ثانيا ـ صمود

ثانيا ـ صمود

في اليوم الثاني من تلك الأيام العشرة المباركة، التقيت المستشرق الذي قطفت على يده ثمرة الصمود من شجرة النبوة..

وهي الثمرة التي عرفت بها سر قوله تعالى:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)، وسر قوله تعالى:{  يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }(التوبة)

وعرفت بها سر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة)([1])

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون)([2])

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليبلغن هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله هذا الدين، بعِزِّ عزيز، أو بِذُلِّ ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر)([3])  

فهذه النصوص المقدسة تخبر عن التأييد الذي أمد الله به هذا الدين، فقام صامدا في وجه كل المؤمرات التي كانت ولا تزال تحاك ضده.

وإلى جنب هذا عرفت سر تلك النصوص الكثيرة التي تنبئ المسلمين عن العداوات الكثيرة التي تختزنها لهم الأيام، والتي عبرت عنها النصوص القرآنية والنبوية خير تعبير:

قال تعالى:{  وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}(البقرة)

وقال تعالى:{ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}(النساء)

وقال تعالى:{  إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}(الممتحنة)

وقال تعالى:{ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)}(التوبة)

فهذه النصوص المقدسة جميعا تقريرات ربانية تخبر المسلمين عبر التاريخ عما يريد الجاهلون والجاهليون أن يفعلوه بالشجرة المباركة التي بذر بذورها نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.

***

سمعت بـ (جابرييلي فرانشيسكو)([4]) وهو مستشرق إيطالي كان من النوع الذي حدثني عنه مدير جامعة السربون، واسمه من الأسماء التي وضعت في الدفتر الذي سلمني إياه المرشد، وقد كنت أتحين الفرص للقائه والاستماع إليه، ولكني لم أظفر بذلك إلا في ذلك اليوم الجميل…

في صباح ذلك اليوم سرت إلى حديقة جميلة بضاحية باريس، سمعت أن بها شجرة ولدت قبل أن تولد أكثر مباني المدينة، كان يأتيها الشيوخ ليتذكروا شبابهم، ويأتيها الشباب، ليسألوا الله أن يمدهم من العمر ما أمدها.

عندما رأيتها لم أصدق أنها شجرة عجوز، فقد كانت نضارة الشباب تملؤها، فأوراقها لا تزال غضة طرية، وسيقانها الجديدة تضاهي سيقان أصغر الأشجار وأرقها، وثمارها لا تزال تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

ولكن ما أكد لي هذا العمر الطويل الذي رزقها الله إياه هو ضخامة أصولها، وامتداد جذورها، وتعالي هامتها، ورسوخها الشديد في أرضها، فهي لا تهزها العواصف، ولا تعبث بها الأعاصير، ولا تميد بأغصانها الرياح.

وفوق ذلك، فقد اكتسبت مقاومة فعالة ـ لست أدري مصدرها ـ ضد كل تلك الحشرات الضارة التي عبثت بصحة نظيراتها، فأسلمتها إلى الموت المحتوم.

هناك رأيت (جابرييلي فرانشيسكو) المستشرق الإيطالي، جالسا على عشب تلك الحديقة، يحدق بشدة إلى تلك الشجرة، وكأنه يرى في أوراقها وأغصانها وهامتها ما لا يرى سائر الناس.

فرحت فرحا شديدا للقائه، فحييته باللغة العربية، لأنال فرصة الحديث معه، فقد كنت أعلم هيامه الشديد بها.

عندما سمعني أتحدث بالعربية، طلب مني أن أجلس بجانبه، فجلست، وبدأ يسألني عني، فذكرت له ما أذن لي في ذكره، وحجبت عنه ما نهيت عن ذكره.

قلت له بعدها: أراك مستغرقا في هذه الشجرة، أتتذكر فيها شبابك؟

قال: لا.. أتذكر فيها رجلا غرس شجرة لا تختلف كثيرا عن هذه الشجرة.. لقد غرسها منذ قرون طويلة، ومع ذلك لا تزال غضة طرية ممتلئة شبابا.

مرت عليها الأعاصير.. كل الأعاصير.. فلم تجتثها.

أصيبت الأرض بجانبها بالزلازل، ولكن أرضها لاتزال مستقرة ثابتة.

اجتمعت جميع أسود الدنيا وسباعها لتغرز أنيابها في أصولها، وتقطع منابع الرزق عن فروعها، فعادت إليها أنيابها خاسئة حسيرة عاجزة.

صوبت في وجهها المدافع.. فلم تفلح المدافع، ولم يفلح القائمون عليها.

أضرمت حولها النيران، فلم تحرقها، ولم تجفف أوراقها، ولم تشوه صورتها.

ثم نظر إلى، وقال: هذه الشجرة تذكرني بتلك الشجرة العظيمة.

قلت: من ذلك العظيم الذي غرس تلك الشجرة العظيمة.

قال: صدقت، فالشجرة العظيمة لا يغرسها إلا عظيم.

قلت: فمن هو؟

قال: محمد.

قلت: أي محمد تقصد؟

قال: وهل هناك غير محمد؟

قلت: لعلك تقصد نبي العرب.

قال: بل نبي العالم.. نعم إن شجرة محمد نبتت في بلاد العرب، ولكن أغصانها وأوراقها وثمارها شملت العالم أجمع.

قلت: أي شيء أغراك بتلك الشجرة حتى نالت منك كل هذا الاهتمام؟

قال: الصمود..

قلت: الصمود!؟.. ما تعني بالصمود؟

قال: لقد كنت مغرما منذ صغري بالأبطال الصامدين الذين لا يهتزون لشيء، ولا يتأثرون لشيء.. الأبطال الثابتون على مبادئهم أمام كل ترغيب، وأمام كل ترهيب.

وقد كان من الأبطال الذين امتلأ قلبي تعظيما لهم محمد.. لقد سمعت قوله لعمه الذي جاء يخبره بما أغراه قومه به، وبما رهبوه.. فقال: (يا عم.. والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)([5])

قلت: والمسيح ـ أيضا ـ ثبت أمام خشبة الصليب.. لقد قضى ست ساعات على الصليب، وقد تألم فيها بأنواع عديدة من الآلام لم تزعزعه، ولم تهد كيانه المقدس.

لقد تألم آلاما كثيرة.. آلاما في جسده..  وآلاما في نفسه.

لقد تفل عليه، وضرب بالسياط، ووضعوا إكليل شوك فوق رأسه القدوس، وهو الملك صاحب التيجان الكثيرة.

وطعنوه بحربة في جنبه، وسالت منه ينابيع الغفران من خلال ذلك الدم الذي يطهر من كل خطية، والذي لا يزال يتكلم ويطلب الغفران لأجلنا.

ثقبوا يديه ورجليه بمسامير حديدية غليظة بواسطة أيدي الجنود الرومانيين الذين كانت قلوبهم غليظة.

رددت هذا الكلام من غير شعور، فقال: أنت مهتم بالدين المسيحي إذن؟

قلت: وكيف لا أهتم، وأنا مسيحي؟

قال: وأنا مثلك مسيحي.. أذهب كل أحد إلى الكنيسة.. ولكني لا أشعر بأي اهتمام بالمسيحية.

قلت: لم؟

قال: ألم أذكر لك بأني مغرم بالبطولة والصمود إلى الغاية التي لا تتصورها؟

قلت: ولم تتجل البطولة في أحد كما تجلت في المسيح، وهو على خشبة الصليب.

قال: إن شئت الحق، فإن هناك آلاف المصلوبين في العالم أبدوا من البطولة والصمود على ما هو أخطر من الصليب أضعاف ما ذكر عن المسيح..

