ثانيا ـ حصن الوقاية

ثانيا ـ حصن الوقاية

دخلنا الحصن الثاني من حصون الجسد.. فرأيت الجو نقيا صافيا، والهواء نسيما عليلا، تنتعش له الروح، وينشط له الجسم، ورأيت لافتة مكتوبا عليها قوله تعالى:{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} (النحل:81)

قلت للمعلم: أهذا هو  حصن الوقاية؟

قال: أجل.

قلت: فمم يحمي هذا الحصن؟

قال: يحمي الإنسان من أعدائه الخارجيين المتسببين في وقوعه في الأمراض والآفات.

قلت: أي أعداء؟

قال: كل ما يتسبب في وقوعه في الأمراض عدوله يحب عليه ـ شرعا ـ أن يجاهده.

قلت: الوجوب الشرعي يفتقر إلى فتوى الفقهاء.

قال: حفظ الصحة، وجلب العافية واجب، لا يتسنى للإنسان أداء وظائفه التي كلف بها إلا بذلك.. فكان ما يؤدي إلى هذا الحفظ واجبا.

قلت: هذا دليل عقلي.

قال: إن شئت النقل، فاسمع قوله تعالى:{ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (النساء:29)، فقد حرم الله تعالى في هذه الآية كل ما يتسبب في قتل النفس أو إصابتها بالآفات.

قلت: ما علاقة الآية المعلقة على الباب بهذا المعنى؟

قال: هي من المنارات التي نهتدي بها في هذا الباب، فمن نعم الله على عباده أن خلق لهم ما يحتمون به من وهج الشمس، ومن قر البرد، ومن أسنة الرماح.. وما هذه النعم إلا لحفظ هذا الجسد من طوارق البلاء، فتنعمه بالعافية هو  الوسط الصحيح لأدائه التكاليف، ونهوضه بما تستوجبه الخلافة.

***

رأيت لافتة مكتوبا عليها بحروف من نور قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)([1])  

قلت للمعلم: ينبهنا صلى الله عليه وآله وسلم بهذا إلى أخذ احتياطاتنا التي نتقي بها مضار العدوى من الجذام.

قال: ليس ذلك فقط.. بل هو  في مفهومه الشامل ينبهنا إلى أخذ احتياطاتنا الوقائية من كل العلل([2])، فلا فرق في العلل بين الجذام وغيره.

قلت: نحن نعبر عن هذا في عصرنا بالوقاية.

قال: وكذلك في هذا المستشفى، وقد استنبطوا ذلك من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه)([3])، ففي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(ومن يتق الشر يوقه) في معرض الحديث عن دور المجاهدة والسعي في تحصيل العلم والحلم دليل على أن مفاتيح الصحة والعافية بيد الإنسان، فيمكنه أن يتقي العلل أو مضار العلل بالسعي والاجتهاد.

قلت: أهذا الباب يدخله الأصحاء فقط؟

قال: لا.. يدخله المرضى أيضا.. بل إن المريض أو لى بالدخول في هذا الباب، فحرصه على الحمية، وعلى التعايش مع المرض وإعطائه ما يستحقه من سلوك يجعله ينعم بالعافية التي قد لا يشعر بها الأصحاء.

***

قلت: إن من قومي من يفصل بين الصحة والدين، بل يعتبر أن المبالغة في الوقاية من الحرص على الدنيا.

قال: أخطأ من اعتقد هذا.. بل هذا الجسد أمانة.. والله تعالى يسأل عبده عنه كما يسأله عن أي أمانة.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن عمله فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه،،وعن جسمه فيم أبلاه)([4])، فقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمور العظمى التي هي محل الحساب، وذكر الصحة من بينها.

قلت: ولكني أعلم أن الصحة نعمة تشكر لا أمانة يسأل عنها، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح لك جسمك، وأروك من الماء البارد؟)([5]

قال: وكل نعمة أمانة.. وكل أمانة مسؤولية.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه معاتبا له على كثرة عبادته التي جعلته يفرط في بعض الحقوق:( ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فلا تفعل، فإنك إذا فعلت ذلك هجمت([6])عينيك ونفهت([7]) نفسك، فصم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشرة أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله)([8]

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن إعطاء الجسد ما يتطلبه من غذاء صدقة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ما أطعمت زوجتك فهولك صدقة، وما أطعمت ولدك فهولك صدقة، وما أطعمت خادمك فهولك صدقة، وما أطعمت نفسك فهولك صدقة)([9]

***

رأيت لافتة مكتوبا عليها بحروف تشبه رماحا مشرعة قوله تعالى: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء:102)

قلت للمعلم: أهناك مخاطر في هذا القسم تستدعي أخذ الحذر؟

قال: لا.. هذا تنبيه للمرضى والأصحاء بأخذ الحذر والحيطة خشية هجوم العلل والبلايا، فإنها لا تهجم هجوما مباشرا، بل تتحين الفرص التي تنزل فيها، وتستغل نقاط الضعف التي توفر لها الجو الملائم للنزول.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوتَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً } (النساء:102)

قلت: بلى..

قال: فالغفلة عن حفظ السلاح ـ الذي هو  وسيلة المقاومة ـ يؤدي إلى إغارة الأعداء، بل سعيهم لاستصال عدوهم، بل إن الله تعالى مع إيجابه حمل الأسلحة أو جب الحذر، فقال تعالى:{ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء:102) في موضعين من الآية، وفي آية أخرى قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أو انْفِرُوا جَمِيعاً} (النساء:71)

قلت: ولكن.. أليس هذا تحريفا للقرآن الكريم، فإن الآية تتحدث عن صلاة الخوف.. ولذلك علاقة بالحرب.. لا بالمرض؟

قال: ما غرض عدوك منك.. أو ماذا يفعل بك لووجد فيك غفلة؟

قلت: يقتلني أو يأسرني.

قال: فكذلك هناك أعداء أخفياء يتربصون بك.. فإن ظفروا بك قتلوك وإلا جعلوك حبيس الفراش.

قلت: فتشرع مجاهدتهم كما يجاهد الأعداء؟

قال: أجل.. بل تجب مجاهدتهم.. ويعبد الله بمجاهدتهم.

قلت: إن ما ذكرته جميل.. ولكنه قريب من القياس.. وأنت تعلم بغضي للقياس.

قال: تريد نصوصا صريحة.

قلت: لا شكا فيما ذكرت.. ولكن ليطمئن قلبي.

قال: ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير، وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب، ومأوى الهوام بالليل)([10])

قلت: لقد نبه صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث إلى أخذ الحذر في الطريق.

قال: ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الوحدة، وهي (أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده)([11]

قلت: وما الخطر في هذا؟

قال: قد يتعرض الإنسان أثناء نومه أو سفره لأي علة، فيحتاج لمن يقف معه فيها.

قلت: أجل.. فكثير من الأمراض تستدعي حضور المريض في وسط يكون فيه الناس ليمدونه بالإسعافات اللازمة.

قال: في هذه الحصون قسم خاص بتعليم هذه الإسعافات.. وهي لا تشمل إسعاف المرضى فقط، بل إسعاف الأصحاء أيضا.

قلت: الأصحاء؟! لماذا؟

قال: لئلا يمرضوا.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ينبه إلى الإسعافات التي يلزم اتخاذها لتجنب أسباب الهلكة عند النوم؟

قلت: أتقصد قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(أغلقوا أبوابكم، وخمروا آنيتكم، وأطفئوا سرجكم وأوكئوا أسقيتكم؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، ولا يكشف غطاء، ولا يحل وكاء، وإن الفويسقة تضرم البيت على أهله)([12])

قال: أجل، فإن النوم من المواطن التي قد يغار فيها على الإنسان من غير أن يشعر، ولهذا نبه صلى الله عليه وآله وسلم من أراد النوم إلى أخذ احتياطاته كاملة توقيا لأسباب الهلكة، وقد جمع هذا الحديث الكثير منها.

ربت على كتفي من غير شعور مني شخص، وقال لي بهمس، وكأنه يسر لي شيئا: في هذا الحديث الكثير من الأوامر المرتبطة بالوقاية:

ففي الأمر بإغلاق البيوت حماية لها من كل لص أو حيوان مفترس أو حيوان مؤذ أو كلب أو مصاب.

وفي الأمر بتخمير الآنية حماية لها من الغبار ونحوه.

وفي الأمر بإطفاء السرج حماية للبيت من خطر الحرائق، فقد يتطاير شرر في النار يؤدي إلى حريق البيت وإذية من فيهن، وقد ينتشر من النار غاز أوكسيد الفحم بكمية تؤدي إلى تسمم من في البيت([13]).

ولهذا أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنه ربما جرت الفأرة فتيل السراج الزيتي، فيحرق الطرف المشتعل من الفتيل البيت.

ثم انصرف عني من غير أن ينتظر جزاء ولا شكورا.

قال المعلم: ومن هذا الباب نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن تعريض النفس للخطر، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( من بات على ظهر بيت ليس عليه حجاب، فقد برئت منه الذمة)([14]

قلت: لقد ذكرتني، فإني أعرف بعض أقاربي نام على سطح البيت هربا من الحر، فنهض ليقضي حاجته، فسقط سقوطا مريعا لا يزال إلى الآن يعاني ويلاته.

قال: لقد رأيت شرفات عماراتكم العالية، وما تحوي من مخاطر، ثم لا تفكرون في طريقة تدرؤون بها الخطر.

قلت: يا معلم.. لقد ترك قومي تلك الشرفات بدون حماية عمدا.

قال: ما منافع ذلك؟

قلت: لييسروا لمن يريد الانتحار أيسر السبل للانتحار.. فليس عليه سوى أن يرمي نفسه من نافذته أو شرفته ليجد نفسه مع أهل القبور.

قال: فكيف تبحثون عن علاج الانتحار، وأنتم توفرون أسبابه؟

***

داخل الحصن رأيت مرشدا يرشد الناس إلى الدخول إلى قاعتين تتم فيهما توعية المرضى والأصحاء بما يجب فعله لحماية أجسادهم من العلل.

قلت للمعلم: ما بال هذا المرشد يحاول أن يقهر الناس على الدخول إلى هاتين القاعتين؟

قال: لأنه لا يمكن للجسم أن يحمى من العلل إلا بالدخول إليهما واستيعاب ما فيهما من إرشادات.

قلت: فما هما؟

قال: أما القاعة الأولى، فتعلم فيها الحمية، وأما القاعة الثانية، فيتدرب فيها على الطهارة.

قلت: الحمية والطهارة إذن هما ركنا الحماية.

قال: أجل، وكلاهما في حقيقتهما طهارة، ألم تسمع قوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222)

قلت: بلى.. ولكني أعرف أن الطهارة طهارة، فكيف تكون الحماية طهارة؟

قال: الحمية أن تطهر باطنك، فلا تمكن أسباب العلل من الدخول إليه، كما أنك بالطهارة تطهر ظاهرك.

قلت: فالحمية تطهير الباطن، والطهارة تطهير الظاهر.

قال: أجل.. هيا ندخل لنرى قواعد ذلك وضوابطه.

الحمية

دخلنا قاعة الحمية، فوجدنا لافتة مكتوبا عليها قوله تعالى:{ وَهُوالَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأنعام:141)

قلت للمعلم: ما الحمية؟

قال: هي الابتعاد عن كل متعة قد تتسبب في حصول العلة.

قلت: فما علاقة الآية المعلقة بباب هذه القاعة بها؟

قال: هذه الآية هي آية الحمية، فالله تعالى بعد أن ذكر النعم العظيمة ـ التي تفتح الشهية لتناولها ـ عقب ذلك بالنهي عن الإسراف، باعتباره الداء القاتل الذي يحول النعم نقما، والعافية بلاء.

قلت: لقد نهى الله تعالى عن الإسراف في مواضع من القرآن الكريم، فقد أخبر تعالى أنه لا يحب المسرفين المسايرين لما تقتضيه شهواتهم من غير نظر للعواقب، فقال:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31)

ولكن الإسراف في القرآن الكريم لم يقتصر ذكره على الأكل والشرب، فالله تعالى ينعت بالإسراف أقواما مختلفين، لم يكن إسرافهم قاصرا على الأكل والشرب:

فالله تعالى يعتبر قوم هود u من المسرفين، فيقول على لسان نبيه صالح u:{ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} (الشعراء:151)، ثم يفسر هذا الإسراف بقوله تعالى:{ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} (الشعراء:152)

وقال تعالى عن فرعون:{ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} (يونس:83)

قال: وكذلك الحمية، فإنها بمفهومها الحقيقي الشامل لا تقتصر على الأكل والشرب.

قلت: فما تعني؟

قال: تعني أن يضع المؤمن لنفسه ميزانا صحيا يتناسب مع متطلبات جسده.. وهذا الميزان الشامل([15]) هو  ما نص عليه قوله تعالى:{ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} (الرحمن:7)، ثم نهى عن تجاوز هذا الميزان، فقال:{ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} (الرحمن:8)

قلت: فتجاوزه هو  الإسراف المؤدي إلى كل العلل.

قال: أجل.. وبذلك لا تكون الشهوات هي المتحكمة في سلوكيات الحياة وأنماطها، وإنما ما تتطلبه الصحة والعافية هو  المتحكم في ذلك.

قلت: فما التشريعات التي وضعها الشرع لتحقيق الحمية؟

قال: الأصل في هذه التشريعات أن يضعها الأطباء، فهي ميدانهم، ولكن النصوص الشرعية ـ مع ذلك، ولخطورة الأمر ـ تنبه إلى القواعد التي يعتمد عليها هذا الباب.

قلت: فاذكر لي بعضها.

قال: سنذكر أربعة تشريعات هي أصول أصول هذا الباب.

تحريم الخبائث:

قلت: فما أو لها؟

قال: أو لها تحريم الشرع لبعض الشهوات.. لئلا ينساق الإنسان انسياقا مطلقا وراءها.. وليكون في ذلك بعض التدريب على ما يربي في النفس وازع الحمية.

قلت: لقد ذكر القرآن الكريم إباحة الله للطيبات، وتحريمه للخبائث، فقال تعالى:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أو لَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:157)

قال: أتدري ما الخبائث التي نهوا عن أكلها؟

قلت: للفقهاء تفاصيل واختلافات كثيرة فيها، ولكنهم يتفقون على تحريم  لحم الخنزير، وتحريم الميتة، والدم، وهناك خلاف طفيف في الجوارح..

قال: أتدري لم حرمت هذه الأنواع؟

قلت: لكونها من الخبائث.. والخبائث ترادف النجاسات.

قال: فهذه المأكولات محلات ملائمة للعلل، فلذلك اقتضت الحمية تحريمها.

رأيت كثيرا من الناس يجتمعون حول بعض الأطباء، فسألت المعلم عنهم فقال: هؤلاء أطباء ينبهون إلى المخاطر التي تحوي عليها الخبائث، وهم بذلك ينصرون ما وردت به الشريعة من تحريم هذه الخبائث.

قلت: أفلا يكتفي الناس بما ورد في النصوص من تحريمها؟

قال: العبودية تقتضي التسليم لله، ولكن الطمأنينة تقتضي مثل هذه التفاصيل، ألم تر كيف أن إبراهيم u سأل الله أن يريه كيف يحيي الموتى مع أنه مؤمن بإحياء الله للموتى.

قلت: وعندما قال الله له:{ أو لَمْ تُؤْمِن}(البقرة:260) قال:{ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}(البقرة:260)

قال: فكذلك هؤلاء الأطباء يملأون القلوب طمأنينة بما فتح الله عليهم من الكشوف، ألم يعد الله بهذه الكشوف؟

قلت:  أين؟

قال: في قوله تعالى:{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقّ} (الأعراف:53)

قلت: تأويله المراد هنا هو  القيامة.

قال: هذا صحيح، ولكن فيها إشارة إلى أن حقائق القرآن الكريم ستتجلى بكل تفاصيلها، وسيكون الزمن مرآة لتجليها، ألم تسمع ما قال ابن مسعود  في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }(المائدة:105)

قلت: بلى، فقد كان عبد اللّه بن مسعود  جالسا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه فقال رجل من جلساء عبد اللّه: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر، فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن اللّه يقول:{ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية، فسمعها ابن مسعود ، فقال: مه لم يجيء تأويل هذه بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه أي تأويلهن عند الساعة وما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب ما ذكر من الحساب والجنة والنار فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه، وعند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية)([16]

تحريم الخنزير:

رأيت رجلا، وقد علق صورة خنزير، وعليها إشارة تحذير، وهويقول: لقد أكد القرآن الكريم تحريم الخنزير في أربعة مواضع([17]) من باب التأكيد على تشديد تحريمه، أتدرون لماذا؟

أردت أن أجيب، فقاطعني قائلا: كيف تجيب؟.. هذا اختصاصي([18]).. إن لحم الخنزير يحتوي على كمية كبيرة من الدهون، ويمتاز باندحال الدهن ضمن الخلايا العضلية للحمه علاوة على تواجدها خارج الخلايا في الأنسجة الضامة بكثافة عالية، في حين أن لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولة عن النسيج العضلي، ولا تتوضع خلاياه، وإنما تتوضع خارج الخلايا وفي الأنسجة الضامة.

قاطعه آخر، وقال: لقد أثبتت الدراسات العلمية أن الإنسان عندما يتناول دهون الحيوانات آكلة العشب فإن دهونها تستحلب في أمعائه وتمتص، وتتحول في جسمه فإن استحلابها عسير في أمعائه، وإن جزيئات الغليسرين الثلاثية لدهن الخنزير تمتص هي دون أي تحول وتترسب في أنسجة الإنسان كدهون حيوانية أو خنزيرية.

والكلوسترول الناجم عن تحلل لحم الخنزير في البدن يظهر في الدم على شكل كولسترول جزئي كبير الذرة يؤدي بالكثير إلى ارتفاع الضغط الدموي وإلى تصلب الشرايين، وهما من عوامل الخطورة التي تمهد لاحتشاء العضلة القلبية..

قاطعه ثالث، وقال: ولحم الخنزير غني بالمركبات الحاوية على نسب عالية من الكبريت، وكلها تؤثر على قابلية امتصاص الأنسجة الضامة للماء كالإسفنج، مكتسبة شكلاً كيسياً واسعاً، وهذا يؤدي إلى تراكم المواد المخاطية في الأوتار والأربطة والغضاريف بين الفقرات، وإلى تنكس في العظام.

والأنسجة الحاوية على الكبريت تتخرب بالتعفن منتجة روائح كريهة فواحة لانطلاق غاز كبريت الهدروجين.. وقد لوحظ أن الآنية الحاوية على لحم الخنزير، على الرغم من أنها محكمة السد إلا أنه يتعين إخراجها من الغرفة بعد عدة أيام نظراً للروائح الكريهة النتنة وغير المحتملة الناجمة عنهاً.

وبالمقارنة فإن لحوماً أخرى مختلفة خضعت لنفس التجربة، فإن لحم البقر كان أبطأ تعفنا من لحم الخنزير ولم تنطلق منه تلك الروائح النتنة.

قاطعه رابع، وقال: ويحتوي لحم الخنزير على نسبة عالية من هرمونات النمو التي لها تأثير أكيد للتأهب للإصابة بخامة النهايات علاوة على تأثيره في زيادة نموالبطن (الكرش) وزيادة معدل النمو وخاصة نمو الأنسجة المهيئة للنمو والتطور السرطاني..

قال خامس: يحتوي لحم الخنزير على أكبر كمية من الدهن من بين جميع أنواع اللحوم المختلفة مما يجعل لحمه عسير الهضم.. فمن المعروف علميا أن اللحوم التي يأكلها الإنسان تتوقف سهولة هضمها في المعدة على كميات الدهنيات التي تحويها وعلى نوع هذه الدهون، فكلما زادت كمية الدهنيات كان اللحم أصعب في الهضم.

قال سادس: ليس هذا فقط.. بل الخنزير مرتع خصب لأكثر من 450 مرضاً وبائياً، وهو يقوم بدور الوسيط لنقل 57 منها إلى الإنسان، عدا عن الأمراض التي يسببها أكل لحمه من عسرة هضم وتصلب للشرايين وسواها.

تحريم الميتة:

رأينا صورة حيوان ميت، وعليه إشارة تحذير، ورأينا أمامه مجموعة خبراء، قال أحدهم: لقد نص الله تعالى على تحريم الميتة، فقال:{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة:173)

وقد بين الله تعالى أن الميتة محرمة مهما كان نوعها سواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة، أو ما أكل السبع، قال تعالى:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } (المائدة:3)

قال الثاني: وقد أثبت العلماء مدى الخبث الذي تحمله الميتة، وهو ما يبين الحكمة من تحريمها، فالجراثيم تنفذ إلى الميتة من الأمعاء والجلد والفتحات الطبيعية، لكن الأمعاء هي المنفذ الأكثر نفوذا، فهي مفعمة بالجراثيم، لكنها أثناء الحياة تكون عرضة للبلعمة ولفعل الخمائر التي تحلها.. أما بعد موت الحيوان فإنها تنمو وتحل خمائرها الأنسجة وتدخل جدر المعي ومنها تنفذ إلى الأوعية الدموية واللمفاوية.

أما الفم والأنف والعينين والشرج فتصل إليها الجراثيم  عن طريق الهواء أو الحشرات والتي تضع بويضاتها  عليها.

أما الجلد فلا تدخل الجراثيم عبره إلا إذا كان متهتكاً كما في المتردية والنطيحة وما شابهها.

قال الثالث:.. إن احتباس دم الميتة، كما ينقص من طيب اللحم ويفسد مذاقه فإنه يساعد على انتشار الجراثيم وتكاثرها فيه.

وكلما طالت المدة بعد هلاك الحيوان كان التعرض للضرر أشد، لأن تبدل لحمها وفسادها وتفسخه يكون أعظم، إذ أنه بعد 3ـ4 ساعات من الموت يحدث ما يسمى بالمصل الجيفي.. أو التيبس الرمي.. حيث تتصلب العضلات لتتكون أحماض فيها كحمض الفسفور واللبن والفورميك، ثم تعود القلوية للعضلات، فيزول التيبس وذلك بتأثير التعفنات الناتجة عن التكاثر الجرثومي العفني التي تغزو الجثة بكاملها.

قال الرابع: وينشأ عن تفسخ وتحلل جثمان الميتة مركبات سامة ذات روائح كريهة، كما أن الغازات الناتجة عن التفسخ تؤدي إلى انتفاخ الجثة خلال بضع ساعات، وهي أسرع في الحيوانات آكلة العشب من إبل وضأن وبقر وغيرها، كما تعطي بعض الجراثيم أثناء تكاثرها مواد ملونة تعطي اللحم منظراً غير طبيعي ولوناً إلى الأخضر أو السواد  وقوامه ألين من اللحم العادي.

قال خامس: ويدخل في هذا الباب ما قد تصاب به البهائم من أمراض جرثومية تمنع تناول لحمها ولوكانت مذكاة.. ويكون الضرر في هذه الحالة شديدا، فيما لومات الحيوان بذلك المرض نتيجة لانتشار الجراثيم في جثته عن طريق الدم المحتبس وتكاثرها بشدة وزيادة مفرزاتها السمية.

ومن هذه الأمراض السل، ولهذا توصي كتب الطب بإحراق جثة الحيوان المصاب بالسل الرئوي وسل الباريتوان وكذا إذ وجدت الجراثيم في عشلات الحيوان أو عقده اللمفاوية.

ومنها الجمرة الخبيثة، والحيوان الذي أصيب بها يحذر من مسه، بل يؤمر بحرقه ودفنه حتى لا تنتشر جراثيمه وتنتقل العدوى إلى الحيوان وإلى البشر.

تحريم الدم:

قال لي المعلم: إن شئت أن تدري لم حرم الله تعالى الدم، فتعال بنا لهؤلاء الخبراء؟

اقتربنا من مجموعة من الأطباء، وقد وضعوا أمامهم صورة دم وأمامها رمز التحذير، وسمعنا أحدهم يقول: اتفق العلماء على أن الدم حرام لا يؤكل ولا ينتفع به، وسر ذلك هو  ما يحمله من سموم وفضلات كثيرة ومركبات ضارة، وذلك لأن إحدى وظائفه الهامة هي نقل نواتج استقلاب الغذاء في الخلايا من فضلات وسموم ليصار إلى الخارج طرحاً، وأهم هذه المواد هي البولة وحمض البول والكرياتنين وغاز  الفحم، كما يحمل الدم بعض السموم التي ينقلها من الأمعاء إلى الكبد ليصار إلى تعديلها.

وعند تناول كمية كبيرة من الدم، فإن هذه المركبات تمتص ويرتفع مقدارها في الجسم، إضافة إلى المركبات التي يمكن أن تنتج عن هضم الدم نفسه مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البولة في الدم، والتي يمكن أن تؤدي إلى اعتلال دماغي ينتهي بالسبات.

قاطعه آخر، وقال: إن هذه الحالة تشبه مرضياً ما يحدث في حالة النزف الهضمي العلوي ويلجأ عادة ـ هنا ـ إلى امتصاص الدم المتراكم في المعدة والأمعاء لتخليص البدن منه ووقايته من حدوث الإصابة الدماغية.

وهكذا فإن الدم يحتوي على فضلات سامة مستقذرة، ولو أخذ  من حيوان سليم، علاوة على احتوائه على عوامل مرضية وجرثومية فيما لوأخذ من حيوان مريض بالأصل.

قال آخر: والدم وسط صالح لنمو الجراثيم وتكاثرها، إذ أنه من المتفق عليه طبياً أن الدم أصلح الأوساط لنمو شتى أنواع الجراثيم وتكاثرها، فهو أطيب غذاء لهذه الكائنات وأفضل تربة لنموها ولهذا تستعمله المخابر لتحضير المزرعة الجرثومية.

قال آخر: وزيادة على هذا، فالدم لا يصلح غذاء للإنسان.. فإن ما يحتويه من بروتينات قابلة للهضم كالألبومين والغلوبولين والفبرينوجين هو  مقدار ضئيل (8غ / 100 مل)، ومثل ذلك الدسم، في حين يحتوي الدم على نسبة كبيرة من خضاب الدم (الهيموغلوبين) وهي بروتينات معقدة عسرة الهضم جداً، لا تحتملها المعدة غالبا.

ثم إن الدم إذا تخثر فإن هضمه يصبح أشد عسرة، وذلك لتحول الفيبرينوجين إلى مادة الليفين الذي يؤلف شبكة تحضر ضمنها الكريات الحمر والفيبرين من أسوأ البروتينات وأعسرها هضماً.

وهكذا فإن علماء الصحة لم يعتبروا الدم بشكل من الأشكال في تعداد الأغذية الصالحة للبشر.

تحريم الجوارح:

انتقلنا إلى مجموعة أخرى([19])، قد وضعت صورة ناب ومخلب، وعليها صورة تحذير، وقد كتب على اللوحة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (حرم على أمتي كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السباع([20]))([21])

قال أحد أطباء هذه المجموعة: لقد أثبت علم التغذية الحديثة أن الشعوب تكتسب بعض صفات الحيوانات التي تأكلها لاحتواء لحومها على سميات ومفرزات داخلية تسري في الدماء وتنتقل إلى معدة البشر، فتؤثر في أخلاقياتهم..

فقد تبين أن الحيوان المفترس عندما يهم باقتناص فريسته تفرز في جسمه هرمونات ومواد تساعده على القتال واقتناص الفريسة..

قاطعه آخر، تظهر عليه العجمة([22])، بقوله: إن هذه الإفرازات تخرج في جسم الحيوان حتى وهو حبيس في قفص عندما تقدم له قطعة لحم لكي يأكلها.

ثم ركز انتابهه في أحد المستمعين، وقد لاحظ عليه علامات الشك فيما قال، وقال: ما عليك إلا أن تزور حديقة الحيوانات مرة، وتلقى نظرة على النمر في حركاته العصبية الهائجة أثناء تقطيعة قطعة اللحم ومضغها، فترى صورة الغضب والاكفهرار المرسومة على وجهه، ثم ارجع ببصرك إلى الفيل وراقب حالته الوديعة عندما يأكل وهو يلعب مع الأطفال والزائرين، وانظر إلى الأسد وقارن بطشه وشراسته بالجمل ووداعته.

قال آخر: لقد لوحظ على الشعوب آكلات لحوم الجوارح أو غيرها من اللحوم التي حرم الإسلام أكلها أنها تصاب بنوع من الشراسة والميل إلى العنف ولو بدون سبب إلا الرغبة في سفك الدماء..

وقد تأكدت الدراسات والبحوث من هذه الظاهرة على القبائل المتخلفة التي تستمرئ أكل مثل تلك اللحوم إلى حد أن بعضها يصاب بالضراوة فيأكل لحوم البشر، كما انتهت تلك الدراسات والبحوث أيضا إلى ظاهرة أخرى في هذه القبائل وهي إصابتها بنوع من الفوضى الجنسية وانعدام الغيرة على الجنس الآخر فضلا عن عدم احترام نظام الأسرة ومسألة العرض والشرف.. وهي حالة أقرب إلى حياة تلك الحيوانات المفترسة حيث إن الذكر يهجم على الذكر الآخر من القطيع ويقتله لكي يحظى بإناثه إلى أن يأتي ذكر آخر أكثر شبابا وحيوية وقوة فيقتل الذكر المغتصب السابق وهكذا.. ولعل أكل الخنزير أحد أسباب انعدام الغيرة الجنسية بين الأوربيين وظهور الكثير من حالات ظواهر الشذوذ الجنسي مثل تبادل الزوجات والزواج الجماعي.

قال آخر:.. وما وباء السارس الذي أجتاح الصين وجنوب شرق آسيا إلا نتيجة لأكل لحم الجوارح والكلاب. 

وقد ذكر علماء من الصين أن الفيروس المسبب للالتهاب الرئوي اللانمطي (سارس) قد يكون انتقل إلى البشر من حيوانات كسنور (قطط) الزباد وكلاب الراكون.

وقد ألجأ الخوف من انتشار السارس عن طريق الحيوانات الأليفة السلطات في بكين والمدن الأخرى إلى أن تأمر بجمع القطط والكلاب الضالة والحيوانات الأخرى وتقتلها.. كما دفع ذلك أصحاب الحيوانات الأليفة إلى التخلي عن حيواناتهم.

تشريع الصيام:

قلت: فما التشريع الثاني؟

قال: الصوم..

قلت: ما علاقة الصوم بالحمية؟

قال: الصوم هو  التشريع الذي شرعه الله ليدرب على الحمية.

قلت: الحمية عن المعاصي.. وهي حمية للروح.. لا حمية للجسد.

قال: الله رب الجسد والروح.. وقد شرع لنا ما يحفظهما جميعا، وفي وقت واحد.

قلت: قد عرفت دور الصوم في تربية الإرادة، وغرس نبات الصبر، ولهذا جعله صلى الله عليه وآله وسلم سببا من أسباب العفة ودربا من دروبها، فقال:(يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)([23]).. ولكني لم أعرف الصوم حمية للجسد عن العلل.

قال: أليست العفة نوعا من الحمية؟.. فالحمية هي عدم الانسياق وراء الشهوات، وهي نفس ما تعنيه العفة.. ومع ذلك فقد جعل الله الصوم مدرسة من مدارس الصحة لا يفقهه إلا أولو الألباب.

أشار لي المعلم إلى باب داخل قاعة الحمية، ثم قال: أترى ذلك الباب؟

قلت: أجل.

قال: ذلك الباب يؤدي إلى قاعة عظمى، هي وحدها مستشفى قائم بذاته، فيه الأطباء من كل التخصصات، يعالجون المرضى بدواء واحد.

قلت: بدواء واحد.. ما هذا الترياق العجيب؟

قال: إنه الصوم..

قلت: فهيا ندخل إليها لنرى عجائب العلاج بالصوم.

قال: سندخل.. ولكنا سنكتفي بإلقاء نظرة عامة.. أما التخصص، فنتركه للمتخصصين.

دخلنا القاعة التي كتب على بابها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(صوموا تصحوا)([24])، فوجدناها بحد ذاتها مستشفى كبير في سعته وكثرة أبوابه([25])، فسألت المعلم عن هذه الأبواب الكثيرة، فقال: كل باب تعالج فيه علة من العلل.

قلت: بالصوم وحده؟!

قال: بالصوم وحده.

قلت: فهلم ندخل إليها.

قال: إذن لن نخرج.

قلت: فماذا نفعل هنا؟

قال: هناك أطباء في هذه الباحة يرشدون المرضى إلى مزايا الصوم ودور الاحتماء به في الوقاية العلاج، وسنستمع إليهم لترى سببا من أسباب كون الصوم ركنا من أركان الصحة.

استدركت على المعلم قائلا: أخطأت ـ يا معلم ـ الصوم ركن من أكان الإسلام، لا ركن من أركان الصحة.

قال: أركان الإسلام هي أركان الصحة.. ألم يأت الإسلام لحفظ الروح والجسد؟

اقتربنا من بعض الأطباء، فسمعناه يقول: خلاصة ما توصل إليه الباحثون في هذا هي أن الصوم ضروري لحياة الإنسان وصحته، وأي مخلوق إذا امتنع عن الصوم فإنه لا بد من أن يصاب ببعض الأمراض.

سأل بعض المرضى: ما سر هذا؟

قال: الصوم يساعد الجسم على تنشيط وظائفه، فعند الصيام تقل كمية الطعام وعدد الوجبات الغذائية، مما يؤدي إلى المساعدة في تنظيم التنفس، لأن الأمعاء بما فيها من طعام قليل لن يضغط على الصدر والقلب، ومن ثم يحدث التنفس بصورة مريحة.

وبالإضافة إلى هذا فإنه تقل عدد ضربات القلب ومرات التنفس، لأن الجسم في أثناء الصوم يكون في غير حاجة لبذل مجهود كبير، أو دفع كمية كبيرة من الدم إلى الجهاز الهضمي، وذلك للمساعدة في هضم الكميات الهائلة من الطعام كما هو  الحال في الأيام الإفطار العادية.

وبالإضافة إلى هذا، فإن الجسم أثناء الصوم يستهلك كمية أقل من الغذاء لتزويده بالطاقة الحرارية اللازمة، وهذا يعني حصول الجهاز الهضمي، وغدده على فترة من الراحة تسمح له بتجديد خلاياه وأنسجته التالفة.

وهذا كله بالإضافة إلى تقليل العبء الواقع على الجهاز القلبي والدوراني والدم، بحيث تقل كمية الطعام المهضوم الممتص الذي يحمله الدم عبر الأوعية الدموية إلى جميع أجزاء الجسم ـ كلٌّ حسب نوعه ـ وبالطبع ينجم عن هذا قلة الفضلات الناجمة عن عمليات التمثيل الغذائي التي يسبب وجودها إرهاقاً للكليتين.

انتقلنا على طبيب آخر، فسمعناه يقول: من الحقائق التي توصل إليها العلماء أن الإنسان عندما يفرط في تناول الأغذية والأدوية، فإنه قد يُصاب بالتسمم بالعناصر الداخلة في تركيبها، فلذلك يحتاج إلى الصوم أياماً متتالية، بل أسابيع لطرد هذه المواد الدخيلة على الجسم.

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان في أثناء الصوم الأعضاء المصابة بالأمراض والشيخوخة، وخاصة المحتقنة، والمتقيحة، والملتهبة، إذ تكون أول الخلايا المستهلكة، وأول ما يتأكسد من أنسجة الجسم ويحترق لذلك، فإنه في الصوم يصغر حجم الخلايا التالفة، والأورام، والزوائد اللحمية، والأكياس الدهنية، والأورام الليفية.

قاطعه بعض المرضى قائلا: ولكن سمعنا بأن الصوم يعطل التئام الجروح والكسور.

رد عليه الطبيب بقوة: أخطأ من قال هذا.. لقد أثبتت الدراسات عكس ما قلت تماماً، فإن الجسم يستنفد أنسجته الأقل أهمية في إصلاح الأنسجة الأكثر أهمية.

انتقلنا إلى طبيب آخر، فسمعناه يقول: لقد أكدت الدراسات الطبية أن المخ أثناء الصيام يفرز مادة الفيلادين ومادة الأندوفرين اللتين تعملان على ضبط الأعصاب واستعادة توازنها، وتهدئة الإنسان دون الاستعانة بالمهدئات.

وبالإضافة إلى هذا، فإن الصوم يضبط الساعة البيولوجية للجسم، ويُعود المعدة على مواعيد الطعام المنتظمة في الإفطار والسحور، مما يريح الجهاز الهضمي، ويعين المعدة على تجديد إفرازاتها الهاضمة، أما نسبتا السكر والكوليسترول فإن الصوم خير وسيلة لضبطهما.

انتقلنا إلى طبيب آخر([26])، فسمعناه يقول: تنقسم أمراض المخ والأعصاب إلى قسمين: أمراض عصبية مثل الجلطة والأورام؟ وأمراض نفسية مثل القلق والاكتئاب وأنواع الجنون، والصوم ليس له تأثير مباشر على أمراض المخ والأعصاب بشقيها، ولكن هناك تأثيرات غير مباشرة، فالمريض بجلطة المخ قد تتحسن حالته الصحية إذا صام لأن الصوم يقلل نسبة الدهون في الدم، ومن ثم تنخفض نسبة تصلب الشرايين المسببة للجلطة.

سأله أحد المرضى: وما دور الصوم في علاج الأمراض النفسية؟

فأجاب: هي تنقسم إلى قسمين: أمراض عقلية كأنواع الجنون المختلفة، وهنا يسقط التكليف بالصوم عن المصاب بها، وأمراض عصبية مثل القلق النفسى والاكتئاب، ويستحب الصوم لهؤلاء لأن الصوم يحسن الحالة النفسية، ويجعلهم أكثر تجاوباً مع العلاج.

انتقلنا إلى طبيب آخر([27])، فسمعناه يقول:.. والمريض بقرحة المعدة يستحب له الصوم، لأن كمية الطعام الزائدة تؤدي بدورها إلى زيادة إفراز الحمض الذي يؤدي بدوره إلى زيادة تآكل الطبقة المخاطية المبطنة لجدار المعدة إذا لم يأخذ المريض العلاج المناسب المضاد لهذا الحمض، وامتناع الصائم عن الأكل والشرب طوال اليوم يقلل من إفراز هذا الحمض([28]).

والصوم يوفر للفم الصحة والنظافة، إذ ينشط معه إنزيم الليوزيم الموجود ضمن الإفرازات اللعابية، ويمنحه الفرصة للقضاء على الجراثيم المؤثرة على اللثة، كما يريح الصوم اللثة لساعات طويلة من الجروح والخدوش التى تحدث بفعل الأطعمة الصلبة والأحماض الغذائية.

انتقلنا إلى طبيب آخر([29])، فسمعناه يقول: إن الصوم يخلص الجسم من الدهون التى تسبب السمنة المفرطة، ويساعد على تخفيض ضغط الدم المرتفع وإعطاء المعدة فترة من الراحة، وإراحة الأجهزة.

سمعنا آخر([30]) يقول: وللصوم تأثير إيجابي على المرضى المصابين بالمياه الزرقاء، فهدوء الأعصاب المصاحب للصوم يقلل من الضغط الواقع على العين فتتحسن الحالة المرضية نسبياً في الصيام.. كما تقل نسبة حدوث المضاعفات التى تحدث في عين المرضى المصابين بالسكر وارتفاع ضغط الدم، كحدوث جلطة في العين أو انسداد في أحد الشرايين الموجودة في العين.

سمعنا آخر([31]) بلهجة تختلط فيها العربية بالعجمة يقول: إن الأديان كافة تدعوالناس إلى وجوب الصوم، إذ يحدث أول الأمر شعور بالجوع، ويحدث أحياناً التهيج العصبي، ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد أنه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية، أهم بكثير منه، فإن سكر الكبد سيتحرك، ويتحرك معه الدهن المخزون تحت الجلد، وبروتينات العضل والغدد، وخلايا الكبد، وتضحّي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة، للإبقاء على كمال الوسط الداخلي، وسلامة القلب، ولهذا فإن الصوم لينظف أنسجتنا.

قال آخر: جميع الأطباء يؤكدون اليوم أن الصوم ضرورة حيوية لكل إنسان حتى ولو كان يبدو صحيح الجسم، فالسموم التي تتراكم خلال حياة الإنسان لا يمكن إزالتها إلا بالصيام والامتناع عن الطعام والشراب.. حيث يدخل إلى جسم كل واحد منا في فترة حياته من الماء الذي يشربه فقط أكثر من مئتي كيلوغرام من المعادن والمواد السامة!! وكل واحد منا يستهلك في الهواء الذي يستنشقه عدة كيلوغرامات من المواد السامة والملوثة مثل أكاسيد الكربون والرصاص والكبريت.. فتأمل كم يستهلك الإنسان من معادن لا يستطيع الجسم أن يمتصها أو يستفيد منها، بل هي عبء ثقيل تجعل الإنسان يحسّ بالوهن والضعف وحتى الاضطراب في التفكير، فهذه السموم تنعكس سلباً على جسده ونفسه، وقد تكون هي السبب الخفي الذي لا يراه الطبيب لكثير من الأمراض المزمنة.

قال آخر: والصوم هو أقوى سلاح للاضطرابات النفسية.. حيث يقدم الصوم للدماغ وخلايا المخ استراحة جيدة، وبنفس الوقت يقوم بتطهير خلابا الجسم من السموم، وهذا ينعكس إيجابياً على استقرار الوضع النفسي لدى الصائم.

حتى إن الدكتور يوري نيكولايف مدير وحدة الصوم في معهد موسكو النفسي عالج أكثر من سبعة آلاف مريض نفسي باستخدام الصوم، حيث استجاب هؤلاء المرضى لدواء الصوم فيما فشلت وسائل العلاج الأخرى، وكانت معظم النتائج مبهرة وناجحة! واعتبر أن الصوم هو الدواء الناجع لكثير من الأمراض النفسية المزمنة مثل مرض الفصام والاكتئاب والقلق والاحباط.

فلدى البدء بالصوم يبدأ الدم بطرح الفضلات السامة منه أي يصبح أكثر نقاء، وعندما يذهب هذا الدم للدماغ يقوم بتنظيفه أيضاً فيكون لدينا دماغ أكثر قدرة على التفكير والتحمل.

قال آخر: والصوم يطيل العمر.. فقد أظهرت التجارب أن ممارسة الصيام على الحيوانات يضاعف من فترة بقائها أو حياتها.. وسر ذلك أن التنظيف المستمر للخلايا باستخدام الصيام يؤدي إلى إطالة عمر الخلايا، وبالتالي تأخر الشيخوخة لدى من ينتظم في الصيام.. حتى إن حاجة الجسم من البروتين تخف خلال الصيام إلى الخمس! وهذا ما يعطي قدراً من الراحة للخلايا، حتى إن الصيام هو  وسيلة لتجديد خلايا الجسم بشكل آمن وصحيح.

قال آخر: من الأشياء الغريبة في الصوم أنه يساعد على شفاء آلام الظهر والعمود الفقري والرقبة. وقد أو ضحت دراسة نرويجية أن الصوم علاج ناجع لالتهاب المفاصل بشرط أن يستمر الصوم لمدة أربعة أسابيع.

تحريم الإسراف:

خرجنا من القاعة أو المستشفى المختص بالعلاج بالصوم، فصادفنا مباشرة باب كتب عليه قوله تعالى:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} (الأعراف:31)

قلت للمعلم: أهذه القاعة التي يدرب فيها على التشريع الثالث من التشريعات التي وضعها الله للحمية؟

قال: أجل.. فهي القاعة التي يمرن فيها على الاقتصاد والقناعة..

قلت: الإنسان شره بغريزته، يسرف في الأكل والشرب، وفي كل الشهوات، بل يقدر ما يأكله الإنسان العادي عادة من طعام وشراب ثلاثة أضعاف ما يحتاجه إليه.

قال: ولهذا فإن أكثر الراحلين من عالم الدنيا إلى عالم القبور مشنوقون بأفواههم، مصلوبون بشهواتهم.

قلت: ولهذا حرم الله تعالى الإسراف، وربطه بكل المواضع التي أمر فيها بالأكل والشرب.

قال: بل أخبر القرآن الكريم أن الوقوف عند التلذذ بالطعام والشراب والتمتع بهما إنما هو  من صفات الكافرين الجاحدين، فقال تعالى:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }(الأحقاف:20)

قلت:  ألهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم:(المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)([32]

قلت: أجل.. ولهذا اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم السمنة انحرافا يقع في الأمة، فقال:(إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يكون من بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن)

قال: ولهذا اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم من الإسراف أن يأكل الإنسان كلما اشتهى، فقال:(إن من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت)([33]

وتجشأ بعضهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له:(أقصر عنا من جشائك، إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا)([34]

***

دخلنا القاعة، فرأينا فيها مجموعة أطباء يلتف حولهم جماعة مرضى، وخلفهم لوحة كتب عليها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)([35]

قلت للمعلم: لقد علق بعضهم على هذا الحديث تعليقا جميلا، فقال:(مراتب الغذاء ثلاثة: أحدها مرتبة الحاجة، والثانية مرتبة الكفاية، الثالث مرتبة الفضيلة، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه فلا تسقط قوته ولا تضعف، فإن تجاوزها فليأكل بثلث بطنه وهذا من أنفع ما للبدن وما للقلب فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب فإذا أو رد عليه الشراب ضاق عن النفس وعرض عليه الكرب والتعب)([36])

قال: فهذا الطبيب يؤكد هذا، فاسمع إليه.

قال الطبيب، وهويشرح الحديث السابق: يشكل الجزء العلوي من المعدة جيبا ممتلئا بالهواء يقع تحت الحجاب الحاجز، وكلما كان ممتلئاً بالهواء كانت حركة الحجاب الحاجز فوقه سهلة، وكان التنفس ميسوراً، فإذا امتلأ هذا الجيب بالطعام والشراب تعرقلت حركة الحجاب الحاجز وكان التنفس صعباً كما أن الصلب  لا يستقيم تماماً إلا إذا كانت حركة المعدة مستريحة، ولا يتم ذلك إذا اتخمت بالطعام.

ثم التفت، فرأيت خبيرا آخر([37]) يقول: الإسراف في الغذاء مضر بالصحة، لما يؤدي إليه بصورة مباشرة من اضطراب الهضم والتخمة، ولما يؤدي إليه بصورة غير مباشرة من أمراض فرط التغذية التي يقال لها اليوم (أمراض الرخاء) أو (أمراض التخمة)، ومن  أهمها (السكري)، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض شرايين القلب المحدثة للذبحة والجلطة، وأمراض شرايين الدماغ المؤدية إلى السكتة والفالج، وما إلى ذلك. وبذلك تكون المعدة بيت الداء حقاً، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتكون مسؤولة عن طائفة من أخطر الأمراض.

***

 انتقلنا إلى مجموعة أخرى من الأطباء، فسمعنا أحدهم يقول: إن احتياجات الإنسان الطبيعي من العناصر الغذائية الأساسية تشمل السكاكر، والدسم، والبروتينات، ومن الفيتامينات والعناصر المعدنية.

وتختلف مقاديرها بحسب سنه وجنسه وعمله وحالته الغريزية.. والإسراف فيها إما أن يكون بالتهام كمية كبيرة من الطعام فوق حاجة الإنسان، أو بازدراد الطعام دون مضغة جيداً، ويسمى ذلك بالشره، وينتج عنه الكثير من الأمراض([38]).

قال آخر: من الأمراض الناتجة عن ذلك هجمة خناق الصدر وخاصة إذا كانت الوجبة دسمة، وهي حالة من الألم الشديد خلف القص يمتد للكتف والذراع الأيسر والفك السفلي بسبب نقص التروية القلبية، تظهر هذه الحالة عادةً عند المصابين بأمراض الأوعية القلبية إثر الجهد، فالوجبة الغذائية الكبيرة تشكل على القلب عبئا يماثل العبء الناتج عن الجهد العنيف.

قال آخر: ومنها تعرض الإنسان للإصابة ببعض الجراثيم، كضمات الكوليرا وعصيات الحمى التيفية، والأطوار الاغتذائية للاميبا، وذلك لعدم تعرض كامل الطعام لحموضة المعدة وللهضم المبدئي في المعدة حيث أن حموضة المعدة هي المسؤولة عادة عن القضاء على مثل هذه الجراثيم.

قال آخر: ومنها بعض الأمراض المتعلقة بالمعدة، كتوسعها الحاد، وهي حالة خطيرة قد تؤدي للوفاة إذا لم تعالج.

أوكانفتال المعدة، وهي إصابة خطيرة ونادرة تحدث بسبب حركة حويّة معاكسة للأمعاء بعد امتلاء المعدة الزائد بالطعام.

زيادة على هذا، فإن المعدة الممتلئة بالطعام أكثر عرضةً للتمزق إذا تعرضت لرض خارجي من المعدة الفارغة، وقد يتعرض المرء للموت بالنهي القلبي إذا تعرض لضرب على الشرسوف (فوق المعدة)

قال آخر: ومن الأمراض الناتجة عن التخمة همود في النفس، وبلادة في التفكير، وميلٍ إلى النوم، كما أن الشره يزيد الشهوة الجنسية، ويغير من نفسية الإنسان فيجعلها أقرب إلى نفسية الحيوان.

قال آخر: وأخطر ذلك كله السُمنة، وهي المرض الخطير الذي نجده غالباً في أبناء الطبقات الغنية، وعند أصحاب الوظائف الكسولة، ويحصل نتيجة الإكثار من الطعام، وخاصة السكاكر والدهون، وبشكل خاص عند الأفراد الذين لديهم استعداد إرثي، وهي تحد من إمكانات الفرد ونشاطاته بشكل كبير، كما تشارك بعض الأمراض الخطيرة، كاحتشاء العضلة القلبية، وخناق الصدر، والداء السكري، وفرط توتر الدم وتصلب الشرايين.

قال آخر: ومنها نخر الأسنان، وهومن الأمراض الشائعة بسبب الإكثار من تناول السكاكر الاصطناعية خاصة التي تسمح بتخميرها للعصيات اللبنية بالنمو في جوف الفم.

قال آخر: ومنها الحصيات الكلوية، وهي أكثر حدوثاً عن الذين يعتمدون بشكل رئيسي على تناول اللحوم والحليب والجبن.

قال آخر: ومنها تصلب الشرايين، وهو داء خطير يشاهد بشكل ملحوظ عند الذين يتناولون كميات كبيرة من الدسم، حيث يصابون بفرط تدسم الدم.

قال آخر: ومنها النقرس (داء الملوك)، وهوألم مفصلي، يأتي بشكل هجمات عنيفة، وخاصة في مفاصل القدم والإبهام، ويشاهد أكثر عند اللذين يتناولون كمياتٍ كبيرة من اللحوم.

تنظيم الحياة:

خرجنا من القاعة التي يدرب فيها على الاقتصاد، فصادفنا باب في منتهى الجمال.. وجماله لم يكن بكثرة ألوانه ولا إشعاعات أضوائه، وإنما في تلك الخطوط المنتظمة الدقيقة المتداخلة التي أكسبته بهاء فوق بهائه، وجمالا فوق جماله.

قلت للمعلم: ما هذا الباب الجميل، ولأي قاعة يؤدي؟

قال: هذا باب يؤدي إلى القاعة أو المستشفى أو الميدان الذي تنظم فيه الحياة.

قلت: فما علاقة ذلك بالحمية؟

قال: النظام هو  أساس مهم من أسس الحمية، وقاعدة كبرى من قواعدها.. بل ما الحمية إلا نظام من أنظمة الحياة.

قلت: فما النظام؟.. وما الحاجة إليه؟

قال: أليس جسد الإنسان مدينة من المدائن.

قلت: بل قل عنه: إنه مدائن لا مدينة، فكل جهاز من أجهزة الجسم مدينة بحد ذاتها.

قال: فهل يمكن للمدائن أن تسير بدون نظام ينظم حياتها؟

قلت: إذن تخرب المدينة.. لابد للمدينة من نظام وقوانين ومبادئ..

قال: فلذلك احتاج الجسم إلى هذا النظام.

قلت: فمن يضع هذا النظام؟

قال: لقد وكل الله أمر وضع هذا النظام للبشر، وللمختصين والخبراء منهم.. ولكن هناك أمور تمس إليها الحاجة وتشتد، فلذلك كان من رحمة الله أن بينها لنا، ونبهنا إليها.. لا باعتبارها التفاصيل النهائية، وإنما باعتبارها القواعد التي ننطلق منها في تنظيم حياتنا.

قلت: إن الحياة ـ يا معلم ـ شيء معقد.. والناس يختلفون في تصاريف حياتهم، فكيف يحكمون بنظام واحد؟!

قال: هناك أشياء كثيرة يتفقون عليها، فالناس يأكلون ويشربون وينامون، ويقومون بجميع وظائفهم الحياتية.

قلت: ولكن الأعراف هي المتحكمة في هذه الجوانب.. ففي كل ذلك طرائق تختلف باختلاف الشعوب والبيئات.

قال: نعم.. للبيئة والظروف التي يمر بها الإنسان دور كبير في ذلك، ولكن مع ذلك، فإن هناك أشياء كثيرة مشتركة.

قلت: ما هي، وكيف نتدرب عليها؟

قال: هذه القاعة مختصة بالتمرين على هذا.

قلت: التمرين؟!.. ماذا تعني؟!

قال: من يدخل هذه القاعة يمكث أربعين يوما ليعود نفسه على نظام معين في الحياة يسير عليه بقية عمره.

قلت: ولم الأربعون؟

قال: هذا مجرد اجتهاد اجتهده أهل هذا المستشفى.. وقد أثبت فاعليته.

قلت: فلم الأربعون بالضبط؟

قال: ورد في النصوص ما يشير إلى بعض الخواص المتعلقة بالأربعين، فالله تعالى يقول:{ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} (البقرة:51)

قلت: هذه الآية الكريمة تتحدث عن مواعدة الله لموسى u ليكلمه في جبل الطور.

قال: فماذا فعل موسى u في هذه الفترة؟

قلت: لقد صام، وترك قومه، وقد يكون أكثر في هذه المدة من العبادة ما لم يكثر في غيرها.

قال: فهذا سلوك خاص سلكه هذه الفترة ليهيئ نفسه للمناجاة، وقد كانت هذه الفترة كافية لتهيئته.

قلت: ألا يمكن أن نترك ذلك من غير تعليل؟

قال: ذلك في أفعالنا، لا في أفعال الأنبياء، أو فيما يوحى به للأنبياء.. فهم محكومون بقوانين تعزب عنا تفاصيلها.

قلت: ولكن هذا الدليل وحده لا يكفي لمثل هذا.

قال: ورد في النصوص ما يقوي هذا الدليل.

قلت: تقصد ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)([39]

قال: لا أقصد هذا، فقد تحدث فيه العلماء جارحين، ولكن أقصد نصوصا أخرى قد تجعل من هذا الأمر مقبولا، ومن ذلك ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً، وأيّما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أو لى به)([40]

قلت: فما في هذا الحديث من الدلالة على هذا؟

قال: عدم قبول الله تعالى منه هذه المدة دليل على أن أثر هذه اللقمة بقي في جوفه أربعين يوما.

قلت: وقريب من هذا الحديث ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(من شرب الخمر لم يرض اللّه عنه أربعين ليلة إن مات؛ مات كافراً، وإن تاب تاب اللّه عليه، وإن عاد كان حقاً على اللّه أن يسقيه من طينة الخبال)([41])

قال: ليس هذا فقط، بل كل الأحاديث تحدثت عن الأربعين يوما تشير إلى هذا، حتى أنه روي أن الدجال عندما يخرج يمكث في الأرض أربعين.

قلت: أجل، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( يخرج الدجال في أُمتي فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يوماً، أو أربعين شهراً، أو أربعين عاماً..) ([42])، لكن ما سر مكوثه هذه المدة؟

قال: في هذه المدة يزداد الثابت رسوخا في ثباته، ويزداد المنحرف مع الدجال إمعانا في دجله.

قلت: وما النظام الذي يتعامل به الأطباء مع هؤلاء المرضى في هذه المدة؟ وهل هو  قاس؟

قال: قد يبدو لهم قاسيا، ولكنه ممتلئ رحمة.

قلت: فدعني أمكث هنا أربعين يوما، لعلي أتطهر من أوزار جسدي.

قال: لا يمكن أن تطهر جسدك قبل أن تطهر روحك، فالروح والجسد صنوان.

قلت: فمتى أدخل هذه الأربعينية؟

قال: عندما تنتهي دراستك الابتدائية، وتصير لك القوة الكافية، قد يؤذن لك في هذه الأربعينية.

قلت: وقبل ذلك.

قال: تدرب على آدابها.

قلت: فما آدابها؟

قال: هي آداب النبوة.

قلت: فهيا لنتعلمها.

قال: كل رحلتنا في مدائن السلام اقتباس من مشكاة النبوة.

قلت: فماذا نتعلم هنا، وفي هذه المرحلة.

قال: هنا نستثير الهمم.. ونشعل الشوق.

قلت: لم؟

قال: لأنه لا سير بدون شوق.. ولا حركة بدون همة.

***

دخلنا القاعة، فرأينا الناس فيها مثنى مثنى، على غير عهدنا في سائر القاعات، فسألت المعلم عن ذلك، فقال: هؤلاء الذين تراهم أصحاء ومرضى جلسوا في هذه القاعة، وهي القاعة الظاهرة من هذا القسم، ليتدربوا على بعض مبادئ الآداب التي وردت بها النبوة.

قلت: الآداب تدرس في المساجد لا في المستشفيات.

قال: آداب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدرس ويتدرب عليها في كل المحلات، وهنا في هذا المستشفى يتدرب على الآداب التي لها علاقة بالصحة.

العطاس:

اقتربنا من أحدهم، فرأيته يعطس، فقال له مرشده: قل: الحمد لله.

قال: الحمد لله.. ولكن لم؟

أغضبني هذا الموقف، وصحت فيه: كيف تجرؤ على هذا السؤال.. هذا هدي من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك اللَّه؛ فإذا قال له يرحمك اللَّه فليقل: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم)([43]

بل اشتد في ذلك، فقال:(إذا عطس أحدكم فحمد اللَّه فشمتوه، فإن لم يحمد اللَّه فلا تشمتوه)([44]

وقد روي أن رجلين عطسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته وعطست فلم تشمتني؟ فقال:(هذا حمد اللَّه، وإنك لم تحمد اللَّه)([45]

عجب ذلك الرجل من موقفي، فالتفت إلى المرشد، فقال له: تريد أن تعرف سر حمد الله عند العطاس؟

قال: أجل.. لا إنكارا له.. ولكن ليطمئن قلبي.. أليس البحث عن طمأنية القلب سنة من سنن المرسلين، وهدي من هديهم؟

استحييت منه، فقلت: اعذرني، كنت أتصورك تنكر ذلك.

قال: لا تثريب عليك.. فما أجمل أن نغير على سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

قال المرشد: الحمد لا يكون إلا على نعمة، والعطاس نعمة من نعم الله، فهو([46]) وسيلة دفاعية دماغية هامة لتخليص المسالك التنفسية من الشوائب، ومن أي جسم غريب يدخل إليها عن طريق الأنف، فهو بذلك الحارس الأمين الذي يمنع ذلك الجسم الغريب من الاستمرار في الولوج داخل القصبة الهوائية.

قلت: كيف ذلك؟

قال: إن مجرد ملامسة الجسم الغريب لبطانة الأنف، سواء كان حشرة ضارة أو ذات مهيجة وغيرها، فإن بطانة الأنف تتنبه بسرعة عجيبة آمرة الحجاب الحاجز بصنع شهيق عميق لا إرادي يتبعه زفير عنيف.. والذي هو  العطاس.. عن طريق الأنف لطرد الداخل الخطير ومنعه من متابعة سيره عبر المسالك التنفسية إلى الرئتين.

قلت: أرأيت لو دخل ذلك عن طريق الفم؟

قال: إذا دخل الجسم الغريب عن طريق الفم، ووصل إلى القصبة الهوئية، فإن ذلك ينبه الجهاز التنفسي محدثاً السعال لصد الخطر وطرد الجسم الغريب الداخل إلى المجرى التنفسي، ولا يحدث العطاس إلا حين دخول المواد المؤذية عن طريق الأنف.

قلت: ولكن لماذا لم لم يشرع الحمد عند السعال، وشرع فقط عند العطاس؟

قال: هناك فرق كبير بينهما، فالسعال لا يؤثر على الدماغ، ولا يحدث العطاس.. ولا يزال العلماء حتى اليوم يقفون حائرين أمام هذا السر المبهم، ولا يزالون عاجزين عن إيجاد أي تعليل علمي عن آلية توليد العطاس لذلك الشعور بالارتياح في الدماغ وخفة الرأس وانشراح النفس.

قلت: فلم أمرنا بتشميت العاطس؟ ولم خص ذلك بطلب الرحمة له؟

قال: هذا يذكرنا بأهمية العطاس للبدن، فأمره صلى الله عليه وآله وسلم بتشميت العاطس يوحي بأن هناك خطراً متوقعاً، فجاء العطاس، فطرد العدو المهاجم وانتصر عليه وأبقى صاحبه معافى.

قلت: ولكن العاطس قد ينقل العدوى لغيره بعطاسه، فكيف يكون رحمة؟

قال: لقد نبهت السنة المطهرة إلى الآداب التي تحفظ هذه الناحية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فمه، وخفض، أو غض من صوته.

قلت: من السنة ـ إذن ـ أن يضع العاطس يده على فمه؟

قال: نعم، وذلك ليمنع من وصول الرذاذ إلى غيره، وهو من الآداب الرفيعة التي تتفق مع مبادئ الصحة، ذلك أنه يندفع رذاذ العطاس إلى مسافة بعيدة يمكن أن يصل معها إلى الجالسين مع العاطس، أو أن يصل إلى طعام أو إلى شراب قريب منه، وهذا يمكن أن ينقل العدوى بمرض ما، كالزكام، إن كان العاطس مصاباً به، وليس من خلق المسلم أن يتسبب بشيء من ذلك، لذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأدب في أن نضع يدنا أو منديلاً على فمنا عند العطاس لمنع وصول رذاذه إلى الغير، وفي ذلك غاية الأدب ومنتهى الحكمة.

التثاؤب:

اقتربنا من آخر، فرأيته يتثاءب، فيسارع المرشد، ليضع يده على فمه، ويقول له: لقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن التثاؤب من الشيطان، فقال:(.. وأما التثاؤب فإنما هو  من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان)([47])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، وإذا قال: آه آه، فإن الشيطان يضحك من جوفه وإن الله عز وجل يحب العطاس ويكره التثاؤب)([48]

قلت: ما سر كراهية التثاؤب؟

قال: ما التثاؤب؟

قلت: ألا تعرفه؟.. قد كنت الآن تذكره..

قال: فما هو؟

قلت: إنه شهيق عميق يجري عن طريق الفم، فيدخل الهواء إلى الرئتين.

قال: لقد أجبت نفسك.

قلت: أجبت نفسي؟! ماذا قلت؟

قال: الأصل في الهواء أن يدخل إلى الرئتين عن طريق الأنف، ليتعرض للتصفية، فإذا دخل من غير ذلك الطريق كان فيه أذى، وكان في نفس الوقت دليلا على حاجة الدماغ إلى الأوكسجين والغذاء، وعلى تقصير الجهاز التنفسي في تقديم ذلك إلى الدماغ خاصة وإلى الجسم عامة، وهذا ما يحدث عند النعاس وعند الإغماء.

زيادة على ذلك، فإن التثاؤب قد يضر بالبدن، لأن الهواء غير المصفى قد يحمل معه إلى البدن الجراثيم والهوام، لذا أمر صلى الله عليه وآله وسلم برد التثاؤب قدر المستطاع، أو سد الفم براحة اليد اليمنى، أو بظهر اليد اليسرى هو  التدبير الصحي الأمثل([49]).

قلت: أليس في ارتباط التثاؤب بالكسل علة أخرى للكراهية؟

قال: هذا صحيح، حتى أن التثاؤب عند أهل اللغة من تثاءب وتثأب، أي أصابه كسل وفترة كفترة النعاس… ولهذا يفسر علماء النفس التثاؤب على أنه دليل على الصراع بين النفس وفعالياتها من جهة، وبين الجسد وحاجته إلى النوم من جهة أخرى.. وهو من الناحية الطبية فعل منعكس من أفعال التنفس، وهو دليل على الكسل والخمول([50]).

قلت: وزيادة على ما ذكرت، فإن مظهر المتثائب، وهو يكشف عن فمه مفتوحا مما يثير الاشمئزاز في نفس الناظر.

قال: صدقت، ولهذا كان في هذا الهدي النبوي صحة جسدية، ومناعة نفسية، ومصلحة اجتماعية.. وكذلك الحال في كل هدي نبوي.

الاتكاء عند الأكل:

اقتربنا من آخر، فرأيته يمد يده إلى الأكل، وهو متكئ، فيسارع المرشد، ليمنعه من ذلك، ويقول له: لقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الاتكاء([51]) عند الأكل، وقال:(آكل كما يأكل العبد)، ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يأكل، وهومقع([52]).

قلت: لم؟ ما سر ذلك؟

قال: هذه الهيئة أنفع هيئات الأكل، لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي، فالجهاز الهضمي يحتاج إلى كمية كبيرة من الدم ليستطيع القيام بما يلزمها لاستقبال الطعام الوارد والتهيؤ لهضمه، لذا كان الإجراء الطبي الصحيح لذلك وجوب الجلوس وثني الساقين تحت الجسم لحصر الدم في منطقة الجهاز الهضمي، مع جعل الساق اليسرى منثنية واليمنى مرتكزة على القدم لجعل المعدة حرة طليقة بعيدة عن أي ضغط مسلط باتجاهها من الخارج.. وهذه أصح حالة لعمل الجهاز الهضمي.

قلت: والاتكاء؟!

قال: الاتكاء يسبب التشنج والاضطرابات والتقلص في عضلات البطن، فلا تستطيع المعدة استقبال الطعام بشكل صحيح.. ولأن المعدة تكون بوضعها الصحيح في حالة انتصاب الجذع وارتكازه على الأرض دون لجوئه إلى الارتكاز الجانبي في حالة الاتكاء.

بالإضافة على هذا، فإن الاتكاء يؤدي إلى انبساط المعدة، فتزيد قابليتها لأخذ الطعام والمزيد منه، أما الإقعاء بنصب الساقين أو أحدهما فمما يضيق حيز المعدة ويقلل اتساعها مما يؤدي بها إلى الامتلاء بمقدار أقل من الطعام حيث يشعر المرء بالشبع بآلية انعكاسية، فيقل مطعمه ولا يصاب بالتخمة.

الشرب والأكل وافقاً:

اقتربنا من آخر، فرأيته يمد يده إلى الماء ليشرب، وهو واقف، فيسارع المرشد، ليمنعه من ذلك، ويقول له: لقد زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب قائماً([53])، بل تشدد في ذلك، فقال:(لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقئ)([54]

قلت: والأكل؟!

قال: والأكل كذلك، ففي الحديث  أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشرب قائماً وعن الأكل قائماً وعن المجثمة([55]) والجلالة والشرب من فيّ السقاء)([56]

قلت: فما سر ذلك([57]

قال: لأن الشرب وتناول الطعام جالساً أصح وأسلم حيث يجري ما يتناول الآكل والشارب على جدران المعدة بلطف.

قلت: كيف ذلك؟

قال: الشرب واقفاً يؤدي إلى تساقط السائل بعنف إلى قعر المعدة ويصدمها، وتكرار هذه العملية يؤدي ـ مع طول الزمن ـ إلى استرخاء المعدة وهبوطها، وما يلي ذلك من عسر هضم.

زيادة على أن الإنسان في حالة الوقوف يكون متوتراً، ويكون جهاز التوازن في مراكزه العصبية في حالة فعالة حتى يتمكن من السيطرة على جميع عضلات الجسم لتقوم بعملية التوازن والوقوف منتصباً.

زيادة على أن الوقوف عملية دقيقة يشترك فيها الجهاز العصبي العضلي في آن واحد، مما يجعل الإنسان غير قادر على الحصول على الطمأنينة العضوية التي تعتبر من أهم الشروط الموجودة عند الطعام والشراب.

وهذه الطمأنينة يحصل عليها الإنسان في حالة الجلوس حيث تكون الجملة العصبية والعضلية في حالة من الهدوء والاسترخاء، حيث تنشط الأحاسيس وتزداد قابلية الجهاز الهضمي لتقبل الطعام والشراب وتمثله بشكل صحيح.

أردت أن أنصرف، فاستوقفني، وقال: وزيادة على ذلك كله، فإن الطعام والشراب قد يؤدي تناوله في حالة الوقوف إلى إحداث انعكاسات عصبية شديدة تقوم بها نهايات  العصب المبهم المنتشرة في بطانة المعدة.

وهذه الانعكاسات إذا حصلت ـ بشكل شديد ومفاجىء ـ قد تؤدي إلى انطلاق شرارة النهي العصبي الخطيرة لتوجيه ضربتها القاضية للقلب، فيتوقف محدثاً الإغماء أو الموت المفاجىء.

أردت أن أنصرف، فعاد واستوقفني، وقال: زيادة على ذلك، فإن الاستمرار على عادة الأكل والشرب واقفاً خطيرة على سلامة جدران المعدة وإمكانية حدوث تقرحات فيها  حيث يلاحظ الأطباء أن قرحات المعدة تكثر في المناطق التي تكون عرضة لصدمات اللقم الطعامية وجرعات الأشربة بنسبة تبلغ 95 بالمائة من حالات الإصابة بالقرحة.

زيادة على هذا، فإن عملية التوازن أثناء الوقوف ترافقها تشنجات عضلية في المريء  تعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة محدثة في بعض الأحيان آلاماً شديدة تضطرب معها وظيفة الجهاز الهضمي، وتفقد صاحبها البهجة عند تناوله الطعام وشرابه.

بقيت متوقفا بعد انتهائه خشية أن يردني، فقال: انصرف الآن.. فقد أخذت بعض ما يكفي لتفهم سر هذا النهي النبوي.

قلت: لا.. لقد أخذت كثيرا، فجزاك الله عني خيرا.

قال: لا.. لم نتوصل إلا للقليل.. فلا يمكن أن تحصر عقولنا الضعيفة، ومخابرنا الضيقة أسرار الهدي النبوي.

الطهارة

دخلنا القاعة الثانية من قاعات الوقاية، فرأينا لافتة مكتوبا عليها قوله تعالى:{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة:108)

قلت للمعلم: أهذه القاعة التي يتدرب فيها الأصحاء والمرضى على الطهارة؟

قال: أجل.. على الطهارة، وحب الطهارة.

قلت: حب الطهارة.. ما علاقة الحب بهذا؟

قال: لا إخلاص إلا في الحب.. فلذلك من أحب الطهارة أخلص في التعامل معها.

قلت: لا أفهم سر وجود النجاسة في الكون، ألم يخلق الله تعالى كل شيء في الكون طاهرا لم يتدنس بأي أذى يجعل من منفعته مضرة، ومن مصلحته مفسدة.

قال: أجل.. ولكن التغير والتحلل الذي يحدث في الأشياء يجعلها عرضة للفساد الذي تنتج عنه الأمراض والأوبئة، لذلك وردت النصوص الكثيرة مطالبة بالحفاظ على الطهارة، طهارة كل شيء: الإنسان، والهواء، والماء، والفضاء..

قلت: لم؟

قال: لأن أي تنجس للإنسان أو الوسط الذي يعيش فيه يجعله مرتعا خصبا للأمراض والعلل النفسية والجسدية، الفردية والاجتماعية.

ولهذا أمر الله نبيه إبراهيم u أن يطهر بيته، لأن البيت المتنجس لا يصلح لعبادة الله، فقال تعالى:{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (الحج:26)

وأخبر عن الآثار النفسية التي تحدثها الطهارة، فقال:{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} (لأنفال:11)

***

رأيت بابين داخل باحة الطهارة، فسألت المعلم عنهما، فقال: للطهارة ركنان أساسيان، هذان الباب يمثلان حقائقهما ومعانيهما، وفيهما يتدرب الأصحاء والمرضى.

قلت: فما هما؟

قال: طهارة الإنسان، وطهارة الوسط الذي يعيش فيه الإنسان.

قلت: فما وجه هذا التقسيم؟

قال: فهم وجه كونهما ركنان يسير، فباستقراء التشريعات المختلفة في هذا الجانب نجد أنها تتعلق بالإنسان، أو بالوسط الذي يعيشه الإنسان.

قلت: كيف ذلك؟

قال: عندما ندخل إلى هاتين القاعتين ستعرف سر ذلك.

طهارة الإنسان:

دخلنا القاعة الأولى، وهي القاعة المختصة بطهارة الإنسان، قال لي المعلم: لم تكتف الشريعة بمصادرها المختلفة بالحض على النظافة، وأنواع التطهر، وإنما شرعت لذلك الشرائع المختلفة، بل ربطتها بالنواحي التعبدية، بل جعلتها مفاتيح لأنواع التعبدات.

قلت: ولهذا نجد فقه الطهارة أول ما يتعلمه طالب الشريعة، فهو أول الأبواب الفقهية.

قال: بل نجد الحض على التطهر وتشريعاته منصوصا عليه في القرآن الكريم، مع أن عادة القرآن الكريم في كثير من القضايا الإجمال لا التفصيل:

فالله تعالى ينهى عن معاشرة الحائض، ويعلل ذلك بالأذى الذي يتنافى مع الطهارة، قال تعالى:{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (البقرة:222)

قلت: ومن هذا الباب نهيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيت النائم، وفي يده شيء، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من بات وفي يده غمر، فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه)([58])

***

 رأيت ثلاثة أركان، وفي كل ركن مجموعة من الأطباء، سألت المعلم عنهم، فقال: هؤلاء أطباء يتوزعون على أنواع الطهارة الحسية المتعلقة بالإنسان، والتي جاءت التشريعات المختلفة تحث عليها.

قلت: فما هي؟

قال: الطهارة الخاصة، وهي التي يمثلها الوضوء، والطهارة العامة.. ويمثلها الغسل، وخصال الفطرة.

قلت: كل هذه الأنواع منصوص عليها في كتب الفقه.

قال: وهي منصوص عليها كذلك في كتب الطب.

قلت: آلله شرعها لنا لحفظ أجسادنا؟

قال: ولحفط أرواحنا، فالروح الطيبة لا بد لها من الجسد الطيب.

قلت: ولكن الله ربطها بالشعائر التعبدية.. فالطهارة شرط للعبادة.. ولهذا اشترطت الشريعة النية في الطهارة.. ولا يصح أن ننوي حفظ أجسادنا.

قال: لا يصح أن تفرد جسدك وحده بالنية، فتصبح عبدا لجسدك..

قلت: بل لا يصح اعتباره في النية مطلقا.

قال: ومن قال ذلك؟

قلت: ألا يضر ذلك في سلامة التعبد لله؟

قال: لا يضر ذلك ما دام الله هو الذي أمر بذلك.. وما دمت تعتبر جسدك أمانة الله عندك تعبد الله بحفظها.

الطهارة الخاصة:

اقتربنا من الركن المخصص للطهارة الخاصة، فسمعنا قارئا يرتل بصوت جميل قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } (المائدة:6)

بعد أن انتهى من قراءته نهض فقيه، وهو يقول: الطهارة مفتاح للصلاة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور)([59])، فلا تحل الصلاة بلا طهارة.

وبما أن للصلاة فريضة كانت أو تطوعا أوقاتا مختلفة، فإن للطهارة تلك الأوقات جميعا، بل إن الطهارة تزيد على الصلاة، فقد شرعت في مواطن أخرى لم تشرع فيها الصلاة، فيستحب الوضوء قبل النوم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة)([60]

ويستحب المحافظة الدائمة على الطهارة.. بل يربط النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بالإيمان، فيقول:(لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)([61])، بل يجعلها شطر الإيمان، فيقول:(الوضوء شطر الإيمان)([62]

عقب عليه آخر، فقال: بل يجعل الوضوء من الكفارات، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، وإذا مضمضت واستنشقت منخريك، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك ورجليك اغتسلت من عامة خطاياك، فإذا أنت وضعت وجهك لله عز وجل خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك)([63]

نهض طبيب، وكأنه وجد شيئا يفكر فيه، وهويقول: ما شاء الله.. أتدرون الإشارات التي يحملها هذا الحديث من لفظة الخطايا؟

قالوا جميعا، وقد اختلطت أصواتهم: لا نعلم من الخطايا إلا الذنوب.

قال: نعم.. هذا صحيح.. ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعبر تعبيرا بليغا وجميلا عن أثر الوضوء في تنقية الجسد.

قالوا: كيف ذلك؟

قال: لو أبدلنا لفظة الخطايا الواردة في الحديث بلفظة:(الميكروبات والجراثيم) لوجدنا المعنى صحيحا.

قالوا: أتريد أن تبدل حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؟.. ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم:( من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار)([64]

قال: لا تعجلوا علي.. فأنا أضعف شأنا من أن أستدرك على معلم الإنسانية وطبيبها، ولكني أقول: إن الخطايا التي تنخر الروح لا تختلف عن الميكروبات التي تنخر الجسد.. وكما أن الطهارة تنقي الروح، فهي كذلك تنقي الجسد.. فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم يربط بين الطهارة من القاذورات المسببة لعلل الأجساد، والطهارة من الذنوب المسببة لعلل القلوب، وهو ربط بين الطهارة الحسية والمعنوية، فلا يصح الإنسان إلا بصحة جسده وروحه.

قالوا: كيف ذلك؟

قال: ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم:( السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)([65]

قالوا: بلى.

قال: فقد ربط صلى الله عليه وآله وسلم في هذا النوع من الطهارة بين الطهارة الحسية للفم، والطهارة المعنوية بدلالة رضى الرب.. وهكذا، فالجسد الطيب أرض طيبة للروح الطيبة.. ولهذا أمر إبراهيم u بتطهير البيت ليصلح للعبادة، فقال تعالى:{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(البقرة:125)

قالوا: فهمنا ذلك، فكيف يساهم الوضوء في تنقية الأعضاء من العلل الحسية؟

الفم:

قال: لنبدأ بالفم.. فالفم هو  المدخل الرئيسي لأعضاء الجسم الداخلية، ويمكن إدراك المخاطر التي يمكن أن تصيب هذه الأجهزة، سواء الجهاز التنفسي العلوي أو الرئتان أو الجهاز الهضمي إذا ما أصيب الفم.

بل إن الجهاز العصبي المتصل بالأسنان وبمنطقة الوجه يمثل خطورة كبيرة على الإنسان إذا هو  أقرب المناطق إلى الجهاز العصبي  المركزي الرئيسي (المخ) لذا كانت آلامه لا تحتمل.

قال الفقيه: لقد سن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للفم سنتين، أو لهما المضمضة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إذا توضأت فمضمض)([66])، وقال:(مضمضوا من اللبن، فإن له دسماً)([67]

والسنة الثانية..

قاطعه الطبيب قائلا: رويدك يا شيخ.. لنتحدث أو لا عن هذه السنة.. فقد ثبت أن المضمضة تحفظ الفم والبلعوم من الالتهابات ومن تقيح اللثة،  وتقى الأسنان من النخر بإزالة الفضلات الطعامية التي قد تبقى فيها.

بل قد ثبت علميا أن تسعين في المئة من الذين يفقدون أسنانهم لواهتموا بنظافة الفم لما فقدوا أسنانهم قبل الأوان، وأن المادة الصديدية والعفونة مع اللعاب والطعام تمتصها المعدة وتسرى إلى الدم.. ومنه إلى جميع الأعضاء وتسبب أمراضا كثيرة، وأن المضمضة تنمى بعض العضلات في الوجه وتجعله مستديرا.. وهذا التمرين لم يذكره من أساتذة الرياضة إلا القليل لانصرافهم إلى العضلات الكبيرة في الجسم.

قال الفقيه: أما السنة الثانية، فهي السواك، فهو من السنن التي وردت بها النصوص الكثيرة، بل ربطه صلى الله عليه وآله وسلم بالعبادات، فقال:(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)([68])، وفي رواية:(عند كل وضوء)

بل كان صلى الله عليه وآله وسلم (لا يرقد من  ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ)([69])، وكان صلى الله عليه وآله وسلم (إذا دخل  بيته بدأ بالسواك)([70])، و(كان إذا قام من الليل يشوص فمه بالسواك)([71]

وهذه المشروعية تشمل الصائم والمفطر، فكلاهما يحتاج إلى تحصين فمه من أساب العلل، فعن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل: أتسوك وأنا صائم؟ قال: نعم! قلت: أي النهار؟ قال: غدوة أو عشية! قلت: إن الناس يكرهونه ويقولون إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؟ قال: سبحان الله! لقد أمرهم بالسواك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا  أفواههم عمداً !  ما في ذلك من الخير شيء، بل فيه شر)([72]

قال الطبيب: لقد ورد في الطب أحاديث جميلة عنه([73])،  ولوأنكم تمسكتم بهذه السنة لأغلقتم العيادات الكثيرة التي تفتحونها لطب الأسنان، بل.. ولو تمسكتم بحرفية النصوص وظواهرها لما اضطررتم إلى اشتراء تلك الأنواع التجارية المختلفة من من معجونات الأسنان، وما يقوم بخدمتها من أنواع الفرشاة.

صحت: أأنت طبيب، وتقول هذا؟

قال: وما لي لا أقوله؟ إن المخاطر التي تنجر من تلك الأنواع المختلفة من المعجونات لا تقل عن مخاطر التسوس نفسها.

قلت: كيف هذا؟

قال: دعك من كيف وأخواتها.. واعلم أن كل مركب صناعي لا يحوي من المنافع إلا بقدر ما يحوي من المضار.

قلت: بين لي هذا.. وما تقول الدراسات في ذلك؟

قال: لا شأن لك بما تقول الدراسات.. ولكني سأسألك سؤالا: لوخيرت بين لحم ضأن يعيش في المروج، ويشرب المياه العذبة، وبين لحم صنعته المعامل، وأضافت إليه من النكهات ما أضافت، فأي اللحمين تختار؟

قلت: لا شك في أني سأختار لحم الضأن.

قال: فكذلك الأمر مع السواك والفرشاة.. فالسواك فرشاته ومادته تنبتان في البرية تتنسمان الهواء العليل، ولا تنضجهما المصانع الممتلئة بالدخان القاتل.

قلت: مالك يا فلان؟.. كيف تقارن بين المعجون الذي أشرف على مقاديره أطباء مختصون، والفرشاة التي صنعتها الأنامل الرقيقة لتداعب الأسنان بلطف وحنان، بالسواك الذي هو  وليد البراري.

قال: فاسمع لما يقول العلم في سواك الأراك([74])،  وهوالسواك الذي ورد ذكره في السنة، فقد ذكر الخبراء انطلاقا من المكونات الكيميائية للسواك أن له تأثيرا على وقف نمو البكتريا بالفم، وذلك يمكن أن يكون بسبب وجود مادة تحتوي على الكبريت.

وبه مادة التريمثيل امين، وهي تخفض من الأس الايدروجيني للفم، وهو أحد العوامل الهامة لنمو الجراثيم، وبالتالي فإن فرصة نمو هذه الجراثيم تكون قليلة.

وهو يحتوي على فيتامين ج ومادة السيتوستيرول، والمادتان من الأهمية بمكان كبير في تقوية الشعيرات الدموية المغذية للثة، وبذلك يتوفر وصول الدم إليها بالكمية الكافية، علاوة على أهمية فيتامين ج في حماية اللثة من الالتهابات.

وهو يحتوي على مادة راتنجية تزيد من قوة اللثة.

وهو يحتوي على مادة الكلوريد والسيليكات، وهي مواد معروفة بأنها تزيد من بياض الأسنان.

قلت: ولكن مع ذلك، فإن الصناعة أضافت للمعاجين تلك الأذواق الجميلة؟

قال: لقد قام مجموعة خبراء([75])بدراسة مقارنة بين السواك، وبعض المستحضرات الموجودة في الأسواق.. وقد أجروا البحث على ثمانين شخصا، قسموهم إلي أربعة مجموعات بحيث استعمل كل عشرين: السواك، والسواك  المسحوق، ومسحوق أسنان تجاري، ومادة النشا، وقد أثبت البحث السريري العديد من النقاط أهمها أن تعاليم الإسلام وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في استعمال السواك تماثل تماما ما ترنوإليه مهنة طب الأسنان الحديثة، ألا وهو ضرورة إزالة اللويحة الجرثومية([76])، وهي بكر قبل نضوجها وازدياد عتوها على الأنسجة الرخوة والصلبة.

ومنها أن عملية استمرار السواك يوميا قبل الصلاة وبصورة مكررة كما ورد في تعاليم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المجال تؤدي إلي درجة عالية من نظافة الفم.

ومنها أن احتواء المسواك على المواد الطبيعية أعطى المسلم الذي داوم على استعمال المسواك منذ الصغر نعومة للأسنان، وصلابة في مينائها، وقوة في اللثة، وتقوية للأوعية الدموية اللثوية.

وقد أظهر البحث أن نظافة فم مستعملي السواك المسحوق قد وصلت إلى درجة عليا من النظافة وغياب الالتهابات، وذلك بالمقارنة مع المسحوق التجاري والنشا المستعملين في مجموعتين أخريين.

وقد استخلص البحث ضرورة تطبيق استعمال السواك في البلدان الإسلامية خاصة وأن المسواك متواجد بكثرة ني هذه البلدان، ورخيص الثمن، زيادة على أن المسلم قد تعود استعماله كجزء من تعاليم دينه.

الأنف:

قال أحد الحاضرين: حدثتمانا عن الفم، فحدثانا عن الأنف؟

قال الفقيه: لقد وردت النصوص كذلك بنظافة الأنف، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر)([77])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فلينتثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه)([78]

قال الطبيب: وقد أثبت العلم الحديث بأجهزته المتطورة ما نص عليه صلى الله عليه وآله وسلم من آثار الوضوء([79]):

فبعد الفحص الميكروسكوبي للمزرعة الميكروبية التي عملت للمنتظمين في الوضوء، ولغير المنتظمين، ظهر بأن الذين يتوضئون باستمرار غالبية أنوفهم نظيفة طاهرة خالية من الميكروبات، ولذلك جاءت المزارع الميكروبية التي أجريت لهم خالية تماما من أي نوع من الميكروبات، في حين أعطت أنوف من لا يتوضئون مزارع ميكروبية ذات أنواع متعددة وبكميات كبيرة من الميكروبات الكروية العنقودية شديدة العدوى.. والكروية السبحية السريعة الانتشار.. والميكروبات العضوية التي تسبب العديد من الأمراض.

 وقد ثبت أن التسمم الذاتي يحدث من جراء نمو الميكروبات الضارة في تجويفى الأنف، ومنهما إلى داخل المعدة والأمعاء ولإحداث الالتهابات والأمراض المتعددة، ولا سيما عندما تدخل الدورة الدموية.. لذلك شرع الاستنشاق بصورة متكررة ثلاث مرات في كل وضوء.

اليدان:

قال الفقيه: وقد وردت النصوص كذلك بنظافة اليدين إما عند الوضوء، كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}(المائدة:6)، وإما عند ملامسة كل شيء قذر أو ملوث، أو قبل الطعام، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إذا أراد أن يأكل غسل يديه)([80])

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بغسل اليدين عند مآكل تؤثر في نظافة اليدين، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من بات وفي يده ريح غمر([81]) فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)([82])، وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم (أكل كتف شاةٍ فمضمض وغسل يديه)([83]

ومما يتصل بهذا الباب ما ورد في النصوص من تقليم الأظفار، درءاً لتجمع الأوساخ تحتها، ودفعاً لما قد ينشأ من الأضرار.. وستعرفون تفاصيل هذا عند المكلفين بخصال الفطرة.

قال الطبيب: لقد أثبت البحوث العلمية أن جلد اليدين يحمل العديد من الميكروبات التي قد تنتقل إلى الفم أو الأنف عند عدم غسلهما.. ولذلك يجب غسل اليدين جيدا عند البدء في الوضوء.. وهذا يفسر لنا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)([84]

كما قد ثبت أيضا أن الدورة الدموية في الأطراف العلوية من اليدين والساعدين والأطراف السفلية من القدمين والساقين أضعف منها في الأعضاء الأخرى لبعدها عن المركز الذي هو  القلب، فإن غسلها مع دلكها يقوي الدورة الدموية لهذه الأعضاء من الجسم مما يزيد في نشاط الشخص وفعاليته.

الأعضاء الأخرى:

قال الفقيه: ومن التشريعات التي وردت في تخصيص أعضاء معينة بالعناية ما ورد من الأمر بالانتعال، والإكثار من ذلك، للحفاظ على صحة الرجلين، فعن جابر  قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في غزوة غزوناها:(استكثروا من النعال، فإن الرجل ما يزال راكبا ما انتعل)([85]

قال الطبيب: من الفوائد الصحية المرتبطة بهذا الوقاية من الكثير من الديدان كالأنكلستوما والسترنقولويديز ونحوها، والتي تصيب الإنسان عن طريق اختراق جلد القدم،  ويحصل ذلك عادة إذا ما سار الإنسان حافيا خصوصا في الطرقات العامة وأماكن الظل ومصادر المياه كالعيون ونحوها، فالتبول والتبرز في هذه المناطق وسير الإنسان حافيا فيها يعطي هذه الديدان فرصة أكبر لاختراق أخمص القدم وحصول المرض.

قال الفقيه: ومنها ما ورد في نظافة الوجه، فقد قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ }(المائدة:6)

قال الطبيب: ومن الفوائد الطبية لهذا إزالة الغبار وما يحتوى عليه من الجراثيم فضلا عن تنظيف البشرة من المواد الدهنية التي تفرزها الغدد الجلدية بالإضافة إلى إزالة العرق.. وقد ثبت علميا أن الميكروبات لا تهاجم جلد الإنسان إلا إذا أهمل نظافته.. فإن الإنسان إذا مكث فترة طويلة بدون غسل لأعضائه فإن إفرازات الجلد المختلفة من دهون وعرق تتراكم على سطح الجلد محدثه حكة شديدة وهذه الحكة بالأظافر.. التي غالبا ما تكون غير نظيفة تدخل الميكروبات إلى الجلد.

كذلك فإن الإفرازات المتراكمة هي دعوة للبكتريا كي تتكاثر وتنمو، لهذا فإن الوضوء بأركانه قد سبق علم البكتريولوجيا الحديثة والعلماء الذين استعانوا بالمجهر على اكتشاف البكتريا والفطريات التي تهاجم الجلد الذي لا يعتني صاحبه بنظافته التي تتمثل في الوضوء والغسل.

قال الفقيه: ومنها ما ورد في نظافة الشعر، قال صلى الله عليه وآله وسلم:( من كان له شعر فليكرمه)([86]

قال الطبيب:….

نبهني المعلم، وقال: هناك تفاصيل كثيرة ترتبط بهذا، هيا لنزور الركن الآخر من أركان الطهارة.

الطهارة العامة

اقتربنا من الركن المخصص للطهارة العامة، فرأينا لافتة معلقة على زاويته، وقد كتب عليها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام: يغسل رأسه وجسده)([87])

قلت للمعلم: هذا الركن خاص بالغسل إذن؟

قال: نعم، فهو ركن الطهارة العامة الشاملة.

سمعت فقيه هذا الركن يقول بحماسة: لقد شرع الله تعالى الغسل في المناسبات المختلفة، فزيادة على غسل الجنابة المنصوص عليه في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }(النساء:43)، وقوله تعالى:{ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا }(المائدة:6)، وغسل الحائض والنفساء المنصوص عليه في قوله تعالى:{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هو  أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222).. فقد ورد في السنة الأمر بالغسل يوم الجمعة، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من أتى الجمعة فليغتسل)([88]

ووردت النصوص باستحباب غسل العيدين، فعن زاذان قال: سأل رجل عليّاً عن الغسل؟ قال:(اغتسل كل يوم إن شئت)  فقال: لا، الغسل الذي هو  الغسل؟ قال:(يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر)

ووردت النصوص بالدعوة إلى الغسل عند الإحرام للحج والعمرة، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجرَّد لإهلاله واغتسل([89]).

ومثله الدعوة إلى الاغتسال من غسل الميت؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:( من غسَّل الميت فليغتسل)([90])

وعند الدخول للإسلام، فقد روي أنّ ثمامة بن أثال  أسلم فقال النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:(اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل)، وعن قيس بن عاصم  أنّه أسلم، فأمره النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يغتسل بماء وسدر.

ومن حرص الإسلام على هذه الشعيرة أنه أمر بتغسيل الميت ليخرج طاهرا من هذه الدنيا..

قال الطبيب: لقد أكد العلم الحديث ما وردت به النصوص مبينا آثار الغسل الوقائية في جسم الإنسان، فتراكم المفرزات العرقية والدهنية، وما ينضم إليها من الغبار والأوساخ والملوثات المهنية يؤدي إلي سد المسام الجلدية مما يعيق وظائفه، ويضر بالبدن ضرراً بالغاً.

زيادة على ذلك، فإن تعرض الجلد نفسه للإتهابات الجرثومية والفطرية وانبعاث الروائح الكريهة منه، تلك الرائحة التي لا يمكن إخفاؤها بالتأنق والزينة وإنما بالنظافة التامة التي يحفظها الاغتسال المتكرر، والتي تضمن رونق الجلد ورائحته الطبيعية([91]).

خصال الفطرة

 اقتربنا من الركن المخصص لخصال الفطرة، فرأينا لافتة معلقة على زاويته، وقد كتب عليها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط)([92])

فقلت للمعلم: هذا هو  الركن الخاص بخصال الفطرة.

قال: أجل، فهي من أركان طهارة الإنسان.

قلت: ما المقصود بخصال الفطرة؟

قال: هي كل ما تستدعيه الفطرة السليمة من إزالة قاذورات معينة في الجسم، يستقذرها الطبع السليم.

قلت: لقد ورد التنصيص على هذه الخصال في أحاديث كثيرة، وصنفت فيها رسائل خاصة، وقد جمعها ابن حجر مما ورد في الآثار الصحيحة، فوجدها خمس عشر خصلة وهي: الختان والسواك والاستحداد وتقليم الأظافر ونتف الإبط وقص الشارب وإعفاء اللحية والانتضاح وغسل البراجم والمضمضة والاستنشاق والاستنثار والاستنجاء وفرق الشعر وغسل الجمعة.

قال: من الخطأ التعامل بحرفية مع مثل هذه المسائل، فما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقصد الحصر، ولا التحديد.

قلت: وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط)([93])

قال: هذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحرم؛ الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور)([94]).. فلو أن أسدا دخل الحرم وأخاف الناس، هل يصح قتله؟

قلت: لا خلاف في ذلك.. ولا خلاف في غيره مما هو  من السباع الضارية.

قال: فلا خلاف إذن في أن إزالة كل القاذورات التي تلحق الجسم من خصال الفطرة.. وبالإضافة إلى هذا، فقد ورد في حديث آخر قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(عشر من الفطرة: قص الشارب واستنشاق الماء والسواك وإعفاء اللحية ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقص الأظافر وغسل البراجم)، قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة)([95]

الاستحداد:

اقتربنا من أحدهم، فسمعناه يحدث المستمعين له عن الاستحداد([96])، قال: لقد وردت النصوص بالحث على الاستحداد، واعتباره من سنن الفطرة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظافر وقص الشارب)([97]

وهذه السنة تتناسب مع قواعد الطهارة التي جاءت الشريعة لتحقيقها، فالعانة منطقة كثيرة التعرق، والاحتكاك ببعضها البعض، فإذا لم يحلق شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق والدهن، وإذا ما تلوثت بمفرغات البدن صعب تنظيفها حينئذ، وقد يمتد التلوث إلى ما يجاورها فتزداد وتتوسع مساحة النجاسة، ومن ثم يؤدي تراكمها إلى تخمرها فتنتن، وتصدر عنها روائح كريهة جداً، وقد تمنع صحة الصلاة إن لم تنظف وتقلع عنها النجاسات.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن في حلق شعر العانة وقاية من الإصابة بعدد من الأمراض الطفيلية المؤذية: كقمل العانة الذي يتعلق بجذور الأشعار ويصعب حينئذ القضاء عليها.. كما يخفف الحلق من إمكانية الإصابة بالفطور المغبنية.

ولهذا كله سنت الشريعة حلق العانة كلما طالت تأميناً لنظافتها المستمرة، ولأنها من أكثر مناطق الجسم تعرضاً للتلوث والمرض([98]).

نتف الإبط:

اقتربنا من آخر، فسمعناه يحدث المستمعين له عن نتف الإبط، فقال له بعض السائلين: ما سر تخصيص سول الله صلى الله عليه وآله وسلم لشعر الإبط بالنتف دون الحلق؟

فقال: الإبط محل للتعرق الذي تنتج عنه الروائح الكريهة، ولهذا أمر صلى الله عليه وآله وسلم فيه بالنتف، لأنه يضعف إفراز الغدد العرقية والدهنية، فنمو الأشعار تحت الإبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غدد عرقية خاصة تفرز مواد ذات رائحة خاصة إذا تراكمت معها الأوساخ والغبار أزنخت وأصبح لها رائحة كريهة، ولا يخفف تلك الرائحة إلا النتف.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه يخفف من الإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب تلك المنطقة كالمذح والسعفات الفطرية والتهابات الغدد العرقية (عروسة الإبط) والتهاب الأجربة الشعرية وغيرها،  كما يقي من الإصابة بالحشرات المتطفلة على الأشعار كقمل العانة.

سأل آخر: ولكنه يصعب علي النتف.

قال: لا بأس من استعمال أي وسيلة لإزالة الشعر، ولكنه مع ذلك يبقى النتف هو  أفضل وسيلة لورود التنصيص عليه، بالإضافة إلى ما فيه من الفوائد الصحية، زيادة على أن الاعتياد عليه منذ بدء نموه ودون أن يحلقه يضعف الشعر، ولا يشعر المرء بأي ألم عند نتفه.

قص الشارب:

اقتربنا من آخر، فسمعناه يحدث المستمعين له عن قص الشارب، قال:  لقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قص الشارب معتبرا ذلك من سنن الفطرة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من الفطرة قص الشارب)([99])، بل تشدد صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فقال:(من لم يأخذ من شارب فليس منا)([100])

سأله بعض الحاضرين: كيف يكون القص؟

قال: لم يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كيفية ذلك، ولكنه ـ بناء على المقصد الشرعي من خصال الفطرة ـ فإن القص يتحقق بكل ما يحقق الطهارة في الشارب، بالإضافة إلى تحسين المنظر الذي لا يتنافى مع الأعراف.

ولا شك في أن الشوارب إذا ما طالت تلوثت بالطعام والشراب ويصبح منظرها مدعاة للسخرية، وقد تكون سبباً في نقل الجراثيم.

سأله آخر: لم لم يأت النص بحلق الشارب، كما ورد بالعانة؟

قال: لأن في الشوارب مصلحة للجسد، فالشارب خلق للرجل المهيأ للعمل في الأجواء المختلفة، ذلك أنه يحميه من آثارها السيئة، فهو يصفي الهواء الداخل عبر الأنف إلى الرئتين، وهو بذلك أنفع وأسلم.

إعفاء اللحية: 

اقتربنا من آخر، فسمعناه يحدث المستمعين له عن إعفاء اللحية، قال:  لقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى إعفاء اللحية  وعدم حلقها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( احفوا الشارب وأعفوا  اللحى)([101])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(جزوا الشوارب، وأرخوا اللحي)([102])

سأله بعض الحاضرين: ما الأسرار الصحية التي ينطوي عليها هذا الأمر؟

قال: لهذا الأمر حكم صحية جليلة ترجع إلى ما يقتضيه عمل من كثر تعرضه لأشعة الشمس والرياح الباردة والحارة والتي تؤثر سلبياً على الألياف المرنة والكلاجين الموجودين في جلد الوجه، ويؤدي تخربهما شيئاً فشيئاً إلى ظهور التجاعيد والشيخوخة المبكرة.

ولهذا خلق الله تعالى اللحية في وجه الرجل للتخفيف من تأثير هذه العوامل، ولم يخلقها للمرأة لأنه سبحانه خلقها للعمل في البيت بعيداً عن تأثير الأشعة الشمسية وتقلبات الرياح([103]).

تقليم الأظافر:

اقتربنا من آخر، فسمعناه يحدث المستمعين له عن تقليم([104]) الأظافر، فسأله سائل عن سر حرص الشريعة على هذه السنة، فقال([105]): الأصل في الأظافر أنها تحمي نهايات الأصابع وتزيد صلابتها وكفاءتها وحسن أدائها عند الاحتكاك أو الملامسة، هذا إذا كان طولها طبيعيا.. أما إذا زادت، فإن الجزء الزائد من الظفر والخارج عن طرف الأنملة لا قيمة له، ووجوده ضار من نواح عدة:

منها تكون الجيوب الظفرية بين تلك الزوائد ونهاية الأنامل، والتي تتجمع فيها الأوساخ والجراثيم وغيرها من مسببات العدوى كبيوض الطفيليات، وخاصة من فضلات البراز والتي يصعب تنظيفها، فتتعفن وتصدر روائح كريهة، ويمكن أن تكون مصدراً للعدوى للأمراض التي تنتقل عن طريق الفم كالديدان المعدية والزحار والتهاب الأمعاء، خاصة وأن النساء هن اللواتي يحضرن الطعام، ويمكن أن يلوثنه بما يحملن من عوامل ممرضة تحت مخالبهن الظفرية.

ومنها أن الزوائد (المخالب) الظفرية نفسها كثيراً ما تحدث أذى بسبب أطرافها الحادة قد تلحق الشخص نفسه أو الآخرين، وأهمها إحداث قرحات في العين والجروح في الجلد أثناء الحركة العنيفة للأطراف خاصة أثناء الشجار وغيره.

كما أن هذه الزوائد قد تكون سبباً في إعاقة الحركة الطبيعية الحرة للأصابع، وكلما زاد طولها كان تأثيرها على كفاءة أصابع اليد أشد، حيث نلاحظ إعاقة الملامسة بأطراف الأنامل وإعاقة حركة انقباض الأصابع بسبب الأظافر الطويلة جداً، والتي تلامس الكف قبل انتهاء عملية الانقباض، وكذا تقييد الحركات الطبيعية للإمساك والقبض وسواها.

بالإضافة إلى هذا، فإن هناك آفات تلحق الأظافر نفسها بسبب إطالتها، منها تقصفها بسبب كثرة اصطدامها بالأجسام الصلبة أو احتراقها، ذلك أن طولها الزائد يصعب معه التقدير والتحكم في البعد بينها وبين مصادر النار، كما أن تواتر الصدمات التي تتعرض لها الأظافر الطويلة تنجم عنها إصابات ظفرية غير مباشرة كخلخلة الأظافر أو تضخمها لتصبح مشابهة للمخالب أو زيادة تسمكها أو حدوث أخاديد مستعرضة فيها أو ما يسمى بداء الأظافر البيضاء.

ويضاف إلى ذلك أن الأظافر الطويلة لا يمكن أن نعقم ما تحتها ولابد أن تعلق بها الجراثيم مهما تكرر غسلها، لذا توصي كتب الجراحة أن يعتني الجراحون والممرضات بقص أظافرهم دوماً لكي لا تنتقل الجراثيم إلى جروح العمليات التي يجرونها وتلوثها.

سأله سائل: ولكنا نرى في عصرنا ـ وخاصة من النساء ـ من يعتقد أن إطالة الأظافر من الزينة والجمال.

قال: الزينة والجمال لا تتناقضان مع الصحة والعافية، فأي زينة لأظافر هي خزان للقاذورات والأوساخ، وأي زينة لأظافر هي أذى لكل من يلامسها، وأي زينة لأظافر مهددة في كل حين بالانكسار، أو بالجيوب المؤذية… ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم:(لودخلوا جحر ضب لدخلتموه)([106]

الختان:

 رأيت رجلا يتحدث بحماسة، فقلت للمعلم: من هذا؟

قال: هذا طبيب متكلم.

قلت: كيف؟! وما معنى طبيب متكلم؟! أهناك طبيب أبكم؟!

قال: لا.. أقصد ما تعبرون به عن مناصري العقيدة والشريعة.. ألستم تطلقون عليهم هذا اللقب؟

قلت: أجل.

قال: فهذا الطبيب يرد على من أنكر الختان، واعتبره عادة بدائية.

قلت: صحيح، فبين قومي من يقول بذلك، ويسخر من الختان.

قال: فهذا الطبيب يبين مزايا الختان الصحية، ويعينه في ذلك أطباء آخرون في اختصاصات مختلفة، كما أن هناك أطباء آخرون كل منهم يشرح ما يتعلق به اختصاصه من هذه الجوانب.

قال الطبيب:.. ونقول لمن يشكك في الختان، فيعتبره منافيا لحقوق الإنسان مضرا بصحته خاليا من أي مصلحة معتبرة: استمع لبعض ما أثبتته الدراسات([107]) من وجوه المصالح المعتبرة في الختان، والتي تزيد في تأكيد مشروعيته: فالختان يقي من الالتهابات الموضعية في القضيب.. فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها، إذ تتجمع فيه مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرز سطح القلفة الداخلي من مادة بيضاء ثخينة تدعى اللخن وبقايا البول والخلايا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة أو التهاب الحشفة والقلفة الحاد أو المزمن([108]).

قال آخر: والختان يقي من الإصابة بالتهاب المجاري البولية، إذ ثبت في عديد من الدراسات الطبية أن التهابات الجهاز البولي في الذكور، صغاراً وكباراً، تزداد نسبتها زيادة ملحوظة في غير المختونين، وأن عدوى الأمراض المنقولة جنسياً كالزهري والسيلان وعلى الخصوص مرض الإيدز تكون في غير المختونين أكبر بكثير منها في المختونين.

وقد وجد جنز برغ أن 95 بالمائة من التهابات المجاري البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين، ويؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً يجري لكل مولود في الولايات المتحدة منع حدوث أكثر من 50 ألف حالة من التهاب الحويضة والكلية سنوياً([109]).

ولهذا كتب البروفسور ويزويل في عام 1990 يقول:(لقد كنت من أشد أعداء الختان وشاركت في الجهود التي بذلت عام 1975 ضد إجرائه، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حوادث التهابات المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين، وبعد تمحيص دقيق للأبحاث التي نشرت، فقد وصلت  إلى نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب أن يجري لكل مولود)([110])

***

 قلت للمعلم: إن من قومي من يتشددون في الختان، فيضمون إلى ختان الذكور ختان الإناث، وقد حدث بسبب هذا ضوضاء كبيرة، فما الحق الذي تراه؟

قال: سأنقلك إلى ركن هنا خاص بعلاج هذه القضية من الناحية الشرعية والطبية.

انتقلنا إلى جهة محاذية لتلك الجهة، فسمعنا فقيها يقول: إن الأرجح في هذه المسألة هو  عدم قيام الأدلة على على اعتبار هذا النوع من الختان واجبا ولا سنة ولا مكرمة.

قال له أحد السائلين: فما هو  إذن؟ وكيف نص عليه الفقهاء؟

قال الفقيه: هو  عرف من الأعراف التي وجدها الإسلام في البيئة العربية، فلم ينكرها، بل أرشد إلى ما يخفف أضرارها، فلم تشرع ابتداء.

سأل آخر: ولكن السكوت وقت الحاجة لا يجوز.

قال الفقيه: هناك مسائل قد يسكت عليها، ألم تقرأ قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة 🙁 لولا أن قومك حديثوعهد بجاهلية لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها من الحجر)([111])، فقد امتنع صلى الله عليه وآله وسلم من تجديد بناء الكعبة خشية فتنة من أسلم حديثا.

وهكذا هذا الأمر، فإنه كان سائدا في بعض المجتمعات، كعرف من الأعراف، فلذلك أرشد صلى الله عليه وآله وسلم إلى تصليحه، ولم ينه عنه نهيا كليا.

قال له بعض السائلين ـ وقد كان على ما يبدوـ يرى خلاف رأي الفقيه: كيف تقول هذا؟ وقد قال جماهير العلماء بخلافه، بل هناك من نص على وجوبه([112])..

قال الفقيه: أقوال الفقهاء دليل من الأدلة لا يصح خلافه؟.. أم أن الفقهاء مجتهدون قد يصيبون، وقد يخطئون؟

قال: بل هم مجتهدون.

قال الفقيه: وأين نبحث عن الحق.. هل بفرز أصوات الفقهاء كما تفرز صناديق الانتخابات، أم بالبحث في الأدلة؟

قال: بل، بالبحث في الأدلة، فالحق قد يكون مع الفقيه الواحد، ولا يكون مع جماهير الفقهاء.

قال الفقيه: فما هي الأدلة التي نرجع إليها للبحث عن الحق؟

قال: الكتاب والسنة وهما المصدران الأصليان.

قال الفقيه: فهل في الكتاب ذكر الختان؟

قال: لا.. ولا يشترط أن يذكر في الكتاب، فالقرآن الكريم هو  الكتاب الذي يتضمن الحقائق الكبرى، لا تفاصيل الفروع.

قال الفقيه: ففي السنة..

قاطعه، وقال: في السنة توجد النصوص.. وهذا ما سيدعوك للتسليم بما يقول الفقهاء.

قال الفقيه: قبل أن تورد لي نصوص السنة أجبني: هل كل نص ورد في كتب الحديث يصح الاستدلال به؟

قال: نعم.. إلا إذا كان ضعيفا أو منسوخا.. فلا يصح أن نطرح شيئا من السنة.

قال الفقيه: إذا قلت هذا، وسلمت به، فاذكر لي ما ورد من السنة.

قال: أما الحديث الصريح في ذلك، والذي لن يبقي لك مقالا، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(الختان سنة في الرجال، مكرمة في النساء)

قال الفقيه: هذا الحديث توجه له العلماء بالنقد، فقد نص الحافظ العراقي في تعليقه على (إحياء علوم الدين) على ضعفه، ونص الحافظ ابن حجر على ضعفه([113])، ونقل قول الإمام البيهقي فيه: إنه ضعيف منقطع.. وقال ابن عبد البر في (التمهيد):(إنه يدور على رواية راو لا يحتج به([114]).

وكلام الحافظ أبي عمر ابن عبد البر في كتابه المذكور نصه:(واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبي المليح هذا، وهويدور على حجاج بن أرطاة، وليس ممن يحتج بما انفرد به)([115]

وعلى ذلك فليس في هذا النص حجة، لأنة نص ضعيف، مداره على راو لايحتج بروايته، فكيف يؤخذ منه حكم شرعي بأن أمراً معيناً من السنة أو من المكرمات، وأقل أحوالها أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعي لا يثبت، إلا بدليل صحيح.

قال: فقد ورد لهذا شواهد من حديث أم عطية، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لأم عطية وكانت خافضة:(يا أم عطية أشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج)

قال الفقيه: هذا الحديث رواه الحكم والبيهقي وأبوداوود بألفاظ متقاربة، وكلهم رووه بأسانيد ضعيفة، كما بين ذلك الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين للغزالي([116]).

وقد عقب أبوداوود على هذا الحديث بقوله:(روي عن عبيد الله  بن عمروعن عبد الملك بمعناه وإسناده. وليس هو  بالقوي، وقد روي مرسلاً.. وهذا الحديث ضعيف)([117]

وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديت، وكلها طرق ضعيفة لا تقوم بها حجة([118]) حتى قال العلامة محمد الصباغ في رسالته عن ختان الإناث:(فانظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبي داود والعراقي وكيف حكما عليه بالضعف، ولا تلتفت إلى من صححه من المتأخرين)

فحديث أم عطية- إذن- بكل طرقه لا خير فيه ولا حجة تستفاد منه.

قال السائل: فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( يا نساء الأنصار اختضبن غمسا، واخفضن، ولا تنهكن، فإنه أحظى عند أزواجكن، وإياكن وكفران النعم)

قال الفقيه: هذا الحديث رواه البزار، وفي إسناده مندل بن علي وهوضعيف، وفي إسناد ابن عدي: خالد بن عمروالقرشي وهوأضعف من مندل، ورواه الطبراني في الصغير وابن عدي أيضا عن أبي خليفة، عن محمد بن سلام الجمحي، عن زائدة بن أبي الرقاد، عن ثابت، عن أنس نحو حديث أبي داود، قال ابن عدي: تفرد به زائدة، عن ثابت، وقال الطبراني: تفرد به محمد بن سلام، وقال ثعلب: رأيت يحيى بن معين في جماعة بين يدي محمد بن سلام فسأله عن هذا الحديث، وقد قال البخاري في زائدة: إنه منكر الحديث([119]).

قال السائل: فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( إذ التقى الختانان، فقد وجب الغسل)، وهذا الحديث صحيح، لا يمكنك نقده، فقد رواه مالك في الموطأ، ومسلم في صحيحه، والترمذي وابن ماجة في سننهما، وغيرهم من أصحاب مدونات الحديث النبوي.

قال الفقيه: نعم هذا حديث صحيح، ولا يمكن رده، ولكني لا أرى فيه أي شاهد على ما تقول؟

قال السائل: موضع الشاهد واضح، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( الختانان)، وفي ذلك تصريح بموضع ختان الرجل والمرأة.

قال الفقيه: هذا الاستدلال غير صحيح.

قال السائل: أراك تكابر في رده، فالدليل واضح.

قال الفقيه: ما معنى قولهم: القمران؟

قال: الشمس والقمر.

قال الفقيه: والنيران؟

قال: هما الشمس والقمر أيضاً.

قال الفقيه: والعشاءان؟

قال: المغرب والعشاء.

قال الفقيه: والظهران؟

قال: الظهر، العصر.. ولكن ما الذي تريد بكل هذا.. أتختبرني في اللغة؟

قال الفقيه: لا أختبرك، ولكني أفسر لك الختانين.

قال: كيف.. لم أرك تفسرهما.

قال الفقيه: في اللغة العربية، وكما ذكرت بلسانك، قد تسمي الشيئين أو الشخصين أو الأمرين باسم الأشهر منهما، أو باسم أحدهما على سبيل التغليب([120]).

قال: ذلك في اللغة.. أما نحن، ففي الشرع، وله لغته الخاصة.

قال الفقيه: فما معنى قوله تعالى:{ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ }(فاطر:12) أليس الأول نهرا، والثاني بحرا حقيقيا؟

قال: أجل.

قال الفقيه: ومع ذلك، فإن الله تعالى سمى كلاهما بحرا.

قال: أسلم لك بهذا.. وأسلم لك بكل ما قلت.. ولكن ألا يمكن أن تكون هناك نصوص أخرى تدل على ما ذهب إليه الفقهاء؟

قال الفقيه: وأنا أقول ذلك، وبنفس المنطق: ألا يمكن أن تكون هناك نصوص أخرى تدل على ما أراه.. وأزيدك شيئا هو أن المحدثين الذين أفنوا أعمارهم في هذا العلم يقرون بعدم وجود حديث في هذا الباب يصح الاستدلال به، فقد قال ابن المنذر:(ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع)([121])، وقال الإمام الشوكاني:(ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به، فهو لا حجة فيه على المطلوب)([122])، وقال الشيخ سيد سابق:(أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء)([123]

قال السائل: ولكن….؟!

قال الطبيب: بعد أن انتهى الطبيب أسمحوا لي أن أتدخل.. فالمسألة تحتاج حلا صارما..

قال السائل: وما علاقتك أنت بهذا.. هذه مسائل فقهاء لا مسائل أطباء.

قال الفقيه: لقد عرفنا المسألة في الفقه.. فبقي قول الطب.. فإن رأى الطبيب في هذا مصلحة شرعية تحفظ الصحة سلمنا لقوله.. فالمصالح أمر معتبر في الشريعة.

قال الطبيب: لا.. بالعكس.. فقد جر التطبيق السيئ لهذه العادة إلى آثار شديدة الضرر على الصحة، بل لقد عاد الأمر إلى الجاهلية الأولى جاهلية الفراعنة القدماء.

قال السائل: الفراعنة القدماء؟!

قال الطبيب: نعم، فقد كانت عادة الخفاض الفرعوني عند الفراعنة القدماء، وبالأخص في عصر رمسيس قبل الميلاد بأكثر من ألف سنة، ودخلت على السودان من طريق الفتوحات الفرعونية على بلاد النوبة، كما أن ملوك بلاد النوبة قد استولوا على مصر، فانتشرت عادة الخفاض الفرعونى في وادي النيل.

وهو يمارس الآن في السودان والصومال وكينيا وأجزاء من أندونيسيا.

وقد دلل المسح الديموغرافي الصادر عن منظمة الصحة العالمية أن مليوني فتاة في العالم يخضعن لعمليات الختان سنوياً، وتقول التقارير أن هناك نحو138 مليون فتاة وامرأة، في 28 دولة أفريقية وبعض بلدان آسيا والشرق الأوسط، شوهت أعضاءهن التناسلية، وبدرجات متفاوتة، وبحسب منظمة العفو الدولية تحتل مصر الصدارة، بمعدل 97 بالمائة، في قائمة تلك الدول.

أتدرون ما آثار هذا الخفاض على الصحة الجسدية والنفسية؟!

قالوا: لا.. فما هي آثاره؟

قال الطبيب: أول أثر هو الصدمة الجراحية: وهي صدمة الانخفاض المفاجىء في وظائفه الجسم جميعها، أما الصدمة الخارجية فتنتج غالباً من الجراحة بدون تخدير، وهذا ما يحدث في الخفاض الفرعوني، وربما يودي هذا بحياة البنت نتيجة للانخفاض الشديد في ضغطها الدموي، وفي نشاط تنفسها.. أو يورث البنت ذكرى نفسية حادة لا تنساها طوال حياتها، وبالتالي تصبح خائفة من الجنس، ولا تشعر نحوه بشيء إلا الإحساس بالرذيلة، إذ أن الفكرة بأن أعضاءها هذه زوائد، وفرحة أهلها الشديدة بإزالتها، ستغرس تماماً هذه الفكرة في رأسها البريء.

ومنها النزيف الدموي: ويعتبر من أخطر المضاعفات التي تحدث نتيجة لإجراء هذه العملية وهو إما نزف بسيط يمكن التحكم فيه بالوسائل التقليدية الغير طبية التي تمهد لحدوث الالتهابات مثل استعمال تراب الفرن أو مسحوق البن أو كما يحدث في بعض الأحوال حيث تستعمل بعض الأعشاب القابضة مثل (القرض) بما فيها من أتربة وتلوث وفي بعض الأحيان يكون النزف شديدا نتيجة لقطع شريان كبير أثناء الختان ويستدعى نقل الحالة إلى المستشفى وإجراء جراحة عاجلة.

ومنها الالتهاب والتعفن: وهذا يحدث عن جهل بأبسط قواعد الصحة، فالتعفن تسببه المكروبات التى تعيش حية معنا في أجسامنا وأدواتنا. بل إن منطقة الأعضاء التناسلية هي أكثر المناطق التى تعشعش فيها الميكروبات.كما أن الموسى غير المعقمة أو شبه المعقمة تحمل نفس السم والأذى.

وربما تحدث في أثناء هذه العملية إصابة فتحة البول لقربها من موضع البظر، فيتأتى من ذلك انحباس للبول في الأيام الأولى للعملية. وقد يضيق الثقب، عند اندمال الجرح بدرجة يتعذر معها خروج البول ودم العادة.

ومنها العقم: وقد دلت الإحصائيات دلالة واضحة على أن ما بين 20- 25 بالمائة من حالات العقم في السودان ناتج من جراء هذه العملية الرهيبة، والتي تستلزم تضييق فتحة الفرج إلى أقصى حد.

ومنها مشاكل متعلقة بالولادة: حيث يصعب في بعض الحالات حتى فحص السيدة فحصا نسائيا نظرا لوجود فتحة ضيقة جدا.. وبالتالي يصعب تحديد وضعها ووضع الجنين.. كما أن الولادة قد تسبب تمزقات وتهتكات خارجية تشمل فتحة البول وفتحة الشرج، ولذا لابد من فتح الخياطة، ثم إعادتها بعد الولادة.. وقد تؤدى الولادة المتعسرة إلى وفاة الجنين أثناء الولادة أو إلى ولادة طفل متخلف عقليا نتيجة للضغط الزائد على الرأس بسبب طول مدة الولادة أو بسبب التدخل لاستخراج الجنين الذي تعسر ولادته بالآلات.

قال الفقيه متوجها للسائل: أتعلم ما هو  حكم هذا الختان الذي ذكره هذا الطبيب؟

قال السائل: نعم.. لقد اقتنعت أنه ليس سنة ولا مكرمة.. بل هو  عادة جاهلية.

قال الفقيه: ليس هذا فقط.. ذلك عرفناه في بحثنا الفقهي.. أما بعد البحث الطبي، فإن هذا النوع من الختان كبيرة من الكبائر، ألم تسمع ما ورد في النصوص من تحريم تبديل خلق الله، كماقال  تعالى:{ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً}(النساء:117 ـ 119)؟

وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله)([124])، وهذه الأمور المذكورة في الحديث محرمة كلها وما ماثلها، ويدخل فيها الخفاض الفرعوني، بل هو أولى منها بالحرمة، وقد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر لأنها من تغيير خلق الله.

قال السائل: هذا صحيح، وأسلم به.

قال الفقيه: ليس هذا فقط..

قال السائل: وماذا تريد فوق هذا؟

قال الفقيه: هذا من الجرائم التي يعاقب فاعلها بكل ما يراه الإمام من صنوف التعزير، زيادة على تعويض الفتاة على ما أصابها من أضرار نتيجة هذه العملية.

قال السائل: ما دليل هذا؟

قال الفقيه: الأمر في هذا لا يختلف عما ذكره الفقهاء من تضمين الخاتن إذا ما تسبب في الإضرار بالمختون، فقد اتفق الفقهاء على تضمين الخاتن إذا مات المختون بسبب سراية جرح الختان، أو إذا جاوز القطع إلى الحشفة أو بعضها أو قطع في غير محل القطع.

نهض السائل، وقبل رأس الفقيه، ثم مر على الطبيب وقبل رأسه.

قلت للمعلم: ما الذي دعا السائل إلى تقبيل رأسي الفقيه والطبيب؟

قال: من عادة أهل هذا المستشفى أن يفعلوا هذا مع من صحح لهم خطأ، أو بين لهم حقا.

قلت: فالسائل المعارض قد سلم بما قالا إذن؟

قال: لولم يسلم لما فعل هذا.

طهارة المحيط

دخلنا القاعة الثانية، وهي القاعة المختصة بطهارة المحيط، وقد كانت قاعة في منتهى النظافة والجمال، وقد علقت فيها صورة كبيرة لمدينة طاهرة ذات شوارع نقية، وأرصفة واسعة، ومساحات خضراء، ومياه مترقرقة عذبة.

قلت: الله.. ! ما أجمل هذه المدينة.. ما أحلى أن يعيش الإنسان في مثل هذا الجو؟ إن منظرها وحده كاف لملء النفس بالبهجة التي تقتل الداء، وتنزل الشفاء.

قال لي المعلم: هذه الصورة هي صورة للمحيط الذي أمركم الله بتحقيقه في واقعكم.. وهو الذي جاءت التشريعات المختلفة لتخدمه.

قلت: فلم علقت هذه الصورة هنا؟

قال: لتمتلئ بها قلوب من يدخل هذه القاعة، فإذا خرجوا منها خرجوا،  وهي تعيش في خيالهم.. ومن خيالهم تقوم على أرضهم.

قلت: ولكن.. ما علاقتها بالصحة.. أليس هذا مستشفى؟

قال: وماذا يعالج المستشفى؟

قلت: الإنسان.

قال: وأين يعيش الإنسان؟

قلت: كل إنسان يعيش في بيئة معينة.

قال: وهل لصحته علاقة بتلك البيئة؟

قلت: أجل.. فمن يعيش في هذا الوسط الذي تمثله هذه الصورة سيعيش مرتاحا سعيدا.. ولا أحسب إلا أن أمراضا كثيرة ستنفر من مثل هذا.

قال: فقد أدركت ـ إذن ـ قيمة الوسط في الصحة، فلذلك من الخطأ أن تداووا العلل بمداواة الأجسام، وتغفلون عن بيوت العلل ومساكنها.

قلت: فأين تسكن العلل؟

قال: في المياه، والطرقات، والبيوت، والملابس، والمطاعم.. وغيرها.

قلت: فماذا يفعل أطباء هذه القاعة؟

قال: يقومون بتوعية الناس وتعليمهم وتدريبهم على طهارة المحيط بمبادئها وتفاصيلها.

***

 رأيت أبوابا كثيرة تمتلئ بها باحة هذه القاعة، فسألت المعلم عنها، فقال: هذه الأبواب تؤدي إل القاعات المختصة بالتدريب على طهارة المحيط.

قلت: فهل سنزورها جميعا؟

قال: لا.. سنقتصر على إطلالة خفيفة على أربعة منها، اخترناها لأهميتها الكبرى.

قلت: فما هي؟

قال: طهارة المياه، وطهارة الهواء، وطهارة الغذاء، وطهارة الإيواء.

طهارة المياه

دخلنا القاعة الأولى، وقد كتب على بابها قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} (الانبياء:30).. وقد كانت أصوات خرير المياه تنبعث من جدارنها التي اكتست بألوان المياه العذبة، فكان مشهدا حيا امتلأت نفسي له حياة وسعادة.

قلت للمعلم: أهذه قاعة المياه؟

قال: أجل.. فالمياه من نعم الله الكبرى على عباده، وطهارتها تقي الإنسان من كثير من العلل، ألا تعلم أن أكثر جسمكم ـ معشر بني آدم ـ من الماء؟

قلت: أجل، فنحن نسبح في وسط محيط من المياه.

قال: وتعيشون في وسط محيطات من المياه، فإن حافظتم عليها حافظتم على وجودكم، وإن فرطتم فيها فرطتم في صحتكم وعافيتكم، بل هددتم وجودكم.

في وسط القاعة رأيت رجلا يظهر عليه الوقار الذي يبثه القرآن الكريم في قارئيه ومتدبريه، فقلت للمعلم: من هذا؟

قال: هذا الرجل هو  مدير هذه القاعة، والمسؤول عنها.

قلت: ولكني أرى عليه سيما القرآن الكريم التي تمتلئ بها وجوه قارئيه.

قال: أجل.. ولأجل ذلك جعل مديرا لهذه الدار.. فللماء علاقة كبيرة بالقرآن الكريم..

سمعت الرجل، وهويقول ـ مخاطبا الجموع الملتفة حوله ـ: لقد أو لى القرآن الكريم أهمية كبيرة للماء، فقد ورد ذكره فيه 49 مرة، وامتن الله به على عباده ذاكرا وجوه الحكم في خلقه، فقال تعالى:{ هو  الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْه شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:10 ـ11)

ولكل هذه الخيرات النابعة من نعمة الماء يصفه القرآن الكريم بأنه مبارك أي كثير العطاء، قال تعالى:{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (قّ:9)

ولكن كل هذه المنافع مقيدة بوصف الطهر، قال تعالى:{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} (الفرقان: 48، 49) 

وفي ذلك إشارة إلى أن منافعه تقتضي وجود طهوريته، فإن سلبها تحول من دور الإحياء الذي نص عليه قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} (الانبياء:30) إلى دور الإماتة.

ولعل أخطر ما يصيبه التلوث، وأسهل ما قد يتعرض للتلوث هو  الماء باعتبار سيولته المستعدة لتحلل أي شيء فيه.

ولهذا وردت النصوص بالحض على الحفاظ على طهارة الماء، فقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن البول في الماء الراكد([125])، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)([126]) ، بل ورد الأمر مطلقا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يبولن أحدكم في الماء الراكد)([127])

ومن ذلك النهي عن النفخ في الشراب، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه)([128])، وقال:(إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريده)([129])، وعندما قال له رجل معقبا على هذا النهي: القذاة أراها في الإناء قال له صلى الله عليه وآله وسلم:( أهرقها)([130])

ويقاس على هذا تحريم كل ما يمكن أن يتسبب في الإضرار بطهورية الماء، لأن الله تعالى عندما امتن علينا بطهارته، طلب منا أن نحافظ على هذه الطهارة، فالحفاظ على النعمة واجب.

ولذلك لا شك في حرمة كل ما يسبب تلوث المياه.

قال رجل من الحاضرين: أهذا من باب القياس، أم من باب النص؟

قال: لا.. من باب النص لا من باب القياس، فالله تعالى أخبر عن إنزال الماء، وجعله طهورا، فقال تعالى:{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}(الفرقان:48)، فلذلك كان كل سالب لهذه الطهورية من الإفساد المنهي عنه.

قال السائل: لم أفهم.. فلابد أن تسلب طهورية الماء، فنحن نغتسل به، ونطهر به النجاسات.

قال: أنا لا أتحدث عن هذه الأمور الضرورية.. بل أتحدث عن الإفساد.. الإفساد العميق الذي تعرضت له مياه الأرض.

أسباب التلوث:

تدخل رجل كان يستمع بحماسة إلى ذلك الشيخ الوقور، مستأذنا في الحديث، فسألت المعلم عنه، فقال: هذا من أنصار جمعية لم تؤسس بعد يطلق عليها (جمعية أصدقاء المياه)، وقد كلفته جماعته بالجهاد في طهارة المياه للحفاظ على بركتها.. ولذلك لا يدع مناسبة ولا سبيلا إلا ويستعمله للتوعية والدعوة للحفاظ على بركات السماء.

قلت: فلماذا لم تؤسس بعد؟

قال: لقد رفضت السياسات المتحكمة في العالم التصديق على هذه الجمعية، بل اعتبرتها من الجمعيات المحضورة.

قلت: لم؟

قال: لقد اعتبروها من الجمعيات الداعية للتخلف..

قلت: ما هذا؟! وما الذي تقول؟!

قال: لأن هذه الجمعية تدعو إلى الحفاظ على المياه، ولو على حساب العمران والحضارة التي تفخرون بها.

قاطعني صديق المياه بصوته الجوهري، وهويقول بصوت ممتلئ حزنا: ماء الأرض يتعرض لأخطار عظيمة.. أتعلمون ما فعلت الأمطار الحامضية في البيئة من إفساد؟

صاح أحد الحاضرين: المطر الحامضي؟!

قال: أجل.. إنه عدو الأرض الأول.. المطر الآن يسقط في مناطق كثيرة ـ خاصة فى البيئات الصناعية ـ مطراً حمضياً يهلك الحرث والنسل، فقد بلغ الأس الهيدروجيني للمطر فى بعض المناطق الصناعية درجة عالية تجعل مياه الأمطار عالية الحموضة محدثه أضرار كثيرة.

لقد فقدت مئات من البحيرات فى أمريكا الشمالية وشمال غرب أو ربا ـ نتيجة ارتفاع درجة حموضة مياهها بسبب المطر الحمضي ـ معظم ما بها من ثروات سمكية وأصبحت 90 بحيرة فى منطقة جبال أدرونداك فى ولاية نيويورك ـ مثلا ـ خالية تماماً من الأسماك تحت تأثير الحموضة المتزايدة لمياه البحيرات، وهي حموضة قاتلة للأحياء.

ولايقتصر تأثير المطر الحمضي على الأضرار بمياه الأنهار والبحيرات، وإنما يمتد تأثيره إلي مخاطر كثيرة، فقد أعلن فريق من الباحثين فى جامعة نيوها مبشير بالولايات المتحدة الامريكية (1985) أن المطر الحمضي يمنع حاسة الشم عند سمك السالمون، ولهذا يفقد قدرته على إيجاد طريقة نحو مجاري الأنهار العليا من أجل وضع بيضة وإتمام عملية الفقس.

كما بدأت الأمطار الحمضية تضر بالمحاصيل الزراعية تحت تأثير ترسب كميات كبيرة من المواد الحمضية فى التربة مما يغير من تركيبها الكيماوي فى اتجاه الحموضية المتزايدة التى تضر، بل تقتل النباتات إذ تعمل الحموضة الزائدة فى التربة على إفقار التربة نتيجة إزالة الكاثيونات (الأيونات الموجبة) منها التى تعتبر القاعدة الأساسية لتغذية النباتات مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم.

كما يؤدي المطر الحمضي إلى تدمير الكثير من الأشجار والنباتات حيث تصاب بظاهرة الموت التراجعي حيث تموت الأشجار واقفه ـ كما يقولون ـ إذ تتلف الأوراق العلوية المعرضة مباشرة للمطر الحمضي الذى يقتل المادة الخضراء فيها، ثم ينتقل التأثير بعد ذلك الى الأوراق التحتية، فقد أو ضح تقرير من ألمانيا الاتحادية (1980) أن مساحة من الغابات تقدر بنحو560 ألف هكتار أي حوالي 7ر7 بالمائة من مجموع مساحات الغابات في ألمانيا قد دمرت أو أتلفت بدرجات متفاوته نتيجة المطر الحمضي والضباب الحمضي.

قال الشيخ: فكل ما يؤدي إلى هذا المطر الحامضي جريمة كبرى ينبغي التحذير منها، والشرع لا يتوقف في تحريمها.

قلت: يا شيخ.. والصناعة.. والتطور.. والعمران؟!

قال: لا خير في تطور يخدم العمران، ويهدم الإنسان.

تدخل آخر، فقال: لقد أخفتنا.. فما مواصفات الماء الصالح للشرب؟

قال صديق المياه: هو  الماء الطهور الرائق، عديم اللون والرائحة، مستطاب الطعم، وهو قليل المواد المعدنية، لا يزيد ما فيه من الأملاح الكلسية عــلى 15، 0غ باللتر، وهو خالٍ من الأمونية (غاز النشادر) وأملاح النتريت والنترات وغير ذلك من المواد العضوية التي تدل على تلوثه، كما أنه خال من المواد السامة كأملاح الرصاص والزرنيخ، ومن الغازات السامة.

وهو لا يحتوي على شيء من الطفيليات أو بيوضها أو صغارها، ولا من الجراثيم المرضية مطلقاً، ولا يزيد عدد الجراثيم غير المرضية فيه على (100)  جرثومة في كل سنتيمتر مكعب منه.

ثم سكت هنيهة، وقال: هذا هو  الماء الذي نجاهد للحفاظ عليه.

قال السائل: فما الماء الملوث؟

قال: ذلك هو  عدونا الأول، وهو الماء الذي يحتوي على مواد عضوية ناتجة عن التفسخ، أو على جراثيم مرضية، أو على طفيليات، أو على أشعة وأحماض ومواد كيميائية، وهو يتصف عادة بتعكره وتلوثه، وبظهور رائحة خاصة وطعم خاص.

قال السائل: فما أسباب تلوث المياه غير ما ذكرت من الأمطار الحامضية؟

قال: كثيرة.. كثيرة هي أسباب التلوث في هذا العصر الذي أراد أن يخرب الأرض، ويعجل بفنائها.

قال السائل: فاذكر لنا بعضها لنحذره.

قال: سأذكر ذلك لا لتحذروه فقط.. وإنما لتحذروا منه.. فالأرض تتعرض لخطر عظيم.. فالإنسان المتحضر([131]) يلوث الماء ويدنسه في مختلف مراحل استعماله له:

في استعماله الشخصي بما قد يلقيه فيه من فيروسات وجراثيم وطفيليات وغير ذلك من المفرغات العضوية؛ كما أشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يبولن أحدكم في الماء الراكد)([132])

 وعند الاستعمال المنزلي بما يصبه فيه من منظفات وغيرها من المواد الكيميائية بالإضافة إلى الأحياء الدنيا.

وعند الاستعمال الزراعي بما يضيفه إليه من مبيدات حشرية وأسمدة، ومن مفرغات حيوانية كثيرا ما تحمل عوامل المرض.

وعند الاستعمال الصناعي، بما ينسكب فيه مباشرة من المصانع، أو بما يتراسب  فيه مما ينطلق من المصانع من ملوثات الهواء.

قال السائل: هذه الأسباب.. فما المواد التي تتسبب في التلوث؟

قال بأسف: طويلة.. طويلة جدا.. لا يمكن حصرها.

 قال السائل: اذكر لنا بعضها لنحذره، ونحذر منه.

قال: منها التلوث الناتج عن صناعات الطاقة النووية، سواء في مرحلة تعدين الفلزات المشعة ومعالجتها، أو استعمال المواد المشعة المكررة، والمفاعلات النووية في الصناعة والتشخيص الطبي والبحوث.. ويضاف إلى ذلك ما ينهال على الأرض ويتساقط من هيال ذري مصدره التفجيرات النووية المختلفة.

ومنها النفط.. فالنفط المنسفح من البوارج أو السفن أو من بعض الحوادث، أو من الإهمال حين نقل النفط الخام من أكبر ملوثات المياه، ويقدر أن مليوناً ونصف مليون طن من النفط تنسفح في  المحيطات كل عام، والمياه الملوثة بالنفط تحدث تخريباً كبيراً للأحياء المائية التي تعيش عليها.

ومنها الكيماويات سواء كانت عضوية أو لاعضوية:

فالعضوية التركيبية.. وتدخل فيها المنظفات وغيرها من وسائل التنظيف المنزلية ومبيدات الحشرات والكيماويات الصناعية([133])، وكلها تصل في نهاية الأمر إلى الماء.

والكيماويات اللاعضوية.. كالزئبق الذي ينتقل من المجاري المائية، إلى الأحياء المجهرية المائية، ثم إلى الأسماك ثم طيور الصيد ثم إلى الإنسان.. ومصدر هذه المواد المعدنية عمليات التعدين والتصنيع، والري وعمليات حقول النفط.. زيادة على الكميات الكبيرة من مختلف أنواع الحموض الناتجة عن الفضلات الصناعية.

ومنها الفضلات الصناعية ذات المنشأ الحيواني والنباتي.. وعلى الرغم من أن القاذورات المنزلية هي المصدر الأهم للفضلات العضوية القابلة للتفكك، فإن الصناعة تساهم بقدر لا يقل عن ذلك من هذه الفضلات، وأهمها الصناعات الغذائية وصناعة الورق، التي تصب  في الماء كميات كبيرة من الأجزاء النباتية والحيوانية.. وتفكك هذه الفضلات العضوية بفعل الجراثيم يستنضب الأكسجين من الماء، مؤدياً إلى مشكلات كبيرة، ولاسيما بقضائه على الأسماك والحياة المائية، وتوليده شروطاً مناسبة للتلوث  الإنتاني.

ومنها العوامل الحية.. وأهمها الجراثيم والفيروسات وسائر الأحياء المجهرية التي يمكن أن تحدث  المرض. وهى تدخل الماء مع القاذورات المنزلية أو مع بعض الفضلات الصناعية، ولاسيما  تلك التي تتعلق بالدباغة والمذابح.

ومنها المخصبات النباتية.. وهي تلك المواد التي تنشط نمو النبات، وهي كذلك من مدنسات الماء الرئيسية، وأهم عناصر التلويث فيها النتروجين والفسفور، ولو أنه قد توجد آثار زهيدة من بعض العناصر الأخرى، وتنصب هذه العناصر في الماء آتية مع القاذورات أو بعض الفضلات الصناعية أو ما ينزح من الأراضي المسمدة والتربة الغنية بالنترات، ولا تفلح معالجة الماء البيولوجية للتخلص من الفضلات في إزالة هذه المغذيات النباتية من الماء.. بل إنها تجعلها أكثر قابلية للاستعمال من قبيل النباتات المائية، وبذلك تقوم بتخصيب هذه النباتات المائية من طحالب وغيرها، مما يولد مشاكل جسيمة، ويجعل طعم الماء غير مستساغ ورائحته غير مقبولة، فضلا عما يحدثه النمو البالغ لهذه النباتات من استهلاك للأكسجين.

ومنها ازدياد استعمال الماء في عمليات التبريد الصناعية، وهو يؤلف نوعاً جديداً من التلوث، فهذه الكميات الهائلة من المياه المستعملة للتبريد في محطات توليد الكهرباء وتكرير النفط والصناعات البتروكيميائية، تعود إلى البحيرات أو الجداول أو المياه الشاطئية التي اشتقت منها فترفع حرارة الماء، وذلك يؤدي إلى إنقاص ذوبان الأكسجين في الماء مما ينقص تفكيك الملوثات المستهلكة للأكسجين، ويضعف من تغذية الأسماك والأحياء المائية؛ ومن جهة أخرى قد يكون للماء الساخن تأثير مباشر على هذه الأحياء بتغيير بيئتها الفيزيائية مما يضعف تكاثرها. ثم إن سخونة الماء تسرع التفاعلات المستهلكة للأكسجين.

أمراض التلوث:

قال سائل آخر: فما الأمراض التي تنقلها هذه المياه الملوثة؟

تدخل شخص يظهر عليه سيما الأطباء، فقال: كثيرة هي الأمراض التي تنتقل بالماء الملوث، ولاسيما تلك التي تسببها بعض الجراثيم أو الطفيليات التى تحتوي عليها فضلات الإنسان المريض، وفي مقدمتها الحمى التيفية [ التيفود ] وداء البلهارسيا، وداء الديدان الشصية [الملقوات، أو الانكيلوستوما] وسائر الديدان.

سأل سائل: كيف تنتقل الحمى التيفية عبر المياه الملوثة؟

قال: جراثيم التيفود تكون في أمعاء الإنسان ودمه وبوله، فاتصال بول المصاب بها أو اتصال برازه بالماء، يمكن أن يؤدي إلى نقل جراثيمها إن كانت فيه.

وقد كان الماء من أهم وسائل نقل هذا المرض وانتشاره في الناس قبل اتخاذ الوسائل الحديثة لتطهيره ومراقبته في البلدان الراقية، ولكنه مازال عاملا مهما في نقلها في البلدان المتخلفة.

سأل سائل آخر: فما الديدان الشصية، وما علاقة المياه بها؟

قال: هي ديدان تكون في الأمعاء، وتحدث في المصاب بها ألماً بطنيا موجعاً، وبعد مدة يظهر فقر الدم الشديد، وتصير الأغشية المخاطية كلها شاحبة جدا، وينتفخ الوجه وتتوذم الرجلان [ نتفخان بالماء]، وقد يظهر في المريض استسقاء، أي تراكم السوائل في أنسجته وأجوافه (جوف البطن مثلا).

وإذا لم يعالج المرض فالدنف آخذ بالمريض لا محالة، فيعم الاستسقاء جميع الأطراف، أو ينحل المريض ويهزل جدا حتى  تبدو عظامه، ولكنه على كل حال يبقى منتفخ البطن بالسوائل، حتى يموت.

وبيوض هذه الديدان التي تنطرح مع البراز، تنفقس عن يرقاتها إذا وجدت تربة رطبة، كأرض الحقول أو المزارع أو المناجم، فإذا لامسها إنسان نفذت من  جلده مباشرة، وتابعت مسيرتها فيه حتى تبلغ الدم، ثم تصل بالدوران إلى الكبد ثم الرئة ثم الأمعاء.

وأكثر من يتعرض لعدواها الزراع وعمال المناجم، ولكنها كذلك تهاجم الأطفال الذين يخوضون فى الوحل الموبوء بها حفاة فيصابون بها.

قال السائل: فكيف نتقي هذه الديدان الخطيرة؟

قال: الوقاية منها هي أن نحول دون وصول شىء من الغائط إلى سطح الأرض ولاسيما في الظل، ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)([134]

قال السائل: فلم الظل بالضبط؟

قال: يحافظ الظل على الرطوبة اللازمة لحياة اليرقات، ويحفظها من التأثير المطهر الذي تتصف به أشعة الشمس.

طهارة الهواء

دخلنا القاعة الثانية، فشممت رائحة النسيم العذب تنطلق منها، فتملأ نفسي بالحياة، قلت للمعلم: لا شك أن هذه قاعة الهواء؟

قال: أجل.. فالهواء السليم ركن من أركان الصحة.

قلت: فهل يعبئ أهل هذا المستشفى الهواء في قارورات ليبعثوا بها إلى المرضى ليحفظوا صحتهم؟

قال: إنهم يدربون الناس على حفظ طهارة الهواء.. وبذلك لا يحتاجون إلى وضعه في قارورات ليرسلوها للمرضى.

قلت: فهل لحفظ الهواء أصل شرعي تستند إليه؟

قال: الهواء الصافي هو  مصدري.. ألم يخلق الله الهواء صافيا؟

قلت: أجل..

قال: ألم يخلقه على الفطرة؟

قلت: أجل..

قال: فإخراجه عن فطرته التي فطره الله عليها تبديل لخلق الله، ألم يقل الله تعالى:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(الروم:30)

قلت: أجل.. ولكن هذه الآية ترتبط بالدين.. والهواء من الدنيا؟

قال: وهل يمكن للدين أن يقوم بدون دنيا؟

قلت: هذا دليل عام.

قال: وهو أفصح الأدلة وأصرحها.

قلت: ولكني أريد دليلا خاصا يدل على حفظ الهواء.

قال: لا بأس.. وسأذكره كمثال لا كدليل.. كيف كان صلى الله عليه وآله وسلم يفعل إذا عطس؟

قلت: كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم إذا عطس أن يغطي وجهه بيديه أو بثوبه ويغض بها صوته([135]).

قال: فهذا من حفظ الهواء من تلويث العطاس.. بماذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر عند التثاؤب؟

قلت: كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر المتثائب أن يكتم تثاؤبه، أو يضع يده على، وكان يقول:(إذا تثاءب أحدكم في الصلاة، فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل)([136])، ويقول:(العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه وإذا قال: آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه وإن الله عز وجل يحب العطاس ويكره التثاؤب)([137])

قال: فهذا من حفظ الجسم من تسرب الهواء الملوث إليه.

قلت: فكلا النصين يشيران إلى الحماية من التلوث.

قال: أجل.. أما أحدهما، فيحمي الهواء، وأما الثاني، فيحمي الإنسان.

***

داخل القاعة رأينا رجلا يتحدث بحماسة عن الهواء، وكأنه يصف طعاما شهيا يرغب في أكله والمحافظة عليه، قلت للمعلم: من هذا؟

قال: هذا من (جمعية أصدقاء الهواء)..

قلت: أهي جمعية محظورة أيضا؟

قال: أجل.. لأنها تهدد الحضارة كما يقولون.

اختلال موازين الهواء:

كان الرجل قد وضع خريطة، وهو يتكلم ويشرح بحماسة، اقتربنا منه، فسمعته يقول: لقد خلق الله تعالى الهواء بنسب معتدلة منظمة([138]).. لتخدم الإنسان، والكون الذي يعيش فيه الإنسان، كما قال تعالى:{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر:49)

فالهواء الذي فوق الأرض مكون من الأوكسجين والنتروجين والأرجون والنيون والكنسيون والكريبتون، وهويحتوي بخار الماء، وثاني أو كسيد الكربون بنسبة 100/3 من 1 بالمائة، أو نحوثلاثة أجزاء من 10000.

والغازات النادرة تظهر نفسها في شكل الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء بلافتات الإعلان، أما الأرجون الذي يوجد في الهواء بنسبة 10/6 في 1 بالمائة فإنه يعطينا النور الساطع الباهر الذي تتقدم به المدينة حيث يستخدم.

ويوجد النتروجين بنسبة 78 بالمائة تقريباً في الهواء، في حين تحدد نسبة الأوكسجين عادة ب21 بالمائة.

والهواء في جملته يضغط على الأرض بمعدل خمسة عشرة رطلاً تقريباً على البوصة المربعة من السطح بمستوى البحر.

والأوكسجين الذي يوجد في الهواء هو  جزء من هذا الضغط، وهوبمعدل نحو ثلاثة أرطال على البوصة المربعة، وكل الباقي من الأوكسجين محبوس في شكل مركبات في قشرة الأرض، وهويكون 10/8 من جميع المياه في العالم.

والأوكسجين هو  نسمة الحياة لكل الحيوانات التي فوق الأرض.. ومن رحمة الله أن هذا العنصر ذا النشاط البالغ من الوجهة الكيماوية قد أفلت من الاتحاد مع غيره وترك في الجوبنفس النسبة تقريباً، اللازم لجميع الكائنات الحية.

فلوكان الأوكسجين بنسبة 50 بالمائة مثلاً أو أكثر من الهواء بدلاً من 21 بالمائة فإن جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال لدرجة أن أو ل شرارة من البرق تصيب شجرة لابد أن تلهب الغابة حتى لتكاد تنفجر.

ولوأن نسبة الأوكسجين في الهواء قد هبطت إلى 10 بالمائة أو أقل، فإن الحياة ربما طابقت نفسها عليها في خلال الدهور، ولكن في هذه الحالة كان القليل من عناصر المدنية التي ألفها الإنسان ـ كالنار مثلاً ـ تتوافر له،  وإذا امتص الأوكسجين الطليق، ذلك الجزء الواحد من عدة ملايين من مادة الأرض فإن كل حياة حيوانية تقف على الفور.

صاح سائل ـ مقاطعا له ـ: عرفنا هذا، وعرفنا أن لثاني أوكسيد الكربون أثره في عالم النبات والحيوان، فحياة كل نبات كما هو  معروف، تعتمد على المقادير التي تكاد تكون متناهية الصغر، من ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الهواء، والتي يمكن القول بأنها تتنسمها.

بل قد اكتشف أخيراً أن وجود ثاني أوكسيد الكربون بمقادير صغيرة، هو  أيضاً ضروري لمعظم حياة الحيوان، كما اكتشف أن النباتات تستخدم بعض الأوكسجين.

ومثل ذلك الهيدروجين.. فإنا وإن كنا لا نتنسمه، فبدون الهيدروجين كان النبات لا يوجد..

فالأوكسجين والهيدروجين وثاني أو كسيد الكربون والكربون ـ سواء أكانت منعزلة أم على علاقاتها المختلفة ـ بعضها مع بعض ـ هي العناصر البيولوجية الرئيسية.. وهي عين الأساس الذي تقوم عليه الحياة.

قد عرفنا كل هذا.. ولكن ما الذي جعلك تتحمس وتثور لمعلومات هي معلومة أصلا.

قال: أنا أثور لأجلكم.. فأنتم تتلاعبون بهذه النسب المنتظمة الدقيقة التي تعتمد عليها الحياة على الأرض.

قال السائل: كيف ذلك؟

قال: سأضرب لك بعض الأمثلة.. ولنبدأ بثاني أكسيد الكربون، والذي يدخل الجو من زفر الحيوانات والنباتات ومحاصيل الاحتراق.

قال السائل: هذا معروف، وهو يستبعد من الجو بفعل عملية التركيب الضوئي في النبات.. ولكن ماذا حصل له؟

قال: لقد عدلت هذه الحضارة المخربة من مقاديره تعديلا كبيرا، فزاد محتوى الجو من هذا الغاز بمعدل 25 بالمئة في القرن الأخير، وهو مستمر في الزيادة من جراء ما يقوم به الإنسان من حرق وقود المستحاثات، وقطع أشجار الغابات وأعشاب المروج، مما يزيد من إنتاجه، ويقلل من استهلاكه.

قال السائل: هذا صحيح..

قال: ليس هذا فقط.. الأوزون أيضا مسه تخريبكم..

قال السائل: الأوزون هو  ذلك الشكل من الأكسجين المؤلف من ثلاث ذرات (3 O)، وهوغاز عجيب، فهوفي طبقات الجو الدنيا مادة مهيجة مخرشة للأغشية المخاطية، ولا سيما في جهاز التنفس، وهو في طبقات الجو العليا مادة حافظة واقية بسبب قدرته الامتصاصية القوية للأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس ؛ فهو يستبعد معظم الإشعاع فوق البنفسجي الذي تقل أطول موجاته عن 310 نانومترات، وهو الإشعاع الذي يمكن أن يخرب المادة الحية. 

قال: والأوزون يتولد في طبقات الجو العليا عندما يتم امتصاص الأشعة الشمسية القصيرة الموجه من قبل الأكسجين الجزيئي، ولكنه يتحول ثانية إلى هذا الأكسجين الجزيئي في تلك الطبقات الجوية العليا نفسها بفعل التفاعلات الكيميائية الضوئية التي يحفزها عدد من الغازات ولا سيما النتريك (NO) وثاني أكسد النتروجين (NO2) والكلور (CI) وأكسيد الكلور (CIO) وتزداد مقادير الحفازات النتروجينة بزيادة انطلاق الغازات من عوادم محركات الطائرات التي تحلق في الجو العلوي، وبزيادة استعمال الأسمدة الآزوتية، كما تزداد مقادير الحفازات الكلورية بزيادة استعمال الغازات المحتوية على الكلور ولا سيما الفلوروكربونيات  CFCI3 وCF2 CI3، وهي ثابتة في الطبقات الجوية السفلى، ولكنها سرعان ما تتفكك في الطبقات الجوية العليا بفعل الإشعاع فوق البنفسيجي مطلقة كلورها الفعال.

وهذا كله وغيره يعرض الأحياء جميعاً  بما فيها الإنسان إلى الآثار المضرة للأشعة فوق البنفسجية. 

قال السائل: ولكن الأوزون يوجد في الأصل في مستوى صعيد الأرض من جراء تسلله من الطبقات الجوية العليا.

قال: ولكن بتراكيز غير مؤذية (10 ــ 30 جزء بالبليون)، ولكن الحفازات النتروجينية التي تفككه في الجو العلوي تساعد على توليده في الجو السفلي، ولا سيما تلك الأكاسيد الآزوتية والهدروكربونيات التي تصدرها عوادم السيارت، فتبدأ آثاره الضاره بزيادة هجمات الربو(عندما يبلغ 150 جزءاً بالبليون) وتهييج الحنجرة (300 بالمليون) بالإضافة إلى تخريبه وتأخيره لنمو النبات. 

قال السائل: هذا صحيح.. والبشرية تشكو في هذا العصر من كثرة هذه العلل.

قال: ليس هذا فقط.. لقد ذكرنا الأشعة فوق البنفسجية، فلنذكر نوعاً آخر من الإشعاع الشمسي ألا وهو الأشعة تحت الحمراء، وهي أشعة تسقط من الشمس على سطح الأرض، فيمتصها، ثم يعيد إصدارها إلى الأعلى، فيمتص معظمها ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء اللذان في الجو، ثم لا يلبثان أن يعيدا إصدارها في اتجاه الأرض وفي اتجاه الفضاء الخارجي.

وهكذا يقوم بخار الماء وثاني أكسيد الكربون بدور ملاءة تحافظ على دفء سطح الأرض، وتعرف هذه الظاهرة إجمالاً بتأثير الدفيئة (البيت الزجاجي)

واحتراق الفحم والنفط والغاز- ولاسيما في المدن- يزيد محتوى الهواء من ثاني أكسيد الكربون، فيرفع درجة حرارة الهواء الموضعية، ويزيد من درجة حرارة  العالم على وجه الإجمال، مخلاً بالميزان الحراري الذي يضمنه سقوط الأشعة تحت الحمراء، من الشمس وانعكاساتها المتكررة بين الأرض والجو.

قلت: فنسب الهواء في الجو معرضة لخطر شديد؟!

قال: لا.. ليست معرضة فقط.. بل هي تعيش في خطر شديد.. وإذا لم تنتبه البشرية، وظلت تجري لاهثة وراء ما تسميه حضارة، ستقوم الأرض بأعظم إضراب في تاريخها.

قلت: إضراب؟!

قال: أجل ستخلع هذا الغلاف الغازي الذي يلعب به صبيانكم.. لتذيقكم الفناء الذي يتوج حضارتكم، وينتهي بذلك التاريخ الذي تحلمون بإنهائه.

كائنات غريبة بالهواء:

انصرف مغضبا، فحل محله آخر، فسألت المعلم عنه، فقال: هل سمعت بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)([139]

قلت: أجل.. هذا في العلماء الذين يحفظون الدين من البدع.. فما علاقة هذا بهم؟

قال: هذا من العلماء الذين يحفظون الكون من البدع.

ضحكت، فقلت: وهل في الكون بدع؟

قال: أجل.. واسمع إليه يشرحها لك.

قال: سأبدأ كلامي بما قال ابن سينا، وهويحذر من هذه البدع الحادثة في هواء رب العاملين، لقد قال:(والهواء مادام معتدلاُ وصافياً، ليس يخالطه جوهر غريب مناف لمزاج الروح، فهو فاعل للصحة وحافظ إياها.. فإذا تغير، فعل ضد فعله)

وفصل في ذلك، فقال ـ انطلاقا من معارف عصره ـ:(الهواء الجيد في الجوهر، هو  الهواء الذي ليس يخالطه من الأبخرة والأدخنة شيء غريب، وهو مكشوف للسماء غير محقون بين الجدران والسقوف، اللهم إلا في حال ما يصيب الهواء فساد عام، فيكون المكشوف أقتل له من المغموم وا لمحجوب)

أتدرون المخاطر التي يحملها الهواء الذي يعبث به المبتدعة؟

قالوا بصوت واحد مستغربين: لا..

قال: هذا مشكل بدأ يتفاقم بعد الثورة الصناعية، وما جلبته من دمار، حيث صارت كثير من المدن الكبرى معرضة لجو خانق فظيع، ومازال تلوث المدن في ازدياد مستمر،، لاسيما بفعل وسائل النقل من سيارات وشاحنات تنفث عوادمها أكثر من نصف (56 بالمائة) ما يدنس الهواء، ثم من طائرات وقطارات وبواخر في أماكن وجودها.

ويلي وسائل النقل في  الأهمية مصادر الاحتراق الأخرى الثابتة مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية وأجهزة التسخين (22  بالمائة)، تليها المصانع المختلفة (15 بالمائة) ثم حرائق الغابات ومحاصيل المزارع (5 بالمائة) ثم محاصيل ترميد الفضلات الصلبة (2 بالمائة).

قال أحد الحاضرين: فما هذه العناصر الغريبة التي تريد مسخ فطرة الهواء؟

قال: بكل أسف.. هي كثيرة.. ولكن أهمها ستة: أول أكسيد الكربون، والجسيمات المعلقة، وأكاسيد الكبريت، والهدروكربونيات الغازية، وأكاسيد النتروجين، والأوزون.

ويقدر ما ينطلق، في الهواء فوق الولايات المتحدة وحدها من هذه الأصناف بمئة وأربعة وتسعين مليون طن متري.. وثمة صنف سابع من المدنسات يضم المواد السامة الخطرة التي تنفثها في الهواء بعض المصانع لخاصة.

قال السائل: فما أول أكسيد الكربون؟.. وما مصدره؟

قال: هو  ذلك الغاز السام المشهور، ومصدره الرئيسي هو  الاحتراق  غير الكامل للوقود الكربوني، ولا سيما في السيارت.

قال السائل: فما الجسيمات المعلقة في الهـواء؟.. وما مصدرها؟

قال: هي جسيمات صلبة أو سائلة، يتراوح حجمها بين ما يمكن من دخان وسناج أو هباب، وبين ما لا يرى إلا بالمجهر الإلكتروني.. وهذه الجسيمات الدقاق يمكن أن تبقى معلقة في الجو مدداً طويلة، وأن تحمل إلى مسافات بعيدة تذروها الرياح.

ومصادرها الرئيسية أجهزة احتراق الوقود الثابتة، كأجهزة التدفئة وتوليد الطاقة، التي تنتج جل الجسيمات المرئية، كما تنتج جزءاً كبيراً من الغازات  غير المرئية التي لا تلبث أن تتحول إلى ضبائب، وتنضم إلى ذلك ذريرات الرمل والحصى والأسمنت، مما يبقى عالقاً، ويمكن أن يحمل إلى مسافات بعيدة، ويعيش أكثر من بليون نسمة في مناطق يتجاوز التلوث بالجسيمات فيها الحدود التي تسمح بها منظمة الصحة العالمية. 

قال السائل: فما الأكاسيد الكبريتية.. وما مصدرها؟

قال: أهمها ثاني أكسيد الكبريت، وحمض السلفوريك (الكبريتيك)، وسائر مركبات السلفات، وهي تصدر من الوقود الكربوني وجله ملوث بالكبريت، كما تصدر من بعض أنواع المصانع.

وتدل بعض المعلومات التي جمعتها منظمة الصحة العالمية وبرنامج البيئة العالمي عام سبعة وثمانين، على أن أكثر من ستمئة مليون إنسان، يعيشون في مناطق حضرية، معدل التلوث فيها بثاني أكسيد الكبريت يفوق المقادير التي تسمح بها المنظمة.

قال السائل: فما الهدروكربونيات الغازية.. وما مصدرها؟

قال: هي غازات غير سامة في حد ذاتها، وبالمقادير التي توجد بها، ولكنها تعتبر من أهم مدنسات الهواء لدورها  في تشكيل الأوزون وسائر المؤكسدات.

وجل هذه الغازات ينطلق في المناطق الحضرية، حيث توجد مصانع تلميع المعادن، ومعامل الدهانات، والمطابع، ومحطات توزيع الغازولين والديزل، ومؤسسات التنظيف.

قال السائل: فما الأكاسيد النتروجيية.. وما مصدرها؟

قال: هي تتشكل من اتحاد النتروجين بالأكسجين في الحرارات العالية التي يحترق بها الوقود.. وخطرها يتمثل في دورها في توليد الأوزون.

قلت: فهل هناك غازات أخرى؟

قال: كثيرة جدا.. وكل يوم تظهر بدعة جديدة.. وليس هناك من أهل السنة من يدعو لإماتتها، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

أمراض التلوث:

انصرفا غاضبا، وحل محله طبيب بثياب مهنته، وهويقول من غير أن يسأل: هذا التلوث الذي سمعتم نماذج عنه خطر على صحة الإنسان، بل على وجوده.

ألا تذكرون ما حدث في لندن عام اثنين وخمسين، يوم أدى الضخان القاتل إلى موت أربعة آلاف نسمة ؛ وما حدث في دونورا، تلك المدينة الصناعية في غربي بنسلفانيا، حيث مرض نصف سكان المدينة، ومات عشرون منهم بعد ضخان استمر خمسة أيام، وبقي الأحياء منهم يعانون من اعتلال في الصحة ؛ ثم ما حدث في مدينة نيويورك سنة ثلاث وخمسين حين مات مئتا نفس من جراء مستوى أكاسيد الكبريت والجسيمات المعلقة.

ولا يقل شأناً عن هذه الكوارث الصارخة، تلك الآثار الطويلة الأمد على سكان الأمصار من جراء تلوث الهواء، من علل تنفسية مزمنة كالنفاخ الرئوي والتهاب القصبات (الشعب الهوائية) …

ليس ذلك فقط.. فقد نقصت القدرة على أداء التمارين الجسمية في الأصحاء من الكبار والأطفال على السواء.. وازدادت نسبة الوفيات من الأمراض الأخرى كالسرطان وأمراض القلب.. وازداد حدوث الربو وفرط التحسس وأمراض الجهاز التنفسي في الأطفال.

وهم يقدرون ضريبة التلوث التي يدفعها سكان الولايات المتحدة كل عام بخمسة عشر ألف وفاة، وسبعة ملايين يوم مرض، وخمسة عشر مليون يوم ناقص الإنتاجية.

طهارة الإيواء

دخلنا القاعة الثالثة، فرأيناها قد صممت على هيئة بيت ممتلئ نظافة وجمالا، لم يكن فيه أي زخرفة، وكان طلاؤه بسيطا، ولم يكن يحتوي من المتاع إلا على ما هو  ضروري ونافع، ولكن النفس ـ مع ذلك ـ تنشرح فيه انشراحا عظيما.

قلت للمعلم: لا شك أن هذه القاعة هي المختصة بطهارة الإيواء.

قال: أجل، فالمأوى نعمة من نعم الله الكبرى على الإنسان، بل على كل شيء، فقد جعل الله لكل شيء مأوى يأوي إليه، ألم تسمع قوله تعالى:{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}(النحل:68)

قلت: أجل، وقد امتن الله على عباده بأن جعل لهم من بيوتا يأوون إليها حال سفرهم، وحال إقامتهم، فقال تعالى:{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ}(النحل:80)

وبمثل ذلك امتن على ثمود بأن أعطاهم القدرات التي يبنون بها البيوت في السهول والجبال، فقال تعالى:{ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}(الأعراف:74)

قال: ليس السكن نعمة فقط، بل هو  واجب.. يجب أن يكون لكل إنسان مسكن يأوي إليه، ألم تسمع قوله تعالى:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(يونس:87)، فقد قرن بين الأمر ببناء البيوت وإقامة الصلاة.

قلت: لم؟

قال: لأنه لا تستقيم الحياة التعبدية إلا بعد توفير المرافق الضرورية، فلا يمكن للإنسان أن يصلي صلاة خاشعة، وبطنه يلتهب من الجوع، أو جلده يحترق من البرد.

قلت: ولم أمر موسى u بني إسرائيل ببناء البيوت في مصر مع كون موسى u جاء ليخرجهم منها؟

قال: لأن التشرد الذي كان يعانيه بنو إسرائيل في مصر، والحياة الطفيلية التي كانوا يمارسونها طبعتهم بأخلاق معينة، ولم يكن موسى u ليخرجهم بتلك الأخلاق.

قلت: فهل المساكن تطبع أصحابها بطابعها؟

قال: أجل.. أليست سكنا؟

قلت: فما أول شروط المسكن الصحي؟

قال: الطهارة.. ألسنا في القاعات المختصة بالطهارة؟.. فالبيت الطاهر هو  البيت الذي ينتج الصحة والعافية.

بينما نحن كذلك إذ سمعنا شخصا داخل القاعة يقول: لا تكتفوا بتنظيف بيوتكم فقط.. بل نظفوا الهواء الذي يسكن بيوتكم، أو يدخل بيوتكم.

قلت: لم؟!

قال: إن نوعية الهواء داخل المساكن لم ينظر إليها إلا مؤخرا على أنها من المشاكل الصحية الكامنة التي تؤثر في كثير من الناس.

وأكثر ما تتجلى في مساكن الملايين من سكان الأرياف في البلدان النامية، حيث الوقود الحيوي المنشأ أو الفحم يستعمل للأغراض المنزلية..

وقد قدر تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، أن حوالي خمسمئة مليون من الناس معظمهم من النساء والأطفال، يمكن أن  يتعرضوا إلى تأثيرات ضارة من جراء الأبخرة السامة والدخان الذي يستديم في منازلهم.

ولكن أمثال هذه المشاكل ليست مقصورة على المساكن الريفية أو البلدان النامية، بل هناك بينات وفيرة على أن الهواء داخل المساكن في كل مكان، يفسد بكثير من المصادر المنزلية والخارجية، فيحدث آثاراً ضارة بالساكنين.

ولا ينبغي أن تنسوا التدخين، وما يحدثه دخان السجائر من تدنيس لهواء المكان الذي يقع فيه التدخين، والمخاطر الصحية العديدة التي يتعرض إليها ضحاياه من المدخنين بالإكراه. 

تطهير الساحات:

قال المعلم: لم تأمر الشريعة بتطهير البيوت وحدها.. بل وردت النصوص بما هو  أكثر من ذلك، فقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم بتنظيف الأفنية والساحات المجاورة للبيوت، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود؛ فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود)([140])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(طيبوا ساحاتكم، فإن أنتن الساحات ساحات اليهود)([141])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(طهروا أفنيتكم، فإن اليهود لا تطهر أفنيتها)([142])

قلت: إن تطهير الأفنية والساحات في عصرنا من شأن الدولة، فهناك العمال المختصون بذلك.

قال: ولذلك تمتلئ ساحاتكم بالقاذورات.. النظافة واجب على كل شخص، وعلى الدولة أن تعين في ذلك أو تحزم في التعامل معه.

تطهير الأماكن العامة:

قال المعلم: ليس هذا فقط، بل أمرت الشريعة بتطهير جميع الأماكن العامة.

قلت: فما الأماكن العامة؟

قال: هي المحال التي يقصدها الإنسان للتعبد أو للراحة أو للعمل أو لغير ذلك من شؤون حياته.

سمعت رجلا في القاعة يقول: لقد وردت النصوص بالاهتمام بالأماكن العامة حرصا على نظافتها، وعلى كونها جوا مناسبا للصحة لا للمرض:

فقد أمر الشرع بتنظيف دور العبادة، فقال تعالى مشيرا إلى ذلك:{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(البقرة:125)

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الأجر الجزيل على ذلك، فقال:(عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أو تيها رجل، ثم نسيها)([143])

وفي مقابل هذا الأجر ورد ذم من يتسبب في اتساخه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(النخاعة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)([144])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)([145])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(عرضت علي أمتي بأعمالها حسنها وسيئها، فرأيت في محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق، ورأيت في سيء أعمالها النخاعة في المسجد لم تدفن)([146]).

وعلل صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بقوله:(إذا تنخم أحدكم وهو في المسجد فليغيب نخامته لا تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه)([147])

قلت: صدق الرجل.. فالمساجد النظيفة كالمغناطيس الذي يجذب القلوب.. ولكن بعض المساجد تفوح منها الروائح المنفرة.. ولكن الضرورة استدعت ذلك، فدورات المياه..

قاطعني المعلم، وقال: ليست هناك ضرورة في هذا.. كيف تنشرون الروائح الكريهة في المساجد، ثم تقول ضرورة؟! أين عقولكم؟ أين تدبيركم؟

قال الرجل:.. ومن الأماكن العامة التي أمر الشرع بالحرص على نظافتها الأماكن التي يستريح فيها الناس، فقد اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم تلويتها من الأمور التي تجلب اللعنة على أصحابها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(أتقول اللاعنين) قالوا:(وما اللاعنان؟)، قال:(الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم)([148])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من آذى المسلمين في طريقهم وجبت عليه اللعنة)([149])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(اتقوا الملاعن الثلاث: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق، أو في نقع ماء)([150])

وبين صلى الله عليه وآله وسلم من يلعن هؤلاء، فقال:(من سل سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين)([151])، وكفى بهذا ردعا.

وقد بين العلم الحديث الآثار التي ينتجها تلويث مثل هذه المحال، فنص على أن المناطق الباردة الرطبة وذات الظل تعتبر جوا ملائما لنمو أغلب أنواع البكتيريا وبويضات الديدان، ويساعد في ذلك خلوها من تأثير الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم والبويضات.

فبويضات دودة الإسكارس ـ مثلا ـ يمكن أن تعيش في هذه الأجواء لمدة عامين مع بقائها معدية، وبما أن البول والبراز يعتبران من مصادر هذه الجراثيم والديدان، فإن البول في هذه المحال يعتبر من الجرائم المؤدية لذلك.

تطهير الثياب:

دخل آخر، وهو يقرأ قوله تعالى:{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(المدثر:4)

قلت: عن أي الثياب يتحدث هذا؟!.. فالثياب في هذه الآية تحتمل وجوها من التفسير.

قال: يتحدث عن المعنى الظاهر المتبادر من الآية.

قلت: وما علاقتها بهذا المحل؟.. ألسنا في (طهارة الإيواء)؟

قال: ثوبك هو  بيتك الأدنى، كما أن بيتك هو  ثوبك الأبعد، ألم تسمع الله تعالى، وهويقرن بين البيوت والثياب؟

قلت: أجل، فقد قال تعالى:{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}(النحل:81)

قال: فطهارة الثياب تدخل في طهارة الإيواء، فلا يصح أن تطهر بيتك، وتنجس ثوبك.

قال ذلك الداخل، وكأنه يشير إلي: عليك أن تعتني بنظافة ثوبك وحسن هندامك، كما تعتني بنظافة جسمك وحسن خلقك، ألم تسمع ما روى جابر بن عبد الله  وهويتحدث عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا، فقال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال:(أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره؟)، ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال:(أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه)

وقد نفى صلى الله عليه وآله وسلم ارتباط النظافة بالخيلاء، فقد ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر)، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن الله جميل يحب الجمال، الكبِر بطر الحق وغمط الناس)([152]

ولهذا أوصى صلى الله عليه وآله وسلم صحابته  بالثياب البيض، لأن الوسخ والنجاسة يظهران عليها بجلاء، وذلك مدعاة في تنظيفها وتطهيرها وعدم إهمالها، قال صلى الله عليه وآله وسلم:( عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفّنوا موتاكم)([153])

وقد رد العلماء والصالحون على من أهمل نظافة الثياب بحجة النسك، فقال المناوي: وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلاً وعرفاً، ويكاد يذم شرعاً.. سوّل الشيطان لأحدهم فأقعده عن التنظيف بنحو:(نظف قلبك قبل ثوبك) لا لنصحه، بل لتخذيله عن امتثال أو امر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة، ولوحقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن)

طهارة الغذاء

دخلنا القاعة الرابعة، فرأيناها قد صممت على هيئة مطعم بسيط، ولكنه في منتهى الجمال والنظافة، فسألت المعلم عنها، فقال: هذه القاعة مختصة في تعليم طهارة الغذاء.

قلت: طهارة الغذاء.. أيتوضأ الطعام ويغتسل؟

قال: نعم.. له وضوؤه الخاص، وغسله الخاص.. أم تريد أن تدخل الطعام إلى جوفك بأتربته وغباره وأوساخه؟

قلت: لا أقصد ذلك.. ولكني أتعجب أن تخصص قاعة في المستشفى لمثل هذا.

قال: لو فعلتم هذا لوقيتم أنفسكم من أمراض كثيرة أنتم بمنأى عنها.. فالطعام مصدر مهم من مصادر الصحة والمرض، ولهذا وردت النصوص الكثيرة والتشريعات المختلفة تبين كيفية التعامل معه.

تحريم الجلالة:

رأيت رجلا داخل القاعة يضع خلفه صورة حيوانات ونباتات، وهو يتحدث، مشيرا إليها اقتربنا منه، فسمعته يقول: لقد حرم الشرع كل نجس أو متنجس من الطعام، حيوانا كان أو غيره:

فقد نهي عن الجلالة، وهي ما يأكل القاذورات من الحيوانات، أو هي الدابة التي تتبع النجاسات وتأكل الجلة، وهي البعرة والعذرة، ففي الحديث:(نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها ولا يحمل عليها إلا الأدم، ولا يذكيها الناس حتى تعلف أربعين ليلة)

بل ورد النهي عن ركوبها، ففي الحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها)، وقد علل ذلك بأنها ربما عرقت، فتلوث بعرقها.

اقتناء الكلاب:

سأله سائل، فقال: ما تقول في الكلاب، فإن لأقوامنا غراما عظيما بها؟

قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أخبر عن عصركم، فقال:(إذا اقترب الزمان لأن يربي الرجل جرواً خير له من أن يربي ولداً له، ولا يوقر كبيراً ولا يرحم صغيراً، ويكثر أو لاد الزنى حتى إن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أمثلهم في ذلك المداهن)

قال السائل: ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم وصف ما يقع، وليس في النص ما يدل على التحريم.

قال: يكفي ما قرن به صلى الله عليه وآله وسلم تربية الكلاب من أصناف المحرمات.. ومع ذلك فقد نهى  صلى الله عليه وآله وسلم عن تربية الكلاب في نصوص كثيرة، مستثنيا مواضع الحاجة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من اتّخذ كلباً إلا كلب ماشيةٍ أو صيدٍ أو زرعٍ أنتقص من أجره كلّ يومٍ قيراط)، وفي حديث آخر ذكر صلى الله عليه وآله وسلم ما هو  أعظم من ذلك، فقال:(من اقتنى كلباً إلا كلب صيدٍ أو ماشيةٍ نقص من أجره كلّ يومٍ قيراطان)

ليس هذا فقط، بل أمرنا أن نحترز من الكلاب احترازا شديدا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أو لاهن بالتراب)([154])، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً)([155])

تدخل أحد الأطباء([156])، فقال: في هذا الحديث قبس من معجزات النبوة، فالكلب مصدر أمراض خطيرة، لعل أشهرها داء الكلب، وهومرض خمجيٌّ خطير ٌ ينجم عن الإصابة بحمةٍ راشحةٍ، هي حمة الكلَّب، هذه الحمة لها انجذاب عصبي في حال دخولها للجسم، كما أن نهاية المرض مميتةٌ في كل الأحوال.

وتحصل الإصابة بمجرد دخول لعاب الحيوان المصاب إلى دم الإنسان سواء بعضه أو بملامسته، أو بأن توجد سحجة ٌ، أو جرح في الجلد، وفي هذه الحالة تنجذب الحمة إلى الأعصاب،وتنتشر في كل الجملة العصبية، مؤدية إلى التهاب دماغ مميت.

سأل سائل: فما سر أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالغسل بالتراب؟

قال: إن الحمة المسببة للمرض متناهية في الصغر، وكلما قلَّ حجم الحمة ازداد خطرها، لازدياد إمكانية تعلقها بجدار الإناء، والتصاقها به، والغسل بالتراب أقوى من الغسل بالماء، لأن التراب يسحب اللعاب، ويسحب الفيروسات الموجودة فيه بقوةٍ أكثر من إمرارالماء، أو اليد على جدار الإناء، وذلك بسبب الفرق في الضغط الحلولي بين السائل (لعاب الكلب)  وبين التراب.

تحريم الأسمدة النجسة:

أشار إلى بعض النباتات خلفه، هو  يقول: ومن هذا الباب نهي الشرع أن تلقى في الأرض النجاسات ونحوها، لتكون سمادا للأرض، وقد روي عن بعضهم قال:(كنا نكري أرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونشترط على من يكريها ألا يلقي فيها العذرة)

تحريم الكيميائيات الضارة:

ثم أشار إلى علب خلفه، قد رصمت عليها إشارات محذرة، وقال: ليست العذرة فقط هي التي تفسد الحيوان والنبات.. إن أخطر ما يفسدها هو  هذه المواد السامة.

قال له بعض الحاضرين: تقصد المواد الكيميائية؟

قال: أجل.. فهي أخطر من كل الفضلات.. وللأسف.. لقد صبحت الكيماويات جزءاً ضرورياً  لا يمكن الاستغناء عنه من الحياة البشرية.. فهي بحسب تصورهم المحدود تدعم مناشط الإنسان وتدعم تنميته.. فهي تقي وتكافح كثيراً من الأمراض، وتزيد الإنتاجية الزراعية، وتعود بفوائد جمة على المجتمع.

قال السائل: فما الخطر في هذه الكيميائيات، نحن ننتفع بها؟

قال: نعم فيها منافع.. ولكن ضررها ـ الذي سببه سوء تعاملكم معها ـ أكثر من نفعها، فالإنسان قد يتعرض لها مباشرة، أثناء تصنيعها أو نقلها أو توزيعها أو تداولها أو استعمالها أو التخلص منها، وهذا قد يحدث آثاراً ضارة في صحته.

بل إن التخلص العشوائي من هذه الكيماويات وفضلاتها يمكن أن يدنس الهواء والماء والتربة، ويؤدي إلى تلوث الغذاء، مما يحدث آثاراً ضارة غير مباشرة.

بل يقدر أن حوالي سبعين ألف مادة كيماوية تدخل في التعامل اليومي، منها ثمانية وأربعون ألفاً بكميات ذات شأن من الوجهة التجارية.

زيادة على أن جل هذه المواد المستعملة سوف تلوث الهواء والماء والغذاء والتربة بعد استعمالها ورميها كفضلات.. ويضاف في كل عام ما بين سبعمئة وألف مادة كيماوية جديدة إلى التجارة.

قلت: صدق الله العظيم حين قال:{ وَلَوبَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}(الشورى:27).. لقد بسط الله بعض فضله على أهل هذا العصر بما فتح لهم من خزائن العلم من خزائن الأرزاق، فراحوا يقتلون أنفسهم، ويقتلون الأرض معهم.

قال: صدقت، فالمشكلة لا تكمن في استغلال خيرات السماء وبركات الأرض، فتلك لازمة من لوازم التسخير، بل لازمة من لوازم العمران، ولكنها تكمن في الإسراف والطغيان والبغي  بغير الحق، وكلها تؤدي إلى الإخلال بالموازين إخلالاً يفسد هذه البيئة ويجعلها غير صالحة لحياة الناس.

قلت: ولهذا نهى الله تعالى عن الإسراف المسبب لهذه العلل الخطيرة، كما قال تعالى:{ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}(الشعراء:151 ـ 152)

النظافة:

أشار إلى يده، وقال: هذه اليد التي نتناول بها الطعام مصدر من مصادر الصحة والمرض، ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده)([157])

ومن هذا الباب أمر الشرع بتخصيص اليد اليسرى للتنظيف، حرصا على نظافة اليد اليمنى، التي هي للطعام، فعن بعض الصحابة قال: كنت طفلا في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت يدي تطيش في الصفحة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)([158])

بل قد ورد التشديد في ذلك، ففي الحديث أن رجلاً أكل عند رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بشماله فقال:(كل بيمينك)، قال: لا أستطيع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( لا استطعت!)، ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه([159]).

وفي هذا دليل على حرص الشريعة على طهارة الطعام، ففي تخصيص يد للتنظيف ويد للطعام حفاظ على الطعام من مخاطر التلوث.

ثم أشار إلى فمه، وقال: وهذا من أخطر مصادر الصحة والمرض، ولهذا ورد الشرع آمرا بتنظيف الفم، فقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم بالتخلل وتنظيف الفم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( تخللوا فإنه نظافة، والنظافة تدعو إلى الإيمان مع صاحبه في الجنة)([160])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(حبذا المتخللون بالوضوء، والمتخللون من الطعام، أما تخليل الوضوء: فالمضمضة والاستنشاق وبين الأصابع، وأما تخليل الطعان فمن الطعام فإنه ليس شيء أشد على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما طعاما وهوقائم يصلي)([161])

وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بالسواك في نصوص كثيرة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(تسوكوا، فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أو صاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي، ولولا أن أخاف أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، فإني لأستاك حتى خشيت أن أحفي مقادم فمي)([162])

ومن هذا الباب ما ورد من النهي عن النفخ في الطعام والشراب، وذلك لأن نفخ الرذاذ وزفره  يؤدي إلى انتقال كثير من الأمراض المعدية كالانفلونزا والقوباء وشلل الأطفال والنكاف والحصبة الألمانية والرشاح والتهابات الحلق والعنجز والسل وغيرها من الأمراض، وخاصة الفيروسية ولذلك فإنه ينصح  بعدم النفخ والتنفس في آنية الأكل والشرب.

ومن هذا الباب ما ورد من الأمر بتغطية أو اني الطعام، قال صلى الله عليه وآله وسلم وهو يجمع ما على المؤمن التحصن منه من الأعداء الأخفياء والظاهرين:(إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنهن يرين ما لا ترون، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل، فإن الله عز وجل يبث في ليله من خلقه ما يشاء، وأجيفوا الأبواب واذكروا اسم الله عليها، فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه، وغطوا الجرار، وأوكئوا القرب، وأكفئوا الآنية)([163])


([1])   البخاري.

([2])   من مراجع هذا المبحث العلمية:

1. أثر الإسلام وتعاليمه فى الحفاظ على صحة الفرد والمجتمع، للدكتور أحمد شوقي الفنجري، الكويت.

2. فـقـــه الصحـــة، الدكتور محمد هيثم الخياط، محاضرة ألقاها في المؤتمر الرابع للطب الإسلامي الذي عقد في كرا تشي سنة 1405 للهجرة [1984 للميلاد)، ونشرت في المجلد الذي أصدرته المنظمة الإسلامية عن المؤتمر.

3. الطب الوقائي في الإسلام، تطبيق التعاليم الإسلامية المتعلقة بالتحكم في بعض الأمراض السارية، للدكتور عدنان أحمد البار، والدكتور جنق ليو، المملكة العربية السعودية.

([3])   ابن عساكر والدارقطني في الأفراد، والخطيب في التاريخ.

([4])   الترمذي وقال: حديث صحيح.

([5])   رواه الترمذي وابن حيان والحاكم وغيرهم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

([6])   هجمت: أي غارت

([7])   نفهت: أي أعيت وكلت.

([8])   البخاري ومسلم.

([9])   أحمد والطبراني في الكبير.

([10])   مسلم وأبو داود والنسائي.

([11])   أحمد.

([12])   مسلم وأبو داود والترمذي.

([13])   وتبقى هذه الوصية نافذة بالنسبة للمدافئ المنزلية التي تعمل بالمازوت أو الغاز أو الكهرباء، بسبب المخاطر التي قد يؤدي إلهيا العوارض التي يمكن أن تطرأ على تلك الآلات وسير العمل فيها.

([14])   البخاري في الأدب.

([15])   وهذا الميزان الذي نص عليه القرآن الكريم هو الذي توصلت إليه البشرية بعد تجاربها الطويلة، متصورة أنه من مكتشفات هذا العصر، فهم يتحدثون عن بعدين اثنين للصحة، هما الميزان الصحي، والرصيد الصحي كما يطلق على السبل المتخذة للحفاظ على اعتدال الميزان الصحي اسم حفظ الصحة، وعلي السبل المتخذة لزيادة الرصيد الصحي اسم تعزيز الصحة . وفى إطار هذين البعدين، صاغت منظمة الصحة العالمية قبل خمسين سنه فحسب، تعريفها للصحة على أنها المعافاة الكاملة، جسمياً ونفسياً واجتماعياً، لا مجرد انتفاء المرض أو العجز» نقلا عن الدكتور محمد هيثم الخياط، فقه الصحة، محاضرة ألقاها في المؤتمر الرابع للطب الإسلامي الذي عقد في كرا تشي سنة 1405 للهجرة [1984 للميلاد)، ونشرت في المجلد الذي أصدرته المنظمة الإسلامية عن المؤتمر.وقد استفدنا منها كثيرا في هذا الباب.

([16])   الرازي.

([17])   هي قوله تعالى :{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ }(البقرة:173)، وقالتعالى :{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }(المائدة:3)، وقالتعالى :{ قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ }(الأنعام:145)، وقالتعالى :{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}(النحل:115)

([18])   انظر: روائع الطب الإسلامي د. محمد نزار الدقر.

([19])   انظر: الإعجاز العلمى في الإسلام والسنة النبوية، لمحمد كامل عبد الصمد.

([20])   آكلات اللحوم تعرف علميا بأنها ذات الناب التي أشار إليها الحديث الشريف، لأن لها أربعة أنياب كبيرة في الفك العلوي والسفلي.. ومثل ذلك الطيور أيضا إذ تنقسم إلى آكلات العشب والنبات كالدجاج والحمام.. وإلى آكلات اللحوم كالصقور والنسور، وللتمييز العلمي بينهما يقال: إن الطائر آكل اللحوم له مخلب حاد، ولا يوجد هذا المخلب في الطيور المستأنسة الداجنة.

([21])   أبو داود.

([22])   هو الدكتور ( س ليبج) أستاذ علم التغذية في بريطانيا.

([23])   البخاري ومسلم.

([24])   ابن السني وأبو نعيم في الطب.

([25])   تقوم مصحات كثيرة في العالم بالعلاج بالصوم، وعملها تخليص الجسم من نفايات الغذاء، ودسمه، وكثرته، وكذلك من السموم الناتجة عن التخمرات الغذائية، وبقاء فضلاتها في الجسم، ولعل أشهر المصحات هي المصحة التي تحمل اسم د.هيزيج لاهان، في درسون بسكسونيا، ويقوم العلاج فيها كاملاً على الصوم.

([26])   الدكتور صادق محمد حلمى ـ دكتوراه في المخ والأعصاب ـ

([27])   الدكتور عماد عبد الله مرزوق ـ أخصائي الأمراض الباطنية بقرحة المعدة ـ

([28])   وعلى العكس من ذلك يكون مريض الإثنى عشر، إذ يحتاج باستمرار للطعام فلا يستطيع الصوم لمنع احتكاك جدران الإثنى عشر ببعضها في حالة الصوم.

([29])   الدكتور شكرى محمود ناصف ـ أستاذ المسالك البولية ـ

([30])   الدكتور حسن السيد الباز ـ أستاذ جراحة العيون بجامعة الأزهر ـ

([31])   هو د.ألكسيس كاريل، انظر سلسلة كتاب اقرأ، د.مصطفى عبد الرحمن.

([32])     البخاري وغيره، وقد ورد في سبب ورود هذا الحديث أن ثمامة لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي a من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعا فلما أسلم جاءوه بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا فتعجبوا فقال النبي a:« إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وأن المؤمن يأكل في معي واحد »

([33])   ابن ماجة.

([34])   الترمذي، والحاكم.

([35])   أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم.

([36])   الطب النبوي: 205.

([37])   فـقـــه الصحـــة، الدكتور محمد هيثم الخياط، محاضرة ألقاها في المؤتمر الرابع للطب الإسلامي الذي عقد في كرا تشي سنة 1405 للهجرة [1984 للميلاد)

([38])   انظر: مع الطب في القرآن الكريم، للدكتور عبد الحميد دياب والدكتور احمد قرقوز.

([39])   قال المنذري: ذكره رزين العبدري في كتابه ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها ولم أعثر له على إسناد صحيح ولا حسن، إنما ذكر في كتب الضعفاء كالكامل وغيره، لكن رواه الحسين بن الحسين المروزي في زوائده في كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك، فذكره مرسلا وكذا رواه أبو الشيخ ابن حبان وغيره.

([40])   الحافظ ابن مردويه.

([41])   أحمد، وتتمة الحديث: قالت، قلت: يا رسول اللّه! وما طينة الخبال؟ قال: صديد أهل النار.

([42])    مسلم.

([43])   البخاري.

([44])   مسلم.

([45])   البخاري ومسلم.

([46])   د. إبراهيم الراوي: مقالته أثر العطاس على الدماغ مجلة حضارة الإسلام المجلد 20 العدد 5/6 لعام 1979، وانظر: الهدي النبوي في العطاس والتثاؤب، بقلم الدكتور محمد نزار الدقر.

([47])   البخاري.

([48])   الترمذي.

([49])   د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام .

([50])   د. غياث الأحمد: الطب النبوي في ضوء العلم الحديث .

([51])   فسر الاتكاء بالتربع، وفسر بالاتكاء على الشيء وهو الاعتماد عليه، وفسر بالاتكاء على الجنب.

([52])   الإقعاء هو أن يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر القدم اليمنى.

([53])   مسلم.

([54])   مسلم.

([55])   وهي الشاة التي تربط ويرمي إليها حتى تموت من جثم بالمكان توقف فيه فإذا ماتت بالرمي لم يحل أكلها لأنها موقوفة بخلاف ما لو أخذت فذبحت.

([56])   الترمذي والحاكم.

([57])   انظر: د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام دار القلم دمشق، د. إبراهيم الراوي: أستشارات طبية في ضوء الإسلام و الحضارة العدد 1967، روائع الطب الإسلامي الدكتور محمد نزار الدقر ج (4)

([58])   البخاري في الأدب والترمذي والحاكم.

([59])   ابن ماجة والترمذي.

([60])   البخاري ومسلم.

([61])   ابن ماجة.

([62])   الترمذي.

([63])   النسائي.

([64])   البخاري ومسلم وغيرهما.

([65])   النسائي وابن خزيمه.

([66])   أبو داود.

([67])   أبو داود وابن ماجة.

([68])   البخاري ومسلم.

([69])   أبو داود.

([70])   مسلم.

([71])   البخاري ومسلم.

([72])   الطبراني، قال الحافظ في التلخيص: إسناده جيد.

([73])   استعمال السواك لنظافة الفم وصحته، دراسة سريريه وكيميائية، د. محمود رجائي المصطيهي- د. احمد عبد العزيزالجاسم، د. إبراهيم المهلهل الياسين- د.- أحمد رجائي الجندي، د. لاحسان شكري، الكويت.

([74])   هو من شجرة الأراك واسمها العلمي هو السلفادورا برسيكا، وهي تنمو في مناطق عديدة حول مكة وفي المدينة المنورة وفي اليمن وفي أفريقيا.. وهي شجرة قصيرة، لا يزيد قطر جذعها عن قدم، والجزء المستعمل منها هو لب الجذور، ولاستعماله تجفف ثم يحفظ في مكان بعيد عن الرطوبة وقبل استعماله يدق بواسطة آلة حادة ثم يبدأ في استعماله أو إذا كان جافا يغمس في الماء ثم تسوك به الأسنان ويظل استعماله هكذا حتى إذا ضعفت وتآكلت يوقف استعماله ثم يقطع هذا الجزء ويستعمل جزء آخر وهكذا.

([75])   هم د. محمود رجائي المصطيهي- د. احمد عبد العزيزالجاسم، د. إبراهيم المهلهل الياسين- د.- أحمد رجائي الجندي، د. لاحسان شكري، الكويت انظر البحث السابق.

([76])   تسبح الأسنان دوما في اللعاب وتكسو كل سن سليمة طبقة رقيقة من هذا اللعاب وتلتصق بها فإذا ما اتسخت هذه اللعابية فان الأسنان يعلوها الكلس والأوساخ التي تضم بين جنباتها الجراثيم..

وتتكون هذه- الغلالة في اقل من ساعة، ولا يزداد سمكها عن ميكرون واحد، وحالما تتكون هذه الغلالة تبدأ الجراثيم المتواجدة بالفم في الالتصاق بها، أما إذا لم يتم إزالة هذه المادة الرخوة باستمرار لمدة 24 ساعة، فيتضح بمجرد النظر للأسنان، تواجد رواسب رخوة عند اتصال اللثة بأعناق الأسنان.

وقد أثبت العلماء في تجاربهم وعلى الحيوانات أن ترسب هذه المادة الرخوة لا يتأثر إطلاقا بمرور الطعام من عدمه- في أفواه الحيوانات التي تتغذى بطريقة الأنابيب المعدية. وبذا ثبت أن مضغ الطعام للمواد الليفية لا يمنع تكون هذه الرواسب الرخوة.

ولم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة كيفية التصاق هذه الرواسب الجرثومية على أسطح الأسنان ولكنه ثبت أن هذه الالتصاقات تزداد داخل أفواه الأشخاص غير القادرين على تنظيف أسنانهم باستمرار، وسرعان ما تبدأ الجراثيم الفمية بتكوين مستعمراتها الاستيطانية، وحينئذ يبدأ نهجها الاحتلالي على الأسنان.

وتسمى الجراثيم الملتصقة على أسطح الأسنان « اللويحة السنية » وقد اعتبرها العلماء العامل الأساسي في نخر الأسنان وأمراض اللثة التي تصيب الأنسجة المحيطة بالأسنان.

([77])   مسلم.

([78])   مسلم.

([79])   انظر: الإعجاز العلمى في الإسلام والسنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد، ومجلة الإصلاح العدد 296 سنة 1994 من ندوات جمعية الإعجاز العلمي للقرآن في القاهرة.

([80])   النسائي.

([81])   دسم.

([82])   الترمذي.

([83])   ابن ماجة.

([84])   مسلم.

([85])   مسلم.

([86])   أبو داود.

([87])   البخاري ومسلم.

([88])   البخاري ومسلم.

([89])   الترمذي، وابن خزيمة والحاكم، وصححه.

([90])   أحمد وأبو داود والترمذي.

([91])   ويزيد على هذا الاغتسال من الجنابة ففيه حكم صحية جليلة أخرى، فالدراسات الحديثة حول العلاقة الجنسية بينت أن الجماع، وقذف المني بأي سبب كان يؤدي إلى فتور وارتخاء يعلل طبياً بوهن شديد في الجملة العصبية عند وصول شريكي الجماع إلى اللذة والقذف، بحصول توسع في الأوعية الدموية المحيطة مما يؤدي بصاحبه إلى فقدان قسط كبير من نشاطه العضلي والفكري.

والاغتسال عندها ينبه الشبكات العصبية الحسية لتوقظ الجهاز العصبي من سباته و ليسترجع بذلك حيويته و نشاطه كما ينشط الدوران الدموي و يعيد إليه توازنه.

زيادة على أن اللقاء الجنسي يتسبب في وهن نفسي ورغبة في النوم، وعملية الغسل تفيد بتنشيط الجسم و الروح و يحس بالبهجة و الانشراح.

وتؤكد المصادر العلمية الحديثة أن الجلد أثناء عملية القذف يفرز من خلال مساماته عرقاً ذو تركيز عال بسمومه، و يمكن أن يعود فيمتصها ويتأذى بذلك، و الاغتسال إجراء طبي حاسم لتطهير الجلد ومساماته من هذه السموم، وقد حث الشارع على سرعة التطهر من الحدث الأكبر.

زيادة على أن وجوب الغسل بعد الجماع يقي من خطر الإفراط الجنسي، و الذي يؤدي بصاحبه إلى الانتهاك والمرض. فإن التفكير في الغسل والإعداد له يجبر على الإعتدال في طلب اللقاء الجنسي ويحفظ بذلك قدرته وحيويته لعمر مديد، فقد قدر ما يصرفه الإنسان من عناصر حيوية في كل لقاء جنسي بما يحتويه نصف لتر من الدم، انظر: الطب منبر الإسلام، إعداد و تأليف الدكتور قاسم سويدان.

(1)         البخاري ومسلم.

(2)         البخاري ومسلم.

([94])        البخاري ومسلم.

([95])   مسلم وابن خزيمة في صحيحه.

([96])   الاستحداد هو حلق العانة، وسمي استحداداً لاستعمال الحديد (الموسى أو الشفرة)

([97])   البخاري.

([98])   د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام، دار القلم، دمشق، 1996، د. عادل بربور وزملاؤه: الطب الوقائي في الإسلام، دمشق 1992

([99])   البخاري.

([100])   النسائي وأحمد، ورواه الترمذي.

([101])   البخاري.

([102])   البخاري ومسلم.

([103])   د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام

([104])   هو القطع، وهو تفعيل من القلم، وكلما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قلمته.

([105])   د. يحيى الخواجي ود. أحمد عبد الأخر: المؤتمر العالمي الرابع للطب الإسلامي، الكويت، نوفمبر 1986.

([106])   البخاري ومسلم.

(2)         قبسات من الطب النبوي باختصار، الأربعون العلمية، عبد الحميد محمود طهماز.

(3)         د. محمد علي البار، الختان، دار المنار.

(1) د. حسان شمسي باشا: أسرار الختان تتجلى في الطب والشريعة، ابن النفيس، دمشق.

(2)         البروفسور ويزويل عن مجلة Amer.Famil J. Physician.

(1) مسلم كتاب الحج باب نقض الكعبة وبنائها رقم [401]

([112])   قال النووي:« الختان واجب على الرجال والنساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف، كذا حكاه الخطابي، وممن أوجبه أحمد »، ورى عن الشافعي وجهان آخران، فقال:« وقال مالك وأبو حنيفة: سنة في حق الجميع وحكاه الرافعي وجها لنا، وحكى وجها ثالثا أنه يجب على الرجل وسنة في المرأة، وهذان الوجهان شاذان، والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء»، وقال الإمام أحمد هو واجب فى حق الرجال. وفى النساء عنه روايتان أظهرهما الوجوب.

(3)         هذا النص الكامل لكلام ابن حجر في الحديث:« رواه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه به، والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه، فتارة رواه كذا، وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح، أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير وتارة رواه عن مكحول، عن أبي أيوب أخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل، وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج، أو من الراوي عنه، عبد الواحد بن زياد، وقال البيهقي هو ضعيف منقطع، وقال ابن عبد البر في التمهيد هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطاة، وليس بمن يحتج به. قلت: وله طريق أخرى من غير رواية حجاج، فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا، وضعفه البيهقي في السنن، وقال في المعرفة: لا يصح رفعه، وهو من رواية الوليد، عن ابن ثوبان، عن ابن عجلان، عن عكرمة، عنه، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا، انظر: التلخيص الحبير: 4\153.

(1)         عون المعبود في شرح سنن أبي داوود لشمس الحق العظيم آبادي، 14/124.

(2)         التمهيد: 21/59.

(1) انظر: الإحياء: / 148.

(1) سنن أبى داوود مع شرحها عون المعبود،13/135.

(2) قال ابن حجر: رواه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أسيد، عن عبد الملك بن عمير، ورواه الطبراني وأبو نعيم في المعرفة، والبيهقي من هذا الوجه، عن عبيد الله بن عمرو قال: حدثني رجل من أهل الكوفة، عن عبد الملك بن عمير به، وقال المفضل العلائي: سألت ابن معين عن هذا الحديث فقال: الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهري، قلت: أورده الحاكم، وأبو نعيم في ترجمة الفهري، وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير، فقيل عنه كذا، وقيل: عنه عن عطية القرظي، قال: كانت بالمدينة خافضة يقال لها: أم عطية، فذكره، رواه أبو نعيم في المعرفة، وقيل: عنه، عن أم عطية، رواه أبو داود في السنن، وأعله بمحمد بن حسان، فقال: إنه مجهول ضعيف، وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي، وخالفهم عبد الغني بن سعيد فقال: هو محمد بن سعيد المصلوب، وأورد هذا الحديث من طريقه في ترجمته من إيضاح الشك، وله طريقان آخران، رواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر »

([119])   التلخيص الحبير: 4\154.

(1)  انظر: النحو الوافي لعباس حسن، 1/118- 119.

(2)         نقله عنه: شمس الحق العظيم آبادي في شرحه لسنن أبي داوود، 14/ 126

(2)         نيل الأوطار:1/139.

(2)         فقه السنة: 1/33.

(1) البخاري ومسلم.

([125])   والفائدة الصحية لهذا أن الماء الراكد يعتبر جوا ملائما لنمو الكثير من البكتريا كالكوليرا والسالمونيلا والشيجلا والليبتوسبايرا وغيرها.. زيادة على أن كثيرا من الديدان كالزحار الأميبي والديدان المستديرة والبلهارسيا تحتاج لإكمال دورة حياتها خارج جسم الإنسان، ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الديدان وسرعة تكاثرها وانتشارها.

([126])   البخاري ومسلم.

([127])   ابن ماجه.

([128])   البخاري والترمذي.

([129])   ابن ماجه.

([130])   الترمذي، وقال:حديث حسن صحيح

([131])   انظر: الماء والإصحاح في الإسلام، الدكتور محمد هيثم الخياط، مدير حفظ الصحة وتعزيزها في منظمة الصحة العالمية لشرق البحر المتوسط.

([132])   ابن ماجه.

([133])   ولعل أهمها المبيدات الحشرية، كالـ د. د. ت، والدي إيلدرين والكلوردان، وغيرها مما يستعمل في إبادة الهوام (الآفات) الزراعية.

([134])   أبو داوود.

([135])   الترمذي.

([136])   مسلم وأبو داود.

([137])   الترمذي، وقال: حسن صحيح.

([138])   انظر: كتاب العلم يدعو إلى الإيمان، أ. كريسي مورسون رئيس أكاديمية العلوم في واشنطن.

([139])   الخطيب وابن عساكر والديلمي وغيرهم، قال الخطيب سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث وقيل له كأنه كلام موضوع قال: لا هو صحيح سمعته من غير واحد.

([140])   الترمذي وقال: غريب.

([141])   الطبراني في الأوسط.

([142])   الطبراني في الأوسط.

([143])   أبو داود والترمذي.

([144])   أحمد وأبو داود.

([145])   البخاري ومسلم.

([146])   مسلم.

([147])   أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة، والبيهقي في الشعب والضياء.

([148])   مسلم.

([149])   الطبراني في الكبير.

([150])   أحمد.

([151])   الطبراني في الأوسط والحاكم.

([152])   مسلم.

([153])   أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح.

([154])   أحمد ومسلم.

([155])   البخاري ومسلم.

([156])   انظر: الإعجاز الطبي في السنة النبوية، للدكتور كمال المويل.

([157])   أحمد والترمذي والحاكم.

([158])   البخاري ومسلم.

([159])   مُسلِمٌ.

([160])   الطبراني في الأوسط.

([161])   الطبراني في الكبير.

([162])   ابن ماجه.

([163])   أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود وابن حبان والحاكم.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *