ثالثا ـ مخزن البركة

ثالثا ـ مخزن البركة

قصدنا القسم الثالث من أقسام ( أدوية السماء)، فقرأت على بابه لافتة مكتوبا عليها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( اللهم بارك لنا في ثمرنا)([1])

وقد كان هذا القسم أشبه بمخزن كبير تجبى إليه ثمرات كل شيء، فسألت معلم البركة عنه، فقال: هذا قسم الغذاء المبارك.. وبما أن الله تعالى وزع البركة في رزقه، فإن أهل هذا القسم يلتمسون البركة في كل ما خلق الله من أرزاق.

قلت: لم؟

قال: ألا تعرف العناصر المؤثر في الأغذية والأدوية؟

قلت: أجل.. ففي الأدوية مثلا هناك العناصر الأساسية المقصودة بالأصالة، وهناك المسوغات.

قال: أرأيت لو أن الدواء لم يحتو إلا على مسوغات صرفة، ولم يحتو على أي عناصر فاعلة.. كيف تعتبره؟

قلت: هذا دواء مغشوش قد يصلح للمرضى بالأوهام، ولكنه لا يصلح علاجا للأسقام.

قال: فتلك العناصر المؤثرة في الدواء هي عناصر البركة التي يلتمسها أهل هذا القسم.

قلت: وكيف يعرفونها؟

قال: لديهم مخابرهم التي تبحث في هذا الباب.

قلت: لا أعرف من المخابر إلا المخابر الكيميائة التي تميز أنواع المكونات المختلفة.

قال: لديهم مثل هذا النوع من المخابر.. ولكنهم لا يكتفون بها.

قلت: فإلى ماذا يرجعون؟

قال: أهل هذا المستشفى يحترمون كل ما يأتيهم من العلم، ويتوثقون منه.. فلذلك تجدهم ينشرون الإعلانات، بل الحوافز لكل من وجد البركة في طعام أن يدل عليها، ويبشر بها.

قلت: أيملك الناس مخابر في بيوتهم؟

قال: وقبل أن توجد المخابر كيف كان يعيش الناس؟.. أم أن هذه المخابر التي تعبدونها هي التي حفظت البشر من الفناء.. أليس البشر يموتون في كل العصور؟

قلت: ولكن الله تعالى أمرنا بالرجوع إلى الخبراء.. ولا يمكن أن يكون هناك خبراء بلا مخابر.

قال: ولكن الخبير هو الذي يحترم كل من يأتيه.. وينتفع به.. ولا يلغيه لأن عقله لم يدرك ما أتاه به.

***

قال ذلك وانصرف، فبقيت أسير في القاعة وحدي، مدهوشا بما فيها من الخير والجمال، فجأة لاحظت دكانا لا يختلف عما نعرفه من دكاكين، وقد وقف عليه رجل مهيب، ولكنه يرتدي بذلة البقالين، فتعجبت من ذلك، ولم أدر إلا وأنا أقول له بلهجة شديدة: يا هذا.. أتراك أخطأت أم تعمدت الخطأ؟

قال بهدوء: أوضح، فمن الخطأ أن ترمي بالخطأ دون أن تحدده.. ألم تراجع دروس السلام؟

قلت: وهل للسلام علاقة بهذا؟

قال: في أي مرحلة أنت؟

قلت: في السنة أولى ابتدائي.

ضحك، وقال: أنت لا تزال تتعلم الحروف إذن.. فاسمع مني: أنت تبحث عن المتوسمين ليدلوك على وسائل البركة وأسبابها.

قلت: لم تعدو ما في نفسي، ولا أحسبك إلا واحدا منهم.. ولكن كيف تتاجر في مستشفى السلام؟

قال: وهل حرم الله التجارة.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } (المزمل:20)؟

قلت: بلى، فقد قرن الله تعالى في هذه الآية بين الجهاد والضرب في الأرض.

قال: بل قدم الضرب في الأرض على الجهاد، فلا يمكن للمجاهد أن يجاهد لولا وجود من يضرب في الأرض.

قلت: فهمت هذا.. ولكن ما سر البيع في هذا المستشفى؟

قال: أنا لا أبيع.. ولكني متوسم مختص بالبحث فيما بارك الله فيه من الأغذية.

قلت: أهناك أغذية مباركة بالأصالة؟

قال: أجل.. فمن رحمة الله أن جعل في بعض الأغذية بركة يستفيد منها الجميع.. ولولا هذه البركات لهلكت الأرض ومن عليها.

قلت: أهي في الأغذية؟

قال: هي في الأغذية والأشربة.

قلت: فكيف تعرفها؟.. ألديك تحاليل خاصة تتعرف بها على عناصر البركة؟

قال: البركة لا تعرف بالتحاليل.. بل تعرف بالتوسم من المصادر المعصومة.. فإن كانت لك القدرة على سماعها كانت لك القدرة على اكتشافها.

قلت: أرأيت لو أنك وجدت البركة في غذاء من الأغذية.. ثم أثبت العلم الحديث بوسائله الحديثة ضرره أكنت تتهم البركة، أم تتهم العلم؟

قال: لا يصطدم العقل الصحيح مع النص الصريح.. فإن رأيت افتراقهما بحثت عن أسباب الافتراق.

قلت: فما تجد في العادة؟

قال: أجد أغذية البركة قد حورت وبدلت.. أو أن من نتاولها تناولها مصارعا، ولم يتناولها مسالما.. أو أجد أسبابا أخرى قد عرفتها، وستعرفها.

قلت: فهل تقارن بين ما اكتشفته من أغذية البركة، وبين ما توصل إليه العقل والعلم من ذلك؟

قال: أجل.. فبرفقتي بعض الخبراء.. وهم ملازمون لي لا يفارقوني.

قلت: فهل تتعلم على أيديهم؟

قال: هم يزعمون أنهم يتعلمون على يدي.

قلت: فهل تطعمني من أغذية البركة؟

قال: بل سأعلمك من علومها.. فقد أرسل إلي معلم البركة يطلب ذلك.. ولا مناص لي من طاعته.. ألم يقل الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء:59)

قلت: فما هي الأغذية التي ستذكر لي بركتها؟

قال: ما ورد في النصوص.. فقد اعتبرنا الأصل في البركة هو ما ورد في النصوص منها.

قلت: فما ورد في النصوص؟

قال: كثيرة، وقد تجتمع في عشرة، وكلها مما أشار إليه القرآن الكريم.

قلت: فما هي؟

قال: المياه، والهواء، والحبوب، والألبان، والتمر، والزيتون، والخضر، والفواكه، والبقول، واللحوم.

قلت: أراك تذكر الماء في الأغذية.. فهل هذا خطأ مطبعي، أم تراها زلة لسان؟

قال: لا هذا.. ولا ذاك.

قلت: فأنت تقصد ما تقول.

قال: أجل.. فالماء هو سيد الأغذية المباركة.. ألم ينص القرآن الكريم على بركته، فقال تعالى:{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً }(قّ:9)؟

قلت: بلى.. فمن أين تبدأ تعليمي أسرار بركات المياه؟

قال: ومن قال لك بأني من يعلمك أسرار بركات المياه؟

قلت: ما هذا ـ معشر المتوسمين ـ لقد ذكرت لي الآن بأن معلم البركة دعاك إلى تعليمي أسرار بركات الأغذية.

قال: ذلك صحيح.. فقد طلب مني، ولا مناص لي من تنفيذ طلبه.

قلت: فقد قررت إذن تعليمي.

قال: لقد قلت لك بأني لن أقوم بتعليمك أنا..

قلت: سلمت لك مع تناقضك.. فمن يعلمني؟

قال: ما ذكرته لك من المعلمين.

قلت: لم أسمعك تذكر معلما عدا معلم البركة.

قال: ألم أذكر لك أسماء الأغذية المباركة؟

قلت: بلى..

قال: فهي التي ستقوم بتعليمك.

قلت: إلى الآن لا تزال بقية من عقلي في رأسي.. فلا ترفعها.. فإنها توشك أن تتبخر.

قال: العقل لا يتبخر.. فلا تخف.

قلت: قد لا يتخبر، ولكنه يتلف.. فإن أردت أن لا يحصل له هذا، فوضح لي ما تريد.

قال: ألم يخبرك المعلم عن حياة الكائنات؟

قلت: بلى.. وقد أخبرني عن وعيها.. ولكنه أرجأ التفاصيل المرتبطة بذلك إلى رحلة وعدني بالقيام بها إلى ( أكوان الله)

قال: ألم يخبرك بأن الأغذية المباركة تقوم بدور الطبيب في الجسم؟

قلت: أخبرني ذلك.. وقد سرني ما ذكره.

قال: لذلك ستذهب إلى هؤلاء الأطباء ليبخبروك.

قلت: ولكني لست سليمان u؟

قال: ومن قال لك بأنك سليمان u؟

قلت: ألم يقل سليمان u:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}(النمل:16)؟

قال: وهل ذلك خاص بسليمان u؟.. ألم يكن الصحابة يسمعون تسبيح الطعام.. ألم تسمع قول ابن مسعود:( كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)([2])

بل كانوا يسمعون تسبيح الحصى، فقد قال أبو ذر:( تناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع حصيات فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا، ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن، ثم وضعهن في يد عمر فسبحن، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن)([3])

قلت: ولكن ذلك كان في حضور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سرى إليهم من بركاته ما جعلهم يسمعون.

قال: نعم بركات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي سر ما وصلهم من خير.. ولكن هذا الخير لم يكن محصورا في حضوره صلى الله عليه وآله وسلم.. ألم تسمع ما روى أبو حمزة الثمالي قال: قال محمد بن علي بن الحسين وسمع عصافير يصحن قال: تدري ما يقلن؟ قلت: لا. قال: يسبحن ربهن  تعالى ويسألن قوت يومهن.([4])

ويروي عن علي بن الحسين قال: كنا معه فمر بنا عصافير يصحن فقال: أتدرون ما تقول هذه العصافير؟ فقلنا: لا. قال: أما أني ما أقول إنا نعلم الغيب، ولكني سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يقول: إن الطير إذا أصبحت سبحت ربها، وسألته قوت يومها، وإن هذه تسبح ربها، وتسأله قوت يومها([5])

قلت: أولئك آل بيت كرام.. وأين أنا منهم؟

قال: هل تحبهم؟

قلت: بل أعشقهم.. ولكني أرى نفسي أدنى من التراب الذي يمشون عليه.

قال: فمن رزق محبة الصالحين رزقه الله بركاتهم وآثارهم.

قلت: أما إن قلت هذا.. فإني مسلم لك.. ولكن كيف أرحل إلى هذه الأغذية المباركة حتى أسمع أصوات بركاتها؟.. هل تجعلني قزما، فأدخل فيها كما أرى في أفلام الخيال؟

قال: لا.. لن تحتاج إلى ذلك.. ولم يجعل الله في قدرة جسد الإنسان التمثل في الأشكال.

قلت: فكيف ألج عوالمها إذن؟

قال: بالبصيرة.. فلها القدرة على اختراق الآفاق، ومعاينة السبع الطباق.

قلت: فماذا أفعل؟

قال: اقترب مني.

فاقتربت منه، فوضع يده على صدري، فأحسست ببرد أنامله تسري في عروقي.. ثم لم أره.. ولم أر شيئا مما كنت أراه.

الماء

فجأة لاح لي منظر عجيب قد نزل من السماء.. رأيت شبكة من اللآلئ المترابطة فيما بينها بروابط النور.. كل أربعة مرتبطة بأربعة في اتحاد عجيب يصعب اختراقه([6]).. وكلها تشكل بحروف من نور صورة جميلة لقوله تعالى:{ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} (صّ:42)

لم أكن متعودا على خطاب الأشياء.. ولكن لكثرة ما سمعته عن حياة الكائنات وجدت لساني يقول من غير أن أشعر: من أنت أيتها اللآلئ المباركة.. فوجهك وجه خير.. ولسانك لسان خير؟

نطقت لؤلوة من اللآلئ، وقالت: أنا وأخواتي من اللآلئ نشكل بارتباطنا قطرة من قطرات المياه المباركة التي ملأ الله بها كونه.

قلت: أأنت لؤلؤة من قطرة ماء؟

قالت: كلنا لآلئ من تلك القطرة..

قلت: فلماذا تكتبن قوله تعالى:{ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}(صّ:42)؟

قال: نحن قطرات ماء بارك الله فينا، فجعلنا دواء للعلل، ومغتسلا من الآلام.

قلت: ولكن هذه الآية في أيوب u.

قالت: نحن زرنا أقواما كثيرين، وقد تشرفنا بأن زرنا في ذلك اليوم الجميل أيوب u، فمسحنا آهاته، وغسلنا آلامه.

قلت: وهل زرتن غيره؟

قال: لا نزال نزور كل يوم من خلق الله من نطعمه ونسقيه ونعالج آلامه.. وفوق ذلك نطهره ونغسل أدرانه.. وفوق ذلك نملأ أجواءكم سكينة ولطفا وسرورا.

قلت: أأنتن تفعلن كل ذلك؟

قال: ألم تسمع قوله تعالى:{ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً }(قّ:9)؟

قلت: بلى..

قال: فقد باركنا الله.. فتعددت أغراض الانتفاع بنا.. فلا يقربنا أحد إلا ونال من بركاتنا.

الماء والسماء:

قلت: لقد ورد في كلام الله تعالى أنكم من السماء.. فهل هذا مجاز أم حقيقة؟

قال: نزه كلام ربك عن غير الحقيقة.. نحن من السماء.. ولدنا في السماء.. ونزلنا إلى الأرض.. وفي كل يوم نحن إلى المصدر الذي منه جئنا.. فنحن بين ارتفاع وانخفاض.

قلت: كيف ذلك؟

قال: ها هي ذي أختي، وهي خبيرة بما توصلتم إليه من العلم، وستجيبك عني.

سمعت صوتا عذبا من لؤلؤة من اللآلئ تقول: لقد وصل قومك إلى نظريات كثيرة بشأننا.. ولعل أقربها إلى الصواب النظرية التي تقول بأن أصلنا من الفضاء الخارجي، أي السماء.

فهي تذكر أن هناك تيارات من الأشعة الكونية تتحرك دائماٍ في الفضاء الكوني مكّونة من جسيمات ذات طاقة ضخمة جداً، تحتوي على نوى ذرات الهيدروجين، أي على البروتونات، ولدى حركة كوكب الأرض أثناء دورانه حول نفسه وحول الشمس تخترق هذه البروتونات جو الأرض، وتحصل على الإلكترونات الضرورية، وتتشكل ذرة الهيدروجين، حيث تتفاعل مباشرة مع الأوكسجين مشكلة جزيئات على ارتفاعات كبيرة، وفي ظل درجات حرارة منخفضة تتكاثف على جسيمات من الغبار الكوني مكونة سحباً فضية.

ويعتقد علماؤكم بأن الماء المتشكل بهذه الطريقة خلال التاريخ الطويل الذي مرت به الكرة الأرضية ـ أثناء تشكلها ـ يكفي لملء جميع المحيطات على سطح الأرض.

قلت: أأنت أيتها اللؤلوة المباركة تعتقدين صحة هذا؟

قالت: أجل.. ولي في ذلك من نصوص من القرآن الكريم أشعر بأن لها دلالة كبرى على هذا.

قال: وما هي؟

قالت: كثيرة.. فالله تعالى ذكر أنه أنزل من السماء الماء، وذكر مادة الماء منكرة دون تعريف ليدل على أن عموم جنس الماء نزل من السماء، وذلك في أكثر من عشرين آية.. فالله تعالى يقول ـ مثلا ـ:{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً }(البقرة:22)، ويقول:{ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ }(البقرة:164)، ويقول:{ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً }(الأنعام:99)ويقول:{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً }(الرعد:17)

قلت: فهل كل صواحبك يعتقدن هذا؟

قال: لا.. منهن من ذهب إلى خلاف هذا.. ونحن نتعايش مع اختلافنا.

قلت: فما قلن؟

الماء والأرض:

قالت: هن يقلن بأن منشأنا من الأرض.

قلت: وبم استدللن على ذلك؟

قالت: هن يقلن بأن الصخور المكونة للطبقة الواقعة بين نواة الأرض والقشرة الأرضية.. أي طبقة السيما كانت تنصهر في بعض المواقع تحت تأثير الحرارة الناشئة عن التفكك الإشعاعي للنظائر المشعة، حيث تنطلق منها مكونات طيارة كالأوزون والكلور ومركبات الكربون المختلفة والكبريت، وأكثرها أبخرة الماء.

وكانت هذه المكونات تقذف إلى الطبقات السطحية أو على السطح بواسطة الثورات البركانية خلال تاريخ الأرض الطويل، وتكفي هذه الكمية لملء جميع المحيطات على سطح الكرة الأرضية.

قلت: فهل استدللن على ذلك بشيء من القرآن الكريم؟

قالت: أجل.. فقد قال تعالى:{ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعـات:31)

قلت: فهل أثر هذا الاعتقاد في احتقار صواحبك لأنفسهن؟

قالت: حاشا لله.. اعرف ما تقول يا رجل.. أتعرف من تخاطب؟

قلت: أعرف.. فأنت جزء من قطرة ماء.

قالت: وهل هان الماء في عينك إلى هذا الحد.. ألم يجعلنا الله حياة لكل شيء؟

قلت: أعلم.. فقد قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}(الانبياء:30)

قالت: أكمل الآية ما بالك تبترها.

قلت: لقد قال تعالى:{ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} (الانبياء:30)

قالت: أرأيت الشرف الذي أعطانا الله.. إن الله يستدل بنا عليه.. ألم تسمع قوله تعالى:{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}(الملك:30).. ألم تسمع قوله تعالى:{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}(الواقعة:68 ـ 70)؟

قلت: بلى.. قد سألتك عن صواحبك.. كيف ينظرن إلى أنفسهن، وهن يعتقدن أن منشأهن من الأرض لا من السماء.

قالت: وهل الأرض غير السماء؟.. الكون كون الله.. وقد بارك الله في الأرض كما بارك في السماء، فقال تعالى:{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}(فصلت:10)

قلت: اعذريني أيتها القطرة المباركة أن أعاتبك.

قالت: لا حرج عليك.. فإن كان الله قد عاتب أنبياءه، فكيف أستكبر عن العتاب أنا؟

قلت: أراك تفخرين كثيرا بنفسك، وبأخواتك.

قالت: أنا وأخواتي لا نفخر.. بل نحن نفرح بالله الذي شرفنا هذا الشرف.. ألا تعلم بأن الله تعالى ذكرنا في القرآن الكريم بصيغة التنكير 33 مرة، وذكرنا بصيغة التعريف 16 مرة؟

قلت: فأنتن تفخرن بذلك.

قالت: دعك من الفخر.. فهو يحمل رائحة من روائح إبليس.

قلت: كيف؟

قالت: الفخر يدل على الترفع والتكبر على خلق الله.. ونحن لا نحتقر شيئا مما خلق الله.. فإن الله ما احتقره حين خلقه.. ألا ترانا نغسل النجاسات، ونطهر الأرض من الفضلات..ولم نتكبر ولم نستعل ولم نعترض؟.. بل نحن نقوم بكل ذلك بلذة لا تضاهيها لذة.

قلت: فما منتهى لذتكم؟

قالت: أن يجعلنا الله شرابا لأهل الجنة.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} (لأعراف:50)، فقد جعلنا الله للمؤمنين وحرمنا على الكافرين.

قلت: ذلك في الآخرة.. ففي الدنيا.. بم تلتذون؟

قالت: بأن يجعلنا الله دواء للمؤمنين، أو أعاصير على الجاحدين..

قلت: أأنتم جنود من جنود الله؟

قالت: أجل.. ألم تسمع قوله تعالى:{ كذبت قبلهم قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فدعا ربه أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } (القمر:9 ـ 13)

الماء والإنسان:

قلت: حدثينا عن الماء والإنسان.. فأنا أبحث عن أسرار بركات الماء على الإنسان.

قال: بركات الماء على الإنسان لا تحصى.. فهو ضرورة من ضرورات الحياة الأرضية‏،‏ فبدونه لا يمكن لإنسان‏‏ أن يعيش‏،‏ فجنين الإنسان يحتوي على‏97بالمائة‏ من وزنه ماء‏،‏ وتقل هذه النسبة إلي‏91بالمائة‏ في جسد الطفل الوليد‏،‏ ثم إلي‏66بالمائة‏ في جسد الفرد البالغ.

وتختلف نسبة الماء في كل عضو من أعضاء جسد الإنسان باختلاف وظيفته‏،‏ فهي في الرئتين‏90بالمائة،‏ وفي الدم‏82بالمائة،‏ وفي خلايا الدماغ‏70بالمائة.

زيادة على هذا.. فإن الإنسان يمكنه العيش أسابيع عديدة بدون طعام‏،‏ ولكنه لا يستطيع العيش بدون ماء إلا لفترة محدودة جدا لا تتجاوز بضعة أيام‏….!!‏

قلت: لم؟

قالت: لأن الماء يعين الإنسان علي القيام بجميع العمليات الحياتية في جسمه مثل عمليات الهضم‏،‏ والتخلص من الفضلات، والتنفس، وتجديد الدم.. وليس الأمر قاصرا على ذلك.

قلت: ماذا تقصدين؟

قالت: لنا علاقة بكل ما يحيط بالإنسان من أشياء.. فنحن نخدم ظاهره وباطنه.

قلت: وضحي ما تقصدين.

قالت: ألا تعلم أن درجة غليان الماء مرتفعة، وذلك لقوة رابطته التشاركية، لذلك فهو يمتص قدرة حرارية كبيرة لكي يتبخر، وهذه الخاصية تعطي الماء دوراً فريداً في نقل القدرة من مكان لآخر، فالماء الذي يتبخر من المحيطات تسوقه الرياح مئات وآلاف الكيلومترات إلى أماكن باردة، فعند تبرد البخار وتحببه وتساقطه على شكل قطرات مطر ينشر معه الطاقة التي امتصها أثناء تبخره، فيساهم في رفع درجة الحرارة في تلك المناطق وتلطيف حرارة الجو وكذلك في أثناء تساقط الثلوج فكم هذه الحرارة المنتشرة كبيرة إذا علمنا أنه يتبخر كل عام 520 ألف كيلوا متر مكعب من الماء.

قلت: بلى.. قد أشار القرآن الكريم إلى هذا، فقال تعالى في غزوة بدر:{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}(لأنفال:11)

قالت: لقد كان يوما مباركا ذلك اليوم.. لقد كنا ننزل من السماء وكأننا نرقص فرحا وجذلا.

قلت: أكنت من بينهم؟

قالت: أجل.. فقد شرفني الله في أن أخدم رسوله.

قلت: وهل تعرفينه؟

قالت: وكيف لا نعرفه.. وهل لنا لذة إلا معرفة أهل الله.. لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحترمنا احتراما عظيما.. وقد نقل لنا بعض الصحابة صورة من هذا الاحترام فقال:( أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى)([7])

قلت: أتملكين كل هذه المشاعر؟

قالت: ألم تعلم أنا نشكل الدموع التي تبكي بها السماء على فراق الصالحين.. ألم تسمع قوله تعالى:{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} (الدخان:29)؟

قلت: الآية أخبرت بأن السماء لا تبكي.

قالت: لا تفصل الآية عن سياقها.. هي أخبرت بأنا لا نبكي على المعارضين لله.. وهي تشير إلى بكائنا على المسالمين المستسلمين.

قلت: فهل تشرفت برؤيته صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قالت: بل تشرفت بشربه لي.. لقد كانت أسعد أيام حياتي.

شراب العسل:

قلت: فحدثيني عنه.

قالت: لقد كان أول ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استيقظ، وبعد فراغه من الصلاة يتناول كوباً من الماء مذاباً فيه ملعقة من العسل.. وهو يذيبها إذابه جيدة.. وقد كانوا يسمون هذا الماء شراب العسل، وقد قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم:( عليكم بشراب العسل)([8]

قلت: ففي ذلك الحين بم كان صلى الله عليه وآله وسلم يتغذى وينتفع.. هل بكن معشر قطرات المياه، أم بالعسل الذي جعله الله شفاء للناس؟

قال: كلانا مبارك.. وقد جعل الله من بركتنا أننا نكتسب خواص المادة التي تذوب فينا.

قلت: ماذا تعنين؟

قالت: نحن ـ جزيئات الماء ـ نترتب حسب جزيئات العسل.

قلت: فماذا تصرن حينها؟

قالت: تستطيع أن تسمينا عسلا.. وإن شئت شراب عسل.

قلت: كيف.. فالعسل عسل، وهو غالي الثمن.. والماء ماء، وهو بلا ثمن.

قالت: من بركاتنا أننا إذا اختلطنا بالعسل أو بأي شئ ذاب فينا وذبنا فيه، ففنينا عنا به.. وهذا لتواضعنا وعبوديتنا، فنحن لا نفرض خصائصنا على غيرنا، بل نترك غيرنا يفرض خصائصه علينا.. ألم تسمع ما يفعله المعالجون بالماء؟

قلت: وما يفعلون؟

قالت: هم يأتون بالماء ويكسبونه أي شيء يريدونه من أنوع العلاج.. ويسمون هذه العملية ( العلاج بالماء)

قلت: أنا لم أسمع بهذا.. ولكني أسمع ما يسمى ( تلويث الماء)

قالت: ذلك فعل الفجرة الفسقة.. وسينتقم الله تعالى لنا منهم.

قلت: لقد عرفت ذلك في حصون العافية، وعرفت ما أصابنا من جراء صراعهم وحرصهم.

قالت: لا تخف على الأرض، وبشر أصدقاء الماء بأن أيام الدجاجلة قريبة.

قلت: عودي بنا إلى من تزينت الأرض بنوره.

الماء العذب:

قالت: لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحب الماء العذب.. فقد وري  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُستقى له الماءُ العذبُ من بئر السُّقيا([9]).

وروى جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى قوماً من الأنصار يعود مريضاً فاستسقى وجدول قريب منه، فقال:( إن كان عندكم ماء بات في شنَ وإلا كرعنا)([10]

قلت: ولكن بعض الزهاد من قومي يعز عليهم مثل هذا.

قالت: وما يقولون؟

قلت: هم يقولون:( إذا أكلت الطيب وشربت الماء البارد متى تحب الموت)

قالت: لا ينبغي أن يقولوا هذا.. فالله تعالى سقاكم ماء عذبا، ولم يسقكم ماء مكدرا.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً}(المرسلات:27)؟

قلت: بلى.. فالماء الفرات هو الماء العذب الزلال.

قالت: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبه، وقد ورد في الحديث:( كان أحب الشراب إليه صلى الله عليه وآله وسلم الحلو البارد)([11]

وكان يقول إذا شربه:( الحمد للّه الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا)([12])

قلت: هذا طيب.. ولكنهم يؤولون كل ذلك.

قالت: بل يحرفون.. ألم يسمعوا المخاطر التي يحملها شربهم من الماء المكدر؟

قلت: تقصد ما يقول الطب الحديث.

قالت: ما بالكم.. أليس في الدنيا إلا الطب الحديث.. وهل كان الناس قبله بلا طب؟

قلت: فما يقول الطب في هذا؟

قالت: لقد ذكر ابن الجوزي ما يفعله هؤلاء منكرا، فقال:( وينبغي أن يعلم أن الماء الكدر يُولِّدُ الحصى في الكُلى والسَّدد في الكبد، وأما الماء البارد فإنه إذا كانت برودته معتدلة فإنه يشد المعدة، ويقوي الشهوة، ويحسن اللون، ويمنع عفن الدم وصعود البخارات إلى الدماغ ويحفظ الصحة، وإذا كان الماء حاراً أفسد الهضم وأحدث الترهل وأذبل البدن، وأدى إلى الاستسقاء والدق فإن سُخِّن بالشمس خيف منه البرص)

قلت: كيف غاب عن هؤلاء ما ذكره ابن الجوزي؟

قالت: ستعرف ذلك إلى إذا رحلت إلى:( سراديب الاعتراض)

قلت: والآن..

قالت: لقد تصوروا أن من الكمال تعذيب الجسد ومعاقبته، فراحوا يخترعون أصناف العذاب.. ولم يعلموا أنهم يضيعوون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.

قلت: أشرب الماء العذب سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قال: أجل.. فقد كان هديه صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الهدي.. وكان يهتم بعذوبته أبلغ اهتمام، وقد روي أنه دخل إلى حائط، فقال:( هَلْ من ماءٍ بات فى شَـنَّة؟)، فأتاه به، فشرب منه([13]).

قلت: ما سر حبه صلى الله عليه وآله وسلم للماء البائت؟

قالت: لقد ذكر لذلك حكم كثيرة، وقد ذكر الأطباء أن الماء البائت أنفعَ من الذى يُشرب وقتَ استقائه.

وذكروا أن الماء البائت بمنزلة العجين الخمير، والذى شُرِب لوقته بمنزلة الفطير.. وأن الأجزاء الترابية والأرضية تُفارقه إذا بات.

وستعرفون من حكم هذا الماء ما يزيدكم تمسكا بهديه صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: أكان صلى الله عليه وآله وسلم يختار الأواني التي يشرب فيها؟

قالت: أجل.. فلم يكن صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ما تفعلون من شرب الماء المخزن في الأواني التي تملؤه صديدا وسموما.

قلت: فكيف كان يخزنه صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قالت: لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يلتَمسَ ماءً بات فى شَـنَّة دون غيرها من الأوانى.

قلت: لم؟

قالت: قد ذكر الأطباء أن لقِرب الأدم خاصةٌ لطيفةٌ لما فيها من المسامِّ المنفتحةِ التى يرشَح منها الماء، ولهذا كان الماء فى الفَخَّار الذى يرشح ألذُّ منه، وأبردُ فى الذى لا يرشَح.

هيئة الشرب:

قلت: فكيف كان صلى الله عليه وآله وسلم يشربكن معشر المياه؟

قالت: كان هديه صلى الله عليه وآله وسلم في شربنا أعظم الهدي، وأعظمه عبودية، وأكثره بركة.

قلت: فكيف كان يفعل؟

قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتنفس فى الشراب ثلاثا، ويقول:( إنه أروى وأمرأ وأبرأ)([14]

قلت: أصحيح ما تروين؟.. كيف تقولين هذا، وقد ورد النهي عن النفخ في الشارب، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس فى القدح، ولكن ليبن الإناء عن فيه)، وقد رأيت في حصون العافية الآثار الخطيرة للتنفس في الإناء.

قالت: بورك في حرصك.. ولكني لم أرد هذا.. إن معنى تنفسه صلى الله عليه وآله وسلم فى الشراب ـ كما في الحديث ـ هو إبانته القدح عن فيه، وتنفسه خارجه، ثم يعود إلى الشراب، كما جاء مصرحا به فى الحديث الذي رويته.. فلا تضرب السنة بعضها ببعض.

وقد ورد في الحديث الآخر قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( لا تشربوا نفسا واحدا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم فرغتم)([15]

قلت: ما سر هذا الأسلوب من الشرب؟.. أليس فيه نوعا من استهلاك الوقت؟

قالت: بل فيه حفظ للصحة وجلب للبركة وتحقيق للعبودية، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم ينبه إلى هذه المجامع، فيقول في تلك الصفة من شرابه:( إنه أروى وأمرأ وأبرأ)

قلت: ما معنى هذا؟

قالت: أروى: أشد ريا، وأبلغه وأنفعه، وأبرأ: أفعل من البرء، وهو الشفاء، وأمرأ: هو أفعل من مرئ الطعام والشراب فى بدنه: إذا دخله، وخالطه بسهولة ولذة ونفع، كما قال تعالى:{ فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} (النساء:4)أي هنيئاً فى عاقبته، مريئاً فى مذاقه، أو أنه أسرعُ انحداراً عن المَرِىء لسهولته وخفته عليه، بخلاف الكثير، فإنه لا يسهُل على المرىء انحدارُه.

قلت: علمت معناه، فما سر الصحة فيه، فقد ذكر صلى الله عليه وآله وسلم أنه أبرأ.

قالت: إن شرب الماء بتلك الصفة يبرىء من شدة العطش ودائه لتردده على المعدة الملتهبة دفعات، فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه، والثالثة ما عجزت الثانية عنه.

زيادة على ذلك فإنه أسلم لحرارة المعدة، وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة، ونهلة واحدة.

قلت: فهمت هذا ووعيته.

قالت: ليس ذلك فقط.. بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يمص الماء مصا، ولا يعبه عبا، ويقول:( إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصا، ولا يعب عبا، فإنه من الكباد)([16]

قلت: ما الكباد؟

قالت: الكُبَاد هو وجع الكبد، وقد علم المجربون أنَّ ورود الماء جملةً واحدة على الكبد يؤلمها ويُضعفُ حرارتَها، وذلك للمضادةُ التى بين حرارتها، وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته.. ولو ورد بالتدريج شيئاً فشيئاً، لم يضاد حرارتَها، ولم يُضعفْها.. أتدري ما مثال ذلك؟

قلت: ما مثال ذلك؟

قالت: لو صببت الماء البارد على القِدْر تراها تفور، بخلاف ما لو صببته قليلا، فإنه لا يضرُّها.

قلت: ولكني لست قدرا.

قالت: أنسيت قوله تعالى:{ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} (الرحمن:14)؟

الماء والذكر:

قلت: فهمت هذا ووعيته، فحدثيني عن موقفكن معشر قطرات الماء إذا سمعتن الشارب، وهو يذكر الله؟

قالت: الذكر سر من أسرار بركتنا.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة، فيحمد الله عليها)([17])، فرضى الله هو سر ما يحصل فينا من بركة.

 قلت: فهل تسمعن صوت الذاكر؟

قالت: وكيف لا نسمعه؟.. لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا يسمي عند كل نفس، ويشكر في آخرهن([18]).

وكان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكَلَ أو شَرِبَ قال:( الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجاً)([19]

قلت: أفلم يكن صلى الله عليه وآله وسلم يكتفي بتسمية واحدة؟

قالت: روي الأمران.. فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم ييسر على أمته.

قلت: ماذا يحصل لكن حين تسمعن ذكر الله؟

قالت: لو رأيتنا كذلك لصعقت لجمالنا.. فنحن في ذلك الحين نتحول إلى حلقة ذكر مباركة تردد بصداها ذكر الذاكرين.

قلت: وهل تدخلن الجوف بتلك الصفة؟

قالت: أجل.. ونصير حينها من الدواء المبارك الذي يملأ الجسم عافية، والنفس سكينة، والصدر انشراحا.

قلت: والجسد.. كيف يستقبلكن؟

قالت: كما استقبل الأنصار المهاجرين.. يحتضننا، فنتفرق في أجزائه لنمتلئ به، ويمتلئ بنا.

قلت: بورك فيك أيتها اللآلئ العذبة.. فهل تأذنين لي بالرجوع إلى نفسي.. فقد عرفت فيك كل النبل والبركة والخير؟

قالت: لن تنصرف قبل أن تعرف أسرار بعض ما نكتبه بروابطنا.

قلت: تقصدين قوله تعالى:{ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}(صّ:42)؟

قالت: أجل..

قلت: فهل ستفسرين لي هذه الآية.. وتذكرين لي قصة أيوب u؟

قالت: ما أولعكم بالقصص.. هذه حقيقة، وليس قصة.

قلت: ألم يكن الأمر خاصا بأيوب u؟

قالت: لو كان الأمر خاصا به لما ذكر في القرآن الكريم.. بل هو هدي لتنفتعوا به.

قلت: فهل وصلنا ـ نحن البشر ـ إلى أسرار هذه الآية؟

قالت: أنتم أضعف من أن تصلوا.

قلت: فكيف تزعمين أنك ستعلميني أسرارها؟

قالت: لم أعدك بتعليمك أسرارها.. ولكن من أسرارها.. ألا تعرف أن من تفيد البعضية؟

قلت: بلى.. وأرى لك اهتماما باللغة.

قالت: هل رأيت ذلك؟

قلت: أجل.. فما سره؟

قالت: لقد من الله علي.. فشربني أبو الأسود والخليل بن أحمد وغيرهما، فسرى لي من بركاتهما ما تراه من علم اللغة.

قلت: فهل ستحدثيني أنت عن أسرار العلاج في الاغتسال والشراب.

قالت: لا.. لست مختصة في هذا.. ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم:( أنزلوا الناس منازلهم)([20]

قلت: فمن سيحدثني؟

قالت: لي صاحبتان.. أما إحداهما، فتحدثك عن عن المغتسل المبارك، وأما الأخرى فتحدثك عن الشراب المبارك.

قلت: فمن تبدأ؟

قالت: نبدأ بما بدأ الله به([21]).

المغتسل المبارك

سمعت صوتا عذبا يسلم علي، فقلت: أأنت اللؤلؤة المختصة بالمغتسل المبارك؟

قالت: أجل.. وقد دعاني حبي لكلام ربي أن أبحث عن سر البركات في الاغتسال.

قلت: فماذا وجدت؟

قالت: علوما كثيرة.. منها ما تطيقه.. ومنها ما لا تطيقه.

قلت: فخبريني بما أطيقه.. ويسري لي ما لا أطيقه.

قالت: أول ما يمكن أن تنتفع به من بركات الاغتسال بي الطهارة.. فالطهارة هي التي تعيدك إلى فطرتك الأصلية.. وتعيد لجسمك قوته ونضارته.

قلت: عرفت ذلك في حصون العافية، ولهذا قرن الله الطهارة بالعبادات، وحض عليها..