بل إنه لا أحد من المجرمين المصلوبين من صاح بذلك الرعب الذي صاح به المسيح عندما قوّله كتبتنا قوله: (إيلي إيلي.. لماذا شبقتني!؟ أي إلهي إلهي لماذا تركتني) (متى:27)([6])

ثم التفت إلي، وقال: حتى لو فرضنا أن ما حصل من المسيح صمود لا نظير له، فإنه صمود شخص يبعث على الإعجاب.. لا صمود أمة..

قلت: ولكن أتباع المسيح أبدوا من الصمود والثبات ما لا نظير له.

إن التاريخ يشهد بالبطولات العظيمة التي أبداها أتباع المسيح في القرون الثلاثة الأولى تجاه جميع أنواع المحن والبلايا والاضطهادات التي مورست عليهم.

قال: ولكنهم ـ في الأخير ـ تزعزعوا أمام إرادة الامبراطور..

نعم.. لم تطق معهم أسلحة الترهيب.. ولكن أسلحة الترغيب جذبتهم.. فتحولت المسيحية من دين المسيح إلى دين قسطنطين.. يغير فيها ما يشاء، ويثبت ما يشاء.

قلت: كيف تقول هذا؟

قال: أنا مؤرخ.. ولا أتعامل إلا مع الوثائق التاريخية، ولدي من الوثائق الكثيرة ما يثبت تلك الانحناءات الخطيرة التي انحناها ورثة المسيح، ليتركوا ـ في الأخير ـ الأمر للبابا الأول حضرة الامبراطور قسطنطين ليتصرف في دينهم كيف يشاء.

اسمح لي.. يا أخي.. أن أقول لك بأن ديننا الذي ندين به ورثناه من الامبراطور، لا من المسيح.

قلت: إن هذا الكلام الذي تقوله خطير جدا.

قال: ولكنه صحيح جدا للأسف..

قلت: لا بأس قد أقر لك بما ذكرت .. ولكن كيف صمدت الثمار التي جاء بها الإسلام؟

نظر إلى الشجرة برهة، ثم قال: ألم تتساءل عن سر نشاط هذه الشجرة وحياتها واستمرارها في العطاء طول تلك السنين التي مرت بها؟

قلت: لا أحتاج إلى التساؤل عن ذلك.. فهو واضح.. فأرضها طيبة تمدها بالماء وما تحتاجه من غذاء الأرض، وهواؤها عليل يمدها بما تحتاجه من غذاء السماء.. وهي مع ذلك كريمة لا تحتفظ بهذه الأقوات لنفسها.. بل تمد بها من قصدها، فتحييه بحياتها، وتشمله ببركاتها.

قال: فكذلك الشجرة التي غرسها محمد.. لقد كان لصمود المصادر التي تغذت بها شجرته أثرها الكبير في حفظ حياة دينه، وحفظ ثمراته.

قلت: ولكنا نرى الإسلام تقزم بعد أن كان عملاقا، وهرم بعد أن كان شابا.

قال: هو هرم مزيف، وهو تقزم تكذب العين في رؤيته.. الإسلام في حقيقته لا يزال يحتفظ بكل مقومات حياته.. ولكن الحروب العظيمة التي ووجه بها جعلتنا نرى في المسلمين ما نراه.. ولو أن هذه الحروب توقفت أياما، وتركت المسلمين لأنفسهم لعادوا إلى قوتهم التي تختزن في مصادرهم.

إن الشجرة التي غرستها المصادر المقدسة لهذا الدين شجرة لا تنتج إلا الثمار الطيبة.. وهي ثمار قد يعرض عنها البعض في وقت من الأوقات، ولكنهم سرعان ما يحنون إليها، ويحدو بهم الشوق للأكل منها.

قلت: هذا كلام عام أريد تفاصيله.

قال: ولن تجد عندي إلا تفاصيله.. لقد عشت كثيرا في المجتمعات المسلمة.. ومع كونها تخلفت كثيرا عن دينها، ولكنها مع ذلك لا تزال تحتفظ بكل المقومات التي يمكن أن تعيد لها الحياة من جديد، وتعيد لهذا الدين دوره الرائد في العالم.

العقيدة:

قلت: فلنبدأ بالعقيدة.. والتي هو أصل أصول الدين، وأساس أسسه.

قال: لقد بحثت في الأديان جميعا.. وقرأت تراثها المقدس.. وتغلغلت في أديرتها ومعابدها لأبحث عن صورة مقدسة لله.. فلم أجدها إلا في دين محمد..

إنه الدين الوحيد الذي يعرض تعريفا لله ينسجم مع الفطرة والعقل والكون والحياة..

إن كل شيء يبرهن على كل كلمة يحملها دين محمد عن الله.

والمسلمون في جميع فترات تاريخهم يحملون تصورات مقدسة عن الله تسمو كثيرا عن كل ما حصل في جميع الأديان من تحريفات.

أنت مثلي تحب التفاصيل.. ولا تقنع بالأسلوب الخطابي.. فلذلك سأذكر لك ما يبرهن لك على أن الشجرة الوحيدة التي صمدت في وجه جميع التحريفات هي الشجرة التي غرسها محمد.

إن أهم ما يميز العقيدة الإسلامية هو تناسبها مع الفطرة السليمة التي يلتقي فيها العقل والروح والنفس من غير أن يحصل بينها أي اضطراب.. لقد عبر القرآن عن هذه الخاصية بقوله:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم:30)

هذه العقيدة الفطرية تشرحها سورة قصيرة قل أن يوجد مسلم لا يستظهرها هي سورة الإخلاص.. وهي السورة التي نزلت جواب إلهياً للمشركين عندما سألوا محمدا أن يصف لهم ربه.

وهذه الحقيقة هي التي تجذب اهتمام وتركيز دارسي الإسلام من أول لحظة، وتدفع من كتبت له الهداية منهم إلى نفض ما علق بفطرته من ركام والدخول في دين الله بطمأنينة،  ذلك أن (أول ما يستشعره القلب والعقل أمام العقيدة الإسلامية هو الاستقامة والبساطة والوضوح..وهذه السمة التي تجتذب الأفراد الذين يدخلون في هذا الدين من الأوربيين والأميركيين المعاصرين فيتحدثون عنها بوصفها أول ما طرق حسهم من هذا الدين وهي ذاتها السمة التي تجتذب البدائيين في إفريقيا وآسيا في القديم والحديث لأنها سمة الفطرة التي يشترك فيها الناس أجمعين متحضرين وبدائيين)([7])   

لقد قال بعض قومنا من المسيحيين ممن عشقوا هذه العقيدة الفطرية المنطقية: (بدأت أدرس الأديان بصفة عامة، والإسلام على وجه الخصوص، فأيقنت في غضون دراستي أن دنيا تفكيري وإحساسي أقرب للإسلام منها للمسيحية، وبالتدريج اكتشفت أن الإسلام كمنهج حياة كان ينسجم من كافة الوجوه مع فطرتي البشرية)

ويقول: (عندما درست وجهة النظر الإسلامية حول النبي عيسى عليه السلام ابن الله، كما عرفت فيما بعد من أستاذ بروتستانتي أن عدداً كبيراً من المسيحيين ـ حوالي 80 بالمائة ـ منهم أقرب إلى الإسلام منه إلى المسيحية في هذه الناحية على الأقل من عقيدتهم، أما من الناحية العملية فحتى قبل إسلامي كنت أنفر من الخمور والرقص وما شابه ذلك من الأمور التي عرفت فيما بعد أنها محرمة في الإسلام، وهكذا كان الإسلام بالنسبة لي كعملية اكتشافي لفطرتي)([8])  

ويقول: (والعجيب في قضية التثليث التي تنسب أوروبا الفضل في إنكارها إلى فلاسفة عصر التنوير (ق18) من أمثال فولتير، ويعرب بعض الباحثين عن دهشتهم لان عقلية جبارة كتلك التي يتمتع بها ديكارت لم تستنكر هذه العقيدة ولو بكلمة واحدة.. هذا في حين أن الإسلام ـ دين الله الحق ـ سبق إلى نقص هذه العقيدة وإبطالها ليس من خلال تنفيره العام من الشرك وإنكاره المطلق فحسب بل أفرد الحديث عنها استقلالاً وفصله من وجوه منوها بأنها عقيدة وثنية قديمة وهي الحقيقة التي لم تعرفها أوروبا إلا بعد ظهور علم مقارنة الأديان الذي يعد من أحداث علومها النظرية، قال تعالى:{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة:30))([9])

هذا في العقيدة في الله التي هي أصل العقائد ولبابها.. وهكذا في سائر العقائد.

قارن بين موقفنا من الخطيئة الموروثة التي تنبني عليها المسيحية، وبين قول القرآن:{ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الأنعام:164).. وقوله:{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الاسراء:15).. وقوله:{ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (الزمر:7)

وغيرها من الآيات الكثيرة التي تنفي مسؤولية الإنسان على ما لم يعمله.. بل إن القرآن ينفي مسؤولية الإنسان على ما أكره عليه.. لأن العمل لايعتبر عملا يستحق الجزاء إلا إذا كان عن طواعية تامة.. يقول القرآن:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل:106).. ويقول:{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65)

قارن هذه العقيدة التي تنسجم مع المنطق العقلي بعقيدتنا في الخطيئة الموروثة..

لقد أزعجت الخطيئة المورثة فولتير وباسكال.. بل أقلقت الضمير الأوروبي كله وأرقته منذ أن اعتنقها إلى الآن..

أما القرآن، فإنه يذكر الحادثة باعتبارها حدثا تاريخيا يذكر للعبرة.. لا لتبنى حياة البشر كلها على أساسه..

بالإضافة إلى ذلك.. فالقرآن ذكر القصة مذيلة بذكر التوبة والاستغفار وبيان أن الله قبل التوبة وغفر الخطيئة، ففي سورة البقرة ينتهي سياق القصة إلى قوله:{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:37)

وفي سورة الأعراف تنتهي القصة بقوله:{ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (لأعراف:23)

وفي سورة طه يقول:{ فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى(121)ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}(طه)

انظر.. إن الآيات القرآنية لا تعطي الخطيئة ذلك الحجم الضخم الذي تعطيها إياه تعاليم الكنيسة، فهي أمر عرضي في حياة آدم، بل في حياة كل بشر، تمحوه التوبة ويذهبه الاستغفار.

أما الهبوط إلى الأرض ـ على حسب القرآن ـ فقد كان هو الغرض الأصلي من خلق آدم.. فقد قال الله للملائكة قبل خلق آدم:{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } (البقرة:30).. ولم تكن المعصية إلا سببا لذلك([10])..

إن هذه العقيدة المنطقية ـ مقارنة بعقيدتنا ـ هي الأساس السليم الذي بني عليه السلوك الإسلامي الرفيع.

أما تصوراتنا.. فقد كانت محل سخرية من المسلمين.. ومحل نقد لاذع.. وقد كان علماء المسلمين أسبق من فلاسفة عصر التنوير وأتباع مدرسية النقد التاريخي في هذا المضمار.. كما قال ابن القيم: (فنسبوا الإله الحق سبحانه إلى ما أنف أسقط الناس وأقلهم أن يفعله بمملوكة وعبده، وإلى ما يأنف عباد الأصنام أن ينسبوا إليه.. ونسبوه إلى غاية السفه حيث خلصهم من العذاب بتمكينه أعداءه من نفسه حتى قتلوه وصلبوه وأراقوا دمه، ونسبوه إلى غاية العجز حيث عجزوه أن يخلصهم بقدرته من غير هذه الحيلة ونسبوه إلى غاية النقص حيث سلط أعداءه على نفسه وابنه ففعلوا به ما فعلوا.. وبالجملة فلا نعلم أمة سبت ربها ومعبودها وإلهها بما سبت به هذه الأمة)

هذا الكلام نموذج من بين انتقادات عقلية لا حصر لها دونها علماء المسلمين قبل أن يخلق سبينوزا وباسكال وفولتير بقرون، وقبل أن تفكر أوروبا في شيء اسمه (النقد التاريخي) أو حرية التفكير.

قلت: أنا أقر بالكثير مما ذكرت من الانحرافات الخطيرة التي دخلت المسيحية.. ولكنها مع ذلك لا تقل عن الانحرافات التي دخلت الإسلام.. وبذلك انحنى الإسلام أمام الهرطقات الكثيرة التي دخلته كما انحنت المسيحية..

قال: لا.. لقد أتيحت لي فرصة الاطلاع على مقولات الفرق الإسلامية المرتبطة بهذا الجانب.. فوجدتها كلها تصب في بحر واحد هو بحر الوحدانية والتقديس والتعظيم.. المسلمون كلهم موحدون لله.. يحملون تصورات غاية في القداسة عن الله.

قلت: ولكني قرأت الكثير من الكتب والمطويات التي تحذر من طوائف المبتدعة من المؤولة والمفوضة والمشبهة والمجسمة..

قال: تلك ـ كما يقال ـ زوبعة في فنجان.. وأولئك قوم من المتطرفين.. هم أشبه الناس بأولئك الذين اجتمعوا بأمر قسطنطين في مجمع نيقية.. ليس لهم من هم إلا التفريق بين صفوف إخوانهم..

قلت: ولكن لقولهم مصداقية عظمى.

ابتسم، وقال: لقد أتيحت لي مخالطة بعضهم.. وقد رأيت من قصر عقولهم ما صرفني عن الاستماع لهم..

قلت: ولكن كلامهم مهم جدا.. لقد لاحظت اهتمام الكنيسة به.

قال: إن الكنيسة تهتم بمقولاتهم لأنها من التبشير غير المباشر.. أما الحقيقة.. فلا خلاف بين المسلمين جميع المسلمين في جميع مسائل العقيدة.

قلت: الشيعة والسنة والمعتزلة والخوارج..

قال: أجل.. جميعهم يعبدون إلها واحدا.. ويؤمنون بنبي واحد.. وكل الذي يثار ليس إلا زوبعة في فنجان([11]).

الشعائر:

قلت: عرفت صمود ثمار عقائد الإسلام.. فهل صمدت ثمار شعائره؟

قال: أجل.. وبنفس صمود عقيدته.. ذلك أن كليهما يستمد من مصادر ثابتة صحيحة غاية في القوة..

قلت: فهل صمد الإسلام في هذا الميدان؟

قال: كما لم يصمد دين من الأديان.. بل هو لا يزال غضا طريا كما جاء.. وقد كان للنظام الذي اتسمت به شعائر الإسلام السر الأكبر في بقائها وصمودها.

فكل الشعائر التي وضعت النصوص الإسلامية المقدسة طرقها وأساليبها ليس لها إلا هدف واحد هو ربط المسلمين بربهم ورسولهم ودينهم، فلا يمر وقت من الأوقات على المسلم يكون فيه بعيدا عن ربه وذكره وعبادته([12]):

فارتباط المسلم بربه مستمر دائم في كل لحظة من لحظات عمره، بل هو على صلة دائمة به: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } (الأنعام)

فهو يصلي كل يوم وليلة خمس صلوات مفروضة، في أوقات محددة موقوتة، ليس له أن يتقدم عليها أو يتأخر بدون عذر شرعي.. وهو مأمور بالطهارة الكبرى والصغرى لكل صلاة منها..هذا عدا نوافل الصلاة المؤكدة وغيرها مما لا حصر له منها..

وهو يصوم شهرا كاملا في السنة فرضا لا يسقطه عنه سقوطا مؤقتا أو مطلقا إلا عذر شرعي..هذا عدا نوافل الصوم التي أفضلها صوم يوم وإفطار يوم على القادر في عمره كله.. وهناك أيام محدودة في الأسبوع وفي الشهر وفي العام يشرع للمسلم صيامها..

وهو يحج حجا مفروضا عليه مرة في عمره، لا يجوز له تركه إلا بعذر شرعي.

وهو يخرج زكاة ماله في أوقاته المحددة، لا يجوز له تأخير ذلك، وأمره الله تعالى بنوافل الصدقات والإنفاق مما رزقه الله، في كل ما يحقق الخير للإسلام والمسلمين..

وهو مأمور بذكر الله تعالى الواجب والمندوب، بحيث لا يزال لسانه رطبا بذكر ربه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)} (الأحزاب)

وهو مأمور بتعاطي ما أحل الله، وترك ما حرم الله في كل تصرفاته، فلا يخلو المسلم في أي وقت من أوقاته من فعل طاعة أو ترك معصية.

فليس له أن يعصر خمرا ولا يبيعها ولا يعلن عنها ولا يسقيها ولا يملكها..

وليس له أن يصنع سلاحا أو يبيعه لمن يقتل به نفسا حرم الله قتلها مسلما كان أو غير مسلم بغير حق، ولا يتلف به مالا ولا حرثا ولا حيوانا..

وليس له أن يبيع أو يشتري بيعا أوشراءا فيه غش للناس، وضرر بهم.

وليس له أن يسرق مال غيره ولا يغتصب أرضه ولا يستحل عرضه ولا يطلع على عورات جاره..

فهو في كل حال من أحواله مرتبط بربه، لأنه يضبط جميع تصرفاته بطاعته وترك معصيته..

وهو مرتبط بجماعة المسلمين من أي جنس كانوا، وفي جميع أنواع الشعائر.. ففي الإسلام عبادات جماعية، يقوم بها المسلمون قياما جماعيا، سواء كان التكليف بها فرض عين أو فرض كفاية أو مندوبا..

ولهذا شرع للمسلمين عمارة الجوامع والمساجد في مدنهم وأحيائهم، وشرع لهم عمارتها بذكر الله فيها، وبخاصة صلوات الجماعات خمس مرات في اليوم والليلة، وصلوات الْجُمَع الأسبوعية، التي ينادي المؤذنون فيها لكل صلاة من تلك الصلوات.

وشرع لهم أن يكون أئمتهم من القراء الذين يحفظون كتاب الله أو كثيرا منه، ويفقهون أحكام الله، فيسمع منهم المصلون في الصلوات الجهرية ما يقرؤون من كتاب الله، فيتدبرونه وينتفعون به..

والمسلم في هذه الحالة العبادية الخاشعة الراغبة الراهبة، شديد البحث والتفتيش عن نفسه في آيات كتاب ربه، ليعرف أين هو فيها من النواحي الإيمانية والعبادية والأخلاقية، والاجتماعية، والفقهية والدعوية، أين هو من رضا ربه أو سخطه.. وهل يتصف بصفات من رضي الله عنهم من المؤمنين، أو بصفات من سخط الله عليهم من الكافرين والمنافقين، وهل صلته بالله تؤهله لدخول الجنان أو لعقاب ربه في النيران.

ويتدبر ذكر ربه المشروع في قيامه وركوعه وسجوده وقعوده، فيمتلئ قلبه حبا لله ورغبة فيما عنده وخوفا ورهبة من قوته وجبروته، وطمعا في عزته ونصره على أعدائه، فلا يخاف إلا الله ولا يطلب العزة إلا من مولاه، فلا يخرج من صلاته إلا وقد تحقق له الهدف من إقامتها والحكمة من أدائها.. { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت:45)

يضاف إلى هذه الصلوات الخمس صلوات أخرى لها مناسبات معينة.. لا علاقة لأي منها بأي قومية أو عنصرية أو وثنية:

منها صلاة الاستسقاء عند الجدب والقحط لطلب الغيث من ربهم الذي يسقي أرضهم وينبت زرعهم ويدر ضرعهم ويغذيهم ويغذي أنعامهم..

ومنها صلاة الكسوف والخسوف عندما تكسف الشمس ويخسف القمر، تضرعا إلى الله تعالى من أن لا ينزل بهم غضبه عقابا على معصيته، ففي الكسوف والخسوف تذكير لعباده بكمال قدرته، وتغيير الأحوال المعتادة إلى غيرهما مما لا قدرة لأحد على اتقائه إلا برحمة الله وفضله ([13])..

ومنها صلاة العيدين: عيد الفطر وعيد النحر، اللتين يؤديها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، في يوم واحد أو أيام متقاربة، بحسب المطالع.

وللمسلمين يومُ عيدٍ أسبوعي، وهو يوم الجمعة الذي فرض فيه على كل مكلف من رجالهم، حضور خطبتيه وصلاته، حيث يعلو خطباء الجوامع الكبيرة والصغيرة في القرى و المدن و الأحياء المنابر، أمام الجموع الحاشدة، لتذكيرهم بكل ما يحتاجون إليه في حياتهم من أمر الإيمان والعبادة والأخلاق والحلال والحرام في المعاملات، والشئون السياسية والعلاقات الدولية، مبنية كلها على كثير من آيات القرآن والسنة وما استنبطه منهما علماء الإسلام.

إنها مظاهرة مشروعة في يوم واحد وفي كل مكان من الأرض لنصر هذا الدين وجمع كلمة المسلمين على الحق، وتفقههم في دين الله، لا يستطيع أحد أن يمنعها.

وفرض على المسلمين جميعا فرض عين على كل قادر صيام شهر رمضان كله، لذلك ترى المسلمين في هذا الشهر المبارك، جميعا صائمين نهاره، تجتمع أسرهم في المنازل لتنال وقت الإفطار ووقت السحور، في غاية من الفرح والحبور، يتسابقون في مناولة أحدهم أخاه حبات التمر أو لقمة العيش.

وهكذا تجد جماعاتهم في المساجد عند أذان المغرب، يمدون موائدهم ويقربون تمرهم وأطعمتهم، ويتنافسون في استضافة المصلين على مشاركتهم في الإفطار معهم.

إنه شهر تربية وتدريب وإيمان وتقوى وعبادة جماعية ذات أثر عظيم في جمع الكلمة والثبات على هذا الدين وقوة الصلة برب العالمين..

وفرض على الصائمين في ختامه حقا لفقرائهم، سميت بزكاة الفطر، لتكون طهرة لهم وغناء لإخوانهم المحتاجين في يوم العيد الذين يفرحون فيه بتوفيق الله لهم بإتمام الصيام، فلا يفرح فيه الغني دون الفقير، ولا يترك الفقير فيه يتكفف لقمة عيشه وعيش أولاده.

وهكذا تراهم في الحج يفدون إلى البيت الحرام من كل فج عميق، يملأون الجو والبر والبحر، متحدين لباسا ونية وذكرا، مؤدين نسكهم في وقت واحد طوافا وسعيا ووقوفا، ومبيتا ورميا ونحرا، بصفة قلما تجد لها نظيرا في أمة من الأمم، وهم يلهجون في كل أوقاتهم بذكر الله.

يلتقي المسلمون ليحققوا في لقائهم ما ذكره القرآن من حكم الحج ومنافعه: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج:28)

يُعَلِّم عالِمُهم جاهلَهم، ويتحاورون فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير في دينهم ودنياهم.

التفت إلي، وقال: قارن هذا بشعائرنا وقداساتنا التي يتحول فيها الخبز جسدا، والخمر دما.. أو قارنه بصكوك الغفران..

إن كثيرا من قومنا امتلأوا إعجابا بشعائر المسلمين التعبدية التي يتوجه فيها المسلم مباشرة إلى الله من غير حاجة إلى أي وسائط..

يقول توماس أرنولد: (إنه لا يتأتي لأحد يكون قد رأى ذلك المشهد أن يبلغ تأثره به أعماق قلبه وأن لا يلحظ ببصره القوة التي تمتاز بها هذه الطريقة من العبادة عن غيرها)([14])

وقال رينان: (لم أدخل مسجداً إلا شعرت بانفعالات نفسية وأسف بالغ حينما أذكر أنني لست مسلماً)([15])  

ويقارن المستشرق الأمريكي (بودلي) بين المسيحية والإسلام في ذلك قائلاً: (لو أن القديس بطرس عاد إلى روما لامتلأ عجباً من الطقوس الضخمة وملابس الكهنوت المزركشة والموسيقى الغربية في المعبد المقرونة باسمه، ولن يعيد البخور والصور والرقى إلى ذهنه أي شيء من تعاليم سيده المسيح.. ولكن إذا ما عاد محمد إلى أي مسجد من المساجد المنتشرة بين لندن وزنجبار فإنه سيجد نفس الشعائر البسيطة التي كانت تقام في مسجده في المدينة الذي كان من الآجر وجذوع الشجر)([16])  

أما المهزلة العظمى (صكوك الغفران) التي تعد صفحة سوداء في تاريخ الإنسانية، فلا يستطيع أحد من أعداء الإسلام أو دعاة العلمانية مهما بلغت به المكابرة أن يزعم أنها وجدت في التاريخ الإسلامي فضلاً عن أصوله التشريعية ذاتها.

فهذه المهزلة لم يعرفها المسلمون حتى في أحط وأحلك عصورهم حين فشا الجهل وعلقت بعض الخرافات بأذهان الجهلة والعوام.. فلم يحدث قط أن كتب أحد ممن يسمون أولياء وثيقة غفران.. ذلك أن الأمة الإسلامية مهما انحرفت وتخبطت تظل لديها مسكة من عقل وبقية من إيمان تمنعها عن ارتكاب مثل هذه الحماقات الصفيقة التي لم يتورع عنها بابوات الكنيسة قرابة ثلاثة قرون.

قلت: ولكن مع ذلك.. فقد انتشرت بدع كثيرة بلاد المسلمين.

قال: لقد طفت المجتمعات الإسلامية كما ذكرت لك.. بل دخلت مساجدها.. فلم أر إلا صلاة واحدة، لعلها هي الصلاة التي صلاها محمد.. بل إن الأسانيد الكثيرة تشير إلى أنها نفس صلاة محمد..

ولم أر المسلمين يصومون إلا شهرا واحدا قد يختلفون في يوم من أيامه.. ولكنهم يتفقون في كل أيامه.. ويتفقون مع ذلك في كل أحكامه..

وأنت ترى المسلمين يقصدون كعبة واحدة، ويصلون خلف إمام واحد، ويقفون على جبل واحد.. هو نفس الجبل الذي وقف عليه محمد، وخطب خطبة الوداع.

ألا ترى في كل هذا دلائل صمود الإسلام؟

قلت: ولكني أرى حلقا كثيرة تعقد تختلف فيها المجتمعات..

قال: تقصد حلق الذكر التي قد يختلط فيها الرقص واللعب.

قلت: أجل.. أليس ذلك انحناء؟

قال: لا.. تلك عادات توارثتها تلك الشعوب، وحاولت أن تمزجها ببعض شعائر الإسلام.. والإسلام يتساهل كثيرا في هذا الباب.

قلت: فهو انحناء إذن.

قال: ليس هذا انحناء.. وإن كان انحناء فهو انحناء عادات الشعوب للإسلام وعقيدة الإسلام.

قلت: كيف ذلك؟

قال: إن تلك العادات كانت مملوءة بالوثنية أو بغيرها من العناصر التي يرفضها الإسلام، وهي في حركاتها من اللهو المباح الذي لا يرفضه الإسلام.. ولذلك وقف العدول من المسلمين موقفا وسطا.. حفظوا بها عادات تلك الشعوب.. وحفظوا به في نفس الوقت سلامة عقيدتها.

قلت: فما هذا الموقف الوسط؟

قال: أقروا الحركات التي لا علاقة لها بالدين.. وأضافوا إليها ذكر الله.. والترنم بحبه.. فتحولت العادة عبادة.. وتحولت الطقوس الوثنية طقوسا دينية.

قلت: لم أفهم ما تقصد.. فإني أرى البعض يعتبر هؤلاء مارقة من الدين.

قال: تلك نظرة المتطرفين.. وهم لا يشكلون إلا جزءا لا يكاد يذكر أمام جماهير المسلمين.

أما عوام المسلمين.. وعلماء المسلمين.. فهم متشددون في أصول الدين.. متساهلون في العادات التي لا تمس جوهر الدين، ولا تؤذي حقيقته.

قلت: فأنت تقر كل ما يمارس في تلك المجامع.

قال: أنا ليس لي سلطة الإقرار ولا سلطة الإنكار.. ولكني لا أرى في ذلك خطرا على الإسلام.. بل أرى فيه صمودا عجيبا للإسلام.

ذلك أن أولئك يمارسون كل شعائر الإسلام بحرص شديد.. ولا يكتفون بذلك، بل يحولون عاداتهم عبادة، ولهوهم ذكرا.

قلت: ولكن العوائد مختلفة.. وهي تفرق بين المسلمين.

قال: مفهوم الوحدة في الإسلام مفهوم أسمى من كل المفاهيم التي نعرفها.. ذلك أنه يقرر القواعد والأصول.. ثم يترك لأتباعه ميادين كثيرة يمكنهم أن يختلفوا فيها من غير أن ينكر بعضهم على بعض([17]).

السلوك:

قلت: فلنتحدث عن الناحية الثالثة من نواحي الدين.. وهي السلوك.. وهي الناحية التي أرى أن حضارتنا المؤسسة على الكنيسة أفلحت فيها.. وخفق الإسلام.

قال: كيف عرفت ذلك؟

قلت: ألسنا أصحاب السلوك الحضاري الذي لم يصل أحد في الدنيا إلى سلوكه.

ابتسم، وقال: أي سلوك حضاري؟.. لو كنت قلت: إن هذه الحضارة التي سلمت زمامها للشيطان جمعت كل جرائم من سبقها من الحضارات كنت صادقا..

قلت: كيف ذلك؟

قال: تفصيل ذلك يطول.. وربما تجد من يتحدث لك عن تفصيل المقارنات في هذا الجانب([18]).. ولكني أقول لك من وحي دراستي للمصادر الإسلامية والتاريخ الإسلامي.. بل والواقع الإسلامي لكثير من شعوب المسلمين:

ليس هناك في الدنيا.. ولا في التاريخ.. ولا في مصادر الأديان سلوك أنظف ولا أرفع ولا أسمى من سلوك المسلمين.. ذلك أن السلوك في الإسلام عبادة لا تقل عن أي عبادة شعائرية.

ولهذا وردت النصوص الكثيرة تخبر بأن أرفع المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، ففي الحديث: (خياركم  أحاسنكم أخلاقا)([19])، وفي الحديث: (إن من أكمل المؤمنين إيمانا  أحسنهم خلقا، وخياركم  خياركم لنسائهم)([20]

بل ورد ما هو أعظم من ذلك، وهو أن درجة القرب من محمد ـ الذي يمثل الكمال الإنساني ـ بقدر حسن الخلق، ففي الحديث: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة  أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون) قالوا: (يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون) قال: (المتكبرون)([21])

ولذلك، فإن الدرجات العليا والأجور العظيمة لا يحوزها إلا من حسن خلقه، ففي الحديث: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء)([22])، وفي الحديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة  لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، ويبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)([23])، فجعل البيت العلوي جزاء لأعلى المقامات الثلاثة، وهي حسن الخلق والأوسط لأوسطها وهو ترك الكذب، والأدنى لأدناها وهو ترك المماراة وإن كان معه حق ولا ريب أن حسن الخلق مشتمل على هذا كله.

وسئل محمد عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: (تقوى الله وحسن الخلق)، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: (الفم والفرج)([24])

بل أخبر أن ( المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)([25])

ولهذا فإن القرآن يربط بين قضايا الإيمان والعبادة والسلوك في كل آياته.. ففي الآية التي تصف أصول البر يقول:{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة:177)

وفي الآية التي تثني على أوصاف المؤمنين يقول:{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب:35)

انطلاقا من هذا.. فإن للأخلاق الإسلامية مزايا كثيرة تميزها عن غيره من أنواع الأخلاق التي جاءت بها الأديان والمذاهب والفلسلفات..

فمن مزاياها ([26]) الثبات.. فالثبات في الأخلاق ضرورة، لأنها الضوابط التي تضبط سلوك الناس، ولأنّها المقياس الذي يلتقي عنده الجميع.. وتتميز الأخلاق الإسلاميّة في ذلك على الأخلاق المنبثقة عن العادات والتقاليد، والتي هي متغيرة لأنها من وضع الإنسان القاصر.

ومن مزاياها الفطرية.. وذلك ما يجعلها يسيرة وفعّالة في حياة البشر.. أمّا الأخلاق المنبثقة عن العادات والتقاليد فتكون في أحيان كثيرة منافية للفطرة، وعلى وجه الخصوص في حالات انتكاس المجتمع وتدهور أخلاقياته، وتكون في أحيان أخرى مثاليّة ومجافية لواقع النفس البشريّة، وهذا يعني أنّ الأخلاق الإسلاميّة واقعيّة، لأنها تراعي واقع الإنسان وفطرته.

ومن مزاياها العملية.. فهي إيمان وعمل، وهي تختلف عن الأخلاق في المنظور الفلسفي، حيث أنّ الفلسفة تقدم الجانب المعرفي ولا تهتم بالجانب العملي التطبيقي.

ومن مزاياها.. أنها تستند إلى العقيدة، وتنبثق عنها، وهذا ما يجعلها قناعات قبل أن تكون سلوكاً، على خلاف الأخلاق التي تستند إلى العادات والتقاليد؛ فكثيراً ما تُمارس هذه الأخلاق على أساس من التقليد غير الواعي وبُحكم العادة، ويغلب أن يكون الدافع إليها الرغبة في إرضاء المجتمع.

ومن مزاياها.. أنها عبادة يثاب فاعلها، ويتقرب بها إلى الله تعالى، مما يجعلها ذات منفعة دنيويّة وأخرويّة، على خلاف الأخلاق المنبثقة عن العادات والتقاليد، ولذلك يسهل نبذها عندما تتعارض مع المصالح الدنيويّة للفرد أو الجماعة.

ومن مزاياها.. أنها مُلزمة، وتأتي سلطة الإلزام ابتداءً من القناعة الدينيّة، ثم من الرغبة في مثوبة الخالق والرهبة من عقوبته، ثم من نظرة المجتمع المؤمن الذي يعيش فيه المسلم، ثم ما يكون من قانون يُنظّم المجتمع ويحمي قيمه.. أمّا الأخلاق المنبثقة عن العادات والتقاليد فتضعف فيها سلطة الإلزام والتي يغلب أن تكون منحصرة في نظرة المجتمع، حيث أنّ القانون الوضعي لا يشمل الكثير من مسائل الأخلاق.

ومن مزاياها.. أنها شاملة لكل سلوكيات الإنسان، لا يستثنى من ذلك أي سلوك.. ثم هي تشمل الفرد والجماعة، والحاكم والمحكوم، وتشمل جميع فئات المجتمع في جميع الظروف.. وهي تشمل ظاهر الإنسان وباطنه وجميع جوانب شخصيّته، على خلاف الأخلاق المنبثقة عن العادات والتقاليد والفلسفات، حيث أنها قاصرة ولا تشمل كل سلوك، ثم هي تتعامل مع الظاهر ولا سلطان لها على الباطن، ثم هي في ظروف الحرب، مثلاً، تختلف عنها في ظروف السلم، ونجدها أحياناً تختلف بين حاكم ومحكوم، وخادم ومخدوم، وصغير وكبير، وطبقة اجتماعيّة أخرى.

قلت:  ولكن الواقع الإسلامي يختلف كثيرا عن هذه المثالية التي تذكرها.

قال:  نعم.. الواقع الإسلامي متخلف كثيرا عن هذه المثل.. ولكن.. ألم تتساءل عن سر ذلك؟

قلت:  لم أتساءل.

قال:  أنا تساءلت عن ذلك، وبحثت عنه، وقد وجدت أن أولئك المتخلفين لم يتتلمذوا على محمد في سلوكهم، ولم يتعرضوا لأشعة محمد حتى يرتفعوا إلى هذه المثل.

قلت:  فعلى من تتلمذوا؟

قال:  علينا نحن.. تتلمذوا على ما نبثه لهم عبر وسائل الإعلام الكثيرة التي لا هم لها إلا إفسادهم وتضليلهم.

قلت:  فقد انحنى الإسلام في هذه الناحية إذن؟

قال:  لا.. مدرسة الإسلام لم تنحن.. ولكن بعض المسلمين انحنوا.. ولو أتيح لهم الجو المناسب، فسيقومون من جديد..

قلت:  من ضمن لك ذلك؟

قال:  أنا لست في شك من ذلك.. لأن الفطرة التي تملأ نفوسهم لن يؤثر فيها أي انحراف.

الانتشار:

قلت:  فحدثني عن صمود الانتشار..

قال:  لقد ذهبت إلى التاريخ أقارن أنواع البلاء التي تعرضت لها العقائد والمذاهب والأفكار، فلم أجد مواجهات عنيفة كتلك المواجهات التي قوبل بها الإسلام.. ولم أجد صمودا كذلك الصمود الذي أبداه المسلمون.

إن تاريخ الإسلام حافل بالمواجهات بينه وبين أعدائه والمكيدين له والمتآمرين عليه.. وفي كل مرة كان الإسلام يخرج منتصرا شامخا([27])..

لقد اجتمع على محمد العدوان الثلاثي: المشركون كلهم في جزيرة العرب، واليهود والمنافقون في غزوة الأحزاب، فخرجوا من ذلك العدوان منتصرين.

وحاربتهم الدول العظمى في ذلك العهد: الروم في الشمال، والفرس في الشرق، والأحباش في الجنوب، فكان النصر لهم على تلك الدول جميعا.

واجتمعت على حربهم الدول الصليبية، وكانوا في غاية من الضعف والتفرق، ولكن أعداءهم خرجوا في النهاية يجرون أذيال الهزيمة..

واجتاح التتار وزعيمهم هولاكو عاصمة الخلافة بغداد، وسيطروا على المسلمين سيطرة لم يكونوا يظنون أنهم سيطردون منها شر طردة، ولكن النصر كان حليف المسلمين.

واستجاب أتاتورك لليهود والصليبيين، وأغلق مدارس المسلمين وغير مناهجهم وأكرههم على إظهار موافقته في كتابة أغلى كتاب على وجه الأرض بغير حروفه العربية، وأرغمهم على الأذان بغير ألفاظه العربية، وأنزل بالمسلمين من المحن والمصائب ما لا يخفى على قارئ التاريخ، ولكن المسلمين درَّسوا أولادهم في دهاليز منازلهم، وفي حظائر دوابهم القرآن والحديث، والفقه، والتفسير، والتاريخ الإسلامي، وإذا الجيل الذي نشأ في عهده يظهر بعد إدباره حافظا للقرآن، متقنا للغة العربية، متمسكا بدينه.. رافضا مبادئ أتاتورك وزمرته على رغم تسلطهم واستبدادهم الشامل الذي تدعمه القوة العسكرية..

وجثم الاتحاد السوفييتي على صدور المسلمين في آسيا الوسطى سبعين عاما، قتل من قتل، واعتقل من اعتقل، وشرد من شرد، وحظر على المسلمين حمل القرآن، ومع ذلك خرج الجيل الذي نشأ في ظل هذا النظام الظالم، وهو يحفظ القرآن، ويحفظ أحكام دينه ويلتزم بها، وما جوهر دوداييف، وزملاؤه الذين سلكوا سبيله إلى الآن إلا دليل على أن المسلمين يستعصون على أي عدو يحاول القضاء عليهم وعلى دينهم..

والمحتلون الأوربيون البريطانيون، والفرنسيون والإيطاليون، والبرتغاليون، والألمان والأسبان، الذين اغتصبوا بلدان المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبقوا فيها فترات طويلة، حتى أصبحت في ظاهر الأمر جزءا من بلد المحتل، خرجوا جميعا وهم يجرون أذيال الهزيمة..

وهاهم المسلمون اليوم، يجاهدون أعداءهم الأقوياء ماديا المعتدين عليهم في بلدانهم، في فلسطين والعراق والفيليبين والشيشان وأفغانستان وغيرها من البلدان، برغم ضعفهم المادي، صابرين مستبسلين، لا يخافون إلا ربهم، وسيبقون كذلك حتى يحقق الله لهم النصر على عدوهم..

ولم تكن الحرب حربا عسكرية فقط.. ولم يكن الصمود صمودا عسكريا فقط..

لقد وضعت مخططات كثيرة.. وحيكت مؤامرات كثيرة لينحرف المسلمون عن دينهم.. لكنها كلها باءت بالفشل..

لقد قال (زويمر) في بداية المؤتمر العالمي للتبشير في القدس سنة (1933) يفضح هذه المؤامرات، ويبين الهدف منها: (إن مهمتكم إخراج المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا  لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاقية التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، إنكم أعددتم شبابا  في بلاد الإسلام لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقا  لما أراده له الإستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل ولا يصرف همه في الدنيا إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بأغلى ما يملك)

ويقول زويمر: (إن السياسية الإستعمارية لما قضت منذ سنة (1882) على برامج التعليم في المدارس الإبتدائية أخرجت منها القرآن، ثم تاريخ الإسلام، وبذلك أخرجت ناشئة لا هي مسلمة ولا هي مسيحية ولا هي يهودية، ناشئة مضطربة مادية الأغراض لا تؤمن بعقيدة ولا تعرف حقا  للدين ولا للوطن حرمة)

ويقول (هاملتون جب) المستشرق الإنجليزي في كتابه (جهة الإسلام) سنة (2391م): (إن العالم الإسلامي سيصبح خلال فترة قصيرة لا دينيا في كل مظاهر حياته)([28])  

هذا ما كان قومنا يتوقعونه من الأجيال القادمة.. لقد عادوا يفركون أيديهم فرحا  بعد أن رأوا مجموعات من خريجي جامعاتهم لا يعبأون بدين، ولا يهتمون بخلق ولا قيمة، ولكن كل تلك المخططات باءت بالفشل، وانحنت أمام صمود الإسلام.

لقد أنفقوا أموالهم وأحكموا خططهم ودبروا مكائدهم لإخراج جيل لا ديني، توقع سادته أن يكون سحق الإسلام في المنطقة على يده، وأقموا الجامعات وفرضوا الإختلاط وأقصوا الصادقين من حملة القيم والأخلاق عن كل المراكز الحساسة، وقربوا دعاة الإباحية والإلحاد والعلمانية والفساد إليهم، ونصبوهم قضاة وسادة وأقاموا حولهم الهالات، ونفخوا في الأقزام حتى أضحوا عمالقة في أعين الرعاع والدهماء، ولكن هل كان لهم الذي أرادوا؟ هل أقصي الإسلام نهائيا  عن حياة الفرد والأسرة والمجتمع؟

قلت:  نعم.. لقد نجحوا في كثير من ذلك..

قال:  ولكن تلك المدارس التي خططوا لها أن تصير مدارس علمانية لا صلة لها بدين ولا خلق راحت تدفع بالأفواج إلى الإسلام.

لقد أضحت الجامعات التي سهروا على منهاجها وظنوها مراكز التدمير تقدم نماذج من الشباب الصادق الملتزم الذي يضحي بكل شيء من أجل عقيدته ودينه.

لقد أصبحت الجامعات كبلاط فرعون يربى فيه موسى عليه ليهدم بيده عرش فرعون ويسحب البساط من تحت رجليه.

أما سحر حضارتنا.. فلم يعد يخدع الأبصار.. فققد تفتحت أعين المسلمين على نور الإسلام، وانفتحت بصائرهم لتقبل الحق، بعد انبلاج الحق وسطوع نوره على القلوب والنفوس.

فحيثما تتوجه الآن في الكرة الأرضية تجد رجوعا  إلى الإسلام.. تجد نفوسا  متعطشة للدين، حتى تستظل بفيئه بعد أن أضناها لفح الهاجرة وأرهقها طول المشي في التيه([29]).

قلت:  ولكن الإسلام ـ الآن ـ يواجه حروبا عظيما.. حروبا في كل النواحي، ومن كل الجهات.. فهل تراه سيصمد لها؟

قال: لا أقول يصمد لها فقط.. بل إنه سينتصر فيها.. وسيعود أولئك المحاربون إلى الإسلام أفواجا كما عاد القرشيون..

هذا (ديباسيكييه) المفكر الفرنسي، يرشح الإسلام كمنقذ وحيد للبشرية فيقول: (إن الغرب لم يعرف الإسلام أبدا، فمنذ ظهور الإسلام اتخذ الغرب موقفا  عدائيا  منه، ولم يكف عن الإفتراء عليه والتنديد به لكي يجد المبررات لقتاله، وقد ترتب على هذا التشويه أن رسخت في العقلية الغربية مقولات فظة عن الإسلام، ولا شك أن الإسلام هو الوحدانية التي يحتاج إليها العالم المعاصر ليتخلص من متاهات الحضارة المادية المعاصرة التي لا بد أن استمرت أن تنتهي بتدمير الإنسان)([30])

إن هؤلاء الكتاب الغربيين يقفون نفس الموقف الذي وقفه هرقل عندما وصله كتاب محمد، فقد سأل أبا سفيان عن أحوال محمد، وبعد أن أخبره قال هرقل لأبي سفيان: (إن كان ما تقول حقا، فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه)([31])   

لقد كان هرقل عاقلا  يدرك أن أمر العقائد إلى إقبال، وأمر السلطان الذي لا يدعمه فكر وعقيدة إلى زوال، كان هرقل آنذاك يحكم إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، ولكنه يراها متفسخة من داخلها، وسرعان ما تتهاوى على رؤوس أصحابها، ولأول ضربة من ضربات أعدائها.

ولهذا فإن أعداء الإسلام الذين درسوا تاريخه يعرفون قدرته على الممانعة والمواجهة والخروج من الأزمات.. يقول ابن غوريون: (نحن لا نخشى الإشتراكيات ولا القوميات ولا الملكيات في المنطقة، إنما نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلا  وبدأ يتململ في المنطقة، إني أخشى أن يظهر محمد جديد في المنطقة)

وبمثل هذا شهد أصدقاؤنا من المستشرقين، يقول (كوستاف لوبون): (مع ما أصاب حضارة العرب من الدثور، كالحضارات التي ظهرت قبلها: لم يمس الزمن دين النبي الذي له من النفوذ ما له في الماضي، والذي لا يزال ذا سلطان كبير على النفوس، مع أن الأديان الأخرى التي هي أقدم منه تخسر كل يوم شيئًا من قوتها.. وتجمع بين مختلف الشعوب التي اتخذت القرآن دستورًا لها وحدة اللغة والصلات التي يسفر عنها مجيء الحجيج إلى مكة من جميع بلاد العالم الإسلامي. وتجب على جميع أتباع محمد تلاوة القرآن باللغة العربية بقدر الإمكان، واللغة العربية هي لذلك أكثر لغات العالم انتشارًا على ما يحتمل، وعلى ما بين الشعوب الإسلامية من الفروق العنصرية ترى بينها من التضامن الكبير ما يمكن جمعها به تحت علم واحد في أحد الأيام)([32])

ويقول: (كان سلطان الإسلام السياسي والديني قويًا في بلاد الهند، ورسخ فيها ثمانية قرون بفضل ملوك الإسلام الذين تداولوا حكمها، ولا يزال سلطان الإسلام الديني قائمًا في بلاد الهند، وإن توارى سلطانه السياسي عنها، وهو يمضي قدمًا نحو الاتساع)([33])

ويقول: (تأثير دين محمد في النفوس أعظم من تأثير أي دين آخر، ولا تزال العروق المختلفة التي اتخذت القرآن مرشدًا لها تعمل بإحكام كما كانت تفعل منذ ثلاثة عشر قرنًا)([34])

ويقول: (دخلت حضارة العرب في ذمة التاريخ منذ زمن طويل، ولا نقول، مع ذلك أنهم ماتوا تمامًا، فنرى الآن ديانتهم ولغتهم اللتين أدخلوهما إلى العالم أكثر انتشارًا مما كانتا عليه في أنضر أدوارهم.. ولا يزال الإسلام جادًا في تقدمه.. واليوم يدرس القرآن، فيما عدا جزيرة العرب، في مصر وسورية وتركية وآسية الصغرى وفارس وقسم مهم من روسية وأفريقية والصين والهند، وتناول القرآن مدغشقر وأفريقية الجنوبية، وعرف في جزر الملايو، وعلمه أهل جاوة وسومطرة وتقدم إلى غينيا الجديدة، ودخل أمريكا مع زنوج أفريقية.. ويتقدم الإسلام في الصين تقدمًا يقضي بالعجب.. حيث اضطر المبشرون الأوروبيون إلى الاعتراف بالحدود وسيقوم الإسلام – كما يقول وازيليف – مقام البوذية، ومسلمو الصين لا يشكون في ذلك وهذه المسألة على جانب عظيم من الأهمية. فإذا اعتنقت الصين دين الإسلام تغيرت علاقات العالم القديم السياسية تغيرًا عظيمًا وأمكن دين محمد أن يهدّد النصرانية من جديد)([35])

يقول جب في كتابه (Wither Islam) (جهة الإسلام)، وهو كتاب كتبه مجموعة من المستشرقين نتيجة أبحاث قدمت لمؤتمر في جامعة (برنستون في أمريكا: (إن الحركات الإسلامية تتصور عادة بسرعة مذهلة مدهشة، فهي تنفجر انفجارا  مفاجئا  قبل أن يتبين المراقبون من إماراتها ما يدعوهم إلى الإسترابة في أمرها، فالحركات الإسلامية لا ينقصها إلا الزعامة وظهور صلاح الدين)

***

عندما وصل (جابرييلي فرانشيسكو) من حديثه إلى هذا الموضع استأذنني في الانصراف، فقلت له:  اسمح لي حضرة الأستاذ الفاضل أن أسألك هذا السؤال الذي حيرني..

قال:  تريد أن تسأل عن سر عدم إسلامي مع هذه الحماسة التي أبديها للإسلام.

قلت:  أجل.. فأنا في غاية العجب منك.

قال: أنت تعلم ما قاله (اللورد هدلي)

قلت: تقصد قوله: (إنني أعتقد أن هناك آلافاً من الرجال والنساء أيضاً، مسلمون قلباً، ولكن خوف الانتقاد والرغبة في الابتعاد عن التعب الناشئ عن التغيير، تآمروا على منعهم من إظهار معتقداتهم)

قال:  أجل.. وهذا ما أستطيع أن أجيبك به، ولن أزيد.

قال ذلك.. ثم انصرف سائرا من غير أن يسألني عني..

بقيت أتأمل تلك الشجرة العظيمة لأرى فيها من عزة الإسلام وصموده ما كان محجوبا عن بصيرتي.

وفي تلك الأثناء تنزلت علي أنوار جديدة اهتديت بها بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


([1])  رواه مسلم.

([2])  رواه البخاري ومسلم.

([3])  رواه أحمد .

([4])  هو في الأصل abrieli Francesco. (1904 ـ 1997) مستشرق إيطالي، كان مهمتاً باللغة العربية وآدابها حتى عيّن كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها بجامعة روما، عرف بدراسته للأدب العربي، وفي تحقيق التاريخ الإسلامي، انتخب عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1948. واشتهر فرانشسكو بمواقفه المعتدلة من التاريخ الإسلامي. (انظر: سمير القريوتي، (رحيل فرانشسكو جابرييلي) في الشرق الأوسط، عدد:6592، 5شعبان 1417(15ديسمبر 1996م)

([5])  رواه ابن إسحق وغيره.

([6])  هذا بناء على ما يعتقده المسيحيون، أما المسيح.. فقد كان سيد الأبطال الثابتين، والبطولة لا تتجلى على الصليب وحده..

([7])  خصائص التطور الإسلامي:228.

([8])  رجال ونساء اسلموا، عرفات كامل العشي:1/24-25.

([9])  رجل ونساء اسلموا،عرفات كامل العشي:1/24 – 25.

([10])  ويدل لهذا ما روي من محاجة آدم موسي ـ عليهما السلام ـ حين عاتبه على أنه تسبب في إخراج بنيه من الجنة، فرد عليه آدم كما ذكر النبي r:( أفليس تجد فيما أنزل الله عليك أنه سيخرجني منها قبل أن يدخلينها )، قال: بلى قال r:( فحج آدم موسى (ثلاثاً) ) رواه البخاري.

([11])  هناك تفاصيل كثيرة ترتبط بهذا، وتجيب عن الشبه المتعلقة به في رسالة (الباحثون عن الله)

([12])  انظر: الإسلام دين هداية ورحمة واستعصاء، د. عبد الله قادري الأهدل.

([13])  انظر مراعاة الشريعة للنواحي الصحية في صلاة الكسوف في رسالة (معجزات علمية) من هذه السلسلة.

([14])  إلى الدين الفطري الأبدي:الطرازي:263.

([15])  إلى الدين الفطري الأبدي:الطرازي:264.

([16])  الجفوة المفتعلة بين العلم والدين:23-24.

([17])  سنتحدث عن التفاصيل المرتبطة بهذا في فصل (الروحانية) من هذه الرسالة.

([18])  سنذكر الكثير من الأدلة المثبتة لهذا في الفصول القادمة.

([19])  أحمد.      

([20])  الترمذي، وقال: حديث صحيح.     

([21])  الترمذي.

([22])  الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.  

([23])  الطبراني،  وإسناده صحيح.

([24])  الترمذي، وقال: حديث صحيح.      

([25])  أبو داود.

([26])  انظر: دراسات في الفكر الإسلامي، بسام نهاد جرار.

([27])  انظر: العالم الإسلامي والمكائد الدولية، فتحي يكن، والإسلام دين رحمة وهداية واستعصاء.

([28])  انظر هذه المقولات وغيرها في كتاب (الخنجر المسموم) لأنور الجندي، و(أجنجة المكر الثلاث) لعبد الرحمن حبنكه، و(قادة الغرب يقولون) لجلال العالم.

([29])  انظر: الإسلام ومستقبل البشرية، عبد الله عزام.

([30])  مجلة الإيمان اللبنانية عدد (75) السنة الثانية آذار سنة (0891م)

([31])  رواه البخاري ومسلم.

([32])  حضارة العرب، ص 126.

([33])  حضارة العرب، ص 186.

([34])  حضارة العرب، ص 417.

([35])  حضارة العرب، ص 616 – 61 7.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *