ثامنا ـ المفتي

قلت: فحدثني عن رحلتك الثامنة.
قال: بعد خروجي من المغرب الأقصى سرت قاصدا تونس، وبالضبط إلى أعرق مدينة فيها مدينة القيروان..
بمجرد دخولي المدينة خطرت على بالي مسائل كثيرة من العلم، ومعضلات كثيرة من الفقه، حاولت بما تعلمته من العلوم في المدارس المختلفة أن أجد لها حلا، فلم أستطع، وكأنها كانت مشفرة بشيفرة دقيقة لا يمكن لأي قرصان في الدنيا أن يجد لها حلا.
حاولت أن أصرف خواطرها عن ذهني، فلم تنصرف.. بل راحت تلح علي إلحاحا، وكأنها تطلب حلا عاجلا، أو كأنها شعرت بأن في تلك المدينة من يفتح أبوابها، ويحل معضلاتها، فلذلك راحت تطالبني بأن أبحث عنه.
بينما أنا كذلك إذا بي أرى رجلا.. كان أبسط الناس في مظهره.. يقترب مني، ويقول: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(شفاء العي السؤال)([1]).. فابحث عن شفائك في السؤال، فلا يتعلم إلا لسان سؤول.. وإياك من الكبر، فقد قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (لأعراف:146)
قلت: من أنت؟.. وكيف بدا لك أن توجه لي هذه الموعظة؟
قال: أنا أخ من إخوانك.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)([2])
قلت: بورك فيك، ويشرفني أن يؤاخيني رجل مثلك.. ولكني أسألك عن سر توجيه هذه الموعظة بالذات لي.. لم لم تعظني بالتصدق مثلا.. أو بالصلاة.. أو بغيرها.. فأمور الدين كثيرة لا يمكن حصرها.. فلم خصصت من بينها ما خصصت؟
قال: لسببين..
نظرت إليه، والابتسامة تملأ فمي، وأنا أقول: فما أولهما؟
قال: أولهما أني دللتك على ثمرة المواعظ وغاياتها.. فالمواعظ المثمرة هي التي تدلك على العمل الصالح، وتثير همتك إليه.. ولا يمكن أن يكون العمل صالحا إلا إذا كان وفق ما يقتضيه العلم.. ولا يمكن أن تتعلم ما لم تسأل.
قلت: عرفت الأول.. وبورك فيك.. فما الثاني؟
قال: لقد شرفني الله، فصحبت بعض ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب.. باب الفتيا.. وقد صار لي فيه نوع من الفراسة.. وقد رأيت في وجهك ما أنبأني بحاجتك إلى حل بعض المعضلات، وإزالة بعض المشكلات.. فتقدمت إليك بما تقدمت.
قلت: أصابت فراستك، ولم تخطئ.. فمن هذا الوارث الذي تنصحني بأن أقصده لحل ما خطر على بالي..
قال: لا يفتى وسحنون([3]) في القيروان..
قلت: من هذا السحنون([4]) الذي تدعي له ما تدعي؟
قال: إنه حامل مشعل الهداية الذي يجيب عن كل سؤال، ويحل كل إشكال، ويرفع كل معضلة، ويزيل كل مشكلة.
صحت: ذاك من أبحث عنه.. لقد أخبرني معلم الهداية أني لا أنال الفم الثامن من أفواه الهداية إلا عند من ذكرت.
قال: فهيا بنا إليه إذن.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(الدال على الخير كفاعله)([5])
قلت: سأسير معك.. ولكني لن أسأله عن أي مسألة مما خطر على بالي حتى أستوثق من كونه وارثا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب.
قال: صدقت في هذا.. فما أكثر الأدعياء.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فافتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا)([6])
قلت: إن وارث هذا الفن من فنون الهداية لا ينبغي إلا أن يكون عالما.. فلا يمكن أن يفتي الجاهل.. فهل ترى سحنونا كذلك؟
قال: أجل.. ولولا ذلك ما تصدى للإفتاء.. لقد أخذ العلم عن أهل المشرق وأهل المغرب.. بل لم يدع محلا من المحال فيه علم من العلوم إلا قصده.. لقد شهد له..
قاطعته قائلا: لا يكفي أن يكون المرء عالما حتى يستحق هذا المنصب الجليل، فقد يكون عالما، ولكن الدنيا تجذبه بحبالها، فلا يفتي بما يمليه علمه، بل يفتي بما يمليه هواه.
قال: كلهم قد تجذبه الدنيا غير سحنون.. لقد بلغ من العمر ثمانين سنة.. وهو لا يزال عصيا على كل من يريد أن ينحرف به عن العلم الذي تعلمه، والأدب الذي تأدبه.
لقد قال فيه صاحب لي اسمه عيسى ـ وهو من العلماء ـ: كان سحنون صمته لله، وكلامه لله، إذا أعجبه الكلام صمت، وإذا أعجبه الصمت تكلم.
قلت: لا يمكن أن يظهر الورع إلا فيمن احتوته المناصب.. وتملكته كراسيها وثقلت به إلى الأرض.
قال: كلهم قد تثقل به الكراسي إلا سحنون.. لقد ولي القضاء بعد أن ألح عليه حاكم هذه البلدة.. فلم يترك مظلمة إلا وردها.. لقد رأيته في اليوم الذي ولي فيه القضاء راكباً على دابة، ما عليه كسوة ولا قلنسوة، والكآبة في وجهه، ما يتجرأ أحد يهنّيه، فسار حتى دخل على ابنته خديجة، وكانت من خيار الناس، فقال لها: اليوم ذبح أبوك بغير سكين.
قلت: وصحبته للسلاطين.. فإن العالم لا يفسد إلا بصحبتهم.
قال: لقد سمعته مرات كثيرة يقول: ما أقبح بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيه. فيسأل عنه، فيقال:هو عند الأمير، هو عند الوزير، هو عند القاضي، فإن هذا وشبهه شرٌّ من علماء بني إسرائيل، وبلغني إنهم يحدثونهم من الرخص ما يحبون، مما ليس عليه العمل، ويتركون ما عليه العمل، وفيه النجاة، لهم، كراهة أن يشتغلوهم. ولعمري لو فعلوا ذلك لنجوا، ووجب أجرهم على الله، فوالله لقد ابتليت بهذا القضاء، وبهم، ووالله ما أكلت لهم القمة، ولا شربت لهم شربة، ولا لبست لهم ثوباً، ولا ركبت لهم دابة، وما أخذت لهم صلة، وإني لأدخل عليه، فأكلمهم بالتشديد، وما عليه العمل وفيه النجاة. ثم أخرج عنهم، فأحاسب نفسي، فأجد عليّ الدرك مع ما ألقاهم به في الشدة والغلظة، وكثرة مخالفتي هواهم، ووعظي لهم. فوددت أن أنجو مما دخلت فيه كفافاً.
قلت: قد يكون الورع متشددا يضيق علي ما وسع الله.. وأنا لا أحب أن أترك ما رخصه لنا الشرع.
قال: وسحنون لا يقول إلا بهذا.. لقد ذكر لي عن بعض شيوخه قوله:(إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد)
قلت: قد يكون في المفتي كل ما ذكرت.. ولكنه لا يكون صاحب بصيرة يعرف بها الواقع، فلذلك يخطئ في تطبيقه الأحكام.
قال: كلهم قد يقع في هذا إلا سحنون.. فهو ملم بالواقع محيط به.. بل لم أره يجيب عن مسألة إلا بعد أن يحيط بكل ما يرتبط بها علما.. لقد سمعته مرات كثيرة يقول: (أجراً للناس على الفتيا، أقلّهم علماً. يكون عند الرجل باب واحد من العلم، فيظن أن الحق كله فيه)
وسمعته يقول:(إني لأسأل عن المسألة، فأعرف في أي كتاب وورقة وصفحة وسطر، فما يمنعني عن الجواب فيها إلا كراهة الجرأة بعدي على الفتيا)
وقد قلت له مرة: تأتيك المسائل مشهورة مفهومة، فتأبى الجواب فيها. فقال:(سرعة الجواب بالصواب أشد فتنة من فتنة المال)
***
ما وصلنا من حديثنا إلى هذا الموضع حتى بلغنا أعرق مسجد بالقيروان، وهو المسجد الذي كان منارة للعلم والهدى قرونا طوالا..
دخلت ـ مع صاحبي ـ من بابه الواسع، فرأيت رجلا ربع القامة، بين البياض والسمرة، حسن اللحية، كثير الشعر، أعين، بعيد ما بين المنكبين، حسن اللباس([7]).
رأيته يجلس على منصة عالية.. وعلى منصة على يمينه جلس رجال عليهم سمت العلماء، وعلى منصة على يساره جلس ناس من العامة..
أشار صاحبي إليه، وقال: هذا هو سحنون.. فهيا بنا.. ولا تنسى أن تتأدب بين يديه..
قلت: أراه قد فرق بين الناس.. فإلى أيهما نذهب؟
قال: أما الصنف الأول، فهو لمن يريد أن يسأل عن المسائل، ثم ينصرف بعدها.. وأما الصنف الثاني، فهو لأهل العلم.. لمن يريد منهم أن يتعلم أصول الفتاوى وآدابها ليستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك.. وهذا يحتاج إلى صحبته مدة من الزمن لتترسخ فيه تلك الأصول وتتثبت..
قلت: فهيا بنا إلى حيث يجلس الصنف الثاني.. فأنا لم أخرج من بلادي إلا لأجل الأصول..
قال: ومسائلك التي تريد أن تسأل عنها؟
قلت: إذا تعلمت الأصول.. فسيسهل علي أن أجيب عنها.
جلسنا حيث يجلس أهل العلم.. وقد حاولت أن ألتزم بجميع ما تعلمته من آداب في محاضر شنقيط.. وقد جعل ذلك سحنونا يلتفت إلي، وهو يبتسم، ثم يعود إلى ما كان فيه، ويقول: لقد ذكر الأئمة خمسة أصول للفتوى.. استنبطوها من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلام العلماء.. فقالوا:(لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نية، فإن لم تكن له نية، لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة، والثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته، والرابعة: الكفاية (أي من العيش) وإلا مضغه الناس، والخامسة: معرفة الناس)
وقد رأيت أن هذه الأصول تؤول إلى أربعة.. لاشك أنكم تعرفونها: إنها العلم والورع والرفق والبصيرة.
قال رجل من أهل العلم: فحدثنا عن العلم.. ولم كان ركنا من أركان الفتوى؟
قال: لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الشرط، فقال:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فافتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا)([8])
لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث عن الشرط الأساسي للمفتي، فلا يمكن للمفتي أن يفتي إلا فيما له فيه علم ومعرفة وخبرة.. لقد قال الله تعالى يشير إلى الخبرة، وهي التعمق في العلم، ومعرفة تفاصيله ودقائقه:{ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } (الفرقان: 59)
قالوا: فحدثنا عن العلوم التي يجب على العالم تعلمها قبل الجلوس للفتيا.
قال: إن كان المستفتي يفتي في كل شيء.. فعليه أن يتعلم كل شيء: فروعه وأصوله..
قالوا: أفبالحفظ وحده يمكن أن يفتي؟
قال: لا.. لقد عرفتم أن الحفظ رواية.. ولا تكفي الرواية ما لم تكن معها دراية.
قالوا: أيلزم أن يحفظ هذا عن ظهر قلب؟
قال: لا.. ليس بالضرورة ذلك.. وإن كان الأكمل هو ذلك.
قالوا: لقد ذكرت علوم الدين.. فهل يلزم المفتي أن يعلم علوم الدنيا؟
قال: يعلم منها ما يمكنه من فهم ما يريد أن يجيب عنه.. فلا يحل الحكم إلا بعد العلم..
قالوا: إن هذا يستدعي اقتناء كتب كثيرة.
قال: لا ينفع الاقتناء ما لم تكن معه همة تناطح الجوزاء.. فلا يستفيد من الكتب مقتنيها، وإنما يستفيد منها قارئها.. وقد قيل لبعضهم: إن فلانا جمع كتبا كثيرة، فقال: هل فهمه على قدر كتبه؟ قيل: لا. قال: (فما صنع شيئا! ما تصنع البهيمة بالعلم؟!).. وقال رجل لرجل كتب، ولا يعلم شيئا مما كتب: مالك من كتبك إلا فضل تعبك وطول أرقك، وتسويد ورقك!
قالوا: فما تقول فيمن يتعلم مذهبا من المذاهب، فهو يكتفي بالفتوى على أساسه؟
قال: له ذلك إن تخلى عن التعصب، وقال لمن استفتاه: هذا ما عندي، واذهب لغيري، فقد تجد عنده ما هو أفضل أو أرجح مما وجدت عندي.
قالوا: فإن لم يقل ذلك، وحرج على مستفتيه أن يتبعه؟
قال: يكون قد حجر ما وسعه الله، وضيق على الناس، وقد يكون في تضييقه ما ينفرهم.
قالوا: حدثتنا عن العلم.. فحدثنا عن الورع.
قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الركن في قوله تعالى:{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (الاسراء:36)
وطبقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي أن رجلا أتى رسول الله فقال: أي البقاع شر؟ فقال: (لا أدري)، فلما أتاه جبريل u قال: (يا جبريل، أي البلدان شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل ربي عز وجل، فانطلق جبريل u ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم جاء فقال: يا محمد، إنك سألتني أي البلدان شر؟ فقلت: لا أدري، وإني سألت ربي عز وجل: أي البلدان شر؟ فقال: أسواقها)([9])
قالوا: وعينا هذا، فما السبيل إليه؟
قال: أربعة.
قالوا: فما هي؟
قال: أن لا تتكلموا فيما لا تعلمون، وأن لا تتكلموا بكل ما تعلمون، وأن لا تكتموا ما تعلمون، وأن لا تحرفوا ما تعلمون.
قالوا: فحدثنا عن الأول.
قال: هو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:(من أفتى بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه)([10]).. فالمفتي الورع هو الذي لا يتكلم إلا فيما يعلم.. وقد كان هذا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنة ورثته من بعده، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث وثلاث وثلاث ! فثلاث لا يمين فيهن، وثلاث الملعون فيهن، وثلاث أشك فيهن ، فأما الثلاث التي لا يمين فيهن: فلا يمين للولد مع والده، ولا للمرأة مع زوجها، ولا للمملوك مع سيده، أما الملعون فيهن فملعون من لعن والديه، وملعون من ذبح لغير الله، وملعون من غير تخوم الارض، وأما التي أشك فيهن: فعزيز لا أدري أكان نبيا أم لا ! ولا أدري ألعن تبع أم لا ! ولا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا)([11])
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري: أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله)([12])
قالوا: فما تقول في الموقف ممن يفتي بغير علم؟
قال: هو مجرم كالمجرمين.. وليس للمجرم من جزاء إلا العقوبة.. وأول العقوبة الحجر عليه.
قالوا: وعينا هذا، فحدثنا عن الثاني.
قال: هو ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:(كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع)([13])، وقوله:(بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع)([14])
قالوا: فما في هذا من الورع الذي يجب على المفتي أن يمارسه؟
قال: المفتي الوارث هو الذي لا يتكلم في كل ما يعلم، فقد يكون ما يتكلم فيه غير صحيح، فيتحمل وزر نقل الكذب وإشاعته، وقد يكون ما يتكلم فيه غير نافع، فيتحمل وزر الضرر الذي أصاب به من أفتاه.
قالوا: وعينا هذا.. فلا يكون العالم عالما حتى يتثبت مما يعلمه.
قال: ذلك لا يكفي.. فقد يعلم الشيء ويتثبت منه، ولكنه لا ينغي له أن يلقيه إلا لأهله، أو في الوقت المناسب له.. فالدواء قد يكون نافعا، لكنه إن أعطي لمن لا يحتاجه أضر به.
قالوا: وعينا هذا، فحدثنا عن الثالث.
قال: أن لا يكتم ما يعلم.. لقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:{ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:42)، وقوله تعالى:{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة:146)، وقوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة:159)، وقوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة:174)
وأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:(من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)([15])، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله)([16])، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز ثم لا ينفق منه)([17])، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(ناصحوا في العلم، فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله، وإن الله عز وجل مسائلكم)([18])
قالوا: وعينا هذا، فحدثنا عن الرابع.
قال: أن لا تحرفوا ما تعلمون.. لقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (البقرة:75)، وقوله تعالى:{ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً} (النساء:46)
وأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:(أحب العمل إلى الله عز و جل سبحة الحديث، وأبغض الأعمال إلى الله عز و جل التحريف، فقلنا: يا رسول الله، وما سبحة الحديث؟ قال: (يكون القوم يتحدثون، والرجل يسبح)، قلنا: يا رسول الله، وما التحريف؟ قال: (القوم يكونون بخير فيسألهم الجار والصاحب فيقولون: نحن بشر)([19])
قالوا: فكيف نحرف في الفتوى؟
قال: تتلاعبون بها كما يتلاعب الصبيان بالكرة.
قالوا: كيف ذلك؟
قال: عندما تصرفون وجوه الناس إليكم بصرف وجه الشريعة عنكم.
قالوا: كيف ذلك؟
قال: عندما تقدمون رضا الناس على رضا الله، وتخافون سخط الناس، ولا تخافون سخط الله.
قالوا: فحدثنا عن الركن الثالث.
قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الركن في قوله تعالى:{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)، وقوله تعالى:{ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة: 6)، وقوله تعالى:{ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} (النساء:28)
وأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:(إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا)([20])، وقوله:(إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)([21])، وقوله:(هلك المتنطعون) قالها ثلاثا([22])، وقوله:(لا تشددوا على أنفسكم يشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } (الحديد: 27)([23])، وقوله:(إنكم لن تدركوا هذا الأمر بالمغالبة)([24])، وقوله:(إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)([25])، وقوله:(إياكم والغلوا في الدين، فانما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)([26])، وقوله:(إياكم والتعمق في الدين، فان الله تعالى قد جعله سهلا، فخذوا منه ما تطيقون، فان الله يحب ما دام من عمل صالح، وإن كان يسيرا)([27])
وطبقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، فـ (ما خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله، وما ضرب شيئا بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يكون يجاهد في سبيل الله)([28])
قالوا: ما تقصد بإيرادك لكل هذه النصوص؟
قال: لأدعو إلى إحياء سنة قد أميتت، وهدي قد ضيع.
قالوا: وما هو؟
قال: الرفق.. فمن أعظم سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرفق.
قلت: يحق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل ذلك، فهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهو صاحب هذه الشريعة السمحة، ومفتيها الأول.. ولكن الفقهاء ليسوا إلا خدما للنصوص المقدسة، فما هدتهم إليه ساروا على ضوئه، كان في ذلك حرج، أو لم يكن.
نظر إلي مبتسما، وقال: مرحبا بك بيننا.. كيف تركت أخي محمدا؟
قلت: أي محمد تقصد؟
قال: الفاسي.. ذلك الذي ورث سنة الخطابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: تركته بأحسن الأحوال.
قال: الحمد لله..
ثم قال بعدها، وكأنه لم يقطع حديثه بأي قاطع: ليس في الشريعة حرج.. حتى ما كان منها شديدا، فهو البساطة واليسر والرحمة..
قلت: فكل فتاوى الفقهاء إذن بساطة وسماحة ويسر؟
قال: لا.. هناك من الفقهاء من هو مغرم بالتشديد على الناس، وقد يشدد على نفسه معهم، ولكنه مخطئ في ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
قلت: ولكن قوة الشريعة قد تضيع مع التيسير؟
قال: قوة الشريعة في حب أهلها لها، والتزامهم بها، وتحقيق مصالحهم بذلك الالتزام.. بهذا تكون الشريعة القوية.. لا بالتشريعات التي قد تثقل كواهلهم، ولكنها في نفس الوقت تملأ بواطنهم بالخراب.
قلت: كيف ذلك؟
قال: ألا ترى بعض المفتين يتسرع ويتشدد في أحكام الطلاق، فيهدم أحدهم بيوت المسلمين بكلمة واحدة لا يحسب لها أي حساب.
قالوا: فحدثنا عن الركن الرابع.
قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الركن في قوله تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (ابراهيم:4)
قالوا: فما في هذه الآية من العلم المرتبط بهذا؟
قال: إن هذه الآية تأمرنا بأن نعرف ألسنة قومنا حتى نخاطبهم بها.. فلا نخاطبهم بألسنة لا يفهمونها، أو لا يقبلونها، أو لا يقبلون عليها.
قالوا: إن قومنا يتحدثون بالعربية.. ونحن نتحدث معهم بها.
قال: ليس ذلك فقط ما تشير إليه الآية.
قالوا: فما الذي تشير إليه غير هذا؟
قال: لقد جعل الله ـ بحكمته في عباده ولطفه بهم ـ لكل عصر وبيئة لسانا أو لغة تميزها، وتعبر عن وجهتها، واللغة ليست مجرد ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، بل هي أعمق من ذلك، فهي تتصل بخصائص التفكير، وطرائق الفهم والإفهام.
قالوا: فكيف نتعلم ألسنة قومنا؟
قال: بسبعة سبل.. كل سبيل منها يقربكم مرحلة إلى من تفتونه.
قالوا: فما أولها؟
قال: أن تعتمدوا على مخاطبة العقول بالمنطق، لا على إثارة العواطف بالمبالغات..
قالوا: فما الثاني؟
قال: أن تدعوا التكلف والتقعر في استخدام العبارات والأساليب، وأن تعتمدوا اللغة السهلة القريبة المأنوسة..
قالوا: فما الثالث؟
قال: أن تذكروا الحكم مقرونا بحكمته.. فالقرآن حين يفتي في الخمر ـ وقد سألوا عنها ـ يقول:{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة: 219)
وهكذا عندما يفتي في أحكام الحيض، قال تعالى:{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة:222)
وهكذا عندما يفتي في حكم القتال في الشهر الحرام، قال تعالى:{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة:217)
وهكذا في جميع الأحكام الشريعة.. ففي تقسيم الفيء بين الفئات المستحقة له، ومنهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، يذكر الله تعالى الحكمة في ذلك فيقول:{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر:7)، فقد ذكر أن العلة هي أي {لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}، أي حتى لا يكون المال متداولا بين طبقة الأغنياء وحدهم، ويحرم منه سائر الطبقات، فهذا مصدر الشرور، وهو أبرز خصائص الرأسمالية الطاغية.
حتى العبادات الشعائرية يأمر بها القرآن مقرونة بعلل وأحكام تقبلها الفطر السليمة، والعقول الرشيدة، ففي الصلاة يقول:{ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت: 45)
وفي الصيام يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183)
وفي الزكاة يقول:{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة:103)
وفي الحج يقول:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج:28)
قالوا: فما الرابع؟
قال: الواقع..
قالوا: ما تقصد بذلك؟
قال: إن من أعظم الأشياء خطرا على المفتي أن يعيش بين الكتب، وينفصل عن الواقع..
***
مكثت فترة طويلة مع الشيخ سحنون أتعلم منه أسرار الفتاوى، وفقهها، وما تحمله من معاني الهداية الرفيعة.. وقد اهتديت من خلال صحبتي له إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد المفتين ومعلمهم.. وأن الفتوى المؤثرة والفاعلة لا تكتمل إلا لمن اهتدى بهديه فيها.
***
ما استتم صاحبي حديثه هذا حتى وجدنا أنفسنا قد قطعنا المرحلة الثامنة من الطريق من غير أن نشعر بأي عناء أو تعب.. ولم يخطر على بالي طيلة هذه المرحلة ما كنا نقطعه من غابات موحشة، ومن سباع عادية تتربص بنا من كل اتجاه.
لقد تنزلت
علي بمجرد قطعي لتلك المرحلة أشعة جديدة اهتديت بها بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله
عليه وآله وسلم.
([1]) رواه أحمد وأبو داود والحاكم.
([2]) رواه البخاري ومسلم.
([3]) نشير به إلى القاضي الفقيه المالكي الكبير عبد السلام بن سعيد بن حبيب، أبو سعيد التنوخي، الملقب بسحنون (160ـ 240هـ، 777 ـ 854م)، ولد بالقيروان وأصله من الشام، قرأ على عبدالرحمن بن القاسم تلميذ الإمام مالك وغيره، انتهت إليه رياسة العلم في المغرب، كان زاهدًا لا يهاب سلطانًا في الحق، وكان رفيع القدر عفيفًا أبي النفس، ولي قضاء القيروان إلى أن مات، وكان يقول: قبح الله الفقر أدركنا مالكًا وقرأنا على ابن القاسم. يريد أن الفقر منعه الرحلة إلى المدينة ليأخذ عن الإمام مالك، حصل له من التلاميذ ما لم يحصل لأحد من أصحاب الإمام مالك، وهو الذي نشر علم مالك بالمغرب. ومن أشهر آثاره كتاب المُدَوَّنة الذي صنفه في مذهب الإمام مالك.. وقد اخترناه في هذا الفصل ممثلا للفقيه المفتي.
([4]) نقل في المدارك عن بعض شيوخ إفريقية، أنه قال: سمي سحنون باسم طائر حديد لحدّته في المسائل.
([5]) رواه أحمد وأبو يعلى.
([6]) رواه البخاري ومسلم.
([7]) هذه صفة سحنون كما في كتاب (المدارك) نقلا عن أبي العرب.
([8]) رواه البخاري ومسلم.
([9]) رواه أحمد.
([10]) رواه ابن ماجة.
([11]) رواه الاسماعيلي في معجمه، وابن عساكر.
([12]) رواه البخاري ومسلم.
([13]) رواه أبو داود.
([14]) رواه مسلم.
([15]) رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان.
([16]) رواه ابن ماجه وفيه انقطاع.
([17]) رواه الطبراني.
([18]) رواه الطبراني.
([19]) رواه الطبراني.
([20]) رواه البخاري.
([21]) رواه البخاري ومسلم.
([22]) رواه أحمد ومسلم.
([23]) رواه أبو داود.
([24]) رواه ابن سعد وأحمد وابن حبان.
([25]) رواه الترمذي.
([26]) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم.
([27]) رواه أبو القاسم بن بشران في أماليه.
([28]) رواه البخاري ومسلم.