قالت: بل اعتبرها عبادة مقصودة لذاتها.. أليس الوضوء سلاح المؤمن؟.. فهو يتوضأ للصلاة، ولغير الصلاة.

قلت: أجل.. فما الفائدة الصحية لذلك؟

قالت: تخليص جسمك من السموم التي تتراكم عليه.. وإعطاؤه القوة التي يحتاجها ليؤدي ما كلفه الله من وظائف.

قلت: عرفت هذا في حصون العافية.. فحدثيني عن جديد ينفعني.

قالت: أتسمع بالحمامات المائية؟

قلت: معاذ الله.. ماذا تقولين؟.. أتذكرين الحمام؟.. إنه مأوى الشياطين.. وعش المردة.. وخصوصا لهن معشر النساء.

قالت: من قال ذلك؟

قلت: لقد وردت النصوص بالنهي عن دخول الحمامات العامة.

قالت: لم؟

قلت: لقد عللت ذلك بحفظ العورات وسترها، ألم تسمعي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( تفتح لكم أرض الأعاجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلها الرجال إلا بإزار، وامنعوا النساء أن يدخلنها إلا مريضة أو نفساء)([22]

قالت: فقد أقر صلى الله عليه وآله وسلم بالفوائد العلاجية التي يحملها الحمام.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: ألم يأذن بدخول الحمام للمريضة؟

قلت: بلى..

قالت: فلو لم يكن فيه فائدة صحية ما أذن لها صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: ولكن النهي قد ورد مطلقا في بعض الأحاديث، فقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر)([23]

قالت: ومن قال لك: إن هذه الأحاديث تنهى عن دخول الحمام؟

قلت: ألفاظها تدل على ذلك.

قالت: ألفاظها تدل على الأمر بالاستتار، لا على النهي على دخول الحمام.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: أرأيت لو قلت لك: لا تسر إلا وأنت تلبس حذاءك.. هل أكون بذلك قد نهيتك عن السير؟

قلت: لا.. بل عن السير حافيا.

قالت: فهذا سر نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن دخول الحمام.. وهو نهي يتضمن أمرا.. ألا تعرف الأصول؟

قلت: بلى.. ولكن ماذا تريدين أن تقولي؟

قالت: إن إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن وجود الحمامات في بلاد العجم، ثم إخباره عن صفة الداخلين فيها، ثم نهيه عن الدخول إلا بعد الاستتار يتضمن البديل الشرعي لتلك الحمامات الأعجمية.

قلت: فهمت ذلك.. ولكن ألم تسمعي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( شر البيت الحمام، تعلو فيه الأصوات وتكشف فيه العورات، فمن دخله فلا يدخل إلا مستترا)([24]) ؟

قالت: فهذا حديث ينهى عن رفع الأصوات، وكشف العورات، لا عن دخول الحمامات.

قلت:….!؟

قال: لا عليك.. فالحمامات التي أقصدها لا علاقة لها بهذا.. وهي يمكن أن تجرى في البيوت.. ولا تحتاج المرأة ولا الرجل إلى الخروج.

قلت: فهي حمامات مباركة إذن.

قالت: كل الحمامات مباركة.. ولكنكم أنتم الذين تمحقون البركة بما تسلكونه من سلوك.

قلت: فحدثيني عن هذه الحمامات البيتية ومنافعها.

قال: هناك حمامات مائية تعتمد على الخواص التي جعلها الله في الماء، والتي هي سر بركته.

قلت: خواص الماء كثيرة.. فماذا تقصدين؟

قالت: خاصية التسخير والذوبان والتشكل.. ألم تعرف من صواحبي أن الماء يتشكل بحسب ما يوضع فيه.

قلت: أجل.. وهو ما يعتمد عليه المعالجون بالماء.

قالت: والحمامات المائية نوع من هذا العلاج.

قلت: فما الأغراض الصحية التي يقصدونها من هذه الحمامات؟

قالت: أغراض كثيرة، فبحسب ما تضع في الماء من العناصر والمركبات يعطيك.. فقد يعطيك صحة أو جمالا أو انتعاشا بالإضافة إلى ما يعطيك من الطهارة.

قلت: فهل يستخدم الماء حارا أو باردا؟

قال: بحسب الحاجة.

قلت: ولكن الله تعالى قال لأيوب u:{ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}(صّ:42)

قال: لقد احتاجت علة أيوب u لهذا الحمام البارد، كما احتاج صلى الله عليه وآله وسلم فى مرضه أن يُصَبَّ عليه من سبعِ قِرَبٍ من هذا الماء البارد.

قالت: فما حرارة الماء المستخدم في هذه الحمامات؟

قالت: يستخدم في حمامات الأعشاب الماء الساخن، أو الدافىء، أو البارد، أوالمثلج، لكنه يفضل أن تعتمد أغلب الحمامات على درجة حرارة مرتفعة للماء لزيادة الانتفاع بفوائدها.

قلت: فاذكري لي بعض هذه المستحضرات لأنتفع به، ولأعلم مدى صدقك في دعواك.

قالت: فلنبدأ بحمام الشاي، فإني أعلم مدى حبك له.

قلت: أيمكن أن أغتسل بالشاي؟

قالت: أجل.. وله فوائد صحية عظيمة، فهو يقوم بتليين وتجميل أنسجة الجلد، وتنشيط الدورة الدموية، وزيادة حيوية الجسم، وتلطيفه وإزالة توتر العضلات، وتسكين الآلام، وتقوية العظام، وتليين المفاصل، وتخفيف الآلام الروماتيزمية، وتخفيض حرارة الجسم المرتفعة، وتهدئة الأعصاب، وهو يعمل كمطِّهر للجسم، فينظف الجلد ويزيل الرواسب عنه.

وبالإضافة إلى هذا كله يساعد على الشفاء من بعض الأمراض، ويقوي الجسم بصورة عامة.

 قلت: بورك فيك.. فهل هناك حمام غيره؟

قالت: هل تعرف المريمية؟

قلت: كيف لا أعرفها.. إنها من الأعشاب المباركة، وقد قرأت من فوائدها أنها تقوي الذاكرة الضعيفة وتعيدها في وقت قصير، بالإضافة إلى فوائد أخرى كثيرة.

قالت: سر ذلك يرجع إلى ما وهبها الله من قوة وقف العفونة في الجسم، والتي هي سبب الكثير من العلل.

قلت: فإذا ما ختلطت بكن، واستخدمت حماما، ما هو تأثيرها؟

قالت: هي نافعة ـ بإذن الله ـ ظاهرا وباطنا.

قلت: ماذا تفعل بالضبط؟

قالت: الاستحمام بها يكون على مرحلتين، أما الحمام الأول، فيعمل على تخليص الجسم من السموم والرواسب الضارة.

أما الحمام الثاني، فيقوم بتنشيط الجسم، وإعادة الحيوية إليه بعد تنظيف مسامه وخروج الرواسب منها.

قلت: فهذه فوائد عظيمة.. وبورك فيك.. كما بورك في المريمية.. فصفي لي وصفة أخرى.

قالت: هل تعرف البابونج؟

قلت: كيف لا أعرفه، وهو من الأعشاب المباركة المملوءة عافية وصحة.. فهو يعمل على شفاء الالتهابات.. بل يعمل نفس عمل المضادات الحيوية في شفاء الالتهابات، فإذا ما غلي شيء منه واستنشقه الشخص، استطاع أن يزيل الالتهاب من تجاويفه الأنفية والجبهية بسرعة، وأن يقضي على جميع الجراثيم الموجودة خلال مدة قصيرة.

وهو يساعد على رفع التشنجات الحاصلة في المعدة، وسائر أقسام الجهاز الهضمي، ويزيل المغص من المعدة والأمعاء والمرارة أحيانا، وهو يساعد على شفاء الجراح غير الملتئمة بسرعة، وعلى الأخص في تلك الأماكن من الجسم التي تعسر معالجة الجراح فيها، كالقسم الأسفل من الساق، فيمكن معالجة الجراح بكمادات البابونج أو المراهم المركبة منه، فتندمل بعد وقت قصير.. كما أنه يعمل على شفاء التقرحات المعدية.

قالت: وزيادة على ذلك فإن أبخرة البابونج تستخدم في معالجة النزلات الصدرية والرشوحات الرئوية.

قلت: كيف تكون هذه الأبخرة؟

قالت: بسيطة جدا.. ليس عليك سوى أن تسخن الماء في قدر، ثم تلقى فيه شيئا من البابونج، ثم تغطى رأسك مع القدر بقطعة كبيرة من القماش، وتبدأ في استنشاق بخار البابونج مدة ربع ساعة على الأقل، فيقوم البابونج بقتل هذه الجراثيم ورفع الالتهابات.

قلت: ما شاء الله.. لقد وصفت لي وصفة نافعة مباركة.

قالت: لقد اتحدت مع البابونج للقيام بهذا العلاج المبارك.

قلت: فحدثيني عن حمام البابونج.

قالت: هذا الحمام من الحمامات المقويّة للغاية والمُكسبة للنشاط والحيوية، كما أن له فائدة خاصة في القضاء على نزلات البرد في بدايتها.

كما أنه يليّن ويُجمِّل الجلد، ويهدىء الأعصاب، ويزيل التقلصات، ويبعث على الاسترخاء.

قلت: بورك فيك.. فهل هناك حمامات أخرى؟

قالت: كثيرة هي هذه الحمامات، فمنها حمام الأعشاب البحرية، فهي تحمل فوائد عظيمة للجسم، فعلاوة على تأثيرها الجمالي من خلال إضافتها لماء الحمام، فهي تغذي الجلد وتكسبه نعومة وجمالاً، كما أنها تحتوي على مواد مضادة للروماتيزم على وجه الخصوص.

ولهذا نجد أن الإصابة بـالروماتيزم تكاد تنعدم بين أفراد الشعب الياباني، نظراً لإقبالهم على تناول الأعشاب والمأكولات البحرية ضمن غذائهم اليومي.

ومنها حمام خل التفاح، فإذا أضيف لماء الحمام حوالي ملعقتين كبيرتين منه يبعث النشاط في الجسم، ويزيد من مناعته للمرض، ويخلص الجلد من الرواسب والسموم، ويُجمّله بوجه عام.

ومنها حمامات أخرى كثيرة ملأها الله بالبركة.

قلت: فكيف أستفيد من بركاتها؟

قالت: لا تنس أن تذكر الله.. فلا بركة بلا ذكر.. ولا صحة بلا إيمان.

قلت: فعودي بي إلى الحديث عن المغتسل البارد الذي وصفه الله تعالى لأيوب u.

قالت: وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحمى في أحاديث كثيرة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء)([25])

قلت: فما في هذه الحديث من الفوائد الصحية؟

قالت: الحمى هي كل ارتفاع لحرارة الجسم، فمن المعروف أن في الجسم مركزاً لتنظيم الحرارة في منطقة بالدماغ تعرف بتحت المهاد، وهي تستشعر حرارة الدم، فإذا ارتفعت قليلاً زادت في إفراز العرق من الجلد ليتم خروج الحرارة من الجسم إلى الجو المحيط.. ولكن إذا كانت حرارة الجو فوق الأربعين فلا يمكن لحرارة الجسم أن تخرج إلى الهواء المحيط، ولا بد من استخدام الماء البارد والمثلج.

ورغم أن للحمى أسباباً كثيرة إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعة للحرارة تؤثر على منطقة تحت المهاد وتحدث الرعشة وتقلص العضلات فتزيد من ارتفاع الحرارة.. ومن أشهر أسبابها ضربة الشمس والبرداء أو الملاريا والأنفلونزا ونولات البرد والحمى التيفية والمالطية وغيرها.

 والمعالجة بالكمادات الباردة والماء المثلج نوع هام من العلاج للأعراض ذاتها، وإذا كانت الأدوية النوعية المضادة للحميات الانتانية لم تكتشف إلا في القرن التاسع عشر، وكذلك مخفضات الحرارة كالأسبرين والكينين فقد كان استعمال الماء البارد هو الواسطة العلاجية الأولى، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نبه إلى هذه الواسطة العلاجية الهامة فالإعجاز في دعوته تلك، أن تبريد الحمى بالماء ما يزال العلاج العرضي الأمثل، والذي يشرك حالياً مع الأدوية النوعية.

الشراب المبارك

سمعت صوتا عذبا من لؤلؤة أخرى تقول: أما أنا، فإني اللؤلؤة المختصة بالشراب المبارك؟

قلت: لقد عرفت بركاتك في تغذية الجسم.. فهل تعلميني من بركاتك في العلاج؟

قالت: أجل.. ولكنكم تقصرون.

قلت: فيم؟

قالت: أنتم تبالغون في العلاج بالسموم التي تصنعونها، وتغفلون عني.

قلت: لم؟.. فأنت أرخص ثمنا.

قالت: زهدتم في لرخص ثمني، فرحتم تبيعونني بالسموم.

قلت: فكيف يعرف البشر قيمتك؟

قالت: لو حبست عنهم.. ثم وضعت في قارورات، واشتروني بوزني ذهبا.. حينذاك سيتحدثون عن منافعي.

قلت: لم؟

قالت: لأن المستضعفين المساكين تبع لأرباب الأموال.. وهم لا يصفون إلا ما يملأ جيوبهم.

قلت: ولكنك شراب.. ويكفيك ذلك.. فكيف تطلبين أن تصيري دواء..

قالت: لأني دواء.. ولو بحثتم في أسراري وكيفية استعمالي علاجا لوجدتم الكثير.

قلت: فهل هناك من بحث في ذلك؟

قالت: كثيرون هم.. وهم لما يروا بعد الكثير من فوائدي.

قلت: فماذا وجدوا؟

قالت: وجدوا أشياء كثيرة، وسأقتصر على وصفة منها.

قلت: فاذكريها لأنتفع بها.

قالت: لقد قام الاتحاد الياباني للأمراض بتجربة للعلاج بالماء، وقد بلغت نتائج نجاحها 100بالمائة بالنسبة لعلاج كثير من الأمراض القديمة والعصرية.

قلت: فما هي الوصفة؟

قالت: استيقظ مبكراً صباح كل يوم وتناول 4كؤوس ماء سعة كل واحد منهما 160مل على معدة فارغة، ولا تتناول أي نوع من الطعام أو السوائل قبل مضى 45 دقيقة على شرب ماء.

ثم تناول فطورا عاديا بعد مضي 45 دقيقة.

ثم لا تتناول أي طعام أو شراب خلال الساعتين التاليتين لكل من وجبة الفطور والغذاء والعشاء.

وبعد العشاء لا تتناول شيئاً لا سيما عند حلول وقت النوم.

قلت: فهل أستمر على ذلك طول حياتي؟.. إن ذلك لشاق.

قالت: لا.. تحتاج ككل علاج إلى مدة قصيرة تختلف باختلاف المرض، فارتفاع ضغط الدم يحتاج 30 يوماً، ومثله داء السكري، والسرطان 6 أشهر، ومشاكل المعدة 10أيام، والإمساك 10أيام، والسل 3 أشهر.

أما الذين يشكون من التهاب المفاصل، فعليهم أن يكرروا هذه التجربة 3 مرات يومياً في الأسبوع الأول، ثم يخفضونها إلى مرة واحدة في الصباح.

قلت: فما الأمراض التي يمكن علاجها بهذه الوصفة؟

قالت: منها الصداع، وضغط الدم، وفقر الدم، وداء المفاصل، والشلل وسرعة خفقان القلب، والصرع، والسمنة، والسعال، والتهاب القصبة الهوائية والربو، والسل، والتهاب السحابا، وأي مرض آخر يتصل بالمسالك البولية والكبد، وفرط الحموضة، والتهاب غشاء المعدة والإمساك والبواسير وداء السكري، وأي مرض آخر يتصل بالعين والأنف والحنجرة.. وغيرها كثير.

قلت: فبم تفسرين هذا الدور الذي يقوم به الماء في حفظ الصحة؟

قالت: أنا لا أفسر، فإن فسرت أرجعت ذلك إلى ما أودع الله فينا معشر المياه من البركات.

قلت: أقصد تفسير قومي.

قالت: لقد نصوا على أن الماء أساسي في عملية الأيض أو الاستقلاب أو التمثل الغذائي.. ولهذا ففي حالة جفاف الجسم بسبب نقص الماء يتم سحب الماء من أجزاء مختلفة من الجسم ليتم سوقه إلى الأماكن الأشد طلباً للسوائل حتى أن الأمر يصل إلى حد سحبه من الفراغات الواقعة بين الخلايا والأنسجة الحية داخل الجسم حتى من الدم وسحب الماء من الدم يجعله أكثر سماكة وثخانة – فيصبح صعباً ضخّه وبالتبعية والتعاقب يصير الانسان أكثر استعداداً وتعرضاً لخطر حدوث بعض أنواع ضغط الدم وكذا أمراض القلب.

قلت: فما السبب في هذا النقص الذي ينتج هذا الخطر؟

قالت: إن السبب الأكثر شيوعاً لنقص المياه بالجسم هو عدم استيفاء القدر الكافي والمتحصل من الماء، وذلك بعدم شرب الكفاية أو نسيان شربه أو العزوف عن شربه حتى يحدث الظماً بالفعل.

بالإضافة إلى هذا فإن ثمة أسباب أخرى منها وجود بعض العلل والأمراض الأخرى مثل ذات الرئة ونزلات البرد والانفلونزا ومرض البول السكري وهو يتسبب في نقص كبير في ماء الجسم.. وعلى المرضى إبداء الحذر البالغ وتحري تحصيل المقادير الكافية من الماء في الجسم.. زيادة على أن تناول مقادير كبيرة من البروتين وبشكل شاذ غير عادي يمكن أن يتسبب في طرح المزيد من الماء خارج الجسم بواسطة الكلى حتى أن معدلات البول تكون في هذه الحالة كبيرة وبكميات أكبر من المعتاد مما يفاقم الحالة.

ومن الأسباب الشائعة التعرق أو إفراز العرق وهذا بالذات ملحوظ مع أولئك الذين يبذلون أو يؤدّون أنشطة بدنية خاصة في الطقس الحار والرطب، لذا فإن القاعدة العامة والمثلى تقول للجميع:( اشربوا الماء، ولو لم تكونوا عطاشى)

قلت: ولكن هناك سوائل أخرى يمكن تعويضها للماء.

قالت: تقصد المياه الغازية والشاي والقهوة..

قلت: وغيرها كثير.

قالت: هذه السوائل لن تحدث فاعلية ـ خاصة مع المشروبات المدرة للبول ـ فلا يحل محل الماء إلا الماء.. وإن كنت لا تستسيغ طعم الماء العادي فيمكنك إضافة قطرات من عصير الليمون أو وضع شريحة برتقال في كوب الماء.. إن فوائد شرب الماء أكثر من أن تكون مجرّد الخلاص من إحساس الظمأ..

قلت: ولكن هناك من يحتفظ جسمه بالسوائل، فيحتاج إلى إدامة العطش لئلا يغرق جسمه في الطوفان.

قالت: ذلك بحسب منطقكم.. لا بحسب منطق البركات.

قلت: فما منطق البركات؟

قالت: إن هذا المنطق ينص كما ينص علماءكم على أن التخلص من ارتجاع السوائل والاستسقاء يحتاج لشرب ماء أكثر.

قلت: فما سر ذلك؟

قالت: سر ذلك أن ارتجاع السوائل هذا قد حدث في الأصل بسبب جفاف وندرة الماء- تراكمياً- في الجسم مما دفع الجسم لمحاولة استبقاء ما يمكنه من الماء، والذي في حالة الحصول على القدر الكافي من المياه بالشرب سيحدو بالجسم وقتئذ إلى التخلص من هذا المرتجع الضار من السوائل (والذي يأخذ شكل الأوديما أو الاستسقاء)

فالهدف في الأصل هو الحفاظ على أكبر قدر من السوائل تتدفق وتطوف خلال الجسم، وهذا يمكن تحقيقه بزيادة القدر المتناول من الماء، وفي نفس الوقت ملاحظة ما يحصل عليه الجسم من صوديوم (ملح)من الأغذية، فكثرة الملح تؤدي للاحتفاظ بالماء، فكلما زادت معدلات الصوديوم حاول الجسم ارتجاع الماء بشكل متزايد.. والسبب محاولة تخفيف درجة كثافة الملح داخل الجسم مما يؤدي إلى الاستسقاء وظهور علاماته من انتفاخ الأنسجة مثلا عند الكاحل.

قلت: تقصد أن نقص الماء يدعو الجسم إلى الظن بأنه ثمة ندرة شديدة وقحط قد حلّ به مما يجعله يلجأ لارتجاع السوائل.

قالت: أجل.. ولهذا يتعين على الذي يعاني من ذلك إلى إنقاص المتناول من الملح- في الطعام- أو زيادة المتناول من المياه بالشرب.

قلت: لقد نبهتني إلى خطر الجفاف التراكمي الذي يحل بالبدن نتيجة الظمأ الشديد، فاذكري لي مظاهره.

قالت: لقد كان الدكتور فيريدون باتمان جليدج من أكثر الأطباء اهتماما بهذا([26]).. فقد كشف النقاب عن أزمة ومعاناة الجسم بسبب الجفاف التراكمي.

ومما ذكره من المخاطر المنجرة عن هذا الربو والسكري وضغط الدم المرتفع ومرض التصلب المتعدّد ومتلازمة الإعياء المزمن والتهاب المفاصل والكثير الكثير!

قلت: لا أريد كلاما عاما.. أريد تفاصيل تملؤني قناعة.

قالت: أتعرف حرقان القلب؟

قلت: أعلم أنه إحساس الألم والحرقة خلف عظم القص، وهو يرتفع ويعلو من الجوف وتجاه الحلق مع إحساس بحمض أو سائل مر في الفم، وهو عادة ما يتسبب عن ارتجاع بعض سوائل المعدة صوب وناحية المرىء.

قالت: إن هذه الحالة إشارة أو لافتة تحذير رئيسية للجسم تدل على نقص الماء في الجزء العلوي من القناة المعدية المعوية.. ولسوء الحظ فإن استعمال مضادات الحموضة والأقراص لاحتواء الألم هو وقتي ولن يصحح حالة ندرة الماء أو نقصه وبالتالي سيظل الشخص يعاني منها!

قلت: وعيت هذا.

قالت: ومثله التهاب المفاصل وخاصة الشكل الروماتويدي، فهو إشارة على نقص الماء المزمن في المفصل المتألم وهذه الحالة يمكن أن تصيب صغار السن بالإضافة للكبار وتناول مسكنات الألم لن يشفى منها بل إنه يعرض الشخص لمزيد من الضرر بسبب الأعراض الجانبية لهذه الأدوية.. إن تناول الماء بالقدر الكافي بل والزائد، وأيضاً تحصيل مقادير صغيرة من الملح البحري من الممكن أن يساعد في شفاء من هذه العلة.

قلت: وعيت هذا.

قالت: ومثل ذلك آلام أسفل الظهر وكذا تصلب- و- أو التصاق المفصل أو المفاصل في العمود الفقري)، وهو أحد أشكال التهاب المفاصل المقعدة.. فكلها علامات على نقص الماء المزمن في الفقرات والعمود الفقري فالماء – عند ذاك- بمثابة بطانة أو وسادة تدعم وزن الجسم وتخفف أو تهمد الصدمات، ولذا فالعمل على الحصول على القدر الزائد منه بانتظام للجسم من الممكن أن يكون هو العلاج الناجع وليس الاعتماد على الأدوية المسكنة التجارية!

ومثل ذلك الخناق الصدري.. فهذه الحالة- وخاصة إذا اقترنت بحرقة الفؤاد هي علامة على ندرة ماء الجسم خاصة في محور القلب- الرئة وعلاجها بزيادة القدر المتناول من الماء حتى يشعر المريض بزوال الألم وبالخلاص من تناول الأدوية الخاصة بالحالة- وطبعا هو أمر يتسم بالحكمة والتبصر أن يتم ذلك تحت إشراف الطبيب المختص.

ومثل ذلك الصداع النصفي فهو لافته تحذير بأن ثمة احتياج- من قبل المخ والعينين للماء- ويمكن الخلاص منه بالوقاية من الجفاف من أن يحل تراكمياً بالجسم.. وللعلم فإن هذه الحالة من الجفاف ربما سبّبت التهابا بالمنطقة خلف العيون، بل واحتمالية نقص أو خسارة البصر.

ومثل ذلك الربو الذي يحصد الملايين.. فالمرض من مضاعفات جفاف الجسم وعدم تميهه بالشكل الكافي مما يحدو بالجسم إلى اللجوء لميكانيزم خاص به حالة الجفاف أو القحط هذه فالممرات الهوائية في الرئة تنقبض لكي تمنع الماء من مغادرة الجسم على شكل بخار.. وهكذا فإن تناول المزيد من الماء يقي ويعالج هجمات الربو هذه.

ويمكن تشبيه ذلك نسبيا بالمادة الطينية اللزجة التي تصب في فجوات أو فراغات الأغشية المخاطية لبعض الخلايا لكي تحميها وتقيها من خسارة مخزونها من مائها الحيوي أثناء عملية التناضح- تبادل السوائل- بين الخلايا والخلايا المجاورة- فالكوليسترول إضافة لدوره في تصنيع الهرمونات والأغشية المخاطية في الخلايا العصبية يوظفه الجسم أيضاً بمثابة درع ضد العبء الإضافي- الضريبي- والذي تفرضه الخلايا الحيوية الأخرى والذي يتعفق بتبادل الماء من خلال أغشيتها المخاطية.

الهواء

سلمت على لآلئ الماء مودعا، فصاحت في لؤلؤة منهن: إلى أين؟

قلت: إلى متوسم الغذاء..

قالت: أفلا تزور الهواء؟

قلت: ومن الهواء؟

قالت: ذلك الإكسير المبارك الذي هو أبونا، ونحن أبناؤه.

قلت: أنا أبحث عن أسرار البركات، ولا أبحث عن الآباء والأمهات.

قالت: إن كان للبركة أب أو أم.. فالهواء أبوها أو أمها.

قلت: كيف ذلك؟ أنا لا أشعر بأن له هذا الدور الذي تتحدثين عنه.

قالت: لقد أمر الله بالصيام، فهل يمكن أن تصوم على الهواء؟

قلت: لو صمت عن الهواء لاختنقت.

قالت: فكيف تنكر إذن سر بركاته؟

قلت: أنا لا أنكر.. ولكني أنظر إليه كشيء عادي لا علاقة له بالغذاء ولا الدواء.. وما لم تكن له علاقة بهذين لا علاقة له بالبركة.

قالت: فلذلك لن ترجع للمتوسم حتى تنال من العلم ما يمحو عنك هذا الجهل.

قلت: فكيف أتعلم؟

قالت: كل شيء يتعلم عند أهله.

قلت: وعلم الهواء؟

قالت: عند الهواء.

قلت: كيف؟

قالت: تلطف كتلطف النسيم، فستراه.

تلطفت كتلطف النسيم، فأبصرت لآلئ مختلفة الأشكال والألوان تتوزع في الفضاء.

قلت: من أنتن.. فإني أرى اللآلئ التي يتصارع قومي من أجلها تحسدكن.

قالت إحداهن: نحن أهوية مختلفة، أما أنا، فيطلق علي الأوكسجين، وأما أخواتي، فتلك تسمونها النتروجين، والأخرى تسمونها الأرجون، والأخرى تسمونها النيون، والأخرى تسمونها الكنسيون، والأخرى تسمونها الكريبتون، والأخرى تسمونها ثاني أوكسيد الكربون، وهي متشكلة من تزاوجي مع الكربون.

وكلنا تشرفنا بذكر القرآن الكريم لنا، فقد قال تعالى:{ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(النحل:79).. فنحن جو السماء.

شرح الصدر:

قلت: فحدثيني عن نفسك، وعن سر بركتك؟

قالت: أنا التي أشار إليها قوله تعالى:{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } (الأنعام:125)

قلت: كيف ذلك!؟.. فلا أرى اسم الأكسجين في الآية.

قالت: ومن قال لك بأن هذا اسمي؟

قلت: أسمع قومي يسمونك بهذا الاسم.

قالت: لكل قوم الحرية في أن يختاروا ما شاءوا من الأسماء، ألم تعلم بأن يوم الجمعة تسميه الملائكة يوم المزيد؟

قلت: بلى.. فما اسمك بين قومك؟

قالت: اسمي بين قومي (انشراح).. فقد جعلني الله نسيما عليلا تنشرح له الصدور، ألم تسمع ما تدل عليه الآية من فضلي؟

قلت: بلى.. وقد نص العلماء المرابطون على ثغر الإعجاز على ما في تلك الآية من إعجاز.

قالت: وما قالوا؟

قلت: لقد ذكروا أن الارتفاع في الجو لمسافة عالية يسبب ضيقاً في التنفس، وشعوراً بالاختناق، وهو يزيد كلما زاد الارتفاع، كما تنص على ذلك كلمة { يصّعد }، حتى يصل الضيق إلى درجةٍ حرجةٍ وصعبة جداً.

قالت: وما الذي ذكروا من سب هذا الضيق؟

قلت: تعلمت هذا مجردا عن تفاصيله.

قالت: فاعلم بأن سر ذلك يعود إلى انخفاض نسبة وجودي في الارتفاعات العالية، فأنا أعادل 21بالمائة تقريباً من الهواء فوق سطح الأرض، بينما أنعدم نهائياَ في علو 67ميلاً، ويبلغ توتري في الاسناخ الرئوية عند سطح البحر 100 مم، ولا يزيد عن 25 مم في ارتفاع 8000 متر حيث يفقد الإنسان وعيه بعد دقيقتين أو ثلاث، ثم يموت([27]).

وقد أدى الجهل بهذه الحقيقة إلى سقوط ضحايا كثيرين خلال تجارب الصعود إلى الجو، سواء بالبالونات أو الطائرات البدائية، أما الطائرات الحديثة فأصبحت تجهز بأجهزة لضبط الضغط الجوي والأوكسجين.

قلت: فأنت غذاء ضروري إذن.

قالت: لا غنى عني.. فأنا نسمة الحياة لكل الحيوانات التي فوق الأرض.

قلت: ولكني أرى من زملائك من يفوقك عددا، فكيف هنت لهذه الدرجة.. أم أن لغيرك من المنافع ما ليس لك؟

قالت: لا.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (الحجر:21)؟

قلت: بلى.. وقد قال تعالى مثلها:{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49)

قالت: فأنا مع زملائي منزلون بقدر معلوم.. فأنا أشكل نسبة الخمس تقريبا من الهواء الجوي، أو بتعبير أدق 21بالمائة من الهواء.

قلت: فلو زدت.. ماذا سيحصل؟

قالت: لو زدت بنسبة 50 بالمائة مثلاً أو أكثر فإن جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال لدرجة أن أول شرارة من البرق تصيب شجرة لابد أن تلهب الغابة حتى لتكاد تنفجر.

قلت: فلو نقصت نسبتك؟

قالت: لو أن نسبتي في الهواء قد هبطت إلى 10بالمائة أو أقل، فإن الحياة تكون قد انمحت على الأرض منذ دهور.

ولذلك كان من رحمة الله تعالى أن عنصرنا قد أفلت من الاتحاد مع غيره وترك في الجو بنفس النسبة تقريباً، وهي النسب اللازمة لجميع الكائنات الحية.

قلت: أراك تذكرين الاحتراق.. فما علاقتك بالاحتراق.. فهل أنت احتراق أم انشراح؟

قالت: أنا لا أشرح الصدور فقط، بل إني ركن أساسي في التغذية، ولا أكون انشراحا إلا بكوني احتراقا، ألا تعلم أن السلام قد يكون كامنا في الثورة؟

قلت: بلى.. سمعت هذا كثيرا.. ولكن كيف تحققين الانشراح بالاحتراق؟

قالت: كما تحقق الشمعة النور بالاحتراق والذوبان.

قلت: لكني أرى الشمعة ولا أراك.

قالت: إن الغرض الأساسي من دخولي إلى الجسم هو التغلغل عبر الدم إلى الخلايا لحرق الطعام، وتحويله إلى طاقة يستفيد منها الجسم في حركته وبقائه.

قلت: فلنفرض أنك لم تفعلي.

قالت: كيف تقول هذا؟.. أو تفرض هذا.. أنا مسخرة سخرني الله لهذه المهمة.. ولا أتصور أن أعصيه.

قلت: فلنفرض فقط.

قالت: لتعلم ذلك حق اليقين دعني أطلب من صواحبي أن لا يزرن رئتيك لترى ما سيحصل.

قلت: لقد وعيت وفهمت.. فلا تفعلي.

قالت: لقد نسيت ما جئت من أجله.

قلت: وما جئت من أجله؟

قالت: أن أبين لك سر الحصول على بركتي.

قلت: فكيف أحصل عل بركتك؟

قالت: بأمرين كلاهما يمتلئان بركة.

قلت: فما هما؟

قالت: أما الأول، فيشير إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( بورك لأمتي في بكورها).. فمن طبق هذا الهدي النبوي يكون قد حصل على سر مهم من أسرار بركاتي، فإن أعلى نسبة لغاز الأوزون، وهو شكل من أشكالي في الجو تكون عند الفجر، وتقل تدريجياً حتى تضمحل عند طلوع الشمس.

وهذا الغاز له تأثير مفيد للجهاز العصبي، وهو منشط للعمل الفكري والعضلي، بحيث يجعل ذروة نشاط الإنسان الفكرية والعضلية تكون في الصباح الباكر، ويستشعر الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمى بريح الصبا، لذة ونشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل.

قلت: هذه الأولى.. فما الثانية؟

قالت: أما الثانية.. فتنفس بجميع رئتيك..

قلت: وهل تريني أستعمل بعض رئتي؟

قالت: أجل.. فالإنسان في حالات التنفس العادي يتنفس من ربع إلى ثلث رئتيه، أما التنفس العميق فيضطره إلى استعمال رئتيه كاملة.

قلت: فما الفائدة من ذلك؟

قالت: هذا يدرب كل أجزاء الرئة على الاستعمال، بالإضافة إلى أنه يقوي عضلات الجهاز التنفسي، ويجعلها أقدر على القيام بوظائفها في الجسم.

ألا تعلم أن الإنسان في الحالات الطبيعية يتنفس من 14إلى 18 مرة في الدقيقة، ويدخل الرئتين في كل مدة يتنفس فيها عن طريق الشهيق ما يوازي نصف لتر من الهواء، ويخرج من رئتيه عن طريق الزفير ما يوازي نصف لتر من الهواء، ويضطر الجسم إلى إخراج الكميات الزائدة منه في الدم عن طريق التنفس وإلا أدى تراكمه في الجسم إلى الخمول والكسل.

قلت: وفي التنفس العميق كم يدخل.. وكم يخرج؟

قالت: في التنفس العميق تزيد كمية الهواء الذي يدخل ويخرج من الرئتين من نصف لتر إلى ما يقرب من لتر ونصف لتر، وهذا يعني أن التنفس العميق يدخل إلى الجسم كمية أكبر من الأوكسجين، ويخرج منه كمية أكبر من ثاني أوكسيد الكربون.

قلت: فما تأثير ذلك على الصحة؟

قالت: يساعد هذا التنفس العميق عدة مرات في اليوم على إطالة التنفس وجعل الإنسان أقدر على ممارسة الأشياء التي تتطلب منه بذل مجهود أكثر من المجهود العادي، كالمشي مسافات طويلة بدون إجهاد، وهذا هو السبب الذي من أجله يقوم الرياضيون بعمل تمرينات للتنفس بصفة مستمرة.

ولذلك ينصح الأطباء الكثير من المرضى بعمل تمرينات تنفس عميق قبل وبعد إجراء العمليات الجراحية لهم، وذلك لزيادة لياقتهم الصحية وإرجاعهم إلى الحالة الطبيعية بعد العملية، ولعدم تعرض أي جزء من الرئة إلى الإنكماش بسبب الرقاد فترة طويلة من الوقت في الفراش، وبسبب عدم التنفس أثناء المرض بالسرعة والعمق اللازمين لبقاء الرئتين كما هما.

قلت: أرأيت لو أن شخصا لم يمارس هذا التنفس العميق الذي تذكرينه؟

قالت: إذا لم يفعل ذلك، ولم يقم بأي مجهود رياضي، فإنه سيصيب جهازه التنفسي مع مرور الوقت بشيء من الكسل، وينتج عن ذلك إحساس بالتعب والإرهاق عند بذل أي مجهود لا يستدعي من الشخص العادي الإجهاد.

قلت: ولكن….

قاطعتني وقالت: ماذا تشعر عندما تتنهد؟

قلت: أشعر ببعض الراحة.. فأنا أتنهد عندما أكون في حالات الضيق والقلق والاضطرابات النفسية والعصبية.

قالت: فما التنهد إلا نوع من التنفس العميق..

قلت: فما سر الراحة فيه؟

قالت: عندما تتنفس تنفسا عميقا تزداد عملية احتراق الطعام في الجسم وينتج عن ذلك زيادة في نسبة ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الدم، والتنفس العميق يساعد على إخراج هذه الكمية الزائدة من ثاني أوكسيد الكربون، فتشعربالراحة.

قلت: فهذا يدعوني إلى ملازمة التنفس العميق في كل حين.

قالت: لا.. ألم يقل الله تعالى:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (لأعراف:31)؟

قلت: بلى.. ولكنه لم يذكر التنفس.

قالت: التنفس نوع من الأكل.. أو هو نوع من الشرب.

قلت: فما مخاطر الإسراف فيه؟

قالت: إن ثاني أوكسيد الكربون يجب أن يكون موجودا في الدم بنسبة معينة، فإذا نقصت هذه النسبة بسبب كثرة التنفس العميق نتج عن ذلك إحساس بالدوخة، وتزايد في ضربات القلب، وإحساس الشخص بالإجهاد.. ولذلك كان الاعتدال يجمع بين الحسنيين.

قلت: فهل يحتاج التنفس العميق إلى تدريب؟

قالت: أجل.. وقد أحسنت بهذا السؤال، فإن هناك من يعتقد بأن التنفس عملية آلية نقوم بها جميعا ولا تحتاج إلى التوجيه والتدريب، لكن الحقيقة هي أن التنفس الجيد أمر قد يغفل عنه الكثير وأن النجاح فيه يرتبط بارتفاع الأداء الصحي، والتخفيض من مستويات الاكتئاب والقلق.

قلت: فكيف أتنفس هذا التنفس العميق؟

قالت: ذلك شيء يسير.. لكي تتأكد أنك تتنفس بعمق ضع كتابا على بطنك، ثم خذ نفسا عميقا، فإن لاحظت أن بطنك يرتفع بالكتاب عند الشهيق، وينخفض عند الزفير، فأنت تتنفس تنفسا عميقا.

قلت: هذا شيء يسير.. فإن لم أجد الكتاب هل يمكنني أن أضع شيئا آخر؟

ضحكت، وقالت: لم أكن أحسبك بهذا الذكاء.. إن لم تجد الكتاب الذي تضعه على بطنك، فلن تقدر على التنفس العميق ما حيت.

قلت: فما اسم الكتاب الذي أضعه؟

قالت: دعك من هذا المزاح.. واسمع نصيحة أخرى.

قلت: ما هي؟

قالت: لتحقيق المزيد من التنفس الجيد حاول أن يستغرق الزفير فترة أطول من الشهيق، فالزفير بشكل خاص يساعد على التخلص من السموم الموجودة بالجسم، والتي إذا لم نتخلص منها، فسوف تختزن في الدهون.

قلت: وهذا يسير كذلك.. ولن يحتاج مني إلى كتاب أو غيره.

قالت: ويتطلب التدريب على التنفس الجيد تدريب الرئتين، ويكون ذلك بأن تأخذ نفسا عميقا وكبيرا عددا من المرات يوميا، وان تحتفظ بها لفترة في الرئتين.

قلت: لم؟

قالت: لتدريب رئتيك.. فهما كالعضلات.. إن لم تقم بتدريبهما فانهما تفقدان مرونتها.

قلت: عرفت بركتين من بركاتك يا انشراح.. فهل من بركات أخرى؟

قالت: سأترك المجال لرفيقاتي، فهن ينتظرن دورهن.

قلت: فمن تتركين؟

قالت: سأترك أقرب رفيقاتي إلى نفسي.. من أتعاقب معها على مصلحتك ومصلحة غذائك.

قلت: من تعنين؟

قالت: من تسمونها ثاني أكسيد الكربون.

قلت: فكيف تتعاقبين معها على مصلحتنا؟

قالت: عندما تتنفسون الأكسجين، ويحترق في أجوافكم تخرج نتيجة احتراقه رفيقتي ثاني أكسيد الكربون مع هواء الزفير، وهي ليست سوى مركب من الكربون والأكسجين.

قلت: أهذا هو التعاقب؟

قالت: ليس هذا فقط.. بل تمتص النباتات رفيقتي ثاني أكسيد الكربون الذي يتحد مع الماء مكونًا غذاء، ثم تُخرج النباتات الأكسجين الزائد إلى الهواء([28]).. وهكذا نتعاقب لمصلحتك ومصلحة الحياة على الأرض.

تكوين الغذاء:

تقدمت ثاني أكسيد الكربون، وقالت: دعيني أشرح دوري يا انشراح.

قلت: هي انشراح.. فمن أنت؟

قالت: أنا التي تسمونني ثاني أكسيد الكربون.

قلت: وما يسميك قومك؟

قالت: يسمونني مخضار.

قلت: مخضار!؟.. ما مخضار؟

قالت: ألا تعلم أن الله تعالى أشار إلي في قوله:{ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً } (الأنعام:99)

قلت: أهذه الآية تشير إليك؟

قالت: هي تشير إلى ما تسمونه المصانع الخضراء في النباتات، أو ما تسمونه اليخضور.

قلت: هو يخضور لأن لونه أخضر.. فما أنت؟

قالت: وأنا مخضار لأنه لولاي لما احتاج إلى هذا اللون الأخضر، بل لولاي لم يكن بهذه الصفة أصلا.. فقد جعلني الله سببا من أسباب وجوده.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: هذه المصانع الخضراء يخرجها النبات بأمر ربه تعالى عند بداية نموه وهي تحتوي على الكلوروفيل الذي عبّر عنه القرآن الكريم بالخضر، حيث يقوم بالاستفادة من الطاقة الضوئية، ويحولها إلى طاقة كيمائية ينتج عنها تكوين الحبوب والثمار المختلفة وسائر أجزاء النبات التي نراها في الحدائق والبساتين.

قلت: فما علاقتها بك.. فإني لم أر لك أي علاقة؟

قالت: اصبر علي.. فلا قدرة للعجول على التعلم.

قلت: أنا صابر.. فتكلمي.

قالت: لقد عرفت أن مصانع الغذاء في النبات تتركز في الأوراق والأجزاء الخضراء منه.

قلت: أجل..

قال: فاعرف بأن هذه المصانع بحاجة إلى المواد الخام، كما أنها بحاجة إلى وضع تصميم وترتيب وتنظيم يتم به وصول هذه المواد الخام إلى المصانع الخضراء.

قلت: فهمت.. فأنت إحدى هذه المواد الخام.

قالت: أجل.. فإني مع الماء والأملاح والضوء نشكل المواد الأساسية لما يكونه النبات من أغذية.

قلت: عرفت دور الماء، فحدثيني عن دورك.

قالت: أدخل إلى هذه المصانع الخضراء بواسطة ثغور صغيرة قد أعدت بإحكام، وتنتشر في الطبقة السطحية للأوراق، وقد خلق الخالق سبحانه خليتين حارستين أو أكثر تقومان بدور البواب الذي يفتح ويقفل بنظام، وبحسب الحاجة.

قلت: فها قد دخلت.. فماذا تصنعين؟

قالت: بعد أن تصل المواد الخام ـ والتي أشكل ركنا من أركانها الأساسية ـ إلى المصانع، وهي ملايين الملايين من المصانع نقوم بأخطر إنتاج في العالم وأعظمه.

قلت: وما هو؟

قالت: إنتاج كل ما تحتاجونه من البروتينات، والدهنيات، والنشويات، والفيتامينات، والأملاح.

قلت: كل ذلك من من ماء وأملاح وثاني أكسيد كربون وضوء شمس.

قالت: كلنا نتحد من أجل كل ما تأكلونه من غذاء.. ومن عجيب أمرنا أننا نقوم بعملنا دون ضجيج أو إزعاج.. فنقوم بعمليات كيماوية طويلة متلاحقة، وفي سلسلة متتابعة في الخطوات حتى يكون الناتج هي تلك الثمار اللذيذة الشهية التي ليست إلا مخازن، خزن فيها الغذاء وأحكم حفظه فيها.

قلت: فهل هذا فقط ما تقومين به؟

قالت: لي أدورا أخرى كثيرة.. ولكني لن أنفرد بالحديث.. فمن رفاقي من ينتظر.

قلت: من؟

قالت: من تطلقون عليه النتروجين، ونطلق عليه:( ملطاف)

تلطيف الهواء والتربة:

اقترب النتروجين بلطف، وقال: نعم أنا الملطاف.. وليسموني نتروجينا كما يريدون.. ولكني لن أرضى باسم غير الملطاف.

قلت: لم هذا الإصرار على هذا الاسم؟

قال: لأني ألطف الهواء والتراب.. فأنا عبد اللطيف.. فلا أحب إلا ما يذكرني بهذه العبودية.

قلت: عرفتني باسمك، فعرفني بنفسك ودورك.

قال: لقد جعلني الله ذا أهمية بالغة على الأرض، فأنا أقوم بدور مخفف للأوكسجين، فأخفضه إلى النسبة التي تلائم الإنسان والحيوان.. ألا تعلم بأني أشكل 78بالمائة من كل نسيم يهبّ، فأنا جزء من الهواء الواقي، وبدوني كان يمكن أن تحدث عدة أمور خطرة.

قال: لا تحدثني عن احتمالات فقدك.. فأنت بيننا موقر مكرم، ولكن حدثنا عن فائدة وجودك، فإني لا أرى لك من الأهمية ما أراها لأختك انشراح.

قال: لقد أخطأت في هذا.. فأنا لا أقل عنها أهمية.. ذلك لأن هناك سلسلة من المواد الكيموية التي أعد جزءاً منها، والتي تشكل الغذاء الذي تتناولنه.

قلت: كيف ذلك؟

قال: أنسيت أني ملطف.

قلت: تلطف الهواء.

قال: ليس الهواء فقط.. بل التراب أيضا.. فبدون تلطيفي للتربة وتخصيبي لها لا يمكن أن ينمو أي نبات من النباتات الغذائية.

قلت: أنت هواء، فكيف تصير في التراب؟

قال: لذلك طريقتان: أما الأولى، فعن طريق نشاط جراثيم معينة تسكن في جذور النباتات البقلية، مثل البرسيم والحمص والبسلة والفول وكثير غيرها.. وهذه الجراثيم تمتصني من الهواء وتحيلني إلى ملطاف مركب.. وحين يموت النبات يبقى بعض هذا الملطاف المركب في الأرض.

قلت: فهمت هذه الطريقة، فما الطريقة الثانية؟

قال: عن طريق عواصف الرعد، فكلما ومض برق خلال الهواء وحدّ بين قدر من الأوكسجين، وبيني فيسقطه المطر إلى الأرض كملطاف مركب([29]).

قلت: فهل تكفي هاتان الطريقتان في تخصيب التربة؟

قال: عموما.. ولكن من غير إسراف.. فلذلك ترى الحقول التي طال زرعها تفقد ما بها من عنصري، ولهذا يعمد الزراع إلى مناوبة المحصولات التي يزرعونها.

تزيين السماء:

فجأة لاحت لي مجموعة من الألوان الباهرة من الأحمر والأزرق والأخضر.. فقلت: من أنت.. فقد بهرني جمالكن؟

قالت إحداهن: أما أنا، فيسمونني الأرجون، وأنا أتواجد في الهواء بنسبة 10/6 في 1بالمائة، وأنا أعطيك النور الساطع الباهر الذي تتزينون به.

قلت: فأنت مزيان.

قالت: كيف عرفت اسمي؟

قلت: أنا أقول بالقياس في اللغة.. فقست اسمك على اسم زملائك.

قالت: قل به في اللغة ما شئت.. وإياك أن تقول به في الشرع.. فتحكم عقلك في دين الله.

الرياح والتلقيح:

أردت الانصراف، فنادتني طائفة من الهواء جمعت أشكالا مختلفة منه.. وقد كانت من القوة بحيث حبستني عن السير، فقلت: من أنت.. فإن لك قوة وشدة.

قالت: أنا الريح والرياح.

قلت: فمم تتشكلين؟

قالت: كل من رأيته جزء مني وخدم لي..

قلت: وما علاقتك بالنسيم.. أهو ابن عمك؟

قالت: لا.. هو أنا.

قلت: عجبا.. فهل أنت نسيم لطيف.. أم ريح جبارة.

قالت: كلاهما أنا.. أنا عبد لله.. إن أمرني بأن أكون نسيما كنت، وإن أمرني أ أكون شديدة كنت.. ألم تسمع ما ورد في عبوديتي لله.. ألم تسمع قوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ}(يونس:22)

قلت: فما في ذلك من فضلك ودلائل عبوديتك؟

قالت: ألا تبصر؟.. لقد ميز الله بواسطتي بين المخلص والمنافق، ومن يثبت في عبادة الله وبين من يعبد الله على حرف.

قلت: أنا أبحث عن البركات.. ولا أبحث عن فضل المخلوقات.

قالت: فلي بركات عظيمة نص عليها القرآن الكريم، ألم تعلم بأن الله تعالى جعلني واسطة للماء المبارك والثمر المبارك.

قلت: كيف.. وأين هذا؟

قالت: لقد نص على هذا آيات من القرآن الكريم، فالله تعالى يقول:{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}(الحجر:22)

ولذلك كنا بشارة من بشائر الخير.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (لأعراف:57)، وقوله تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}(الفرقان:48)

قلت: كل هذه الآيات تطفح بالبشر والفرح والرحمة.

قالت: لتخبر أنها المقصد الحقيقي من إرسال الرياح، فهي التي يحيا بها موات الأرض، ويثمر الزرع وتمتلئ خزائن السحاب، ويرتوي الخلق بمائها الطهور.

فقد جعل الله لنا تلقيح الأزهار في النباتات فتثمر، ومعظم التلقيح في النبات تقوم به الرياح، ولولا ذلك لتعذرالحصول على الطعام أو الحب والثمار.

كما أننا نلقح السحب، فتنزل الماء المبارك، وكل ذلك بتقدير الخالق الرازق الذي نعمر ألسنتنا بالتسبيح له وذكره.

قلت: أرى القرآن الكريم يذكر الرياح مرة بالإفراد ومرة بالجمع، فما السر؟

قالت: هذا من أسرار القرآن الكريم في اختيار الألفاظ.. فعامة المواضع التي ذكر الله تعالى فيها إرسال الريح بلفظ الواحد عبارة عن العذاب، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة، ليخبر أن رياح الرحمة كثيرة، وأن ريح العذاب واحدة رحمة من الله، لأن رحمته سبقت غضبه.

قلت: ما شاء الله.. هذا توجيه جيد.

قالت: بل إن الرياح القواصف والأعاصير والريح العقيم والريح الصرصر العاتية ماهي كذلك إلا رياح رحمة بما تلقيه في صدور المؤمنين من خوف من الله ينزع حجاب الغفلة والعادة، ويعيد لله في أذهانهم قدرته وتصرفه المطلق في الكون، ولولا الريح العقيم ما عرف فضل الله بالرياح اللواقح.

ولهذا يأتي التحذير من مكر الله بالتهديد بأمثال تلك الرياح، قال U:{  أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا}(الإسراء:69)

قلت: فكيف أنال أسرار بركاتك؟

قالت: بالتأسي بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التعامل معي.

قلت: وكيف كان صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل معك؟

قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه، وقد قيل له: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال: ما يؤمني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا:{ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}(الاحقاف:24)

وكان صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن سبها أو التوجه إليها بالذم، بل يتوجه إلى الله، فيسأله من خيرها، ويستعاذ به من شرها، وكان يوصي أمته بقوله:( الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها وسلوا الله خيرها واستعيذوا به من شرها)

وكان من سنته أن يقول إذا عصفت الريح:( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)

قلت: بهذا التوحيد علمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف نوحد الله في كل الأشياء، وكيف لا نأمن مكره مع كل شيء، لأن كل شيء مجند لله خاضع لأوامره حتى الريح التي نراها طيبة قد تحمل في طياتها جرثوم الموت القاتل إذا أراد الله ذلك.

قال: فإذا عرفت ذلك، ونظرت إلي بهذه العين نلت بركتي، وقد تنال من نصرتي ما أنلت أهل الله.

قلت: فهل نصرت أولياء الله؟

قالت: كثيرون هم.. لقد كنت جندا من جند الله يوم تحزبت الأحزاب تبغي استئصال شأفة المسلمين، قال U:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}(الأحزاب:9)، فالريح من الجنود المرئية، وغيرها من الجنود غير المرئية.

وكنت جندا من جند الله التي نصر الله بها هودا u على قومه، حين أرسل عليهم ريحا باردة كبرودة قلوبهم، في أيام مشؤومات كشؤم نفوسهم مقابلة لهم على تشاؤمهم من نبيهم u، وتحقيا لطلبهم، قال U:{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ}(فصلت:16)

قلت: إن تاريخك مملوء بالجهاد في سبيل الله.

قالت: ولا زالت لي أدوار لن أرتاح حتى أؤديها.. فدعني، فإن رسالة وصلتني من السماء.. ولا بد أن أذهب.

حفظ السماء:

ذهبت الريح.. فرأيت كل ما رأيته من أهوية يتجمع بشكل عجيب ليشكل جدارا صلبا لا يمكن اختراقه.

قلت: من أنت؟

قال: أنا الجدر الحافظ الذي يحفظ أرضكم من كل سوء.. أنا الذي أشار إلي قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} (الانبياء:32)

قلت: كيف ذلك؟

قالت: لقد جعل الله سمك الغلاف الجوي ثمانية عشر ألف ميل، وصممه بإحكامٍ شديد وميزان دقيق؛ ليتم إحراق ملايين الشهب والنيازك قبل وصولها إلى الأرض.

وليس ذلك فقط.. بل من بركاتنا أننا نمتص الأشعة القاتلة والدقائق الذرية المميتة قبل وصولها إلى الأرض.. إننا نمثل درعاً واقياً لسكان الأرض من هذه المخاطر كلها.. إننا نشبه المشيمة التي تحيط بالجنين، فنمنع المواد الضارة من العبور ولا نسمح إلا للمواد النافعة.

الحبوب

أردت الانصراف من عالم الهواء المبارك، فقالت لي جزيئة من جزيئات الهواء: إلى أين تذهب يا تلميذ السلام؟

قلت: إلى مستشفى السلام.. لألقى المتوسمين.

قالت: فكيف لا تزور أحب بناتنا إلى نفوسنا، وأعظمهن بركة؟

قلت: من تقصدين؟

قالت: تلك السنابل التي تفيض بالبركات.

قلت: لا أراها..

قالت: لقد قدمت لك بواحدة منهن.. وهي ستحدثك بلسانها عن أسرارها وأسرار بركاتها.

فجأة لا حت لي سنبلة بألوان الذهب، وقالت: لا أظن أنك تجهلني.

قلت: كيف أجهلك؟.. وأنا آكلك صباح مساء.

قالت: فاعرف قدري لتأكلني، وأنت تحمد الله.. فلا بركة فيمن لم يحمد الله.

قلت: أنا أحمد الله كما يحمده أكثر قومي.

قالت: لا يستقيم لك الحمد حتى تعرف فضل ما تحمد الله عليه، ووجه النعمة فيه.

قلت: لقد أضر بنا الإلف، فنسينا كثيرا.

قالت: إن نسيت، فاعلم أن الله تعالى شبه مضاعفة الصدقات بمضاعفة حبات القمح، فقال:{ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:261)

قلت: أقرأ هذا.. فهل فيه من أسرار البركة شيء؟

قالت: ما بك.. ألست ترى.. أم تراك لا تسمع؟

قلت: بل إني بحمد الله أسمع وأرى.

قال: ألا ترى أن الله تعالى قرننا بالصدقات وشبهنا بها.. ألا تعلم قيمة الصدقات؟

قلت: بلى.. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل أحد)([30])، وفي حديث آخر قال:( ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله)([31]

قالت: فعلمك بهذا يدلك على أسرار البركات التي نختزنها.. ألا تعلم أن الآية التي قرنتنا بالصدقات تحوي حلولا اقتصادية مهمة تنتفع بها أي أمة إذا ما فكرت في استقلالها الكامل؟

قلت: ماذا تعني؟

قالت: هي دعوة للاهتمام بمضاعفة السنابل وحبات البركة التي تختزنها السنابل، ففيها ما يغني ويكفي.

قلت: وما تغني السنابل؟.. وقد عرفت من حاجات الإنسان الغذائية ما ذكرت.

قالت: إن الله تعالى برحمته جعل في حبة القمح وأخواتها من القيمة الغذئية ما يغني عن أكثر الأطعمة، بل إن في النصوص ما يشير إلى كونها غذاء كاملا.. وهو سر آخر من سر البركة التي أودعها لله فينا.

قلت: قرأت القرآن الكريم من أوله إلى آخره، فلم أجد هذا.. فما هذه الدعوى العريضة؟

قالت: ألم تقرأ قوله تعالى في قصة يوسف u:{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (يوسف:43 ـ 49)

قلت: بلى.. كثيرا.. ففي هذه الآية قصة رؤيا الملك، وكيف مكن الله ليوسف u في الأرض، وهو تمهيد لحضور إخوة يوسف u.

قالت: ما أقل ما تفقهون من القرآن الكريم.. ألا تسمعون من القرآن الكريم غير القصص؟

قلت: فما تسمعين؟

قالت: في هذه الآيات الكريمة أخبر تعالى أن المصريين، ومن جاورهم من الشعوب اكتفوا في تلك الفترة الطويلة بما تدره عليهم السنابل المخزنة من رزق، وهو دليل على أنها غذاء كامل، وإلا لكان في اكتفائهم بها ما يؤدي بهم إلى سوء التغذية([32]).

قلت: فهل أثبت العلم الحديث ذلك؟

قال: لا حاجة لأن يثبت ذلك.. فقد عاشت البشرية سنين طويلة من أعمارها تعتمدنا غذاءنا، فلم تشك فاقة ولا جوعا.

قلت: ولكن….!؟

القمح:

قال: أجل.. سأرضي بعض غروركم.. لقد أثبتت الدراسات التي أجريت على التركيب التحليلي للقمح، وعشبة القمح أنهما يحتويان على العناصرالوفيرة مثل الكالسيوم والفسفور والكبريت البوتاسيوم والكلور والصوديوم والمغنيسيوم، وغيرها.. وليس هذا فقط، بل إنهما يحتويان على نسب مقاربة جدا لما هي موجودة عليه في جسم الإنسان.

وزيادة على ذلك فإن حبة القمح تحتوي على كل العناصر النادرة في التربة، بكميات نادرة أيضا، وبنسب مقاربة جدا لما هي موجودة عليه في جسم الإنسان، ومن أمثلتها الحديد والفلور والزنك، والنحاس، واليود والكروم والكوبالت، والسيليكون، والفاناديوم والسيلينيوم والمنجنيز والنيكل والموليبدنيوم وغيرها.

وإضافة إلى ذلك كله، فحبوب القمح تحتوي على الكربوهيدرات التي تعتبر المصدر الأول للطاقة.

قلت: ولكن ما ذكرته لا يشكل الغذاء الكامل؟

قالت: تقصد البروتينات.. القمح يحتوي على كل الأحماض الأمينية العشرين الأساسية وغير الأساسية، وهي وحدات بناء كل أنواع البروتينات الموجودة في الجسم.. كلها كلها بدون استثناء.. وكيف لا وهو يحتوي على الحمضين الدهنيين الأساسيين اللذين يقدمان للجسم وظائف خارقة عظيمة معجزة تعجز آلاف بل ملايين المركبات عن القيام بها.

قلت: والفيتامينات!؟

قالت: القمح يحتوي على مجموعة هائلة ومتنوعة من الفيتامينات، والتي يندر وجودها حتى في أعظم صيدلية، وبكميات رائعة مفيدة مدهشة([33]).

قلت: والهرمونات والإنزيمات!؟

قالت: حبة القمح تحتوي على مركبات هرمونية عظيمة مسيطرة مهيمنة هي البروستاغلاندينات، وعلى أكثر من ثمانين إنزيماً عظيماً مسيطراً مهيمناً.

قلت: فقد كان يوسف u خبيرا غذائيا إذن؟

قال: كيف لا، وقد شهد له القرآن الكريم بذلك، ألم يقل الله تعالى على لسانه:{ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} (يوسف:37)، فهو يعلم بالغذاء قبل حضوره، ويعلم تأويله بعد أكله.

الشعير:

قلت: لقد حدثتني أيتها السنبلة المباركة عن القمح، فحدثيني عن الشعير.

قالت: ها هي ذي أختي سنبلة الشعير تحدثك عن نفسها.. فلا أبلغ من حديث الإنسان عن نفسه.

تقدمت سنبلة الشعير بجمالها، وقالت: لقد ورد في من البركات ما ورد في القمح، فقد تناولني النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبزًا وحساء وشرابًا، ونصح بي ووصفني لمداواة المرضى وتخفيف الحزن والغم الذي يعتري النفس الإنسانية بين حين وآخر.

قلت: فاذكري لي ما تطمئن به نفسي، وينشرح ل صدري.

قالت: من ذلك ما قاله ابن عباس يصف حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( كان صلى الله عليه وآله وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير)([34])، وعن أبي أمامة قال:( ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبز الشعير)([35]

وقد كانوا يأكلون الشعير بنخالته، وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكل (خبزًا منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قبض)([36]

قلت: أكان يأكل الشعير بنخالته؟

قالت: أجل.. ألم تسمع حديث سهل بن سعد، فقد قال: ما رأى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم النقي([37]) من حين ابتعثه اللَّه تعالى حتى قبضه اللَّه، فقيل له: هل كان لكم في عهد رَسُول اللَّهِ مناخل؟ قال: ما رأى رَسُول اللَّهِ منخلاً من حين ابتعثه اللَّه تعالى حتى قبضه اللَّه تعالى، فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال:( كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثَرَّيْنَاه([38]))([39]

قلت: ولكن المناخل وجدت بعد ذلك.. ولا حرج في أكل النقي.. فالله تعالى لم يحرم الطيبات.

قالت: الطيبات في النقي والنخالة.. ألا تعلم أن بعض بني قومك كانوا يأكلون الأرز بقشوره، فتركوه فأصابهم ما أصاب المستكبرين؟

قلت: فما خسروا غير القشور؟

قالت: إن تلك القشور التي خسروها كانت تحمل40بالمائة من الكالسيوم، و55 بالمائة من الفوسفور، و55بالمائة من الحديد، و56 بالمائة من البوتاسيوم، و78بالمائة من فيتامين ب1، و50بالمائة من فيتامين ب2، و69بالمائة من فيتامين ب، و70بالمائة من الألياف.

قلت: أكل هذه الفوائد تختزنها القشور؟

قالت: وغيرها..

قلت: فحدثني عن سر بركتك.

قالت: قد حدثتك عنها.

قالت: أنت أعلم بما في نفسي من آثار ما تركه قومي، فخاطبيني بحسب عقلي.

قالت: لا بأس.. سأخاطبك ما دمت تلميذا.. ولو كنت أعلى درجة من ذلك ما زدت على ما ورد في النصوص: لقد وردت الأدلة العلمية الكثيرة تثبت الفوائد التي يحتوي عليها الشعير غذاء وشرابا.

ومن ذلك أن معهد البحوث الزراعية بجامعة ألبرتا بكندا قام ببحث حول ( أهمية المنتجات المحتوية على منتجات الشعير على صحة مرضى السكر ـ النوع الثاني ـ)، وتحديد أهمية استخدام منتجات الشعير وتأثيرها على نسبة السكر والدهون في الدم، وكانت النتيجة النهائية لهذا البحث توضيح أهمية غذاء الشعير وخبز الشعير كوسيلة لزيادة كمية الألياف المطلوبة للجسم القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، لخفض نسبة السكر والدهون في الدم.

قلت: وهل للشعير القدرة على تنظيم امتصاص السكر في الدم.

قالت: أجل.. فهو يجد من ارتفاع السكر المفاجئ لاحتواء أليافه المنحلة القابلة للذوبان على بكتينات تكون مع الماء هلامًا لزجًا يبطئ من هضم وامتصاص النشويات والسكريات، كما أنه قليل السعرات غني الألياف المنحلة وغير المنحلة، مما يقلل من الرغبة في تناول الأطعمة السكرية وغيرها، وهذا يساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم.

قلت: ذكرت أن لك علاقة بالدهون، فهل تساهمين في التقليل من الكوليسترول؟

قالت: أجل.. وقد أثبتت الدراسات العلمية فاعلية حبوب الشعير الفائقة في تقليل مستوى الكوليسترول في الدم من خلال عدة عمليات حيوية، منها أن حبوب الشعير تحتوي على مركبات مشابهة لفيتامين هـ الذي يعد من أشهر مضادات الأكسدة التي لها القدرة على تثبيط إنزيمات التخليق الحيوي للكوليسترول.

ومنها أن ألياف الشعير المنحلة تحتوي على مادة هامة جدًا وهي البيتا جلوكان، وهي التي تتحد مع الكوليسترول الزائد في الأطعمة والأحماض الصفراوية مما يقلل وصوله إلى تيار الدم.

وتشير نتائج البحوث إلى انخفاض نسبة الكوليسترول العام بنسبة 10بالمائة، وانخفاض نسب الكوليسترول منخفض الكثافة ldl إلى 8بالمائة وارتفاع نسبة الكوليسترول عالي الكثافة hdl إلى 16بالمائة.

زيادة على هذا، فإنه ينتج عن تخمر الألياف المنحلة في القولون أحماض تمتص من القولون وتتدخل مع استقلاب الكوليسترول فتعيق ارتفاع نسبة في الدم.

قلت: فلك علاقة إذن بضغط الدم.

قالت: أجل.. فلي دور في كبح جماح ضغط الدم، وذلك لاحتوائي على كمية وافرة من عنصر البوتاسيوم، حيث يخلق هذا العنصر التوازن اللازم بين الملح والماء داخل الخلية.. وهو يدر البول مما يقلل من ضغط لدم.

قلت: لقد ذكرت في بدء حديثك أن لك علاقة بعلاج الأحزان.. فصفي لي وصفة لذلك.. فالاكتئاب من أمراض عصرنا؟

قالت: لست أنا الذي يصف هذه الوصفة.

قلت: فمن يصفها إن لم تصفيها؟

قالت: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي وصفها.. وحسبنا بذلك شرفا.. وحسب هذه الوصفة بذلك بركة.

قلت: فما هي الوصفة؟

قالت: لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يصف التلبينة، وهي حساء الشعير لعلاج المحزونين، ويقول:( التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن)([40])، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ أحدًا من أهله الوعك أمر بالحساء من شعير فصنع، ثم أمرهم فحسوا منه، ثم يقول:( إنه يرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها)([41]

قلت: آمنت بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فهلا ذكرت لي ما كشفه العلم الحديث من تأويل ذلك ليطمئن قلبي؟

قالت: أفلا يطمئن قلبك إلا لما قالت المخابر؟

قلت: هي جند من جند الله.. فلذلك نفرح بما تأتينا به من أخبار انتصار الحقيقة.

قالت: لقد أشارت هذه الأحاديث إلى استعمال حبوب الشعير غذاء ودواء فقد استعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيته خبزًا، وأمر به للمريض الذي لا يطعم الطعام، وأمر به للحزين، وإصلاح فؤاد المريض، وأمر به للمبطون، فإن حساء الشعير يغسل بطن المريض. ويرتو فؤاد الحزين، ويسرو فؤاد السقيم.

قلت: فما تفسير تأثير الشعير في إزالة الحزن، كما وصف صلى الله عليه وآله وسلم التلبينة بأنها ( تذهب ببعض الحزن)؟

قالت: لقد أثبت الباحثون أن من أسباب الحزن والاكتئاب حدوث خلل كيميائي، كما أثبتوا أن هناك مواد لها تأثر في تخفيف الاكتئاب والحزن، مثل: عنصر البوتاسيوم والمغنيسيوم ومضادات الأكسدة والميلاتونين وبعض عناصر فيتامين ب المركب والسيراتونين.

والشعير يحتوي على كل ذلك، فهو يحتوي على عنصري البوتاسيوم والمغنيسيوم اللذين يؤدي نقصهما إلى سرعة الغضب والانفعال والشعور بالاكتئاب والحزن، وضبط عنصر البوتاسيوم والمغنيسيوم له تأثير في تخفيف الاكتئاب عن طريق تأثير هذين العنصرين على بعض الموصلات العصبية.

والإنسان يشعر بالميل إلى الاكتئاب عند تأخر العمليات الفسيولوجية للموصلات العصبية، ومن أهم أسباب هذا الخلل نقص فيتامين ب المركب، والشعير يحتوي على كمية طبيعية من بعض فيتامين ب المركب، وهذا مما يساعد على التخلص والتخفيف من الاكتئاب.

بالإضافة إلى هذا، فإن علاج نقص مضادات الأكسدة مثل فيتامين هـ له تأثير فعال في علاج حالات الاكتئاب والشيخوخة وخاصة لدى المسنين، وأيضًا على فيتامين أ المضاد للأكسدة.

ويحتوي الشعير على حمض الأميني تريبتوفان الذي يسهم في تخليق أهم الناقلات العصبية وهو السيروتونين، والتي تؤثر بشكل واضح في الحالة النفسية والعصبية للمريض.

قلت: لقد سمعت قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( التلبينة تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ بالماء)فما تفسيره؟

قالت: التلبينة ملينة للأمعاء، مهدئة للقولون، مضادة لسرطان الأمعاء، وهي توصف للمرضى كغذاء لطيف سهل الهضم.. والشعير غني بالألياف المنحلة وغير المنحلة، وهذه الأخيرة تمتص كميات كبيرة من الماء وتحبسه داخلها، فتزيد من كتلة الفضلات مع الحفاظ على ليونتها مما يسهل ويسرع هذه الكتلة عبر القولون، وينشط الحركة الدودية للأمعاء مما يدعم عملية التخلص من الفضلات.

زيادة على هذا، فإن هناك أبحاثا على أهمية الشعير في التقليل من الإصابة بسرطان القولون، حيث استقر الرأي على أن الشعير يقلل من بقاء الفضلات في الأمعاء؛ مما يقلل من بقاء المواد المسرطنة في الأمعاء؛ مما يقلل من الإصابة بالسرطان، كما أن الشعير يحوي من عناصر مضادات الأكسدة والفيتامينات ما يقاوم الشوارد الحرة التي تدمر غشاء الخلية والحمض النووي، وقد تكون المتهم الرئيس ي حدوث أنواع معينة من السرطان.

ولهذا يستخرج من الشعير مادة تستعمل حقنًا تحت الجلد أو شرابًا في حالات الإسهال والتيفوئيد والتهابات الأمعاء تسمى الهوردنين.

قلت: أرى أن العلم الحديث يقف في صفك.. ويوشك أن تباع في الصيدليات.

قالت: لا يهمنا أن تقف علومكم معنا.. بل يهمنا ما شرفتنا به النصوص التي ربطت بنا الكثير من الأحكام الشرعية.

قلت: فأي أحكام ربطت بكن؟

قالت: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقصر الربا على الذهب والفضة ونحوها مما له علاقة بالنقود، بل يذكر القمح والشعير وما هو مثلهما من الأغذية الأساسية لئلا يتلاعب المرابون بها، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد واستزاد فقد أربى، إلا ما اختلف ألوانه)([42])

وأكثر ما وردت من صدقات الإطعام في الكفارات يجعل من القمح والشعير مادته الأساسية، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( ليتصدق ذو الدنانير من دنانيره، وذو الدرهم من درهمه، وذو البر من بره، وذو الشعير من شعيره، وذو التمر من تمره من قبل أن يأتي عليه يوم فينظر أمامه فلا يرى إلا النار وينظر عن يمينه فلا ينظر إلا النار وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار وينظر من قدامه فلا يرى إلا النار)([43]

قلت: فما ترين من سر النهي عن الربا في صنفكن، والحث على الصدقة منكن؟

قالت: ذلك واضح.. فالربا يقمع الجشع.. والصدقة تنشر الرحمة.

قلت: فما علاقة ذلك بالبركة؟

قالت: هذا هو سر البركة.. فالجشع والحرص الذي ملأ بطون قومك جعلهم يتلاعبون بجيناتنا ليهندسوها كما يشاءون.. أو ليوقعونا في الجنون الذي أوقعوا فيه البقر.

قلت: والرحمة؟

قالت: لا بركة بلا رحمة..

قلت: أرى لك اهتماما بما يقول العلم.. فهل لك اهتمام مثله بالتفسير؟

قالت: كيف لا يكون لي اهتمام بكلام ربي؟

قلت: فما ترين في الفوم الذي ورد في قوله تعالى:{ وَفُومِهَا }، فقد اختلفت فيها أقوال المفسرين؟

قالت: لا شك أن هذه الآية تقصدنا معشر الحبوب.. بل هذا ما ذهبت إليه أكثر أقوال المفسرين([44]).. فإن قدر الله وزرت الثوم.. فلا تسمع لما يقول، فهو يدعي أن هذه الآية تقصده.. ولا دليل له على ذلك.

اللبن

قالت لي سنبلة الشعير ـ وقد رأت عزمي على الانصراف ـ: أتراك سلوتنا؟

قلت: كيف أسلوكن.. وأنتن نعمة من نعم الله، وبركة من بركاته؟

قالت: فإلى أين المنصرف.. فلم نكمل ذكر بركاتنا؟

قلت: لا طاقة لي باستكمال تعلم جميع بركاتك.. فهل يحاط ببركات الله علما؟

قالت: أما إن قلت هذا، واعترفت بما أولانا الله من فضل، فإنا سنرسلك لنهر من أنهار البركات، امتلأ بجميع الخيرات، حتى فاض أعذب من نهر الفرات.

قلت: أراك تسجعين.. أو تلغزين.. فمن تقصدين؟

قالت: الرزق الذي أفاضه الله عليكم من بين الفرث والدم.

قلت: ذاك اللبن، وقد كان أول طعام رأيته في حياتي، فكيف أراه، وأنى لي أن أحادثه؟

قالت: أنا أوصلك إليه.

قلت: ألديك براق يطير بي إليه؟

قالت: لا.. انظر عن يمينك لتراه.

فنظرت فإذا نهر من لبن امتلأ بياضا وجمالا، فصحت أأنت النهر الذي وصفه الله تعالى بقوله:{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}(محمد:15)؟

قال: لا.. أنا النهر الذي وصفه الله تعالى بقوله:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ}(النحل:66)، وقوله:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}(المؤمنون:21)

قلت: فأنت نهر من أنهار الدنيا.. ولكني لا أعرف نهرا من أنهار اللبن.

قال: لو جمعتم ما تحلبونه من لبن كل يوم لشكلتم أنهار لا نهرا واحدا.

قلت: أنا أبحث عن أسرار البركات.. ولا علم لي بالجغرافية ولا التاريخ.. ولا بالمساحات ولا المكاييل.. فلذلك أخبرني عنك، وعن سر بركتك.

قال: لا يجحد بركتي إلا جحود.

قلت: أنا لا أجحدها، ولكني أريد أن أعلمها.

لبن الأم:

قال: أول بركاتي أن الله تعالى أوصاكم بأن تطعموا أولادكم عامين كاملين من لبني.

قلت: ذلك صحيح، فقد قال تعالى:{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } (البقرة:233)، وهي الآية التي تشرع أحكام الرضاع.

قال: ألا يكفيك ذلك للدلالة على الفضل الذي ملأني الله به.

قلت: بلى هذا فضل عظيم.. وقد زعم قومي أنهم استغنوا عنه بالقارورات الزجاجية التي صنعوها.

قال: والأمهات التي در الله أثداءهن باللبن المبارك؟

قلت: مشغولات ببرامج يتفرجونها، أو ألعاب يلعبونها، أو شوراع يعمرونها، أو مكاتب يزينونها.

قال: بئست الأم التي لا تطعم ابنها بركتها.

قلت: أنت رجعي يا لبن.. فنحن في عصر جديد، وقد تطورنا في كل المجالات.

قال: هو تطور خال من البركات، مليء بالمنغصات.

قلت: صدقت، ولم تصدق.

قال: بين؟

قلت: أما كونه عصرا خاليا من البركات، فقد يكون صحيحا.. ولكنه ليس مليئا بالمنغصات، بل هو مليء المسرات.

قال: المسرات عنده وبه ومنه.. أما ما تسمونه مسرات، فليس سوى منغصات متسترة بالسرور الكاذب.

قلت: وهل تعرف المسرة؟

قال: كل أكوان الله لا تعرف إلا المسرة.. فالله لم يخلقنا لنحزن.

قلت: فقد وافقتني إذن.

قال: فيم؟

قلت: في أن البركات التي فيك لا تختلف عن البركات التي يصنعها قومي، ويسقونها الرضع.

قال: تلك السموم التي تسقونها الرضع لا بركة فيها، ألم تسمع الله تعالى، وهو يقول:{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }، فلم يذكر الزجاجات، وإنما ذكر الوالدات، ولم يكتف بذلك، بل حدد الأوقات حتى لا تتلاعب النساء والرجال بها.

قلت: لا أزال إلى الآن أراك وما نصنعه من لبن سواء، فكلاكما أبيض، وكلاكما معقم، بل إنه يزيد عليك بعناصر كثيرة وفيتامينات ومعادن تغري الآباء بالاستغناء عنك، والأمهات بإراحة أنفسهن منك.

قال: لا شك أنك لم تسمع قوله تعالى:{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} (الزخرف:54)

قلت: ذاك فرعون، وذلك شعبه.. ولا علاقة لي به.

قال: فأنتم قد استخفت بعقولكم شركات اللبن الكاذب، لتصرفكم عن الحقيقة.. فلم تبحثوا، ولم تنظروا، بل رحتم تبذلون أموالكم، وتضحون بأولادكم.

قلت: إلى الآن.. كل ما أسمعه دعاوى.

قال: أعلم ذلك.. وأعلم ما تحتاجه.. ولهذا أحضرت معي ما يقيم عليك الحجة.

قلت: وما أحضرت؟

قال: انظر..

فنظرت فرأيت علبة لبن رضع، وقد آتاها الله لسانا تعبر به، فقلت: من أنت أيتها العلبة؟

قالت: أنا مسلمة لله تائبة من خطايا ارتكبتها، أو كنت سهما فيها.. فهربت منهم لما خفتهم.. وجئت إلى لبن الفطرة لأودعه أسرار ما يفعله المجرمون.

قلت: فحدثيني عن الفرق بينك، وبين لبن الأم.

قالت: أرأيت البيت الذي بنيته وتعبت في بنائه؟

قلت: ما حصل له.. لقد ملأتني رعبا.

قالت: لا تخف.. أرأيت لو أن بعض المحتالين أخذه منك في مقابل صورة لقصر فخم من القصور التي تزدهي بها الأحلام.

قلت: وما تغني عني صور القصور؟

قال: فما تراه من ألواننا هو تلك الصور التي يريدون أن يستبدلوا بها اللبن الذي يبني بيوت أجساد أطفالكم.

قلت: فهمت المثال.. فبرهني على صدقه.

قالت([45]): أول ما يملؤك باليقين الذي يزيل عنك ظلمات الشك هو أن تعلم أن لبن الأم يتناسب مع حاجة الرضيع، فلذلك يتطور من يوم لآخر بما يلائم حاجته الغذائية، ويناسب تحمل جسمه، وغريزته وأجهزته التي تتطور يوماً بعد يوم.

قلت: ولكني أرى في اللبن الصناعي قاروات تتناسب مع الأعمار المختلفة.

قال: هي تنتقل فجأة من تقدير إلى تقدير.. أما لبن الأم، فيتحول من يوم إلى يوم فهو ـ مثلاً ـ يفرز في الأيام الأولى اللبن Colostrm الذي يحوي أضعاف ما يحوي اللبن من البروتين والعناصر المعدنية، لكنه فقير بالدسم والسكر، كما يحوي أضدادا لرفع مناعة الوليد، وله فعل ملين، ولذلك فهو الغذاء المثالي للوليد.

كما يخف إدرار اللبن من ثدي الأم، أو يخف تركيزه بين فترة وأخرى بحسب الحاجة، وذلك لإراحة الجهاز الهضمي عند الوليد، ثم يعود بعدها بما يلائم حاجة الطفل.

قلت: فهمت هذا.. وهو مما لا يمكن للصناعة تحقيقه مهما تطورت.

قالت: وأزيدك أن لبن الأم أسهل هضماً، لاحتوائه على خمائر هاضمة تساعد خمائر المعدة عند الطفل على الهضم، وتستطيع المعدة إفراغ محتواها منه بعد ساعة ونصف، وتبقى حموضة المعدة طبيعية ومناسبة للقضاء على الجراثيم التي تصلها.

بينما يتأخر هضم خثرات الجبن في لبن البقر، لثلاث أو أربع ساعات، كما تعدل الأملاح الكثيرة الموجودة في لبن البقر حموضة المعدة، وتنقصها مما يسمح للجراثيم، وخاصة الكولونية بالتكاثر مما يؤدي للإسهال والقيء.

ويضاف إلى هذا ما يسببه لبن البقر من مضاعفات عدم تحمل وتحسس لا تشاهد في الإرضاع الطبيعي كالإسهال والنزف المعوي والتغوط الأسود ومظاهر التجسس الشائع، كما إن الإلعاب والمغص والإكزما البنيوية أقل تواجداً في الإرضاع الطبيعي.

قلت: فهمت هذا.. فالله خلق الجهاز الهضمي للرضيع متناسبا مع لبن أمه.

قالت: ويضاف إلى هذا أن لبن الأم معقم، بينما يندر أن يخلو اللبن في الرضاع الصناعي من التلوث الجرثومي، وذلك يحدث إما عند عملية الحلب، أو باستخدام الآنية المختلفة أو بتلوث زجاجة الإرضاع.

قلت:….

قالت: وأزيدك أن درجة حرارة لبن الأم ثابتة، وملائمة لحرارة الطفل، ولا يتوفر ذلك دائماً في الإرضاع الصناعي.

قلت: أرى الأمهات، وهن يرهقن كثيرا في تبريد اللبن وتسخينه كل حين.

قالت: ومع ذلك لا يصلن إلى درجة الحرارة التي تتناسب مع رضيعهن.

قلت: هذه فوائد كثيرة.. وهي تكفي لإقناعي.

قالت: فأضف إليها ما يحمله لبن الأم من مصادر قوة المناعة، فلبن الأم يحوي أجساما ضدية نوعية تساعد الطفل على مقاومة الأمراض، وهي تتواجد بنسبة أقل بكثير في لبن البقر، كما أنها غير نوعية، ولهذا فمن الثابت أن الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أقل عرضة للإنتان ممن يعتمدون على الإرضاع الصناعي.

والإرضاع من الأم يدعم الزمرة الجرثومية الطبيعية في الأمعاء ذات الدور الفعال في امتصاص الفيتامينات وغيرها من العناصر الغذائية، بينما يسبب الإرضاع الصناعي اضطراب هذه الزمرة.

قلت: اقتنعت بما تقولين.

قالت: اسمع لتردع قومك.. فإرضاع الطفل ـ الذي أمر به الله ـ يحميه من الإصابة بأمراض مختلفة، كالتهابات الطرق التنفسية، وتحدد الرئة المزمن الذي يرتبط بترسب بروتين اللبن في بلاسما الطفل، وحذف لبن البقر من غذاء الطفل يؤدي لتحسنه من المرض، ومثل ذلك التهاب الأذن الوسطى، لأن الطفل في الإرضاع الصناعي يتناول وجبته وهو مضطجع على ظهره، فعند قيام الطفل بأول عملية بلع بعد الرضاعة ينفتح نفير أوستاش ويدخل اللبن واللعاب إلى الأذن الوسطى مؤدياً لالتهابها.

وتزيد حالات التهاب اللثة والأنسجة الداعمة للسن بنسبة ثلاثة أضعاف عن الذين يرضعون من الثدي، أما تشنج الحنجرة، فلا يشاهد عند الأطفال الذين يعتمدون على رضاعة الثدي.

قلت: إن ما ذكرته يفسر ارتفاع نسبة الوفيات عند الأطفال الذين يعتمدون الإرضاع الصناعي مقارنة بنسبة وفيات إخوانهم الذين يرضعون من الثدي.

قالت: وذلك بمقدار أربعة أضعاف رغم كل التحسينات التي أدخلت على طريقة إعداد اللبن في الطرق الصناعية، وعلى طريقة إعطائه للرضيع..

قلت: اقتنعت بما تقولين.

قالت: وفوق ذلك، فإن الإرضاع الطبيعي أقل كلفة، بل هو لا يكلف أي شيء من الناحية الاقتصادية، فلذلك ينتفع به الغني والفقير، والدول المتخلفة والدول المتطورة.

قلت: أدركت ما قلت، وبورك فيك، وتقبل الله توبتك.

قالت: لقد تقبلها بفضله، فآليت على نفسي ألا أدع مجلسا يبين عورة ما يفعلون بكم إلا ونهضت محتسبة لله، ناهية عن المنكر، آمرة بالمعروف.

قلت: لقد سمعت قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)([46])، وقد بحثت هذه المسائل في ( فقه الأسرة)، وقد توقفت في النسب الذي يحرم به اللبن الاصطناعي.. ألا تعرفينه؟

قالت: ذكرتني بمزاحك.. ألا تعلم أن الأبحاث العلمية الحديثة([47]) أثبتت وجود أجسام في لبن الأم المرضعة يترتب على تعاطيها تكوين أجسام مناعية في جسم الرضيع بعد جرعات تتراوح من ثلاث إلى خمس جرعات… وهي نفس الجرعات المطلوبة لتكوين الأجسام المناعية في جسم الإنسان، حتى في حيوانات التجارب المولودة حديثا والتي لم يكتمل نمو الجهاز المناعي عندها.

فعندما ترضع اللبن تكتسب بعض الصفات الوراثية الخاصة بالمناعة من اللبن الذي ترضعه، وبالتالي تكون مشابهة لأخيها أو لأختها من الرضاع في هذه الصفات الوراثية.

وقد وجد أن تكون هذه الجسيمات المناعية يمكن أن يؤدي إلى أعراض مرضية عند الإخوة في حالة الزواج.

قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أخبر أنه ( لا تحرم المصة ولا المصتان)([48]

قالت: و( لا تحرم الإملاجة والإملاجتان)([49])

قلت: فهل اكتشفوا تأثير اللبن في الجينات؟

قالت: هذا محتمل، فقرابة الرضاعة قد يكون سببها انتقال عوامل وراثية من لبن الأم واختراقها لخلايا الرضيع واندماجها مع سلسلة الجينات عند الرضيع، ويساعد على هذه النظرية أن لبن الأم يحتوي على أكثر من نوع من الخلايا، ومعلوم أن المصدر الطبيعي للجينات البشرية هو نواة الخلايا DNA كما يحتمل أن الجهاز الوراثي عند الرضيع يتقبل الجينات الغريبة، لأنه غير ناضج، حاله حال عدة أجهزة في الجسم، لا يتم نضجها إلا بعد أشهر وسنوات من الولادة.

قلت: إذا صح ما قلت.. فإن هذا سيفتح فتوحا في الطب، وخاصة في الأمراض الوراثية.

قالت: أجل.. ولعل الله يهدي بعض أهل السلام للبحث في هذا.

أسرار البركة:

عدت إلى نهر اللبن، وقلت: علمت بركات لبن الرضيع، فحدثني عن بركات لبن الفطيم، فإني أرى نفرا من قومي ينفرون منه.

قال: تقصد أولئك الذين تتلمذوا في مدارس الماكروبيوتيك.

قلت: وهل يعادي تلاميذ المباركوبيوتيك تلاميذ الماكروبيوتيك؟

قال: تلاميذ السلام لا يعادون أحدا من خلق الله.. فأخبرني ماذا قالوا، فلعل شبهة عرضت لهم، فلنا من المتكلمين من يجيب عنها.

قلت: لقد ذكروا أنه([50]) يتسبب بأمراض السكري لدى الأطفال وانتقاص مواد الكالسيوم والفوسفور والماغنيزيوم في أجسامهم مما يؤدي إلى ضعف العظام وتسوس الأسنان، وإلى إصابة الفرد مستقبلاً بسرطان القولون وارتفاع الكوليسترول وغيرها من الأمراض.

كما كشفت الدراسات أن ثمة احتمالات للإصابة بسرطان الثدي عند النساء، والبروستات لدى الرجال الذين يفرطون في تناول لبن البقر، وأيضاً يتسبب الإفراط في تناول اللبن بسرطان المبيض وضمور الخصوبة لدى النسوة.

قال: فما الذي دعاهم إلى هذه الدعاوى الخطيرة؟

قلت: دراسات كثيرة أجروها، وتوثقوا منها، فهم يزعمون ـ مثلا ـ أن بروتينات لبن الأبقار هي السبب الرئيسي لأمراض السكري لدى الأطفال، وأن المتهم هو البروتين المسمى البومين المصل البقري، فهو يختلف عن البروتينات البشرية اختالافا يتسبب للجسم البشري بالرد لتوليد الأجسام المضادة، وهذه الأجسام المضادة تهاجم وتتلف خلايا بيتا المنتجة للانسولين في البنكرياس.

قال: هذا عن البروتين، فماذا عن غيره؟

قلت: يقولون: إن منتجات اللبن خفيفة جدا، ويندر فيها وجود الحديد حيث لا تحتوي إلا على ما نسبته عشرة مللغرامات فقط في كل اونصة منها.

وللحصول على الحصة الموصى بها يوميا من الحديد والتي هي 15 ملليغرام في اليوم، فإن على الاطفال البالغين أقل من عام أن يشربوا أكثر من 31 كوارت (قياس اميركي يعادل ربع غالون)من اللبن في اليوم.

ونقص الحديد الناجم عن اللبن ليس مرده فقط نقص الحديد في اللبن، ولكنه يرجع أيضاً إلى نزعة ذلك اللبن لدفع الأطعمة الغنية بالحديد خارج غذاء الطفل، فاللبن يتسبب بنقص في الدم في الجهاز المعوي، وهو يخفض مع الوقت من مخازين الجسم من الحديد.

وقد كتب باحثون من جامعة ايوا الاميريكية حديثاً إلى مجلة ( جورنال اوف بيدياتريكس)التحذير التالي:( إن نسبة كبيرة من الأطفال الذين يتناولون لبن الأبقار يصابون بزيادة كبيرة في نقص الهيموغلوبين (الكريات الحمراء)، وبعض الأطفال يعانون من افراط في الحساسية للبن الأبقار ويمكن أن يخسروا كميات كبيرة من الدم)

قال: فما الذي ذكروا غير هذا؟

قلت: لقد ذكروا أن اللبن يعطل عملية امتصاص الأمعاء للمعادن، إذ تبين أن الأطفال الذين يتناولون كميات كبيرة من لبن الأبقار يعانون من نقص في مادة الكالسيوم في أجسامهم، مع العلم أن المنتجات اللبنية تحوي كميات كبيرة من الكالسيوم غير أن اجسامهم خلت تقريباً من الماغنيزيوم أو الفسفور وهي ضرورية لامتصاص الكالسيوم.

قال: فهل هذا ما ذكروا.. أم أن هناك غيره؟

قلت: هذا ما أعمله، وقد يكون هناك غيره.. أرأيت ما يحملونه من عداوة نحوكم.. فهل حملت من الحقد ما يكفي لمصارعتهم؟

قال: نحن لا نعرف الصراع.. أنسيت أنك في أرض السلام.

قلت: فقد وقفت موقفا حرجا يضطرك إلى الصراع.. فماذا تقول؟

قال: أقر بأنهم صدقوا في كل ما ذكروه.. ومن واجب النصح على الخبير أن يذكر للخلق ما اكتشفه من المضار، وإلا كان خائنا.

قلت: فقد رجعت عن رأيك إذن في بركة اللبن.

قال: كيف أرجع عن ذلك.. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( من أطعمه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيراً منه، ومن سقاه الله لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن)([51]

قلت: فقد وقعت في التناقض إذن، فأنت تسالمهم، وفي نفس الوقت تخالفهم.

قال: أنا لا أسالم، ولا أخالف.

قلت: وضح لي ما تريد.

قال: هؤلاء صادقون في ما قالوا.. وما ذكروا لا يدعو إلى هجرنا، بل يدعو إلى البحث عن سر هذه التأثيرات التي حصلت.

قلت: اضرب لي مثالا يبين لي منهجك في هذا.

قال: أرأيت لو أن سموما سرت إلى طعام تأكله، نبت منه لحمك، ونشز منه عظمك، أتراك تحذر منه أم من السم الذي وقع فيه.

قلت: بل أحذر من السم.. ولو حذرنا من الطعام لما بقي في الأرض طعام واحد يصلح للأكل.

قال: فكذلك هؤلاء.. لو أنهم بدل أن يحكموا على اللبن بحثوا في الأسباب التي جعلت اللبن بهذه الصفة لوجدوا من ذلك الكثير.

قلت: فدلني على بعض ما ينبغي أن يبحثوا فيه.

قالت: أول ما ينبغي أن يبحثوا فيه هو سر بركتي الذي عبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:( عليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر)([52]

قلت: فما في هذا الحديث من الأسرار؟

قال: ابحثوا عن نوعية غذاء البقر الذي نهوا عن لبنه، أهو غذاء المراعي الطبيعية الذي أخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أم هو الغذاء الاصطناعي الذي لا يتناسب مع طبيعة البقر، ولا طبيعة البشر([53]

قلت: وما الحاجة إلى ذلك؟

قال: لقد أخبر الله تعالى أن لنوعية الغذاء تأثيرها في اللبن، ألم يقل الله تعالى يبين منشأ اللبن:{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ}(النحل:66)

قلت: فإن وجدوا أن الغذاء الذي تتناوله هذه الأبقار كان طبيبعيا.

قال: حينذاك يبحثون في كيفية وصول هذا اللبن إلى هؤلاء الناس، هل يصلهم من ضرع البقرة إلى أفواههم، أم أنه يمر على مصانع كثيرة، ويزود بمواد حافظة وغيرها، فلا يصلهم إلا بعد أن يسام الخسف، ويذاق ألوان العذاب([54]).

قلت: فإن شربوه من ضرع البقرة نفسها؟

قال: حينذاك يبحثون عن نمط الحياة التي يعيشها هؤلاء الذين تضرروا بهذا اللبن.

قلت: وما علاقة نمط الحياة بهذا؟

قال الخبير: لها علاقة عظيمة، فقد اظهرت الإحصائيات أن مظاهر نمط العيش مسؤولة بنسبة 50 بالمئة عن العوامل المؤثرة في الصحة.. ومن بين أهم عوامل نمط الحياة يؤدي الغذاء دوراً أساسياً في تعزيز الصحة، والحيلولة دون المرض، وإطالة أمد الحياة.

قلت: فإن كان نمط معيشة هؤلاء صالحا؟

قال: كان ذلك خاصا بهم، لا عاما لكل الناس.

قلت: كيف تقول هذا؟ فالدراسات تنطلق من العينات لتعمم أحكامها على كل الناس.

قال: لأن النصوص المقدسة عودتنا أنها لا تتخلف، وقد ذكر الله تعالى اللبن باعتباره من نعم الله على عباده، فلا ينبغي أن يتحول إلى نقمة إلا إذا أفسده العباد، أو فسد العباد، ألم تقرأ ما ورد في الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أخي يشتكي بطنه.. فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يسقه عسلاً.. فقال: إني سقيته، فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( اسقه عسلاً)، فسقاه.. فبرئ. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( صدق الله وكذب بطن أخيك!)([55]

قلت: صدق الله..

قال: أما إن قلت هذا، فقد أثبتت أبحاث عليمة كثيرة أهمية اللبن الغذائية، فقد نشرت مجلة اللانست الطبية المشهورة عام 1985 دراسة قام بها الدكتور غارلاند من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة حيث درس الغذاء الذي يتناوله ألفا رجل على مدى عشرين عاماً، فوجد أن أولئك الذين كانوا يشربون كأسين ونصف من اللبن يومياً أقل عرضة بكثير لسرطان القولون من أولئك الذين لا يتناولون اللبن.. ولهذا كانت نصيحة الدكتور غارلاند أن يشرب الناس ما بين كوبين إلى ثلاثة أكواب من اللبن القليل الدسم للوقاية من سرطان القولون..

وهناك دراسة أخرى من اليابان تشير إلى أن تناول اللبن يقلل من الإصابة بسرطان المعدة.. ومن المعروف لدى عامة الناس أن تناول اللبن عند المصابين بقرحة المعدة يخفف ألم القرحة.

وقد اكتشف العلماء في جامعة نيويورك في الولايات المتحدة أن اللبن يحتوي على مادة تسمى ( البرستاغلاندين)وهي التي تقي من القرحة.. ومن الملاحظ كثرة التهاب المعدة والأمعاء عند الأطفال إلا أن هذا المرض يمكن الوقاية منه إذا أعطينا أطفالنا لبناً كامل الدسم([56]).

قلت: فهذه الدراسات تثبت أشياء مهمة.

قال: هذا غيض من فيض.. فإنه لا يحاط ببركات الله، ألا تعرف الإمام جعفر الصادق ؟

قلت: كيف لا أعرف ذلك الجبل الهمام من جبال آل البيت الكرام عليهم السلام؟

قال: لقد كان فقيها في بركات الله.. فقد جاءه رجل، فقال: إن بي وجعا، وأنا أشرب النبيذ، ووصفه لي الطبيب، فقال له الإمام:( ما يمنعك من الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي؟)قال: لا يوافقني. قال:( فما يمنعك من العسل الذي قال الله فيه:{ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}(النحل:69)؟) قال: لا أجده، قال:( فما يمنعك من اللبن الذي نبت منه لحمك واشتد عظمك؟) قال: لا يوافقني. قال:( تريد أن آمرك بشرب الخمر.. لا والله لا آمرك)

قلت:{ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ }(آل عمران:34)

قال: أخبر قومك بأنهم لن ينتفعوا من بركاتي إلا إذا صاروا على الفطرة، وتركوني على الفطرة، فالحجب بيني وبينهم هي الفطرة، ألم تسمع حديث الإسراء؟

قلت: بلى.. فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتي ليلة أسري به بقدح من خمر، وقدح من لبن، فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل u:( الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر، غوت أمتك)

قال: فقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنه يمثل الفطرة، ولا ينتفع به إلا من ترك جسمه على الفطرة.

بركات الزبادي:

قلت: ولكنك قد تتغير، وتخرج عن فطرتك، وتصير زبادي([57])، فهل نرميك؟

قال: لا.. هذا التغير تغير فطرة، لا تغير صناعة..

قلت: كيف ذلك؟

قال: إذا كبر الرضيع، فصار شابا، هل يخرج من الفطرة بذلك؟

قلت: لا.. هي مرحلة لا بد أن يصير إليها.

قال: فكذلك الزبادي مرحلة من مراحلي.. ولها من البركات ما للشباب من بركات.

قلت: فحدثني عن بركات الزبادي، فإني أجد نفسي تشتهيه بطبع فطرت عليه.

قال: فأبشر.. فنفسك لا تزال على فطرتها.. فالتفت عن يسارك، فإن لي نبعا يسير فيه ما تحول من لبني إلى زبادي، فاسأله.. فإن له من العلم بحاله ما ليس لي.

التفت، فرأيته بجمال اللبن، فقلت: حدثني عنك.

قال: أنا الزبادي.. ومن لا يعرف الزبادي.. أنا من وضع الله تعالى في بركة التجدد الدائم، والحيوية الثابتة، وجمال المظهر، وسلامة الأجهزة من الأمراض.

قلت: ما سر ذلك؟

قال: لأن الله وضع في معظم الفيتامينات الهامة.. زيادة على أن محتواي من المادة الدهنية سهل الهضم.

قلت: كيف ذلك؟

قال: أنا من يقوي المعدة، ويقطع الاسهال، ويخصب البدن، ويفتح الشهية ويسكن الحرارة، وأنا خير وصفة لمعالجة القلاع عند خلطي بالعسل.

وقد بينت الدراسات والأبحاث التي أجريت علي أهميتي العلاجية حيث وجد أن الله تعالى وضع في بركات تتلف جراثيم العصبات القولونية في المعدة والأمعاء.. ووضع في ما يفيد في حالات التهاب الكبد والكلى وضعفها..

قلت: أأنت كل ذلك؟

قال: وفوق ذلك أنا طارد للغازات، مدر للبول، مكافح للحصى في المثانة والكلى، مذيب للرمال، مفيد في عمل أجهزة الهضم، وفي حالات تصلب الشرايين والوهن، كما أني مهدئ للأعصاب، محارب للأرق، مجمل للوجه، مطر للجلد.. فإن شئت أن تعلم صدق قولي، فاذهب إلى بلغاريا أوالقوقاز أوالأناضول.

قلت: لم؟.. وهل تباع هناك بثمن بخس؟

قال: لا.. ولكن لي قوما هناك يحبونني ويكرمونني.

قلت: فبماذا جازاهم الله؟

قال: بطول أعمارهم.. ألم تعلم أن علماء التغذية يذكرون أن نسبة طول العمر بين سكان بلغاريا والقوقاز والأناضول هي أعلى نسبة في العالم؟ ومن أسباب ذلك أن اللبن الرائب هو طعام هذه الشعوب الأساسي، وهو الذي أعطى لأجسامهم القدرة على التجدد الدائم والحيوية الثابتة وجمال المظهر وسلامة الأجهزة من الأمراض.

قلت: ما شاء الله، فما سر كل هذه البركات التي وضعها الله فيك؟

قال: لقد قاموا بتحاليل محدودة، ومع ذلك رأوا في من الخير ما لا يمكن حصره.

قلت: فما رأوا؟

قال: لقد وجدوا أني أحتوي على قيم غذائية عالية([58])، فأنا أحمل في تركيبي أغلب المعادن اللازمة للجسم.. كما أن المواد البروتينية التي تدخل في تكويني ذات القيمة الحيوية العالية.. وأن المادة الدهنية التي فيه سهلة الهضم.. كما أني أضم معظم الفيتامينات المعروفة القيمة الحيوية والضرورية للجسم، فأنا غني بفيتامين أ ومجموعة فيتامين ب المركب.. ونسبة ليست كبيرة من فيتامين ج.. كما أني ذات قيمة سعرية حرارية لا بأس بها.

قلت: فما الفرق بينك، وبين أبيك اللبن؟

قال: لكل منا منافعه وبركاته.. ولا تفاضل بيننا.

قلت: لم أقصد التفاضل.. ولكني قصدت أنواع المنافع.

قال: لقد وجدوا بمقارنتي باللبن أنني أتميز باحتوائي على حامض اللبن، وهو ما يساعد على قتل ما في من جراثيم، ولذا فإنني ذو فائدة عظيمة في القضاء على الغازات السامة بالجسم.. لأن الجراثيم الضارة لا تستطيع البقاء في حامض اللبن.

زيادة على ذلك، فأنا أساعد في تخفيف الوزن، ولهذا أدخل في أنظمة النحافة.. وسر ذلك احتوائي على نسبة بسيطة من السعرات الحرارية زيادة على أن نسبة البروتين العالية التي وهبها الله لي تحفظ عضلات الجسم والوجه قوية.

قلت: ذكرت أن لك تأثيرا في الجمال، فما سره؟

قال: سره هو كون فيتامين ب من محتوياتي، وهو عامل الجمال والحيوية للشعر والبشرة والعينين، كما يساعد على مقاومة الجوع بين الوجبات..

التمر

سرت مودعا نهر اللبن، فقال: إلى أين؟.. هل اشتقت إلى أهلك وولدك؟

قلت: لا.. ولكن لي إخوانا في مدائن السلام لا بد أن أعود إليهم.

قال: أفلا تصل رحمك؟

قلت: رحمي كثيرون.. فمن تقصد منهم؟

قال: عمتك.

قلت: عماتي كثيرات، فمن تقصد منهن؟

قال: عمتك النخلة.

قلت: لا أذكر أن لي عمة بهذا الاسم.

قال: كيف تنسى عمتك؟

قلت: لقد ذكرت لك أني لا أعرف عمة بهذا الاسم.. فقد يكون خلط عليك.

قال: معاذ الله.. لا يخلط على مثلي.. ألا تراني صافيا كقلب المؤمن؟

قلت: بلى.. ولكني صادق أيضا.. ويستحيل أن يكون كلانا صادق.

قال: فهيا نفعل ما تفعله الملائكة عند اختلافها.

قلت: فما تفعل؟

قال: تتحاكم إلى ناصح.

قلت: أرانا بمحل خال، فأين نجد هذا الناصح الذي يحكم بيننا؟

قال: هاهي ذي النخلة تحكم بيننا.

فجأة ظهرت نخلة بمنتهى الجمال تحوي أعذاق نخل تمتلئ بالحياة، فقلت: لا بأس، أقبل التحاكم إلى هذه، فإني أحب ظلها، وأحب بناتها.

التفتت إلي النخلة، وقالت: أهلا بابن أخي.. ما هذا الجفاء؟.. كيف تقاطع عمتك؟

قف شعري، وقلت: لا أعلم أن جدي قد تزوج من بنات النخل، فكيف تكونين عمتي؟

قالت: ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من فضلة طينة آدم، وليس من الشجر أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران، فأطعموا نساءكم الولد الرطب، فإن لم يكن رطب فتمر)([59]

قلت: لا.. فاعذريني، ولو بلغني الحديث ما جادلت اللبن فيما لا أعلم.

قالت: لا بأس عليك.. فاللبن لا يحمل الأحقاد.

قلت: فحدثيني عنك وعن بناتك.

قالت: حديثي طويل، فاقترب لتستظل بالسعف المبارك.

اقتربت، فقالت: إن ما يملؤني بالسرور هو سماعي لتشبيه الله لي بالمؤمن.. فلذلك تراني أقدم تموري حلويات لهذه البشارة العظيمة التي ملأني الله بها.

قلت: فتمورك علامة سرورك؟

قالت: هي فيض من سروري، وسر من أسرار فرحتي.

قلت: فكيف عرفت تشبيه الله لك بالمؤمن؟

قالت: ما بالك يا ابن أخي، إن كان الحديث لم يبلغك، فالقرآن الكريم قد بلغك.

قلت: هو بلغني، ولكنه أوسع من أن أدرك معانيه، أو أحيط ببركاته.

قالت: إن قلت ذلك واعترفت بقصورك، فاعلم أن الله تعالى شبهني بالمؤمن، فقال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (ابراهيم:24 ـ 25)

قلت: لقد ذكر الله تعالى شجرة طيبة، ولم يخصك يا عمة، فكيف تخصصين القرآن الكريم بدون مخصص، وكيف تحملينه ما لا يحتمل؟

قالت: ألم تسمع الحديث الوارد في ذلك؟

قلت: أي حديث تقصدين؟

قالت: ما روي أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال يوما لأصحابه:( أخبروني عن شجرة ـ تشبه أو ـ كالرجل المسلم، لا يتحات ورقها صيفاً ولا شتاء، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)، فلما لم يقولوا شيئاً قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم:( هي النخلة) ([60]).

قلت: هذا حديث صريح يشبهك بالمؤمن، فطوبى لك هذا التشبيه.

قالت: بل ورد هذا في نصوص أخرى، ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شيء نفعك)([61]

قلت: فهذا حديث آخر.

قالت: لا زال المزيد.. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( مثل المؤمن الذي يقرأ القرأن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمر لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)([62]

قلت: فهل هذا من أسرار بركاتك؟

قالت: بلى.. فالمؤمن مبارك.. ولا يشبه به إلا مبارك.

قلت: ففيم تشبهينه؟

قالت: أشياء كثيرة.. ألا تنظر إلى هامتي المرتفعة؟

قلت: بلى..

قال: فهي مثال عزة المؤمن.. ألا تنظر إلى ظلي المديد؟

قلت: بلى..

قالت: فهو مثال رحمة المؤمن.. أفلا تنظر إلى ثباتي الذي لا تحركه الأعاصير؟

قلت: بلى..

قالت: فهو مثال ثبات المؤمن.. أفلا تنظر إلى صبري؟

قلت: أين هو.. لا أرى فيك شيئا اسمه الصبر.

قالت: ألا ترى أني أتحمل من الظروف الجوية القاسية من ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض الرطوبة ما لا تتحمله أي شجرة؟

قلت: هذا صحيح.

قالت: وفوق ذلك لا أطلب إلا خدمات هي أقل بكثير مما يتطلبه غير من الأشجار.

قلت: هذا صحيح، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شئ نفعك)([63])

قالت: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فأنا أشبه المؤمن في صبره وثباته وعزته ومنافعه.. وغير ذلك كثير.. فكيف لا أكون عمته؟

قلت: صدقت فيما ذكرت.. ولكني لم آت لأبحث عن نسبك، وصلتك بي، أو صلتي بك.

قالت: فعم تبحث؟

قلت: عن بركاتك.

قالت: وهذا من أعظم دلائل بركاتي.. فكل ما اقترب الغذاء من الإنسان، أو الإنسان من الغذاء، كلما كان ذلك أكثر أثرا وأعظم بركة.

قلت: كيف ذلك؟

قال: ألا ترى أجسامكم ترفض هذه الأغذية الصناعية، وتعبر عن رفضها بالأمراض والعلل؟

قلت: هذا صحيح.

قالت: سر ذلك هو غرابة هذه المنتجات عن الطينة التي خلقتم منها.. أما طينتي، فهي طينتكم، فإن دخلت بناتي إلى أجسامكم لم تجد شيئا غريبا، ولم تجد أجسامكم إلا ما يتناسق معها ويتكامل.

قلت: هذا صحيح.. وقد سمعت مثله، واقتنعت به.. ولكني امرؤ مغرم بالتفصيل.. فلا تجدي معي حجج العقل كما تجدي ثمرات المخابر، فحدثيني عما تقول المخابر عنك؟

قالت: ألا تزال المخابر تستعبدك؟

قلت: لا أزال في ابتدائية السلام.. ولا تزال أشياء كثيرة ورثتها من قومي تستعبدني.

قالت: ما دمت قد قلت ذلك.. فإني سأكلف تمرتين من تمراتي قد تكونتا في مخابركم، وستحدثك الأولى منهما عن بركات الغذاء، وأما الثانية، فستحدثك عن بركات الشفاء([64]).

بركات الغذاء:

سمعت صوت تمرة جميل، فقلت: ما أحلى صوتك أيتها التمرة؟

قالت: طعمي كصوتي كلانا حلو.. فكونوا طيبين لتستحقوا الطيبات.

قلت: صدقت، فقد قال الله تعالى:{ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}(النور:26)، ولكن أهناك تمر خبيث، فقد قال تعالى:{ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ }(النور:26)؟

قالت: أجل.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيه}(البقرة:267)

قلت: بلى.. فقد قيل: إنه التمر الرديء.

قالت: وأخبث منه تلك الحلويات التي تصنعونها، فتزيدكم خبثا على خبث.

قلت: فحدثيني عن الطيبة، فقد سمعت من أنباء الخبث ما ملأني بالغثاء.

قالت: ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( بيت لا تمر فيه جياع أهله)

قلت: بلى..

قالت: فهذا الحديث يدل على أن التمر غذاء كامل..

قلت: صدقت.. وقد يدل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا إلى التسحر بالتمر، فقال:( نعم سحور المؤمن التمر)([65]

قالت: هذا صحيح.. وقد عرف قومك أن السكر الموجود في طعام السحور يكفي ست ساعات، وهي مدة كافية لشغل الصائم عن الجوع والعطش.

قلت: وبعدها؟

قالت: وبعد ذلك يبدأ الإمداد الغذائي بالوقود من المخزون الموجود بالكبد، ولهذا أمر صلى الله عليه وآله وسلم الصائم إذا أفطر أن يفطر على التمر أو الرطب.

قلت: أجل.. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( من وجد تمراً فليفطر عليه، ومن لا يجد فليفطر على الماء فإنه طَهورٌ)([66]

قالت: أتدري ما سر ذلك؟

قلت: ما سره؟

قالت: لأننا أغنياء بفضل الله بمواد الطاقة، فنحن نحتوي على عدد من أنواع السكاكر كسكر العنب، وسكر الفاكهة، وسكر القصب، بل إن نسبتها فينا عالية تبلغ حوالي 70بالمائة.

قلت: فأنتم وقود بالدرجة الأولى؟

قالت: أجل.. وزيادة على ذلك فإن السكاكر الموجودة فينا سريعة الامتصاص سهلة التمثيل، إذ لا يحتاج امتصاصها إلى عمليات هضمية وعمليات كيماوية حيوية معقدة، كما هو الحال مثلاً في المواد الدهنية والنشوية والتي تحتاج الى مفرزات هضمية.. فلذلك تستطيع المعدة هضم التمر وامتصاص السكاكر الموجودة فيه خلال ساعة أو بضع ساعة.

قلت: فما تفسير ذلك؟

قالت: لأننا نحتوي على سكريات أحادية، وهي تصل سريعاً إلى الكبد، والدم الذي يصل بدوره إلى الأعضاء وخاصة المخ، أما الذي يملأ معدته بالطعام والشراب، فإنه يحتاج لساعتين إلى ثلاثة ساعات حتى تمتص أمعاؤه السكر.. ولهذا دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ابتداء المفطر بنا.

قلت: هذه فوائد عظيمة.

قالت: والأمر لا ينحصر في ذلك فإن فائدة السكاكر الموجودة فينا لا تنحصر في منح الحرارة والقدرة والنشاط، بل إنها مدرة للبول، وتغسل الكلى، وتنظف الكبد.

قلت: بورك فيك.. ولكن القيمة الغذائية لا تعتمد على سهولة امتصاص الجسم للسكريات فقط.. وإلا فإن كثيرا من الأغذية سريعة الامتصاص، ومع ذلك لا تحمل أي منفعة.

قالت: لا تقل هذا عني، فإني ابنة عمتك.

قلت: فلتكوني.. لا يمنعني من الحق مانع، ولا يصدني عنه صاد.

 قالت: إن قلت ذلك.. فقد ذكر الخبراء الذي استعبدوا عقلك أنني غنية جداً بالمواد الغذائية الضرورية للإنسان.. بل إن كيلوغراما واحدا مني يعطي ثلاثة آلاف كالوري، أي ما يعادل الطاقة الحرارية للرجل متوسط النشاط في اليوم الواحد.. أي أن الكيلوغرام الواحد مني له نفس القيمة الحرارية التي يعطيها اللحم، بل إن ما يعطيه الكيلو الواحد مني يعادل ثلاثة أضعاف ما يعطيه كيلو واحد من السمك.

قلت: ولكن الغذاء مع ذلك ليس حرارة فقط، فمن الغذاء ما ينبت منه اللحم والعظم، ومنه الفيتامينات..

قالت: أتتيه علي بالفيتامينات.. إنني أحتوي منها على أهمها.. فإني أختزن فيتامين أ.. أتعرفه؟

قلت: أجل.. فهو يساعد على زيادة وزن الأطفال، ولذلك يطلق عليه الأطباء اسم عامل النمو، كما يحفظ رطوبة العين وبريقها، وبذلك يضاد الغشاوة الليلية.. وهو..

قالت: لا يمكنك عد فضائله.. وأنا أحتوي على نسبة عالية منه تعادل أعظم مصادره.. أي تعادل نسبته في زيت السمك والزبدة.

كما أني أحتوي على فيتامين ب 1وفيتامين ب 2..

قلت: أعرفها، فلها دور في تقوية الأعصاب وتليين الأوعية الدموية وترطيب الأمعاء وحفظها من الالتهابات والضعف.. أما فيتامين ب2 فيوصف في آفات الكبد وتشقق الشفاة وفي تكسر الأظافر وتشقق الجلد.

قالت: فأنا احتوي عليه كما أحتوي على غيره من الفيتامينات.

قلت: ولكن الغذاء ليس فيتامينات فقط.. فهناك المعادن.. وما أدراك ما المعادن؟

قالت: أتفخر علي بها.. فاذكر لي ما تعرفه منها لأذكر لك علاقتي به.

قلت: هناك الفسفور، وهو يدخل في تركيب العظام والأسنان.. ويوجد بكثرة في ضراتك من المشمش والعنب.

قالت: كيف تقول هذا؟.. لقد ذكر الخبراء أنني أغنى من المشمش والعنب بالفسفور، ففي كل مائة غرام مني تجد أربعين مليغراما من الفسفور بينما لا تزيد كمية الفسفور الموجودة في أي فاكهة عن عشرين مليغراماً في نفس الكمية.

قلت: وهناك البوتاسيوم.

قالت: ألا تعلم أني أستخدم لعلاج نقص البوتاسيوم لاحتوائي على كميات كبيرة منه.

قلت: وهناك الحديد والكالسيوم؟

قالت: إن بضع حبات مني تزيد في مفعولها عن فائدة زجاجة كاملة من شراب الحديد التي تتناولونها، وتزيد على أخذ إبرة كالسيوم.

وفوق ذلك كله، فإن الحديد والكالسيوم موجودان في جسمي بشكل طبيعي يتقبله الجسم، ويتمثله بسرعة، بينما أدوية الحديد والكالسيوم تمجها المعدة، وتثقل غشاءها المخاطي، وقد لا تهضمها كاملة.. فإن شئت الدليل على ذلك فاذهب إلى مراحيض من يتناول هذه السموم، وقل لي: ماذا ترى؟

قلت: قولي وقولك، ودعيني، فقد ملأت أنفي بالروائح الكريهة.

قالت: ترى اصطباغ لون فضلات من يتعاطى الأدوية الحديدية بالسواد، وهو دليل على عدم الهضم الجيد، وعلى عدم موافقة الحديد الاصطناعي للجسم.

قلت: ومن المعادن المهمة المغنيسيوم.

قالت: وأنا أحتوي منه على نسب مقبولة مؤثرة، ألم تلاحظ بأن الذين يتناولون التمر بكثرة لا يعرفون مرض السرطان اطلاقا.

قلت: لم ألاحظ ذلك.

قالت: فقد لاحظ الخبراء ذلك..

قلت: وهناك البورون، وهو من العناصر النادرة والمهمة لنمو بعض الكائنات الحية، ويلعب دوراً كبيراً في الفيتامينات التي تكون ذات أهمية لعلاج الروماتيزم، بالإضافة إلى تأثيره على الهرمونات الجنسية؟

قالت: لقد دلت الدراسة على أنني أحتوي على البورون بنسبة تصل الى 3 6ملجرام/ 100جرام في الجزء اللحمي والنوى على حد سواء.

قلت: فأنت منجم معادن إذن؟

قالت: ألم تسمع الخبراء، وهم يقولون:( نقب عن المعادن في مناجم التمر)

بركات الشفاء:

تقدمت التمرة الثانية، وقالت في زهو لم تستطع إخفاءه: أتعرفني، يا تلميذ السلام.

قلت: أنت تمرة كسائر التمر.. فإن كنت أعرف التمر، فإني أعرفك.

قالت: لا.. أنا تمرة خاصة، ولي حكاية خاصة.

قلت: لا علم لي بحكاياتكم، فأخبارنا لا تعدو الإنس.

قالت: فلحكايتي علاقة بالإنس.

قلت: بأيهم.. فالإنس كثيرون، ومنتشرون.. وحكاياتهم لا يحصيها الحاصي، ولا يدركها القاصي.

قالت: حكايتي مع امرأة امتلأت بالطهر والعفاف، حتى صارت تاجا على رؤوس الأشراف.

قلت: أولئك أربع.. فمع أيهن كنت؟

قالت: مع تلك التي تسنمت ذروة الطهارة حتى جاءتها البشارة.

قلت: فحكايتك مع أم المسيح.. مريم البتول..

قالت: رزقك الله القبول.

قلت: فما حكايتك معها؟

قالت: كنت في النخلة التي قال الله تعالى فيها:{ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً}(مريم:23).. وأنا من الرطب الذي قال الله تعالى فيه:{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}(مريم:25)

قلت: فما سر إطعام الله لمريم ـ عليها السلام ـ من عذقك؟

قالت: لقد كشف قومك بعض ذلك.. ألم تسمع بما اكتشفوا؟

قلت: أسمع.. ولكن عقلي لم يكن يهتم بمثل هذا.. ولكني ما إن رأيتكن وسمعت حديثكن حتى صار قلبي يخفق لكل حديث يصرح أو يعرض بذكركن.

قالت: فقد وقعت في حبنا إذن.

قلت: أخشى من ذلك.

قالت: لا تخش.. فلا يحبنا إلا الكرام، ولا يكرمنا إلا المكرمون.. ألم يكن صلى الله عليه وآله وسلم يحبنا ويذكرنا.

قلت: بلى..

قالت: فقد استننت بسنة من سننه، واهتديت بهدي من هديه.

قلت: فحدثيني عن حديثك مع مريم ـ عليها السلام ـ

قالت: حديثي معها ذكره ربي.. وما كان لي أن أستدرك على ما قال، أو أضيف إلى ما ذكر، ولو علم الله أن في زيادة التفاصيل علما خيرا لذكره.

قلت: فحدثيني عما كشف قومي من أسرار اختيار الله لك دون غيرك طعاما للطاهرة البتول.

قالت: لقد ذكروا حكما كثيرة لذلك.. يعتبرها إخوان الإعجاز من دلائل الإعجاز، وقد صدقوا.. فلا يذكر مثل هذا إلا عالم بالتفاصيل.

قلت: فاذكري لي ما يطيقه عقلي مما ذكروا.

قالت: لقد تبين في الأبحاث المجراة على الرطب([67]) أي ثمرة النخيل الناضجة، أنها تحوي مادة مقبضة للرحم، تقوي عمل عضلات الرحم في الأشهر الأخيرة للحمل فتساعد على الولادة من جهة، كما تقلل كمية النزف الحاصل بعد الولادة من جهة أخرى.

قلت: هذه فائدة جليلة.

قالت: وقد اكتشفوا أن الرطب يحوي نسبة عالية من السكاكر البسيطة السهلة الهضم والامتصاص، مثل سكر الغلوكوز، ومن المعروف أن هذه السكاكر هي مصدر الطاقة الأساسية، وهي الغذاء المفضل للعضلات، وعضلة الرحم من أضخم عضلات الجسم، وتقوم بعمل جبار أثناء الولادة التي تتطلب سكاكر بسيطة بكمية جيدة ونوعية خاصة سهلة الهضم سريعة الامتصاص، كتلك التي في الرطب.

ونذكر هنا بأن علماء التوليد يقدمون للحامل، وهي بحالة المخاض الماء والسكر بشكل سوائل، وقد نصت الآية الكريمة على إعطاء السوائل أيضاً مع السكاكر بقوله تعالى:{ فَكُلِي وَاشْرَبِي } (مريم:26)

قلت: هذا إعجاز آخر.

قالت: أجل.. وهناك أنواع كثيرة في هذا لا تزال في طيات الغيب.

قلت: فاذكري لي ما ذكروا.. واتركيهم يبحثون فيما لم يذكروا.

قالت: لقد ذكروا أن من آثار الرطب أنه يخفض ضغط الدم عند الحوامل فترة ليست طويلة ثم يعود لطبيعته، وهذه الخاصة مفيدة لأنه بانخفاض ضغط الدم تقل كمية الدم النازفة.

وذكروا أن الرطب من المواد الملينة التي تنظف الكولون، ومن المعلوم طبياً أن الملينات النباتية تفيد في تسهيل وتأمين عملية الولادة بتنظيفها للأمعاء الغليظة خاصة.

قلت: ألهذا أرى الصالحون ينصحون الحامل بأكلك؟

قالت: أجل.. فقد قال بعضهم:( ما للنفساء عندي خير من الرطب لهذه الآية، ولو علم الله شيئا هو أفضل من الرطب للنفساء لأطعمه مريم؟)

قلت: فقد استنبط هذا من القرآن الكريم.

قالت: لقد كانوا يستنبطون كل شيء من القرآن الكريم.. فارجعوا إليه ففيه مفاتيح كل شيء.

قلت: فبركات الشفاء التي جعلها الله فيك تخص النساء فقط، بل الحوامل منهن.

قالت: ومن قال ذلك؟.. أنا خير محض.. دواء للكل.. كما أني غذاء للكل.. ألا تعرف بركات ما أعطاني الله من الألياف السللوزية؟

قلت: هي لذيذة في فمي.. لكني لا أدري تأثيرها في بطني وأمعائي.

قالت: تلك الألياف تساعد الأمعاء على حركتها الاستدارية، وبذلك تجعل التمر مليناً طبيعياً ولهذا يساعد التمر على تجنب أمراض البواسير.

بل وجد أنه للوقاية من الإمساك يحتاج الإنسان إلى تناول التمر والرطب لغناه بالألياف، فقد وجد أن كل 100جرام من التمر تعطي نحو 8.5 جرامات من الألياف، وهي مهمة للوقاية من الإمساك.

قلت: هذه فائدة عظيمة.. فهل هناك غيرها؟

قالت: كثيرة هي فوائدي.. وسأذكر لك منها ما يملأ صدرك انشراحا.

قلت: فاذكري لي.

قالت: لقد وجدوا أنني أساعد على العلاج من الأنيميا لما أحتويه من معدن الحديد.. وأني أعالج أمراض القلب لما أحتويه من هذا العنصر.. وأن لدي فعالية ضد الحساسية لاحتوائي على عنصر الزنك.. وأني أوقف النزيف أثناء الحمل لاحتوائي على فيتامين K والتاناين الذي هو عبارة عن مادة قابضة.. وأني أستخدم في حالات الفشل الكلوي لاحتوائي على فيتامين بي1-بي2 وبي6 إضافة إلى سكر الفواكه.. وأني أخفف من الحموضة والحرقة لاحتوائي على الأملاح القلوية.. وأني أمنع الدوخة ودوار الرأس لاحتوائي على بعض العناصر مثل الكاروتين.. وأني أساعد على منع الخلايا السرطانية من النمو والانتشار لاحتوائي على المغنيسيوم والكالسيوم.. وأني أمثل نظاما لإعادة البناء في جسم الإنسان لاحتوائي على الفسفور وباقي الأملاح المعدنية والفيتامينات، وأن دقيق التمر المجفف ونواته المطحونة تساعد على الشفاء من الربو وضيق التنفس..

قلت: حسبك.. فقد امتلأت ببركاتك.

قالت: أفلا أسمعك نصيحة لم يسمعها قومك من قبل؟

قلت: أتريدين تقديم وصفة للشفاء؟

قالت: ليجربوها إن شاءوا.. فسيرون من بركاتها ما يملؤهم قناعة بالمباركوبيوتيك.

قلت: فبم تنصحين؟

قالت: بأن يطبقوا.. ولو مرة في حياتهم ما ورد في الحديث من أنه كان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم نار.

قلت: فما كان غذاؤهم كل تلك الفترة؟

قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح وكانوا يرسلون إلى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم من ألبانها([68]).

قلت: هذا الحديث يذكر شظف العيش الذي كانوا يعيشه صلى الله عليه وآله وسلم.. والحمد لله لقد فتح الله علينا من بركات الأرض.

قالت: لا.. الحديث لم يفد ذلك فقط.

قلت: فما يفيد غير هذا؟

قالت: إنه يصف وصفة من وصفات المباركوبيوتيك.

قلت: فما تفعل هذه الوصفة؟

قالت: تعيد برمجة أجسامكم لتستقبل البركات.

قلت: أي بركات؟.. بركات الغذاء أم بركات الشفاء؟

قالت: إذا حلت البركة بالجسم غذت وشفت.. ولا خير في دواء لا يغذيك.. ولا خير في غذاء لا يشفيك.. ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( خير تمركم البرني، يذهب الداء، ولا داء فيه)([69]

قلت: فما البرني؟

قالت: نوع من أنواعي وهو ممن تشرف بغرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بيده الشريفة بالمدينة المنورة.

قلت: أأنتم معشر التمر أنواع مختلفة؟

قالت: نحن مثلكم معشر البشر.. أنسيت أنني ابنة عمتك؟

قلت: اعذريني.. فقد ورثت النسيان عن آبائي وأجدادي.

قالت: فنحن أنواع كثيرة مختلفة الأشكال والطعوم، وقد أحصى العلماء من تمر المدينة وحدها مائة وبضعاً وثلاثين نوعاً([70]).

قلت: فهل بركاتك تقتصر على ما غلا من التمر.. فإن بعضا مما ذكرت لا يستطيع الفقراء شراءه؟

قالت: فبشرهم أن بركات الله في كل تمر.. ففضل الله لا يؤثر الأغنياء على الفقراء.. ألم تعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم  ( كان يؤتى بالتمر فيه دود فيفتشه يخرج السوس منه)([71]).. ألم تسمع ما ورد في الحديث عن بعضهم، قال: (ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلوى ما شبع من الدقل)([72]

قلت: وما الدقل([73]

قالت: التمر الرديء..

قلت: فهل هذا من الطب؟

قالت: من فهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم أن حياته كلها خير ومصالح.. ولكنكم لا تزالون تعبدون المخابر، وتسجدون بين يدي الفئران البيضاء.

قلت: أنستطيع أن نفهم من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نوع أكل التمر ليتناسب مع الحاجات المختلفة؟

قالت: أجل.. وقد دلت الأدلة الكثيرة على ذلك.. فهو يقول عن البلح:( كُلوا البلح بالتمر فإنَّ الشيطان يقول: بقي ابن آدم يأكل الجديد بالعتيق)([74])، وفي رواية:( كلوا البلح بالتمر([75])، فإن الشيطان يحزن إذا رأى ابن آدم يأكله يقول: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق)([76]

قلت: لماذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأكل البلح بالتمر، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر؟

قال: لقد علل الطب التقليدي ذلك بأن البلح بارد يابس، والتمر حار رطب، ففي كل منهما إصلاح للآخر، بخلاف البسر مع التمر، فإن كل واحد منهما حار، وإن كانت حرارة التمر أكثر.. ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارين أو باردين.

وقد قالوا بأن في هذا الحديث: التنبيه على صحة أصل صناعة الطب، ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات الأغذية والأدوية بعضها ببعض، ومراعاة القانون الطبي الذي تحفظ به الصحة.

قلت: فأرى الأحاديث أجمعت على التنوع، فهل ذلك سر من الصحة؟

قالت: أجل.. ألم يقل الله تعالى عن النحل:{ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } (النحل:69)

قلت: لقد ذكر الله تعالى اختلاف ألوان العسل.

قالت: لينبه بذلك إلى ما في اختلاف هذه الألوان من أدوية..

قلت: فكل لون دواء خاص.

قالت: كما أن كل نوع من الأنواع شفاء خاص وبركة خاصة.

قلت: فقد سمعت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يخلط التمر بغيره من المآكل..

قالت: أعلم ذلك.. فقد روي أنه كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفاكهة إليه([77])، وأنه كان يحب الزبد والتمر([78])، وأنه كان يقول:( خبز ولحم وتمر وبسر ورطب، إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا: بسم الله وبركة الله)([79]).

قلت: وأنه كان يسمي التمر واللبن الأطيبين.

قالت: فهذه وصفة مباركة.. ألا ترى إلى ما وهبهه الله للبدو الذين يقتصرون عليهما من صحة جسم، ورشاقة قد، وبعد عن الأويئة والأمراض؟

قلت: أأنصح بها قومي إذن؟

قال: انصحهم على أن يعاملونا باحترام وإكرام لينالوا بركاتنا، فنصير أطباء في أجوافهم.. ألم يأمركم صلى الله عليه وآله وسلم بإكرام عمتكم؟

قلت: هذا صحيح، وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أتي بباكورة الثمرة وضعها على عينيه ثم شفتيه وقال:( اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره، ثم يعطيه من كان عنده من الصبيان)([80]

قالت: فاستنوا به في إكرامه لنا لتنالوا من بركاتنا ما نال سلفكم منها.

الزيتون

أردت توديع التمرات المباركات، فقالت لي إحداهن: إلى أين تريد؟

قلت: إلى مدائن السلام، فقد طال غيابي عنها، وأحسب قلبي بدأ يدق شوقا إلى معلمي.

قالت: أي المعلمين: معلم السلام، أم معلم البركة؟

قلت: كلاهما.. فقلبي لا يفرق بينهما.

قالت: لا يمكنك أن تذهب حتى تزور أختا لنا قرنها الله بنا في البركات، وفي الآيات البينات.

قلت: لا شك أنك تقصدين الزيتونة، وتقصدين قوله تعالى:{ وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً} (عبس:29)

قالت: أجل.. فقد آتاك الله فطنة.. ولا أحسبها إلا من بركات التمر والزيتون.

قلت: صدقت.. فقد غذيت بلبانهما، وربيت على حبهما، وعجنت خلاياي بمائهما.

قالت: فهل ترغب في زيارة الزيتونة؟

قلت: لا مناص لي من زيارتها.. فمن الجفاء أن أزورك وأترك أختك.. ولكن بلادها بعيدة، فأنت نخلة تائهة في الصحراء.. وهي مرابطة هناك في ثغور الجيال.

قالت: لا بأس عليك.. فقد يسر الله أن جاءت زيتونة مباركة تزورنا، وقد رغبت في الحديث إليك.

قلت: هي رغبت في ذلك.

قالت: أجل..

قلت: لقد سررت بما ذكرت.. ولعل الله أن يبارك في كما بارك فيها.

قالت: كل من أحب البركات باركه الله.. فأبشر، وبشر.

فجأة ظهرت زيتونة لا شرقية ولا غربية، تضيء كشعاع الشمس المشرق الذي يدفئ ولا يحرق، فقلت مستقبلا: أهلا بالزيتونة التي رغبت في الحديث إلي.

قالت: وأهلا بالأخ الذي أحبني قبل أن يراني.

قلت: حدثيني عن بركاتك.. وعن سرها.. فإني تلميذ بركات.

قالت: لن أحدثك حتى تسمع ما ورد في فضلي من الآيات.. فأنا من أدوية السماء.. ونحن تشرفنا بذكر الله لنا قبل أن نتشرف بما في أجسادنا من العناصر.

قلت: أعلم ما ورد في ذكرك من القرآن الكريم، فأنت التي أقسم الله بك، فقال:{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}(التين:1)

قالت: وأنا التي جعلني الله مثالا للأنوار المقدسة، فقال:{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(النور:35)

قلت: وأنت التي وصفك الله بقوله:{ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ}(المؤمنون:20)

قالت: وأنا التي أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأكل زيتي، فقال:( كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة)([81]).. بل أخبر بأني علاج للادواء، فقال:( كلوا الزيت وادهنوا به فإن فيه شفاء من سبعين داء منها الجذام)([82]).. بل وصفني لبعض الأدواء، فقال:( عليكم بزيت الزيتون فكلوه وادهنوا به فإنه ينفع من الباسور)([83])، وقال:( عليكم بهذه الشجرة المباركة زيت الزيتون فتداووا به فإنه مضحة من الباسور)([84])

قلت: فبركاتك في زيتك.

قلت: وهل أنا إلا زيت.. ألم يقل الله تعالى في:{ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ } أي تنب الدهن، كما قال تعالى:{ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ}(الحج:25)، أي من يرد فيه الإلحاد.

قلت: فالباء زائدة إذن.

قاطعتني بقوة، وقالت: كيف تقول هذا في كلام ربك الذي:{ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت:42).. ليس في كلامك ربك زائد.. إن جهلت حرفا.. فابحث عنه.. أو اسأل من يعرفه.

قلت: أتعرفين التفسير؟

قالت: لا.. أنا أضعف من أن أعرفه.. ولكني علمت مما رزقني الله من فضله أنه لا زائد في الكون.. فالزيادة لغو.. والله لا يخلق اللغو.. فكيف يتكلم اللغو؟

قلت: صدقت.. فكيف عرفت ذلك؟

قالت: لقد جعل الله كل جزء مني فوائد محضة.. فلذلك لا أرى جزءا مني إلا ويمكن الانتفاع به حتى أغصاني يمكنكم أن تجعلوا منها فرشاة لأسنانكم بدل فرشاة السموم التي تستخدمونها.

قلت: كيف ذلك؟.. تلك فرشاة ناعمة.

قالت: لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم، ويذهب بالجفر، وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلي)([85])

قلت: ولكنه رخيص.. وقومي لا يملأون أعينهم إلا بما يفرغ جيوبهم.

قالت: فليستعملوني.. وقد تنازلت عن حق ثمني للفقراء والمساكين.. فليدفعوها لهم.. لينالوا بركتي، وبركة التداوي بالصدقة.

قلت: عرفت فضلك.. فحدثيني عن بركاتك.

قالت: لا تزال قاصرا عن معرفة فضلي.. فكلام الله لا يحاط به.

قلت: صدقت.. فاعذريني.. فإني من قوم يكثر نسيانهم.. وتعظم غفلتهم.

قالت: عذرتك.. وسأحدثك عن بعض بركاتي لتؤمن بكلام ربي.. وتتداوى بأدوية ربي.

قلت: أرى في كلامك حرارة أشواق المحبين.

قالت: وهل هناك في الوجود من لا يحب ربه.. إن دهني الذي ترونه ما هو إلا دموعي التي تخثرت شوقا إليه ومحبة له.

قلت: ولكنا لا نشعر بالمحبة إن أكلناك.

قالت: لأنكم تأكلون جيفتي، ولا تأكلون حقيقتي.. تأكلوني وأنتم تجهلوني.. ومن جهل شيئا حرم بركته.

قلت: ألهذا ذكرك القرآن الكريم ونوه بك؟

قالت: أجل.. ولكنكم لا تبصرون.

قلت: عرفت هذا.. فلا يمكن أن تنال البركات إلا بالآداب والسلام والحياة.

قالت: إذا عرفت هذا.. فسأحدثك بما تشتهيه ويشتهيه قومك من ثمرات المعامل والمخابر.. وهي قليل من كثير، وغيض من فيض.. فلم تعلموا مني إلا قطرات من بحر محيط.

قلت: فحدثيني.. فكلي آذان صاغية.

قال: سأقتصر من حديثي على دور أناطه الله بي ترجع أكثر التفاصيل إليه.

قلت: وما هو؟

قالت: التطهير.. فأنا الدهن المغذي المطهر.

قلت: فما تطهرين؟

قالت: الجسم من أدرانه، والعروق من أوحالها، والقلب من آلامه، والذاكرة من أوهامها.

قلت: أجملت ففصلي.

قالت: أما تطهيري الجسم من أدرانه، فقد جعل الله في قدرة على تطهير الجسم من الحصوات، وقد قال بعض الأطباء:( رأيت حالات مرضية يصوم فيها المريض بحصوات المرارة، ثم يشرب زيت زيتون لإذابة الحصوات، حيث تنقبض المرارة وتطرد الحصوات من الجسم)

قلت: ما شاء الله.. فكيف تطهرين العروق من أوحالها؟

قالت: وحل العروق هو الكوليسترول.. وقد ارتبط اسمي بالحد من الإصابة بارتفاع الكولسترول.. ألم تعلم أن الشعوب([86]) التي تستهلك كميات جيدة من زيتي تنخفض فيها نسبة الكولسترول الضار، وبالتالي تتقي الإصابة بتصلب الشرايين، والذي له علاقة كبيرة بأمراض القلب والجلطة؟

وسر ذلك أني أحتوي على أحماض دهنية متميزة تعرف باسم الاحماض الدهنية أحادية عديمة التشبع، حيث تعمل هذه الأحماض الفريدة على الحد من ارتفاع معدل الكوليسترول في الدم.

كما أني أحتوي على فيتامينات خاصة تعرف بمضادات الأكسدة وكذلك بعض المركبات مثل البولي فينول.. وكل هذه المركبات، والتي ترتفع نسبتها في تحد من الاصابة بارتفاع الكوليسترول، أي بمعنى آخر تحد من تصلب الشرايين، وبالتالي تحد من أمراض القلب، ولكن يجب أن يكون هذا الزيت مستخلصاً بطريقة معينة وبأسلوب يعطي زيتا يسمى( زيت الزيتون البكر) وهو ممتاز وناتج من العصرة الأولى.

قلت: فهمت هذا.. فلك علاقة بضغط الدم إذن.

قالت: أجل.. بحمد الله ومنته، وقد وجد أن مرض ارتفاع ضغط الدم من العوامل الأساسية لحدوث أمراض القلب والجلطات حيث أن ارتفاع الضغط سواء الانبساطي أو الانقباضي له تأثير سلبي على الإصابة بالأمراض المختلفة.

وقد لوحظ أن هناك علاقة مباشرة بين خفض ضغط الدم واستهلاك كميات مناسبة من زيت الزيتون، ودل على ذلك أحد البحوث التي أجريت على عدد من المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم، ويتبادلون أدوية لتخفيفه.

حيث قسم المرضى إلى قسمين: الأول منهما عمل لهم برنامج غذائي غني بزيت الزيتون (نخب ممتاز)أو ما يعرف بالبكر.

والنصف الآخر وضع على برنامج غذائي غني بزيت دوار الشمس، وبعد فترة زمنية زادت عن 4 أشهر أشارت النتائج إلى انخفاض في المجموعة التي استهلكت زيت الزيتون، وقد استطاع المرضى في هذه المجموعة خفض جرعات الأدوية الخاصة بضغط الدم.

قلت: ما شاء الله.. وتبارك الله.

قالت: ليس هذا فقط..بل وجدوا أن لي دورا وقائيا من السرطان.. فقد أشارت الدراسات إلى أن هناك انخفاضاً في معدل الوفيات الناتجة من الإصابة بالسرطان في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، وقد لوحظ ان استهلاك (ملعقة زيت زيتون)يومياً يمكن ان تنقص من خطر سرطان الثدي بنسبة أكثر من 40 بالمائة.

وتوضح هذه الدراسات أن غذاء سكان هذه المناطق يشمل على نسبة جيدة من زيت الزيتون كمصدر للدهون في غذائهم بالإضافة إلى تأثير استهلاك الخضار والفواكه، وخصوصاً الإصابة بسرطان الثدي والمعدة.

قلت: فما العناصر التي جعلت لك هذه القدرة على الوقاية من السرطان؟

قالت: ألا تعلم أن زيت الزيتون يحتوى على نسبة جيدة من فيتامين (هـ) والذي يعرف بمضاد الاكسدة، وبالتالي يقوم بتغليف وربط المواد المؤكسدة وتخليص الجسم منها.

قلت: إن من قومي من يدهنون جلودهم بزيتك.. فهل هذا لغو من الفعل؟

قالت: لا.. بل هو عين العقل.. فقد قام أحد الباحثين بدراسة الادهان بزيت الزيتون على الجلد بعد السباحة، فوجد أن له تأثيرا مباشرا في المساعدة في الحد من الإصابة بسرطان الجلد.

قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما نصحنا بالادهان به.

قالت: أجل.. فأنا غذاء ودهن.

قلت: لقد ذكرت أن لك علاقة بالذاكرة.. فكيف ذلك؟

قالت: يمكن لقطرات من زيت الزيتون تتناولها يوميا أن تقيك فقدان الذاكرة وتبقي على أداء دماغك لوظائفه بشكل فعال عند بلوغك سن الشيخوخة.

قلت: فما السر في ذلك؟

قالت: هو الحوامض الدهنية غير المتشبعة التي يمكن العثور عليها في الزيتون وحبة دوار الشمس وزيت السمسم.

فهذه المواد تحافظ على سلامة بينة الدماغ، لأن هناك حاجة متزايدة إلى الأحماض الدهنية غير المتشبعة أثناء عملية الشيخوخة.

وقد توصل فريق طبي إلى هذه النتائج بعد أبحاث شملت 300 شخص تراوحت أعمارهم بين 65 و84 عاما، حيث تبين أن الذين تناولوا كميات أكبر من هذه الأحماض ضمن مكونات وجباتهم الغذائية تمتعوا بقدرة أفضل على التذكر، وكانوا أكثر يقظة من غيرهم.

قلت: أرى لك ألوانا مختلفة.. فهل لها تأثير في بركاتك؟

قالت: تختلف بركاتي باختلاف أنواعي وألواني، فأنا كأنواع التمر وألوان العسل.. ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم:( تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)([87]

الخضر

كانت الزيتونة في غاية السرور، وهي تحدثني، لكنني أحسست بنوع من الإرهاق، فشعرت بحالي، فقالت: أرى وجهك قد تغير.. فما الذي حصل؟

قلت: بعض الإرهاق أصابني.. لا عليك.. أكملي حديثك.

قالت: لا.. أرى الإرهاق باديا على وجهك، ولذلك سأرسل بك إلى أخت لنا من أخواتنا أنبتها الله لنبي من الأنبياء لتظلله بظلها، وتطعمه من لحمها، وتصرف عنه الهوام برائحتها.

قلت: لا شك أنها اليقطين.. فقد أنبتها الله على يونس u، كما قال تعالى:{ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}(الصافات:146)

قالت: أتدري سر إنباتها له؟

قلت: أحب أن أدري.. ولكني لا أدري.

قالت: فهلم بنا إليها.. فهي في انتظارك.. ولا أحسب إلا أنها مشتاقة إليك.

قلت: ما شاء الله.. لقد أحرجتموني معشر الأغذية المباركة.. فإني لم ألق في حياتي من يقدرني كتقديركم.

قالت: لقد ملأنا الله بالرحمة.. فلذلك تجدنا نبذل أنفسنا في ذات الله.

اليقطين:

لم أسر معها إلا قليلا حتى وجدنا ورقة يقطينة ممتد على الأرض بلا ساق ولا قدم([88])، فقلت لها: هذا المكان أحسبه صالحا لراحتي.. فهذه هي اليقطينة.

قالت اليقطينة: مرحبا بالأخ الصالح.. أراك تمر على إخواني وأخواتي وتنسى أن تمر علي..لولا أني دعوت الله، فأصابك ببعض الإرهاق لتأتي، فتزورني.

قلت: بورك فيك أيتها اليقطينة.. فلا أحسب أن الله تعالى ذكرك في القرآن الكريم إلا ولك شأن.

قالت: وهل في ذلك شك.. فأنا الطعام المبارك الذي كان يحبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ثبت أن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب الدباء، ويتبعه من حواشي الصحفة.

قلت: أجل.. فقد ورد الحديث بذلك([89]).

قالت: وكان يقول عني:( كلوا اليقطين، فلو علم الله شجرة أخف منها لأنبتها على يونس، وإن اتخذ أحدكم مرقا فليكثر فيه من الدباء، فإنه يزيد في الدماغ وفي العقل)([90]).. وكان يقول: (إذا طبَخْتُم قِدْراً، فأكثِروا فيها من الدُّبَّاء، فإنَّهَا تَشُدُّ قَلْبَ الحَزِين)([91]

قلت: فما سر كل هذا الفضل الذي لك.. لقد ذكر القرآن الكريم، وأحبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قالت: من الأسرار ما تفقهونها، ومنها ما لا تفقهون.

قلت: فخبريني عن الأسرار التي أفقهها.. فما لا أفقهه ألغاز لا طاقة لعقلي بحلها.

قالت: لقد ذكر سلفكم لي فوائد لا يجحدها إلا جاحد.

قلت: فما ذكروا؟

قالت: سرعة نباتي، وتظليل ورقي لكبره ونعومته، وجودة غذائي، وأني أؤكل نيئة ومطبوخة بلبي وقشري، وفوق ذلك لا يقربني الذباب.

قلت: ما شاء الله.. إن بعض ما ذكرت يكفي لفضلك.

قالت: ليس ذلك فقط، بل إن ما ركبه الله في من أنواع الأغذية يدلك على منافعي.

قلت: فما تركيبك؟

قالت: تبلغ نسبة الماء المبارك.7بالمائة وأحتوي على كمية قليلة من السكر والألياف، ولذلك لا تعطي المائة غرام مني سوى 65 حريرة فقط.

قلت: فأنت غذاء جيد لمن أراد إنقاص وزنه.

قالت: أجل.. وفوق ذلك أنا فقيرة جداً من الصوديوم.

قلت: فأنت تناسبين المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم.

قالت: أجل.. وفوق ذلك فأنا غنية بالبوتاسيوم الذي يلزم الذين يتناولون الحبوب التي تدر البول، كما أني أحتوي على الكالسيوم والمغنيزيوم والفوسفور والحديد والكبريت والكلور.. وفوق ذلك، فأنا غنية بالفيتامينات وفي طليعتها فيتامين أ.

قلت: هذه بركات تركيبك، فما بركات شفائك؟

قالت: لقد ذكر عني أسلافكم أني أنفع المحمومين بمائي، وأقطع عطش العطشى، وأني أذهب الصداع إذا شربت أو غسل بي الوجه، وأني ملينة للبطن كيفما استعمل.. فلذلك أنا من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالاً.

قلت: فما قال المحدثون؟

قالت: المحدثون مغرمون بالبحث في السرطان، ولذلك رأوني من الحصون الواقية منه، وقد نشرت مجلة الأبحاث البيوكيميائية عام 1985 دراسة أجريت في المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة، أشارت إلى أن لليقطين فعلاً واقياً من سرطان الرئة عند سكان نيوجرسي في الولايات المتحدة([92]).

الثوم:

بينما كنت مع اليقطينة، إذ سمعت صوتا يناديني، فسألت اليقطينة عنه، فقالت: هو ابن خالي.

قلت: ومن ابن خالك؟.. فلا علم لي بأنسابكم.

قالت: الثوم..

قلت: بئس الطعام هو.. لا تقبليه إن تقدم لخطبتك.. فلا أعلمه إلا خبيث الرائحة.

قالت: هو خبيث الرائحة، لكنه طيب السريرة، فلا تحجببك رائحته عن طيبته

قلت: ولكني قرأت النصوص الكثيرة الواردة في النهي عنه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:( من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل مساجدنا، وليقعد في بيته)([93])

قالت: هذا النص لا ينهى عن أكله، وإنما ينهى آكله عن الذهاب إلى المسجد إلا بعد تغيير رائحته.

قلت: أفليس الذي يمنعني من المسجد خبيثا؟

قالت: لا.. لو كان خبيثا لحرمه الله تعالى.. ألم يقل تعالى في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف:157)

قلت: ومع ذلك.. يظل بمنأى عن الأغذية المباركة التي نزل فضلها من السماء.

قالت: لا تقل هذا.. بل إن في عدم تحريمه مع كونه من الأغذية التي تمنع الدخول إلى المسجد دليل على فضله وبركته.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: ألم يقل كثير من الفقهاء بوجوب صلاة الجماعة في المسجد؟

قلت: بلى…

قالت: وقد ذكروا أعذارا لمن يجوز له التخلف عن الجماعة.

قلت: ذلك صحيح.

قالت: فاعتبار أكل الثوم من الأعذار يدل على الأهمية التي يحملها في باطنه، والتي قد يصرف عنها ظاهره.

قلت: فهمت هذا.. ولكن كلامك مجرد استنتاجات عقلية.. والعقل لا حديث له مع الشرع.

قالت: لقد ورد في النصوص ما يدل على هذا، فلا تأخذ ببعض الكتاب، وترفض بعضه.

قلت: لقد ذكرت لك ما ورد.

قالت: لقد سمعت بعض النصوص، ولم تسمع غيرها.. والكامل هو الذي يسمع كل شيء، ليتسنى له الجمع بين المختلفات، والتوفيق بين المتناقضات.

قلت: فاذكري لي ما سمعت لأصحح به بعض ما سمعت.

قالت: لقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( كلوه.. ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه، يعني الثوم)([94])، فقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم بأكله.. والأمر في عرفنا يدل على الوجوب.. ثم أضاف إليه حكما آخر لا يناقض الحكم الأول، وهو النهي عن قرب المسجد لمن يأكله.

قلت: فهذا تناقض.

قالت: لا..نزه كلام المعصوم عن التناقض.

قلت: فما فيه من العلم؟

 قالت: هذا إرشاد صحي لا يفقهه إلا المتوسمون.

قلت: فأخبريني.. أيتها المتوسمة المباركة.

قالت: كأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث يدعونا إلى اختيار أوقات معينة، أو طريقة معينة لأكل الثوم، ليكون ذلك أكمل في بركته.

قلت: وضحي هذا.

قالت: ألستم تعالجون بعض الأدوية قبل أن تستعملوها.. ثم تختارون لها أوقاتا معينة لاستعمالها.

قلت: ذلك صحيح..

قالت: وهكذا الثوم.. فهو من الأغذية التي تستدعي طرق طبخ معينة، وأوقاتا معينة، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم عنه وعن البصل:( من أكلهما فليمتهما طبخاً)

 وأهدي إليه طعام فيه ثوم، فأرسل به إلى أبي أيوب الأنصاري، وقال: يا رسول الله، تكرهه وترسل به إلي؟ فقال:( إني أناجي من لا تناجي)

قلت: فاخبريني عن الأوقات الفاضلة لأكله.

قالت: سيخبرك الثوم.

قلت: فلم تحدثت بدله؟

قالت: خشيت أن تذهب إليه، وفي نفسك ما فيها من سوء الأدب معه، فتؤذيه، فلذلك ذكرت فضله لتأتيه، وأنت تدرك ذلك الفضل.. فلا تنال البركات إلا لمن أحسن الأدب.

قلت: لكني لم أرك ذكرت شيئا من الفضل إلا ما استنتجته بعقلك.

قالت: لم تدعني أكمل لك ما ورد في النصوص.. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( كلوه، فإني لست كأحدكم، إني أخاف أن أوذى صاحبي)([95])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:( لولا أن الملك ينزل علي لأكلته، يعني الثوم)([96]

قلت: كل هذه النصوص أدلة إباحة، لا أدلة بركة.

قالت: فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( كلوا الثوم وتداووا به، فإن فيه شفاء من سبعين داء، ولولا أن الملك يأتيني لأكلته)([97]

قلت: حسبي ما ذكرت.. ولم أكن مجادلا.. ولكني كنت أستفزك لتذكري لي ما ورد فيه.

قالت: إذا قلت هذا.. فاذهب إلى ابن خالي، ولا تنس أن تبلغه سلامي.

قلت: ذلك لك.. ولم أر في حياتي أطيب منكم معشر الأy`dm hglfhv;m . gdj hgfأغذية المباركة.. ليت البشر مثلكم في طيبتكم، وحسن أخلاقكم.

قالت: فكلونا طيبين يرزقكم الله طيبتنا.

سرت قليلا قاصدا شجرة ثوم قد بدت لي من بعيد، ما إن وصلت إليها، حتى قال الثوم: كيف تركت ابنة عمتي اليقطينة؟

قلت: تركتها بخير وعافية، وهي تسلم عليك.

قال: سلمها الله من كل مكروه.. فهل ذكرت لك شيئا؟

قلت: هي تكن لك كل المودة.. وقد ذكرت لي الأحاديث الكثيرة التي نزعت عن عيني غشاوة سوء التعامل معك.

قال: بورك فيها..

 فعهدي بها كأخواتها الخضر كريمة طيبة.

قلت: فهل تقدرك جميع الخضر؟

قال: تقدرني جميع الأغذية.. ونحن نلتقي في القدر المباركة لنكون الغذاء المبارك.

قلت: فحدثني عنك.

قال: لقد ذكرني الله تعالى في القرآن الكريم.

قلت: أين.. فلا أجد لك محلا فيه.

قال: ألم تسمع قوله تعالى:{ وَفُومِهَا }(البقرة:61)؟

قلت: بلى.. ولكني في زيارتي لسنابل القمح والشعير أخبروني بأن الفوم هو الحبوب.

قال: ذلك رأيهم.. وهو لا يتناقض مع رأيي.. أليس القرآن الكريم حمال وجوه.. ولو أراد الله وجها واحدا سماني باسمي الذي لا يختلف علي فيه.. ولو أرادهم فقط لسماهم باسمهم الذي لا يختلف فيه.

قلت: لقد ذكرن لي أدلة ما ذهبوا إليه، فبم تستدل أنت؟

قال: لقد قرأ عبد الله هذه الآية:{ وثومها }، وقد اختاره الفراء، وعلل بأنه ذكر مع ما يشاكله، وهو قول كثير من الخضر التي أعرفها كالبصل، والفجل، والكراث.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الفاء تبدل من الثاء، كما تقول العرب: الجدث، والجدف: للقبر، والأثافي والاثاثي، للحجارة التي توضع تحت القدر، ومغافير، ومغاثير: لضرب من الصمغ..

قلت: فحدثني عن بركاتك.

قالت: كثيرة.. ولكني سأكتفي بما يفيدك، ويفيد أكثر قومك.. وهو دوري في معالجة نزلات البرد الشائعة، فقد تبين للباحثين أن الذين يتناولون يوميا الثوم في غذائهم أقل عرضة للإصابة بنزلات البرد الشائعة بنحو الضعف.

قلت: فما سر ذلك؟

قال: لأن في تركيبي مادة تعرف باسم آلاسين، وهي المادة البيولوجية الرئيسية التي تنتجها نبتة الثوم، وهي المادة ذات الرائحة النفاذة التي تفرز عند عصر فص الثوم، وما تحتويه من العناصر الكبريتية، ولها القدرة ـ بإذن الله ـ على خفض معدل الإصابة بالزكام الشائع بنسبة تزيد على النصف.

قلت: سمعت أن بعض قومي يريدون تخليصك من رائحتك بإزالة هذا المادة([98]).

قال: لا.. لا ينبغي أن يبدلوا خلق الله.. فما خلقها الله في إلا لسر يعلمه.. وأحسن من ذلك ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: وما فعل؟

قال: لقد أمر من أكلنا، وأكل البصل بأن يميتنا طبخاً، ويذهب رائحتنا بمضغ ورق السذاب عليه.

قلت: وعيت هذا.. فواصل حديثك عن فوائدك.

قال: لي دور فعال في علاج التهاب القصبات المزمن، والتهاب الغشاء القصبي النزلي، والزكام المتكرر، والأنفلونزا..

قلت: لم.. وما سر ذلك؟

قال: ذلك نتيجة لطرح نسبة كبيرة من زيت الغارليك عن طريق جهاز التنفس عند تناولي.. بالإضافة إلى هذا، فإني أحتوي على مواد مضادة للبكتريا، ولها تأثير قوي حتى في العدوى القوية مثل الدسنتاريا.

قلت: فما لك من أدوار غير هذا؟

قال: أنا أفيد في حالات السعال، والربو، والجمرة الخبيثة، وقرحة المعدة، والغازات، والتهاب المفاصل.

قلت: سمعت أن لك علاقة بضغط الدم.

قال: أجل.. فقد تمت علي دراسات كثيرة لإثبات هذا، منها دراسة تمت في عام 1980م، وقد أثتبتت أنني أخفض ضغط الدم وكذلك دهون الدم.

بل قد ثبت أنني يمكن أن أمنع تكون الجلطات الدموية، وذلك بمحافظتي على إبقاء الدم في حالة جيدة من سيولته بالاضافة إلى تخفيضي الجيد لكولسترول الدم، كما أني أساهم في تخفيض سكر الدم.

وليس ذلك فقط، بل قد وجدوا أن لي دورا علاجيا ووقائيا من الأورام الخبيثة.

قلت: صحيح هذا!؟..

قال: أجل.. ففي دراستين منفصلتين في الصين بإحدى المحافظات التي تعاني من ارتفاع ملحوظ في نسبة الوفاة من سرطان المعدة وجد انخفاض معدل الإصابة بسرطان المعدة إلى عشرة أضعاف في الذين يتناولون الثوم بصورة اعتيادية عن الذين لا يتناولونه.

وفي دراسة أخرى بالولايات المتحدة الأمريكية وجد أن زيادة تناول الثوم تقلل من خطورة سرطان القولون.

وهذه الدراسات الإحصائية أدت إلى دراسات معملية على حيوانات التجارب حيث أظهرت أن تناول الجرعات العالية من مركبات الثوم انخفاضاً ملحوظاً في حدوث سرطان الثدي والقولون والمريء وسرطانات أخرى نتيجة تعرض حيوانات التجارب لمواد كيميائية مسرطنة.

قلت: فما سر هذا التأثير؟

قال: لقد وجدوا أنه في حالة طحني أنتج مادة تعرف باسم (دياليل)، وهي التي تؤدي إلى تقليل حجم الأورام السرطانية إلى النصف إذا ما حقن المرضى بها.. بالإضافة إلى مواد أخرى تؤدي إلى توقف التصاق المواد المسببة للسرطان بخلايا الثدي.

قلت: وسمعت أن لك علاقة بتخفيض الكوليسترول.

قال: ذلك صحيح.. فقد أظهرت بعض الدراسات أن تناول الثوم يخفض من نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة أو الكوليسترول السيء، والكوليسترول الكلي في الدم.

والمعروف أن معظم أمراض القلب والأوعية الدموية تشمل تصلب الشريان، حيث يفقد الشريان مرونته الطبيعية نتيجة تجمع الكوليسترول والدهون على الجدار الداخلي للشريان.

وعندما تتزايد الكميات المتراكمة من هذه المواد على الجدار الداخلي للشريان، فإنها تؤدي إلى حرمان جزئي من تدفق الدم مما يؤدي إلى حرمان العضو أو الجزء الذي يغذيه هذا الشريان من الحصول على كفايته من الدم اللازم لنقل المواد الغذائية والأكسجين.

وقد أكدت الدراسات أن استخدام الثوم لمدة 12أسبوعا يؤدي لخفض نسبة الكولسترول في الدم إلى 12 بالمائة والدهون الثلاثية إلى 17 بالمائة.

قلت: فلك علاقة بجلطة الدم إذن؟

قال: لا شك في ذلك.. وقد تم استخلاص مادة مني يطلق عليها أجون لها تأثير مضاد لتجلط الصفائح الدموية، مما قد يقي من حدوث جلطات بالدم.

قلت:….؟

قال: وأنا من الأغذية المضادة للأكسدة.. وذلك لغناي بالسلينيوم وهو معروف بتأثيره المضاد للأكسدة.. وبذلك أساهم في بعض التفاعلات الحيوية التي تحمي الخلايا من بعض الأمراض، كما يساعد السلينيوم في نمو الخلايا.

قلت:….؟

قال: وأنا مضاد للميكروبات.. فخلاصتي لها فعل مضاد لنشاط البكتريا والفطريات.. وقد عرفت بهذا منذ زمن بعيد.. ولهذا استعملت قديماً قبل اكتشاف المضادات الحيوية في علاج التهابات الشعب والقصبة الهوائية، وكان يستعمل عصير الثوم المخفف في تطهير وتنظيف الجروح.. وهو يستعمل الآن كمطهر للأمعاء، حيث أن تناوله يحد من نشاط البكتريا في حالات الإسهال والانتفاخ.

قلت: فقد عرفت بركاتك قديما.

قال: من رحمة الله بخلقه أن دلهم على ما يصلح لهم.. ولهذا عرف الخلق بركاتي منذ وجودهم الأول على الأرض.

قلت: فهل هناك ما يثبت ذلك؟

قال: لقد وجد ذكر الخصائص الطبية للثوم علي أوراق بردي مصرية عمرها3500 عام.. وقد استخدمه اليونانيون القدماء، والمعالجون من الهنود كعلاج.. وقد استعمل سقراط أبخرة الثوم لعلاج بعض الأمراض السرطانية، ومنها سرطان عنق الرحم، وقد استعمل الثوم أثناء الحرب العالمية الثانية لمداواة إصابات الجنود، حيث كان يوضع على الجروح لتطهيرها.

وفي عام 1858م اكتشف العالم باستير أهمية الثوم في القضاء على ميكروب السل، كما وجد أن الثوم فعال كالبنسلين بل ان قوته الفعالة تضاهي قوة الكثير من المضادات الحيوية.

وقد وجد بعض العلماء أن الثوم علاج للكوليرا والتيفوس، بل اكتشف أن أكثر أنواع البكتيريا التي يستطيع الثوم القضاء عليها هي عصيات الجمرة التي تؤدي إلى مرض الجمرة الخبيثة.

قلت: فأنت صيدلية أدوية إذن.

قال: أجل.. ولكن لا تبالغوا في استعمالي.. فإن الدواء إذا استعمل فوق حده انقلب إلى ضده.. ألم تسمع قوله تعالى:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(لأعراف:31)؟

قلت: بلى.. فما أضرار الإفراط في استعمالك؟

قال: الجرعة الكبيرة جدا من عصير الثوم سببت الموت بالتسمم لبعض الحيوانات التي أجريت عليها التجارب، وقد حصل لها تلف بالكبد والمعدة والغدة الكظرية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الجرعة الكبيرة من الثوم قد تسبب آلاما بالمعدة أو غازات أو إسهالا أو بعض الأعراض الأخرى في الجهاز الهضمي.

قلت: فما الذي يقي من أخطارك؟

قال: ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم.. ألم يقل عني وعن البصل:( من أكلهما فليمتهما طبخاً)

قلت: فما في هذا الحديث من العلم؟

قال: لقد وجد أن استهلاك الثوم طازجاً يؤدي إلى ايذاء الجهاز الهضمي، ولذلك يعتبر الثوم المطهي أو المحضر في زيوت الطعام من أفضل الطرق للحصول على فوائده.

البصل:

نادتني حبة بصل في الجوار: تعال إلي.. فلي من البركات ما لا يقل على بركات الثوم..

قلت: أنا أبحث عن البركات المنصوص عليها.

قالت: وأنا من المنصوص عليه.. وإن كان قد اختلف في الفوم.. فإنه لم يختلف في أنني أنا البصل الذي ورد في قوله تعالى:{ وَبَصَلِهَا }(البقرة:61)

قلت: أجل..

قالت: ليس ذلك فقط.. بل روي في الحديث:( أن آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان فيه بصل)([99]

قلت: ولكنه قد ورد في الأحاديث نهي من أكلك عن الدخول إلى المسجد.

قالت: في جمعك بين النهي عن ذلك، وعدم التحريم دليل على ما فينا من البركات، ألم تسمع ما قالته اليقطينة؟

قلت: اعذريني، فقد نسيت.

قالت: لا حرج عليك.. ولن أطيل عليك.. فإني خفيفة الظل.. وسأعدد لك من فوائدي ما ينشرح له صدرك، وتعلم به أننا من الأغذية المباركة.

قلت: فما أسرار البركات في تركيبك؟

قالت: أنا مركبة من فيتامين ج المضاد للتعفن، والمؤثر في النشاط، ومن مادة الكلوكنين، وهي مثل الأنسولين تضبط السكر في الدم، ومن الفسفور والكالسيوم والحديد بكميات كثيرة، ومن كبريت، وحديد، وفيتامينات مقوية للأعصاب، ومن مواد مدرة للبول والصفراء، وهي منشطات للقلب، ومن خمائر وإنزيمات مفيدة للمعدة، ومن مواد منشطة منبهة للغدد والهرمونات.

قلت: ورائحتك؟

قالت: سببها هو سلفات الآليل، وهي مادة كبريتية طيارة.

قلت: إن ما ذكرت من مواد يدل على أهميتك..

قالت: أجل.. وهو بعض ما اكتشف.. ولكني أنبهك إلى الحذر من استعمالي بعد تخزيني مقطعاً، لأني أتأكسد، وتتكون مني مادة سامة، فلذا يجب استعمالي طازجاً.

قلت: فحدثيني عن بركات الشفاء بعد أن حدثتني عن بركات التكوين.

قالت: لقد ثبت علمياً أن عصيري يقتل الميكروبات السبحية، ومثلها ميكروبات السل، فهي تهلك فور تعرض المريض لبخار البصل.

قلت: زيديني مما زادك الله.

قالت: لقد ثبت أني مضاد حيوي أقوى من البنسلين والأورمايويسين، والسلفات.. ومن أجل ذلك فأنا أشفي بإذن الله من السل، والزهري، والسيلان، وأقتل كثيراً من الجراثيم الخطيرة.

قلت: إن هذه لبركات عظيمة، فقد أهلكت هذه المضادات الصناعية قومي.

قالت: ليس ذلك فقط.. بل لي تأثير علاجي عند الإصابة بنزلات البرد ‏‏والرشح والسعال ووجع البطن، إلى جانب أني طاردة للديدان ومقوية ومنشطة للجسم.

قلت:….؟

قالت: أنا أعالج كثيرا من الأمراض، كالسعال الديكي، والربو، والتهاب الرئة، والبروستاتا، وتعسر التبول.

قلت:….؟

قالت: وأنا مفيدة للقوة التناسلية، والسرطان، والروماتيزم، ومقوية للأعصاب، وعلاج للاكزيما.. وأفيد في إزالة بقع ونمش الوجه ‏‏عندما أسحق وينقع في الخل ثم يدعك بي الوجه.. وأفيد في سقوط الشعر إذا ما تم تدليك ‏ ‏فروة الرأس بعصيري..وأنصح المصابين بالبول السكري بتناول بصلة متوسطة الحجم يوميا باعتباري أخفض ‏‏كمية السكر في دم المصاب..

قلت: فوائدك كثيرة.. فبورك فيك.. فأخبريني عما يؤدي إليه الإسراف في تناولك.

 قالت: الإكثار من تناولي قد يؤدي إلى الوخم والنوم العميق و‏‏الإحساس بالعطش.

قلت: فما أكثر منافعك.. وأقل مضارك.

الكراث:

كان الكراث بجانب البصل.. فلذلك ما إن انتهت حبة البصل من حديثها حتى قال الكراث: وأنا.. لا تنسني.. فلي من الفوائد ما لا أقل به عن إخواني من العائلة الزنبقية.

قلت: والنصوص التي وردت في رائحتكم.

قال: ذلك شيء خلقه الله فينا، و{ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }(الروم:30).. ورائحتنا ـ على الأقل ـ أفضل بكثير من روائح السموم التي تتناولونها.. بل أفضل من روائح المعاصي التي تفوح من أفواهكم المنجسة بأكل لحوم بعضكم.. وأفضل..

قلت: أراك تخلف الثأر.. فهل تحمل حقدا؟

قال: نحن لا نحقد على المؤمنين المباركين.. ولكنا تنشق قلوبنا إن سمعنا فاسقا أو رأينا كافرا.

قلت: عهدي بكم من عالم السلام.

قال: نحن من العالم الذي قال الله تعالى فيه:{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} (مريم:90 ـ 92)

قلت: فأنت تبغض الفسقة في الله.

قال: كما أحب الطائعين في الله.

قلت: فما تنيلهم من بركاتك؟

قال: ألم أقل لك: إن بركاتي لا تقل عن بركات البصل والثوم؟

قلت: فحدثني عنها.

قال: أول بركاتي أن الله جعلني فوائد بجسمي كله حتى جذوري.. وأنا أحتوي على عدة فيتامينات من أهمها أ، ب، ج، كما أحتوي على بروتينات وسكاكر وكالسيوم وفوسفور وبوتاسيوم ومنجنيز وحديد وكبريت وكلورين وسيليكون([100])..

قلت: هذه بركات تكوينك.. فما بركات أكلك؟

قال: لقد عرف البشر بركاتي من قديم الزمان، فقد ورد ذكر الكراث في ورقة بردية قديمة يرجع تاريخها إلى الأسرة الخامسة.

وقد وجد الكراث في مقابر رومانية قديمة، وقد قيل ـ كما ذكر المؤرخ بلين  ـ  إن الأمبراطور الروماني نيرون كان يخصص يوما كل شهر لتناول الكراث، وذلك ليحسن صوته.. كما يروي أن الفرعون شوبس كافأ أحد السحرة بمائة حبة من الكراث.. كما أن الفيلسوف اليوناني أرسطو كان يرجع نفاذ صوت الحجل وقوته إلى تناوله الكراث.

ضحكت، وقلت: وأبو قراط.. ألم يسمع بك؟

 قال: بلى.. كيف لا يسمع بي أبو الطب اليوناني، لقد عرف أني أدر البول، وألين المعدة وأوقف التجشؤ، وأشفي من السل والعقم وأدر حليب المرضعة وأشفي من القولنج وأقطع نزيف الأنف وأقضي على اختناق الرحم.

قلت: وداود الأنطاكي ماذا قال عنك؟

قال: لقد ذكر أني أنفع من الربو، وأوجاع الصدر والسعال وخاصة إذا طبخت في الشعير شرباً وأزيل البواسير ضماداً بالصبر، وأجلو الكلف والنمش والثآليل طلاء بعسل النحل.

قلت: وابن سينا.. لا أظن أنه يجهلك.

قال: لو جهلني ما اعتبره الناس طبيبا، لقد وصفني للثآليل والبثرات، ولفساد اللثة والأسنان.. وللبواسير مسلوقاً أكلاً وضماداً.. وأني أوضع على الجراحات الدامية، فيقطع دمها.

بالإضافة إلى ما اتفقوا عليه جميعا من صلاحيتي لأصحاب الألحان باستعمالي لتصفية أصواتهم.

قلت: إذن لم يجهلك إلا قومي.. فلا أراهم يصفونك للأصحاء، ولا للمرضى.

قال: أكثر قومك يجهلوني.. ولكن منهم من فتح الله عليهم من علوم الكراث ما جعلهم ينتبهون لفوائدي.

قلت: فما ذكروا؟

قال: لقد اعتبروني في تأثيري الطبي مقارباً لتأثير البصل.. فأنا مهضم ومقشع.. أي طارد للبلغم.. ومطر.. أي ملين.. ومدر للبول، وطارد للديدان.

وقد أثبتت الأبحاث أن لي تأثيرا مضادا للبكتريا، وبالأخص ضد النوع ستافيللوكوكس أورس موجبة وسالبة الجرام.

قلت: أهذا ما ذكروا؟

قال: إن احتجت أن تعرف كل ما ذكروا، فاصبر ولا تستعجل.

قلت: فاذكر، فإني صابر.

قال: أنا أقوي دفاعكم الطبيعي المهدد بالاعتداءات الفصلية أو الجرثومية، وذلك بتزويدكم بالفيتامين(ب)، وهو عنصر التوازن، والفيتامين (ج)المقاوم للأنتان والتعب.

قلت: فزدني زادك الله بركة.

قال: إن أجل خدمة أقدمها لكم هي في جهازكم الهضمي، فأنا صديقه الصدوق.. فأنا سهل الهضم، فإذا ما صنعت مني حساء استطاعت أكثر المعد الحساسة تقبله وهضمه دون أن يسبب لها أي تقبض، كالذي تبديه حيال غيري من الأطعمة.

بالإضافة إلى هذا، فأنا أريح المعدة وأنشطها، واختماري يسهل عملية الهضم والامتصاص.. أما ما أحتوي عليه من كبريت، فإنه يقاوم التخمرات العفنة.

أما سكر الخشب الذي يكثر في والسللوز، فإنهما يقومان بتنظيف الأمعاء تنظيفا شاملا، فالعنصر الأول يجرف أثناء مروره في الأمعاء جميع ما يكون قد تخلف فيها من فضلات الطعام، بينما يعمل العنصر الثاني في طرها خارجا، ومن هنا ظفرت بشهرتي التي لا شك فيها، بصفتي ملينا لطيفا وطبيعيا.

قلت: أنت صديق صدوق للجهاز الهضمي.

قال: وصديق صدوق للدم.. فأنا أقاوم فقر الدم بما أحتوي عليه من الحديد، وأنشط توالد وعمل الكريات الحمراء. وأقوي العظام والجلد بفضل ما أضمه من الجير والكلس، كما أني أنشط الجهاز العصبي بما أحمل من مغنيزيزم.

قلت:….!؟

قال: وصديق صدوق للرشاقة فأنا أخفف البدانة.. وصديق صدوق للجلد فعصيري مع الحليب يستعمل غسولاً للوجه لإزالة البقع الحمراء والطفح الجلدي.. وعصيري مع لب القمح وسكر قليل يستعمل لبخات على الجراحات والدمامل لانضاجها وإخراج ما بها من صديد.. كما أن مغلي أوراقي ينفع مطهراً ومعقماً للجروح.. ولإزالة آلام قرص الحشرات يفرك مكان القرصة بالكراث.

قلت: عرفت أصدقاءك، فمن أعداؤك الذين تقهرهم؟

قال: أنا عدو تصلب الشرايين والروماتيزما وداء الملوك والتهابات الكلى والمثانة والسمنة.. لأن ما أحتوي عليه من خلاصة الـ sulfo-azotee يضعني في مصاف أفضل مدرات البول التي وضعها الله في الطبيعة.

قلت: أنت غني جدا وقوي جدا.

قال: أجل ـ بحمد الله ومنته ـ فأنا بالإضافة إلى ما ذكرت غني بالأملاح القلوية إلى درجة جعلت بعض الباحثين لا يترددون في القول بأن المعالجة بالكراث لا تقل نفعا عن المعالجة بمياه ( فيشي)المعدنية.

ولعل أهم ميزة في هي أني أقدم لكم في فصل الشتاء عنصرا لا غنى عنه على ندرته في الأشهر الباردة، ألا وهو الكلوروفيل الذي يقوم بدور فعال في تنشيط التبادل الغذائي، وتسهيل عملية استخدام المواد المبتلعة، وتنشيط قدرة العضلة القلبية.

قلت: فوائدك عظيمة، فبم تنصحني؟

قال: احتفظ دائما باوراقي الخضراء، وإذا كنت من أصحاب الحدائق، فتشبه بالفلاحين الذين يكتفون، بدافع من الاقتصاد أو الحكمة، بقطع أوراقي لصنع الحساء، ولا يقتلعون الكراث كله إلا عندما يريدون طهو طبق منه، أو إذا مارأوه أوشك أن يبرز.

***

 بعدها دلني الكراث على بعض النباتات التي وردت فيها النصوص المقدسة، وكان من أهمها السلق([101]) الذي أخبرني بحديث أم منذر عندما قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي، ولنا دوال معلقة، قالت فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل وعلي معه يأكل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( مه يا علي فإنك ناقه)، قالت: فجعلت لهم سلقاً وشعيراً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( يا علي فأصب من هذا، فإنه أوفق لك)([102]

ثم مررنا على الرجلة فحدثتني بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  مر بها وفي رجله قرحة فداواها بها، فبرئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( بارك الله فيك أنبتي حيث شئت فأنت شفاء من سبعين داء أدناه الصداع)([103])

ثم مررنا على السفرجل([104])، فحدثني بحديث عن أبي ذر، قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في جماعة من أصحابه، وبيده سفرجلة يقلبها، فلما جلست إليه، دحا بها إلي ثم قال:( دونكها أبا ذر، فإنها تشد القلب، وتطيب النفس، وتذهب بطخاء الصدر )([105]

الفواكه

قالت السفرجلة لي، وقد رأت إعجابي بحديقة الخضر، وما فيها من أصناف البركات: أفلا أدلك على حديقة أكثر بهجة، فضلت علينا في القرآن الكريم بذكرها في نعيم الجنة، ولم نذكر.

قلت: إن هذا لحسن خلق منك، فما هي؟

قالت: حدائق الفاكهة، ألم تسمع الله يذكرها في القرآن الكريم ويثني عليها كل الثناء.. وهو ما يكفي للدلالة على البركات التي أودعت فيها.

قلت: بلى.. فقد ذكرها القرآن الكريم، ورغب فيها بأصناف من الترغيب:

فقد ذكر كثرتها، وهو ما لم يحظ به طعام آخر، فقال تعالى:{ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} (الزخرف:73)، وقال تعالى:{ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} (صّ:51)

وأخبر عن تنوعها، فقال:{ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} (الدخان:55)، وقال تعالى:{ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}(الرحمن:52)

وأخبر عن تفاضلها، فقال:{ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ}(الواقعة:20)

وأخبر عن سهولة الحصول عليها، وعلى فوائدها، فقال:{ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ}(الواقعة:32 ـ 33)، وقال تعالى:{ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}(الحاقة:23)

قالت: وفي كل ما ذكرت آثار أنزلها الله في الدنيا لتعرفوا بها فضل الآخرة.

قلت: كيف ذلك، فالدنيا دنيا، والآخرة آخرة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( يقول اللّه تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرأوا إن شئتم:{ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(السجدة:17)

قالت: بلى.. وقد سمعت معها الله تعالى وهو يقول:{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة:25)، فقد أخبر تعالى أنهم إذا رأوها تذكروا برؤيتها ما رأوه من قبل.

قلت: ولكنه تشابه شكل لا تشابه طعم.. وقد ورد في وصف سدرة المنتهى أن ورقها كآذان الفيلة، ونبقها مثل قلال هجر([106]).

قال: صحيح ما ذكرت.. فلا يمكن للدنيا أن تشبه الآخرة في تفاصيلها، ولكني أقصد قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( لو قُلت إنَّ فاكهة نزلت من الجَنَّة قلت التين، لأنَّ فاكهة الجنَّة بلا عجمٍ ـ كلوا منه فإنه يقطع البواسير، وينفع النقرس)([107])، فقد ذكر صلى الله عليه وآله وسلم أن الله جعل في الدنيا ما يذكر بنعيم الآخرة.

قلت: صدقت في هذا..ونحن لم نختلف.. فاذكري لي: أين الحديقة؟.. وما تحوي؟

قالت: هي حديقة غناء تحوي من ألوان الفواكه التي ورد فضلها في النصوص المقدسة، فبوركت بذكرها لها.

قلت: فما هي ألوان الفواكه التي تحتويها؟

قالت: تقسم الفاكهة إلى حلوة كالموز والتين والعنب والتمر.. وحامضة كالأترج والرمان.. وإلى نصف حامض، وهو ما تبقى من الفاكهة.. وقد زرت التمر من قبل.. فلذلك ستزور في هذه الحديقة ما بقي من الفواكه.

التين:

قلت: وبمن أبدأ؟

قالت: بالتينة التي ذكرناها.

قلت: فأين هي؟

قالت: هي عن يمينك تنتظر دورها في الحديث، فقد آتاها الله من الأدب بحيث لا تقطع حديثا، ولا تنغص جليسا..

قلت: قد عرفت ذلك منها.. فهي الفاكهة اللذيذة إلى نفسي أسرطها سرطا.. فلا عجم أرميه، ولا قشر أطرحه.

قالت التينة: بورك فيك، وفي السفرجلة التي أتت بك.. وستجد ـ إن شاء الله ـ عندي من حلو الحديث ما يجعلك تحبني كما أحبني أهل الله.

قلت: فهل أحبك أهل الله؟

قالت: وكيف لا يحبوني.. وقد أقسم الله بي، فقال تعالى:{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}(التين:1)، وقد قال في صلى الله عليه وآله وسلم ما قال.

قلت: عرفت هذا.. فحدثيني عن أسرار بركاتك.

قالت: أنا ـ بحمد الله ـ عالية القيمة الغذائية، وذلك لاحتوائي على السكريات الأحادية، والعناصر المعدنية، والفيتامينات.

قلت: هذه بركات التكوين.. فما بركات الشفاء؟

قالت: لقد شاع استخدامي في علاج الإمساك، ومغلي أوراقي يستخدم عند العرب أو البدو في علاج اضطراب الحيض، كما أن المحفوظ مني يعمل على إدرار اللبن.

قلت: لقد وصفك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنقرس والبواسير، فقال:( كلوا التين فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة قلت هذه لأن فاكهة الجنة لا عجم فيها، فكلوه فإنه يقطع البواسير وينفع من النقرس)([108]

قالت: أجل.. صدق حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما كوني أقطع البواسير، فيرجع ذلك إلى كوني مسهلة وقابضة.. وأما ما يخص علاج النقرس، وهو ترسُّب أملاح حمض اليورك في المفاصل، والذي يؤدي إلى خلل في تمثيل الأحماض النووية، فقد ثبت أن لي علاقة بالإنزيم الخاص بتحويل الزانسين إلى اليوريك أسيد، فالإنزيم ـ بدل أن يسمح له يسير في اتجاه واحد ـ يسير في اتجاهين فيكون الاتزان، ولذلك فالأدوية التي تعطى من الخارج تثبط الإنزيم، لكن تثبطه جزئياً، لكن التين ينظم عمل الأنزيم.. ذلك أن النقرس هو عبارة عن خطأ في التمثيل الغذائي.

قلت: فماذا تعالجين أيضا؟

قالت: أنا أوصف لعلاج الامساك، فلهذا يمكن تناول التين المجفف أو الطازج، من دون أي تحضير معين، للتخفيف من الامساك، ويمكن طهو ثلاث أو أربع ثمرات تين طازجة مقطعة، وعشر حبات زبيب في مقدار كوب كبير من الحليب، ويتم تناولها صباحاً على الريق، كما يمكن نقع ست ثمرات تين في الماء الفاتر طوال الليل، ثم يتم تناولها صباحاً على الريق أيضاً.

قلت:….؟

قالت: من أدواري أنني أخفف من الاضطرابات الهضمية، فيمكن تناول التين الطازج بعد الوجبات الخفيفة، أو قبل الوجبات الثقيلة للتخفيف من اضطرابات الجهاز الهضمي.. وذلك مفيد في مكافحة القرحة والطفيليات والجراثيم.

قلت:….؟

قالت: وأنا أخفف من اضطرابات التنفس، وذلك لاحتوائي على عناصر شافية تخفف من تهيجات الأغشية المخاطية، وخاصة في الجهاز التنفسي، لذلك فإن تناول التين الطازج يمكن أن يساعد على التخفيف من الاضطرابات التنفسية، فأنا ألعب دوراً مشابها لدور مضادات الالتهابات.

وأنا أفيد أيضاً لعلاج التهابات الحلق، ويكفي لذلك أن يتم غلي أربع أو خمس ثمرات تين طازجة في حوالي 50 ملليلتر من الماء، ثم يصفى الماء ويترك حتى يبرد، ثم يشرب لعلاج أوجاع الحلق.

قلت: سمعت أن لك استعمالات خارجية.

قالت: أجل، فقد جعلني الله بركة في الداخل والخارج.

قلت: فاذكري لي بعض بركاتك.

قالت: أنا أستعمل لإزالة مسامير القدمين.. وذلك لاحتوائي على إنزيمات تساعد على التخلص من النتوءات الجلدية الزائدة، لهذا يمكن استخدامي لإزالة المسامير التي تظهر على القدمين.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: يوضع لُب ثمرتي على المسامير ويغطى برباط طوال الليل.

قلت: بورك فيك.. فهل تعالجين غيرها؟

قالت: أعالج الحبوب والتقرحات.

قلت: فاذكري لي وصفة لذلك.

قالت: يتم تسخين التين في الماء أو الحليب، وتقطع كل حبة مني إلى نصفين، بحيث يوضع لب الثمر على البثور مباشرة، وهذه الطريقة فعالة جدا في العلاج، وخصوصاً في علاج تقرحات الفم.

قلت: فهل لك وصفات أخرى؟

قالت: أنا أتمتع بخصائص وقائية وملطفة ومرطبة.. ولذلك أقوم بتغذية الجلد والشعر وأقيهما من تغيرات الطقس القاسية، ومن التلوث..ولذلك يدخلني تجار قومك في تركيب العديد من مستحضرات العناية بالبشرة والشعر.

العنب:

التفت فرأيت عنقود عنب يفيض بحبات أجمل من اللآلئ، فقلت له: أأنت عنقود الجنة الذي رآه صلى الله عليه وآله وسلم، كما في حديث جابر الذي قال: بينا نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فتقدمنا معه، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة، قال له أبي بن كعب: يا رسول اللّه صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما كنت تصنعه، قال:( إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقص منه)([109]

قال: لا.. ولكني لا أقل عنه شرفا.. فقد شرفني الله تعالى بذكره في كتابه في مواضع كثيرة، فقال تعالى:{ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الرعد:4)، وقال:{ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:11)

وقد قرنني بالنخلة المباركة في مواضع، فقال:{ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(النحل:67)، وقال تعالى:{ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}(المؤمنون:19)، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ}(يّـس:34)

قلت: قد سمعت كل هذا.. ولأجله جئت أبحث عن أسرار هذه البركات.

قال: ألا يكفيك كلام ربك؟

قلت: نحن قوم غشي على عيوننا.. فلا نرى إلا ما تقوله الدراسات.

قال: فأنت عبد لها إذن.

قلت: يمكنك أن تقول ذلك.. فنحن لا نصدق بالحقائق حتى تأتينا من الألسن التي ترطن بالعجمة.

قالت: لا بأس عليك.. أما أنا فلم يجهل أسراري عرب ولا عجم.. فقد عرفت منذ القدم، عرفني الصينيون والهنود وغيرهم، ورغبوا في القيمة الغذائية العالية التي حباني الله بها.

قلت: ذكرت القيمة الغذائية العالية!؟

قالت حبة من العنب، وقد اشتد غضبها: أجل.. أفي شك أنت من ذلك.. فنحن نحتوي على نسبة جيدة من المواد السكرية سريعة الامتصاص وسهلة الهضم حيث يتركز سكر الجلوكوز وسكر الفركتوز بشكل كبير في مكوناتنا.

ونتميز بغنانا بالفيتامينات مثل فيتامين ج، وفيتامين ب.. كما نحتوي على نسبة جيدة من العناصر المعدنية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والصوديوم.

كما نحتوي على مواد ذات مفعول علاجي.. حيث نحتوي على مركب يعرف بريزفيراتول، وتتميز هذه المادة بتأثيرها الايجابي في الحد من تصلب الشرايين حيث أن لها تأثيرا مباشرا وملحوظا في تقليل نسبة الكولسترول في الدم وخصوصا الكولسترول السيء، مما يقلل الإصابة بأمراض القلب.

كما نحتوي ـ بحمد الله ـ على بعض الأحماض التي لها دور في الوقاية من تراكم الجذور الحرة، ولذلك نعتبر مضاداً جيداً للسرطان.

قلت: فبركاتك عظيمة؟

قالت: لا تزال لم تسمع شيئا.. فقد أشارت الأبحاث العلمية أن لي دورا في الوقاية من مرض هشاشة العظام، أو ما يعرف بوهن العظام.

قلت: هو من الأمراض التي تنتشر بشكل كبير بين السيدات، وله علاقة بالكالسيوم.. فكيف تكون لك علاقة به؟

قالت: أنا أحتوي على معدن البودون، وهو يساهم في زيادة هرمون الاستروجين لدى الاناث عند بلوغهن سن اليأس.. وبذلك يعمل هذا الهرمون على الاقلال من التعرض لهذا المرض في هذه المرحلة من السن.

قلت: وما علاقة هذا الهرمون بالهشاشة؟

قالت: يعمل هذا الهرمون الهام للسيدات على امتصاص الكالسيوم، والذي يكون في الغذاء عادة، ولكن نسبة امتصاصه تنخفض مع تقدم العمر عند الرجال وعند النساء عموما إلا أن تأثيره عند السيدات يكون أكثر.

والعمل الذي يقوم به هرمون الاستروجين مهم جدا في عملية امتصاص بل زيادة امتصاص الكالسيوم، ومثله زيادة عملية ترسب وإضافة الكالسيوم الى العظام.

قلت: فاذكري لي بركاتك على الدم.

قالت: لقد جعل الله فينا دورا مهما في خفض الضغط المرتفع، حيث أننا من مدرات البول لاحتوائنا على نسبة عالية من البوتاسيوم.

قلت:….؟

قالت: ولنا دور في علاج الإمساك.. حيث أننا نسهل البطن.. ولذلك نستخدم كمسهل يتناول عصيرنا للكبار وللصغار، وهو ناجح بشكل جيد للأطفال حيث يقوم بعملية تنظيف البطن وتسهيل حركة الامعاء.

قلت:….؟

قالت: ونحن نخفض الحموضة، وخصوصا الحموضة التي تنتج من عسر الهضم حيث نحتوي على العديد من الأحماض الطبيعية ذات التأثير القاعدي.

قلت:….؟

قالت: ونحن نساهم ـ بفضل الله ـ في الحد من الإصابة بالسرطان، حيث تشير الأبحاث أن البلاد التي يكثر فيها إنتاج العنب تكون فيها أمراض السرطان منخفضة، بل معدومة، لأننا نحتوي على العديد من العناصر الغذائية التي تساهم في اخراج المواد المسرطنة، وهي الجذور الحرة، وتطرحها خارج الجسم، حيث نحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن مضادات للأكسدة مثل فيتامينات (أ،ج)وبعض العناصر المعدنية، بالإضافة إلى الألياف الذائبة وغير الذائبة.

قلت:….؟

قالت: ولنا ـ فوق ذلك ـ قيمة علاجية عالية، وخصوصاً للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات أو ضعف في الكلى، حيث نحتوي على نسبة جيدة من الماء والأملاح بكميات مناسبة.. ولهذا نساهم بشكل جيد في عملية تصفية الدم وتنقيته من السموم.

الرمان:

رأيت رمانة جميلة تحدق إلي بعيون تمتلئ خجلا.. وقد تورد خداها، فقلت: ما بالك أيتها الرمانة.. لكأني بك تريدين أن تسري إلي أمرا تستحين من ذكره.

قالت: لا.. فنحن لا نعرف الأسرار.. وإنما أنا ممتلئة سرورا بما ورد في النصوص من فضلي.. فقد ذكرني الله تعالى في كتابه، فقال:{ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(الأنعام:99)، وقال:{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأنعام:141)

وذكر أني من فاكهة الجنة، فقال:{ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}(الرحمن:68)

قلت: وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضلك وعلاقتك بالجنة، فقال:( ما من رمانة إلا ولقحت من رمان الجنة، وما رمانة إلا فيها حبة من رمان الجنة)([110]

قالت: دعك من هذا الحديث، فهو لا يصح.. ولا ينبغي أن نفخر بما لا يصح.. ويكفي ما ورد فينا من فضل في القرآن الكريم.

قلت: فحدثيني عن بركاتك.

قالت: سأحدثك عن بركة نقلها علي فقد كان فقيها في كلام الله.

قلت: لقد وصف وصفات طبية صالحة.. فهل له وصفة لها علاقة بك؟

قالت: أجل.. فقد روي أنه روى:( كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة)([111]

قلت: فما في هذه الوصفة من الطب؟

قالت: القلف الأبيض الذي هي الطبقة البيضاء بين الفصوص يحتوي على مادة قابضة ومضادة للحموضة، وثبت أنها تقوم بشفاء قرحة المعدة وقرحة الإثنى عشر، والأطباء في أوربا يأخذوا المستخلص المائي أو المعلق منها، ويدخلوه بالمناظير ويحقنوا قرحة المعدة وقرحة الإثنى عشر فتبرأ في الحال([112]).

قلت: فحدثيني عن بركات تكوينك.

قالت: أنا غذاء تمد كل 100 جرام مني قرابة 160 سعراً حرارياً.

قلت: دعك من الحريرات.. فلي من الأغذية ما أجدها فيها.. لقد سمعت أنك لا تحوين الكثير من الفيتامينات.

قالت: في غيري من الفيتامينات ما يكفيك.

قلت: فما فيك مما يرغب فيه؟

قالت: أنا أحوي الكثير من المعادن.. وأنا مصدر جيد للسكريات، وتصل نسبة فيتامين ج في عصير الرمان البلدي إلى حوالي 10 مليجرامات كل 100 جرام من العصير. ويوجد في كل 100 جرام من حبوبي المواد الغذائية التالية:كالسيوم 8 مليجرام، بروتين 1.3جرام، فسفور 20 مليجرام، دهن 0.8 جرام، حديد 0.8 مليجرام، كربوهيدرات 41.7 جرام، بوتاسيوم 658 مليجرام.

قلت: نعم ما ذكرت.. ولكني أرى في قشورك الداخلية ما يشوهك..فهلا سألت الله أن ينزعها عنك؟

قالت: لجميع قشوري الداخلية والخارجية فوائد شتى، فهي تحتوي على مواد قلوية ومواد قابضة، وهي دواء لطرد الديـدان من الأمعاء خاصة الدودة الشريطية، ويستخدم القشر كمادة قابضة للبطن حيث تجفف القشور وتطحن وتستخدم عند الحاجة.

قلت: نعم ما ذكرت.. ولكني أراك تهتمين بالإشادة بقشورك.. فهل تراك من ذوات القشور، لا من أولي الألباب؟

قالت: لا.. بل أنا من أولي القشور والألباب.. وقد أكدت دراسة علمية حديثة أن ثمار الرمان تعالج 11 مرضاً وتوفر احتياجات الجسم الأساسية من العناصر الغذائية.. وذكرت الدراسة أن بذور الرمان ذات الغلاف العصيري البلوري والتي تستخدم في سلطة الفواكه تقضي على البكتريا المسببة للإسهال، كما تقوي القلب والمعدة وتدر البول وتطهر الدم وتذيب حصوات الكلى وتلطف الحرارة المرتفعة بالجسم وتشفي عسر الهضم وتقلل آلام النقرس، كما أن مسحوق أزهارها يستخدم شراباً أيضاً ضد الإسهال.

وبينت أنه يمكن استخدام الرمان لمعالجة الزحار (الديزنتاريا)ومعالجة الوهن العصبي وبعض أنواع الأورام التي تصيب الأغشية المخاطية، خاصة إذا استخدم مع العسل.

وذكرت أن تناول الرمان مع الأغذية الدسمة يساعد على هضمها بشكل جيد.

ومن الأخبار الهامة التي طالعتكم بها الصحف ما ذكرت من غناي بمركبات منع الأكسدة..

قلت: أجل.. سمعت بهذا.. فما في ذلك من أسرار البركات؟

قالت: في ذلك كل البركات.. ألا تعلم أنها فعالة بصورة جيدة لمنع أكسدة دهون البلازما التي يعتقد أنها من أسباب تصلب الشرايين.. وقد جرت دراسة على أشخاص أصحاء وعلى حيوانات التجارب، حيث تم إعطاء الأصحاء عصير الرمان لمدة أسبوعين والحيوانات 14 أسبوعاً. وذلك بهدف معرفة تأثير عصير الرمان على أكسدة البروتينات الشحمية وتكدسها، وتصلب الشرايين عند الأصحاء أو حيوانات مصابة بتصلب الشرايين.

قلت: فماذا وجدوا؟

قالت: لقد وجدوا أن عصير الرمان يعمل على التقليل من تكدس البروتينات الشحمية الضارة بالجسم وأكسدتها عند المتبرعين الأصحاء.. كما أنه يؤدي إلى تقليل حجم مشكلة تصلب الشرايين في فئران التجارب، وخلصت الدراسة بنتيجة مفادها أن لعصير الرمان مفعولاً قوياً كمضاد لتصلب الشرايين عند الأشخاص الأصحاء، وكذا عند الحيوانات المصابة بتصلب الشرايين.. وهذا المفعول يرجع بصورة أساسية لوجود مضادات الأكسدة في الرمان.

قلت: نعم ما ذكرت.. ولكنك مع ذلك لا تدومين إلا قيلا.

قالت: نعم.. ولكن مع ذلك فقد جعل الله في من الوفاء ما يجعلني سهلة الحفظ لعدة أشهر، إذ يمكن حفظي لمدة 6 أشهر، وذلك بتجفيف القشرة الخارجية شمسياً وحفظي بعد جفافي في الجو العادي.

ويمكن حفظي أيضاً لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر دون تجفيف القشرة، وذلك في الثلاجة، ويتم ذلك بلف كل ثمرة بأوراق شفافة على حدة ووضع الثمار الملفوفة في كرتون في الثلاجة.

وتمتاز ثماري المخزنة بارتفاع محتواها من السكر وقلة حموضتها ولين بذورها([113]).

الموز

جاءت الموزة تختال في مشيتها، وقالت من غير أن أسألها: ألا تعلم أني من فاكهة الجنة؟

قلت: لا أى لك ذكرا في القرآن الكريم.. فهل علمت وجودك في الجنة بالقياس أم بالاستحسان؟.. ألا تعلمين أنه لا يجوز استعمالهما في الأخبار؟

قالت: ولا في الإنشاء..

قلت: فكيف عرفت بوجودك في الجنة؟

قالت: بالقرآن الكريم.. فأنا من فاكهة القرآن الكريم..

قلت: أفصحي.. فلا أرى في القرآن الكريم موزا..

قالت: أنا الطلح المذكور في قوله تعالى:{ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ}(الواقعة:29)([114])

قلت: والموز؟

قالت: هي كلمة مستعربة من اللغة الهندية (موزى) وتعني ( فاكهة الحكماء)كما سميت في الهند حيث أن الفلاسفة كانوا يستظلون تحت شجرتي.

قلت: فلم ترينا نؤثر لغة الهنود؟

قالت: ذلك لأني أرتبط بالهند تاريخيا.. ثم انتقلت منه إلى أنحاء العالم.. وأذكر أن العالم الجديد عرفني عام 1516م حيث غرست أول نبتة لي في الكاريبي آنذاك.. وعرضت لأول مرة في ولاية فيلاديلفيا في معرض سينتينيال عام 1876م.

قلت: دعيني من تاريخك.. وعودي بنا إلى بركاتك.. فلا أرى القرآن الكريم ذكرك إلا لما فيك من خير وفضل وبركة.

قالت: بلى.. وقد ذكر أسلافكم عني أني أنفع من حرقة الصدر والرئة والسعال وقروح الكليتين والمثانة، وأني أدر البول وألين البطن وأسمن كثيرا.. ولكن الإكثار مني يضر المعدة ويثقل ويزيد في الصفراء والبلغم ويدفع ضرري بالسكر والعسل والزنجبيل.

وقد ذكروا أني إذا طبخت في دهن اللوز أصلحت الصدر سريعا.. وأن طبخي مع بذر البطيخ ودهن الوجه به يجلو الكلف وينعّم البشرة ويحسن اللون وان وضعت ورقة مني على الأورام حللها.

قلت: فما قال المحدثون من بني قومي؟

قالت: لقد ذكروا أني من أفضل مصادر الطاقة الطبيعية.. فأنا خالية من الصوديوم.. ولذلك أقلل من مخاطر ارتفاع ضغط الدم، وخالية من الدهن والكوليستول وأحتوي على كاربوهيدرات سهلة الهضم مقارنة بالفواكه الأخرى.

وقد ساعدت الأبحاث في الطب الحديث على التوعية والتعريف بأني قد أحد من الوفاة الناتجة عن أمراض القلب لبعض الحالات.

قلت: فما ذكروا من بركات تكوينك؟

قالت: لقد أكد أخصائيو التغذية أني غنية بالألياف والفيتامينات A،B،C بالإضافة إلى الأملاح المعدنية كالحديد والزنك والفوسفور والمنغنيز والصوديوم، كما أحتوي على الماء والنشا وسكر العنب وسكر القصب مما يجعلني مصدراً حيوياً للعناصر التي يحتاجها الجسم البشري.

قلت: فما بركات الاستشفاء بك؟

قالت: لقد أظهرت دراسة سويدية حديثة أن الموز الناضج أو المطهو يحتوي على مواد تزيد من مقاومة الخلايا التي تبطن المعدة للقرحة وقد تمنع حدوثها وتساعد على الشفاء منها في حالة الإصابة بها.

وفي الدراسة التي نشرتها مجلة (الأفكار الصحية)الأمريكية، أكد أخصائيو التغذية أن الموز الغني بعنصر البوتاسيوم يساعد في الحفاظ على سلامة العضلات والعظام ويؤدي إلى تقليل ضغط الدم الشرياني، وبالتالي يخفض إلى حد كبير من احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية.

وكانت دراسات أخرى قد أشارت إلى أن للموز أثراً إيجابيا على عملية الهضم في الأمعاء خلافاً للاعتقاد الشائع بأن الموز يسبب الإصابة بالإمساك أو الانتفاخات، وأن أثر الموز على عملية الهضم يزداد كلما كان الموز ناضجاً.

الأترج:

تركت الموزة تذكر ما ورد في الدراسات من فضلها.. ثم التفت إلى أترجة ملأت نفسي بمنظرها نشاطا.. فقلت لها: طوبى لك أيته الأترجة.. لقد ذكرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:( مثل المؤمن الذى يقرأ القرآن كمثل الاترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذى لايقرأ القرآن كمثل التمر لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذى يقرا القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذى لايقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)([115]

قالت: أجل.. فقد شبهني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمن الذي يقرأ القرآن الكريم.. وحسبي بذلك شرفا.. بل حسبي أنه فضلني على التمر في هذا.. فلا تسمع لتيه التمر علي.

قلت: لقد رأيته من أكثر الناس تواضعا.. فلا تتيهي عليه أنت.

قالت: أنا لا أتيه عليه، ولا على غيره.. ولكني أتيه على عقولكم الضعيفة التي استبدلتني بأنواع السموم.

قلت: فحدثيني عن أسرار بركاتك.

قالت: لقد أثني علي القدماء أعظم الثناء.. وقد روي أن بعض الملوك الاكاسرة سجن بعض الاطباء، وأمر ألا يقدم لهم من الأكل إلا الخبز وإدام واحد، فاختاروا الأترج وسئلوا عن ذلك فقالوا:( لأنه في العاجل ريحان ومنظره مفرح، وقشره طيب الرائحة ولحمه فاكهة وحماضه إدام وحبه ترياق وفيه دهن)

لقد عرف العرب الأترج منذ القدم وتغنى به شعراؤهم في مختلف العصور منهم ابن الرومي الذي قال فيه في معرض الحديث عن أحد ممدوحيه.

كل الخلال التي فيكم
محاسنكم
  تشابهت منكم الاخلاق والخلق

كأنكم شجر الأترج طاب معاً

  حملا ونوراً وطاب العود والورق

قلت: دعينا من أقوال الشعراء.. فقد يذمون الممدوح.. ويحمدون المذموم..

قالت: تريد الخبراء العلماء.. فقد قال عني ابن سينا:( لحمه (لبه)ملطف لحرارة المعدة نافع لاصحاب المرة الصفراء قامع للبخارات الحارة)

وقال الأطباء العرب فيه الكثير حيث قسموني الى أربعة أصناف: قشر ولب وحمض وبذر ولكل منها منافع وخواص وقالوا: إن من منافع قشره أنه إذا جفف وسحق ثم جعل بين الملابس أو الفراش منع السوس ورائحته تطيب رائحة الهواء والوباء، ويطيب النكهة إذا أمسكها في الفم، ويحلل الرياح، وإذا أضيف إلى الطعام أعان على الهضم. وعصارة القشرة الطازجة تنفع من نهش الأفاعي شرباً، كما ينفع القشر ضماداً على الجروح وإذا أحرق قشره بعد جفافه فإن رماده طلاء جيدا للبهاق.

أما لبه فملطف للمعدة، وحماضه قابض وكاسر للصفراء، ومسكن للخفقان الحار، يفيد اليرقان شرباً، يقطع القيء، ومشه للأكل، يحبس البطن ينفع الإسهال والصفراوي، ينفع طلاوه من الكلف، مقو معدي ويسكن العطش.

أما بذره فينفع من السموم القاتلة إذا شرب منه وزن مثقالين مقشراً بماء فاتر، ملين للطبيعة مطيب للنكهة.

وقالت عني طائفة من الحكماء:( جمع الأترج أنواعاً من المحاسن والإحسان، فقشره مشموم، وشحمه فاكهة، وحماضه إدام، وبذره دهان)

وقال عني ابن البيطار:( قوة الأترج تلطف وتقطع وتبرد وتطفئ حرارة الكبد وتقوي المعدة وتزيد في شهوة الطعام وتقمع حدة المرة الصفراء وتزيل الغم العارض منها، ويسكن العطش ويقطع الاسهال وحماضه نافع من الخفقان وحب الأترج ينفع من لدغ العقارب)

قلت: فما قال المحدثون؟

قالت: هم يستخدمونني في الطب الحديث كفاتح للشهية وطارد للأرياح ومهضم ومنبه للجهاز الهضمي ومطهر ومضاد للفيروسات وقاتل للبكتريا ومخفض للحمى، وأستخدم كمضاد للبرد والانفلونزا والحمى ولعدوى الصدر والحنجرة بالميكروبات وأقوي جهاز المناعة.. كما أساعد في موازنة ضغط الدم.

البقول

انصرفت من حديقة الفواكه.. وقد امتلأت نشاطا وحيوية.. وقد أزمعت في نفسي العودة إلى مدائن السلام.. التقيت في طريقي بحبة عدس.. فسألتها عن الطريق إلى المستشفى.. فقالت: كيف تريد أن تعود إليه.. وأنت لما تعرفني وتعرف بني جنسي.

قلت: أنا أعرفك.. فمن بنو جنسك؟

قالت: نحن البقول..

قلت: أعرفك.. ولكن لا شأن لي بك.. فأنا أبحث عن أغذية البركة.. وقد وجدتها جميعا.

قالت: ما دمت لم تلقني ولم تتعرف علي وعلى بني جنسي.. فأنت لم تعرف أغذية البركة.. ألم تسمع أني أمثل البقول.. وأني من الأغذية المنصوص عليها في القرآن الكريم، فقد قال تعالى:{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ }(البقرة:61)

قلت: ولكن الله تعالى ذكرك في هذه الاية في موضع ذم؟

قالت: لا.. من قال ذلك.. ولو كان كذلك لورد النص بكراهتي أو بتحريمي، ولم يرد شيء من ذلك.

قلت: فما تقولين في اعتبار القرآن الكريم لك طعاما دانيا؟

قال: الدنو والرفعة نسبيان، فلذلك ذكر الله تعالى دنو العدس مقارنة بغيره من الأطعمة التي كانت ميسرة لهم من غير عناء، ففي المن – وهو العسل أو مادة سكرية مقوية – وفي لحوم السلوى ما يفوق جميع ما ذكروه من الأطعمة، إضافة إلى أن المن والسلوى أسهل هضما من الحبوب المذكورة.. ولسهولة الهضم والامتصاص أهميتها الكبرى في باب التغذية.

قلت: أراك تتواضعين بذكر فضل غيرك عليك.

قالت: وذلك لا يلغي فضلي.. فأنا أحتوي على عناصر كثيرة يفتقر إليها الجسم افتقارا شديدا.

قلت: لا يعرف عامة قومي من عناصرك إلا الحديد.

قالت: وهل تستهين بالحديد؟

قلت: لا أستهين به.. ولكني مع ذلك لا أرى أهميته مقارنة بالبروتينات وغيرها.

قالت: فلا تقل هذا.. فالحديد من الأملاح المهمة للجسم، فهو يدخل في تركيب هيموجلوبين الدم ويكسبه المقدرة على نقل الأكسيجين من الرئتين إلى أنسجة الجسم المختلفة حيث يؤكسد ما بها من طعام فيولد طاقة حرارية ضرورية لوظائف الجسم.

فوظائف الحديد في الجسم كثيرة فهو يدخل في تركيب الدم، وهو ضروري لإنتاج الطاقة والحرارة من المواد الغذائية، وهو يعادل الحموضة والزائد من الحديد يختزن في الكبد والطحال وبعض البروتينات المعقدة لكي تستخدم عند الضرورة في حالة نقص موارد الجسم منه.

اللحوم

سرت قليلا بعيدا عن العدس.. فرأيت كبشا في منتهى الجمال يحدق إلي بعيون تمتلئ رحمة ورقة.. فقلت: أيها الكبش المبارك.. أأنت الذي فدى الله بك إسماعيل u من الذبح.. فإني أرى لك جمالا لا أراه فيما أراه بين قومي من كباش.

قال: ذاك ابن عمي.. وكلنا ذلك الكبش.. أما ما تراه في من جمال، فهو جمال روحي المتنورة بنور الإيثار.

قلت: فكيف ميزت بين قومك من الكباش بهذه الحلة؟

قال: أنا لم أميز.. كل الكباش وكل البقر.. وكل ما تذبحونه من أنعام لا يختلفون عني، ولا أختلف عنهم.. نحن جميعا خلق من خلق الله ملأنا الله بالرحمة، فقدمنا أنفسنا غذاء طيبا لكم لتؤدوا الوظائف التي خلقتم من أجلها.

قلت: أتفعلون ذلك بدافع الإيثار والمحبة؟

قال: أجل.. ونحن لا نختلف عن الشهداء في ذلك.

قلت: ولكن الشهداء مظلومون.

قال: ونحن كذلك قد تظلمونا.. فينزع الله البركة من لحومنا.

قلت: أفي لحومكم بركة؟

قال: في لحومنا بركة وشفاء إذا تحققتم بما يتطلبه التوصل إلينا من أسرار البركات.

قلت: فما هي؟

قال: أربعة.

قلت: أعلم أنها أربعة.. فما هي؟

قال: التسمية، والذبح، والأدب، والاعتدال.

التسمية:

قلت: فحدثني عن التسمية.

قال: كل من ذبحنا، ولم يذكر الله في ذبحنا إنما يقوم بقتلنا، فنخرج من الدنيا بأعظم ألم.

قلت: وما الألم الذي تخرجون به؟

قال: ألم عدم سماع ذكر الله في آخر لحظات حياتنا.. ألا تلقنون موتاكم؟

قلت: بلى.. نلقنهم.

قال: فذكركم لله عند ذبحكم هو تلقينكم لنا، ألم تسمع الله تعالى يأمركم بالتسمية عند ذبحنا؟

قلت: بلى.. فقد قال تعالى:{ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} (الأنعام:118)

قال: وهو يعاتب على عدم الأكل من حيوانات معينة لم ينص على تحريمها، ما دام قد ذكر اسم الله عليها، فقال تعالى:{ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} (الأنعام:119)

قلت: وهل تشعرون حينها بالسعادة؟

قال: نشعر حينها بسعادة لا تشعرون بها وأنتم تأكلون لحومنا.

قلت: كيف ذلك وأنتم مهيئون للذبح؟

قال: ألا تعلم السعادة التي كان يشعر بها الغلام ـ الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة أصحاب الأخدود ـ وهو يتقدم للذبح في سبيل الله؟

قلت: فحدثني بها لأعلم وجه العلاقة بينكما.

قال: لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل:( ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فصعدوا به إلى الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له: ما فعل أصحابك؟ قال كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر، فإذا رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك، ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صغه في موضع السهم فمات، فقال الناس آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، آمنّا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخدت وأضرمت النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له اقتحم، ففعلوا حتى أتوا على امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام يا أمّه اصبري إنك على الحق)([116])

قلت: لقد رويت الحديث بألفاظه، فبارك الله فيك.. ولكني لم أفهم سر المقارنة بينكما.

قال: لقد استعمل الملك كل الوسائل لاستحلال دم الغلام، فلم يطق إلا بعد أن ذكر الله، وحينذاك بارك الله في جسد الغلام الذي فارق روحه، فصار سببا لإيمان قومه، بل صار رمزا لنا معشر الكباش، نحن لأن يحدث لنا ما حدث له.

قلت: أتحنون لأن يحصل لكم ما حصل له؟

قال: لا تجد فردا من أفرادنا إلا ويعلم هذه القصة، ويحن لأن يضحى به باسم الله، فيبارك الله في جسده، فيصير مقبرة خلايا ذاكر لله.. أو يصير كجسد ذلك الولي الذي قال:

وذلك في ذات الله وإن يشأ      يبارك على أوصال شلو ممزع

 قلت: أفتعرفونه؟

قال: نعرفه، ونمتلئ محبة له.. فهو قد تعلم التضحية منا، وعلمنا من فنون التضحية ما نحن له كل الحنين.

قلت: أنت تحدثني عن ذكر الله كما يحدثني أهل الله.. ولكني لا أرى إخوانك إلا منهمكين في رعيهم لا يبالون بشيء، بل هم أكثر الخلق غفلة، حتى أننا نعتبر البهيمية هي الإسراف في المتاع، والبعد عن ذكر الله.

قال: أخطأتم الحقائق.. نحن نأكل ونسرف في الأكل لأجلكم.. فتلك وظيفتنا.. وظيفتنا أن نسمن لتأكلونا لحما طريا لذيذا، ونحن نستلذ بالتذاذكم لنا إن ذكرتم الله.

قلت: فأنتم تنحجبون إذن بعملكم عن ذكر الله، كما ينحجب الغافلون عندنا بزيادة الإنتاج.

قال: لا.. كيف تشبه من يسمن نفسه لله بالغافلين؟.. وهل تتصور أن رعينا وأكلنا وشربنا يبعدنا عن ربنا؟.. إننا نذكر الله في أنفاسنا كما يذكره أهل الجنة.. ألم تسمع نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ البهائم كراسي معللا ذلك بكثرة ذكرنا الله، فقد مر صلى الله عليه وآله وسلم على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فقال لهم:( اركبوها سالمة ودوعها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه)([117]) ؟

وقد عرف أسرارنا ذلك الرجل الصالح الذي قال:( ما أحد سب شيئا من الدنيا دابة ولا غيرها ويقول: أخزاك الله أو لعنك الله إلا قالت: بل أخزى الله تعالى أعصانا لله تعالى)

قلت: فهمت هذا ووعيته.. ولكني أراك تتحدث عن التسمية وكأنها هي الركن الأساسي في علاقتكم بنا.

قال: فإلام تنظرون إذا لم تنظروا للتسمية؟

قلت: نحن ننظر إلى لحومكم وشحومكم..

قال: لا يجوز لكم أن تستحلوها من غير إذن الله.. وإلا كنتم كابن آدم الذي قتل أخاه.

قلت: أتتصور أن كل هذه الأمم التي تسفك دماءكم كل يوم كابن آدم الأول.

قال: كل من لم يذكر الله عند ذبحنا، ويستشعر الرحمة في قلبه، وهو ينظر إلينا، ونحن نضحي بأنفسنا في سبيل إطعامه، إنما يقتلنا ويسفك دماءنا.. وهو لا يختلف عن ابن آدم الأول في ذلك، ألم تسمع ذلك الرجل المبارك الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( يا رسول الله إني لأرحم الشاة أن أذبحها)، فقال:( إن رحمتها رحمك الله)([118])

قلت: وكيف تكون رحمتك؟

قال: بذكر الله عند ذبحي.

قلت: ولكن نفرا عظيما من فقهاء قومي يتساهلون في ذلك.

قال: لا ينبغي أن يتساهلوا.. ألم يسمعوا القرآن الكريم، وهو يشتد في ذلك.

قلت: بلى.. ولكنهم يستدلون لذلك بحديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: الحديث لا يعارض القرآن الكريم.. فكلاهما وحي.. فاذكر لي ما رووا.

قلت: لقد حدثوا أن أناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري اذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( سموا الله عليه، وكلوا)([119])

قال: هذا الحديث لا يفهم منه ما ذكروا.

قلت: فما تفهمون أنتم معشر الأنعام؟

قال: هؤلاء قوم امتلأوا ورعا، فتصوروا أنهم لا يأكلون لحما إلا بعد أن يسمعوا الذابح، وهو يذكر الله.. فخشي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم الوسوسة، وأخبرهم أن الأمر ليس كذلك.

قلت: ولكن الذابحين قد يكونون قصروا في التسمية وغفلوا عنها.

قال: وقد أرشدهم صلى الله عليه وآله وسلم بما يسد ذلك التقصير، فأمرهم بذكر الله بدلهم، ألم تعرف هديه صلى الله عليه وآله وسلم فيمن نسي التسمية في بداية الطعام والشراب.

قلت: بلى.. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(.. فإذا أكل أحدكم طعاما، فليقل: بسم الله، فإن نسي أن يقول: بسم الله؛ في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره)([120])

قال: فقد ذكر صلى الله عليه وآله وسلم الحل لتدارك التقصير في التسمية.

قلت: لقد زعمت بأن ذبحكم بغير ذكر اسم الله يمحق البركة عن لحمكم.. فكيف تزعم الآن بأن ذلك قد يستدرك؟

قال: هذا ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي قرأته، ثم: ألم يخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن تأثير التسمية في وسط الطعام في الشيطان الذي يحضر الأكل ليمحق بركته؟

قلت: بلى.. فقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمى، فلم يبق في بطنه شيء إلا قاءه)([121]).

قال: وفي مثله ورد قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( كل طعام لا يذكر اسم الله تعالى عليه، فإنما هو داء، ولا بركة فيه، وكفارة ذلك إن كانت المائدة موضوعة أن تسمى وتعيد يدك، وإن كانت قد رفعت أن تسمى الله وتلعق أصابعك)([122])

فجأة قدم رجلان من بني قومي، قلت للكبش: احذر، فهذان يريدان اقتيادك إلى حتفك.

قال، وقد ظهرت على وجهه علائم السرور: بشرتني بشرك الله بكل خير.

نظر إليهما، فقال: لا.. هؤلاء لم يريدا ذبحي.

قلت: فما الذي قدم بهما إلى هنا؟

قال: هذان خبيران من خبراء قومك، فتح الله علهيما، فأدركا من أسرار البركة في التسمية ما يمكن أن يكون سبيلا لإقناع الجاحدين.

قال أحدهما: أنا دكتور في العلوم الصيدلية، وأخصائي في الكيمياء التحليلية الصيدلية، وفي تحاليل السمومية والغذائية والصناعية([123]).

قلت: فحدثني عن سر اكتشافك.

قال: موضوع بحثي كان حول فرضية وضعتها، ثم أردت إثباتها، وهي حول تأثير التسمية في الحيوان.

وبداية ذلك كانت رغبة ثلَّةٌ من المؤمنين في القيام بكلِّ ما تمكِّننا به وسائلنا المخبرية في توضيح الفرق بين اللحم المذبوح المصحوب بذكر اسم الله، واللحم المذبوح بغير ذلك، أي دون تكبيرٍ ودون ذكر اسم الله عليه.

ولإثبات ذلك عمدنا إلى الزرع الجرثومي لنموذجي اللحم المأخوذين آنفاً علَّنا نعثر على ما يمكن أن يكوِّن حجَّةً راسخة وصحيحة لا لبس فيها، تؤكد فائدة ذكر اسم الله الرحمن الرحيم على الذبائح.

قلت: فما هي نتائج هذه الدراسة المخبرية؟

قال: كانت نتائج هذه الدراسة باهرةً بصورة قاطعة، حيث كان كلُّ ذبحٍ مع ذكر اسم الله عليه عقيماً من الناحية الجرثومية والفطرية بدرجةٍ كبيرة على عكس لحوم الذبح التي لم يُذكر اسم الله عليها، فقد بدا فيها النمو الجرثومي كثيراً وغزيراً وواضحاً مما لا يدع أي مجال للشكِّ في تأثير التسمية.

قلت: فكيف فسرتم ذلك؟

قال: نحن مؤمنون، ولذلك فسرنا ذلك على ضوء قوله تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد:28)، فقد كانت الطمأنينة والهدوء بادية الآثار في اللحم الذي صحبته التسمية.

قلت: كيف ذلك، وما تأثير ذلك في البركة؟

قال: إن الطمأنية التي حصلت لها أثناء الذبح جعلت من أخلاطها ودورتها الدموية وأحشائها في حالةٍ لا يحدث معها أي اختلاطٍ، أو تلوثٍ ما بين داخل أحشاء الحيوان ولحمه وعضلاته وأجهزته المختلفة، وبذلك حققت حالةً من العقامة والنظافة الصحية تجعل من هذا اللحم شهي المنظر وسائغ الطعم، غير مؤذٍ بقدرته تعالى.

قال الثاني([124])من غير أن أسأله: لقد ثبت لي ما ثبت لزميلي وما ثبت لغيرنا.. فما إن أحضرت قطعاً من اللحم المكبَّر عليه وقطعاً من اللحم غير المكبَّر عليه كعينات، وتمت معالجتها حتى أصابني الذهول وأخذتني الدهشة، فاتصلت بالجزار، وقلت له بأني أريد أن أذهب معه شخصياً إلى المسلخ، وكان ذلك في شهر أيلول من عام (2000)، وشاهدت الخرفان المكبَّر عليها والخرفان التي لم يكبَّر عليها بأم عيني، وأحضرنا منها قطع اللحم.. واتَّسعت دهشتي لأن النتيجة كانت ذاتها.

قلت: فاذكر لي خلاصة ما رأيت.

قال: عند عمل المقاطع التشريحية ووضْعها على البلاكات بدا لون لحم الخرفان المكبَّر عليها زهريا فاتحا، أما لون اللحم غير المكبَّر عليها فكان أحمر قاتما يميل إلى الزرقة..

ثم قمت بالدراسات الجرثومية لكلا العينتين، فرأيت الجراثيم الممرضة بأعداد كبيرة في أوساط الاستنبات التي زُرعت عليها اللحوم غير المكبَّر عليها، بينما خلت اللحوم المكبَّر عليها من الجراثيم الممرضة تماماً.

ومثل ذلك رأيته بعد الفحص النسيجي، فقد رأيت وجود عدد أكبر من الكريات الحمر والبيض في الأوعية الدموية للحوم غير المكبَّر عليها.

قلت: فما علاقة هذا بالبركة؟

قال: لقد أثبت العلم الحديث أن الدم بيئة خصبة لنمو الميكروبات والجراثيم، ووجود الدم في جسم الحيوان المذبوح يساعد على نمو الميكروبات في الجسم وسرعة فساد اللحم، ووجود الدم بكثرة في أمعاء الإنسان يساعد على تكوين مركبات نشادرية تؤثر على المخ، وتحدث تغيرات مرضية قد تصل إلى حد الغيبوبة وفقدان الوعي، وهذا ما يحدث فعلاً نتيجة ابتلاع الإنسان لكميات كبيرة من الدم بسبب نزيف من المري أو المعدة أو الأمعاء.

ومن هنا كانت الحكمة البالغة في وجوب ذكاة الحيوان بعد ذبحه، والتخلُّص من الدم الذي يجري في عروقه قبل أكله، والتسمية عليه قبل ذبحه حتى يصير أكله حلالاً.

قالا ذلك، ثم انصرفا كما جاءا.

الذبح:

التفت للكبش، وقلت: عرفت سر البركة في التسمية، فعلمني سرا آخر من بركاتكم معشر الأنعام.

قال: أن تستحلوا دماءنا بالطريقة التي علمكم الشرع، فهو أعلم بمصالحنا منكم.

قلت: وما علاقة ذلك ببركتكم؟

قال: ألم تسمع قصة الغلام التي ذكرتها؟

قلت: تقصد قوله:( تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس)

قال: أجل.. فقد دله على الطريقة التي يمكن أن يذبح بها.

قلت: أما التسمية، فقد عرفت سر البركة فيها.. ولكني لا أفقه سر الذبح.. حتى إن من قومي من يشنعون عليه، ويعتبرونه من القسوة.

قال: يخطئون في ذلك.. ألم يسمعوا ما قال ابن الجوزي، فقد أدرك من أسرار الألم واللذة ما لم يدركوه.

قلت: فما قال؟.. فعهدي به فطنا.

قال: لقد قال:( وأما ألم الذبح فانه يستر، وقد قيل: أنه لا يوجد أصلا لأن الحساس للألم أغشية الدماغ، لأن فيه الأعضاء الحساسة، ولذلك إذا أصابها آفة من صرع أو سكتة لم يحس الإنسان بألم، فإذا قطعت الأوداج سريعا لم يصل ألم الجسم إلى محل الحس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:( إذا ذبح أحدكم فليحد شفرته وليرح ذبيحته)([125])

قلت: إن قومي لا يعرفون ابن الجوزي.. ولا يؤمنون بما يقول.. وهو في أذهانهم أقل من أن يقول.. فاذكر لي غيره.

قال: فسأذكر لك ما يقول علمهم الذي يعبدونه من دون الله.. فقد توصولوا إلى أن الذبح من العنق هو أنجح وسيلة للإجهاز السريع على الحيوان بغير تعذيب ولا تمثيل، إذ أنه من الثابت علميا أن الرقبة حلقة الوصل بين الرأس وسائر الجسد، فإذا قطع الجهاز العصبي شلت جميع وظائف الجسم الرئيسية، وإذا قطعت الشرايين والأوردة توقف الدم عن تغذية المخ، وإذا قطعت الممرات الهوائية وقف التنفس.. وفي جميع هذه الحالات تنتهي الحياة سريعا.

قلت: ألا تشعرون بالألم عند ذلك؟

قال: ألم تمر في [ابتسامة الأنين] على قسم الغيبة؟

قلت: بلى.. فهل تعرفه؟

قال: كل من ذبح منا على الطريقة التي أمر الشرع بها.. وذكر اسم الله عند ذبحه يصيبه من الوجد والإيمان ما يجعله يقدم نفسه لله راضيا مسرورا سعيدا.

قلت: فهل لذلك علاقة بالصحة.. فنحن في قسم البركة؟

قال: أجل.. ألا ترى الحركات العنيفة التي نقوم بها بعد ذبحنا؟

قلت: أتألم لذلك كثيرا.

قال: لا تتألم.. وانظر إلينا بنظر الإيمان.. إن تلك الحركات نهدف بها إلى طرد كمية كبيرة من الدم خارج أجسامنا.

قلت: لم؟

 قال: لأن الدم هو المجرى الذي تلقى فيه مواد الأيض أو التمثيل الغذائي كلها، ففيه ما هو مفيد وما هو ضار مؤذ.. والكائنات المتطفلة في الجسم تفرز سمومها في الدم ناهيك عن وجودها في الدورة الدموية في بعض مراحل تطورها.. ولهذا حرم الشرع الدم.

قلت: أعلم ذلك.. وقد علمت سر ذلك في حصون العافية.. ولكني أريد أن أسألك عن أمر يفعله بعض قومي.

قال: وما يفعلون؟

قلت: يصعقونكم بتيار كهربائي قبل الذبح.

قال: رأيت ذلك.. وهم يعذبوننا بذلك عذابا عظيما.. لم يتفننون في تعذيبنا؟

قلت: هم يزعمون أنهم يرحمونكم.

قال: هم يعذبوننا، فنخرج من الدنيا من غير أن نسمع ذكر الله.. ثم يعذبون أنفسهم بتعذيبنا حيث تبقى دماؤنا الملوثة في أجسامنا ليأكلوها بعد ذلك ممحوقة البركة.

قلت: فاذكر لي من فوائد ذبحكم ما أقنع به قومي.

قال: فوائد ذبحنا كثيرة.. فقطع الودجين أثناء عملية الذبح يؤدي إلى نزف أكبر كمية ممكنة من الدماء في أقل وقت ممكن؛ حيث تنزف الذبيحة ما يقرب من ثلثي كمية الدم الموجودة في جسم الحيوان. ويعتبر التخلص من الدم أمرا بالغ الأهمية حيث إنه يعتبر أفضل وسط لتكاثر الميكروبات والكائنات الدقيقة، علاوة على ما يسببه من تبقع باللحم وإفساد للمظهر.

وفي قطع السباتي، وهو متصل مباشرة بالودجين من الناحية الداخلية، وقطعه يتسبب في عدم وصول الدم إلى المخ وإلى الأطراف الأمامية، ومن ثم إلى سرعة الوفاة وإعاقة مراكز الإحساس بالألم المركزية في المخ بسبب عدم وصول الدم إليها.

ويؤدي قطع القصبة الهوائية بالذبح إلى عدم وصول الهواء إلى الرئة؛ لأن ضغط الهواء داخل الرئة يكون مساويا للضغط الجوي الخارجي، في هذه الأثناء يحاول الحيوان التنفس من الأنف، ولكن الأكسجين أيضا لا يصل إلى الجسم فيساعد ذلك في سرعة الوفاة. ويساعد وضع رقبة الحيوان إلى الخلف في إتمام عملية قطع القصبة الهوائية بإتقان، ويشتمل منع سحب الدماء بواسطة السبابتين فتحدث الوفاة سريعًا وتفقد الذبيحة الوعي خلال ثوان معدودة.

ويؤدي قطع المريء إلى نزول إفرازات المعدة إلى الخارج بدلاً من ارتجاعها إلى القصبة الهوائية عبر المريء كرد فعل طبيعي أثناء الموت في حالة عدم الذبح؛ حيث أن دخولها إلى القصبة الهوائية يؤدي لدخول فضلات الطعام إلى الرئة والتي لا يزال بها بقايا من هواء؛ وهو ما يؤدي إلى نمو البكتيريا في هذا العضو الحساس بعد الوفاة مباشرة.

أما العضلات فتستمر في العمل لعدة ثوان بعد الذبح، وربما دقائق؛ وهو ما يؤدي إلى استمرار دفع الدم من العضلات إلى خارجها عن طريق الانقباضات، ودفعه أيضا خارج الأوعية الدموية الفرعية إلى الأوعية الأساسية ومن ثم إلى الودجين المقطوعين.. وهي تؤدي إلى نقص كمية الدماء الموجودة في العضلات بكميات كبيرة وتقليل الدم؛ الوسط المساعد للنمو البكتيري في الذبيحة.

الأدب:

قلت: فحدثني عن الأدب.

قال: أول أدب تحتاجون إلى تعلمه هو أن تتعاملوا معنا باعتبارنا من مخلوقات الله، فتحترمونا، وتقدرونا حق قدرنا، ولا تتلاعبوا بأرواحنا التي جعل الله بين أيديكم.

قلت: أجل.. إني أقف موقف الحياء منك.. وأنا أرى قومي يتعاملون معكم بتلك العنصرية التي تمتلئ كبرا وظلما.

قال: إنهم لم يسمعوا لأصوات الهدى التي تحذر من عواقب ظلمنا.. لم يسمعوا إلى الرحمة المهداة صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يدعو إلى الرحمة بالكائنات، ومحبتها في الله، وأخذ ما يؤخذ منها باسم الله.

قلت: أجل.. فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم شديدا في هذا الباب.. فقد نهى عن التمثيل بالبهائم، فقال:( لعن الله من يمثل بالبهائم)([126])

ونهى أن صيد الحيوان أو قتله لغير غرض، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا)([127])

قال: بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم علمكم الكيفية المثلى للاستفادة من الحيوان مع عدم إيذائه ما أمكن، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( أتريد أن تميتها موتات، هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)([128])

ومر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل وهو يجر شاة بأذنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( دع أذنها وخذ بسالفتها)والسالفة مقدم العنق.

ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح وتقطع الجلد ولا تفري الأوداج.

وقد اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم ذلك من الإحسان، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)([129])

وقد كان أهل الجاهلية يجبون أسنمة الإبل، وهي حية، ويقطعون أليات الغنم، وكان في ذلك تعذيب لهذه الحيوانات، فحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم وبين مقصودهم، فحرم الانتفاع بهذه الأجزاء، فقال:( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة)

قلت: هذا أدب ذبحكم.. فهل هناك آداب أخرى؟

قال: كثيرة.. قل لقومك يدعونا لمراعي الله.. ولا يطعموننا السموم التي يطعموننا بها، فإنها ستنقلب عليهم.. فمن حفر حفرة لأخيه وقع فيها.

قلت: وهل يطعمونكم سموما؟

قال: من كل ألوان السموم يطعموننا.. وقد نجاني الله فهمت على نفسي في أرض الله، حتى وقعت بين يدي ولي من أولياء الله، فر بدينه، فكان يرعاني ويطعمني طعام السلام.

قلت: فحدثني عن أطعمة الصراع.

قال: عندما تذهب إلى:( أدوية الأرض) سيأتي من يحدثك عن أطعمة الصراع.

الاعتدال:

قلت: فحدثني عن الاعتدال.

قال: لقد سمعت بعض إخوانكم من تلاميذ الماكروبيوتيك ينفرون منا، ويزعمون أننا من أغذية اليانج المتطرفة.

قلت: سمعت بهذا.. ولو أني لم أفهم ما يقصدون.

قال: ستلقاهم في أدوية الأرض ليشرحوا لك مقصودهم.

قلت: فهل هم مصيبون أم مخطئون؟

قال: هم مصيبون ومخطئون.

قلت: كيف ذلك؟

قال: إن أرادوا ما يفعله قومك من التعامل معنا، فهم مصيبون كل الإصابة، وإن أرادوا ما يفعله الصالحون، فهم مخطئون كل الخطأ.

قلت: أفعل واحد يتعاقب عليه الصواب والخطأ؟

قال: إذا أكلونا باسم الله، وباعتدال لا إسراف فيه ولا غلو، فنحن من الطعام المبارك.. ألم يجعلنا الله من أطعمة أهل الجنة اللذيذة، فقال تعالى:{ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} (الطور:22)، وقال تعالى:{ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}(الواقعة:21)

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأننا سادة الطعام، فقال:( سيد طعام أهل الدنيا، وأهل الجنة اللحم)([130])، وقال:( خير الإدام في الدنيا والآخرة اللحم)([131])

 وقد عرف الأولياء فضلنا، فقال علي بن أبي طالب:( كلوا اللحم فإنة يصفي اللون ويخمص البطن، ويحسن الخلق)، وكان يقول:( من تركه أربعين ليلة ساء خلقه)

قلت: وهل يخطئ قومي في التعامل معكم؟

قال: أجل.. لقد أطعمنا الله قضبا([132]) وأبا، فأطعمنا سموما.. فذهب ذلك بعقولنا، ويوشك أن يذهب بعقولكم.

قلت: ما الأب؟

قال: الأب هو فاكهتنا.. ألم تسمع قول ترجمان القرآن: الفاكهة كل ما أكل رطباً، والأب ما أنبت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس، وفي رواية عنه: هو الحشيش للبهائم.

قلت: فهل لك دليل من النص غير ما ذكرت من النقل؟

قال: أجل، فقد قال تعالى بعدها:{ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}(عبس:32).. وإليك دليلا آخر، ألم تسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:( دواء عرق النسا([133]) ألية شاة أعرابية تذاب، ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق فى كل يوم جزء).. ألا تلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عين شاة أعرابية؟

قلت: بلى.. وأنا متعجب من سر هذا التخصيص.

قال: لقد ذكر بعضهم علة ذلك، فقال:( وفى تعيينِ الشاةِ الأعرابيةِ لقِلة فضولِها، وصِغر مقدارِها، ولُطف جوهرها، وخاصيَّة مرعاها لأنها ترعى أعشابَ البَرِّ الحارةَ، كالشِّيحِ، والقَيْصُوم، ونحوهما، وهذه النباتاتُ إذا تغذَّى بها الحيوانُ، صار فى لحمه من طبعِها بعد أن يُلَطِّفَها تغذيةً بها، ويُكسبَها مزاجاً ألطَفَ منها، ولا سيما الألية)

قلت: فهمت هذ.. ولكن هل يخالف قومي هذا؟

قال: ستذهب إلى تلاميذ الماكروبيتويك ليخبروك ما يطعمنا قومك.

قلت: فهم صادقون في هذا إذن.

قال: كل الصدق.. ولا جناح عليكم أن تتبعوهم في هذا.

قلت: أنحرم ما أحل الله؟

قال: إذا صارت لحومنا سموما لم يبق خلاف في حرمتها.. ألا تعرف الجلالة؟

قلت: بلى.. وقد علمت تحريمها.

قال: وفي ذلك دليل على أن الحرمة لها علاقة كبيرة بنوع غذائنا.

قلت: ولكن فقهاء قومي يكتفون بذبحكم على الطريقة الإسلامية.

قال: لا ينبغي أن يكتفوا بذلك.. بل ينبغي أن يذهبوا إلى المراعي.. ليرونا هل نأكل على الطريقة الإسلامية.

قلت: وهل في الأكل طريقة إسلامية؟

قال: أجل.. فقد خلقنا الله نأكل حشيشا لا سموما.

قلت: قد سمعت بعض السلف ينهى عنك..

قال: بلى.. ولكنه لا يحرم ما أحل الله.. وإنما ينهى عن المبالغة فيه.

قلت: هذا صحيح، فمع أن للحم فوائده الصحية، باعتباره مصدرا مهما من مصادر البروتين إلا أنه ينقلب نتيجة الإسراف في تناوله إلى عواقب مضرة بالصحة.. وأعرف من قومي من اعترته الأدواء وفتكت به من أجل قرمه الشديد اللحم.. فهو يأكله كما تأكله الأسود والنمور.

قال: أولئك هم القساة.. فاحذر منهم.. واحذر منهم.. واحذر منهم..

وبقي يرددها إلى أن غاب في الأفق البعيد.


([1])    مسلم، والترمذي، ونص الحديث:« اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا، اللهم! إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه »

([2])    أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه.

([3])    البـزار والطبراني.

([4])   أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية.

([5])    الخطيب.

([6])   البناء الفريد للماء يجعل جزيئاته متماسكة، ومرتبطة بروابط هيدروجينية، ويصبح كل جزيء مرتبطاً بأربعة جزيئات مجاورة، وكل منها بأربعة، وهكذا تبدو جميع الجزيئات مرتبطة ببعض في شبكة فراغية متماسكة، و لولا هذا لكانت درجة غليان الماء (-80م)ودرجة تجمده ( -100 م)ولاستحال وجود الماء على شكل سائل وصلب على سطح الأرض ولاستحالت الحياة.

([7])    مسلم وغيره.

([8])   ابن السني وأبو نعيم في الطب.

([9])   أحمد وأبو داود والحاكم.

([10])   البخاري.

([11])   الترمذي.

([12])   ابن أبي حاتم.

([13])   البخارى.

([14])   مسلم.

([15])   الترمذي.

([16])   عبد الله بن المبارك، والبَيْهَقىُّ، وغيرُهما.

([17])   مسلم.

([18])   ابن السني، والطبراني في الكبير، وروى ابن السني أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يشرب بثلاثة أنفاس يسمي الله في أوله، ويحمد الله في آخره.

([19])   أبو داود والنسائي.

([20])   مسلم وأبو داود.

([21])   إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«  أبدأ بما بدأ الله به » والحديث رواه مسلم.

([22])   ابن ماجه.

([23])   الحاكم، والترمذي، وقال: حسن غريب.

([24])   الطبراني في الكبير عن ابن عباس.

([25])   البخاري ومسلم.

([26])   يعتبر كتاب د. باثمان- المسمى « صيحات جسمك الكثيرة والمتزايدة طلباً للماء » هو مرجع كامل وعلاجي بالماء يشمل التصورات العلمية والمعطيات- خطوة بخطوة- في فائدة شرب الماء صحياً وعلاجياً من علل كثيرة جدا حتى علل الأطفال وإصابات الملاعب “الرياضية”

([27])   والسبب الثاني لذلك هو انخفاض الضغط الجوي، حيث ينخفض هذا الضغط كلما ارتفعنا عن سطح الأرض مما يؤدي لنقص معدل مرور غازات المعدة والأمعاء، التي تدفع الحجاب الحاجز للأعلى فيضغط على الرئتين ويعيق تمددها، وكل ذلك يؤدي لصعوبة في التنفس، وضيق يزداد حرجاً كلما صعد الإنسان عالياً، حتى أنه يحصل نزيف من الأنف أو الفم يؤدي أيضاً للوفاة، انظر: مع الطب في القرآن الكريم، الدكتور عبد الحميد دياب، والدكتور أحمد قرقوز.

([28])  لقد اكتشف قي عام 1779 م أن النبات يتنفس فيأخذ الأكسجين و يطرد ثاني أكسيد الكربون، مثله في ذلك مثل الإنسان و الحيوان، و يصحب تنفس النبات ارتفاح في درجة الحرارة، و يتم التنفس في الليل و النهار، إلا أنه في النهار لا تظهر نتيجة التنفس واضحة بالنسبة لعملية التمثيل الكربوني التي يجريها النبات بسرعة أكثر من عملية التنفس، فيخرج الأكسجين و يمتص ثاني أكسيد الكربون، لذلك قد عرف بأن ارتياد الحدائق يكون نهاراً، و لا يحسن ارتيادها ليلاً حيث يتنفس النبات، و لا يوجد تمثيل كربوني، و بذلك ينطلق ثاني أكسيد الكربون و يأخذ النبات الأوكسجين.

و قد دلت الأبحاث، على أن عملية التمثيل الكربوني، كانت كفيلة وحدها باستهلاك ثاني أكسيد الكربون الموجود في العالم، لو أن الأمر  قد اقتصر عليها، ولكن العليم الخبير قدر ذلك فيجعل الكائنات الحية الأخرى تخرج ثاني أكسيد الكربون. كما أن الأجسام الميتة في تحللها تخرج ثاني أكسيد الكربون وكذلك بعض التفاعلات الأخرى.

وقد قضت حكمة الخالق أن تكون نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو دائماً، من ثلاثة إلى أربعة أجزاء في كل عشرة آلاف جزء هواء، وأن هذه النسبة ينبغي أن تكون ثابتة على الدوام لعمارة العالم، فلم يحدث قط مهما اختلفت عمليات الاستهلاك وعمليات الإنتاج أن اختلفت هذه النسبة.

([29])   عواصف البرق تؤدي إلى اتحاد الأكسجين والنيتروجين في الجو لتكوين أكسيد النتروز الذي ينزل مع الأمطار، فيكون سماداً للتربة.

([30])   أحمد وابن حبان.

([31])  الترمذي والنسائي وابن ماجة.

([32])   ذكر هذه الإشارة الدكتور جميل القدسي الدويك، قال:« وبالفعل عاشت مصر بأكملها، وما حولها من الحضارات سبع سنين كاملة على غذاء متكامل، وافٍ شامل، دون أن يأكلوا أي طعام آخر لأن كل الأطعمة قد انتهت بعد جفاف سبع سنين، فأكلوا بذلك الغذاء الصحي المتكامل ألا وهو القمح الكامل»

([33])   من الفيتامينات التي تم اكتشافها في حبة القمح الكاملة حتى الآن فهي، فيتامين ج، فيتامين هاء (السكسينات)، البيتا كاروتين (فيتامين أ)، والبيوتين، والكولين، وحمض الفوليك، الثيامين (فيتامين ب1)، الريبوفلافين فيتامين ب2)، النياسين (فيتامين ب3)، البانتوثنيك أسيد (فيتامين ب5)، وفيتامين ك.

([34])   الترمذي، وقال: حسن صحيح.

([35])   الترمذي.

([36])   أحمد.

([37])   هو الخبز الحواري، وهو الدرمك.

([38])   أي: بللناه وعجناه.

([39])   البخاري.

([40])   البخاري ومسلم.

([41])   ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح.

([42])   مسلم.

([43])   الطبراني في الأوسط.

([44])   روي أن ابن عباس سئل عن قول اللّه تعالى:) وَفُومِهَا } ما فومها؟ قال: الحنطة. قال ابن عباس: أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول:

قد كنت أغنى الناس شخصاً واحداً    ورد المدينة عن زراعة فوم

وقال ابن جرير، عن ابن عباس في قول اللّه تعالى:) وَفُومِهَا } قال: الفوم الحنطة بلسان بني هاشم، وقال الجوهري: الفوم الحنطة، وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة: أن الفوم كل حب يختبز، قال: وقال بعضهم: هو الحمص لغة شامية، قال البخاري: وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم.

  • (1)       رجعنا للمعلومات العلمية في هذا المطلب إلى كتاب « مع الطب في القرآن الكريم » للدكتور عبد الحميد دياب، والدكتور أحمد قرقوز.

([46])   البخاري ومسلم.

([47])   انظر:  الإعجاز العلمي في الإسلام السنة النبوية: محمد كامل عبد الصمد، والعلوم في القرآن:د: محمد جميل الحبّال د: مقداد مرعي الجواري.

(3)         مسلم.

(4)         مسلم.

([50])   انظر: مجلة الدليل إلى الطب البديل، مقال: مساؤى حليب الابقار، الدكتور فيليب حدثي اختصاصي في التشخيص بحدقة العين والعلاج الطبيعي، وقد ذكر فيه مساوئ وأضرار حليب الأبقار من خلال بحث علمي معمق ومراجع ودراسات.

(5)         أحمد وأبو داود والترمذي.

(5)         ابن عساكر.

([53])   ورد بمقال مهم تحت عنوان: شرب الحليب.. خطر يهدد صحتك! طارق قابيل، نشر بإسلام أون لاين بتاريخ  06/07/2002، أمثلة كثيرة عن أسباب تحول الحليب من بلسم شاف إلى سم ناقع.

([54])   أثبتت دراسة علمية متكاملة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أن جميع أنواع الحليب التي يتم تداولها في الأسواق هناك والتي تخضع  لرقابة صارمة يتواجد بها حوالي 59 نوعا من الهرمونات النشطة، وعدد كبير من المواد المسببة للحساسية، بالإضافة للدهون والكولسترول. كما أكدت التحليلات أن الحليب يحتوي على كميات ضارة من مبيدات الأعشاب، والمبيدات الحشرية والمواد السامة (2.200 مرة أعلى من المستوى الآمن)، وحوالي 52 مضادًّا حيويًّا قويًّا، ودم وقيح وغائط وبكتيريا وفيروسات.

وأكدت دراسة أخرى أجريت على 78 ألف مريض على مدى 12 سنة أن الدول الأكثر استهلاكا لمنتجات الألبان لديها نسب أعلى أيضًا من مرضى هشاشة العظام، وحذرت الدراسة من أخطار تناول منتجات الألبان الشهيرة التي يفضلها الكبار والصغار؛ فالقضمة الواحدة لقطعة من الجبن تحمل مخاطر عشرة رشفات من الحليب؛ لأنه عادة ما يستخدم عشرة جرامات من الحليب لعمل جرام واحد من الجبن، وقضمة الآيس كريم خطرها يتجاوز خطر الحليب بحوالي 12 مرة، أما الزبد فقد يصل خطره إلى 21 مرة ضعف الحليب. انظر: المقال السابق.

([55])   إن العسل لكي يحدث تأثيره الشافي يحتاج إلى مرور بعض الوقت، وقد يختلف مقدار هذا الوقت من مرض إلى آخر ويتضح هذا المعنى من تردد أخ المريض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشتكيا من أن أخاه لا يزال يعاني من مرضه وتأكيد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالاستمرار في سقي أخيه العسل قائلاً: كذب بطن أخيك- وصدق الله العظيم- فيه شفاء للناس.

([56])  انظر: قبسات من الطب النبوي باختصار.

([57])   وقد عرف عند العرب منذ زمن بعيد وأصبح للبن الرائب عدة أسماء عربية مثل اللبن الزبادي أو الحاذر أو الحامض والخبيط، وورد ذكره في أسفار العرب وفي أحاديثهم، والأسماء التي وردت في لغتهم له أكبر دليل على معرفتهم. وكذلك الأطباء العرب تحدثوا عنه وعن فوائده العلاجية والغذائية، ومما قالوا فيه: ان اللبن الرائب ليس فيه من الحدة التي كانت في اللبن ولذا فإنه ينفع المعدة الملتهبة لأنه أبرد بينما يضر المعدة الباردة.

([58])   أجريت بعض الدراسات في انجلترا على اللبن الزبادي وقد صرَّح العلماء بقولهم: إن الزبادي يعد مصدراً رائعاً للفيتامينات والمعادن والبروتينات ولذلك فهو مفيد جداً للذين يخضعون لنظام غذائي صارم “الرجيم” كما يفيد تناول الزبادي بعد العلاج بالمضادات الحيوية، حيث إن المضاد الحيوي يقتل جميع البكتريا الموجودة بالجسم، سواء الضارة أو المفيدة، ولذا فتناول الزبادي يعوض المعدة عما تفقده من بكتريا مما يساعد في هضم الأغذية عموماً.

وقد ثبت أن البكتريا المفيدة للمعدة توجد في الزبادي، وهي بكتريا حامض اللاكتيل التي تساعد على تخليق بعض الفيتامينات وتخليق البروتين للوصول للاحماض الامينية مما يساعد على هضم الطعام، بما تفرزه من انزيمات فضلاً على استطاعة البكتريا الموجودة في الزبادي من تطهير المعدة وقتل الطفيلات.

([59])   الموصلي وابن أبي حاتم، والعقيلي وابن عدي وابن السنى وأبو نعيم في الطب وابن مردويه عن علي، قال المناوي في الفيض (2/95)فالحديث في سنده ضعف وانقطاع.

([60])   البخاري.

([61])   الطبراني في الكبير.

([62])   البخاري.

([63])   الطبراني في الكبير.

([64])   من المراجع: كتاب: التداوي بالنبات و الطب النبوي، تأليف الدكتور عبد الباسط محمد السيد أستاذ مادة الجراثيم والمكروبات في الجامعات المصرية.

ندوة للدكتور عبد الباسط السيد على قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود بتاريخ 04/12/2002 تم إعادة صياغتها بتصرف.

موقع شركة تمور المملكة على شبكة الإنترنت.

([65])   البخاري ومسلم.

([66])   أبو داود والترمذي.

([67])   انظر:  أبحاث المهندس الزراعي اجود الحراكي ـ حضارة الإسلام ـ السنة 18 العدد 7، والإسلام و الطب الحديث: للدكتور عبد العزيز باشا إسماعيل، وحوار مع صديقي الملحد للدكتور مصطفى محمود.

([68])   البخاري ومسلم.

([69])   ابن عدي والحاكم والعقيلي والبخاري في تاريخه.

([70])   قال ابن الأثير: وأنواع تمر المدينة كثيرة استقصيناها فبلغت مائة وبضعاً وثلاثين نوعاً.

([71])   أبو داود.

([72])   الترمذي.

([73])   قال الزمخشري: الدقل تمر رديء لا يتلاصق فإذا نثر تفرق وانفردت كل تمرة عن أختها.

([74])   ابن ماجة والحاكم.

([75])   الباء في الحديث بمعنى: مع، أي: كلوا هذا مع هذا.

([76])   رواه البزار في  مسنده.

([77])   الطبراني في الأوسط والحاكم وأبو نعيم في الطب.

([78])   أبو داود وابن ماجة.

([79])   الحاكم.

([80])   ابن السني.

([81])   الترمذي وقال حديث غريب. وأخرجه أحمد والحاكم.

([82])   أبو نعيم في الطب.

([83])   ابن السني.

([84])   الطبراني في الكبير وأبو نعيم.

([85])   الطبراني في الأوسط.

([86])   أشارت الأبحاث المختلفة في مجال علاقة الغذاء المستهلك للشعوب وأمراض القلب أن غذاء حوض البحر المتوسط له علاقة وطيدة بالحد من ارتفاع الكولسترول ومن الإصابة بأمراض القلب وأرجع الباحثون هذه المعلومة أو النتائج الإيجابية إلى ارتفاع استهلاك زيت الزيتون في غذاء هذه البقعة من العالم.

([87])   البخاري ومسلم.

([88])   قال المبرد والزجاج: كل شجر لا يقوم على ساق، وإنما يمتد على وجه الأرض فهو يقطين، نحو الدباء والحنظل والبطيخ، قال الزجاج: أحسب اشتقاقها من قطن بالمكان إذا أقام به وهذا الشجر ورقة كله على وجه الأرض فلذلك قيل له اليقطين، وروي الفراء أنه قيل عند ابن عباس هو ورق القرع، فقال: ومن جعل القرع من بين الشجر يقطينا كل ورقة اتسعت وسترت فهي يقطين.

ويدخل في اليقطين كل شجر لا يقوم على ساق، كالبطيخ والقثاء والخيار.

([89])   البخاري ومسلم.

([90])   الديلمي عن الحسن بن علي.

([91])   الغيلانيات.

([92])   كتاب الأربعين العلمية، عبد الحميد محمود طهماز.

([93])   البخاري ومسلم.

([94])   أبو داود والبيهقي.

([95])   أحمد والترمذي وابن حبان.

([96])   الخطيب.

([97])   الديلمي.

([98])   جرت أبحاث عديدة في مصر علي الثوم انتهت بقيام إحدي الشركات بإنتاج أقراص مأخوذة من الثوم، وهي مخففة للكوليستيرول في الدم ومنشطة للدورة الدموية، ولها أيضا تأثير علاجي مضاد للبكتريا في الجهاز البولي، هي بديل عصري لتناول الثوم دون التأفف من رائحته.

([99])   أبو داود.

([100])   بتحليل الكراث وجد أن المائة غرام منه يحتوي على:نسبة عالية من الأملاح المعدنية والفيتامينات ففيه 90% من وزنه ماء، وبه 1 غرام بروتين، وحوالي 5 غرامات سكر، وكثير من الأملاح المفيدة للجسم.

([101])   قال فيه الطب القديم: السلق حار يابس في الأولى، وقيل  رطب فيها، وقيل  مركب منهما، وفيه برودة ملطفة، وتحليل. وتفتيح، وفي الأسود منه قبض ونفع من داء الثعلب، والكلف، والحزاز، والثآليل إذا طلي بمائه، ويقتل القمل، ويطلى به القوباء مع العسل، ويفتح سدد الكبد والطحال، وأسوده يعقل البطن، ولا سيما مع العدس، وهما رديئان. والأبيض  يلين مع العدس، ويحقن بمائه للإسهال، وينفع من القولنج مع المري والتوابل، وهو قليل الغذاء، رديء الكيموس، يحرق الدم، ويصلحه الخل والخردل، والإكثار منه يولد القبض والنفخ.

([102])   الترمذي وأبو داود، قال الترمذي  حديث حسن غريب.

([103])   أبو نعيم وهو مرسل ضعيف.

([104])   قال عنه الطب القديم: والسفرجل بارد يابس، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه، وكله بارد قابض، جيد للمعدة، والحلو منه أقل برودة ويبساً، وأميل إلى الإعتدال، والحامض أشد قبضاً ويبساً وبرودة، وكله يسكن العطس والقئ، ويدر البول، ويعقل الطبع، وينفع من قرحة الأمعاء، ونفث الدم، والهيضة، وينفع من الغثيان، ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في فعلها.

وهو قبل الطعام يقبض، وبعده يلين الطبع، ويسرع بانحدار الثفل، والإكثار منه مضر بالعصب، مولد للقولنج، ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة.

وإن شوي كان أقل لخشونته، وأخف، وإذا قور وسطه، ونزع حبه، وجعل فيه العسل، وطين جرمه بالعجين، وأودع الرماد الحار، نفع نفعاً حسناً.

وأجود ما أكل مشوياً أو مطبوخاً بالعسل، وحبه ينفع من خشونة الحلق، وقصبة الرئة، وكثير من الأمراض، ودهنه يمنع العرق، ويقوي المعدة، والمربى منه يقوي المعدة والكبد، ويشد القلب، ويطيب النفس.

([105])   النسائي.

([106])   البخاري ومسلم.

([107])   ابن السني وابو نعيم والديلمي.

([108])   ابن السني وأبو نعيم والديلمي – عن أبي ذر.

([109])   مسلم.

([110])   ابن عدي وابن عساكر ، وقال ابن عدي: هذا حديث باطل.

([111])   أبو الحسن علي بن الفرج الصقلي في فوائده، وفي سنده مجاهيل.

([112])   محاضرة للدكتور عبد الباسط محمد السيد على قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود 4/12/2002م.

([113])   نشر في مجلة (عالم الغذاء)عدد (3)بتاريخ ( سبتمبر 1998م -جمادى الأولى1419هـ)

([114])   وقد روي هذا عن ابن عباس، انظر: تفسير الطبري (27/104)، وقد روي في الحديث خلاف هذا القول فعن عُتْبة بن عبد السلمي ال: كنت جالسًا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله، أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكًا منها؟ يعني: الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:« إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خُصْوَة التيس الملبود، فيها سبعون لونًا من الطعام، لا يشبه لون آخر » انظر: البعث لابن أبي داود برقم (69)ورواه الطبراني في مسند الشاميين برقم (492)وعنه أبو نعيم في الحلية (6/103)عن أبي زرعة عن أبي مسهر عن يحيى بن حمزة به، وقال الهيثمي في المجمع (10/414): رجاله رجال الصحيح.

([115])   البخاري ومسلم.

([116])   مسلم.

([117])   أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم.

([118])    الحاكم وقال: صحيح الإسناد.

([119])   الدارقطني ومالك.

([120])   أحمد وابن ماجة وابن حبان والبيهقي.

([121])   أحمد وأبو داو والنسائي والحاكم.

([122])   ابن عساكر.

([123])   هو الدكتور محمد نبيل الشريف، وهو أستاذ في جامعة دمشق، انظر: الطب الإسلامي للدكتور عبد الرحمن العوضي، والذبح الإسلامي علم وتعاليم أم شعائر وطقوس؟ د. مصطفى حلمي.

([124])   الدكتور فايز الحكيم، مجاز من هيئة البورد الأميركية بالباثولوجيا التشريحية والسريرية.

([125])   تلبيس إبليس.

([126])   أحمد والطبراني في الكبير.

([127])   أحمد والترمذي والنسائي.

([128])   الطبراني والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.

([129])   مسلم.

([130])   ابن ماجه.

([131])   ابن ماجه. 

([132])   القضب الوارد في قوله تعالى:) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً}(عبس:27 ـ 28)هو ـ كما قال ذلك ابن عباس ـ الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة، ويقال لها القت أيضاً.

([133])   عِرْقُ النَّسَاء: وجعٌ يبتدىءُ مِن مَفْصِل الوَرِك، وينزل مِن خلفٍ على الفخذ، وربما على الكعب، وكلما طالت مدتُه، زاد نزولُه، وتُهزَلُ معه الرجلُ والفَخِذُ.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *