ثامنا ـ العبيد

في اليوم الثامن، سرت نحو كوخ في أقصى المدينة، سمعت أن اسمه (كوخ العم توم)([1])..
وقد كان صاحبه (العم توم) عجوزا أسود جاء من أمريكا، وكان في أصله من سلالة الأفارقة الذين استعبدهم الرجل الأبيض إبان ميلاد القارة الجديدة.
وقد بنى كوخه في تلك البادية، وسرعان ما راح يجمع حوله السود والبيض والصفر الذين كان أجدادهم القدامى عبيدا.. وقد سمعت أنه كان يعقد بين الحين والحين اجتماعاته وخطبه التحريضية..
وقد شاء الله أن يكون ذلك اليوم الذي زرته فيه هو خاتمة تلك الخطب التحريضية.
قلت: هل فطنت الشرطة له، فاعتقلته؟
قال: لا.. وما كان للشرطة أن تفعل معه شيئا، فالرجل أمريكي يحمل جنسية أمريكية يشهرها بين الحين والحين أمام أعين الجموع.. وما كان للشرطة أن تغامر بانتهاك قداسة الأمريكيين.
قلت: فما الذي أنهى خطبه التحريضية؟
قال: أربعة نفر من الورثة الذين كانت أصولهم تخضع للاستعباد.. وقد استطاعوا بالمنطق العلمي الإيماني الذي أوتوه أن يبددوا تلك الأوهام التي كان يتخذها ذريعة لتحريضاته.
قلت: فما قال أولئك الورثة؟
قال: اصبر.. وسأحدثك الحديث من أوله.. فلا يفهم الآخر إلا بالأول.
قلت: عذرا.. أنت تعرف طبيعتي.. لقد قال تعالى فيها:{ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)} (الإسراء)
قال: في ذلك اليوم.. قدمت نحو كوخ (العم توم)، وقد فوجئت إذ رأيت الجموع الكثيرة ملتفة حول الكوخ، وهي تسمع باهتمام كبير لتلك التحريضات النارية التي كان العم توم يلقيها من دون خوف أو وجل، وقد كان بين الحين والحين يردد عبارة يقولها بفخر وخيلاء (نحن الأمريكيين)
كان في كلامه سباب كثير للإسلام، لا يطيق لساني أن يذكره لك.. فقد كان فيه من البذاءة ما ملأني تقززا.. بل ما جعلني أشعر أن الرجل مع أمريكيته التي يفخر بها لا يزال عبدا للقوم الذي استعبدوا آباءه.
ولكني مع ذلك سأذكر لك بعض ما قال، مما يتناسب مع ما رد به عليه..
كان من حديثه قوله: أول ما يصادف الزائر للولايات المتحدة الأمريكية – بحراً- عندما تقترب به السفينة من ميناء (نيويورك) تمثال (الحرية) الشهير خارج جزيرة مانهاتن..
وقد اتخذناه – نحن الأمريكيين – رمزا لبلادنا ولثقافتنا.. فنحن نحب الحرية، ونكره الاستعباد..
ونحن لذلك نشعر بأن الله ابتعثنا لنخرج الشعوب من عبودية الثقافات والأديان التي جعلتها فريسة للعبودية.
واسمحوا لي أن أذكر لكم بصراحتي التي تعهدونها أن أكبر ما يقف في وجه حملتنا التحريرية هو الإسلام..
ذلك أنه الدين الوحيد الذي شرع الاستعباد، وقنن له قوانينه في كتابه المقدس..
لقد اندهشت كثيرا عندما قرأت كتاب المسلمين المقدس الذي يسمونه (القرآن).. فهو الكتاب الوحيد من الكتب المقدسة الذي يتحدث بتفصيل عن العبيد..
وقد أثر على تراث المسلمين الفقهي.. فلذلك لا نجد كتابا في الفقه، إلا وهو يحوي الحديث عن أحكام العبيد..
ولذلك يشعر فقهاء المسلمين اليوم بفراغ كبير.. فعندما ألغى قومنا الرق.. أو بتعبير أدق عندما قام نبي الحرية (أبراهام لنكولن)([2])بإلغاء الرق شعر المسلمون بامتعاض شديد، فلا يمكن لتشريعات الإسلام أن تقوم من دون أن تكون هناك عبودية.
بعد أن قال هذا الكلام وغيره مما أستحي أن أذكره لك.. قام رجل من القوم، كان أشبه الناس بـ (محمد علي كلاي)([3]) .. ذلك الملاكم المسلم.. وكان من غرابة الصدف أنه يحمل نفس اسمه.. قال يخاطبه بلهجة لا تختلف كثيرا عن لهجة العم توم: اسمح لي أيها العم الفاضل أن أحدثك.. فأنا مثلك من أمريكا.. أو بتعبير أصح أنا مثلك من عبيد أمريكا المحررين..
وقد كنت مثلك في فكرك ودينك وتحريضك.. ولكني عندما عرفت الإسلام وقارنت موقفه من الرق بغيره من الأديان والمذاهب والأفكار والحضارات.. عرفت أن الإسلام هو رحمة الله للعالمين..
لن أتحدث لك عن نفسي ولا عن رحلتي الطويلة التي اكتشفت فيها الإسلام.. ولكني سأحدثك عن هؤلاء الذين تفخر بهم.. وتفخر بانتمائك إليهم([4]).
لقد بدأت حديثك بتثمال الحرية الذي نعتبره رمزاً لبلادنا.. وأود هنا أن أسألك عن هذا التمثال المخادع.. هل أُقيم رمزاً للحرية التي أسبغت على 112 مليون هندى أحمر؟
أم أنه رمز لحرية عشرات الملايين من الأفارقة المساكين الذين جرى خطفهم وجلبهم بالقوة إلى الجنَّة الأمريكية للعمل الشاق حتى الموت من أجل تحقيق الحلم الأمريكى؟
إنها لمهزلة كبرى أن يُقام تمثال الحرية على جثث وجماجم عشرات الملايين من البشر الذين تمت إبادتهم جماعياً بشكل لم يحدث مثله لحيوانات الغابات.. بل لو حدث معشار هذه الإبادة ضد الحيوانات لأقامت جمعيات الرفق بالحيوان فى الغرب الدنيا ولم تقعدها.. أما إبادة مائة مليون هندى أحمر فهو أمر يؤسف له – على حد زعمهم- ولكنه كان ضروريًا لأمن البلاد.. بل كان أبو الحرية الأمريكية المزعومة- جورج واشنطن- نفسه يملك ثلاثمائة عبد وجارية فى مزرعته الخاصة، ولم يحرر منهم واحداً قط.
ويحكى المؤرخون الأوربيون المنصفون قصصاً يشيب لهولها الولدان.. فقد كان الغزاة البيض يشعلون النار فى أكواخ الهنود، ويقيمون الكمائن حولها، فإذا خرج الهنود من أكواخهم هاربين من الحريق، يكون رصاص البيض فى انتظار الرجال منهم، بينما يتم القبض على الأطفال والنساء أحياء لاتخاذهم عبيداً!
وكتب أحد الهولنديين قائلاً: (انتزع البيض بعض الأطفال الهنود الصغار من أحضان أمهاتهم وقطعوهم إرباً أمام أعينهن، ثم ألقيت الأشلاء فى النيران المشتعلة أو النهر !! وربطوا أطفالا آخرين على ألواح من الخشب ثم ذبحوهم كالحيوانات أمام أعين الأمهات)
إنه منظر ينفطر له قلب الحجر – كما يقول الهولندى الراوى نفسه – كما ألقوا ببعض الصغار فى النهر، وعندما حاول الآباء والأمهات إنقاذهم لم يسمح لهم الجنود بالوصول إلى شاطئ النهر، ودفعوا الجميع – صغاراً وكباراً – بعيداً عن الشاطئ ليغرقوا جميعاً.
والقليل جداً من الهنود كان يمكنه الهرب، ولكن بعد أن يفقد يداً أو قدماً، أو ممزّق الأحشاء برصاص البيض.. هكذا كان الكل إما ممزّق الأوصال،أو مضروباً بآله حادة أو مشوّهاً بدرجة لا يمكن تصور أسوأ منها
وتم نقل أعداد هائلة من العبيد الهنود إلى جزر الهند الغربية للعمل بالمزارع الشاسعة هناك أو لبيعهم لآخرين.. كما شُحن مئات الألوف منهم شمالاً إلى نيوانجلند و(نيويورك) حيث مقر الأمم المتحدة، وتمثال الحرية.
وكان المؤرخ (لا كاس) الذى فضح جرائم الإسبان فى أمريكا الجنوبية بكتابه الشهير (تدمير الهنود الحمر) قد أثار القضية أمام المحاكم الأسبانية.. فلجأت الحكومة هناك إلى تهدئة الرأى العام الثائر بإصدار قانون يمنع استعباد الهنود بشكل شخصى، لكن النصوص- كما يقول لا كاس- لم تعرف سبيلها إلى التطبيق الواقعى أبداً فى الأمريكيتين.
بعد أن أباد البيض معظم الهنود الحمر رأوا أنهم لن يتمكنوا من استصلاح وزراعة عشرات الملايين من الأفدنة فى القارة الجديدة – أمريكا – بدون جلب الملايين من الأيدى العاملة الرخيصة.. وتفتقت أذهان الشياطين عن خطة جهنمية بدأت كل دول أوروبا الغربية تقريباً تنفيذها.
إن الزنوج الأفارقة هم من أقوى أنواع البشر وأكثرهم جلداً وصبراً وتحملاً للمشاق والأجواء القاسية، ولهذا استقر رأى المجرمين على اصطياد أكبر عدد ممكن منهم!!
وهكذا تكالبت الوحوش البيضاء المسعورة على الفريسة المسكينة- أفريقيا – تنهش فلذات أكبادها بلا ذرة من رحمة أو إنسانية.. آلاف السفن الأوروبية المحملة بالجنود المسلحين بالبنادق والمدافع تقاطرت على الساحل الغربى للقارة السوداء حاملة الموت والخراب لأغلب سكانها، والخطف والاستعباد والإذلال مدى الحياة لمن بقى منهم على قيد الحياة.
تقول المصادر الأوروبية ذاتها: إن جيوش إنجلترا وبلجيكا والبرتغال وألمانيا وفرنسا وهولندا وأسبانيا – ذات التسليح المتقدم الذى لا يمكن مقارنته بالسيوف والحراب التى لا يملك الأفارقة غيرها – لم تجد صعوبة كبيرة فى السيطرة على الساحل الغربى لأفريقيا المطل على المحيط الأطلنطى.
وخلال خمسين عاماً فقط تم خطف وترحيل ما بين 15 إلى 40 مليوناً من الأفارقة حيث تم بيعهم كعبيد فى أسواق أمريكا وأوروبا..
والمصادر الغربية ذاتها تؤكد أنه من بين كل عشرة أفارقة كان يتم أسر واحد فقط واستعباده، بينما يلقى التسعة الآخرون مصرعهم إما برصاص الغزاة البيض، وإما جوعاً و عطشاً أو انتحارًا من على ظهر السفن التى كانوا يحشرون فيها كالماشية.. وكثير منهم كان يلقى حتفه اختناقاً بسبب تكديس المئات منهم فى أقبية السفن فى مساحة عدة مترات بلا تهوية أو طعام أو مراحيض.
وكثيراً ما كان البحارة يقتلون المئات من الضحايا ويلقون بجثثهم فى البحر.. وعلى ذلك فإن ما لا يقل عن مائة مليون أفريقى قد لقوا حتفهم فى 50 عاماً فقط خلال ملاحم اصطياد العبيد من القارة المنكوبة.
وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن الإنجليز كانوا يشعلون النيران فى الأحراش والأشجار المحيطة بأكواخ الأفارقة، فيضطر هؤلاء المساكين إلى الخروج من مساكنهم هرباً من النيران، فتتلقفهم رصاصات القناصة لقتل الرجال، بينما يتم أسر الأطفال والنساء، ثم ترحيلهم إلى مراكز لتجميع العبيد على طول الساحل الغربى الأفريقى تمهيداً لنقلهم بالسفن عبر المحيط الأطلنطى فى رحلة بلا عودة.. وهذا هو الأسلوب ذاته الذى جرى استخدامه لاصطياد الهنود الحمر، كما يصطادون الوحوش والحيوانات غير الأليفة من الغابات.
نحن لا نعرف بالضبط الأرقام الحقيقية للضحايا سواء من القتلى أو ممن سقطوا فى فخاخ الاستعباد حتى الموت. ولكن من المؤكد أن الأرقام أعلى بكثير مما تذكره المصادر الغربية.. ويكفى أن كاتباً غربياً كبيراً ذكر أن عدد القتلى فى دولة واحدة هى الكونجو بلغ عشرة ملايين إفريقى فى عهد الملك الطاغية (ليوبولد) الذى دمر شعباً بأكمله، وعرقل مسيرة الكونجو لمئات السنين بسبب نهمه وجشعه وإجرامه.
يقول آدم هو تشيلد فى كتابه (شبح الملك ليوبولد): (إن هذا الطاغية قتل كل هؤلاء خلال 23 عاماً فقط حكم خلالها الكونجو التى كان يدعيها مستعمرة مملوكة له شخصياً بكل ما عليها من بشر وثروات وحيوانات)
وقد كان الأوروبيون مثل (ليوبولد) فى الكونجو، والفرنسيون فى مناطق أخرى، والبرتغاليون فى أنجولا، والألمان فى الكاميرون، والإنجليز فى دول أخرى عديدة قد وضعوا نظاماً إجرامياً للسخرة لاستخراج المطاط والذهب وغيرها من كنوز القارة السوداء التى نهبها المجرمون، كما سرقوا فلذات أكباد الأفارقة،وعطلوا مسيرتهم مئات السنين، ولم يتركوا لهم سوى الموت والخراب الشامل والتعاسة التى لم يفلت منها أحد.
ويعدد (هوتشيلد) وغيره من المؤلفين الغربيين الفظائع التى ارتكبها الأوروبيون فى أفريقيا، فقد كان الشنق وتعليق الجثث على الأشجار، وقطع الأيدى والأقدام والأذن وغيرها أمراً شائعاً مارسه المحتلون على اختلاف دولهم وهوياتهم.
وكان من المألوف الإجبار على العمل المتواصل تحت الشمس الحارقة بلا ماء أو طعام كاف، والربط بالسلاسل الحديدية، وحرق قرى بأكملها عقاباً على أية بادرة تذمر.. وكان هناك نوع من الكرابيج يصنعه الجلادون خصيصاً من جلد الخرتيت بعد أن يتم تجفيفه وتقطيعه بطريقة تترك أطرافه حادة وقاطعة.
ويقول هوتشيلد أن عشرين جلدة بهذه الكرابيج كانت كافية ليفقد المجلود الوعى تماماً، فإذا ارتفع عدد الضربات إلى مائة جلدة بتلك الكرابيج الشيطانية فإن المجلود يلقى حتفه فوراً.
وإذا كان زبانية (ليوبولد) يستخدمونها ضد التعساء فى الكونجو، فقد كان الفرنسيون يستخدمونها بضراوة أشد فى (برازافيل)، ولم تكن ألمانيا بعيدة عن الميدان، فقد أباد الألمان شعباً بأكمله هو قبائل (الهيريرو) فيما يعرف الآن بـ (ناميبيا).. وتكفى قراءة فقرة واحدة من تعليمات القائد الألمانى لجنود الاحتلال عام 1904م لإدراك هول ما حدث ووحشية السادة البيض.. لقد ورد فيها:(كل هيريرو – إفريقى – يوجد يجب أن يُقتل سواء كان يحمل سلاحاً أم لا وسواء كانت لديه ماشية أم لا.. ولا يجوز إعتقال أى رجل، يجب فقط أن يُقتل)
وقد كانت البرتغال كذلك من أكثر دول أوروبا تورطاً فى الرق.. وقد تتبع القسيس البرتغالى فرناندو دى أليفيرا في كتابه (فن الحرب فى البحر) كيف كان تُجار الرقيق من البرتغاليين بقيادة صديقه القس (لاس كاساس) أكبر النَخّاسين فى عصره يقومون بترحيل مئات الألوف من العبيد الأفارقة عبر المحيط الأطلنطى بعد خطفهم وانتزاعهم من أسرهم وتقييدهم بالسلاسل.
وحسبما ذكر إليفيرا كان يصاحب كل سفينة قسيس ليقوم بتنصير العبيد مقابل مبلغ مالى يتقاضاه عن كل رأس.. وحققت الكنائس الأوروبية ثروات هائلة من تلك الرسوم التى تتقاضاها من النَخَّاسين.
وشاركت هولندا أيضاً فى تجارة العبيد، حيث طافت مئات من السفن الهولندية موانئ أفريقيا الغربية منذ القرن السادس عشر لنقل ملايين من العبيد إلى أوروبا وأمريكا.. بل كانت جزيرة (جورى) التى يجمعون فيها العبيد تمهيداً لنقلهم عبر الأطلنطى تحت سيطرة الهولنديين الى أن باعوها للإنجليز عام 1872م..
وكانت بعثات التبشير الهولندية متورطة فى أخسّ تجارة عرفتها البشرية.. ويبدو أنهم اكتشفوا أن خطف واصطياد الأفارقة المساكين واستعبادهم يدر من الأرباح أضعاف ما يجلبه العمل على تغيير عقائدهم باسم الرب الذى يزعمون.
ويكشف (هيوتوماس) سبباً اّخر لاختطاف الأفارقة واستعبادهم وهو الإنتقام البربرى.. يقول في ذلك: (الحقيقة أن البرتغاليين وغيرهم كانوا يصطادون الإفريقيين ويحولونهم إلى عبيد محض انتقام من الأفارقة المغاربة بسبب سيطرتهم على أسبانيا والبرتغال..فقد كان أسلاف هؤلاء المغاربة من المسلمين قد سيطروا على أسبانيا والبرتغال لمئات من السنين)
ومن الواضح – كما شهد هيوتوماس – أن القوم لم ينسوا أحقادهم رغم أن المسلمين – كما شهد مؤرخو الغرب – قدموا للغرب وللعالم كله أياد بيضاء طوال حكمهم للأندلس.فقد نشروا العلوم والمعارف والحضارة فى تلك العهود، وعاملوا غير المسلمين بالأندلس بكل عطف ورحمة!!
ويؤيد ما قاله هيوتوماس أن البابا يوجينياس الرابع أعلن رعايته لحملات الاستعباد التى يقوم بها الملك هنرى فى أفريقيا !! وفى الفترة من1450 حتى 1460 م عقد البابا نكولا الخامس وكالكاتاس الثالث صفقة لاسترقاق الأفارقة مقابل تعميد العبيد ودفع 300 كراون للكنيسة عن كل رأس!!
بل أرسل أحد الأساقفة سفينة لحسابه فى إحدى الحملات!!
وقد لجأ البيض إلى أساليب شيطانية لقمع العبيد وقهرهم والسيطرة عليهم.. وقننوا هذا كله بتشريعات تشكل وصمة عار لأى نظام قانونى فى التاريخ..
وقد كان القانون الذى يتناول أحوال الرقيق يُعرف فى كل أمة من الأمم المعاصرة بالقانون الأسود.. وعلى سبيل المثال كان القانون الأسود الفرنسى الذى صدر سنة (1685) ينص على أن الزنجى إذا اعتدى على أحد الأحرار أو ارتكب جريمة السرقة عوقب بالقتل أو بعقاب بدنى آخر، أما إذا أبق العبد فإن نص القانون أن الآبق فى المرة الأولى والثانية يتحمل عقوبة صلم الأذنين والكى بالحديد المحمى، فإذا أبق الثالثة قتل.. وقتل الآبق كان معمولا به أيضاً فى انجلترا، فقد نصت شريعتهم على أن من أبق من العبيد وتمادى فى إباقه قتل.. ودام الحال على هذا فى فرنسا حتى قامت ثورة 1848 م.
أما فى أمريكا فكان القانون فى غاية الشدة والقسوة، وكان مقتضى القانون الأسود أن الحرّ إذا تزوج بأمة صار غير جدير بأن يشغل وظيفة فى المستعمرات.. وكانت القوانين تصرح بأن للسيد كل حق على عبده حتى حق الاستحياء والقتل.
وكان يجوز للمالك رهن عبده وإجارته والمقامرة عليه وبيعه كأنه بهيمة.. ولم يكن يحق للأسود فى أن يخرج من الحقل ويطوف بشوارع المدن إلا بتصريح قانونى.. ولكن إذا أجتمع فى شارع واحد أكثر من سبعة من الأرقاء ولو بتصريح قانونى كان لأى أبيض إلقاء القبض عليهم وجلدهم..
وهذه النصوص كانت مطبقة فى كل أنحاء الأمريكتين.
***
لم يجد العم توم ما يقول ردا على ابن بلده (محمد علي كلاي)، فراح يداعبه قائلا: نحن لا نتحدث عن أمريكا، نحن هنا نتحدث عن الرق الذي جاء به الإسلام.. أليس الإسلام بما نشره من فكر وثقافة ودين هو السبب في استعباد الإنسان لأخيه الإنسان؟
أليس كتاب المسلمين المقدس هو الكتاب الوحيد من بين الكتب المقدسة الممتلئ بالحديث عن أحكام العبودية وقوانينها؟
قال كلاي: قبل أن أجيبك عن سؤالك أود أن أصحح معلومات مرتبطة بتاريخ الرق في العالم..
فالإسلام لم يكن في يوم من الأيام مسئولاً عن ابتداع الرق.. هكذا تثبت حقائق التاريخ التى دوَّنَها المؤرخون من غير المسلمين.. فالتاريخ يشير إلى أن الرق ظاهرة عريقة فى القدم.. تاريخها هو ذاته تاريخ الاستغلال وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
وقد ذكر المؤرخون.. أقصد مؤرخينا من الأوروبيين والأمريكيين أن ظاهرة استعباد الإنسان للإنسان نشأت منذ عشرات الألوف من السنين، وتحديدًا فى فترة التحول من الصيد إلى الاعتماد على الزراعة المُنَظّمة كوسيلة لاكتساب الرزق.
لقد قال المؤرخ الكبير (ول ديورانت) يقرر ذلك:(بينما كانت الزراعة تُنْشئ المدنيِّة إنشاءً فإنها إلى جانب انتهائها إلى نظام الملكية، انتهت كذلك إلى نظام الرق الذى لم يكن معروفًا فى الجماعات التى كانت تقيم حياتها على الصيد الخالص، لأن زوجة الصائد وأبناؤه كانوا يقومون بالأعمال الدَّنيَّة، وكان فيهم الكفاية لذلك، وأما الرجال فقد كانت تتعاقب فى حياتهم مرحلة تضطرب بنشاط الصيد أو القتال، يتلوها مرحلة من فتور الاسترخاء والدعة بعد الإجهاد والعناء. ولعل ما تنطبع به الشعوب البدائية من كسل قد بدأ – فما نظن – من هذه العادة. عادة الاستجمام البطىء بعد عناء القتال والصيد، ولو أنها لم تمكن عندئذ كسلاً بمقدار ما كانت راحة واستجامًا ؛ فلكى تحوِّل هذا النشاط المتقطع إلى عمل مطرد، لابد لك من شيئين: العناية بالأرض عناية تتكرر كل يوم، وتنظيم العمل.
وأما تنظيم العمل فيظل مُنْحلَّ العرى لَدُنِّىَّ النشاط مادام الناس يعملون لأنفسهم، لكنهم إذا كانوا يعملون لغيرهم فإن تنظيم العمل لابد أن يعتمد فى النهاية على القوة والإرغام ؛ وذلك أن نشأة الزراعة وحدوث التفاوت بين الناس انتهيا إلى استخدام الضعفاء بواسطة الأقوياء اجتماعيًا ؛ ولم يتنبَّه الظافر فى القتال قبل ذلك إلى أن الأسير الذى ينفعه هو الأسير الحى، وبذلك قلَّت المجازر وقلَّ أكل الناس بعضهم لحوم بعض كلما زاد نظام الرق اتساعًا.. وإذن فقد تقدم الإنسان من حيث الأخلاق تقدمًا عظيمًا حين أقلع عن قتل زميله الإنسان أو أكله، واكتفى من أعدائه باسترقاقهم؛ وإنك لترى تطورًا كهذا يتم اليوم على نطاق واسع، إذ أقلعت الأمم الظافرة عن الفتك بالعدو المغلوب، واكتفت باسترقاقهم عن طريق التعويض الذى تكبّدهم إياه. ولما استقر نظام الرق على أسسه. وبرهن على نفعه، أخذ يزداد نطاقه بأن أضيف إلى الرقيق طوائف أخرى غير الأسرى، فأضيف إليهم المَدِينُون الذين لا يُوفَون الدَّيْن، والمجرمون الذين يعاودون الإجرام، هذا إلى إغارات تُشن عمدًا لاجتلاب الرقيق ؛ وهكذا كانت الحرب بادىء الأمر عاملاً على نشأة الرق، ثم أصبح الرق عاملاً على شن الحرب.
ولعل نظام الرق حين امتدت به القرون قد أكسب الجنس البشرى تقاليده وعاداته من حيث العمل، فلن تجد بيننا أحدًا يُقدم على عمل شاق عسير إذا كان فى مقدوره أن يتخلص منه بغير أن يتعرض لشىء من العقاب البدنى أو الاقتصادى، وإذن فقد بات الرق جزءًا من النظام الذى استعد به الإنسان للقيام بالصناعة، هذا فضلاً عن أنه عمل على تقدم المدنيَّة بطريق غير مباشر، بأن زاد من الثروة فخلق الفراغ لفئة قليلة من الناس، ولما مضت قرون على هذا النظام، جعل الناس ينظرون إليه كأنه نظام فطرى لاغنى عنه، بهذا قال أرسطو وكذلك بارك القديس بولس.. هذا النظام الاجتماعى الذى لابد أن يكون قد بدا لعينيه فى عصره نظامًا قضى به الله)([5])
وقد عرفت كل الحضارات والأمم السابقة على الإسلام ظاهرة لاستعباد الآخرين على أوسع نطاق ممكن:
فالرق كان موجودًا لدى الفراعنة.. إذ كان الملوك والكهنة وقواد الجيش المصرى القديم يتخذون أسرى الحرب عبيدًا لهم، يستخدمونهم فيما تحتاج إليه الدولة الفرعونية من أعمال كشق الترع وبناء الجسور والمعابد والأهرامات.
وكان الرق موجودًا على أوسع نطاق لدى الآشوريين.. وقد كانت قصورهم مليئة بالعبيد والجوارى.. ومن أطرف الوثائق والعقود التى عُثر عليها، وتعود إلى عهد الملك نبوخذ نصر – كما يقول ول ديورانت – تلك العقود المتصلة بالعبيد. (وكان مصدر هؤلاء العبيد أسرى الحروب، والغارات التى يشنها البدو الرحل على الولايات الأجنبية، ونشاط العبيد أنفسهم فى التناسل. وكان ثمن الأرقاء يختلف من عشرين ريالاً إلى خمسة وستين للمرأة، ومن خمسين ريالاً إلى مائة ريال للرجل.. وكان هؤلاء العبيد هم الذين يؤدون معظم الأعمال العضلية فى المدن، وتدخل فى هذه الأعمال الخدمات الشخصية.
وكان العبد وكل ما ملكت يداه ملكًا لسيده: من حقه أن يبيعه أو يرهنه وفاء لدين، ومن حقه أن يقتله إذا ظن أن موته أعود عليه بالفائدة من حياته.. وإذا أبق العبد فإن القانون لا يبيح لأحد أن يحميه وكانت تقدر جائزة لمن يقبض عليه.. وكان من حق الدولة أن تجنّده كما تجنّد الفلاح الحرّ للخدمة العسكرية أو تسخّره للقيام ببعض الأعمال العامة كشق الطرق، وحفر القنوات.. وكان أكثر العبيد يقنعون من حياتهم بكثرة الأبناء، حتى صاروا أكثر عددًا من الأحرار، فكانت طبقة الأرقام الكبيرة تتحرك كأنها نهر تحتى جيَّاش يجرى تحت قواعد الدولة البابلية)([6])
وفى بلاد فارس كان الأرقاء يُتخذون للرعى والزراعة، ويستخدمون فيما تحتاج إليه البيوت من الزينة والعمل.. وإذا ارتكب الرقيق ذنبًا عوقب عقابًا معتدلاً، فإذا ارتكبه مرة أخرى فلسيده أن يعاقبه بما يشاء، وله أن يقتله.
وكان لدى الهنود القدماء طبقات أعلاها: طبقة الأشراف وهم البراهمة، أما طبقة العمال، فهى الطبقة الدنيا التى تستخدم فى الأعمال، وتعامل معاملة بشعة.. وللطبقة الأولى السيادة والسيطرة، وعلى الطبقة الثانية – وهى طبقة الأرقاء – الطاعة والخضوع. ويستمر الرقيق خادمًا طوال حياته. وكانت القوانين التى يحاكم بها جائرة، فإذا اعتدى رقيق على بَرهَمى حكم على الرقيق بالقتل. وإذا شتمه بلفظ بذىء قُطع لسانه. وإذا احتقره عُوقب بوضع خنجر محمى بالنار فى فمه. وإذا تجرأ ونصح لبرهمى نصيحة تتصل بواجبه أمر الملك بوضع زيت ساخن فى أذنه وفمه. وإذا اغتصب برهمى شيئًا من الرقيق حكم عليه بدفع غرامة مالية. وإذا سرق عبد شيئًا من برهمى حكم عليه بالإحراق !!. وكانت الأعمال النجسة تترك للعبيد ليقوموا بها، والأعمال المقبولة يقوم بها الخدم. وكانت فى الهند طائفة أخرى منبوذة تُسَخَّر للخدمة كالعبيد.
وكان الفقراء من الصينيين القدماء يبيعون أبناءهم وبناتهم لشدة فقرهم وحاجتهم. وكان للسيد الحق فى بيع من لديه من الأرقاء وأولادهم.
أما عند الإغريق، فقد كان فى أثينا ثلاث طبقات: طبقات المواطنين والغرباء والعبيد، وقد كان عددهم كبيرا، وهم إما أسرى حرب، أو ضحايا غارات الاسترقاق، أو أطفال أنقذوا وهم معرضون فى العراء، أو أطفال مهملون، أو مجرمون.. وكانت قلة منهم فى بلاد اليونان يونانية الأصل ؛ وكان الهلينى يرى أن الأجانب عبيد بطبعهم لأنهم يبادرون بالخضوع إلى الملوك، ولهذا لم يكن يرى فى استعباد اليونان لهؤلاء الأجانب ما لا يتفق مع العقل؛ لكنه كان يغضبه أن يسترق يونانى.
وكان تجّار اليونان يشترون العبيد كما يشترون أية سلعة من السلع، ويعرضونهم للبيع فى طشيوز، وديلوس، وكورنثة، وإيجينا، وأثينا، وفى كل مكان يجدون فيه من يشتريهم. وكان النخاسون فى أثينا من أغنى سكانها الغرباء؛ ولم يكن من غير المألوف فى ديلوس أن يباع ألف من العبيد فى اليوم الواحد؛ وعرض سيمون بعد معركة يوريمدون عشرين ألفًا من الأسرى فى سوق الرقيق.
وكان فى أثينا سوق يقف فيه العبيد متأهبين للفحص وهم مجردون من الثياب، و يساوم على شرائهم فى أى وقت من الأوقات، وكان ثمنهم يختلف من نصف مينا إلى عشر مينات.. وكانوا يشترون إما لاستخدامهم فى العمل مباشرة، أو لاستثمارهم؛ فقد كان أهل أثينا الرجال منهم والنساء يجدون من الأعمال المربحة أن يبتاعوا العبيد ثم يؤجروهم للعمل فى البيوت أو المصانع، أو المناجم.. وكانت أرباحهم من هذا تصل إلى 33 فى المائة.. وكان أفقر المواطنين يمتلك عبدًا أو عبدين.. وكان عددهم فى بيوت الأغنياء يصل أحيانًا إلى خمسين، وكانت الحكومة الأثينية تستخدم عددًا منهم فى الأعمال الكتابية وفى خدمة الموظفين، وفى المناصب الصغرى، وكان منهم بعض رجال الشرطة.
أما فى الريف فكان العبيد قليلى العدد، وكانت أكثر الرقيق من النساء الخادمات فى البيوت.. ولم يكن الناس فى شمالى بلاد اليونان وفى معظم الپلپونيز فى حاجة إلى العبيد لاستغنائهم عنهم برقيق الأرض. وكان العبيد فى كورنثا، ومجارا، وأثينا يؤدون معظم الأعمال اليدوية الشاقة، كما كانت الجوارى يقمن بمعظم الأعمال المنزلية المجهدة، ولكن العبيد كانوا فوق ذلك يقومون بجزء كبير من الأعمال الكتابية وبمعظم الأعمال التنفيذية فى الصناعة، والتجارة، والشئون المالية. أما الأعمال التى تحتاج إلى الخدمة فكان يقوم بها الأحرار والغرباء، ولم يكن هناك عبيد علماء كما فى العصر الهلنستى وفى روما، وقلما كان يسمح للعبد بأن يكون له إناء، لأن شراء العبد كان أرخص من تربيته. وكان العبد إذا أساء الأدب ضُرب بالسوط، وإذا طلب للشهادة عُذّب، وإذا ضربه حر لم يكن له أن يدافع عن نفسه، لكنه إذا تعرض للقسوة الشديدة كان له أن يفر إلى أحد الهياكل)([7])
وكان فلاسفة اليونان يجاهرون بتأييدهم للرق.. بل كان أفلاطون يرى أن العبيد لايصلحون لأن يكونوا مواطنين.. وعليهم فقط لزوم الطاعة العمياء لسادتهم أحرار أثينا !!. ولا ندرى أى مدينة فاضلة تلك التى يكون ثلاثة أرباع أهلها من العبيد !!
أما تلميذه أرسطو فهو يرى أن بعض الناس خُلِقُوا فقط ليكونوا عبيدًا لآخرين! ليوجهوهم كما يريدون، وبعضهم خُلِقُوا ليكونوا سادة، وهم الأحرار ذوو الفكرة والإرادة والسلطان.. فالعبيد خلقوا ليعملوا كأنهم آلات، والأحرار خُلِقُوا ليفكروا ويلقوا الأوامر لينفذها العبيد! ويجب فى رأى أرسطو أن يستمر هذا الاستعباد حتى يتوصل الإنسان إلى صنع آلات معدنية تحل محل الرقيق!
وفى بلاد اليونان كان العبيد يعملون خدمًا فى البيوت، ولا يسمح لهم بأن يكونوا كهنة فى المعابد كما يؤكد بلوتارك المؤرخ اليونانى المعروف.
وقد اعتاد قدماء الإغريق السير فى البحار، وخطف من يجدونه من سكان السواحل. وكانت قبرص وصاقس وسامس والمستعمرات اليونانية أسواقًا كأثينا يباع فيها الأرقاء ويشترون.. وكان العبيد يعملون لمواليهم ولأنفسهم، ويدفعون لسادتهم مقدارًا محددًا من المال كل يوم.. وكان فى كل منزل بأثينا عبد للقيام بالخدمة، مهما كان صاحبه فقيرًا، وكان المولى حر التصرف فيمن يملكهم من عبيد.
وكان الرقيق إذا أخطأ عوقب بالجلد بالسوط وكلف القيام بطحن الحبوب على الرحى، وإذا هرب كوى على جبهته بالحديد المحمى فى النار.
أما تاريخ العبودية لدى الرومان فهو بحق صفحات حالكة السواد فى سجل الرق.. فقد كان الرومان يحصلون عادة على الأرقاء من أسرى الحروب، وأولاد العبيد، وأولاد الأحرار الذين حكم عليهم القانون بأن يكونوا عبيدًا، كالمدينين الذين صعب عليهم الوفاء بديونهم.. وكان ثلاثة أرباع سكان الامبراطورية الرومانية من الرقيق! وفى أثناء الحرب كان النخّاسون الذين يتجرون فى الرقيق يلازمون الجيوش، وكان الأسرى يباعون بأثمان زهيدة. وأحيانًا كان النخّاسون من الرومان يسرقون الأطفال ويبيعونهم، ويسرقون النساء للاتجار بأعراضهن.
وكان الرقيق فى روما يقف على حجر فى السوق، ويدلل عليه البائع، ويباع بالمزايدة. وكان الراغب فى الشراء يطلب أحيانًا رؤية العبد وهو عريان لمعرفة ما به من عيوب!
وكان هناك فرق كبير فى الثمن بين العبد المتعلم والعبد الجاهل، وبين الجارية الحسناء والجارية الدميمة..
وكان الأرقاء قسمين: قسم ينتفع به فى المصالح العامة كحراسة المبانى، والقيام بأعمال السجّان فى السجن، والجلّاد فى المحكمة للمساعدة فى تنفيذ حكم القاضى. وحال هذا النوع أحسن من سواهم، وقسم ينتفع به فى المصالح الخاصة كالعبد الذى يتخذه مولاه لقضاء الأعمال فى البيت والحقل، والجارية التى يجعلها سيدها لتربية الأولاد.
وكان القانون ينظر إلى الرقيق كأنه لا شىء، فهو ليس له أسرة، ولا شخصية، ولا يملك شيئًا. والعبد وما ملكت يداه لسيده. ويتبع الرقيق أمه حين الوضع، فإذا كانت حرّة كان حرًّا، وإذا كانت رقيقة كان رقيقًا.
وكان لمالك الرقيق الحرية المطلقة فى التصرف مع عبده كما يتصرف فى الحيوانات التى يملكها.. فإذا أخطأ العبد عاقبه سيده كيفما شاء، أو بأية وسيلة شيطانية تخطر له على بال !! فكان يقيده بالسلاسل ويكلفه مثلاً بحرث الأرض وهو مكبل بالحديد، أو يجلده بالسياط حتى الموت، أو يعلقه من يديه فى مكان مرتفع عن الأرض بينما يربط أثقالاً برجليه حتى تتفسخ أعضاء جسمه!! أو يحكم عليه بمصارعة وحوش كاسرة – كالأسود والنمور – تم حبسها وتجويعها أيامًا طوال كى تكون أشد افتراسًا وفتكًا بالعبيد البائسين الذين قُدّر عليهم أن يلقوا حتفهم بهذا الأسلوب الذى يقشعر له بدن الشيطان !!
ولم تكن هناك أية عقوبة فى القانون الرومانى تُطبق على السيد الذى يقتل عبده أبدًا، فالقانون الرومانى كان ينص على أن العبد هو أداة ناطقة !! وكانوا يعتبرون الرقيق مجرد أشياء وليسوا بشرًا ذوى أرواح وأنفس!! وكان منظرًا عاديًا لديهم أن يشاهدوا جثثًا مصلوبة على جذوع الأشجار لعبيد شاء سادتهم المجرمون شنقهم، أو تعليقهم هكذا بلا طعام ولا شراب حتى الموت، أو حرقهم أحياء، أو إجبارهم على العمل الشاق وأرجلهم مقيدة بالسلاسل عراة تحت أشعة الشمس الحارقة !! وكانت الفقرة المحببة لدى الرومان فى الأعياد والمهرجانات هى المبارزات الحية بكل الأسلحة الفتَّاكة بين العبيد حتى يهلك الأعجل من الفريقين !! وتتعالى صيحات المجرمين الرومان إعجابًا أو تلتهب الأكف من التصفيق الحاد حين يتمكن أحد العبيد من تسديد طعنة نافذة فى جوف القلب تقضى على غريمه !!
ويقول م.ب تشارلز ورث فى كتابه (الامبراطورية الرومانية): (كان هناك – دون شك – الحاكمون بأمرهم، فقد أصر سيد على أن يقف العبيد حول المائدة صامتين، وكان يعاقب من يسعل منهم أو يعطس بالجلد !! واعتادت إحدى السيدات أن تعض جواريها فى نوبات غضبها، وكانت أخريات يأمرن بجلد الجارية إذا لم تُحسن تصفيف شعر سيدتها !! وألقى أحد العبيد المعذبين بنفسه من فوق سطح المنزل فخر صريعًا هربًا من السباب وإهانات سيده المتوحش، وطعن أحد العبيد الهاربين من الجحيم نفسه حتى الموت حتى لا يعود إلى الرق مرة أخرى. ومثل هذه الحوادث كثير)([8])
وكان من الطبيعى أن تندلع ثورات عارمة احتجاجًا على وحشية السادة الرومان تجرى فيها دماء الطرفين أنهارًا، لكنها للأسف كانت تنتهى بمقتل جميع العبيد الثائرين، والويل لمن يبقى حيًا حتى ممن لم يشاركوا فى التمرد.
وفى القرون الوسطى كان الأرقاء فى فرنسا وإيطاليا والجزر البريطانية وأسبانيا القديمة يكلفون بالأعمال الزراعية من حرث وزرع وحصد؛ لأن الأعمال اليدوية فى نظرهم كانت محتقرة لا يقوم بها الأحرار !! وكان الأرقاء فى ألمانيا يقدمون إلى سادتهم مقادير معينة من القمح أو الماشية أو الملابس.. وكان لكل عبد مأوى يقيم فيه، ويدبّر أحواله كما يريد.
وكان الفرنج – وهم الألمان الذين يقيمون على جانبى نهر الراين الأسفل – يعاملون الأرقاء أقسى معاملة، فإذا تزوج حرّ رقيقة أجنبية صار رقيقًا مثلها، وإذا تزوجت حرّة رقيقًا أصبحت رقيقة، وفقدت الحرية التى كانت تتمتع بها.
وفى لمبارديا كانت الحرّة إذا تزوجت رقيقًا حكم عليهما بالإعدام.
ولدى الأنجلوسكسون – وهم الأمم الجرمانية التى تناسل منها الانجليز – كان الأرقاء ينقسمون قسمين: قسم كالمتاع يجوز بيعه، وقسم كالعقار يقوم بحرث الأرض وزرعها، ويباح لهم جمع مال يدفعونه لسادتهم.
وكانت نظرة الأوروبيين إلى العبيد حتى القرن التاسع عشر أنهم لا روح لهم ولا نفس، ولا إرادة.. فإذا اعتدى زنجى على سيده أو على حر من الأحرار، أو سرق أى شىء كان القتل جزاء له.
وإذا هرب عوقب بقطع أذنه فى المرة الأولى، وكوى بالحديد المحمىِّ فى المرة الثانية، وقتل فى الثالثة.. وإذا قتل المالك رقيقه فللقاضى الحق فى أن يحكم ببراءة المالك !
ولا يجوز لغير البيض اكتساب العلم والمعرفة. وكان القوط وغيرهم من القبائل فى أوروبا يحكمون على الحرّة التى تتزوج من عبد بالحرق معه !! وفى قوانين قبائل الأسترغوط يحكمون بالقتل على الحرّة التى تتزوج بعبد([9]) وأولادهم جميعًا يسترّقون إن حدث إنجاب قبل قتلهم.
وكان وجود رقيق أمرًا حتميًا بسبب نشوء النظام الإقطاعى الذى تبلور فى صورته المعروفة بأوروبا فى القرن التاسع، وبلغ ذروته إبان القرون الوسطى، وتحديدًا فى القرن الثالث عشر.. وهناك من يرى أن الرقيق كانوا يمثلون الأغلبية الساحقة من سكان أوروبا باستثناء الملوك والنبلاء ورجال الدين.
بدأ نظام الإقطاع يمنح الملوك والأمراء مساحات من الأراضى لمن يدينون لهم بالولاء مدى حياتهم، ثم أصبح ذلك أمرًا وراثيًا. فأمير الإقطاعية هو الحاكم المطلق فى إقطاعيته، هو المالك لكل شىء والباقون عبيد، لا يملكون حق الانتقال من إقطاعية إلى إقطاعية.
ولم تكن مساوىء النظام الإقطاعى فى الجانب المالى فحسب، بل كان للإقطاعى سلطات أخرى حصل عليها([10]).
أما في القارة الأمريكية فللرق فيها مأساة مؤلمة لن تستطيع الأيام مهما طالت أن تمحوها.
سأحكي لكم بعض تلك المآسي.. لتعرفوا حقيقة أولئك الذين يزعمون أنهم حرروا الرقيق.
لقد شاء الله تعالى أن يبتلى الهنود الحمر بالقسط الأوفر من الإبادة والاستعباد.. فقد كان اكتشاف الأمريكتين- بالإضافة إلى الثورة الصناعية – كارثة كبرى حلت بعشرات الملايين من سكان أمريكا الأصليين.. والذى حدث هو أن عصابات البيض التى وصلت أمريكا وجدت مساحات هائلة من أخصب أراضى العالم البكر بحاجة إلى عشرات الملايين من الأيدى العاملة التى تعذَّر عليهم تدبيرها من أوروبا، ولذلك فكَّر الغُزاة فى السيطرة على الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين،لكنهم فشلوا فى استعبادهم، فلم يتورّعوا عن القضاء عليهم!!
وهكذا وقعت واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية فى التاريخ..
ويقدر الباحثون أعداد السكان الأصليين الذين أبادهم الغزاة الأوروبيون بأكثر من مائة مليون هندى أحمر.. ولم يتورّع السادة البيض الذين أسسوا ما يسمى الآن بالولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام أحط الوسائل وأخس السُبل للقضاء على الهنود الحمر، ومنها تسميم آبار المياه التي يشرب منها السكان الأصليون، وحقنهم بالفيروسات وجراثيم أشد الأمراض فتكاً مثل الطاعون والتيفود والجدرى ومسببات السرطان..
ويحاول المؤرخون الأمريكيون التقليل من أعداد الضحايا زاعمين أنهم حوالى مليونين فقط، وفى إحصاء عام 1900م قللوا الرقم إلى مليون لا غير.
وكان القانون الأمريكى الذى ظل سارى المفعول حتى عام 1865م، ينص على حق الأمريكى الأبيض فى الحصول على مكافأة مجزية إذا قدم لأى مخفر شرطة بالولايات المتحدة فروة رأس هندى أحمر..
ويذكر المؤرخون أن 80 بالمائة من هنود كاليفورنيا مثلاً أبيدوا خلال عشرين عاماً فقط، وهلك الباقون بسبب العمل الشاق حتى الموت بالسُخْرة فى سبيل رفاهية السادة البيض.
وكان اكتشاف مناجم الذهب والمزارع الشاسعة فى كولورادو وغيرها من ولايات الذهب وبالاً على الهنود المساكين، إذ دفعت رغبة البيض المجرمين فى الحصول على أيدى عاملة رخيصة إلى تنشيط أخس وأقذر تجارة فى التاريخ بأمريكا، وهى خطف الأطفال والشباب لاستعبادهم.. وهكذا نشطت تجارة خطف أطفال الهنود من مختلف مناطق أمريكا.وكانت صحف تلك الفترة تمتلىء بصور الشاحنات المكتظة بأطفال الهنود الحمر المتجهة عبر الطرقات الريفية إلى أسواق العبيد فى سكرامانتو وسان فرانسيسكو ليتم بيعهم إلى أصحاب المناجم والمزارع.
ومع نهاية القتال فى سنوات الاحتلال الأولى، زاد الإقبال على خطف الفتيات – بصفة خاصة – فَهُن يقدمن خدمة مضاعفة للسادة البيض.
وأما الآباء الهنود المساكين فإن الغضب والأسى، الناجم عن خطف واغتصاب واستعباد فلذات أكبادهم، كان معناه أنهم – فى نظر الأسياد البيض – عناصر شغب تستحق الإعدام فوراً وبلا محاكمة!!
وبذلك تحول الخاطفون إلى أبطال وطنيين أمريكيين يساهمون فى التخلص من المشاغبين الهنود الذين يشكلون خطراً داهماً على أمن الدولة الأمريكية الناشئة !!!
ويقول المؤرخون أن هذه القرصنة وجدت من يقنّنها ويضفى عليها الشرعية التامة عبر قانون أصدره برلمان ولاية كاليفورنيا فى أول جلسة تشريعية له فى عام 1850م.. وأصبح خطف الهنود الحمر واستعبادهم بموجب ذلك التشريع عملاً قانونياً يستحق فاعله الثناء والتكريم.. وبموجب تعديلات أضيفت عام 1860م تم إجبار عشرة ملايين هندى أحمر على القيام بأعمال السخرة حتى الموت.. ولم تمض سنوات على هذا التشريع الإجرامى حتى ضاق حاكم الولاية بيتر بيزنت ذرعاً بالسُخْرة، فوجه رسالة إلى المجلس التشريعى قال فيها: (إن الرجل الأبيض الذى يعتبر الوقت من ذهب، والذى يعمل طوال النهار، لا يستطيع أن يسهر طوال الليل لحراسة أملاكه. وليس أمامه خيار آخر سوى شن حرب إبادة.. إن حرباً قد بدأت فعلاً، ويجب الاستمرار فيها حتى ينقرض الجنس الهندى تماماً)
وهكذا أباد السادة البيض 112 مليون هندى أحمر، وأُبيدت معهم حضارات (المايا) و(الأزتيا) و(البوهاتن) وغيرها لإقامة أمريكا زعيمة النظام العالمى الجديد.
***
بعد أن ذكر كلاي هذه الحقائق التاريخية التي اندهش لسماعها الجميع، قام العم توم، وقال: نشكرك على كل هذه المعلومات التي أوردتها.. وأنا لا أعارضك فيها لأنها تصب فيما نحن فيه.
فنحن عندما نتحدث عن الرق، وعن ظلم الرقيق لا نميز بين أمة وأمة.. ولا بين دين ودين..
أنا فقط هنا في هذا المجلس تحدثت عن الإسلام كجبار من الجبابرة الظلمة الذي راحوا ينشرون الاستعباد، ويحرضون عليه، ويعدون بالجنان من يستعبد الناس ويسترقهم.
وعندما كنت في أمريكا ذكرت ما ذكرته أنت الآن عن أمريكا.. ولذلك تراني اخترت أن أسمي نفسي (العم توم)، واخترت أن أجعل كوخي مأوى يجتمع عنده جميع الذين كان العالم يستعبدهم ليستعيدوا من هويتهم ما أراد السيد المستعلي أن ينزعه.
قال كلاي: أنا في هذا الجانب متفق معك تماما.. فعلى العالم المستكبر أن يعيد حقوق المستضعفين.. ولكني لست معك في موقفك من الإسلام..
لا لأنه ديني الذي اخترت أن أعتنقه.. وإنما لأني رأيت – بالأدلة الكثيرة – أنه الدين الوحيد الذي حفظ من حقوق العبيد، وضمن لهم من الحرية ما لم يضمن أي دين آخر.. لقد كان رحمة لهم لم تعدلها أي رحمة.
لن أحدثك عن هذا الجانب أنا.. فهو جانب مرتبط بمصادر الإسلام المقدسة.. ولا أرى نفسي أهلا للحديث عنها..
ولذلك فقد جاء معي أربعة رجال.. جميعهم تعرض أجدادهم للاستعباد، ولم ينقذهم منه إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتعاليمه العظيمة.
أشار إلى أحدهم، وقال: أما أولهم، فهذا.. واسمه بلال.. وهو ينتسب إلى رجل عظيم من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم من العبيد، وكان اسمه (بلال بن رباح)([11])
أشار إلى آخر، وقال: أما هذا، فاسمه سلمان، وهو ينتسب إلى رجل عظيم منهم اسمه (سلمان الفارسي)([12])
أشار إلى آخر، وقال: أما هذا، فاسمه زيد، وهو ينتسب إلى رجل عظيم منهم اسمه (زيد بن حارثة)([13])
أشار إلى آخر، وقال: أما هذا، فاسمه سالم، وهو ينتسب إلى رجل عظيم منهم اسمه (خباب بن الأرت)([14])
تقدم أولهم، وهو بلال، وأراد أن يتحدث، فقاطعه (العم توم)، وقال: قبل أن تقول كلمة واحدة أجبني.. هل ورد في كتابكم المقدس إباحة الاسترقاق؟
قال بلال: لقد قرأت القرآن من أوله إلى آخره، فلم أجد فيه كلمة واحدة تقول:(أحل لكم الاستعباد).. بل ما وجدت فيه إلا:{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} (المائدة).. وقوله:{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} (المائدة).. وقوله:{ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ.. (275)} (البقرة)
قال العم توم: أنت تفر من سؤالي.
قال بلال: بل أجيبك عنه.
قال توم: ولكن القرآن ذكر في مواضع كثيرة الاسترقاق والاستعباد، وهو يكني عن ذلك بالرقبة.
قال بلال: فهل يمكن أن تقرأ لي هذه النصوص؟
قال توم: أجل.. بكل سرور.. لقد سجلتها في هذه الورقة.. وسأقرؤها لك آية آية..
فتح العم توم ورقة أخرجها من جيبه، وراح يقرأ:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء:92)..
ثم قال: ليس ذلك فقط ما ورد.. اسمع هذه الآية..:{ لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة:89)
واسمع هذه الآية:{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (القصص:3)
واسمع هذه:{ فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ} (البلد:10 ـ 13)
التفت العم توم إلى الجموع، وقال: ألا تكفي كل هذه الآيات للبرهنة على أن القرآن يتحدث عن العبيد.. ويقر استعبادهم؟
ابتسم بلال، وقال: أفي هذه النصوص التي قرأتها: تحرير الرقبة، أم استعباد الرقبة؟
سكت توم، فقال بلال: بل ذكرت هذه النصوص المقدسة تحرير الرقبة.. وليس هناك نص في القرآن الكريم أو السنة المطهرة فيه استعباد الرقاب..
قال توم: ولكن مع ذلك، فإن الرق مشروع بالنصوص.. ولو حرم لورد النص فيه كما ورد في الخمر والميسر وغيرها من المحرمات.
قال بلال: مسألة الرقيق تختلف كثيرا عن الخمر والميسر وغيرها.. ولذلك كان علاجها يختلف عن علاج الخمر والميسر.
قال توم: كيف؟.. ألست تدعي أن الإسلام حرم الاستعباد؟
قال بلال: أنا لا أقول: إن الإسلام حرم الاستعباد.. ولكني أقول: إن الإسلام في علاجه للاستعباد يكاد يصرح بتحريم الاستعباد.. وإلا كيف يبحث عن استئصال ما يقول بإباحته؟
قال توم: لا يزال ذهني كليلا دون إدراك ما ترمي إليه.
قال بلال: إدراك ما أرمي إليه يستدعي التعرف على منهج الإسلام في الأحكام، وهو المنهج الذي يراعي الواقع النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي..
ولأجله قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(يا عائشة ! لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: بابا شرقيا وبابا غربيا، فبلغت به أساس إبراهيم)([15])
فأمر الكعبة من الخطورة بالنسبة للواقع الاجتماعي الذي عاشه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحيث منعه من فعل ما هو حق حرصا على الواقع.
قال توم: ولكن الإسلام جابه الواقع في قضايا كثيرة.
قال بلال: يختلف ذلك بحسب نوع القضايا.. فعندما يتعلق الأمر أو النهي بقاعدة من قواعد التصور الإيماني، أي بمسألة اعتقادية، فإن الإسلام يقضي فيها قضاء حاسما منذ اللحظة الأولى.
ولكن عندما يتعلق الأمر أو النهي بعادة وتقليد، أو بوضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام يتريث به ويأخذ المسألة باليسر والرفق والتدرج، ويهيء الظروف الواقعية التي تيسر التنفيذ والطاعة.
فعندما كانت المسألة مسألة التوحيد أو الشرك أمضى أمره منذ اللحظة الأولى في ضربة حازمة جازمة لا تردد فيها ولا تلفت، ولا مجاملة فيها ولا مساومة، ولا لقاء في منتصف الطريق.. لأن المسألة مسألة قاعدة أساسية للتصور، لا يصلح بدونها إيمان ولا يقام إسلام.
فأما في الخمر والميسر فقد كان الأمر أمر عادة وإلف، والعادة تحتاج إلى علاج.. فبدأ بتحريك الوجدان الديني والمنطق التشريعي في نفوس المسلمين، بأن الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع.. وفي هذا إيحاء بأن تركهما هو الأولى.. ثم جاءت الخطوة الثانية بآية سورة النساء:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء:43)..والصلاة في خمسة أوقات، معظمها متقارب، لا يكفي ما بينها للسكر والإفاقة!
وفي هذا تضييق لفرص المزاولة العملية لعادة الشرب، وكسر لعادة الإدمان التي تتعلق بمواعيد التعاطي ; إذ المعروف أن المدمن يشعر بالحاجة إلى ما أدمن عليه من مسكر أو مخدر في الموعد الذي اعتاد تناوله. فإذا تجاوز هذا الوقت وتكرر هذا التجاوز فترت حدة العادة وأمكن التغلب عليها.. حتى إذا تمت هاتان الخطوتان جاء النهي الحازم الأخير بتحريم الخمر والميسر:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:90)
قال توم: ولكن مثل هذا النص لم ينزل في الاستعباد.
قال بلال: أمر الاستعباد لم يكن يتعلق بالفرد في حد ذاته، بل كان يرتبط بوضع اجتماعي اقتصادي، وأمر عرف دولي وعالمي في استرقاق الأسرى وفي استخدام الرقيق، والأوضاع الاجتماعية المعقدة تحتاج إلى تعديل شامل لمقوماتها وارتباطاتها قبل تعديل ظواهرها وآثارها.
والعرف الدولي يحتاج إلى اتفاقات دولية ومعاهدات جماعية.. ولم يأمر الإسلام بالرق قط، ولم يرد في القرآن نص على استرقاق الأسرى، ولكنه جاء فوجد الرق نظاما عالميا يقوم عليه الاقتصاد العالمي، ووجد استرقاق الأسرى عرفا دوليا، يأخذ به المحاربون جميعا، فلم يكن بد أن يتريث في علاج الوضع الاجتماعي القائم والنظام الدولي الشامل([16]).
قال توم: فيم تمثل هذا العلاج؟
قال بلال: لقد وضع الإسلام أربعة أنواع من العلاج لهذه الظاهرة لا تساهم فقط في تحرير الرقيق، بل توفر لهم من الحياة ما لا يحلم به الأحرار.
قال توم: فما أولها؟
قال بلال: تجفيف منابع العبودية.
قال توم: ما معنى هذا؟
قال بلال: لقد كان للرق روافد كثيرة، وإمدادات واسعة.. كان كالنهر العظيم الذي تمده السيول والوديان كل حين، بكل قوة.
قال توم: فماذا فعل الإسلام؟
قال بلال: لقد ذهب إلى تلك السيول والوديان، وراح يجففها واحدا واحدا.. ليجف النهر بعد ذلك.
قال توم: اشرح لي هذا([17]).
قال بلال: عندما ظهر الإسلام كان للمظالم الاجتماعية والتمييز العرقى والطبقى منابع وروافد عديدة تغذى نهر الرق في كل يوم بالمزيد من الأرقاء.. فالحرب يتحول بها الأسرى إلى أرقاء، والنساء إلى سبايا وإماء.. والخطف، يتحول به المخطوفون إلى رقيق.. وارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا كان يحكم على مرتكبيها بالاسترقاق.. والعجز عن سداد الديون، كان يحوِّل الفقراء المدينين إلى أرقاء لدى الأغنياء الدائنين.. وسلطان الوالد على أولاده، كان يبيح له أن يبيع هؤلاء الأولاد، فينتقلون من الحرية إلى العبودية.. وسلطان الإنسان على نفسه، كان يبيح له بيع حريته، فيتحول إلى رقيق.. والنسل المولود من كل هؤلاء الأرقاء يصبح رقيقا، حتى ولو كان أباه حرا..
ومع كثرة هذه الروافد التى تمد نهر الرقيق فى كل وقت بالمزيد من الأرقاء كانت أبواب العتق والحرية إما موصدة تماما، أو ضيقة عسيرة على الولوج منها..
قال توم: فماذا فعل الإسلام ليحمي الإنسان من هذه الروافد الكثيرة التي تلتهم حريته؟
قال بلال: لقد بدأ الإسلام بإغلاق كل الروافد التى كانت تمد نهر الرقيق بالمزيد من الأرقاء، فلم يبق منها شيء.
قال توم: كيف تقول هذا .. والمسلمون كانوا يسترقون من يأسرونهم في حروبهم الظالمة والتوسعية، والتي كانوا يكذبون على العالم بتسميتها فتوحا.
قال بلال: أنا أتحدث لك عن الإسلام بمصادره المقدسة، ولا أتحدث عن المسلمين.. فالمسلمون ليسوا معصومين.. وقد ارتكبوا من الأخطاء في تاريخهم ما نالوا جزاءه، ولا يزالون.
قال توم: ولكن فقهاء المسلمين يعتبرون الأسر منبعا من منابع العبودية.
قال بلال: إسلامنا نأخذه من كتاب ربنا وسنة نبينا .. أما الفقهاء فهم بشر كسائر البشر، يخطئون ويصيبون.
قال توم: فهل في قرآنكم ما ينفي استعباد الأسرى؟
قال بلال: أجل .. فليس فيه نص واحد يبيح استرقاق الأسرى([18])..
لقد فتح الإسلام أمام الأسرى باب العتق والحرية بالمنّ أو الفداء، كما قال تعالى:{ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } (محمد:4)، فعندما تضع الحرب أوزارها، يتم تحرير الأسرى، إما بالمن عليهم بالحرية وإما بمبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى الأعداء.
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سن لنا سنة المن، وبين الواقع التاريخي ما في هذه السنة من المصالح، فقد روى الثقات من كُتَّاب السير والحديث أن المسلمين أسروا في سرية من السرايا سيد بني حنيفة ثمامة بن أُثال الحنفي وهم لا يعرفونه، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعرفه وأكرمه، وأبقاه عنده ثلاثة أيام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضاً كريماً، فيأبى ويقول: إن تسأل مالاً تُعطه، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ، وإن تنعم تنعم على شاكر، فما كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن أطلق سراحه.
ولقد استرقت قلب ثمامة هذه السماحة الفائقة، وهذه المعاملة الكريمة، فذهب واغتسل، ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلماً مختاراً، وقال له:(يا محمد، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى.. والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلىَّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين إليَّ.. والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إلي)
وقد سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامه سروراً عظيماً، فقد أسلم بإسلامه كثير من قومه، ولم يقف أثر هذا التسامح في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه، بل كانت له آثار بعيدة المدى في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد ذهب مكة معتمراً، فهمَّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة، فآلى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئاً من الحبوب حتى يؤمنوا، فجهدوا جهداً شديداً فلم يرَوا بُدّاً من الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكتب صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثمامة أن يخلِّي بينهم وبين حبوب اليمامة، ففعل.
بل امتد أثر دخوله في الإسلام على أساس من الاختيار والرغبة الصادقة إلى ما بعد حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك أنه لما ارتد بعض أهل اليمامة، ثبت ثمامة ومن اتبعه من قومه على الإسلام، وصار يحذر المرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب، ويقول لهم:(إياكم وأمراً مظلماً لا نور فيه، وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاء على من لم يأخذ به منكم)، ولما لم يجد النصح معهم خرج هو ومن معه من المسلمين وانضموا للعلاء بن الحضرمي مدداً له، فكان هذا مما فتَّ في عضد المرتدين، وألحق بهم الهزيمة.
بالإضافة إلى هذا، فإنه لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضرب الرق على أسير من الأسارى، بل أطلق أرقاء مكة، وأرقاء بني المصطلق، وأرقاء حنين.
وثبت عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعتق ما كان عنده من رقيق في الجاهلية، وأعتق كذلك ما أهدي إليه منهم.
جلس بلا، فقام سلمان، وقال: سأحدثكم أنا عن العلاج الثاني الذي وضعه الإسلام لعلاج الاستعباد.
قال توم: ما اسم هذا العلاج؟
قال سلمان: حفظ حقوق المستعبدين.
قال توم: وما جدوى هذا العلاج ما دام الرقيق يظل رقيقا؟
قال سلمان: إذا وجد الرقيق الحياة الكريمة الطيبة، والتي لا تختلف عن حياة الأحرار لن يتألم ـ كبير تألم ـ للرق الذي يصيبه.
قال توم: إن هذا مداره على نوع الحقوق التي يتمتع بها.
قال سلمان: لقد ساوى الإسلام بين العبد والحر فى كل الحقوق الدينية، وفى أغلب الحقوق المدنية، ولم يكن التمييز في بعض هذه الحقوق إلا لمصلحة الأرقاء مراعاة للاستضعاف والقيود التى يفرضها الاسترقاق على الإرادة والتصرف.
فالمساواة تامة فى التكاليف الدينية، وفى الحساب والجزاء، وشهادة الرقيق معتبرة عند كثير من الفقهاء، بل هي الأرجح، وله حق الملكية فى ماله الخاص، بل ورد في النصوص الحث على إعانته على شراء حريته بنظام المكاتبة والتدبير، كما قال تعالى:{ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (النور:33)
وزيادة على هذا كله، فإن الدماء متكافئة فى القصاص..
قال توم: ولكن فقهاء المسلمين ينصون على أن الرقيق لا يرث.
قال سلمان: وذلك في مصلحته.. فلو كان له الحق في الإرث لاحتفظ به سيده لنفسه، ولم يعتقه طمعا في وفاة بعض مورثيه لينال مما يصيبه من تركته.
قال توم: ولكن الرقيق قد لا يهتم بالكثير مما ذكرت من حقوق.. إنه يبحث عن الحياة الإنسانية الكريمة التي تجتمع فيها جميع متطلبات الحياة النفسية والاجتماعية.
قال سلمان: وقد وفر الإسلام جميع ذلك.. وفي أرقى الدرجات.. بل إن الرق الذي كان أكبر مصادر الاستغلال والثراء لملاك العبيد، حوّله الإسلام بفضل القيم التى جاء بها إلى ما يشبه العبء المالى على ملاك الرقيق.. فإنه قد طلب من مالك الرقيق أن يطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل مالا يطيق.. بل طلب منه إلغاء كلمة العبد والأمة لما فيها من إهانة، واستبدالها بكلمة الفتى والفتاة.
قال توم: انظر ما تقول.. فليس من اليسير أن تقول الفقهاء ما لم يقولوا.
قال سلمان: ما قلته لم يقله الفقهاء.. بل قاله سيد الفقهاء.. بل كان من آخر وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيته بهم، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل يُوصِي أُمَّتَه في مرضِ الموت يقول:(الصلاةَ الصلاةَ وما ملكتْ أيمانُكُم)، فجعل يُرَدِّدُها حتى ما يَفِيضُ بها لسانه([19]).
وقد تظافرت الأحاديث المبينة لأنواع الحقوق التي يجب على المالك أداؤها على من يملكه:
فقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم المالك أن يطعم مملوكه ويكسوه، مما يأكل ويلبس، وأن لا يكلفه من العمل ما لا يطيق:
ففي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(خولكم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم)([20])
وقال:(إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمةً أو لقمتين أو أكلةً أو أكلتين؛ فإنه ولي علاجه)([21])
وقال:(كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم) ([22])
وقد نهي عن تكليفهم من الأعمال فوق طاقتهم، وقد روي أنه دخل على سلمان رجل وهو يعجن فقال: يا أبا عبد الله ما هذا؟ فقال: بعثنا الخادمة في شغل، فكرهنا أن نجمع عليه عملين.
وفوق هذا نهى صلى الله عليه وآله وسلم أن ينادى العبد بما يدل على تحقيره واستعباده، فقال: (لا يقولَنَّ أحدُكم: عبدي وأمتي، ولا يقُولنَّ المملوك: ربِّي وربتي، ليقُل المالك: فَتَايَ وفَتَاتي، وليقُل المملوك: سيدي وسيدتي، فإنكم المملوكون والرَّبُّ: الله عزَّ وجلَّ)([23])، وقال: (لا يَقُولنَّ أحدكم: أطْعِمْ رَّبكَ، وَضِّئْ ربَّك، اسقِ ربك، وليقل: سيدي ومولاي ولا يقل أحدُكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي، وغُلامي)([24])
ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن ظلمهم وإذيتهم، بل رتب الكفارة على ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته عتقه)([25])
وعن أبي مسعود الأنصاري قال: بينا أنا أضرب غلاما لي إذ سمعت صوتا من خلفي، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)، فقلت: هو حر لوجه الله، فقال:(لو لم تفعل لمستك النار) ([26])
بل نص الفقهاء على أن للقاضي حق الحكم بالعتق إذا ثبت له أن المالك يسيء معاملة ملوكه.
ولهذا ورد نهي من لا يطيق الإحسان إليهم عن تملكهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(من لايمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تكتسون ومن لا يلايمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله) ([27])
سكت سلمان قليلا، ثم قال: هذه التشريعات.. أما الترغيبات.. ولا يحرك البشر شيء مثل الطمع.. فحسبك منها أن الله تعالى قرن الإحسان إلى المملوك بعبادته، فقال تعالى:{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} (النساء:36)
وقد ذكر صلى الله عليه وآله وسلم أن الإحسان إلى المملوك من الصدقات التي يجازى المؤمن عليها، فقال:(ما أطعمت نَفْسَك فهو لك صدقةٌ، وما أطعمتَ وَلَدَكَ فهو لك صدقة، وما أطعمت زَوْجَتَكَ فهو لك صَدَقَةٌ، ومَا أطعَمْتَ خَادِمَكَ فهو لَك صَدَقَهٌ)([28])
ورغب صلى الله عليه وآله وسلم في تعليمهم وتأديبهم، فقال:(من كانت له جارية فعلمها، وأحسن إليها وتزوجها، كان له أجران في الحياة وفي الأخرى: أجر بالنكاح والتعليم، وأجر بالعتق) ([29])
قال توم: ألم تكن هذه النصوص مجرد توجيهات لم تجد أحدا يستمع لها؟
قال سلمان: لا.. ما كان للمسلمين أن يهملوا التعاليم العظيمة التي جاء بها نبيهم.. لقد ورد في الأخبار الكثيرة المتواترة تجليات تلك التعاليم المقدسة:
فعن المعرور بن سويدٍ قال: رأيت أبا ذرٍ، وعليه حلةٌ، وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك، فذكر أنه ساب رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعيره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ: هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)([30])
وقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني من العهود المحمدية عهدا مرتبطا بالإحسان إلى العبيد، ذكر فيه موقف الأولياء منه، ونظرتهم إليه، فقل:(واعلم يا أخي أنك لو أحسنت إلى عبدك مدى الدهر لا تقوم بواجب حق عبدك عليك لأنه بالأصالة إنما هو عبد الله كما أنك عبده، فإحسانك إليه يصحبه شهود المنة عليه، ولا هكذا إحسان عبدك إليك، فأجره موفر للدار الآخرة بخلاف أجرك، وهنا أسرار يعرفها أهل الله تعالى لا تسطر في كتاب.
ويذكر عن شيخه علي الخواص ـ رحمه الله ـ قوله:(لا ينبغي للفقراء أن يروا لهم ملكا لشيء من الوجود لا عبدا ولا أمة ولا دابة كما كان صلى الله عليه وآله وسلم وكمل ورثته يفعلون، وكان كل عبد دخل في يدهم أعتقوه لوقته، فهم يستحيون من الله تعالى أن يراهم يستعبدون أحدا من الخلق، ويجعلون عبيد سيدهم عبيدا لهم، فإن ذلك عندهم من أعلى طبقات سوء الأدب، ومن هنا كانوا عبيد الله خالصين لم يسترقهم شيء من مملكة الدارين، ولو أعطاهم الحق تعالى شيئا قبلوه أدبا ثم خرجوا عنه في الحال لربهم حياء منه أن يراهم مشاركين له في وصف من الأوصاف، فليس فرحهم سوى إقبال الحق عليهم، وليس حزنهم إلا على إدبارهم عنه لا غير، فسواء أقطعهم الجنة كلها أو لم يقطعهم منها هو عندهم سواء لعدم شهودهم دخول شيء من الكونين في ملكهم وشكرهم لله تعالى إنما هو من حيث النسب لا غير)
وقد استدل الشعراني لهذا الفهم الرباني بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي) ([31])
قال توم: دعني من هذا، وأخبرني كيف تخاطب الشريعة التي تزعم لها الرحمة العبد بالتكاليف الشرعية، وهو لا حرية له؟
قال سلمان: لقد رحم الله هذا العبد ـ أولا ـ فخفف عليه الكثير من التكاليف التي كلف بها الأحرار مراعاة للحالة التي يمر بها.
ثم إن الله تعالى برحمته جعل للعبد من الأجر إن أطاع الله ضعف ما للحر، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله، فله أجره مرتين)([32])
وفي حديث آخر، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(المملوك الذي يحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق، والنصيحة، والطاعة، له أجران)([33])
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم:(ثلاثةٌ لهم أجران: رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمدٍ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله، وحق مواليه، ورجلٌ كانت له أمةٌ فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران)([34])
قال توم: ولكن مع كل ما ذكرت من وجوه الإحسان، فإن العبد يظل متألما للنظرات القاسية التي توجه له.. فيكفي أنه عبد.
قال سلمان: لا تقل هذا.. فالمسلم لا يفعل هذا.. بل قد ورد من الترغيب في هذا الباب ما جعل الصالحين يتمنون حياة العبودية، وقد استدل بعض العلماء بها إلى تفضيل العبد على الحر؛ لأنه مخاطب من جهتين: مطالب بعبادة الله، مطالب بخدمة سيده([35]).
قال توم: لا بأس.. عرفت هذا.. وسلمت له.. فهل هناك غيره؟
قام زيد، وقال: لقد ذكر صاحبي العلاجان الأولان.. وسأذكر لك الثالث.. وهو يتمثل في التشريعات المختلفة التي توفر للرقيق الحرية.
قال توم: فما هي هذه التشريعات؟
قال زيد: كثيرة.. ولكنها يمكن أن تجتمع في أربعة أصول كبرى.
قال توم: فما أولها؟
قال زيد: لقد جعل الله تعالى عتق الرقاب عبادة قائمة بذاتها لها من الشرف والفضيلة ما لا تدانيه عبادة أخرى، فقد اعتبر الله تعالى فك الرقبة وتحريرها من الأسباب التي يمتنع بها صاحبها من عذاب جهنم، فقال تعالى:{ فلاَ اقْتَحمَ العَقَبةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبةَ فَكُّ رَقبَةٍ أَو إِطعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغبةٍ يَتيماً ذَا مَقْرَبةٍ أَوْ مِسْكيناً ذَا مَتْربةٍ} (البلد:11-16)
إن لفظ العقبة في الآية يوحي بالأهوال الشديدة التي تنتظر الإنسان([36]).. إن القلب المؤمن يقشعر عند قراءتها، خاصة وأنها تليت بما يؤكدها، ويبين خطورتها، فقد قال تعالى:{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبةَ (
وهذه القشعريرة التي وردت في هذه السورة التي يقرؤها جميع المؤمنين باعتبار قصرها هي التي تحركهم لعتق الرقاب..
ليس هذا فقط.. بل وردت الأحاديث الكثيرة المعمقة لهذا المعنى، والتي تملأ به قلوب المؤمنين الخائفين من عذاب الله، والراجين لفضل الله، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرْب منها إربا منه من النار، حتى إنه ليعتق باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج)([37])
وقد كان لهذا الحديث تأثيره المباشر في نفس علي بن الحسين، فقد قال بمجرد سماعه: ادعُ مطْرَفًا، فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حُر لوجه الله.
وقد روي أن هذا الغلام الذي أعتقه علي بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة آلاف درهم([38]).
وكما رغب الرجال رغب النساء، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(أيما مسلم أعتقَ رَجُلا مسلما، فإن الله جاعلٌ وفاء كل عظم من عظامه عظمًا من عظام محرره من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظما من عظامها من النار)([39])
وفي حديث آخر يربط صلى الله عليه وآله وسلم بين عتق الرقاب والأعمال الصالحة العظيمة، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم:(من بنى مسجدا ليذكر الله فيه، بنى الله له بيتا في الجنة. ومن أعتق نفسًا مسلمة، كانت فديته من جهنم. ومن شاب شيبة في الإسلام، كانت له نورا يوم القيامة)([40])
وفي حديث آخر، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار)([41])
وقد كان عتق الرقاب من الحلول التي يلجئ إليها المخطئون ليكفروا عن خطاياهم تطبيقا لقوله تعالى:{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (هود: 114)، ففي الحديث: أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صاحب لنا قد أوجب ـ يعني النار ـ بالقتل، فقال:(أعتقوا عنه يُعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار)([42])
ولكن هذه العبادة قد لا تتسنى لعامة المسلمين، فأسعار العبيد كانت غالية.. ولهذا، فإن الشرع لم يكتف بالحث على عتق الرقاب، والذي قد لا يتسنى لعامة الناس، بل رغب في العتق بحسب الطاقة.
قال توم: كيف ذلك؟
قال زيد: بأن يشترك الجمع من المؤمنين في عتق رقبة من الرقاب، وقد ورد في ذلك هذا الحديث: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة. فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(لئن كنت أقصرتَ الخطبة لقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفك الرقبة)، فقال: يا رسول الله، أوليستا بواحدة؟ قال:(لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم؛ فإن لم تُطِق ذلك فأطعم الجائعَ، واسْقِ الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير)([43])
قال توم: عرفت التشريع الأول، واقتنعت به، فما الثاني؟
قال زيد: لقد جعل الشرع عتق الرقاب من الكفارات على أعمال قلما يخلو من الوقوع فيها أكثر المسلمين، وأكثرها مما ورد التنصيص عليه في القرآن الكريم لئلا يجد أي مساغ للتأويل والاحتيال.
قال توم: فما هي هذه الأعمال؟
قال زيد: أولها وأكثرها وقوعا أن الشرع جعل عتق الرقبة كفارة للحنث في اليمين الذي قد لا يخلو من الوقوع فيه أحد، وقد نص على ذلك في قوله تعالى:{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } (المائدة:89).
قال توم: والثاني؟
قال زيد: لقد جعل الله تعالى عتق الرقاب كفارة في الظهار، وهو تحريم الرجل زوجته على نفسه، ثم رغبته في العودة إليها، وقد نص على ذلك قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } (المجادلة: 3-4)، ولم يجعل الله تعالى للقادر على عتق الرقبة أي خيار آخر.
قال توم: والثالث؟
قال زيد: لقد جعل الله تعالى عتق الرقاب كفارة للقتل خطأ، وقد نص على ذلك قوله تعالى:{ وَمَا كَانَ لمُؤمنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وَدِيةٌ مُّسلَّمَةٌ إِلى أهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبةٍ مُّؤمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسلَّمةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنَ } (النساء: 92).. ألا تلاحظ أن الله تعالى ذكر في هذه الآية وحدها جملة { وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ ( ثلاث مرات؟
قال توم: أجل..
قال زيد: ألا يكفي ذلك للدلالة على ما يشكل عتق الرقاب من أهمية في هذا الدين؟
قال توم: كيف ذلك؟
قال زيد: القرآن الكريم هو كتاب الحقائق الأزلية، ولذلك يندر وجود التفاصيل الفقهية، فذكر هذه التفاصيل في هذا المحل يدل على مدى أهمية الموضوع..
بالإضافة إلى هذا، فقد ورد في السنة تشريع عتق الرقاب كفارة للإفطار المتعمد في نهار رمضان، فقد روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: هلكت يا رسول الله، قال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا) ([44])، فقد اعتبر u العتق هو الواجب الأول في هذه الكفارة قبل الصيام مع أن الصيام من أسمى العبادات، بل هو ركن من أركان هذا الدين.. بل ورد قبل الإطعام للفقراء، مع حاجتهم إليه، وكأن رد الحرية إلى الرقيق وفيها حياته الحقيقية أولى وأهم.
بالإضافة إلى هذا كله، فقد عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل العتق كفارة لضرب العبد أو لطمه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من لطم مملوكاً له أو ضربه فكفارته عتقه)([45])، وروي تطبيق هذا عن أبي مسعود الأنصاري قال: بينا أنا أضرب غلاما لي إذ سمعت صوتا من خلفي، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)، فقلت: هو حر لوجه الله، فقال:(لو لم تفعل لمستك النار) ([46])
قال توم: فما الثالث؟
قال زيد: تشريع المكاتبة.. وقد نص عليها في قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (النور:33).. ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تعالى حلا تشريعيا مهما يضاف إلى الحلول السابقة، فقد أمر الله تعالى المؤمنين فيها أن يكاتب منهم كل من له مملوك، وطلب المملوك الكتابة، وعلم سيده منه خيرا.
قال توم: فما الكتابة؟.. وما وجه كونها من الحلول الشرعية؟
قال زيد: هي أن يتفق السيد مع عبده القادر على العمل على أن يكسب له من المال ما يفدي به نفسه.
قال توم: أيمكن للعبد أن يترك له سيده الفرصة لأن يحترف، ثم يملك المال الذي يقبضه؟
قال زيد: أجل.. بل ورد ما يدل على وجوب موافقة السيد على طلب عبده المكاتبة، وقد ورد أن الآية نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبح، طلب من مولاه أن يكاتبه فأبى؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار، ووهب له منها عشرين دينارا فأداها([47]).
قال توم: أرأيت لو رفض السيد المكاتبة حرصا على استغلال عبده؟
قال زيد: لا يقبل منه ذلك، فلا ينبغي للسيد أن يفرض العبودية على من يرفضها.. ألم تسمع الأمر الصريح في الآية؟
قال توم: بلى.. ولكن القرائن الخارجية.
قال زيد: دعك من الخارج.. فما خرج عن النص لا يلغي النص.. ومع هذا.. فإن هذا الوجوب مرتبط بمدى صلاحية العبد للحرية.
قال توم: كيف ذلك.. أيمكن للعبد أن لا يصلح للحرية؟
قال زيد: أجل.. قد يكون الأصلح له والأوفق بمصالحه أن يظل عبدا.
قال توم: هذا لا يمكن أبدا.. فالحرية وعشقها فطرة في النفوس.
قال زيد: سأقرب لك هذا.. أنت تعلم أنه لا يكون للعبد أهل في المنطقة التي يتواجد بها.. ولذلك يكون مبيته وأكله وحياته في بيت سيده جزاء الخدمات التي يؤديها له.
قال توم: عرفت هذا في التشريع السابق.
قال زيد: وعرفت أن السيد المؤمن هو الذي يتساوى مع عبده فيما تتطلبه الحياة من مرافق.
قال توم: عرفت هذا.
قال زيد: والسادة عادة يكونون من الأغنياء، أو ممن لهم نصيب وافر من المال.
قال توم: هذا صحيح.
قال زيد: فالعبد الذي يتوفر له كل هذا.. ثم لا يكون له من الحرف ما يقدر به على الاشتغال لن يجد حياة أفضل من حياة العبودية التي تؤمن له جميع أسباب الرزق التي يستوي فيها مع الأغنياء من غير تعب كبير..
لقد جوستاف لوبون يقرر هذا:(إن الذي أراه صادقاً هو أن الرق عند المسلمين خير منه عند غيرهم، وأن حال الأرقاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، وأن الأرقاء في الشرق يكونون جزءاً من الأسرة.. وأن الموالي الذين يرغبون في التحرر ينالونه بإبداء رغبتهم.. ومع هذا لا يلجأون إلى استعمال هذا الحق)([48])
ولذلك ربط الله إذن السيد بالكتابة بمعرفته لمدى أهلية عبده للحياة الاجتماعية منفصلا عنه.
قال توم: وكيف يعرف ذلك؟
قال زيد: بقدرة العبد على الكسب، وتخلقه بالأخلاق الاجتماعية التي تجعله فردا ناجحا في حياته..
قال توم: لقد ورد النص بإعانتهم، فما المراد منه؟
قال زيد: لقد قال تعالى مرغبا في إعانتهم:{ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (النور:33).. وهو أمر صريح للسادة بإعانتهم في مال الكتابة، إما بأن يعطوهم شيئا مما في أيديهم ـ أيدي السادة ـ أو يحطوا عنهم شيئا من مال الكتابة.. وقد ترك الشرع ذلك من غير تحديد ليتنافس فيه المتنافسون،.
قال توم: فما الرابع؟
قال زيد: لقد جعل الشارع سهما خاصا من الزكاة، يوجه لغاية واحدة هي تحرير الرقاب.
قال توم: كيف يتم ذلك؟
قال زيد: لقد ذكر الفقهاء في ذلك طرقا يمكن انتهاجها جميعا: منها أن يُعان المكاتب، وهو العبد الذي كاتبه سيده واتفق معه على أن يقدم له مبلغًا معينًا من المال يسعى في تحصيله، فإذا أداه إليه حصل على عتقه وحريته وقد عرفت ذلك في التشريع الثالث.
ومنها أن يشترى الرجل من زكاة ماله عبدًا أو أمة، فيعتقها أو يشترك هو وآخرون في شرائها وعتقها أو يشترى ولى الأمر مما يجبيه من مال الزكاة عبيدًا وإماء فيعتقهم.
قال توم: أترك هذا للأفراد وأمزجتهم؟
قال زيد: لا.. هذا في حالة عدم تولي الدولة شؤون الزكاة.
قال توم: فإن تولتها؟
قال زيد: إذا تولاها الحاكم المسلم ـ كما هو الأصل ـ فله أن يشترى ويعتق من الرقيق ما يتسع له مال الزكاة، بشرط أن لا يجور على المصارف الأخرى.
ويمكن أن يأخذ بالرأي القائل بوجوب تسوية الأصناف المستحقين للزكاة، وبهذا لا يقل نصيب العبيد عن الثمن.
قال توم: ولكن أليس الثمن نصابا حقيرا مع ما تتطلبه الحاجة إلى عتق الرقاب من أموال؟
قال زيد: قد يرى ولي الأمر أن يزيد في سهمهم بسب الحاجة إلى ذلك، وخاصة إذا استغنت الأصناف الأخرى، فقد روى يحيى بن سعيد، قال: بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية، فاقتضيتها وطلبت فقراء نعطيها لهم، فلم نجد فقيرًا، ولم نجد من يأخذها منا، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها رقابًا فأعتقتهم)([49])
قال توم: ولكن بانتفاء عصر الرقيق انتفت الحاجة إلى هذا السهم، وتفرغت الزكاة لغيرها من الأصناف.
قال زيد: لا.. لا تقل هذا.. فلا يزال العبيد في الأرض.
قال توم: كيف تقول هذا؟
قال زيد: هناك شعوب مستعبدة تحتاج من يفك رقابها..
قال توم: إن هذه فتوى خطيرة.
قال زيد: لا حرج على الفتوى إن صدرت من أهلها.
قال توم: فهل أنت من أهلها؟
قال زيد: لقد سمعت السيد رشيد رضا يجعل لسهم الرقاب مصرفًا في تحرير الشعوب المستعمرة من الاستعباد إذا لم يكن له مصرف تحرير الأفراد([50]).. وجاء من بعده الشيخ محمود شلتوت ـ وهو من هو ـ ليقول بعد أن تحدث عن انقراض رق الأفراد:(ولكن ـ فيما أرى ـ قد حل محله الآن رق هو أشد خطرًا منه على الإنسانية، ذلكم هو استرقاق الشعوب في أفكارها وفى أموالها وسلطانها وحريتها في بلادها.. كان ذلك رق أفراد يموت بموتهم وتبقى دولهم حرة رشيدة، لها من الأمر والأهلية ما لسائر الأحرار الراشدين، ولكن هذا رق شعوب وأمم، تلد شعوبًا وأممًا هم في الرق كآبائهم فهو رق عام دائم، يفرض على الأمة بقوة ظالمة غاشمة !! وإذن فما أجدر هذا الرق بالمكافحة والعمل على التخلص منه، ورفع ذله عن الشعوب، لا بمال الصدقات فقط، بل بكل الأموال والأرواح)([51])
قال توم: أهذه هي التشريعات التي وردت في النصوص لتحرير الرقيق؟
قال زيد: هناك غيرها مما لا يسعنا تفصيله هنا.. ومنها أن السيد إذا ملك زوجته صارت حرة، وإذا ملكت الزوجة زوجها صار حراً..
ومنها أن المالك إذا كان له ولد من أمته، كانت في سبيلها إلى الحرية، فإن شاء حررها، وإلا حرم عليه التصرف في ملكيتها حتى يموت فتكون حرة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك:(أيما امرأة ولدت من سيدها فإنها حرة إذا مات) ([52])
ومنها أن المالك إذا عتق نصيبه في عبد، عتق العبد، وكان على المالك تخليصه من ماله، فإن لم يكن له مال سعى العتيق في أداء المال إلى الشريك الآخر دون إرهاق، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك:(من أعتق شقصاً له في عبد فخلاصه في ماله أن كان له مال، فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه) ([53])
ومنها أنه إذا أوصى المالك بعتق عبده لم يجز له الرجوع في الوصية، وكان هذا العبد حراً بعد الوفاة، ولو تجاوزت قيمته ثلث التركة الذي تنفذ فيه الوصايا.
بل أن المالك إذا جرى على لسانه هازلاً إعتاق عبده، أصبح العبد حراً، لأن الحرية لا تتوقف على القصد والنية.
ومنها أن القرابة القريبة تتنافى مع الاسترقاق، ولهذا إذا ملك الشخص قريبه المحرم صار هذا القريب حراً، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:(ومن ملك ذا رحم محرم فهو حر) ([54])
ومنها أن من نذر أن يحرر رقبة وجب عليه الوفاء بالنذر متى تحقق له مقصوده.
قال توم: هذه التشريعات، فما التوجيهات، فإنها قد تكون أعظم خطرا من التشريعات؟
قال زيد: لقد نشرت النصوص الكثيرة الورادة في فضل عتق الرقاب وعيا عاما بالفضيلة العظمى للعتق.. حتى نشأت جماعات كان همها الدعوة إلى عتق الرقاب، وقد قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني معبرا عن هذه الدعوات:(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نرغب كل غني عنده عبيد أو مال في العتق، لا سيما إن كان كثير الذنوب كالحكام وحاشيتهم وقضاة الأرياف الذين يتهورن في الأحكام)
وما نشأت هذه الدعوات إلا من تعاليمه صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد كان يربط فضائل الأعمال بعتق الرقاب لينشر مثل هذا الوعي، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(من قال كل يوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كعدل رقبة يعتقها من ولد إسماعيل، ومن قالها مائة مرة كان كعدل عشر رقاب)([55])
وقد كان هذا الوعي سببا في انتشار ظاهرة العتق لأوهى الأسباب، فقد روى محمد بن عمر بن حرب قال: قال لنا بعض أصحابنا عن ابن عون أن نادته أمه فأجابها فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين.
وقيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، قيل: فما بلغ من حلمه؟ قال: بينما هو جالس في داره إذ أتته خادمة له بسفود عليه شواء فسقط السفود من يدها على ابن فعقره فمات، فدهشت الجارية، فقال: ليس يسكن روع هذه الجارية إلا العتق فقال لها: أنت حرة لا بأس عليك.
وكان عون بن عبد الله إذا عصاه غلامه قال: ما أشبهك بمولاك؟مولاك يعصي مولاه وأنت تعصي مولاك، فأغضبه يوماً فقال: إنما تريد أن أضربك اذهب فأنت حر.
وكان عند ميمون بن مهران ضيف فاستعجل على جاريته بالعشاء فجاءت مسرعة ومعها قصعة مملوءة، فعثرت وأراقتها على رأس سيدها ميمون؛ فقال: يا جارية أحرقتني، قالت: يا معلم الخير ومؤدب الناس ارجع إلى ما قال الله تعالى قال: وما قال الله تعالى؟ قلت: قال:{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } (آل عمران:134) قال: قد كظمت غيظي، قالت:{ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } (آل عمران:134) قال: قد عفوت عنك، قالت: زد فإن الله تعالى يقول:{) وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } (آل عمران:134)) وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:134)، قال: أنت حرة لوجه الله تعالى.
وقد روى الأصمعي، قال: حدثنا شبيب بن شيبة قال: كنا بطريق مكة وبين أيدينا سفرة لنا نتغدى في يوم قائظ، فوقف علينا أعرابي ومعه جارية له زنجية. فقال: يا قوم أفيكم أحد يقرأ كلام الله عز وجل حتى يكتب لنا كتاباً؟ قال: قلت له: أصب من غدائنا حتى نكتب لك ما تريد. قال: إني صائم. فعجبنا من صومه في البرية، فلما فرغنا من غدائنا دعونا به فقلنا: ما تريد؟ فقال: أيها الرجل إن الدنيا قد كانت، ولم أكن فيها، وستكون، ولا أكون فيها. وإني أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله عز وجل، ثم ليوم العقبة، تدري ما يوم العقبة؟ قول الله تعالى:{ فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ} (البلد:10 ـ 13)، اكتب ما أقول لك، ولا تزيدن علي حرفاً:(هذه فلانة، خادم فلان، قد أعتقها لوجه الله عز وجل ليوم العقبة)
قال شبيب: فقدمت البصرة، وأتيت بغداد، فحدثت بهذا الحديث المهدي فقال: مائة نسمة تعتق على عهد الأعرابي.
وقال صالح بن عبد الكريم: رأيت غلاماً أسوداً في طريق مكة عند ميل يصلي فقلت له: عبد أنت؟ قال: نعم. قلت: فعليك ضريبة؟ قال: نعم. قلت: أفلا أكلم مولاك أن يضع عنك؟ قال: وما الدنيا كلها فأجزع من ذلها؟ قال: فاشتريته وأعتقته. فقعد يبكي وقال لي أعتقتني؟ قلت: نعم. قال: أعتقك الله يوم القيامة. وقعد يبكي ويقول: اشتد علي الأمر. فناولته دنانير فأبى أن يأخذها. قال: فحججت بعد ذلك بأربع سنين فسألت عنه فقالوا: غاب عنا فمذ غاب قحطنا وصار إلى جدة.
وقد روي أن عبد الله بن جعفر خرج إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم وفيه غلام أسود يعمل فيه؛ إذ أتى الغلام بقوته، فدخل الحائط كلب ودنا من الغلام فرمى إليه الغلام بقرص فأكله، ثم رمى إليه الثاني والثالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه فقال يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال ما رأيت! قال فلم آثرت به هذا الكلب؟ قال ما هي بأرض كلاب، إنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أشبع وهو جائع! قال فما أنت صانع اليوم؟ قال: أطوي يومي هذا فقال عبد الله بن جعفر ألام على السخاء! إن هذا الغلام لأسخى مني، فاشترى الحائط والغلام وما فيه من الآلات فأعتق الغلام ووهبه منه.
قال توم: فكيف بقي الرق كل تلك الفترة مع كل هذا؟
قال زيد: أنسيت يزيدا والحجاج؟
قال توم: وما علاقتهما بهذا؟
قال زيد: إن الانحراف الذي حصل في السياسة فأنتج يزيدا والحجاج قد وجد مثله في المجتمع، فمكن للرق الذي جاء الإسلام ليستأصله.
قال توم: وعيت كل ما ذكرتموه.. فما العلاج الرابع الذي عالج به الإسلام مرض الاستعباد؟
قام خباب، وقال: سأحدثك أنا عن هذا العلاج..
لقد استعملت الشريعة كل الأساليب التوجيهية والتشريعية لإدماج الرقيق المحرر، وتخليصه من آثار العبودية.
قال توم: ولم هذا؟
قال خباب: ألا ترى أن قومك يزعمون أنهم حرروا العبيد؟
قال توم: أجل.. فقد نصت المادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان على أنه (لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها)
قال خباب: ولكن حياتهم وسلوكهم ومواقفهم تمتلئ بالعنصرية المقيتة؟
قال توم: صدقت في هذا.. فكيف عالجه الإسلام؟
قال خباب: بأمرين: أحدهما تشريعي، والآخر سلوكي.
قال توم: فما التشريعي؟
قال خباب: لقد شرع الولاء، واعتبره مثل النسب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(الولاء لُحْمَةٌ كلُحْمَة النسب)([56])
قال توم: فما الولاء؟ وما المقصد التشريعي منه؟
قال خباب: الولاء هو انتماء العبد المحرر إلى العائلة التي أعتقته، بحيث يصير فردا من أفرادها يحمونه وينصرونه، ويحميهم وينصرهم.. وقد اعتبره الإسلام كالنسب تماما.. فلهذا حرم هبته وبيعه، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن بيع الولاء وهبته([57]).
وورد النهي أن يوالي الشخص غير مواليه، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا([58]) ([59])
ولهذا ورد النهي عن السائبة([60])، ولهذا إن أعتق المالك عبدا سائبة على أن لا ولاء عليه عتق، وثبت له الولاء لقوله تعالى:{ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (المائدة:103)
وقد ورد في الحديث عن هزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة، فمات وترك مالا ولم يدع وارثا، فقال عبد الله:(إن أهل الإسلام لا يسيبون، وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون، وأنت ولي نعمته ولك ميراثه، وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال)([61])
قال توم: ألا ترى أن في الولاء مصلحة للمعتق، فقد جعل الإسلام الولاء من أسباب الإرث؟
قال خباب: ولكن مصلحة العبد المحرر أعظم.
قال توم: كيف ذلك؟
قال خباب: أولا.. سيشجع هذا السادة على تحرير العبيد، لأنه يعلم أنه بإمكانه أن يرث مال عبده الذي أعتقه إن لم يكن له ورثة.
وثانيا.. هذا الاعتبار سيجعل السادة يحرصون على حفظ أموال عبيدهم الذين أعتقوهم حتى لا يقترب منهم من يؤذيهم.
ثم إنه لا مضرة على العبد المحرر في هذا.. لأن هذا الميراث لن ينتقل إلى محرره إلا في حالة عدم وجود وارث للعبد المحرر، وقد روي أن رجل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل وقال: اشتريته وأعتقته، فقال:(هو مولاك إن شكرك فهو خير له، وان كفرك فهو شر له وخير لك)، فقال: فما أمر ميراثه؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن ترك عصبة، فالعصبة أحق وإلا فالولاء)([62])
قال توم: فإن مات السيد المعتق؟
قال خباب: انتقل الولاء إلى أقاربه، لأن الولاء كالنسب، ويقدم في الميراث الأقرب فالأقرب، وقد روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(المولى أخ في الدين ونعمة يرثه أولى الناس بالمعتق)
قال توم: فما العلاج السلوكي التربوي؟
قال خباب: ما بثه الإسلام في النفوس المؤمنة من المساواة بين البشر، فقد قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13)
وقد ذم الله تعالى اليهود والنصارى الذين دعاهم تميزهم عن سائر البشر إلى اعتقاد بنوتهم لله، فقال تعالى:{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (المائدة:18)
ولهذا استوت في الإسلام كل الأجناس والأعراق، لأن الميزان الذين يوزنون به هو التقوى لا النسب ولا أي شيء آخر.
قام رجل من الحاضرين، وقال: لقد ذكرتني بتأثير هذا الوعي في نفوس المجتمع الذي كان يمتلئ فخرا وكبرا، فقد قال الشاعر، وكان في أشرف بطن في قيس، يقول:
وإني وإن كنت ابن سيد عامر وفارسها المشهور في كل موكب
فما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقي أذاها وأرمي من رماها بمنكب
قال خباب: لقد ذكرتني ببذور التعصب التي نبتت في الأمة تريد صرفها عن هديها.
قال توم: فمن فعل ذلك؟
قال خباب: المستبدون، ومن شايعهم.. وقد روي أن الحجاج لما خرج عليه ابن الأشعث وعبد الله بن الجارود، ولقي ما لقي من قرى أهل العراق، وكان أكثر من قاتله وخلعه وخرج عليه الفقهاء والمقاتلة والموالى من أهل البصرة، فلما علم أنهم الجمهور الأكبر، والسواد الأعظم، أحب أن يسقط ديوانهم، ويفرق جماعتهم حتى لا يتألفوا، ولا يتعاقدوا، فأقبل على الموالي، وقال:(أنتم علوج وعجم، وقراكم أولى بكم)، ففرقهم وفض جمعهم كيف أحب، وسيرهم كيف شاء.
ولم يكتف بذلك، بل راح ينقش على يد كل رجل منهم اسم البلدة التي وجهه إليها، وقد انتشر شؤم هذا التصرف في الأمة أجيالا مديدة، وقد قال الشاعر يهجو أهل الكوفة، وقد كان قاضيهم رجل من الموالي يقال له نوح بن دراج:
إن القيامة فيما أحسب اقتربت.. إذ كان قاضيكم نوح بن دراج
لو كان حيا له الحجاج مابقيت.. صحيحة كفه من نقش حجاج
وقال آخر:
جارية لم تدر ما سوق الإبل.. أخرجها الحجاج من كن وظل
لو كان شاهدا حذيف وحمل.. ما نقشت كفاك من غير جدل
ويروى أن أعرابيا من بني العنبر دخل على سوار القاضي، فقال: إن أبي مات وتركني وأخا لي، وخط خطين، ثم قال: وهجينا، ثم خط خطا ناحية، فكيف يقسم المال؟ فقال له سوار: ها هنا وارث غيركم؟ قال: لا؟ قال: فالمال أثلاثا؛ قال: ما أحسبك فهمت عني، إنه تركني وأخي وهجينا، فكيف يأخذ الهجين كما آخذ أنا وكما يأخذ أخي؟ قال: أجل؛ فغضب الإعرابي، ثم أقبل على سوار، فقال: والله لقد علمت أنك قليل الخالات بالدهناء؛ قال سوار: لا يضرني ذلك عند الله شيئا.
ومع ذلك.. فإن شؤم الحجاج ومن شايعه لم يعد فئة محدودة، لم يكن لها تأثير كبير في الحياة الإسلامية.. فتأثير العلماء والصالحين في المجتمع الإسلامي كان أعظم من تأثير الحجاج، وقد حدث سالم بن أبي الجعد عن نفسه قال: اشتراني مولاي بثلثمائة درهم وأعتقني، فقلت: بأي شيء أحترف؟ فاحترفت بالعلم فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المدينة زائراً فلم آذن له.
ومثله أبو العالية، فقد اعتقته امرأة من بني رياح.. قال أبو العالية: دخلت المسجد معها فوافقها الإمام على المنبر فقبضت على يدي فقالت: اللهم أدخره عندك ذخيرة، اشهدوا يا أهل المسجد أنه سائبة لله، ثم ذهبت فما تراءينا بعد.
وقبل هؤلاء وسابقهم بلال بن رباح، فقد كان له من الاحترام بين المسلمين.. ولهذا شرفه صلى الله عليه وآله وسلم بالآذان، فكان أول مؤذن في الإسلام، فعن القاسم بن عبد الرحمن قال:(أول من أذن بلال)
بل كان مقربا جدا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن أبي عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً فقلت: يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي له ذلك منذ بعثه الله عز وجل حتى توفي، وكان إذ أتاه الرجل المسلم فرآه عارياً، يأمرني فأنطلق، فأستقرض، وأشتري البردة فأكسوه وأطعمه.
وعن عبد الله قال: دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بلال، وعنده صُبرة من تمرٍ قال: ما هذا يا بلال؟ قال: يا رسول الله ادّخرته لك ولضيفانك فقال:(أما تخشى أن يكون له بخار في النار؟ أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً) ([63])
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(لقد أُخِفت في الله وما يخافُ أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون ما بين ليلة ويوم مالي ولبلال طعامٌ يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال)([64])
وفي اختياره صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الوظائف دليل على أنه كان يقصد دمجه في المجتمع ليخلصه من آثار الجاهلية، وليخلص بلالا من آثار العبودية.
بل روي ما هو أعظم من ذلك كله، فعن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: أصبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بلالاً فقال:(يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قطّ إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت البارحة، فسمعت خشخشتك. قال:(ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(بهذا) ([65])
وقد كان لهذه المعاملة النبيلة تأثيرها في نفس بلال حتى أنه لم يطق أن يؤذن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. قال محمد بن إبراهيم التيمي: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذّن بلال ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يُقبر، فكان إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله انتحب الناس في المسجد، فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له أبو بكر: أذّن يا بلال. فقال: إن كنت إنما أعتقتني لأكون معك فسبيل ذلك، وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له. فقال: ما أعتقتك إلا لله. قال: فإني لا أؤذن لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فذلك إليك، فقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهى إليها.
بل روي أن أبا بكر طلب منه أن يعينه في مهامه، فرفض، فعن سعيد بن المسيب قال: لما كانت خلافة أبي بكر تجهز بلال ليخرج إلى الشام، فقال له أبو بكر: ما كنت أراك يا بلال تدعنا على هذا الحال، لو أقمت معنا فأعنتنا. قال: إن كنت إنما أعتقتني لله عز وجل فدعني أذهب إليه، وإن كنت إنما أعتقتني لنفسك فاحبسني عندك. فأذن له فخرج إلى الشام فمات بها.
وقد كان له من السمعة في المجتمع ما جعل المسلمين يرغبون في تزويجه بناتهم، فقد روي أن بلالاً وصهيباً أتيا أهل بيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما، من أنتما فقال: فقال بلال: أنا بلال وهذا أخي صهيب، كنا ضالين فهدانا الله وكنا مملوكين فأعتقنا الله، وكنا عائلين فأغنانا الله؛ فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فسبحان الله، فقالوا: بل تزوجان والحمد لله، فقال صهيب: لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: اسكت، فقد صدقت فأنكحك الصدق.
***
ما إن انتهى خباب من هذا الحديث حتى قام رجل من الجالسين، وقال: بورك فيكم فقد ـ والله ـ أزحتم عن قلوبنا جبالا من الآلام كانت تتراكم عليها.
قال له كلاي: وما كانت تلك الجبال؟
قال الرجل: كنت أتعجب أن يقر الإسلام عبودية البشر للبشر مع أنه جاء يحرر البشر من عبودية أنفسهم وعبودية كل شيء إلا الله.. لقد كنت أقرأ وصية الإمام على لابنه:(ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا).. فأتعجب كيف يقر هذا الدين الرق.
قال كلاي: فما عرفت الآن؟
قال الرجل: عرفت أن العبودية التي وضع الإسلام قوانينها بتشريعاته وتوجيهاته لا تختلف كثيرا عن الوظائف التي تسند إلينا في حياتنا المدنية المعاصرة.. إن لم تفقها في كثير من النواحي.
قال كلاي: كيف ذلك؟
قال الرجل: الموظف عندنا في أي شركة من الشركات يتمنى أن تفرض عليه الشركة استعبادها، فلا تعتقه، ولا تستكتبه.
قال كلاي: ولكنه حر.. وحسبه بالحرية.
قال الرجل: إن كثيرا مما ذكرت من حقوق المستعبدين يفوق ما يناله الكثير من الأحرار في هذه الوظائف.. فالعبد في بيته مستقر مع أهله قد ضمن له أكله وشربه ولبسه ومبيته وكل ما تتطلبه حياته.. فإذا ما عجز سيده عن الوفاء انتقل إلى سيد آخر.. وحياة السادة لا تختلف كثيرا عن حياة عبيدهم.
زيادة على هذا كله، فإن وظائف هؤلاء العبيد محدودة لا تصرفهم عن الحياة العادية ولا عن العلم، ولا عن أهله.. وكل ذلك قد لا يتسنى لكثير من الأحرار في عصرنا.
***
بعد أن انتهى محمد علي كلاي وأصدقاؤه من تلك الأحاديث الممتلئة بالحقائق والبراهين ساد صمت عميق ذلك المجلس.. قطعه العم توم بقوله: اسمحوا لي – حضرة العبيد المحررين – أن أقر لكم بحقيقة.. أرجو أن لا تستقبلوها إلا بما تستقبل به الحقائق.
لقد رأيتم موقفي في بداية هذا المجلس من الإسلام.. وربما جعلكم ذلك تتصورون أني أحقد على الإسلام، أو أن قلبي يختزن نحوه من العداوة ما يختزنه لساني.
وأريد الآن.. وبعد أن سمعت حديث هؤلاء الأفاضل أن أخبركم بالحقيقة.. الحقيقة المرة التي جعلتني أبني هذا الكوخ في هذا البلد.
أنتم تعلمون أني من أمريكا.. فقد كنت أفخر كل حين بينكم بهذا البلد.
ولاشك أنكم تعلمون حقيقتي التي كنت أكتمها.. وهي أن أصلي ليس أمريكيا.. بل إنني من إفريقيا.. ومن بلد مسلم من بلادها..
بل إن أجدادي فوق ذلك كله كانوا من المسلمين..
ولكني.. وبسبب تلك العقد الكثيرة التي نشرها في وفي أجدادي الاستعباد صرت لا أرى السادة إلا في أمريكا، ولا أرى السيد إلا ذلك الرجل الأبيض الممتلئ بالقسوة.
وقد حملني هذا إلى أن أحمل كوخي لأسير به في البلاد المستضعفة لأنفخ فيها ما ملأني به الإستعباد.. وأمارس عليها من السيادة ما مارسه علي وعلى آبائي أولئك المجرمون القساة.
أما الآن.. وبعد أن سمعت أحاديث هؤلاء الرفاق الطيبين، فإني أصرخ بينكم بكل قوة بشهادة التوحيد التي صرخ بها آبائي جميعا.
فلا سيادة ولا حرية ولا كمال ولا فخر إلا بالانتساب إلى الله.. ثم الانتماء إلى ذلك النبي العظيم الذي جعله الله رحمة للعالمين.
ما إن قال
ذلك حتى صاحت الجموع مهللة مكبرة.. وقد صحت بما يصيحون من غير أن أشعر.. وقد
امتلأت في تلك اللحظات بأشعة كثيرة من النور اهتديت بها بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
([1]) أشير به إلى شخصية وردت في رواية بعنوان (كوخ العم توم)، وهي رواية شهيرة كتبتها الأمريكية هارييت بيتشر ستو ضد الرق.. وقد نُشرت الرواية في كتاب عام 1852م، وسرعان ما أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة وفي بريطانيا.
وقد كتبت ستو كوخ العم توم لانتقاد الرق الذي اعتبرته خطيئة قومية أمريكية، وكانت تأمل في أن تساعد روايتها على إنهاء الرق سلميًا وفي وقت مبكر.. ومع ذلك، فقد أدى الكتاب إلى زيادة عداء سكان الشمال لسكان الجنوب. ومن ناحية أخرى، اعتبر سكان الجنوب أن وصف ستو للرق غير دقيق واعتبروا كتابها إهانة وظلمًا لمنطقتهم.
ويعتقد المؤرخون أن الشعور بالمرارة الذى ولَّده كتاب ستو ساعد في اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865م).
وكانت الشخصية الرئيسية في كوخ العم توم هو العم توم، وهو عبد أسود عجوز ودود.. وتصف القصة تجارب توم مع ثلاثة من ملاك الرقيق حيث عامله اثنان منهم، وهما جورج شيلبي وأغسطين سانت كلير، بشفقة ورأفة.. أما الثالث، وهو سيمون لوجري، فقد أساء معاملة توم وضربه بقسوة لرفضه الاعتراف بمكان اختباء عبدين هاربين، ونتيجة ضربه مات توم. وتحكي الرواية في جانب منها قصة أسرة العبيد ـ جورج، وإليزا، وصغيرهما ـ التي فرت إلى كندا من أجل الحرية..
وكتب الناقد الأمريكي الشهير إدموند ويلسون أن قراءة كوخ العم توم لأول مرة قد تكون (تجربة مفزعة)، وأقر بأنها (كتاب أكثر روعة مما يتوقعه المرء) (بتصرف من: الموسوعة العربية العالمية)
([2]) هو (لنكولن، أبراهام) Lincoln، Abraham (1809 – 1865م). رجل دولة أمريكي كان رئيسًا للولايات المتحدة من عام 1861م حتى عام 1865م. قاد لنكولن الولايات المتحدة خلال الحرب الأهلية الأمريكية التي كانت أكبر أزمة واجهت الولايات المتحدة في التاريخ. وساعد في الحفاظ على الاتحاد من التمزق، كما ساعد على إنهاء الرِّق في أمريكا. قاد الولايات المتحدة خلال أكبر أزمة تواجهها أثناء الحرب الأهلية. (انظر: الموسوعة العربية العالمية)
([3]) هو كلاي، محمد علي، ولد في 1942م، بطل ملاكمة أمريكي مسلم، وهو أول بطل ملاكمة للوزن الثقيل يحرز بطولة العالم أربع مرات..
([4]) رجعنا عند بيان المعلومات المرتبطة بتاريخ الرق إلى كتاب (الإسلام محرر العبيد – التاريخ الأسود للرق فى الغرب)
([5]) قصة الحضارة:1/36-37.
([6]) قصة الحضارة:1/ 356.
([7]) قصة الحضارة: 3/64-67..
([8]) م. ب. تشارلز – الإمبراطورية الرومانية – طبعة الهيئة المصرية للكتاب.
([9]) دائرة معارف القرن العشرين.
([10]) يدل على ذلك القائمة الطويلة من الواجبات التى يؤديها الرقيق للمالك، إلى جانب خضوعه المطلق لسلطته وارتباطه المحكم بإقطاعيته.. ومن هذه الواجبات: ثلاث ضرائب نقدية فى العام.. جزء من محصوله وماشيته.. العمل سخرة كثيرًا من أيام السنة.. أجر على استعمال أدوات المالك فى طعامه وشرابه.. أجر للسماح بصيد السمك أو الحيوان البرى.. رسم إذا رفع قضية أمام محاكم المالك.. ينضم إلى فيلق المالك إذا نشبت حرب.. يفتدى سيده إذا أُسر.. يقدم الهدايا لابن المالك إذا رُقى لمرتبة الفرسان.. ضريبة على كل سلعة يبيعها فى السوق.. لا يبيع سلعة إلا بعد بيع سلعة المالك نفسه بأسبوعين.. يشترى بعض بضائع سيده وجوبًا.. غرامة إذا أرسل ابنه ليتعلم أو وهبه للكنيسة.. ضريبة مع إذن المالك إذا تزوّج هو أو أحد أبنائه من خارج الضيعة.. حق الليلة الأولى، وهى أن يقضى السيد مع عروس رقيقه الليلة الأولى!! وكان يسمح له أحيانًا أن يفتديها بأجر، وقد بقى هذا فى بافاريا إلى القرن الثامن عشر.. المالك هو الذى يرث كل ممتلكات الرقيق إذا مات.. ضريبة سنوية باهظة يدفعها الرقيق للكنيسة، وأخرى يدفعها للقائد الذى يتولى الدفاع عن المقاطعة.
([11]) هو (بلال بن رباح)، كان مؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخازنا.. شهد بدرا والمشاهد كلها، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب في الله عز وجل، فصبر على العذاب.. وكان يبطح على وجهه في الشمس وتوضع الرحا عليه حتى تصهره الشمس، ويقال: أكفر برب محمد فيقول: أحد أحد.
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يخرج إلى الشام فقال له أبو بكر: بل تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله عز وجل فذرني أذهب إلى الله عز وجل، فقال: اذهب.. فذهب إلى الشام فكان به حتى مات.
وروي أنه لما كان بالشام رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه وهو يقول: (ما هذه الجفوة يا بلال ما آن لك أن تزورنا)، فانتبه حزينا، فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما، فقالا له: نشتهي أن تؤذن في السحر فعلا سطح المسجد، فلما قال: (الله أكبر الله أكبر)، ارتجت المدينة فلما قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) زادت رجتها، فلما قال: (أشهد أن محمدا رسول الله)، خرج النساء من خدورهن، فما رئي يوم أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم. (بتصرف من: أسد الغابة)
([12]) هو (سلمان الفارسي) (ت 36 هـ) وهو من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يسمي نفسه (سلمان الاسلام)، أصله من مجوس أصبهان.. عاش عمرا طويلا، واختلفوا فيما كان يسمى به في بلاده.. وقالوا: نشأ في قرية جيان، ورحل إلى الشام، فالموصل، فنصيبين، فعمورية، وقرأ كتب الفرس والروم واليهود، وقصد بلاد العرب، فلقيه ركب من بني كلب فاستخدموه، ثم استعبدوه وباعوه، فاشتراه رجل من قريظة فجاء به إلى المدينة.. وعلم سلمان بخبر الاسلام، فقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقباء وسمع كلامه، ولازمه أياما.. وأبى أن (يتحرر) بالاسلام، فأعانه المسلمون على شراء نفسه من صاحبه، فأظهر إسلامه.
وكان قوي الجسم، صحيح الرأي، عالما بالشرائع وغيرها.. وهو الذي دل المسلمين على حفر الخندق، في غزوة الاحزاب، حتى اختلف عليه المهاجرون والانصار، كلاهما يقول: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سلمان منها أهل البيت)، وسئل عنه علي فقال: (امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الاول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الاول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف)
وجعل أميرا على المدائن، فأقام فيها إلى أن توفي.. وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به.. وكان ينسج الخوص ويأكل خبز الشعير من كسب يده.. له في كتب الحديث 60 حديثا.. ولابن بابويه القمي كتاب (أخبار سلمان وزهده وفضائله) ومثله للجلودي (انظر: الأعلام للزركلي)
([13]) هو (زيد بن حارثة) (ت8 هـ)، وهو صحابي اختطف في الجاهلية صغيرا، واشترته خديجة بنت خويلد فوهبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين تزوجها، فتبناه النبي – قبل الاسلام – وأعتقه وزوجه بنت عمته.. واستمر الناس يسمونه (زيد بن محمد) حتى نزل النهي عن ذلك، وهو من أقدم الصحابة إسلاما.. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يبعثه في سرية إلا أمره عليها، وكان يحبه ويقدمه، وجعل له الامارة في غزوة مؤتة، فاستشهد فيها.. ولهشام الكلبي كتاب (زيد بن حارثة) في أخباره.
([14]) هو خباب بن الأرت التميمي وكنيته أبو يحيى وقيل أبو عبد الله، صحابي من السابقين إلى الإسلام، وهو من أوائل من أظهر إسلامه، اشترته أم أنمار بنت سباع الخزاعية وقيل أنها أمه، وكانت حليفة لبني زُهرة من قريش، فانتمى لهم وأسلم وكان من المستضعفين.
قال له بعض عواده وهو في مرض الموت :(أبشر يا أبا عبد الله، فإنك ملاق إخوانك غدا) فأجابهم وهو يبكي: (أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم ذكرتموني أقواماً، وإخواناً مضوا بأجورهم كلها لم ينالوا من الدنيا شيئا، وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعاً إلا التراب) وأشار إلى داره المتواضعة التي بناها، ثم أشار إلى المكان الذي فيه أمواله وقال: (والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها عن سائل) ثم التفت إلى كفنه الذي كان قد أعد له، وكان يراه ترفا وإسرافا وقال ودموعه تسيل :(انظروا هذا كفني، لكن حمزة عم رسول الله لم يوجد له كفن يوم استشهد إلا بردة ملحاء، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه).
مات في السنة السابعة والثلاثين للهجرة. مات واحد ممن كان الرسول يكرمهم ويفرش لهم رداءه ويقول :(أهلاً بمن أوصاني بهم ربي) وهو أول من دُفِنَ بظهر الكوفة من الصحابة.
قال زيد بن وهب: (سِرْنا مع علي حين رجع من صفّين، حتى إذا كان عند باب الكوفة إذْ نحن بقبور سبعة عن أيماننا، فقال: (ما هذه القبور ؟) فقالوا: (يا أمير المؤمنين إنّ خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك إلى صفين، فأوصى أن يدفن في ظاهر الكوفة، وكان الناس إنّما يدفنون موتاهم في أفنيتهم، وعلى أبواب دورهم، فلمّا رؤوا خباباً أوصى أن يدفن بالظهر، دفن الناس) فقال علي بن أبي طالب:(رحم الله خباباً أسلم راغباً وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلي في جسمه، ولن يضيعَ الله أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً) ثم دنا من قبورهم فقال: (السلام عليكم يا أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا سلفٌ فارطٌ، ونحن لكم تبعٌ عما قليل لاحِقٌ، اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنا وعنهم، طوبى لمن ذكرَ المعاد وعمل للحساب وقنعَ بالكفاف، وأرضى الله عزَّ وجلَّ)
([15]) رواه البخاري ومسلم.
([16]) في ظلال القرآن.
([17]) رجعنا في هذه الردود إلى كتاب (شبهات المشككين) من تأليف مجموعة من العلماء، تقديم الأستاذ الدكتور: محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف المصرية.
([18]) انظر: كتاب [بيان حكم استرقاق الأسيرات و الاستغلال الجنسي لهن في ضوء القرآن والسنة] للشيخ: علي رضا دميرجان..
([19]) رواه أبو داود.
([20]) رواه البخاري ومسلم.
([21]) رواه البخاري.
([22]) رواه مسلم.
([23]) رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
([24]) رواه البخاري ومسلم.
([25]) رواه أحمد وغيره.
([26]) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
([27]) رواه أبو داود.
([28]) رواه النسائي.
([29]) رواه البخاري ومسلم.
([30]) رواه البخاري ومسلم.
([31]) رواه البخاري ومسلم.
([32]) رواه البخاري ومسلم.
([33]) رواه البخاري.
([34]) رواه البخاري ومسلم.
([35]) ذكر القرطبي أن هذا مذهب أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري وأبي بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العامري البغدادي الحافظ.
([36]) اتفق المفسرون على أن العقبة تعني الأهوال الشديدة جهنم، فما دونها: قال ابن عمر: هذه العقبة جبل في جهنم. وعن أبي رجاء قال: بلغنا أن العقبة مصعدها سبعة آلاف سنة، ومهبطها سبعة آلاف سنة. وقال الحسن وقتادة: هي عقبة شديدة في النار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة الله. وقال مجاهد والضحاك والكلبي: هي الصراط يضرب على جهنم كحد السيف، مسيرة ثلاثة آلاف سنة، سهلا وصعودا وهبوطا. واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء. وقيل: اقتحامه عليه قدر ما يصلي صلاة المكتوبة. وروي عن أبي الدرداء أنه قال: إن وراءنا عقبة، أنجى الناس منها أخفهم حملا.
وقيل: النار نفسها هي العقبة. فروى أبو رجاء عن الحسن قال: بلغنا أنه ما من مسلم يعتق رقبة إلا كانت فداءه من النار.
([37]) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
([38]) رواه مسلم.
([39]) ورواه النسائي.
([40]) رواه الترمذي.
([41]) رواه أحمد.
([42]) رواه النسائي.
([43]) رواه أحمد.
([44]) رواه البخاري وأبو داود والترمذي.
([45]) رواه أحمد وغيره.
([46]) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
([47]) ذكره القشيري وحكاه النقاش. وقال مكي: هو صبيح القبطي غلام حاطب بن أبي بلتعة.
([48]) حضارة العرب ص459-460.
([49]) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم ص 59.
([50]) تفسير المنار: 10/598.
([51]) الإسلام عقيدة وشريعة ص446.
([52]) رواه ابن ماجة والحاكم.
([53]) رواه البخاري ومسلم.
([54]) رواه النسائي وابن ماجة.
([55]) رواه أبو داود.
([56]) رواه الدارمى.
([57]) رواه الجماعة.
([58]) الصرف: التوبة وقيل: النافلة، والعدل: الفدية، وقيل: الفريضة والحديث يدل على أنه يحرم على المولى أن يوالي غير مواليه، لأن اللعن لمن فعل ذلك من الأدلة القاضية بأنه من الذنوب الشديدة.
([59]) البخاري ومسلم.
([60]) السائبة: هو العبد يعتق على أن لا ولاء له.. وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ثم هدمه الإسلام.
([61]) رواه البرقاني على شرط الصحيح، وللبخاري منه: إن أهل الإسلام لا يسيبون، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون.
([62]) رواه البيهقي وعبد الرزاق واللفظ له وسعيد بن منصور من مرسل الحسن.
([63]) رواه الطبراني والبزار وله سند حسن.
([64]) رواه الترمذي.
([65]) رواه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم.