فهذه الآية تنص على أن كلا من السارق والسارقة اللذين توفرت فيهما صفات الجريمة يعاقبان بقطع اليد.

لست أدري كيف صحت من غير أن أشعر: تقطع يده!؟.. إن ذلك لشديد.

نظر إلي، والبسمة على شفتيه، وقال: ولكن الكتاب المقدس يصرح به، بل يصرح بما هو فوقه.. ليس في السرقة وحدها.. بل في السرقة وغيرها..

ألم تقرأ ما ورد في (تثنيه 25 /11-12):( اذا تخاصم رجلان بعضهما بعضا، رجل وأخوه، وتقدمت امرأة أحدهما لكي تخلّص رجلها من يد ضاربه ومدّت يدها وأمسكت بعورته فاقطع يدها ولا تشفق عينك)؟

ألم تقرأ ما ورد في ( سفر الخروج 22 /2):( إن وجد السارق وهو ينقب فضرب ومات فليس له دم)؟

ألم تقرأ ما ورد في ( تثنيه24 /7):( إذا وجد رجل قد سرق نفسا من إخوته بني إسرائيل واسترقه وباعه يموت ذلك السارق فتنزع الشر من وسطك)؟

ألم تقرأ ما ورد في ( زكريا :5):( فقال لي هذه هي اللعنة الخارجة على وجه كل الارض. لأن كل سارق يباد من هنا بحسبها، وكل حالف يباد من هناك بحسبها)؟

ألم تقرأ ما ورد في ( زكريا5 /3):( أني أخرجها يقول رب الجنود فتدخل بيت السارق وبيت الحالف باسمي زورا وتبيت في وسط بيته وتفنيه مع خشبه وحجارته)؟

فهذا أمر الله لموسى وغيره من الأنبياء فلماذا لا يطبقه من يقدس الكتاب المقدس.. قد يقولون: إن النص منسوخ.. يحق لهم ذلك.. ولكن أين النص الذي يدل على النسخ..؟

قال رجل منا: دعنا من الكتاب المقدس.. نحن في عصر تجاوز كل المقدسات.. لقد وصل خبراء القانون إلى وضع شرائع لها من القوة ما يكفي لردع كل المجرمين.

ابتسم ميثم، وقال: صدقت.. لقد استطاعت الحضارة الحديثة أن توفر كليات كثيرة تصنع المجرمين.. يدخل فيها المجرم تلميذا في المدرسة الابتدائية ليخرج منها صاحب شهادة عالية.

قال الرجل: أراك تتهكم؟

قال ميثم: أنا لا أقول إلا الحقيقة.. هل ترى من المعقول أن تضع المريض بجنب مرضى كثيرين، كل منهم مصاب بمرض من الأمراض المعدية.. ثم ترجو له الشفاء بعد ذلك؟

قال الرجل: ولكنه يخضع في السجن لتوجيهات؟

قال ميثم: التوجيهات التي يلتقاها من زملائه لا تقاومها أي توجيهات ولا توازيها.

لقد علمتنا الشريعة أن نضع من حدثته نفسه بالإجرام في مصحات صحية لا في مصحات مرضية.. لينال من صحة الأصحاء لا لينال من مرض المرضى.

قال الرجل: ولكن لماذا القطع بالذات!؟

قال ميثم: لقد لاحظت الشريعة الدافع النفسي للجريمة.. فلذلك راحت تدفعه.. وتستعمل الألم وسيلة من وسائل دفعه:

لقد لاحظت أن السارق حينما يفكر في السرقة إنما يفكر في أن يزيد كسبه بكسب غيره، فهو يستصغر ما يكسبه عن طريق الحلال، ويريد أن ينميه من طريق الحرام، وهو لا يكتفي بثمرة عمله، فيطمع في ثمرة عمل غيره، وهو يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق أو الظهور، أو ليرتاح من عناء الكد والعمل، أو ليأمن على مستقبله.

فالدافع الذي يدفع إلى السرقة يرجع إلى هذه الاعتبارات: وهو زيادة الكسب، أو زيادة الثراء..

وقد حاربت الشريعة هذا الدافع في نفس الإنسان بتقرير عقوبة القطع.. لأن قطع اليد أو الرجل يؤدي إلى نقص الكسب إذ اليد والرجل كلاهما أداة عل أي كان، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء، وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق وعلى الظهور، ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل والتخوف الشديد على المستقبل.

ولهذا، فإن الشريعة بتقديرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن الجريمة، فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية وارتكب الإنسان الجريمة مرة أخرى كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارمة، فلا يعود للجريمة مرة ثانية([122]).

قال الرجل: ولكن.. مع ذلك.. فإن عقوبة القطع لا تتفق مع ما وصلت إليه الإنسانية والمدنية الحديثة.. إن هذا بالنسبة لها شيء في غاية البشاعة.

قال ميثم: وماذا عند الإنسانية الحديثة من حلول؟

وهل ترى هذه الإنسانية من الحكمة أن تقابل السارق بالمكافأة على جريمته، وأن تشجعه على السير في غوايته؟

وهل تنصحنا أن نعيش في خوف واضطراب، وأن نكد ونشقى ليستولي على ثمار عملنا العاطلون واللصوص؟

وهل الإنسانية تعني أن ننسى طبائع البشر، ونتجاهل تجارب الأمم، ونلغي عقولنا، ونهمل النتائج التي وصل إليها تفكيرنا لنأخذ بما يقوله من لا يجد لأقواله دليلاً إلا التهويل والتضليل؟

بعد ذلك.. لماذا توجب هذه الإنسانية الرحيمة الأشغال الشاقة المؤبدة على بعض جرائم السرقة، وتوجب الحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة في بعض آخر؟

فكيف ترضى هذه الإنسانية الرحيمة أن يوضع المحكوم عليه في السجن كما يوضع الحيوان في قفصه، أو الميت في قبره طول هذه المدة محروماً من حريته بعيداً عن أهله وذويه؟

وأيهما أقسى: قطع يد المحكوم عليه وتركه بعد ذلك يتمتع بحريته ويعيش بين أهله وولده، أم حبسه على هذا الوجه الذي يسلبه حريته وكرامته وإنسانيته ورجولته؟

ثم إن هذه الإنسانية نفسها تبيح عقوبة الإعدام، وهي تؤدي إلى إزهاق الروح وفناء الجسد، أما عقوبة القطع فهي تؤدي إلى فناء جزء من الجسد فقط، فمن رضي بعقوبة الإعدام ـ وأنتم بها راضون ـ وجب أن يرضى بعقوبة القطع؛ لأنها جزء من كل، ومن لم يستفظع عقوبة الإعدام فليس له أن يستفظع عقوبة القطع بأي حال.

ثم بعد ذلك كله.. فإن الشريعة الإسلامية حين قررت عقوبة القطع ـ بتلك الضوابط الكثيرة ـ لم تكن قاسية، فهي الشريعة الوحيدة في العالم التي لا تعرف القسوة، وما يراه البعض قسوة إنما هو القوة والحسم اللذان تمتاز بهما الشريعة يتمثلان في العقوبة كما في العقيدة وفي العبادات وفي الحقوق وفي الواجبات.

سكت قليلا، ثم قال: أتدرون غلاوة اليد التي أمر الله بقطعها بسبب هذه الجريمة؟

قال بعضنا: لو كانت غالية ما أمر بقطعها.

قال ميثم: لا.. بل هي غالية في الشريعة غاية الغلاوة.. وقد استغرب بعض المتمردين هذا، فقال:

يد بخمس مئين عسجد وديت  ما بالها قطعت في ربع دينار؟

تناقض مالنا إلا السكوت له       ونستجير بمولانا من العار

وقد رد على هذا بعض أهل الله، فقال:

يد بخمس مئين عسجد وديت     ما بالها قطعت في ربع دينار

عز الأمانة أغلاها، وأرخصها  ذل الخيانة فانظر حكمة الباري

قال رجل منا: صدق في هذا.. ولكن الذي يستغرب هو أنه ـ مع تشدد الشريعة في الحفاظ على الحقوق ـ لم تركت الكثير ممن لم تتوفر فيهم شروط الحد مهملين من أي عقوبة؟

قال ميثم: لا.. الشريعة لم تمهل أي مجرم.. ولكنها قسمت الجرائم إلى قسمين: خفيفة وغليظة.. أما الغليظة، فوضعت لها الحدود.. وأما الخفيفة فوضعت لها التعازير..

الحرابة:

قلنا: فحدثنا عن العقوبات التي شرعتها الشريعة لردع المحاربين.

قال: لقد اعتبرت الشريعة الحرابة وقطع الطريق وترويع الآمنين من أكبر الجرائم.. ولذلك أطلق القرآن الكريم على المتورطين بارتكابها أقسى عبارة، فجعلهم محاربين لله ورسوله، وساعين في الأرض بالفساد، وغلظ عقوبتهم تغليظا لم يجعله لجريمة أخرى.. قال الله تعالى:{ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ } (المائدة: 32)

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية: أن العرنيين قدموا المدينة فأسلموا، واستوخموها، وسقمت أجسامهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخروج إلى إبل الصدقة، فخرجوا، وأمر لهم بلقاح، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا الراعي وارتدوا عن الاسلام وساقوا الإبل.. فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جئ بهم، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وتسمل، وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا.

قال أبو قلابة: فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله، فأنزل الله عزوجل الآية.

انظروا المأساة التي فعلها هؤلاء المجرمون.. وانظروا هذا الجزاء الذي قابلوا به الإحسان..

إن من ينظر إلى هؤلاء بعين الرحمة.. فيطلب تخفيف العقوبة عنهم.. لا ينظر ـ في الحقيقة ـ إلا بعين القسوة لأولئك الرعاة البسطاء الذين لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم أطعموهم وسقوهم وعالجوهم.

ولهذا فإن الشريعة تشددت مع هؤلاء.. سواء في النظرة إليهم أو في عقوبهتهم.

أما في النظرة إليهم.. فقد نفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسبة هؤلاء المفسدين إلى الإسلام، وإلى أمة الإسلام، فقال 🙁 من حمل علينا السلاح فليس منا) ([123])

واعتبر صلى الله عليه وآله وسلم هذا الفعل من الجاهلية، فقال:( من خرج على الطاعة، وفارق الجماعة ومات، فميتته جاهلية)([124])

ليس ذلك فقط.. بل إنه تشدد في كل من يمد إليهم يد العون بأي طريق من الطرق حتى أن من الفقهاء من اعتبر المعين محاربا.

وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله وهو مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله)([125])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه)([126])

وقال:( من جرح ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان)([127]

وقال 🙁 ظهر المؤمن حمى إلا بحقه) ([128])

وقال:( لا يشهد أحدكم قتيلا لعله أن يكون مظلوما فتصيبه السخطة)([129])

 أما في عقوبتهم.. فقد أنزل عليهم أشد عقوبة.. وهي عقوبة الألم التي لا تدفع النوازع الشريرة إلا بها.

قلنا: فما الألم الذي عاقبت به الشريعة هؤلاء؟

قال: لقد كان من عدالة الشريعة أنها وضعت فروقا بين جرائم المحاربين.. ولهذا، فإنها عاقبتهم على أساسها..

لقد وضعت الشريعة لاستئصال جريمة الحرابة أربع عقوبات هي: القتل.. والقتل مع الصلب.. والقطع.. والنفي.. وقد نص على هذه العقوبات في قوله تعالى :{ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ } (المائدة: 32)

قلنا: فحدثنا عن العقوبة الأولى.

قال: العقوبة الأولى هي القتل.. وهيتجب على قاطع الطريق إذا قتل باعتبارها حدا لا قصاصا.. ولهذا، فإنها لا تسقط بعفو ولي المجني عليه.. وقد وضعت الشريعة هذه العقوبة انطلاقا من المعرفة بطبيعة الإنسان، فالقاتل تدفعه إلى القتل غريزة تنازع البقاء بقتل غيره ليبقى هو، فإذا علم أنه حين يقتل غيره إنما يقتل نفسه أيضاً امتنع في الغالب عن القتل.

فالشريعة بذلك دفعت العوامل النفسية الداعية للقتل بالعوامل النفسية الوحيدة المضادة التي يمكن أن تمنع من ارتكاب الجريمة بحيث إذا فكر الإنسان في قتل غيره ذكر أنه سيعاقب على فعله بالقتل، فكان في ذلك ما يصرفه غالباً عن الجريمة.

قلنا: فحدثنا عن العقوبة الثانية.

قال: العقوبة الثانية هي القتل مع الصلب.. وقد وضعتها الشريعة عقوبة على قاطع الطريق إذا قتل وأخذ المال.. وهي تقابل في عصرنا القتل رمياً بالرصاص، حيث يشد المحكوم عليه إلى خشبة على شكل الصليب، ثم يطلق عليه الرصاص..

وقد شددت الشريعة في هذه العقوبة لأنها عقوبة على جريمتين ـ القتل والسرقة معاً ـ كلتاهما اقترنت بالأخرى، أو ارتكبت إحداهما وهي القتل لتسهيل الأخرى وهي أخذ المال.. ولذلك فإن هذه العقوبة ـ أيضا ـ حد لا قصاص، فلا تسقط بعفو ولي المجني عليه.

قال رجل منا: لا أرى أي فائدة في أي عقوبة أخرى مع عقوبة القتل، خاصة وأن الصلب مع القتل ليس إلا القتل مصحوباً بالتهويل؛ فالصلب زيادة لا فائدة منها؟

ابتسم ميثم، وقال: لكل عقوبة غرضان: تأديب الجاني، وزجر غيره، وإذا كان كل تأديب لغواً بعد عقوبة القتل فكل عقوبة أخرى مهما صغرت لها أثرها في الزجر إذا صحبت عقوبة القتل، والصلب حقيقة لا يؤثر على المحكوم عليه ـ خصوصاً إذا كان الصلب بعد الموت ـ ولكن أثر الصلب على الجمهور شديد، بل قد يكون هو الشيء الوحيد الذي يجعل لعقوبة القتل قيمتها بين الجمهور عامة، وبين قطاع الطرق خاصة، فالصلب له أثره الذي لا ينكر في زجر الغير وكفه عن الجريمة.

قلنا: فحدثنا عن العقوبة الثالثة.

قال: العقوبة الثالثة هي القطع.. وهي تجب على قاطع الطريق إذا أخذ المال ولم يقتل.. وقد شدد فيها مقارنة بعقوبة السرقة الصغرى.. فلذلك تتم بقطع يد المجرم اليمنى ورجله اليسرى دفعة واحدة؛ أي قطع يده ورجله من خلاف.

وقد وضعت هذه العقوبة على نفس الأساس الذي وضعت عليه عقوبة السرقة إلا أنه لما كانت الجريمة ترتكب عادة في الطرق وبعيداً عن العمران كان قاطع الطريق في أغلب الأمر على ثقة من النجاح، وفي أمن من المطاردة، وهذا مما يقوي العوامل النفسية الداعية للجريمة ويرجحها على العوامل الصارفة التي تبعثها في النفس عقوبة السرقة العادية، فوجب من أجل ذلك تغليظ العقوبة حتى تتعادل العوامل النفسية التي تصرف عن الجريمة مع العوامل النفسية التي تدعو إليها.

ولهذا، فإن عقوبة قاطع الطريق هنا تساوي عقوبة السارق إذا سرق مرتين، وهي عقوبة لا شك في عدالتها، لأن خطورة قاطع الطريق لا تقل خطورة عن ضعف خطورة السارق العادي، ولأن فرصة قاطع الطريق في النجاح والإفلات قد تزيد على ضعف فرصة السارق العادي.

قال رجل منا: أنا رجل لي علاقة بالقانون.. وقد رأيت أن الشريعة في هذا الجانب قد تسامحت مقارنة بالقانون..  فالشريعة ـ كما ذكرت ـ ضاعفت العقوبة المقررة للسرقة العادية وجعلتها عقوبة لقاطع الطريق بنيما القانون المصري جعلها خمسة أمثال العقوبة المقررة للسرقة العادية على الأقل؛ لأنه يعاقب على السرقة المصحوبة بظروف بسيطة بالحبس لمدة ثلاث سنوات، ويعاقب على السرقة التي تقع في الطرقات العمومية بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الأشغال الشاقة المؤقتة، وعقوبة الأشغال المؤقتة حدها خمسة عشر عاماً، فهي خمسة أمثال عقوبة الحبس من حيث عدد السنوات.

فلماذا لا تسلك الشريعة هذا المسلك المتشدد؟

قال: أجبني.. هل ترى أن هذه القوانين المتشددة من السجن والأشغال الشاقة آتت أكلها؟

سكت الرجل قليلا، ثم قال: صدقت في هذا.. وقد كنت أعمل في بعض المصالح التي لها علاقة بالسجون.. وقد رأيت من خلال الإحصائيات([130])  أن الواقع أثبت عدم جدوى هذا النوع من العقوبات:

لقد دلت الإحصائية رقم 44 من تقرير مصلحة السجون عن سنة 1938 – 1939 على أن 45 بالمائة من المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة عادوا إلى ارتكاب الجرائم بعد الإفراج عنهم بمدد تتراوح بين خمسة عشر يوماً وسنة، بل إن هذه الإحصائية تدل على أن 43 بالمائة من المحكوم عليهم بالإرسال لإصلاحية الرجال ما كادوا يخرجون من الإصلاحية حتى ارتكبوا جرائم أعادتهم إليها، وأنهم ارتكبوا جرائمهم في مدة تتراوح بين 21 يوماً وسنة من تاريخ خروجهم من الإصلاحية، والمفروض أن عقوبة الإرسال إلى الإصلاحية من أكثر العقوبات ردعاً، وأن المجرم لا يخرج منها إلا بعد أن تتوافر الأدلة على تركه الإجرام وميله إلى الاستقامة.

ودلت الإحصائية رقم 47 من تقرير مصلحة السجون على أن حوالي ثلث الموجودين في إصلاحية الرجال دخلوها للمرة الثانية والثالثة والرابعة..

ومما يدل على أثر السجن بصفة عامة في نفوس المجرمين الإحصائية رقم 46 من تقرير مصلحة السجون لسنة 1938 – 1939، فهي تشير إلى أ نصف من في الإصلاحية تقريباً لهم سوابق في الإجرام من خمس مرات إلى عشر، وأن حوالي الثلث لهم من عشر سوابق إلى خمس عشرة سابقة، وأن الباقين تتراوح سوابقهم بين خمس عشرة سابقة وأربعين سابقة، فلو أن السجن يردع المجرمين حقيقة لما عاد المجرم للإجرام خمس مرات وعشر مرات وأربعين مرة.

ومما يدل ـ أيضاً ـ على أن عقوبة الحبس ليس لها أثر على المجرمين ازدياد جرائم العود سنة بعد أخرى، فقد وصلت هذه الجرائم إلى 872 جناية في سنة 135 – 1936، ثم ارتفعت إلى 939 جناية في سنة 1936 – 1937، ثم بلغت 1023 جناية في السنة التي تليها، وجنايات العود هذه لا تقع إلا من المجرمين أرباب السوابق المتعددة.

قلنا: فحدثنا عن العقوبة الرابعة التي شرعتها الشريعة لردع المحاربين.

قال ميثم: العقوبة الرابعة هي النفي.. وتجب على قاطع الطريق إذا أخاف الناس ولم يأخذ مالاً ولم يقتل..

وسر اختيار الشارع لهذا النوع من العقوبة هو أن قاطع الطريق الذي يخيف الناس ولا يأخذ منهم مالاً ولا يقتل منهم أحداً إنما يقصد الشهرة وبعد الصيت، فعوقب بالنفي الذي يؤدي إلى الخمول وانقطاع الذكر.

بالإضافة إلى أنه بتخويف الناس نفى الأمن عن الطريق وهو بعض الأرض، فعوقب بنفي الأمن عنه في كل الأرض.

وفي كلا العلتين تدفع العوامل النفسية التي تدعو للجريمة بالعوامل النفسية الوحيدة المضادة التي تصرف عن الجريمة.. فالمحارب إذا فكر في الجريمة لتجلب له الشهرة ذكر العقوبة فعلم أنها تجر عليه الخمول.. وهو إذا فكر في الجريمة ليخيف الناس وينفي الأمن عنهم في بعض الأرض ذكر العقوبة فعلم أنه سينفي عنه الأمن في كل الأرض، وحينئذ ترجح ـ في أغلب الأحوال ـ العوامل النفسية الصارفة عن الجريمة على العوامل النفسية الداعية إليها.

قلنا: فما نواحي الرحمة التي تكتنف هذه العقوبة؟

قال: هما رحمتان.. أما الأولى.. فهي أنه لا يحكم على أحد بكونه محاربا إلا إذا ثبت عنه ذلك بالدليل القاطع النافي للشبهة.. فالشريعة تدرأ الحدود بالشبهات.

والثانية.. هي أنها أعطت فرصة للمحاربين للتراجع والتوبة([131]).. وفي ذلك الحين تخفف عنهم العقوبات، ولا يبقى منها إلا ما يرتبط بحقوق العباد التي يمكن أن يتصالحوا فيها فيما بينهم.. لقد قال الله تعالى يذكر ذلك، ويعقب به آية العقوبة :{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المائدة:34)

البغي:

قلنا: فحدثنا عن العقوبات التي شرعتها الشريعة لردع البغاة.

قال: لقد عرفتم أن من مقاصد الشريعة حفظ الأمن ورعاية العدالة وتوفير الاستقرار.. وكل ذلك لا يتم إلا تحت نظام سياسي يسوس الرعية ويؤمها ويحفظ نظامها.. ولذلك كان حفظ هذا النظام مقصدا من مقاصد الدين.. وكان البغي الذي هو تحطيم هذا النظام خرقا خطيرا لتلك المقاصد الرفيعة التي لا تستقر الحياة إلا بها.

ولهذا بدأت الشريعة في توفير هذه القناعات وتربية النفوس عليها بوضع نظام سياسي ممتلئ بالعدالة.. نظام يعتمد على حاكم تقي ورع عالم خبير يملأ الأرض التي يليها عدلا وأمانة ورحمة.. فليس هناك شيء يقطع دابر البغي والبغاة مثل العدالة.

بعد ذلك حرمت الشريعة نكث البيعة إلا في الضرورات القصوى.. ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل، ورجل بايع رجلا سلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف)([132])

بعد ذلك حرمت البغي.. وهو الخروج على الإمام ولو جائرا إلا للضرورة الشديدة، قال تعالى :{ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الشورى:42)

وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد)([133])

وقال: (ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)([134])

وقال : (ليس شيء مما عصي الله به هو أعدل عقابا من البغي)([135])

بعد ذلك كله جاءت العقوبات الرادعة لتخاطب النفوس التي لا يقهرها إلا الألم..

قلنا: فما هذه العقوبة؟

قال: لقد اعتبرت الشريعة البغاة مفسدين في الأرض، ولهذا حكمت عليهم بالقتل، قال تعالى :{  وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } (الحجرات: 9)

وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه)([136])

وقال : ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية، فقتل فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)([137])

وقال : ( من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)([138])

وقال : ( من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فانه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)([139])

وقال : ( لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه خيرا لهم وينذرهم ما يعلمه شرا لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء شديد وأمور تنكرونها، وتجئ فتن فيرقق بعضها بعضا وتجئ الفتن فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجي الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه، فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقه يده وثمرة قلبه فليطعمه ما استطاع فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)([140])

وقال : ( من عقر بهيمة ذهب ربع أجره، ومن حرق نخلا ذهب ربع أجره، ومن غش شريكا ذهب ربع أجره ومن عصى إمامه ذهب أجره كله)([141])

وقال : ( إذا خرج عليكم خارج وأنتم مع رجل جميعا ويريد أن يشق عصا المسلمين ويفرق جمعهم فاقتلوه)([142])

وقال : ( ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع، قالوا : أفلا نقاتلهم؟ قال : لا ما صلوا([143]).

وقال:( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل : يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة)([144])

قال رجل منا:ألا ترى أن هذه النصوص تنسف كل ما ذكرته وما ذكره أصحابك من دعوة الإسلام للعدالة ولو بالنهوض في وجوه الحكام؟

قال: فرق كبير بين طلب العدالة وبين الفتنة.. العدالة يمكن أن تطلب بطرق كثيرة.. ولكن العنف لا يولد إلا الفتنة.. والفتنة تحرق الأخضر واليابس.. ولذلك حذرت الشريعة منها.. وفي نفس الوقت لم تغفل واجب الأمر بالعدالة بالطرق التي شرعتها.

وهي بذلك قد جمعت بين الحسنيين: حسنى العدالة، وحسنى الأمن.. ولا يمكن أن تتحقق العدالة من دون أمن.

الجنايات

قلنا: حدثتنا عن الحدود.. فحدثنا عن العقوبات التي وضعتها الشريعة لردع الجناة..

قال: لقد عاقبت الشريعة على جنايتين: القتل.. والجراح.

القتل:

قلنا: فحدثنا عن العقوبة التي وضعتها الشريعة لجناية القتل.

قال: لقد فرقت الشريعة الحكيمة بين أنواع القتل.. وذكرت لكل نوع عقابه الخاص به.. وقد نص القرآن الكريم على نوعين كبيرين، أما أولهما، فهو القتل العمد، وأما الثاني، فهو القتل الخطأ.

قلنا: فحدثنا عن القتل العمد.

قال: لقد نص القرآن الكريم على هذا النوع من القتل في قوله تعالى :{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} (النساء)

قلنا: فحدثنا عن العقوبة التي وضعتها الشريعة للقتل العمد.

قال: لقد بدأت الشريعة فملأت نفوس الناس رهبة من القتل باعتباره من أكبر الجرائم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات) قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال : (الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)([145])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس)([146])

وقال: ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)([147])

وقال: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق .. ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم النار)([148])

وقال: ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)([149])

وقال: ( قتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)([150])

وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكعبة، ثم قال: (ما أطيبك وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ماله ودمه)([151])

وقال: ( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)([152])

وقتل بالمدينة قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلم من قتله، فصعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فقال : (أيها الناس يقتل قتيل وأنا فيكم ولا يعلم من قتله، لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ مؤمن لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء)([153])

وقال: ( من أعان على قتل مؤمن ولو شطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله)([154])

وقال: ( من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم أن يهريقه كما يذبح دجاجة كلما تعرض لباب من أبواب الجنة حال الله بينه وبينه، ومن استطاع منكم أن لا يجعل في بطنه إلا طيبا فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه)([155])

وقال: (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل)([156])

وقال: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) ([157])

وقال: ( أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء)([158])

وقال: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا)([159])

وروي أن ابن عباس سأله سائل فقال : يا ابن عباس هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس كالمتعجب من شأنه : ماذا تقول؟ فأعاد عليه مسألته فقال : ماذا تقول مرتين أو ثلاثا؟ قال ابن عباس : سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (يأتي المقتول معلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دما حتى يأتي به العرش فيقول المقتول لرب العالمين : هذا قتلني فيقول الله للقاتل: تعست ويذهب به إلى النار)([160])

وقال: ( يجيء المقتول آخذا قاتله وأوداجه تشخب دما عند ذي العزة فيقول : يا رب سل هذا فيم قتلني فيقول الله عز وجل : فيم قتلته؟ قال قتلته لتكون العزة لفلان، قيل هي لله)([161])

وقال: (إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول : من خذل اليوم مسلما ألبسه التاج قال فيجيء هذا فيقول لم أزل به حتى طلق امرأته فيقول يوشك أن يتزوج ؛ ويجيء هذا فيقول لم أزل به حتى عق والديه، فيقول يوشك أن يبرهما ؛ ويجيء هذا فيقول لم أزل به حتى أشرك فيقول أنت أنت ؛ ويجيء هذا فيقول لم أزل به حتى قتل نفسا فيقول أنت أنت ويلبسه التاج)([162])

وقال: (من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله([163]) لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا)([164]

وقال: (يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة : بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلها آخر، ومن قتل نفسا بغير حق فينطوي عليهم فيقذفهم في جمر جهنم)([165])

وقال: (يخرج عنق من النار يتكلم بلسان طلق ذلق له عينان يبصر بهما ولسان يتكلم به فيقول: إني أمرت بمن جعل مع الله إلها آخر وبكل جبار عنيد وبمن قتل نفسا بغير حق، فينطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام)([166])

قلنا: وعينا هذا.. فحدثنا عن الألم الذي عاقبت به الشريعة القتلة.

قال: لقد وضعت الشريعة للقاتل العمد عقوبتان: أصلية.. وبدلية.

أما الأصلية، فهي القصاص.. وقد نص عليه قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } (البقرة: 178)، وقوله تعالى :{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:179)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ومن قتل عمداً فهو قود، ومن حال دونه، فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل)([167])

وقد تشددت فيه.. فلم تعتبر الكفاءة في العدد.. ومثل ذلك يقتل الواحد بالجماعة قصاصاً، بل تشددت في ذلك، فلم تشرع فيه إلا القصاص؛ لأن الجماعة لو قتلوا واحداً قتلوا به، فكذلك إذا قتلهم واحد، قتل بهم، كالواحد بالواحد..

ولم تعتبر الكفاءة في الجنس والعقل والبلوغ والشرف والفضيلة وكمال الذات أو سلامة الأعضاء.. فيقتل الرجل بالأنثى، والكبير بالصغير، والعاقل بالمجنون، والعالم بالجاهل، والشريف بالوضيع، وسليم الأطراف بمقطوعها وبالأشل.

ولم تعتبر الكفاءة في الحرية والدين.. وإنما مجرد الإنسانية كافية.. وذلك لأن آيات القصاص لم تفرق بين نفس ونفس.. وتحقيق ذلك في قتل المسلم بالذمي أبلغ منه في قتل المسلم بالمسلم، لما بينهما من العداوة الدينية، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقاد مؤمناً بكافر، وقال: (أنا أحق من وفى بذمته)([168])، ولأن العبد آدمي معصوم الدم فأشبه الحر، والقصاص يتطلب فقط المساواة في العصمة.

قال رجل منا: كيف تقول ذلك.. وقد ورد في القرآن هذه التفرقة.. ففيه :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } (البقرة: 178)

قال ميثم: لقد جاءت هذه الآية لترد على عادة كانت سائدة في بعض القبائل.. حيث أنهم كانوا يأبون أن يقتلوا في عبدهم إلا حراً، وفي امرأتهم إلا رجلاً، فأبطل القرآن الكريم ما كان من الظلم، وأكد فرض القصاص على القاتل دون غيره.. فليس في الآية دلالة على أنه لا يقتل الحر بالعبد أو أنه لا يقتل الرجل بالمرأة.

قال الرجل: وما تقول فيما ورد في الحديث : ( لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده)([169]

قال ميثم: إن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الحديث إن صح ـ على حسب ما تدل الأدلة الكثيرة ـ هو أنه لا يقتل المسلم والمعاهد بكافر محارب؛ لأن المراد بالكافر هو الحربي بدليل جعل الحربي مقابلاً للمعاهد؛ ويكون التقدير: (لا يقتل مسلم بكافر حربي ولا ذو عهد بكافر حربي)

ويدل لهذا أن يد المسلم تقطع إذا سرق مال الذمي.. فإذا كانت حرمة ماله كحرمة مال المسلم، فحرمة دمه كحرمة دمه.

قلنا: عرفنا نواحي الشدة في هذه العقوبة، فهل هناك من مجالات رفق؟

قال: أجل.. فالشريعة الرحيمة تجمع بين الحزم والرحمة.. فمن نواحي الرحمة في القصاص أن الشريعة لم تعتبره حدا.

ومنها أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً.. فلا قصاص ـ كما لا حد ـ على الصبي أو المجنون؛ لأن القصاص عقوبة، وهما ليسا من أهل العقوبة.. ولأنها لا تجب إلا بالجناية، وفعلهما لا يوصف بالجناية.. ولأن هؤلاء ليس لهم قصد صحيح، فهم كالقاتل خطأ.

ومنها أن يكون قاصداً إزهاق روح المجني عليه، فإن كان مخطئاً، فلا قصاص عليه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول)([170])، أي القتل العمد يوجب القود، فالحديث شرط العمد لوجوب القود.

ومنها أن لا توجد أي شبهة في عدم إرادة القتل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرط العمد مطلقاً.

ومن الرحمة فيه أنها أجازت لأولياء القتيل العفو عن القاتل.. بل رغبتهم في ذلك بإعطائهم الدية عوضا على عفوهم.. بل زادت في ذلك فاكتفت في حال تعدد الأولياء بعفو أحدهم.. ولكنها مع ذلك حمت الحق العام، فأجازت للسلطان أن يعاقب الجاني من العقوبات التعزيرية ما يكف به شره عن الناس.

ومن الرحمة أنها أجازت للقتيل أن يعفو عن قاتله.. بل رغبت في ذلك كما قال تعالى :{ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ )(المائدة: 45)، أي المقتول يتصدق بدمه، في حال إصابته قبل موته.

ومن الرحمة أنها أجازت الصلح على القصاص، وأسقطت به القصاص، سواء أكان الصلح بأكثر من الدية أم بمثلها أم بأقل منها.. وسوت في ذلك بين أن تكون الدية حالة أم مؤجلة.. ومن جنس الدية، ومن خلاف جنسها بشرط قبول الجاني.. كما قال تعالى :{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } (النساء: 128)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)([171])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الخيارات التي أعطتها الشريعة لأولياء المقتول : ( من قَتَل عمداً، دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية: ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خَلِفة، وما صولحوا عليه فهو لهم)([172])

قلنا: حدثتنا عن عقوبة القتل العمد.. فحدثنا عن عقوبة القتل الخطأ.

قال: لقد نص الله تعالى على هذه العقوبة، فقال :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } (النساء: 92)

فهذه الآية الكريمة تنص على عقوبتين لمن قتل خطأ:

أما أولاهما، فترتبط بأهل القتيل من تعويض الضرر الذي أصابهم.. وهي عقوبة مالية أوجبها الاسلام ـ مع كون القتل خطأ ـ احتراما للنفس حتى لا يتسرب إلى ذهن أحد هوانها، وليحتاط الناس فيما يتصل بالنفوس والدماء، ولتسد ذرائع الفساد، حتى لا يقتل أحد أحدا ويزعم أن القتل كان خطأ.

وأما الثانية، فترتبط بالقاتل في نفسه من حيث تهذيبه حتى لا يعود فيقع في مثل هذه الأخطاء الشنيعة، وهي مرتبة كما ذكرها القرآن الكريم من عتق الرقيق، أو صيام شهرين متتابعين.

قال رجل منا: عرفنا العقوبة.. ولكنا لم نعرف على من تطبق.

قال: لقد ذكرت لكم أنها تطبق على من قتل خطأ.

قال الرجل: فكيف نفرق بين القاتل المتعمد والقاتل المخطئ؟

قال: القاتل المخطئ هو أن يقوم بشيء مباح، ولكنه يؤدي من حيث لم يقصد إلى القتل.. كأن يرمي صيدا، أو يقصد غرضا، فيصيب إنسانا فيقتله.. أو كأن يحفر بئرا، فيتردى فيها إنسان، أو ينصب شبكة – حيث لا يجوز – فيعلق بها رجل فيقتل.

قال الرجل: ألا ترى أن الشريعة تشددت مع المخطئ مع كونه لم يقصد؟

قال: أجل.. هي تشددت في ذلك رعاية لحرمة النفس البشرية حتى يأخذ كل إنسان حذره، فلا يتصرف تصرفا قد يؤدي ـ من حيث لم يشعر ـ إلى أن يزهق دم بسببه.

الجراح:

قلنا: حدثتنا عن عقوبة القتل، فحدثنا عن عقوبة الجراحات.. وما تريد بها؟

قال: يقصد بها الفقهاء الجنايات على ما دون النفس..وهي كل أذى يقع على جسم الإنسان من غيره فلا يودى بحياته، وهو تعبير دقيق يتسع لكل أنوع الاعتداء والإيذاء التى يمكن تصورها؛ فيدخل فيه الجرح والضرب والدفع والجذب والعصر والضغط وقص الشعر ونتفه وغير ذلك.

وهو ـ كما سبق ـ إما عمد ما تعمد فيه الجانى الفعل بقصد العدوان.. وإما خطأ، وهو ما تعمد فيه الجانى الفعل دون قصد العدوان.

قلنا: فما العقوبات التي وضعتها الشريعة في هذا الباب؟

قال: لقد فرقت الشريعة في هذا الباب، كما فرقت في الباب السابق بين العمد والخطأ.

قلنا: فما عقوبة العمد؟

قال: العقوبة الأصلية للجناية على ما دون النفس عمدًا هى القصاص، ولا يجب إلا إذا كان ذلك ممكنا، بحيث يكون مساويا لجراح المجني عليه من غير زيادة ولا نقص.. فإذا كانت المماثلة والمساواة لا يتحققان إلا بمجاوزة القدر، أو بمخاطرة، أو إضرار، فإنه لا يجب القصاص، وتجب الدية، لان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رفع القود في المأمومة، والمنقلة، والجائفة، وهذا حكم ما كان في معنى هذه من الجراح التي هي متالف: مثل كسر عظم الرقبة، والصلب، والفخذ، وما أشبه ذلك.

فإذا امتنع القصاص لهذه الأسباب وغيرها حلت محله عقوبتان بدليتان الأولى الدية أو الأَرْش والثانية التعزير.

 قلنا: فما عقوبة الخطأ؟

قال: اكتفت الشريعة في هذا النوع من الجنايات بالدية أو الأرش.. والدية هي الكاملة، وتكون في الضرر الكبير، والأرش هو الأقل من الدية.. ويكون في الضرر الصغير.

وقد تولى الفقه الإسلامي تفصيل ذلك مما لا نطيق ذكره هنا.

التعزيرات

قلنا: حدثتنا عن الجنايات.. فحدثنا عن العقوبات التي سميتها بالتعزيرات.

قال: التعزيرات هي كل العقوبات التي لم ترد بتقديرها النصوص، وقد ترك أمر البت فيها لولي الأمر العادل، وللخبراء.. والقصد منها تأديب الجاني وردعه، وردع المجتمع من الوقوع في مثل جريمته.

قلنا: فهل تضرب لنا أمثلة على الجرائم التي يكون فيه التعزير؟

قال: لا يمكن إحصاء ذلك.. فالمجتمعات تختلف في ذلك.. ومثل ذلك العصور.. ولكن ـ مع ذلك ـ هناك أمور ذكرها الفقهاء.. قد تصلح لجميع المجتمعات الإسلامية..

وقد قسموها إلى قسمين:

أولهما.. ما كان من الجرائم حقا لله تعالى، كالأكل في نهار رمضان بغير عذر، وترك الصلاة، والربا، وطرح النجاسة ونحوها في طريق الناس ونحوها.

وثانيها، ما كان على حق العباد، كسرقة ما دون النصاب، أو السرقة من غير حرز، وخيانة الأمانة والرشوة، أو أنواع السب والضرب والإيذاء بأي وجه، مثل أن يقول الرجل لآخر: يا فاسق، يا خبيث، يا سارق، يا فاجر، يا كافر، يا آكل الربا، يا شارب الخمر، ونحوها..

وقد سئل علي عن قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا خبيث، قال: هن فواحش فيهن التعزير، وليس فيهن حد.

ومن موجبات التعزير: الجناية التي لا قصاص فيها أو النهب أو الغصب أو الاختلاس.

قلنا: فكيف يكون التعزير؟

قال: يختلف ذلك بحسب اختيار ولي الأمر.. فقد يكون بالضرب، أو بالحبس أو بالتوبيخ، ونحوها بحسب ما يراه ولي الأمر رادعاً للشخص، بحسب اختلاف حالات الناس.

قلنا: أمن العقوبات الحبس؟

قال: أجل.. فقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلاً في تهمة، ثم خلى عنه([173]).. وهذا هو الحبس الاحتياطي.. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لي الواجد يُحلَّ عِرْضه وعقوبته) ([174])

قلنا: فلم لم تكتف الشريعة بالحبس الذي تمارسه الآن كل شعوب الأرض.

أراد ميثم أن يجيب.. لكن رجلا من الجمع رفع يده، وقال: إن أذنت لي، فسأجيب أنا عن هذا السؤال([175])..

أشار إليه ميثم بأن يتحدث، فقال: إن أول جنايات السجون – بحسب خبرتي في هذا – هو ما تجنيه على خزانة الدولة، فهي ترهقها بالخدمات المبذولة للمساجين، وترهقها أكثر من ذلك بتعطيل الإنتاج..

ومن جناياتها أن المحكوم عليهم يكونون في الغالب من الأشخاص الأصحاء القادرين على العمل، فوضعهم في السجون هو تعطيل لقدراتهم على العمل وتضييع لمجهود كبير كان من الممكن أن يبذلوه فيستفيد منه المجتمع لو عوقبوا بعقوبة أخرى غير الحبس تكفي لتأديبهم وردع غيرهم.

وقد حاولت مصالح السجون أن تستغل قدرة المسجونين على العمل، ولكنها لم تستطع حتى الآن أن توجد عملاً إلا لعدد قليل من المسجونين، أما الباقون فيكادون يقضون حياتهم في السجون دون عمل؛ يأكلون ويتطببون ويلبسون على حساب الحكومة.

ومن جنايات السجون إفساد المسجونين.. فالسجن يجمع بين المجرم الذي ألف الإجرام وتمرس بأساليبه، وبين المجرم المتخصص في نوع من الإجرام، وبين المجرم العادي.. كما يضم السجن أشخاصاً ليسوا مجرمين حقيقيين، وإنما جعلهم القانون مجرمين اعتباراً.. وكالمحكوم عليهم في جرائم الخطأ والإهمال.. واجتماع هؤلاء جميعاً في صعيد واحد يؤدي إلى تفشي عدوى الإجرام بينهم، فالمجرم الخبير بأساليب الإجرام يلقن ما يعلمه لمن هم أقل منه خبرة، والمتخصص في نوع من الجرائم لا يبخل بما يعلمه عن زملائه، ويجد المجرمون الحقيقيون في نفوس زملائهم السذج أرضاً خصبة يحسنون استغلالها دائماً، فلا يخرجون من السجن إلا وقد تشبعت نفوسهم إجراماً.

لا تحسبوا أن ما أذكره ظنونا أو رجما بالغيب..

لقد دلت المشاهدات على أن الرجل يدخل السجن لأمر لا يعتبره العرف جريمة؛ كضبط قطعة سلاح معه، وكان المعروف عنه قبل دخوله السجن أنه يكره المجرمين، ويأنف أن يكون منهم، فإذا خرج من السجن حبب إليه الإجرام واحترفه، بل صار يتباهى به..

وقد أدى هذا ببعض من أعرفهم من القضاة أن يشفقوا من الحكم بالحبس في الجرائم الاعتبارية التي لا يتمثل فيها روح الإجرام الحقيقي، كما أنهم قد يوقفون تنفيذ العقوبة في الجرائم الحقيقية إذا كان المجرم مبتدئاً، لأنهم يخشون أن يدخل الجاني السجن بريئاً من الإجرام أو مبتدئاً فيه، فيخرج من السجن ممتلئاً إجراما، فقيها في أساليبه.

ولهذا، فإن السجن الذي يقال عنه أنه إصلاح وتهذيب ليس هو في الحقيقة إلا معهد للإفساد وتلقين لأساليب الإجرام.

لقد شعرت بعض الحكومات بهذا.. ولذلك فقد حاولت أن تصلح من هذا العيب.. وذلك بتقسيم السجون على أساس نوع العقوبة، وأسنان المحكوم عليهم.

وقد رأيت أن هذا التقسيم لم يجد شيئا.. لسبب بسيط.. وهو أنه يجمع بين ذوي العقوبة الواحدة في محبس واحد، وبعضهم قد يكون مبتدئاً لا يعلم كثيراً عن الإجرام، والبعض من عتاة المجرمين، واختلاط هؤلاء من نفس العيب الذي يراد علاجه.. أما جمع الشبان في محبس واحد والكهول في محبس واحد فلن يكون علاجاً؛ لأن الإحصائيات تدل على أن أكثر المجرمين من الشبان.

ومن جنايات السجون انعدام قوة الردع.. ذلك أن عقوبة الحبس قد فرضت على أساس أنها عقوبة رادعة، ولكن الواقع قد أثبت أنها لا فائدة منها ولا أثر لها في نفوس المجرمين، فالذين يعاقبون بالأشغال الشاقة – وهي أقصى أنواع الحبس – لا يكادون يخرجون من السجن حتى يعودوا لارتكاب الجرائم، ولو كانت العقوبة رادعة لما عادوا لما عوقبوا عليه بهذه السرعة.

ومن جنايات السجون قتل الشعور المسئولية.. ذلك أن الكثير من المسجونين يقضون في السجن مدداً طويلة نوعاً ما.. وهم ينعمون خلالها بالتعطل من العمل، ويكفون خلالها مئونة أنفسهم من مطعم وملبس وعلاج.. والمشاهد أن هؤلاء يكرهون أن يلقى بهم خارج السجن ليواجهوا حياة العمل والكد من جديد، وأنهم يموت فيهم كل شعور بالمسئولية نحو أسرهم، بل نحو أنفسهم، فلا يكادون يخرجون من السجن حتى يعملوا للعودة إليه، ولا حباً في الجريمة ولا حرصاً عليها وإنما حباً في العودة إلى السجن وحرصاً على حياة البطالة.

ومن جنايات السجون ازدياد سلطة المجرمين.. فمن المجرمين من يستغل ـ بعد مغادرته السجن ـ جريمته السابقة لإخافة الناس وإرهابهم وابتزاز أموالهم، ويعيش على هذا السلطان الموهوم وهذا المال المحرم دون أن يفكر في حياة العمل الشريف والكسب الحلال.

لقد أصبح سلطان هؤلاء المجرمين على السكان الآمنين يزاحم سلطان الحكومات، بل أصبح المجرمون في الواقع أصحاب الكلمة النافذة والأمر المطاع.. ومن الوقائع التي أعرفها ويعرفها غيري من رجال القانون أن رجال الإدارة يستعينون بالمجرمين أيام الانتخابات العامة ليوجهوا الناخبين المتمسكين بحزبيتهم وجهات معينة بعد أن يعجزوا هم عن هذا التوجيه.. وقد أدى هذا إلى زيادة المجرمين الشبان الذين يتطلعون بدافع من طموحهم إلى نيل كل مركز ممتاز، كما أدى إلى قلب الموازين والأوضاع، فبعد أن كانت الجريمة عاراً أصبحت مدعاة للتباهي والتفاخر.. وبعد أن كان المجرم يطرد ذليلاً مهاناً أصبح عزيز الجانب مسموع الكلمة نافذ السلطان.

قال ذلك، ثم نظر إلى ميثم، وقال: اعذرني على هذه المقاطعة..

قال ميثم: بارك الله فيك.. لقد كفيتني الإجابة عن هذا السؤال.. وما ذكرته يدعو البشرية للنظر في هذه الشريعة العادلة لتقتبس منها من سنن الهدى ما يردع الشياطين الذين يتربعون على عروشها.

***

ما وصل ميثم من حديثه إلى هذا الموضع حتى جاء السجان، ومعه مجموعة من الجنود، ثم أخذوا بيده، وساروا إلى مقصلة الإعدام..

أراد بعضنا أن يتدخل ليمنعهم.. فأشار إلينا بأن نتوقف، وقال: أستودعكم الله أيها الإخوان الأفاضل.. لا أريد منكم، وأنا أتقدم لنيل هذه الجائزة العظيمة إلا أن تجعلوا نفوسكم جنودا في جيش العدالة الإلهية.. وأن تتحملوا مسؤوليتكم في هذا الصدد.. فـ :{ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)} (الأحزاب)

قال ذلك، ثم سار بخطا وقورة إلى المقصلة.. وتمتم بالشهادتين، ثم أسلم نفسه مبتسما لله.

بمجرد أن فاضت روحه إلى باريها كبر جميع السجناء بمذاهبهم وطوائفهم وأديانهم.. وقد صحت معهم بالتكبير دون شعور.. وقد تنزلت علي حينها أشعة جديدة اهتديت بها بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


([1])  أشير به إلى ميثم بن يحيى التمّار الأسديّ الكوفيّ (ت60 هـ)  كان من خواصّ صحابة علي بن أبي طالب، وكان يبيع التمر في الكوفة؛ لذا لقّب بـالتمّار.. استشهد بأمر من ابن زياد بعد أن قطع يديه ورجليه ولسانه؛ ليتبرّأ من علي بن أبي طالب.

وقد أخبره علي بما سيحصل له، فقال: (إِنَّك تُؤخَذ بعدي، فتُصلَب وتُطعَن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً، فيخضِّب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، وتصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامض حتَّى أريك النخلة التي تصلب على جذعها). فأراه إيَّاها، ثمّ قال: (يا ميثم، لك ولها شأناً من الشأن)، فكان ميثم يأتيها ويصلِّي عندها، ويقول : بوركت من نخلة، لك خلقت، ولي غذِّيت، ولم يزل يتعاهدها حتَّى قطعت، وحتَّى عرف الموضع الذي يصلب فيه. وكان ميثم يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنِّي مجاورك، فأحسن جواري، فيقول له عمرو : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يقصد بكلامه.

([2])  استفدنا الكثير من المادة العلمية المرتبطة بالنواحي النفسية والقانونية المتعلقة بهذا الفصل من كتاب (التشريع الجنائي في الإسلام) لعبد القادر عودة، فهو من أحسن ما كتب في الموضوع…

([3])  البلاد بتاريخ  12 /5/1422.. وورد في مجلة المجتمع 16/4/1422 ما يخالف بعض هذه الأرقام ففيها أن 22 مليون شخص عبر العالم قتلهم الأيدز خلال العشرين سنة الماضية.. وأن 5 ملايين شخص انتقل لهم المرض خلال السنة الماضية.. وأن 25 مليون مصاب بالإيدز في أفريقيا..

([4])   رواه البخاري ومسلم.

([5])  رواه البخاري ومسلم.

([6])  رواه ابن أبي الدنيا.

([7])  رواه أبو داود واللفظ له والترمذي والبيهقي.

([8])  رواه الحاكم.

([9])  رواه الترمذي والنسائي.

([10])  رواه مسلم وأحمد والنسائي.

([11])  رواه الطبراني.

([12])  رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.

([13])  رواه أحمد والطبراني واللفظ له.

([14])  رواه الطبراني.

([15])  رواه البيهقي.

([16])  رواه البزار.

([17])  رواه أبو يعلى بسند حسن.

([18])  رواه أحمد بسند حسن.

([19])  جزء من حديث رواه البخاري.

([20])  رواه ابن أبي الدنيا والخرائطي وغيرهما.

([21])  رواه الخرائطي وغيره.

([22])  رواه البيهقي.

([23])  رواه الحاكم.

([24])  رواه ابن حبان.

([25])  رواه البخارى.

([26])  رواه ابن ماجه.

([27])  رواه الترمذى.

([28]) رواه مسلم وغيره.

([29]) رواه البخاري ومسلم.

([30])  رواه البزار بسند فيه من وثقه ابن حبان وغيره ، وإن ضعفه شعبة وغيره.

([31])  رواه ابن مردويه في تفسيره بسند فيه ضعيف.

([32])  رواه البخاري ومسلم.

([33])  رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد واعترض بأن فيه متروكا.

([34])  رواه البخاري ومسلم.

([35])  رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

([36])  رواه البزار بسند جيد.

([37])  رواه البخاري وغيره.

([38])  رواه البخاري ومسلم.

([39])  رواه ابن حبان في صحيحه.

([40])  وذلك ـ طبعا ـ خاص بمن يدخله الخيلاء من إسبال الإزار، وهو مذهب جماهير العلماء.. وقد ذكرنا المسألة بتفصيل في رسالة (النبي الإنسان)

([41])  رواه أبو داود واللفظ له والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان في صحيحه.

([42])  هذه الرواية لابن حبان.

([43])  رواه  أبو داود وابن ماجه.

([44])  رواه  وابن ماجه والترمذي : واللفظ له ، وقال حسن غريب.

([45])  رواه أبو داود وغيره.

([46])  رواه  أبو داود.

([47])  قال الخطابي : معنى هذا توكيد التحريم والتغليظ فيه ، يقول من استحل بيع الخمر فليستحل أكل الخنازير فإنهما في الحرمة والإثم سواء ، فإذا كنت لا تستحل أكل لحم الخنزير فلا تستحل ثمن الخمر.

([48])  رواه  أبو داود.

([49])  رواه  أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه.

([50])  رواه أحمد وأبو داود.

([51])  رواه مسلم.

([52])  رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

([53])  يشتد: يغلي ويتخمر.

([54])  رواه البخاري ومسلم.

([55])  رواه  الحاكم.

([56])  رواه  الطبراني.

([57])  رواه البزار بسند صحيح.

([58])  رواه  النسائي، وفي رواية : (عن القرآن لم تقبل له صلاة أربعين يوما وإن مات فيها مات كافرا)

([59])  رواه  الطبراني وابنا خزيمة وحبان في صحيحيهما والبيهقي.

([60])  رواه  ابن حبان في صحيحه.

([61])  رواه  الحاكم وقال صحيح على شرطهما.

([62])  رواه أبو داود.

([63])  رواه  أحمد بسند حسن، والبزار والطبراني بسند حسن أيضا.

([64])  رواه  الترمذي وحسنه والحاكم وصححه، وتتمة الحديث: قيل لابن عمر راويه يا أبا عبد الرحمن: وما نهر الخبال ؟ قال نهر من صديد أهل النار.

([65])  رواه  الحاكم وصححه.

([66])  رواه  رزين.

([67])  رواه  ابن ماجه والبيهقي.

([68])  رواه  الطبراني بسند صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.

([69])  رواه  أحمد مختصرا وابن أبي الدنيا والبيهقي.

([70])  رواه  عبد الله بن الإمام أحمد في زياداته.

([71])  رواه  ابن ماجه وابن حبان في صحيحه.

([72])  رواه  الترمذي من رواية عبد القدوس وقد وثق وقال: غريب وقد روى الأعمش عن عبد الرحمن بن لنسكيه مرسلا.

([73])  رواه  البيهقي.

([74])  رواه  البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

([75])  رواه  البيهقي.

([76])  رواه  مسلم.

([77])  رواه أحمد وأبو يعلى.

([78])  رواه  أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه.

([79])  رواه  ابن حبان.

([80])  رواه  الحاكم وصححه : واعترض بأن فيه متروكا.

([81])  رواه  أحمد، ورواه البزار إلا أنه قال : (لا يلج جنات الفردوس)

([82])  رواه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح.

([83])  رواه ابن حبان في صحيحه. 

([84])  روا الطبراني بسند رواته ثقاة. 

([85])  رواه أحمد واللفظ له والنسائي والبزار والحاكم وصححه.

([86])  رواه الطبراني.

([87])  رواه الطبراني بسند، قال فيه المنذري : لا أعلم في رواته مجروحا وله شواهد كثيرة.

([88])  رواه  الطبراني بسند صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.

([89])  رواه  البزار.

([90])  رواه  البزار.

([91])  يعني البرابط، أي العيدان جمع بربط بفتح الموحدتين وهو العود والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية.  

([92])  رواه  أحمد.

([93])  رواه  البزار بسند حسن.

([94])  رواه الطبراني بسند رواته ثقات إلا شيخه ، وقد وثق وله شواهد.

([95])  رواه  الطبراني.

([96])  رواه  أحمد بسند رواته ثقات.

([97])  رواه  الأصبهاني.

([98])  رواه  أحمد بسند رواته ثقات.

([99])  رواه الترمذي.

([100])  رواه  أبو داود واللفظ له وابن حبان في صحيحه بنحوه.

([101])  رواه  أبو داود والنسائي وابن ماج، ورواية الأخيرين : ( فاضربوا عنقه)

([102])  رواه أحمد بسند جيد.

([103])  رواه الطبراني بإسناد حسن.

([104])  رواه  الطبراني والبيهقي.

([105])  رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب والحاكم وصححه.

([106])  رواه  أحمد وغيره بإسناد حسن.

([107])  رواه  الطبراني.

([108])  رواه مسلم وغيره.

([109])  رواه  الطبراني.

([110])  رواه  البزار وفيه نكارة.

([111])  رواه  أحمد.

([112])  رواه  ابنا خزيمة وحبان في صحيحيهما والحاكم.

([113])  رواه  الطبراني.

([114])  رواه  أحمد وغيره بسند حسنه بعضهم.

([115])  رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

([116])  رواه الترمذي وصححه.

([117])  رواه البيهقي.

([118])  رواه  ابن حبان في صحيحه.

([119])  السحت: الحرام ، وقيل الخبيث من المكاسب.

([120])  رواه  الترمذي، وفي رواية بسند حسن : ( لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام)

([121])  رواه البيهقي، قال الحافظ المنذري : في إسناده احتمال للتحسين ويشبه أن يكون موقوفا.

([122])  التشريع الجنائي في الإسلام.

([123])  رواه البخاري ومسلم.

([124])  رواه مسلم.

([125])  رواه ابن ماجه والأصبهاني.

([126])  رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن.

([127])  رواه الطبراني بإسناد جيد.

([128])  رواه الطبراني.

([129])  رواه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح إلا ابن لهيعة.

([130]) هذه الإحصائيات منقولة من كتاب (التشريع الجنائي في الإسلام)، وللزمن دوره ـ كما نعلم ـ في هذا.. ونحن ننبه هنا إلى أنا لم نذكر الأرقام هنا لغرض الأرقام.. وإنما ذكرنا لتوضيح الفكرة.. ولهذا لم نعتمد الأسس العلمية التي تجرى في الإحصائيات عادة.

([131])   نص الفقهاء على أن حدّ الحرابة يسقط عن المحاربين بالتّوبة قبل القدرة عليهم.. وذلك لقوله تعالى :{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المائدة:34)

ولكن هذه التوبة لا أثر لها إلا فيما يرتب بحق اللّه ، وهو تحتّم القتل ، والصّلب ، والقطع من خلاف ، والنّفي، أمّا حقوق الآدميّين فلا تسقط بالتّوبة، فيغرمون ما أخذوه من المال ـ عند الجمهور ـ إن كان المال قائما ، ويقتصّ منهم إذا قتلوا ، ولا يسقط إلاّ بعفو مستحقّ الحقّ في مال أو قصاص.

([132])  رواه البخاري ومسلم.

([133])  رواه مسلم.

([134])  رواه الترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد.

([135])  رواه البيهقي.

([136])  رواه النسائي.

([137])  رواه أحمد ومسلم والنسائي.

([138])  رواه مسلم.

([139])  رواه أحمد ومسلم.

([140])  رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة.

([141])  رواه والديلمي ، وابن النجار.

([142])  رواه الطبراني في الكبير.

([143])  رواه مسلم وأبو داود.

([144])  رواه مسلم.

([145])  رواه البخاري ومسلم.

([146])  رواه البخاري.

([147])  رواه البخاري وغيره.

([148])  رواه ابن حبان بإسناد حسن، والزيادة للبيهقي والأصبهاني.

([149])  رواه مسلم وغيره.

([150])  رواه النسائي والبيهقي.

([151])   رواه ابن ماجه.

([152])  رواه الترمذي وقال حسن غريب.

([153])  رواه البيهقي، رواه الطبراني بلفظ: (لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم الله جميعا على وجوههم في النار)

([154])  ابن ماجه والأصبهاني.

([155])  رواه الطبراني بسند رواته ثقات، ورواه البيهقي مرفوعا هكذا وموقوفا ، وقال الصحيح وقفه أي ومع ذلك له حكم المرفوع إذ مثله لا يقال من قبل الرأي.

([156])  رواه البخاري ومسلم.

([157])  رواه البخاري ومسلم.

([158])  رواه النسائي.

([159])  رواه النسائي والحاكم وصححه.

([160])  رواه الترمذي وحسنه والطبراني بسند رواته رواة الصحيح.

([161])  رواه الطبراني.

([162])  رواه ابن حبان في صحيحه.

([163])  ذكر الغساني أن معنى اغتبط بقتله أن يقتله في الفتنة ظانا أنه على هدى فلا يستغفر الله.

([164])  رواه أبو داود.

([165])  رواه أحمد.

([166])  رواه البزار والطبراني بإسنادين أحدهما صحيح.

([167])  رواه أبو داود والنسائي. 

([168])  رواه الدارقطني، وروي مرسلاً عند محمد بن الحسن، والشافعي وعبد الرزاق وأبي داود من طريق البيلماني.

([169])  رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود والبخاري.

([170])  رواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما.

([171])  رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححه.

([172])  رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.

([173])   رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.

([174])   رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

([175])  نقلت هذه الجنايات ـ بتصرف ـ من كتاب (التشريع الجنائي في الإسلام) لعبد القادر عودة.. والإحصائيات المذكورة فيه إحصائيات مرتبطة بزمن المؤلف، ولاشك أنها الآن أعمق وأخطر.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *