ثانيا ـ بركات

ثانيا ـ بركات

في اليوم الثاني.. جاءني بولس صباحا، وأخبرني أننا مدعوان لوجبة غذاء مفتوحة عند بعض الوجهاء من مسيحيي المنطقة، وأخبرني كيف سيستغل الموقف ليبشر ببركات المسيح، والتي ستجر الحاضرين إلى المسيح، وبعده إلى الكنيسة.

ذهبنا إلى تلك الوجبة التي أقيمت في ساحة عامة، وقد حضرها جمع كبير من فقراء المسلمين.. وقد لمحت من بينهم عبد القادر وعبد الحكيم، وكأنهما علما بالدعوة الموجهة إلينا، وبما عزم بولس أن يقوله ذلك اليوم.

بعد انتهاء الغذاء، وقف أجير بولس، والذي حفظ كل ما يقوله في هذه المواقف، وقال: أيها الجمع المبارك.. لقد شرفنا اليوم رجل تقي من رجال الله بالجلوس معنا، وبالأكل من الطعام الذي أكلنا منه.. ولذلك فإنه من دواعي سرورنا أن يحدثنا ـ في هذه المناسبة ـ عن البركات التي ارتبطت بأعظم المباركين في الأرض، وما فتح عليهم من خزائن البركات.. ليكون ذلك مفتاحا لنا نفتح به أبواب بركات الله.

وقف بولس، وقال: أيها الجمع المبارك، لقد طلب مني هذا الرجل الفاضل أن أحدثكم عن البركات.. وما كان لهذا العبد الضعيف أن يتأخر عن هذا الطلب..

ولذلك أبادر، فأقول لكم: هيا نبحث جميعا عن هذا المبارك العظيم الذي امتلأ بالبركات، وملأ ما حوله بالبركات..

ولنيسر البحث عنه أسألكم: ما تقولون فيمن يشبع أكثر من خمسة آلاف رجلٍ مع من معهم من أطفال ونساء بخمسة خبزات وسمكتين؟

تعجب الجميع، وقال بعضهم لبعض: هل يمكن هذا.. إن هذا لغريب!؟

 بولس: نعم هو غريب.. هو في غاية الغرابة.. ولكنه عند المسيح بسيط غاية البساطة.

 أجير بولس: حدثنا عن قصة ذلك.. كيف حصل ذلك؟

 بولس: لقد نص على هذه الحادثة الكتاب المقدس.. لقد ورد فيه هذا النص الذي يثبت لكم ما ذكرته: (ثم أخذ الأرغفة لخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع، فأكل الجميع وشبعوا، ثم رفعوا ما فضل من الكسر: اثنتي عشرة قفة مملوءة، والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد)(متى:14/19-21)([1]

 أجير بولس: حدثنا عن القصة من مبدئها.

استغل بولس هذا السؤال ليجعل من القصة موعظة يكسب بها جمهور الحاضرين، فقال: في ذلك المساء الذي حصلت فيه تلك المعجزة، تقدم التلاميذ الاثنا عشر إلى المسيح الذي كان يعظ الجموع الكثيرة، وقالوا له: (الموضع خلاء والوقت مضى، اصرف الجموع لكي يمضوا إلى الضياع والقرى حوالينا، فيبيتوا ويبتاعوا لهم طعاما، لأننا ههنا في موضع خلاء، وليس عندهم ما يأكلون)

لقد خاف التلاميذ أن يطالبهم الجمهور بحقوق الضيافة، وحسبوا أن هؤلاء الرجال والنساء والأطفال مع مرضاهم يتضررون إذا دخل الليل عليهم في هذا الخلاء.

وهنا وجه المسيح لفيلبس جوابه على هذا الكلام، وكان في صيغة سؤال عن مكان يوجد فيه طعام، وكأنه يكلف فيلبس بتدبير ما يلزم لهؤلاء الضيوف، سأله المسيح: (من أين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء؟)

لم يقل المسيح ذلك ليستفهم، بل ليمتحن ويعلم، لأنه كان يعلم جيدا ما سيفعل، لكنه أراد أن ينبه تلاميذه إلى عجزهم وضعف إيمانهم، لأن درس التواضع درس أولي يجب أن يتعلموه.

كان فيلبس متنبها إلى صعوبة الأمر من وجوه عديدة، فعمل حسابا بأن الخبز وحده يكلف أكثر من مئتي دينار، فأين الدنانير؟ هل هي عند المسيح الذي ليس له ما يسند رأسه؟.. وفضلا عن ذلك: لو وجدوا الدنانير، فأين الوقت للذهاب إلى قرى عديدة لجمع كمية كهذه، ولو من الخبز وحده والإتيان به، والشمس أوشكت أن تغرب؟.. وفوق هذا كله: أين وسائل النقل لإحضار طعام يكفي الألوف؟ ويلاحظ أيضا أن حصة يسيرة من الخبز الحاف لا تقوم بضيافة يليق أن يقدمها شخص كالمسيح لضيوفه.

بناء على هذا كله أجاب فيلبس المسيح: (لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا)، وظن أن جوابه يقنع، المسيح فيتبع نصيحة الرسل ويصرف الجمع، لكن عجبه اشتد لما أجابه المسيح: (لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا)

لقد قال المسيح ذلك، وهو يعلم أنه ليس لديهم طعام، ليعلمهم أن الذين يقصدون إفادة الآخرين يحتاجون إليه، إذ ليس لديهم ما يطعمون به نفوسا جائعة، وفي الوقت ذاته يشير إلى أن الله يختار الوسائط البشرية ليجري مقاصده في العالم، لأنه لا يوزع خيراته الروحية والزمنية رأسا، أو بواسطة الملائكة إلا نادرا – وذلك عندما لا توجد وسائط بشرية، وهذا القانون هو لخير الذين يقدمون والذين يأخذون معا، إذ تنشأ بذلك ربط المحبة بين المحسن والمحسن إليه، ويتنشط الذي يوزع في ممارسة إنكار الذات وخدمة الآخرين.

لكن التلاميذ اعترضوا على أمر المسيح قائلين: (أنمضي ونبتاع خبزا بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا؟)، فسأل: (كم رغيفا عندكم؟ اذهبوا وانظروا)

لقد نبههم المسيح بهذا الكلام إلى أن العمل الإلهي لا يغني عن العمل البشري المستطاع، ولم يرد أن يوجد خبزا من لا شيء، طالما يوجد شيء، فاستخدم أولا الموجود بين أيديهم ليعلمهم أن لا يطلبوا من الناس عملا يستطيعونه بالوسائط الطبيعية، لأن هذه دبرها لهم الله، فلا حق لهم في غيرها، إلا بعد الفراغ من استعمالها.

فاعتماد الإنسان على غيره في ما يستطيعه يحسب دناءة، وانتظاره أن الله يعمل ما يطلب منه هو يعد كسلا وتواكلا، فمتى عجز العمل الإنساني أو انتهى، يحق طلب العمل الإلهي.

وكان أندراوس تلميذ المسيح الأول قد لاحظ غلاما بين الجمهور معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، فأخبر المسيح عنه مع التحفظ قائلا: (لكن ما هذا لمثل هؤلاء؟)

ولم يقل المسيح بعد أن سمع بوجود هذا القليل: (اتركوه لأنه لا يستحق الذكر)، ولا قال: (قدموها للجمع)، بل قال: (إيتوني بها إلى هنا) ليعلمهم أنه هو مصدر الخير والبركة، هو الملك وصاحب الحق.. وكل ما عندنا هو له، يتصرف فيه كما يشاء دون معارض.

ولما كان الترتيب من أبواب الرقي في الدين والدنيا، فلا نعجب من اهتمام المسيح به، فأمر أن يجعلوا الناس يتكئون فرقا خمسين خمسين على العشب الأخضر، فلو توزع الطعام على هذه الألوف دون ترتيب، لداس بعضهم بعضا، وتغلب القوي على الضعيف. وأخذ البعض كثيرا والبعض لم يأخذوا شيئا، لكن بواسطة الترتيب يتم التوزيع بسرعة ولياقة وإنصاف، ويرى كل مفكر في أمور الطبيعة، اهتمام الخالق بأمر الترتيب.

وبعد أن شكر المسيح بارك وكسر الأرغفة والسمكتين، ثم ناول الكسر التي باركها للرسل ليقدموها للمصطفين فرقا على البساط الأخضر، وفي هذا العمل علمهم أن يطعموا غيرهم أولا، ثم يأكلوا هم بعدهم، كما يجدر بالمؤمنين الأفاضل.

وفي أثناء التوزيع على هذا العدد الغفير حدثت معجزة الإكثار، فقد قسم السمكتين على الجميع بقدر ما شاءوا فأكلوا وشبعوا جميعا، وليس ذلك فقط بل إن القطع التي لم تؤكل كانت أضعاف الموجود أصلا.

بهذه المعجزة المؤثرة الغنية بالفوائد، علم المسيح أتباعه أنه مستعد أن يأخذ خدمتهم الدينية الضعيفة، وكلامهم البسيط، ويضع فيها قوة وتأثيرا ليزيد فعلهما أضعاف فعلهما الطبيعي، لأنه يأخذ ما يقدم له ويزيده، ثم يعيده لمقدمه زائدا.

بعد أن أطعم المسيح الجموع هتفوا له، وأرادوا أن يملكوه عليهم، وكان رد فعله الأول هو أنه فصل تلاميذه عن الجمهور المتحمس لهذا العمل، وألزمهم أن يدخلوا السفينة، ويسبقوه إلى العبر، حتى يكون قد صرف الجموع.

لم يسهل عليهم ترك سيدهم أثناء نجاحه الباهر، وانتشار صيته، خصوصا بعد أن ظهر لهم أن باب العظمة العالمية، والثروة الزمنية، قد فتح أمامهم، وإن كان المسيح قد صرفهم بشيء من العنف، لأنهم رفضوا فكره، نراه يتبع العنف باللطف، لأن البشير يذكر صريحا أنه ودعهم. ومع أنه سيفترق عنهم ساعات قليلة فإنه يودعهم وداعا حبيا يحقق لهم به عواطفه الحارة نحوهم.

وكان رد فعل المسيح الثاني أنه صرف الجمهور.

وكانت خطوته الثالثة انصرافه هو، وصعوده منفردا إلى الجبل ليصلي، وما أكثر المرات التي كان فيها يختلي للصلاة.

ليس هذا فقط ما روي من بركات المسيح..

لقد ورد في محل آخر من الكتاب المقدس أنه قام بإطعام أربعة آلاف وثني.. اسمعوا ما جاء في الكتاب المقدس.

فتح الكتاب المقدس وراح يقرأ: (في تلك الأيام إذ كان الجمع كثيرا جدا، ولم يكن لهم ما يأكلون، دعا يسوع تلاميذه وقال لهم: (إني أشفق على الجمع، لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي، وليس لهم ما يأكلون، وإن صرفتهم إلى بيوتهم صائمين يخورون في الطريق، لأن قوما منهم جاءوا من بعيد). فأجابه تلاميذه: (من أين يستطيع أحد أن يشبع هٰؤلاء خبزا هنا في البرية؟) فسألهم: (كم عندكم من الخبز؟) فقالوا: (سبعة). فأمر الجمع أن يتكئوا على الأرض، وأخذ السبع خبزات وشكر وكسر وأعطى تلاميذه ليقدموا، فقدموا إلى الجمع. وكان معهم قليل من صغار السمك، فبارك وقال أن يقدموا هٰذه أيضا. فأكلوا وشبعوا، ثم رفعوا فضلات الكسر: سبعة سلال. وكان الآكلون نحو أربعة آلاف. ثم صرفهم) (مرقس 8: 1-9).

أغلق الكتاب المقدس، وقال: لقد أجرى المسيح معجزة إشباع خمسة آلاف نفس في الجليل، وأجرى معجزة إشباع أربعة آلاف نفس في دائرة ديكابوليس، أي (المدن العشر)، وهي من البلاد الوثنية.

لقد اجتمع الناس هناك من حول المسيح في البرية، وطال اجتماعهم به ثلاثة أيام حتى نفد الزاد، لأن قوما جاءوا من بعيد، فحمله إشفاقه على تكرار إشباع الجمهور بمعجزة.

وإشفاق المسيح هذا يرافق كل فرد من البشر من مهده إلى لحده. كان كلامه الحنون: (لست أريد أن أصرفهم إلى بيوتهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق) لا يسعنا إلا أن نستغرب تكرار التلاميذ اعتذارهم بالعجز في صيف ذات السنة التي في ربيعها أشبع المسيح جمعا أكثر بشيء زهيد من الطعام، غير أن المسيح بكتهم بعد قليل على نسيان المعجزتين معا وعدم استفادتهم منهما، فالشكوك الحاضرة تولد نسيان المراحم الماضية.

ازداد استغراب الجمهور الحاضر، فقال أجير بولس: إن هذه عجائب عظيمة تدل على أن الذي فعلها لا يقل عن الرب في قدراته وتصرفاته وبركاته.

سر بولس لهذا الكلام، وقال: صدقت.. ففي المعجزة الأولى التي حول المسيح فيها من الرغيف الواحد طعاما يشبع أكثر من ألف رجل غير النساء والأطفال، بل وفضل عنه حوالي قفتين ونصف، كما حول من أقل نصف سمكة صغيرة إلى سمك كثير أشبع أكثر من ألف شخص.

وفي المعجزة الثانية فعل تقريبا نفس ما فعله في الأولى.

إن هذا كله يعني أن ما حدث علي يديه هو عملية خلق، خلق من الرغيف الواحد كما كبيرا من الأرغفة، وخلق من أقل من نصف سمكة صغيرة كمية كبيرة من السمك.

قال ذلك، ثم توجه للحاضرين قائلا: هل يمكن أن يكون الذي فعل هذا مجرد إنسان!؟

سكت الجميع، فقال بولس: لا.. إن الذي فعل هذا لا يمكن إلا أن يكون إلها، أو أقنوما من إله([2])!؟

هنا قام عبد الحكيم، وقال: بناء على قولك هذا.. فإنه ليس المسيح وحده من نال هذه المرتبة العظيمة.. فاستحق أن يصير إلها، أو أقنوما من إله.

 أجير بولس: لا.. ليس هناك غير المسيح.

 عبد الحكيم: لقد ذكر الكتاب المقدس تكثير الطعام ومباركته عن غير المسيح، فقد ذكر عن إيلياء تكثير الدقيق والزيت في بيت امرأة أرملة.. كما جاء في الكتاب المقدس.

فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ: (وقال إيليا التشبي من أهل جلعاد لأخآب: (حي هو الرب إله إسرائيل الذي أخدمه، إنه لن يهطل ندى ولا مطر في هذه السنين، إلا حين أعلن ذلك)، وأمر الرب إيليا: (امض من هنا واتجه نحو المشرق، واختبىء عند نهر كريث المقابل لنهر الأردن، فتشرب من مياهه وتقتات مما تحضره لك الغربان التي أمرتها أن تعولك هناك)، فانطلق ونفذ أمر الرب، وأقام عند نهر كريث مقابل نهر الأردن، فكانت الغربان تحضر إليه الخبز واللحم صباحا ومساء، وكان يشرب من ماء النهر. وما لبث أن جف النهر بعد زمن، لأنه لم يهطل مطر على الأرض.

فخاطب الرب إيليا: (قم وتوجه إلى صرفة التابعة لصيدون، وامكث هناك، فقد أمرت هناك أرملة أن تتكفل بإعالتك) فذهب إلى صرفة. وعندما وصل إلى بوابة المدينة شاهد امرأة تجمع حطبا، فقال لها: (هاتي لي بعض الماء في إناء لأشرب). وفيما هي ذاهبة لتحضره ناداها ثانية وقال: (هاتي لي كسرة خبز معك)، فأجابته: (حي هو الرب إلهك إنه ليس لدي كعكة، إنما حفنة دقيق في الجرة، وقليل من الزيت في قارورة. وها أنا أجمع بعض عيدان الحطب لآخذها وأعد لي ولابني طعاما نأكله ثم نموت)، فقال لها إيليا: (لا تخافي. امضي واصنعي كما قلت، ولكن أعدي لي منه كعكة صغيرة أولا وأحضريها لي، ثم اعملي لك ولابنك أخيرا، لأن هذا ما يقوله الرب إله إسرائيل: إن جرة الدقيق لن تفرغ، وقارورة الزيت لن تنقص، إلى اليوم الذي يرسل فيه الرب مطرا على وجه الأرض)، فراحت إلى منزلها ونفذت كلام إيليا، فتوافر لها طعام لتأكل هي وابنها وإيليا لمدة طويلة. جرة الدقيق لم تفرغ، وقارورة الزيت لم تنقص، تماما كما قال الرب على لسان إيليا) (الملوك الأول:17/1-16)

فهل تعتبرون إليا أيضا إلها.. أو تعتبرونه أقنوما من إله؟

سكت بولس، فقال عبد الحكيم: ليس إيليا وحده من فعل هذا.. لقد ورد في الكتاب المقدس أن اليشع ـ أيضا ـ فعل هذا.

فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ من (سفر الملوك الثاني: 4 / 1 – 7): (واستغاثت إحدى نساء بني الأنبياء بأليشع قائلة: (عبدك زوجي توفي، وأنت تعلم أنه كان يتقي الرب، وقد أقبل مدينه المرابي ليسترق ولدي (لقاء ديونه)). فسألها أليشع: ماذا يمكن أن أصنع لك؟ أخبريني ماذا عندك في البيت؟) فقالت: (لا أملك في البيت شيئا سوى قليل من الزيت). فقال لها أليشع: (اذهبي استعيري أواني فارغة من عند جميع جيرانك وأكثري منها. ثم ادخلي بيتك وأغلقي الباب على نفسك وعلى بنيك، وصبي زيتا في جميع هذه الأواني، وانقلي ما يمتليء منها إلى جانب). فمضت من عنده وأغلقت الباب على نفسها وعلى أبنائها، الذين راحوا يحضرون لها الأواني الفارغة فتصب فيها. وحين امتلأت جميع الأواني قالت لابنها: (هات إناء آخر). فأجابها: (لم يبق هناك إناء). عندئذ توقف تدفق الزيت. فجاءت إلى رجل الله وأخبرته. فقال لها: (اذهبي وبيعي الزيت وأوفي دينك، وعيشي أنت وأبناؤك بما يتبقى من مال).

فأنتم ترون أن أليشع صنع معجزة تكثير الزيت، بل إن أليشع لم يرفع نظره نحو السماء كما فعل المسيح، ولا بارك ولا شكر الله كما فعل المسيح، ومع ذلك لم يقل أحد أن في أليشع طبيعة لاهوتية مع أن هذه الأعجوبة أبلغ مما وقع للمسيح.

هنا نطق أجير بولس، كعادته في إفساد خطط بولس من غير أن يقصد: نعم.. لقد روي عن هذين النبيين هذه البركات.. ولكن نبيكم الذي تزعمون كونه نبيا خلت سيرته من أي بركة.. حتى أنه كما تروون كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، وكانت الأهلة تمر وتمر، ولا يوقد في بيته نار.

نظر عبد القادر إليه بابتسامة، وقال: لكأني بك تريد أن تستفزني لأحدثك عن بركات النبوة المرتبطة بهذا الجانب.

قال الأجير: وهل هناك شيء مرتبط بهذا الجانب حتى تحدثني عنه؟

ود بولس في تلك اللحظة لو يلقم أجيره حجرا يسكته به، ولكن وقاره وسمته منعه من ذلك، كما كان يمنعه كل مرة.

فقال عبد القادر: نعم.. لقد روي ذلك مرات كثيرة.. وسأذكر لك بعض ذلك ما دمت مصرا على أن أذكره.

قال بعض الجمع: كلنا نحب أن نسمع ذلك.. لقد سمعنا بركات المسيح.. وبركات الأنبياء، فحدثنا عن بركات محمد.

 عبد القادر: ما دمتم قد طلبتم ذلك، فسأحدثكم عن خمس نواح من البركات ارتبطت به صلى الله عليه وآله وسلم.

أما الأولى، فبركاته صلى الله عليه وآله وسلم على كل من صاحبه، أو لقيه، أو عاش معه.

وأما الثانية، فبركاته صلى الله عليه وآله وسلم على كل من لمسه.

وأما الثالثة، فبركاته صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الولائم التي أقامها هو أو أقامها أصحابه.

وأما الرابعة، فبركاته صلى الله عليه وآله وسلم على بعض الأطعمة.

وأما الخامسة، فبركاته صلى الله عليه وآله وسلم في المياه.

وكل هذا بعض بركاته صلى الله عليه وآله وسلم المرتبطة بما نحن فيه.. أما بركاته المرتبطة بالجوانب الأخرى، فلا عد لها ولا حصر.

الصحبة المباركة

قال رجل من الجمع: فابدأ حديثك البركات التي تنزلت على من صاحب محمد، أو لقيه، أو عاش معه.

بركاته على أهل بيته:

 عبد القادر: لقد كان أعظم من تشرف ببركاته صلى الله عليه وآله وسلم من عاش صلى الله عليه وآله وسلم في كفالتهم، أو عاشوا في كفالته، وسأحدثكم عن بعض ما روي من ذلك..

أول ما ظهر من بركاته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب ـ على حسب ما ذكرت الروايات الكثيرة التي لا تقل عن الروايات التي نقل بها الكتاب المقدس ـ هو ما ذكرته مرضعته حليمة السعدية.

والتي نقل عنها الرواة ذكرها لخبرها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبركاته عليها وعلى أهلها، فقد ذكرت أنها خرجت من بلدها مع زوجها، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء قالت: وذلك في سنة شهباء، لم تبق لنا شيئا.

فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغديه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.

فخرجت على أتاني تلك، فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك.

فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم، فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.

قالت فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره.

وهنا بدأ حليمة تستشعر بركات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك.. وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك.

قالت: ثم خرجنا وركبت أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها أبي ذؤيب، حتى قال الذين معي: ويحك أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها لشأنا.

قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا.

فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا.

قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت بني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وبأ مكة، قالت فلم نزل بها حتى ردته معنا([3]).

قال رجل من الجمع: لقد بقي محمد مدة في كفالة عمه أبي طالب، فهل ظهرت بعض بركاته عليه.

 عبد القادر: أجل.. لقد رويت في ذلك روايات كثيرة.

فعن ابن عباس وغيره قالوا: لما توفي عبد المطلب كفل أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يكون معه، وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، وصب به صبابة لم يصب مثلها قط، وكان يخصه بالطعام، وكان عيال أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شبعوا.

وكان أبو طالب إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم، يقول: كما أنتم حتى يحضر ابني،
فيأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيأكل معهم، فيفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعهم، وإن كان لبنا شرب أولهم، ثم يتناول العيال القعب، فيشربون منه، فيروون عن آخرهم من القعب الواحد، وإن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.

وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا، ويصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دهينا كحيلا([4]).

وفي حديث آخر عن ابن عباس قال: كان أبو طالب يقرب للصبيان تصبيحهم، فيضعون أيديهم، فينتهبون، ويكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده، فلما رأى ذلك أبو طالب عزل له طعامه.

وقد ذكرت حاضنته أم أيمن سيرته في طعامه، فقالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شكا جوعا ولا عطشا لا في كبره ولا في صغره، وكان يغدو إذ أصبح، فيشرب من ماء زمزم شربة، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول: أنا شبعان([5]).

ومن بركاته على عمه أبي طالب ما ورد من استسقائه به، فعن جلهمة بن عرفطة، قال: قدمت مكة وقريش في قحط، فقائل منهم يقول: اعتمدوا واللات والعزى، وقائل منهم يقول: اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى، فقال شيخ وسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون، وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل، قالوا: كأنك عنيت أبا طالب؟ قال: إيها.

فقاموا بأجمعهم، وقمت معهم، فدققناه عليه بابه، فخرج إلينا رجل حسن الوجه، عليه إزار قد اتشح به، فثاروا إليه، فقالوا: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق لنا.

فخرج أبو طالب، ومعه غلام كأنه شمس دجنة، تجلت عليه سحابة قتماء، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا أغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي.

وفي ذلك يقول أبو طالب:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل

ومن البركات المرتبطة بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمه أبي طالب ما حدث به عمرو بن سعيد من أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخي ـ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فأدركني العطش، فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخي قد عطشت.

وما قلت له ذلك، وأنا أرى عنده شيئا إلا الجزع قال: فثنى وركه، ثم قال: يا عم عطشت؟ قلت: نعم.

فأهوى بعقبه إلى الأرض، فإذا أنا بالماء، فقال: اشرب، فشربت([6]).

سكت عبد القادر قليلا، ثم قال: ومن بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على أهل بيته، ما روي في الحديث عن جابر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة، فقال: (يا بنية، هل عندك شئ آكله، فإني جائع) فقالت: لا والله.

فلما خرج من عندها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها، فوضعته في جفنة لها وغطت عليها، وقالت: والله، لاوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسي ومن عندي، فكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجع إليها فقالت له: قد أتى الله بشئ فخبأته لك، قال: (هلمي يا بنية)

فشكفت عن الجفنة، فإذا هي مملؤة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله عز وجل، فحمدت الله عز وجل وصلت على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه حمد الله عز وجل، وقال: (من أين لك هذا يا بنية؟) قالت: يا أبت، هذا من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: (الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله عز وجل شيئا فسئلت عنه قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب،) فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي، ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته حتى شبعوا وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله عز وجل فيها بركة وخيرا كثيرا ([7]).

ومما يروى في هذا ما حدث به علي قال: نمنا ليلة بغير عشاء فأصبحت فالتمست فأصبت ما أشتري به طعاما ولحما بدرهم، ثم أتيت به فاطمة فخبزت وطبخت، فلما فرغت، قالت: لو أتيت أبي، فدعوته، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: (أعوذ بالله من الجوع ضجيعا)، فقلت: يا رسول الله، عندنا طعام فهلم، فجاءوا والقدر تفور، فقال: (اغرفي لعائشة في صحفة) حتى غرفت لجميع نسائه، ثم قال: (اغرفي لأبيك وزوجك)، فغرفت، فقال: (اغرفي فكلي،)، فغرفت ثم رفعت القدر، وإنها لتفيض فأكلنا منها ما شاء الله عز وجل([8]).

بركاته على أصحابه:

 عبد القادر: بالإضافة إلى أهل بيته، فقد نال الكثير من بركاته ـ المرتبطة بهذا الباب ـ كل من لقيه صلى الله عليه وآله وسلم أو صاحبه من النساء والرجال.

وسأحدثكم عن بعض ما وردت به الأسانيد من ذلك:

فممن نالتهم بركات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الجانب جابر بن عبد الله، فقد حدث عن بعض بركاته صلى الله عليه وآله وسلم عليه، فذكر أن أباه توفي، وترك عليه ثلاثين وسقا([9]) لرجل من اليهود، فاستنظره جابر([10])، فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليشفع إليه، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له، فأبى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمشى فيها، ثم قال: يا جابر، جد له([11])، فأوفه الذي له فجد بعدما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا([12]).

وقد ذكر هذا الصحابي بركة أخرى حصلت لجمله ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ذكر أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه([13])، فقال: فلحقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فضربه ودعا له، فسار سيرا لم يسر مثله، ثم قال: (بعنيه بأوقية)، قلت: لا قال: (بعنيه بأوقيتين) فبعته، واشترطت حملانه([14]) إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على أثري، وقال: (أترى أني ماكستك([15]) لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك وهما لك)([16])

وقريب من هذا الحديث ما حدث به أنس بن مالك، قال: فزع الناس، فركب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرسا لأبي طلحة بطيئا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: (لن تراعوا إنه لبحر)، قال: فوالله ما سبق بعد ذلك اليوم([17]).

ومن تلك البركات ما حصل لخباب بن الأرت فعن ابنة خباب بن الارث قالت: خرج خباب في سرية، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعاهدنا حتى كان يحلب عنزا لنا، فكان يحلبها في جفنة لنا فتمتلئ فلما قدم خباب حلبها، فعاد حلابها كما كان، فقالت أمي: أفسدت علينا شاتنا، قال: وما ذاك؟ قالت: إن كانت لتحلب مل ء هذه الجفنة، قال: ومن كان يحلبها؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: وقد عدلتيني به؟ هو والله أعظم بركة ([18]).

ومن تلك البركات ما حصل لنوفل بن الحارث فقد روي عنه أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناه عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه، قال: فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه، كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (لو لم تكله لأكلت منه ما عشت)([19])

ومن تلك البركات ما حصل لحمزة الأسلمي فقد روي عنه أنه قال: عملت طعاما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذهبت به، فتحرك به النحي فأهريق ما فيه، فقلت: على يدي أهريق طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ادنه) فقلت: يا رسول الله لا أستطيع، فرجعت مكاني، فإذا النحي يقول قب قب، فقلت: مه قد أهريق فضلة فضلت فيه، فاجتذبته، فإذا هو قد ملي إلى يديه، فأوكيته، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك، فقال: (أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه، ثم أوكى)([20])

وفي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو تركته لسال واديا سمنا)([21])

ومن تلك البركات ما حصل لمسعود بن خالد فقد روي عنه أنه قال: بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاة، ثم ذهبت في حاجة، فرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطرها، فرجعت، فإذا لحم، فقلت: يا أم خناس ما هذا اللحم؟ قالت: رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشاة التي بعثت بها إليه شطرها، قلت: مالك لا تطعمينه عيالك، قالت: هذا سؤرهم، وكلهم قد أطعمت، وكانوا يذبحون الشاتين والثلاثة فلا تجزئهم([22]).

ومن تلك البركات ما حصل لخالد بن عبد العزى فقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجزره شاة، وكان عيال خالد كثيرا يذبح الشاة، فلا يبد عياله عظما عظما، وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل منها، ثم قال: (أرني دلوك يا أبا حباش)، فوضع فيه فضلة الشاة، ثم قال: (اللهم بارك لأبي حباش)، فانقلب به، فنثره لهم، وقال: (تواسوا فيه)، فأكل منه عياله وأفضلوا([23]).

ومن تلك البركات ما حصل لعبد الله بن طهفة فقد روي عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اجتمع الضيفان قال: (لينقلب كل رجل مع جليسه)، فكنت أنا ممن انقلب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا عائشة، هل من شئ) قالت: حويسة كنت أعددتها لافطارك، فأتي بها في قعبة فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ثم قدمها إلينا ثم قال: (بسم الله كلوا) فأكلنا منها حتى والله ما ننظر إليها، ثم قال: (هل من شراب؟) فقالت لبينة: أعددتها لافطارك، فجاءت بها فشرب منها شيئا، ثم قال: (باسم الله اشربوا)، فشربنا حتى والله ما ننظر إليها([24]).

ومن تلك البركات ما حصل لرجل أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير فما زال يأكل منه هو وامرأته ومن ضيفهما حتى كالوه فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم تكله لاكلتم منه ولقام لكم)([25])

ومن تلك البركات ما حصل لأم سليم فقد حدثت عن ذلك، فقالت: كانت لنا شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأتها العكة، وبعثت بها مع الجارية فقالت: أبلغي هذه العكة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم، قال: (فرغوا لها عكتها) ففرغت العكة فدفعت إليها فانطلقت وجاءت أم سليم، فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم: أليس قد أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلقت أم سليم، فقالت: يا رسول الله إني بعثت إليك بعكة سمن قال: (قد فعلت جاءت بها)، قالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي)، فجاءت إلى البيت، ففتت لنا كذا وكذا وتركت فيها ما ائتدمنا شهرا أو شهرين([26]).

اللمسات المباركة

قال رجل من الجمع: لقد حدثتنا عن الصحبة المباركة، فحدثنا عن اللمسات المباركة.

 عبد القادر: لقد كانت البركات تتبع كل ما مسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما كانت تتبع كل من لقيه، وسأحدثكم عن بعض أحاديث تلك البركات:

فمن الذين أصابتهم لمساته صلى الله عليه وآله وسلم المباركة ما حدث به أبو الطفيل من أن رجلا ولد له غلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى به، فدعا له بالبركة، وأخذ بجبهته، فنبت شعره في جبهته كأنها هلبة فرس، فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أجابهم فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه، فسقطت تلك الشعرة، فشق عليه سقوطها، فقيل له: هذا مما هممت به، ألم تر بركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقعت، فلم نزل به حتى تاب، فرد الله تعالى عليه الشعرة بعد في وجهه، قال أبو الفضل: فرأيتها بعد ما نبتت قد سقطت، ثم رأيتها قد نبتت([27]).

ومن ذلك ما حدث به أبو عطية البكري، قال: انطلق بي أهلي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا شاب، فمسح رأسي، قال الراوي: فرأيت أبا عطية أسود الرأس واللحية، وكانت قد أتت عليه مائة سنة([28]).

ومن ذلك ما حدث به عبد الله بن هلال الأنصاري، قال: ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله له فما أنسى وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على رأسي حتى وجدت بردها فدعا لي، وبارك علي، فرأيته أبيض الرأس واللحية ما يستطيع أن يفرق رأسه من الكبر، وكان يصوم النهار ويقوم الليل([29]).

ومن ذلك ما حدث به عمرو بن ثعلبة الجهني قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسالة، فأسلمت، فمسح رأسي، قال الراوي: فأتت على عمرو مائة سنة، وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رأسه([30]).

وقد حدث الرواة ([31]) أن وسط رأس السائب كان أسود، وبقيته أبيض، وحدثوا عن عطاء مولى السائب بن يزيد قال: رأيت السائب لحيته بيضاء، ورأسه أسود، فقلت: يا مولاي، ما لرأسك لا تبيض؟ فقال: لا تبيض رأسي أبدا!، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مضى وأنا غلام ألعب مع الغلمان، فسلم عليهم وأنا فيهم، فرددت عليه السلام، من بين الغلمان، فدعاني، فقال: (ما اسمك؟) فقلت: السائب بن يزيد بن أخت النمر فوضع يده على رأسي، وقال: (بارك الله فيك)، فلا يبيض موضع يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن ذلك ما حدث به محمد بن أنس الظفري قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وأنا ابن اسبوعين، فأتي بي فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة وحج حجة الوداع، وأنا ابن عشرين سنة.

قال يونس: ولقد عمر أبي حتى شاب كل شئ منه، وما شاب موضع يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رأسه، ولا من لحيته([32]).

ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح رأس عبادة بن سعد بن عثمان الزرقي، ودعا له، فمات وهو ابن ثمانين سنة، وما شاب.

ومن ذلك ما حدث به بشير بن عقربة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح رأسه، فكان أثر يده من رأسه أسود، وسائره أبيض([33]).

ومن ذلك ما حدث به أبو زيد الانصاري قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده على رأسي وقال: (اللهم جمله وأدم جماله) قال: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات([34]).

ومن ذلك ما حدث به أنس أن يهوديا أخذ من لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (اللهم جمله)، فاسودت لحيته بعدما كانت بيضاء([35]).

ومن ذلك ما حدث به قتادة، قال: حلب يهودي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ناقة، فقال: (اللهم جمله)، فاسود شعره، حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا، قال معمر: وسمعت قتادة يذكر أنه عاش تسعين سنة فلم يشب([36]).

ومن ذلك ما حدث به حنظلة بن جذيم بن حنيفة التميمي أن أباه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، ان لي بنين ذوي لحى، وإن هذا أصغرهم، فادع الله له، فمسح رأسه، وقال: (بارك الله فيك) أو قال: (بورك فيك)، قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالانسان الوارم وجهه فيتفل على يديه ويقول: باسم الله، ويضع يده على رأسه موضع كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يمسح موضع الورم، فيذهب الورم([37]).

ومن ذلك ما حدث به بشر بن معاوية بن ثور أنه وفد من بني البكاء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة نفر، معاوية بن ثور، وابنه بشر، والفجيع بن عبد الله، ومعهم عبد عمرو البكائي، فقال معاوية: يا رسول الله، اني أتبرك بمسك، فامسح وجه ابني بشر، فمسح وجهه، ودعا له، فكانت في وجهه مسحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالغرة، وكان لا يمسح شيئا الا برأ وأعطاه أعنزا عفرا، قال الجعد: فالسنة ربما أصابت بني البكاء ولا تصيبهم([38]).

وقد قال يذكر ذلك محمد بن بشر بن معاوية، ويفخر به:

وأبي الذي مسح الرسول برأسه ودعا له بالخير والبركات

أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزا عفرا  نواجل ليس باللجبات

يملأن وفد الحي كل عشية  ويعود ذاك الملء بالغدوات

بورك في منح وبورك مانحا  وعليه مني ما حييت صلاتي

ومن ذلك ما حدث به أبو وجزة السعدي قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر منهم سواء بن الحارث، وابنه خزيمة، فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه خزيمة، فصارت له غرة بيضاء([39]).

ومن ذلك ما حدث به خزيمة بن عاصم البكائي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجهه فما زال جديدا حتى مات([40]).

ومن ذلك ما حدث به أبو العلاء بن عمير قال: كنت عند قتادة بن ملحان حيث حضر، فمر رجل من أقصى الدار، فأبصرته في وجه قتادة، قال: وكنت إذا رأيته كأن على وجهه الدهان، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح وجهه([41]).

ومن ذلك ما حدث به عائذ بن عمرو قال: أصابتني رمية – وأنا أقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر، فلما سالت الدماء على وجهي وجبيني وصدري، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده، فسلت الدم عن وجهي وصدري الى ثندوتي ثم دعا لي.

قال حشرج: فكان عائذ يخبرنا بذلك حياته، فلما هلك وغسلناه نظرنا الى ما كان يصف لنا من أثر يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي مسها ما كان يقول لنا من صدره، فإذا غرة سائلة كغرة الفرس([42]).

ومن ذلك ما حدث به أبو العلاء قال: عدت قتادة بن ملحان في مرضه، فمر رجل في مؤخرة الدار، فرأيته في وجه قتادة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح وجهه، وكنت قلما رأيته الا رأيت كأن على وجهه الدهان([43]).

ومن ذلك ما حدث به المدائني عن خاله أن أسيد بن أبي اياس مسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجهه وألقى يده على صدره فكان أسيد يدخل البيت المظلم فيضئ.

ومن ذلك ما حدث به وائل بن حجر قال: كنت أصافح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو يمس جلدي جلدة فأعرف في يدي بعد ثالثة أصيب من ريح المسك ([44]).

ومن ذلك ما ورد من آثار يده الشريفة في إدرار اللبن في المواشي التي يحلبها، وقد رويت في ذلك روايات كثيرة:

منها أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة، مر في هجرته ببعض الناس، وكان منهم عبد كان يرعى غنما، فاستسقاه اللبن، فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ههنا عناقا([45]) حملت أول الشتاء، وقد أخرجت وما بقي لها لبن، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ادع بها)، فجاء بها الرجل، فمسح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرعها، ودعا حتى أنزلت ([46]).

ومن ذلك بركة يده صلى الله عليه وآله وسلم في شاة أبي قرصافة، فعنه قال: كان بدء اسلامي أني كنت يتيما بين أمي وخالتي، وكان أكثر ميلي لخالتي، وكنت أرعى شويهات لي، وكانت خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بني، لا تمر على هذا الرجل، فيغويك ويضلك، فكنت أخرج حتى آتي المرعى، وأترك شويهاتي وآتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا أزال أسمع منه ثم أروح غنمي ضمرا يابسات الضروع، فقالت لي خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت: لا أدري، ثم عدت إليه اليوم الثاني، ففعل كما فعل اليوم الاول، ثم إني رحت بغنمي كما رحت في اليوم الاول، ثم عدت إليه في اليوم الثالث، فلم أزل عنده أسمع منه حتى أسلمت وبايعته وصافحته، وشكوت إليه أمر خالتي، وأمر غنمي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (جئني بالشياه)، فجئته بهن، فمسح ظهورهن وضروعهن ودعا فيهن بالبركة، فامتلات لحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بني هكذا فارع، قلت: يا خالة، ما رعيت الا حيث أرعى كل يوم، ولكن أخبرك بقصتي، وأخبرتها بالقصة، وإتياني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرتها بسيرته وبكلامه، فقالت أمي وخالتي: اذهب بنا إليه، فذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمنا، وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصافحهن([47]).

ومثلما رويت الآثار في بركات يده صلى الله عليه وآله وسلم، رويت الآثار في بركات ريقه الشريف:

ومن ذلك ما حدث به أبو عقيل الديلي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فآمنت به، وصدقت وسقاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – شربة سويق، شرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولها، وشربت آخرها، فما زلت أجد بلتها على فؤادي إذا ظمئت، وبردها إذا أضحيت([48]).

وفي حديث آخر عن حنش بن عقيل، قال: دعاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى الاسلام، فأسلمت، فسقاني فضلة سويق، فما زلت أجد ريها إذا عطشت، وشبعتها إذا جعت([49]).

ومما يروى في هذا ما حدث به جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيهم أبو أسيد وأبو حميد وأبو سهل بن سعد ـ فقالوا: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، ورده في البئر، ومج مرة أخرى في الدلو، وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في عهده يقول: (اغسلوه من ماء بضاعة)، فيغسل، فكأنما حل من عقال([50]).

ومن ذلك ما يروى عن حنظلة بن قيس أن عبد الله بن عامر بن كريز أتي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتفل عليه وعوده، فجعل يتسرع ريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إنه ليشفى)، وكان لا يعالج أرضا الا ظهر له فيها الماء([51]).

ومن ذلك ما روي عن ثابت بن قيس بن شماس أنه فارق جميلة بنت عبد الله بن أبي، وهي حامل بمحمد، فلما ولدته حلفت لا تلبنه من لبنها، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبزق في فيه، وحنكه بتمرة عجوة، وسماه محمدا، وقال: اختلف به، فان الله رازقه، فأتيته في اليوم الأول والثاني والثالث، فإذا أنا بامرأة من العرب، تسأل عن ثابت بن قيس بن شماس، فقلت: ما تريدين منه؟ فقالت: رأيت أني أرضع ابنا له، يقال له: محمد، قال: فأنا ثابت، وهذا ابني محمد، قال: وإذا درعها ينعصر من لبنها([52]).

ومن ذلك ما روي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصق على أثر سهم في وجهه في يوم ذي قرد، قال: فما ضرب علي قط ولا قاح([53]).

ومن ذلك ما روي عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تفل على رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف ـ أي العلب ـ حين قتل ابن الاشرف فبرأت([54]).

ومن ذلك ما حدث به جرهد عن نفسه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يديه طعام، فأدنى (جرهد) يده الشمال وكانت يده اليمنى مصابة، فنفث عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما شكا حتى مات([55]).

ومن ذلك ما روي عن وائل بن حجر قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدلوا من ماء زمزم، فشرب، ثم توضأ، ثم مجه في الدلو مسكا، أو أطيب من المسك، واستنثر خارجا من الدلو([56]).

***

 قال رجل من الجمع: فكيف لم يعرف الناس قيمة لمساته المباركة وريقه المبارك مع كثرة هذه الروايات؟

 عبد القادر: أما أعداؤه، فقد طمس الله على قلوبهم بحسدهم وكبرهم، فمنعوا من بركات الدنيا، كما منعوا قبلها من بركات الآخرة.

وأما أصحابه المنتجبون، فقد كانوا أكثر الناس التماسا لبركاته وتعظيما لها، وسأذكر لك بعض الروايات التي تبين ذلك، والتي تدل على أنه لولا يقينهم ببركاته صلى الله عليه وآله وسلم ما فعلوا ذلك:

فمن ذلك ما روي عن أبي جحيفة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به([57]).

ومن ذلك ما روي عن مروان والمسور بن مخرمة ـ يصدق كل واحد منهما صاحبه ـ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ([58]).

ومن ذلك ما روي عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء، فلم يؤت باناء الا غمس يده فيه، فربما في الغداة جاءوا الباردة، فيغمس يده فيها([59]).

ومن ذلك ما روي أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدم رأسه يرسلها، فتبلغ الأرض إذا جلس فقيل له: ألا تحلقها؟ فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح عليها بيده، فلم أكن لأحلقها حتى أموت، فما حلقها حتى مات([60]).

ومن ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: كنت يوما عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى بتمر يفرقه علينا، وكنا ندنيه منه ليمسه لما نرجو من بركة يده، فإذا رآه قد اجتمع فرقه بيننا([61]).

ومن ذلك ما روي عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، ان ابن أختي وقع فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه..الحديث([62]).

ومن ذلك ما روي عن الزهري، قال: حدثني من لا أتهم من الانصار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا توضأ أو بصق ابتدروا بصاقه، فمسحوا به وجوههم وجلودهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لم تفعلون هذا؟) فقالوا: نلتمس البركة([63]).

ومن ذلك ما روي عن أبي العشراء عن أبيه قال: لما مرض أبي أتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قرنه الى قدمه ثلاث مرات بريقه الى جسده([64]).

ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كحل علي ببزاقه ([65]).

ومن ذلك ما روي أن زينب بنت أبي سلمة دخلت وهي صغيرة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مغتسله فنضح في وجهها الماء وقال: (ارجعي)، قال عطاف: قالت أمي: ورأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شئ([66]).

ومن ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري أن أباه مالك بن سنان لما أصيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه يوم أحد مص دم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وازدرده فقال له: (أتشرب الدم؟) قال: أشرب دم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من خالط دمي دمه لا يضره الله)([67])

ومن ذلك ما حدث به سفينة قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (وغيب عني الدم)، فذهبت فشربته، ثم جئته فقال: (ما صنعت؟)، قلت: غيبته، قال: (أشربته؟) قلت: نعم([68]).

وفي حديث آخر عن سفينة، قال: حجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجاما فأمر أن يوارى الدم من الطير والدواب، فذهبت فشربته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك فضحك ولم يقل لي شيئا([69]).

الولائم المباركة

قال رجل من الجمع: لقد حدثتنا عن الصحبة المباركة، وعن اللمسات المباركة، فحدثنا عن بركات محمد في الولائم التي أقامها هو، أو أقامها أصحابه، فقد سمعنا من هذا القس الوليمة العظيمة التي أقامها المسيح ببعض الخبز، وبعض السمكات.

 عبد القادر: محمد والمسيح كلاهما رسولان لله، وكلاهما مباركان، ونحن لا نقيم هنا مسابقة بينهما، ولكنا نريد أن نثبت نبوة كليهما.. فمثل هذه البركات العظيمة لا يجريها الله إلا على أيدي أنبيائه، أو من هم سائرون على أقدام أنبيائه.

وبما أنك رغبت إلي في أن أحدثك في هذا، فسأذكر لك بعض ما وردت به أسانيدنا الثابتة التي تفيد بمجموعها تواتر ذلك عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم:

فمن ذلك ما ما حصل يوم الخندق، حيث أطعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيش المسلمين الذي كان يحفر يوم الخندق من طعام فئة قليلة من الناس.

وقد حدث صاحب الوليمة جابر بن عبد الله عن ذلك، فقال: كنا يوم الخندق نحفر الخندق، فعرضت فيه كذانة، وهي الجبل، فقلنا: يا رسول الله، إن كذانة قد عرضت فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رشوا عليها)، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاها، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول أو المسحاة، فسمى ثلاثا ثم ضرب، فعادت كثيبا أهيل، فقلت له: ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل، ففعل، فقلت للمرأة: هل عندك من شيء؟ فقالت: عندي صاع([70]) من شعير وعناق([71])، فطحنت الشعير وعجنته، وذكت العناق وسلختها، وخليت من المرأة، وبين ذلك.

ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجلست عنده ساعة ثم قلت: ائذن لي يا رسول الله، ففعل، فأتيت المرأة فإذا العجين واللحم قد أمكنا، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: إن عندي طعيما([72]) لنا، فقم يا رسول الله أنت ورجلان من أصحابك، فقال: (وكم هو؟) فقلت: صاع من شعير، وعناق، فقال للمسلمين جميعا: (قوموا إلى جابر)، فقاموا، فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله، فقلت: جاء بالخلق على صاع شعير وعناق، فدخلت على امرأتي أقول: افتضحت، جاءك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجند أجمعين، فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قد أخبرناه ما عندنا، فكشفت عني غما شديدا.

فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: خذي ودعيني من اللحم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يثرد، ويغرف اللحم، ثم يخمر هذا، ويخمر هذا، فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين، ويعود التنور([73])والقدر أملأ ما كانا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلي وأهدي)

قال جابر: فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع([74]).

وفي رواية ذكر العدد الذي أكل من هذه الوليمة، فقال: (وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبرد، ويغرف اللحم، ويخمر هذا ويخمر هذا، فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين، ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا، فكلما فرغ قوم جاء قوم حتى صدر أهل الخندق، وهم ألف حتى تركوه، وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليختبز كما هو، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلي وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة) فلم نزل نأكل ونهدي يومنا.

وفي حديث آخر عن جابر بن عبد الله قال: صنعت أمي طعاما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: ادعه، فجئت فساررته، فقال لاصحابه: (قوموا)، فقام معه خمسون رجلا، فقال: (ادخلوا عشرة عشرة) فأكلوا حتى شبعوا وفضل نحو ما كان([75]).

ومن ذلك وليمة حصلت في نفس الغزوة، ذكرتها ابنة بشير بن سعد، فقالت: دعتني أمي فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: يا بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما، قالت: فأخذته ثم انطلقت بها، فمررت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (تعالي ما معك؟) فقلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه فقال: (هاتيه)، فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما ملاها ثم أمر بثوب فبسط ثم دعا بالتمر فصبه فوق الثوب ثم قال لانسان عنده: (اخرج في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب ([76]).

ومن ذلك ما حدث به أنس، فقال: جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم قد عصب بطنه بعصابة، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطنه؟ فقالوا: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أمي فقال: هل من شئ؟ قالت: نعم عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحده أشبعناه وإن جاء معه بأحد قل عنهم، فقال لي أبو طلحة: قم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا قام فدعه حتى يتفرق عنه أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه، فقل: أبي يدعوك، ففعلت ذلك، فلما قلت: أبي يدعوك، قال لاصحابه: (يا هؤلاء تعالوا) ثم أخذ بيدي فشدها، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنونا من بيتنا أرسل يدي فدخلت وأنا حزين لكثرة من جاء به، فقلت: يا أبتاه، قد قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قلت لي فدعا أصحابه، وقد جاء بهم، فخرج أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندي ما يشبع من أرى، فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ادخل، فإن الله سيبارك فيما عندك، فدخلت فقال: (اجمعوا ما عندكم ثم قربوه) فقربنا ما كان عندنا من خبز وتمر، فجعلناه على حصير فدعا فيه بالبركة، فقال: (يدخل علي ثمانية) فأدخلت عليه ثمانية، فجعل كفه فوق الطعام، فقال: (كلوا وسموا الله عز وجل) فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا، ثم أمرني أن أدخل عليه ثمانية فما زال ذلك أمره حتى دخل عليه ثمانون رجلا كلهم يأكل حتى يشبع، ثم دعاني وأمي وأبا طلحة، فقال: (كلوا)، فأكلنا حتى شبعنا، ثم رفع يده، فقال: يا أم سليم، أين هذا من طعامك حين قدمتيه؟ فقالت: بأبي أنت وأمي، لولا أني رأيتهم يأكلون لقلت: ما نقص من طعامنا شئ([77]).

ومن ذلك ما حدث به علي والبراء أن الله تعالى لما أنزل:{ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء:214) جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلا يأكلون المسنة، ويشربون العس، فأمر عليا أن يصنع لهم طعاما، وأن يجعل عليه رجل شاة، فصنعها، ثم قربها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ منها بضعة، فأكل منها، ثم تتبع بها جوانب القصعة، ثم قال: (ادنوا باسم الله)، فدنا القوم فأكلوا عشرة عشرة، فأكلوا حتى صدروا ما نرى إلا أثر أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثل ما قدم لجميعهم، ثم قال: (يا علي، اسق القوم) فجاءهم بذلك العس، فشرب منه ثم ناولهم، وقال: (اشربوا باسم الله) فشربوا حتى رووا عن آخرهم، وأيم الله، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فذكر الحديث([78]).

ومن ذلك ما حدث به أبو أيوب الأنصاري قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما، فأتيتهما به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اذهب فادع ثلاثين من أشراف الانصار) قال: فشق ذلك علي، وقلت: ما عندي شئ أزيده، قال: فكأني تثاقلت، فقال: (اذهب فأدع لي ثلاثين من أشراف الانصار)، فدعوتهم فجاؤوا، فقال: اطعموا، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبايعوه قبل أن يخرجوا.

ثم قال: اذهب فادع لي ستين من أشراف الانصار، قال أبو أيوب: فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اطعموا فأكلوا حتى صدروا) ثم شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبايعوه قبل أن يخرجوا.

ثم قال: (اذهب فادع لي تسعين من الانصار) فلأنا أجود بالتسعين مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبايعوه قبل أن يخرجوا فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الانصار([79]).

ومن ذلك ما حدث به صهيب قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقمت حياله، فلما نظر إلي أومأت إليه، فقال: (وهؤلاء) قلت لا مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا فقلت: نعم، وهؤلاء وإنما كان شيئا يسيرا صنعته لك فأكلوا وفضل منهم([80]).

ومن ذلك ما ما حدثت به أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجدنا المغرب، فجئت إلى منزلي فجئته بعرق وأرغفة فقلت: بأبي وأمي تعش، فقال لأصحابه: (كلوا بإسم الله)، فأكل هو وأصحابه الذين جاؤوا معه، ومن كان حاضرا من أهل الدار، فو الذي نفسي بيده لرأيت بعض العرق لم يتعرقه وعامة الخبز وإن القوم أربعون رجلا([81]).

ومن ذلك ما حصل في غزوة تبوك، حيث أطعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيش المسلمين من طعام فئة قليلة من الناس:

فعن ابن عباس قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر الظهران في عمرته بلغ أصحابه أن قريشا تقول: ما يتباعثون من العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهورنا، فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقة لأصبحنا غدا ندخل على القوم وبنا جمامة فقال: (لا تفعلوا، ولكن إجمعوا لي من أزوادكم)، فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تولوا، وحثا كل واحد منهم في جرابه ([82]).

الأطعمة المباركة

قال رجل من الجمع: إن ما ذكرته من بركات محمد لا يقل عما ذكر هذا القس عن بركات المسيح، فكيف لا تزعمون لنبيكم ما يزعمون للمسيح؟

 عبد القادر: نحن نعلم أن هذه البركات فضل من فضل الله يهبه الله لمن يشاء من عباده، ولذلك نحن لا نجاوز بنبينا قدره العظيم الذي أعطاه الله له، وهو قدر العبودية، فالعبودية أشرف مقام يصل إليه العبد.

ولهذا، فنحن لا نرى فيما حصل لنبينا من بركات إلا فيضا من فيوضات تمام تحققه بذلك المقام العظيم مقام العبودية لله.

قال آخر: إن العجب يأخذ منا كل مأخذ عندما تذكر البركة، فهل أعيان الطعام تزاد، فيتحول القليل كثيرا، أم أن شهوات الناس تسد، فيشبعون من حيث هم جائعون!؟

عبد القادر: لقد ورد في النصوص الكثير ما يؤكد على أن أعيان الطعام نفسها يحصل فيها من الزيادة ما يجعلها أضعاف ما كانت عليه.

وقد روي في ذلك بعض النصوص الدالة على هذا، فعن أنس عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أهديت لنا شاة، فجعلتها في قدر، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ما هذا يا أبا رافع؟ فقلت: شاة أهديت لنا، فطبختها في القدر، فقال: (ناولني الذراع) فناولته ثم قال: (ناولني الذراع يا أبا رافع)، فناولته ثم قال: (ناولني الذراع الآخر) فقلت: يا رسول الله، إنما للشاة ذراعان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أما إنك لو مسكت لناولتني ذراعا ما دعوت به)([83])

وفي حديث آخر أن امرأة جاءت بابن لها فذكر الحديث، وفيه: فأهدت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شاة مشوية، فقال: (خذ الشاة منها)، ثم قال: (ناولني ذراعها)، فناولته ثم قال: (ناولني ذراعها)، فقلت يا رسول الله إنما هما ذراعان، وقد ناولتك فقال: (والذي نفسي بيده، لو سكت ما زلت تناولني ذراعا، ما قلت لك ناولني ذراعا)([84]

وفي حديث آخر عن أبي عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه طبخ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قدرا فيه لحم، فقال: (ناولني ذراعها) فناوله ثم قال: (ناولني ذراعها) فناوله، ثم قال: ناولني ذراعها)، فقلت: يا رسول الله، كم للشاة من ذراع، فقال: والذي نفسي بيده، لو سكت لاعطتك ذراعا ما دعوت به)([85]

قال رجل من الجمع: كيف ذلك.. إن ذلك لعجيب؟

 عبد القادر: إن الله الخالق لكل شيء لا يعجز عن مثل هذا.. وعدم إدراكنا للكيفية لا ينبغي أن يجرنا لإنكار الإمكانية.

قال رجل آخر: أفتريدنا أن نلغي عقولنا؟

 عبد القادر: إنا في حياتنا نستعمل أشياء كثيرة، ومع ذلك لا نعرف كيفيتها.. إن أكثر الناس يتفرجون على التلفزيون، فيرون العالم جميعا بين أيديهم، ثم هم لا يعرفون عن الكيفية التي يشتغل بها، ولا يكادون يبحثون عنها، مع أنك لو ذكرت هذا لمن سبقنا بقرون قليلة لاعتبره خرافة ومستحيلا.

المياه مباركة

قال رجل من الجمع: لم يبق إلا أن تحدثنا عن بركات محمد في المياه، فحدثنا عنها.

 عبد القادر: لقد وردت النصوص الكثيرة التي تدل على ما حصل من بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على المياه سواء كانت آبارا جافة، فتتحول إلى آبار مملوءة ماء، أو مياه مالحة، فتتحول إلى مياه عذبة، أو يحتاجون إلى الماء، فيبارك الله ببركة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فيما عندهم من الماء، فيتحول القليل كثيرا.

وسأذكر لكم من النصوص الدالة على ذلك ما تقر به أعينكم، وتعلمون أن من حصل منه كل هذا، وأمام كل تلك الجموع، وبكل تلك الأسانيد، يستحيل أن يكون كاذبا:

آبار وعيون:

فمن بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على الآبار والعيون بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على بئر بتبوك، وذلك فيما حدث به معاذ بن جبل، حيث ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في غزوة تبوك: (إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي)

قال معاذا: فجئنا، وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشئ من ماء، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هل مسيتما من مائها شيئا؟) قالا: نعم، فاشتد عليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول.

ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شئ، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجهه ويديه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ماء ههنا قد ملئ جنانا)([86])

ومن ذلك ما ورد من بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على بئر بقباء، فعن يحيى بن سعيد أن أنس بن مالك آتاهم بقباء، فسأله عن بئر هناك، قال: فدللته عليها فقال: لقد كانت هذه، وإن الرجل لينضح على حماره فتنزح، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بذنوب، فسقى، فإما أن يكون توضأ منه، وإما أن يكون تفل فيه، ثم أمر به، فأعيد في البئر، فما نزحت بعد([87]).

ومن ذلك ما ورد من بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على بئر باليمن، فعن زياد بن الحارث الصدائي قال: قلت: يا رسول الله، إن بئرنا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان في الصيف قل ماؤها وتفرقنا عن مياه حولنا، وقد أسلمنا وكل من حولنا لنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا، فيسقينا ماؤها، فنجتمع عليها، ولا نتفرق.

فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبع حصيات، فعركهن بيده، ودعا فيهن، ثم قال: (اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة، واذكروا اسم الله عز وجل)، قال: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا أن ننظر إلى قعرها (يعني البئر)([88]).

ومن ذلك ما ورد من بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على بئر أنس، فعن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلنا، فسقيناه من بئر كانت لنا في دارنا، وكانت تسمى في الجاهلية (النزور) فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد.

ومن ذلك ما ورد من بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على بئر الحديبية، فعن البراء وسلمة بن الاكوع قالا: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديبية، ونحن أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على شفيرها، قال البراء: وأتي بدلو فيه ماء فبصق ودعا، ثم قال: (دعوها ساعة) وقال سلمة: فجاشت، فأرووا أنفسهم وركابهم بالماء، فسقينا واستقينا)([89])

ومن ذلك ما ورد من بركاته صلى الله عليه وآله وسلم على بئر غرس([90])، فعن أنس قال: جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قباء، فانتهى إلى بئر غرس، وإنه ليستقى منه على حمار، ثم نقوم عامة النهار ما نجد فيها ماء، فمضمض في الدلو ورده، فجاشت بالرواء([91]).

تكثير الماء:

ومن بركاته صلى الله عليه وآله وسلم المرتبطة بالمياه تكثيره الماء القليل، فيكفي الجمع الكثير، وقد حصل ذلك مرات كثيرة:

ومنها ما حدث به أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفر، فقال لأبي قتادة: (أمعكم ماء؟)، قلت: نعم، في ميضاة فيها شئ من ماء، قال: (ائت بها)، قال: فأتيته بها، فقال لأصحابه: (تعالوا مسوا منها فتوضئوا)، وجعل يصب عليهم، فتوضأ القوم، وبقيت جرعة، فقال: (يا أبا قتادة، احفظها، فإنها ستكون لها نبأ)

فذكر الحديث إلى أن قال: فقالوا: يا رسول الله، هلكنا عطشنا، انقطعت الاعناق، فقال: (لا هلك عليكم)، ثم قال: (يا أبا قتادة، ائت بالميضاة)، فأتيته بها، فقال: (أطلقوا لي غمري) – يعني قدحي – فحللته فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فازدحم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيها الناس أحسنوا الملا، فكلكم سيروى)

فشرب القوم، وسقوا دوابهم وركابهم وملئوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة حتى لم يبق غيري وغيره، قال: (اشرب يا أبا قتادة)، قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قال: (ساقي القوم آخرهم شربا)، فشربت، وشرب بعدي، وبقي في الميضاة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة([92]).

ومنها ما حصل في غزوة هوازن، وذلك فيما حدث به سلمة بن الاكوع، فقال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هوازن فأصابنا جهد شديد فأتى بشئ من ماء في إداوة، فأمر بها فصبت في قدح، فجعلنا نتطهر حتى تطهرنا جميعا.

وفي لفظ: فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة([93]) وكنا أربع عشرة مائة([94]).

ومنها ما حدث به عمران بن حصين قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فاشتكى إليه الناس العطش، فنزل ثم دعا عليا، ورجلا آخر([95])، فقال: (اذهبا فابغيا الماء فإنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا معها بعير عليه مزادتان ([96]) فأتيا بها)، فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، فقالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين ([97])، فانطلقا فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحدثاه بالحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإناء، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين، فمضمض في الماء، وأعاده في أفواه المزادتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق الغرارتين، ونودي في الناس: (اسقوا، واستقوا)، فسقى من شاء، واستقى من شاء، وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها وأيم الله، لقد أقلع عنها، وإنها ليخيل إليها أنها أشد ملئة منها حيث ابتدأ فيها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اجمعوا لها طعاما)، فجمعوا لها ما بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما، فجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، وقالوا لها: تعلمين ما رزأنا من مائك شيئا، ولكن الله هو الذي أسقانا.

فجاءت المرأة أهلها فأخبرتهم، فقالت: جئتكم من أسحر الناس، أو إنه لرسول الله حقا، قال: فجاء أهل ذلك الحواء ([98]) حتى أسلموا كلهم([99]).

نبع الماء:

ومن بركاته صلى الله عليه وآله وسلم المرتبطة بالمياه ما وردت به النصوص الكثيرة المتواترة من نبع الماء على يده الشريفة إما من الأرض، أو من بين أصابعه الشريفة:

أما من الأرض، فمما ورد في ذلك من الروايات ما حدث به خديج بن سدرة بن علي السلمي من أهل قباء عن أبيه عن جده قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلنا القاحة وهي التي تسمى اليوم السقيا، لم يكن بها ماء، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مياه بني غفار على ميل من القاحة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الوادي، واضطجع بعض أصحابه ببطن الوادي، فبحث بيده في البطحاء فنديت فجلس ففحص، فانبعث عليه الماء، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسقى واستقى جميع من معه حتى اكتفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هذه سقيا سقاكموها الله عز وجل) فسميت السقيا([100]).

وأما من بين أصابعه الشريفة، فقد بلغ من الكثرة ما وصل به حد التواتر ([101])، وسأذكر لكم منه ما تقر به أعنيكم، وتعلمون أن من قدر على هذا يستحيل أن يكون مدعيا، فبركات الله لا تتنزل إلا على الصادقين من عباد الله:

فمما روي من ذلك ما حدث به أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالزوراء، وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوا ماء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في ذلك الاناء، فحين بسط يده فيه فضم أصابعه فأمر الناس أن يتوضأوا منه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتوضأوا من عند آخرهم.

قال قتادة: قلت لانس: كم كنتم؟ قال: كنا زهاء ثلثمائة([102]).

ومن ذلك ما حدث به عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس معنا ماء، فقال: اطلبوا من معه فضل ماء، فأتى بماء فوضعه في إناء، فوضع يده فيه، فجعل الماء يجري ـ وفي لفظ يخرج من بين أصابعه ـ ثم قال: (حي على الطهور المبارك، البركة من الله) فتوضأوا وشربوا، قال عبد الله: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)([103])

ومن ذلك ما حدث به أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه، معه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ماء يتوضئون به، فقالوا: يا رسول الله، والله ما نجد ماء نتوضأ به، ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم، فجاء بقدح فيه ماء يسير، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوضأ منه، ثم مد أصابعه الاربع في القدح، ثم قال: (هلموا فتوضأوا)، فتوضأ القوم حتى بلغوا ما يريدون، قال الحسن: سئل أنس كم بلغوا؟ قال: سبعين أو ثمانين([104]).

ومن ذلك ما حدث به زياد بن الحارث، فذكر أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فقال له: (هل معك من ماء؟)، فقلت: لا إلا شئ قليل لا يكفيك، فقال: (اجعله في إناء وائتني به)، ففعلت فوضع كفه في الماء، فرأيت الماء بين أصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال: (ناد في أصحابي من كان له حاجة في الماء)، فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم([105]).

ومن ذلك ما حدث به جابر بن عبد الله قال: عطش الناس يوم الحديبية، وكان الذي بين يديه ركوة يتوضأ منها وجهش الناس نحوه، قال: (مالكم؟) قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا ماء نشربه إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قال سالم: قلت لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة([106]).

ومن ذلك ما حدث به أبو قتادة، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسير في الجيش إذ لحقهم عطش كاد يقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا، فدعا بركوة فيها ماء فوضع أصابعه عليها، فنبع الماء من بين أصابعه، فاستقى الناس، وفاض الماء حتى رووا خيلهم وركابهم، وكان من العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس([107]).

ومن ذلك ما حدث به ابن عباس قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، وليس في العسكر ماء، فقال رجل: يا رسول الله، ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شئ؟ قال: نعم فأتي بإناء فيه شئ من ماء فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصابعه في الاناء وفتح أصابعه، قال: فرأيت العيون تنبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بلالا ينادي في الناس بالوضوء المبارك([108]).

ومن ذلك ما حدث به ابن عباس أيضا، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلالا، فطلب الماء، فقال: لا والله ما وجدت، قال: (هل من شئ؟)، فأتاه بشئ فبسط كفه فيه، فأنبعث تحت يده عين، فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ([109]).

ومن ذلك ما حدث به أبو ليلى الأنصاري، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فأصابنا عطش، فشكونا إليه، فأمره بحفرة فوضع عليها نطعا، ووضع يده عليها، وقال: (هل من ماء؟)، فأتي بماء، فقال لصاحب الإداوة: (صب الماء على كفي، واذكر اسم الله)، ففعل.

قال أبو ليلى: (فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى روى القوم وسقى ركابهم)([110])

ومن ذلك ما حدث به جابر أيضا قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن يومئذ بضع عشرة ماء، فحضرت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وهل في القوم من ماء؟)، فجاءه ماء وعبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قدح، وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح وقالوا: تمسحوا تمسحوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (على رسلكم) حين سمعهم يقولون ذلك، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفه في الماء ثم قال: (سبحان الله)، ثم قال: (أسبغوا الوضوء)

قال جابر: والذي ابتلاني ببصري، فلقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما رفعهما حتى توضأوا أجمعون([111]).

ومن ذلك ما حدث به جابر أيضا، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له في غزوة ذات الرقاع: (يا جابر، ناد بوضوء)، فقلت: ألا وضوء، ألا وضوء، قلت: يا رسول الله، ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الانصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الماء، فقال لي: (انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شئ)، فانطلقت إليه، فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة من عزلاء شجب منها لو أني أفرغه لشربة يابسة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال: (إذهب فأتيني به، فذهبت فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلم بشئ لا أدري ما هو، ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال: (يا جابر، ناد بجفنة الركب)، فقلت: يا جفنة الركب، فأتيته بها فوضعت بين يدي رسول الله، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها في الجفنة وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: (خذ يا جابر، فصب علي، وقل: (بسم الله)، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ففارت الجفنة، ودارت حتى امتلات، فقال: (يا جابر، ناد من كانت له حاجة بماء)، فأتى الناس، فاستقوا حتى رووا ورفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده من الجفنة، وهي ملأى([112]).

ومن ذلك ما حدث به أبو رافع، حيث ذكر أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فقال: (يا قوم كل رجل يلتمس من إداوته)، فلم يجدوا غير واحد في إناء، ثم قال: (توضئوا)، فنظرت إلى الماء وهو يفور من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى توضأ الركب أجمعون، ثم جمع كفيه فما خلتها إلا النطفة التي صب أول مرة([113]).

ومن ذلك ما ما حدث به أبو عمرة الانصاري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة غزاها، وأصاب الناس مخمصة، ثم دعا بركوة، فوضعت بين يديه، ثم دعا بماء، وصبه فيها، ثم مسح فيها بما شاء الله أن يتكلم، ثم أدخل خنصره فيها، فأقسم بالله لقد رأيت أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفجر ماء مع الماء، ثم أمر الناس فشربوا وملأوا قربهم وإداوتهم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله لا يلقى الله بهما أحد يوم القيامة إلا دخل الجنة)([114])

ومن ذلك ما حدث به حبان بن بح الصدائي قال: كفر قومي، فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهز جيشا لهم، فأتيته، فقلت: إن قومي على الاسلام، قال: كذلك، قلت: نعم، واتبعته ليلتي إلى الصباح، فأذنت بالصلاة لما أصبحت وأعطاني إناء فتوضأت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصابعه في الاناء فنبع عيون، فقال: (من أراد منكم أن يتوضأ، فليتوضأ)، فتوضأت وصليت فأمرني عليهم وأعطاني صدقتهم، فقال رجل: يا رسول الله إن فلانا ظلمني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا خير في الإمارة لرجل مسلم)، ثم جاء رجل يسأل الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الصدقة صداع في الرأس وحريق في البطن أو داء)، فأعطيته صحيفتي أو صحيفة أمرتي وصدقني، فقال: (ما شأنك؟)، فقلت: كيف أقبلها وقد سمعت منك ما سمعت فقال: (هو ما سمعت)([115])

عذوبة الماء:

ومما ورد في النصوص من عذوبة المياه المالحة ما حدث به همام بن نقيد السعدي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله: حفرنا لنا بئرا، فخرجت مالحة، فدفع إلي إداوة فيها ماء، فقال: (صبه)، فصببته فيها، فعذبت فهي أعذب ماء بئر باليمن([116]).

***

ما وصل عبد القادر من حديثه إلى هذا الموضع حتى صاح الجمع الملتفين حوله بالتكبير، ثم تقدموا منه طالبين أن يبين لهم كيفية الاتصال بهذا النبي المبارك.

لم يجد بولس إلا أن يسير، وأسير خلفه، وقد حملت معي بصيصا جديدا من النور، اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


([1])  وانظر: مرقس:6/13-21؛ لوقا:9/10-17؛ ويوحنا:6/1-14.

([2])  هذا ـ طبعا ـ بناء على اختلاف الطوائف المسيحية، فنحن في هذه السلسلة نتعامل معهم ـ كطائفة واحدة ـ مهما اختلفت آراؤهم في طبيعة المسيح.

([3])  وقد بقي معها   صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن حدثت حادثة شق الصدر، فخشيت حليمة عليه، فردته إلى أمه، فقالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قالت: قلت نعم قالت: كلا، والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا، أفلا أخبرك خبره قالت: ( قلت ) بلى، قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ( علي ) ولا أيسر منه ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك وانطلقي راشدة.

([4])  رواه ابن سعد والحسن بن عرفة وابن عساكر وغيرهم.

([5])  رواه أبو نعيم.

([6])  رواه الخطيب وابن عساكر.

([7])  رواه أبو يعلى، انظر: السيوطي في الدر المنثور 2 / 20 وابن كثير في التفسير 2 / 29.

([8])  رواه ابن سعد:1 / 124.

([9])  الوسق: مكيال مقداره ستون صاعا والصاع أربعة أمداد، والمُدُّ مقدار ما يملأ الكفين.

([10])  استنظره: طلب منه الانتظار إلى ميسرة.

([11])  الجداد: قطع الثمر وجَنْيُه وحصاده.

([12])  رواه البخاري، قال ابن كثير: وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنه ببركة رسول الله   صلى الله عليه وآله وسلم، ودعائه له، ومشيه في حائطه وجلوسه على تمره، وَفَى الله دين أبيه، وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجو وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فضل له من التمر أكثر وفوق ما كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة.( انظر: البداية والنهاية 6/0121)

([13])  السائبة والسوائب: كان الرجُل إذا نَذَر لِقدُوم من سَفَر، أو بُرْءٍ من مَرَض، أو غير ذلك قال ناقِتي سائبةٌ، فلا تُمنَع من ماءِ ولا مَرْعى، ولا تُحْلَب، ولا تُرْكَب، وكان الرجُل إذا أعْتَق عَبدا فقال هو سائبةٌ فلا عَقْل بينهما ولا ميراثَ، وأصلُه من تسيِيبِ الدَّواب، وهو إرسالُها تذهَبُ وتجيء كيف شاءت.

وقد كان هذا قبل تحريم السائبة، والذي نص عليه قوله تعالى:﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (المائدة:103)

([14])  حملانه: الحمل عليه.

([15])  المُماكَسَةُ في البيع: انْتقاصُ الثمن واسْتِحْطاطُه.

([16])  رواه البخاري ومسلم.

([17])  رواه البخاري.

([18])  رواه أحمد وأبو داود الطيالسي وابن سعد والطبراني.

([19])  رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل.

([20])  رواه الطبراني وأبو نعيم والبيهقي.

([21])  رواه الطبراني والبيهقي وأبو نعيم.

([22])  رواه الطبراني.

([23])  رواه الحسن بن سفيان والنسائي في الكنى والطبراني والبيهقي.

([24])  رواه أحمد وأبو نعيم في الدلائل.

([25])  رواه مسلم.

([26])  رواه أبو يعلى والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر.

([27])  رواه البيهقي.

([28])  رواه الطبراني بسند جيد.

([29])  رواه الطبراني بسند حسن.

([30])  رواه البغوي في معجمه والبيهقي والطبراني.

([31])  رواه ابن سعد والبيهقي والطبراني في الثلاثة.

([32])  رواه البخاري في تاريخه والبيهقي.

([33])  رواه ابن عساكر واسحاق بن ابراهيم الرملي وابو يعلى في فوائده.

([34])  رواه الترمذي وحسنه والبيهقي وصححه.

([35])  رواه البيهقي.

([36])  رواه عبد الرزاق.

([37])  رواه احمد وابن سعد والحسن ويعقوب بن سفيان وابو يعلى وصححه والضياء في المختارة عن حنظلة برجال ثقات.

([38])  رواه ابن سعد وابن شاهين وعبد الله بن عامر البكائي عن أبيه، والبخاري في تاريخه، وابو نعيم وأبو القاسم البغوي في معجمه.

([39])  رواه ابن سعد.

([40])  رواه ابن شاهين.

([41])  رواه أحمد برجال الصحيح.

([42])  رواه الطبراني.

([43])  رواه البيهقي.

([44])  رواه البيهقي وابن عساكر.

([45])  العناق: الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة.

([46])  رواه البيهقي في الدلائل.

([47])  رواه الطبراني برجال ثقات.

([48])  رواه الطبراني.

([49])  رواه قاسم بن ثابت في الدلائل.

([50])  رواه ابن سعد.

([51])  رواه الحاكم.

([52])  رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي، والبيهقي في الدلائل 6 / 227.

([53])  رواه البيهقي.

([54])  رواه عبد بن حميد، والواقدي.

([55])  رواه الطبراني.

([56])  رواه الحميدي برجال ثقات.

([57])  رواه البخاري ومسلم.

([58])  رواه البخاري تعليقا وأسنده الاسماعيلي.

([59])  رواه أبو الحسن بن الضحاك.

([60])  رواه أبو القاسم البغوي.

([61])  رواه أبو سعيد بن الاعرابي.

([62])  رواه البخاري.

([63])  رواه عبد الرزاق.

([64])  رواه ابن عدي.

([65])  رواه أبو نعيم.

([66])  رواه عبد الله بن الإمام أحمد.

([67])  رواه أبو علي بن السكن.

([68])  رواه البزار.

([69])  رواه بقي بن مخلد.

([70])  الصاع: مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة أمداد، والمد هو ما يملأ الكفين.

([71])  العناق: الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة.

([72])  طعيما: تصغير طعام، أي طعاما قليلا.

([73])  التنور: المَوْقِدُ.

([74])  رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي في السنن الكبرى والدارمي في سننه وأبو عوانة وابن أبي شيبة في المصنف والفريابي في دلائل النبوة والأصبهاني في دلائل النبوة وغيرهم.

([75])  رواه الطبراني في الاوسط ورجاله وثقوان انظر: المجمع: 8 / 310.

([76])  رواه ابن سعد، وانظر: ابن كثير في البداية 6 / 133.

([77])  رواه مسلم (143 / 2040) والبيهقي في الدلائل 1 / 963 وأبو نعيم في الدلائل 148 وانظر المجمع 8 / 306.

([78])  رواه ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وأبو نعيم انظر: السيوطي في الدر المنثور 5 / 97.

([79])  رواه الطبراني في الكبير: 4 / 221، 222 والبيهقي في الدلائل: 6 / 94 وابن عبد البر في التمهيد: 1 / 294، ونظر: ابن البداية والنهاية:  6 / 127.

([80])  رواه الطبراني في الكبير.

([81])  رواه ابن سعد.

([82])  رواه أحمد231.

([83])  رواه أحمد وأبو يعلى.

([84])  رواه أبو يعلى وأبو نعيم بسند حسنه الحافظ ابن حجر.

([85])  رواه أحمد.

([86])  رواه أحمد.

([87])  رواه البيهقي.

([88])  البيهقي في الدلائل: 4 / 127، 5 / 357 وابن كثير في البداية: 5 / 84.

([89]) رواه البخاري ومسلم، وفي غير روايتيهما من طريق ابن شهاب فأخرج سهما من كنانته فوضعه في قليب بئر ليس فيه ماء فروى الناس حتى ضربوا بعطن خيامها.

([90])  بئر غرس:بئر بالمدينة.

([91])  رواه ابن سعد.

([92])  رواه مسلم.

([93])  دغفقة: يدفعه ويصبه صبا كثيرا.

([94])  الدلائل للبيهقي (4 / 119).

([95])  وفي رواية: وعمران بن حصين.

([96])  المزادتان: تثنية مزادة وهي قربة كبيرة يزاد فيه جلد من غيرها ويسمى أيضا السطيحة والمراد بها الراوية.

([97])  ذكر العلماء حسن الأدب الذي حوى عليه قول علي ورفيقه لها لما قالت: الصابئ: (هو الذي تعنين)، لأنه لو قالا لها: لا، لفات المقصود، أو نعم، لما حسن بهما، إذ فيه طلب تقرير ذلك، فتخلصا أحسن تخليص.

([98])  الحواء: القرية المجتمعة على الماء.

([99])  رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

([100])  رواه أبو نعيم.

([101])  قال القرطبي: قصة نبع الماء من بين أصابعه r تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت عنه من طرق كثيرة يفيد عمومها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة العظيمة من غير نبينا r حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه.

ونقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال: نبع الماء من بين أصابع النبي r أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى r بالعصا فتفجرت منه المياه، لان خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروجه من بين اللحم والدم.

([102])  رواه البخاري ومسلم.

([103])  رواه النسائي والبيهقي وابن مردويه.

([104])  رواه البخاري ومسلم.

([105])  رواه الحارث بن أبي أسامة والطبراني وأبو نعيم والبيهقي.

([106])  رواه البخاري ومسلم، وهذا الحديث لا يتعارض مع ما ورد في حديث البخاري عن البراء بن عازب قال: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ماء فبلغ رسول الله r فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فمضمض وبخ في البئر، فمكث غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وصررنا ركائبنا.

لأن كل حديث له محل خاص، بالإضافة إلى أن بركته r المرتبطة بالبئر مستمرة باقية في البئر بخلاف نبع الماء بين أصابعه الذي غطى حاجة الصحابة للماء في ذلك المحل فقط.

وقد جمع ابن حجر بينهما، فقال: ويحتمل أن يكون الماء لما انفجر من بين أصابعه ويده في الركوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر، فتكاثر الماء فيها.

وفي هذا الجمع بعض التكلف، وأولى منه القول بتعدد الحوادث، وهو ما ذكره ابن حبان.

([107])  رواه رواه أبو نعيم.

([108])  رواه أحمد والبزار.

([109])  رواه الدرامي وأبو نعيم.

([110])  رواه الطبراني وأبو نعيم.

([111])  رواه البخاري ومسلم، قال ابن كثير: وظاهره أنها قصة أخرى غير ما تقدم.

([112])  رواه مسلم والبيهقي وأبو نعيم.

([113])  رواه أبو نعيم.

([114])  رواه أبو نعيم.

([115])  رواه أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في الدلائل.

([116])  رواه ابن السكن.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *