تاسعا ـ الدواء

تاسعا ـ  الدواء

في اليوم التاسع.. كانت المحاضرات عن الطب والتداوي.. وقدم المحاضرون محاضراتهم التي غلب عليها الجانب البياني والفقهي، ثم تلاها صديقي الطبيب بالحديث عن ضرورة التداوي، وأنواع الأدوية، ومنافعها ومضارها.

وكان صديقي الطبيب ـ على حسب ما تعرفت عليه ـ من جمعية تحذر من مخاطر الإسراف في العلاج الحديث لعدم مناسبته الجسم.. ولذلك لم يكن منبهرا انبهارا شديد بمنجزات العلم.. بل كان يخاف كثيرا من منجزاته التي قد يستغلها من يسميهم باللوبي الطبي.. وربما كانت هذه الآراء مما قد يقربه من الأديان.. ولكنه كان شديد النفور منها، وقد أخبرني عن سر ذلك في الأيام التي جلست فيها معه.

لقد ذكر لي بكل حزن تلك الفترة من شبابه التي حن فيها قلبه للملأ الأعلى، واشتاقت روحه لمعرفة أسرار الأكوان.. وحينذاك دله بعض الناس على الكتاب المقدس، فحمله إلى بيته، وفي قلبه أشواق عظيمة.. وفتح الكتاب المقدس على سفر اللاويين.. وراح يقرأ:(وعلى المصاب بداء البرص أن يشق ثيابه ويكشف رأسه ويغطي شاربيه، وينادي: (نجس! نجس!). ويظل طول فترة مرضه نجسا يقيم وحده خارج المخيم معزولا) (سفر الللاويين: 13: 45)

أصيب بدهشة عظيمة لهذا النص.. فهو يعرف داء البرص، ويعرف ما ينبغي أن يعالج به، ولم يكن يتصور أن يكون الإله قاسيا على المرضى بهذه الدرجة..

اتهم نفسه، وسوء فهمه.. وواصل القراءة:(يأتي صاحب البيت ويخبر الكاهن أن داء البرص قد يكون متفشيا بالبيت، فيأمر الكاهن بإخلاء البيت قبل أن يدخل إليه لئلا يتنجس كل ما في البيت، ثم يدخل الكاهن البيت ليفحصه. فإذا عاين الإصابة ووجد أن في حيطان البيت نقرا لونها ضارب إلى الخضرة أو إلى الحمرة، وبدا منظرها غائرا في الحيطان، يغادر الكاهن البيت ويغلق بابه سبعة أيام. فإذا رجع في اليوم السابع وفحصه، ووجد أن الإصابة قد امتدت في حيطان البيت، يأمر الكاهن بقلع الحجارة المصابة وطرحها خارج المدينة في مكان نجس، وتكشط حيطان البيت الداخلية، ويطرحون التراب المكشوط خارج المدينة في مكان نجس} (اللاويين: 14: 35)

حين قرأ هذا النص نظر إلى الكتاب المقدس نظرة قاسية، ثم أغلقه، ثم لم يفتحه من ذلك الحين..

بالإضافة إلى ذلك، فقد أتيحت له فرصة ليرى حياة الرهبان، ويقرأ سير أسلافهم، وكان مما ذكره لي مما قرأه عنهم من كتاب (ليكى) عن (تاريخ أخلاق أوروبا) قوله:(ظل تعذيب الجسم مثلاً كاملاً فى الدين والأخلاق إلى قرنين، وروى المؤرخون من ذلك عجائب. فحدثوا عن الراهب ما كاريوس (Macarius) أنه نام ستة أشهر فى مستنقع، ليقرص جمسه العارى ذباب سام، وكان يحمل دائماً نحو قنطار من حديد، وكان صاحبه الراهب ((يوسيبيس) (Eusebius) يحمل نحو قنطارين من الحديد، وقد أقام ثلاثة أعوام فى بئر  نزح، وقد عبد الراهب يوحنا (St. John) ثلاث سنين قائماً على رجل واحدة، ولم ينم ولم يقعد طوال هذه المدة، فإذا تعب جداً أسند ظهره إلى الصخرة، وكان بعض الرهبان لا يكتسون دائماً، وإنما يتسترون بشعرهم الطويل، ويمشون على أيديهم  وأرجلهم كالأنعام، وكان أكثرهم يسكنون فى مغارات السباع والآبار النازحة، والمقابر، ويأكل كثير منهم الكلأ والحشيش، وكانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح، ويتأثمون من غسيل الأعضاء)

وقد ذكر لي أنه من ذلك الحين نفرت نفسه من الدين ومن الأديان.

وقد زاد نفوره من الدين ما كانت تنقله القنوات الإعلامية عن المسلمين، وما كانوا يصابون به من أمراض هي نتيجة اعتقادات جاهلة يعتقدونها.

لقد رأى بعينيه ما نقلته وسائل الإعلام عن رجل من المسلمين يزعم أنه من الرقاة يضرب مريضا ضربا قاسيا، بدعوى أن به مسا من الجن، وأن ذلك الجن لن يعالجه إلا الضرب الشديد.

ثم تبين بعد ذلك أن المريض المسكين لم يكن مصابا لا بجن، ولا بغير جن، وإنما هي حالة نفسية كانت تستدعي لطفا في المعاملة، ورفعا للمعنويات أكثر مما تستدعي تلك القسوة التي عامله بها الراقي الجاهل.

وكان يرى ما تنقله هذه الوسائل من انتشار الأوبئة بين المسلمين نتيجة إهمالهم للنظافة ولأبسط قواعد الصحة والوقاية.

لقد تولدت من كل هذا قناعة لديه بأن الإسلام هو عبارة عن مجموعة خرافات لا تؤذي العقول فقط، بل تؤذي معها الأجساد، فتملأها بالضعف والمرض.

لقد ذكر لي كل هذا.. ونحن في طريقنا في ذلك المساء إلى (مستشفى السلام) ([1])، وهو المستشفى الذي طلب مني علي ـ عبر صديقه حذيفة ـ أن نزوره ذلك المساء صحبة رفاقي من العلماء.

لقد بهرنا منظر المستشفى، لقد كان روضة غناء، كتب على بابه بحروف من نور قوله تعالى:{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (الشعراء:80)

في المدخل لاقانا علي.. لقد عرفته بمجرد أن رأيته.

قال لنا: هنا في هذا المستشفى الذي سميناه مستشفى السلام، ننطلق من تعلميات الإسلام، ومن نصوصه المقدسة من القرآن والسنة..

لقد حاولنا أن يمثل هذا المستشفى الإسلام خير تمثيل..

ابتسم صاحبي الطبيب، وقال: أنتم إذن هنا تقتلون الجن، وتقيمون حفلات الزار، وتسقون المرضى ما تبصقون فيه من الطعام، وما تنفخون فيه من الشراب.

ابتسم علي، وقال: هنا في هذا المستشفى نبين هدي الإسلام، ونقضي على الخرافات التي ارتبطت به.. وكل ما ذكرته أباطيل ما لها في الإسلام من محل.. ولئن صبرت علي، لتجولت بك وبأصحابك من العلماء في أقسام هذا المستشفى لترى بنفسك الهدي الحقيقي للإسلام.. لا الهدي الذي أنشأه الجهلة ليزاحموا به هدي الإسلام.

فرح الجميع بهذه الإجابة، فقد كانت لهم من الشبهات ما كان لهذا الطبيب، وقد كانوا جميعا يودون أن يروا حقيقتها.

الطبيب: نحن معك.. ولم نأت هنا إلا لنرى هذا المستشفى.. ونسمع إلى الطريقة التي يعالج بها.

علي: فهيا بنا لنزوره قسما قسما.

العلاج الروحي

كان أول قسم بدا لنا من المستشفى أطلق عليه (العلاج الروحي)، ما إن رآه صاحبنا الطبيب حتى قال: هذا هو القسم الذي يضرب فيه الجن، وتحيا فيه حفلات الزار.

علي: اصبر.. لا ينبغي لعالم أن يحكم على شيء قبل أن يراه.

الطبيب: ولكني رأيت هذا في وسائل الإعلام.

علي: لا ينبغي للعالم أن يأخذ مواقفه من وسائل الإعلام، فأنت تعلم أنها تزين ما يحلو لها أن تزينه، وتشوه ما يحلو لها أن تشوهه.. هي لا تعرض الحقائق، وإنما تعرض ما تريده من الحقائق.

إن هذا القسم هو أول قسم في هذا المستشفى.. وهو أول ما يدخل إليه المرضى من الأقسام..

لقد سميتموه الطب النفسي، ونحن هنا نسميه الطب الروحي، وفيه نبدأ بملأ المرضى بالمعاني الروحية التي قد تقضي على ما يملأ نفوسهم بالوهن والآلام التي ينشرها الألم في أجسادهم.

وأول ما نبدأ به هو تعميق الإيمان بالله في قلوبهم.. فتمتلئ محبة له وأنسا به، فينشغلون بالحب المقدس عن الآلام التي تتدنس بها أجسادهم، وقد استوحينا ذلك من قوله تعالى وهو يحكي ما حصل للنسوة عند رؤية يوسف u:{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ((يوسف: 31)

إن هذا العلاج يقضي على معظم الأمراض التي يأتي أصحابها إلى هذا المستشفى، وخاصة المرضى الذين امتلأت نفوسهم بالهم القاتل، نتيجة استعصاء الداء على سائر أنواع العلاج.

الطبيب: هذا صحيح.. لقد أثبت العلم الحديث جدوى هذا النوع من العلاج.. وكمثال على ذلك.. فقد تم إجراء تجربة استخدام العلاج بشد الانتباه برؤية مناظر خلابة من الطبيعة وسماع شريط يحتوي على أصوات رائعة من الطبيعة في التخفيف من الآلام أثناء عملية منظار الشعب الهوائية، وذلك بالإضافة للعلاج  المعتاد. وقورنت هذه المجموعة من المرضى بمجموعة أخرى ضابطة لم تتلق العلاج الإضافي  بجذب الانتباه (تغيير التركيز الإدراكي). 

وخلص هذا البحث الذي تم عمله في المستشفى التعليمي (جون هوبكينز) في بالتيمور أن العلاج بشد الانتباه مع العلاج التقليدي أدى إلى تقليص الشعور بالألم بصورة ذات دلالة إحصائية، وأوصى البحث بأن يقوم الأطباء باستخدام الإجراءات الطبيعية بالإضافة إلى  المسكنات المعتادة.

كما نشر موقع ٍٍ[BBC ٍِِ] على شبكة الإنترنت  هذا البحث تحت عنوان [العودة إلى الطبيعة لتخفيف الألم ]وقد ذيل هذا بقول الطبيب جيل هانكوك:(نحن نقوم بتعليم مرضانا الاسترخاء باستخدام المشاهد المناظر الخلابة والموسيقى الرائعة، وهذا جزء أساسي في عملنا حيث أنه ثبت أن المناظر الخلابة تؤدي إلى إزالة التوتر النفسي والبدني  اللذين يسببان الألم)

وقد عرف سر تأثير شد الانتباه في التخفيف من الإحساس بالألم، وذلك باستخدام الإشعاعات الوظيفية للمخ، تلك التي تظهر الارتواء الدماغي والتمثيل الغذائي للخلايا العصبية ثبت أنه أثناء استخدام جذب الانتباه يحدث انخفاض في مستوى نشاط أماكن معينة في المخ، تلك الأماكن التي يتم فيها استقبال الإحساس بالألم مثل منطقة المهاد،القشرة الحسية والتلفيف الحزامي.

علي: ليس ذلك فقط.. بل إن النصوص المقدسة دلتنا على الكثير مما يمكن أن ينشغل به القلب عن الداء.. فالله تعالى يقول:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (البقرة:155)، ثم بين سر صبرهم، أو أعطاهم وصفة لصبرهم، فقال:{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } (البقرة:156)

فشعور المريض برجوعه إلى الله الطبيب، وشعوره بأن داءه مجرد اختبار من الله، وأنه إن صبر على بلاء الله عوضه الله من العافية ما لا يحلم به الأصحاء، يجعله ممتلئا بمعان نفسية عالية لا يستطيع أي مرشد نفسي أن يملأه بها.

لقد فصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من أنواع الأجور التي ينالها الصابرون الذي ابتليت أجسادهم بالآلام، فقال:(يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض) ([2])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ما من مسلم يصاب بشيء في جسده فيصبر إلا رفعه الله به درجة، وحط عنه به خطيئة) ([3])

الطبيب: إن هذه النصوص تكاد تمجد الأمراض، بل تكاد تدعو الناس إلى التعرض لأسبابها لينالوا أجورها.

علي: لا.. أنت لم تفهم هذه النصوص.. إن هذه النصوص وردت ضمن منظومة كاملة تشمل علاجا متكاملا.. ولا يصح أن نضرب بعض المنظومة ببعضها، أو نضرب بعض الأدوية ببعضها.

ألستم في الطب تعطون أدوية لعلاج أمراض معينة، ثم تعطون معها أدوية أخرى لتحتاطوا من تأثير الأدوية التي أعطيتموها؟

الطبيب: أجل.. نحن نفعل ذلك.. ولهذا تجدنا كثيرا ما نعطي أدوية تحمي المعدة من تأثير الأدوية التي لا تتناسب معها.

علي: فهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فللمرض تأثيره النفسي على المريض.. هذا التأثير يجعله حزينا متألما يائسا.. وربما منعه المرض من خير كثير، وخاصة إن امتد به المرض وطال.

ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن المرض هو مجرد حالة أصابت بعض الجسم، ولا ينبغي أن تسري لسائر الجسم، ولا ينبغي لها أن تسري إلى الروح.. بل إن أرواح الصالحين لا تفرق بين نعيم الله وبلائه، فهي في سكينة دائمة وراحة مستمرة..

لقد ورد في السنة ما يدل على هذه اللذة التي يجدها الراضي، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن اللّه بحكمته وجلاله جعل الروح([4]) والفرح في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط) ([5])

قد ينكر بعض الناس هذا أيضا، ويعتبره من الأحلام الكاذبة، ولكن الحقيقة التي يعج بها الواقع تنص على أن أكثر ما يعطى للناس من أدوية، أو من سموم، هو عبارة عن مهدئات ومسكنات ومخدرات لا تزيد طين الأمراض إلا بلة.

الطبيب: كل ما تذكره من هذا صحيح، وقد مررت بتجربة استنتجت منها ما ذكرته([6])..

لقد درست ـ عندما كنت أتعلم الطب ـ أحد المبادىء المادية الأساسية التي تفسر ما يحدث من تغيرات داخل الجسم عندما يصيبها عطب أو تلف، تفسيراً مادياً صرفاً، كما فحصت قطاعات مجهرية لهذه الأنسجة، وتبينت أن الظروف المناسبة تعينها على أن تلتئم بسرعة وتتقدم نحو الشفاء، وعندما اشتغلت جراحاً في أحد المستشفيات بعد ذلك، كنت أستخدم المبدأ السابق استخداما يتسم بالثقة فيه والاطمئنان إليه، ولم يكن علىّ إلا أن أهيئ الظروف المادية والطبية المناسبة، ثم أدع الجرح يلتئم، وكلي ثقة بالنتيجة المرتقبة.

علي: للأسف.. هذه المعرفة هي التي يؤمن بها أكثر الأطباء، ويكتفون بها.

الطبيب: لكني لم ألبث غير قليل حتى اكتشفت أنني قد فاتني أن أُضِّمن علاجي وأفكاري الطبية أهم العناصر وأبعدها أثراً في إتمام الشفاء.

عندما كنت أعمل جراحاً في أحد المستشفيات، جاءتني ذات يوم جدة  جاوزت السبعين تشكو من شدخ في عظام ردفها، وبعد أن وضعت فترة تحت العلاج أدركت من فحص سلسلة الصور التي أخذت لها على فترات تحت الأشعة أنها تتقدم بسرعة عجيبة نحو الشفاء، ولم تمض أيام قليلة حتى تقدمت إليها مهنئاً بما تم لها من شفاء نادر عجيب، عندئذ استطاعت السيدة أن تتحرك فوق المقعد ذي العجلات،  ثم سارت وحدها متوكئة على عصاها، وقررنا أن تخرج تلك السيدة في مدى أربع وعشرين ساعة وتذهب إلى بيتها، فلم يعد بها حاجة إلى البقاء في المستشفى.

وكان صباح اليوم التالي هو الأحد، وقد عادتها ابنتها في زيارة الأحد المعتادة حيث أخبرتها أنها تستطيع أن تأخذها والدتها في الصباح إلى المنزل لأنها تستطيع الآن أن تسير متوكئة على عصاها.

ولم تذكر لي ابتنها شيئاً مما جال في خاطرها، ولكنها انتحت بأمها جانباً وأخبرتها أنها قد قررت بالاتفاق مع زوجها أن يأخذا الأم إلى أحد ملاجيء العجزة لأنهما لا يستطيعان أن يأخذاها إلى المنزل.

ولم تكد تنقضي بضع ساعات على ذلك حتى استدعيت على عجل لإسعاف السيدة العجوز، ويا لهول ما رأيت.. لقد كانت المرأة تحتضر، ولم تمض ساعات  قليلة حتى أسلمت الروح.

إنها لم تمت من كسر في عظام ردفها، ولكنها ماتت من انكسار في قلبها، لقد حاولت دون جدوى أن أقدم لها أقصى ما يمكن من وسائل الإسعاف، وضاعت كل الجهود سدى.

لقد شفيت من مرضها بسهولة، ولكن قلبها الكسير لم يمكن شفاؤه برغم ما كانت قد تناولته في أثناء العلاج من الفيتامينات والعقاقير المقوية وما تهيأ لها من أسباب الراحة، ومن الاحتياجات التي كانت تتخذ لتعينها على المرض وتعجل لها الشفاء .. لقد التأمت عظامها المكسورة التئاماً تاماً ومع ذلك فإنها ماتت.

لقد اكتشفت حينها أن أهم عامل في شفائها لم يكن الفيتامينات ولا العقاقير ولا التئام العظام، ولكنه كان الأمل، وعندما ضاع الأمل تعذر الشفاء.

علي: فما نواحي الأمل التي غابت عن ذهن هذه العجوز في تصورك كطبيب؟

الطبيب: لقد أثرت هذه الحاثة في نفسي تأثيراً عميقاً، وقلت في نفسي: لو أن هذه السيدة وجدت من الدعم الروحي والإيمان ما حدث لها ما حدث..

علي: لقد وصلت إذن إلى ضرورة الإيمان للشفاء والعافية والسعادة.

الطبيب: أجل.. لقد أيقنت أن العلاج الحقيقي لابد أن يشمل الروح والجسم معاً وفي وقت واحد.

علي: أهذه قناعتك وحدك؟.. أم ترى من زملائك من اقتنع بهذه القانعة؟

الطبيب: الواقع أن النتيجة التي وصلت إليها تتفق كل الاتفاق مع النظرية الطبية الحديثة عن أهمية العنصر السيكولوجي في العلاج الحديث، فقد دلت الإحصائيات الدقيقة على أن 80% من المرضى بشتى الأمراض في جميع المدن الأمريكية الكبرى ترجع أمراضهم إلى حد كبير إلى مسببات نفسية، ونصف هذه النسبة من الأشخاص الذين ليس لديهم مرض عضوي في أية صورة من الصور.. وليس معنى ذلك أن هذه الأمراض مجرد أوهام خيالية حقيقة، وليست أسبابها خيالية ولكنها موجودة فعلاً، ويمكن الوصول إليها عندما يستخدم الطبيب المعالج بصيرته بها.

علي: ولكن الطب مع ذلك لم يفلح في أن يجد ما يملأ روح الإنسان بالسكينة والأمل.. إن هذه السكينة والأمل لا توجد إلا في الحقائق الكبرى التي تعرف الإنسان بحقيقته ووظيفته وامتداده.

إنها الحقائق التي تعرفه بأنه مجرد عابر في الأرض، وأن رحلته فيها لن تمتد إلا أمدا محدودا ليعود بعدها إلى ربه..

إن هذه الحقائق لن تجدها إلا في القرآن كلام الله..

اسمع لهذه الآية، وانظر تأثيرها في نفس أي متألم فقيرا كان أو مريضا، أو مستضعفا، يقول الله تعالى:{ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} (الشعراء:25 ـ 207)، أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأمهلناهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر اللّه، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم.

أو قوله تعالى:{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغ((الاحقاف: 35)، أو قوله تعالى:{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا((النازعـات:46)

أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت خيراً قط؟ هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا واللّه يا رب) ([7])، فلحظة واحدة في الجنة تنسي أشد الناس بؤسا في الدنيا كل ما عاناه فيها.

إن هذه المعاني إذا امتلأ بها المتألم رفعت عنه البلاء وملأته بالعافية..

لقد ذكر الله تعالى هذه القوة التي وفرها الإيمان في نفوس السحرة، فلم يأبهوا لتهديد فرعون، فقال تعالى على لسانهم:{ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا((طـه:72)

ولهذا يعبر تعالى عن عذاب الآخرة وبلائها بكونه:{ أَشَدُّ وَأَبْقَى((طـه: 127)، ليملأ القلوب المتألمة بالأنس بانتهاء عذابها المحدود.

بل إن في كلمة الاسترجاع ـ التي أشار إليه قوله تعالى:{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ((البقرة:156) ـ قوة عظيمة لا يطيق أي دواء أن يملأ بها الروح.

فهذه الكلمة تحمل دلالة عظيمة على محدودية البلاء، فالمؤمن المبتلى سيرجع إلى ربه، وستنتهي برجوعه كل أصناف البلايا.

إنها تصور المبتلى بصورة سجين سجن أياما معدودة.. وكان آمر السجن رحيما، فكان يرسل له كل يوم من يملؤه بالبشر، ويقول له:(إن هي إلا أيام وتعود إلى أهلك ومالك) ألا يستبشر هذا المسجود ويستأنس؟

الطبيب: بلى..

علي: فالله تعالى المبتلي لم يرسل لنا من يؤنسنا بذلك، بل هو الذي ملأنا بالأنس، فأخبرنا برجوعنا إليه ليمسح عنا كل دمعة، ويبرئ لنا كل جرح.

ولهذا يخاطبنا الله ليمسح عنا كل الآلام، وليقول لنا:{ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى((الضحى:4)، فهذه الآية تبشر الكل.. تبشر كل من يسمع من الله.. بأن الآخرة التي تنتظرهم آخرة جميلة.. ليس فيها مرض ولا حزن ولا أسف.

سكت علي قليلا، ثم قال: إن هذا الذي ذكرته مجرد وصفة واحدة من الأدوية التي وصفها القرآن الكريم، وبين لنا كيفية استعمالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولو بحثت في كل الأرض، فلن تجد أدوية تشابهها.. لأن هذه الأدوية تعتمد على الحقائق، والحقائق لا تجدها إلا عند الله.

الطبيب: ربما أعود إلى هذا القسم لأسمع تفاصيل كثيرة على ما ذكرت، ولكني الآن أرغب في أن تبين لي سر تلك الشعوذة التي تجعل من بعضكم يتصور المرضى المساكين مجانين قد سكنتهم العفاريت، فهو لذلك يتلاعب بهم، ويتلاعب بصحتهم.

علي: تلك بدعة ورثها بعض قومنا من قومكم.. ليس في ديننا بمصادره جميعا ما يدل على شيء من ذلك..

ها هو القرآن الكريم أمامك.. إنه يتحدث عن كل شيء.. حتى عن الوضوء وقضاء الحاجة، ومع ذلك يخلو من الحديث عن هذه البدع.

الطبيب: ولكنه يقول:{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } (البقرة: 275) ففي هذه الآية تصريح بأن الشيطان يتخبط الإنسان من المس.

علي: في أي سياق وردت الآية.. إن آيات القرآن الكريم.. ككل كلام لا ينبغي أن يفصل عن سياقه؟

الطبيب: لقد وردت في سياق تحريم الربا، تشبه المرابين بهذه الصورة:{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ((البقرة:275)

علي: وهل ذكر القرآن الكريم الدخول.. أم ذكر المس؟

الطبيب: بل ذكر المس.

علي: فهل المس في لغة القرآن الكريم ولغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم يعني الدخول؟

الطبيب: لا.. ولكنه قد يعنيه على سبيل المجاز.

علي: الأصل في اللغة الظاهر لا المجاز.. وقد ورد هذا اللفظ مرتبطا بالشيطان في غير موضع من القرآن الكريم، فقد قال تعالى عن حال المتقين إذا تعرضوا لمس الشياطين:{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ((لأعراف:201)، فلم لم يقل الله تعالى:(إذا مسهم طائف من الشيطان ذهبوا إلى الرقاة ليخرجوه منهم)

بل قد ذكر الله تعالى أيوب u وهو نبي كريم، والأنبياء يستحيل أن يصابوا بمثل هذه الأدواء، فقال:{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ((صّ:41).. فقد ذكر أن الشيطان مسه..

الطبيب: فبم تفسر الآية التي يتعلق بها رقاتكم إذن؟

علي: ذلك شيء بسيط.. سأضرب لك مثالا لتوضيحه.. الأطباء يتحدثون عن (الحساسية).. فما تعني؟

الطبيب: بعض الناس لا يطيقون أشياء معينة، فتصيبهم لأجل ذلك علل قد لا تصيب سائر الناس.

علي: مثل ماذا؟

الطبيب: لعل أقرب مثال لذلك القطط.. فمع أنها من الطوافين علينا والطوافات([8])، إلا أن بعض الناس تصيبهم بالحساسية.

علي: أي أنهم يصيبهم التخبط كلما رأوا القطط.

الطبيب: ليست الرؤية وحدها.. هناك أشياء أخرى فقد أوردت وكالات الأنباء أن فريقا من الباحثين الفرنسيين نجح فى عزل الجين المسئول عن الحساسية التى تسببها القطط المنزلية لأصحابها..

ولكن الباحثين في الولايات المتحدة يسعون أن ينجزوا في المستقبل مشروعا للتكييف الجيني يهدف إلى إنتاج قطط خالية مما يثير الحساسية عند البعض ممن يواجهون مشاكل باقترابهم من القطط.

وقد تدخلت الشركات في هذه البحوث، حيث أن شركة ترانسجينيك بيتس، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية تعتزم بيع هذا النوع  الجديد من القطط بأسعار تصل إلى ألف دولار للقط.

علي: قل لي: كيف تؤثر القطط في الحساسية التي تصيب هؤلاء.. هل تدخل في هؤلاء الممسوسين بها؟

الطبيب: لا.. بل هي بما فيها من روائح تسبب لهم تلك النوبات.

علي: فهل السبب منهم أم من القطط؟

الطبيب: منهم.. بدليل أن القطط من الطوافين علينا والطوافات، ومع ذلك لا يصيبنا منها شيء.

علي: فإذا أراد المريض أن يتجنب ما تثيره القطط فيه من حساسية ماذا يفعل؟

الطبيب: هناك حلان: إما أن يجتنبها تماما، وإما أن يستعمل من الأدوية ما يخفف أو يزيل تأثيرها عنه.. ولكن ما علاقة هذا الذي تتحدث عنه بالمس الشيطاني.

علي: في بعض الناس أمراض عضوية، لا شك أنك تعرفها.. وهذه الأمراض تجعل لهم حساسية تجاه وساوس معينة.. كأن يخوفوا مثلا خوفا شديدا.. فإن ذلك الخوف يتسبب لهم في حصول هذه النوبات.

فهذا الذي يصرع لأجل الخوف لو لاقاه أي مخلوق وخوفه، ألا تصيبه نوبة الصرع؟

الطبيب: أجل.. فهو لا يختلف عن الحساسية.. يظهر بظهور السبب، ويختفي باختفائه.. ولكن ما دور الشيطان في هذا؟

علي: لقد أخبرتنا النصوص أن الشيطان خبير ماهر بطبيعة من يوسوس له.. فإذا علم من قرينه هذا.. راح يوسوس له بالمخاوف إلى أن يتخبطه من المس، كما قال تعالى:{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ((آل عمران:175)

الطبيب: فأنت تفسر المس بالتخويف.

علي: التخويف بعض المس.. فمن الناس من لا يخاف.. ولكن يغضب، فيأتيه الشيطان.. وينفخ فيه من الوساوس ما يملؤه غضبا.. لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في هذا:(إنما الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ([9])

ولهذا سن لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في هذه الحال، فعَنْ حذيفة قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم:(إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عَنْه ما يجد، لو قال أعوذ باللَّه مِنْ الشيطان الرجيم ذهب عَنْه ما يجد) ([10]).

فالشيطان يوسوس لكل الناس، كما أن القطط تخالط جميع الناس، ولكن بعض الناس لهم استعدادات معينة كالحساسية والصرع، فيصيبهما ما يصيب.

الطبيب: فأنت تقر أن للشيطان دورا.

علي: صحيح.. وما كان لي أن أخالف القرآن الكريم.. ولكن: أجبني إن حصلت الوساوس من الإنسان بأن كان هو المتسبب في التخويف أو الغضب، فلماذا ننسب الصرع حينها للشيطان؟

الطبيب: ولكن القرآن الكريم ذكر الشيطان.

علي: ولكن القرآن الكريم لم يقصر الشيطان على إبليس، بل قال:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ((الأنعام: 112)، وأمرنا بالاستعاذة منهم جميعا، فقال:{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ((الناس:1)إلى قوله تعالى:{ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ((الناس:6)

الطبيب: فما العلاج الذي تصفه الشريعة بدل ذلك العلاج الذي يصفه المشعوذون؟

علي: علاجان: أحدهما لأهل الله يملؤون قلب الخائف طمأنينة، وغضبه سكينة، وهو ما نعالج به في هذا القسم.. وأما الثاني، فهو للأطباء يستأصلون مكامن الداء.. هو نفس علاجكم لوساوس القطط.. ألستم تعزلونها، أو تحاولون استنساخ السليم منها، أو تعالجون العليل بالمراهم، لا بأمر القطط بالخروج.

الطبيب: وعيت قولك هذا.. ولكني لا أزال أتعجب مما يفعله المسلمون من هذا.. وكيف تاهوا عن الحقيقة؟

علي: هم لم يتيهوا.. ولكن للمطامع والتقليد تأثيرهما الكبير في انتشار مثل هذا.. ولو أن هؤلاء اكتفوا بما في القرآن الكريم وفي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما وقعوا فيما وقعوا فيه.

العلاج الوقائي

سرنا إلى القاعة الثانية، وهي القاعة المخصصة للعلاج الوقائي، فقال علي: في هذه القاعة نقوم بتصحيح الأخطاء الكثيرة التي يقع فيها المرضى، والتي تتسبب في الأمراض التي يقعون فيها.

ولهذه القاعة بالإضافة إلى استقبالها المرضى فرع إعلامي ينشر الوعي الصحي في المجتمع، وينشر معها مبادئ الوقاية التي جاء بها قرآننا وهدي نبينا.

ابتسم الطبيب، وقال: أنا لا أزال أتحير في علاقة الدين بالطب.

علي: ولم تتحير؟

الطبيب: أنا أرى أن الطب للمعامل، والدين للمساجد والكنائس.

علي: عندما تنحرف الأديان عن أدوراها تخاطب أجزاء الإنسان لا الإنسان، ولكنها عندما تعي ما أنيط بها من دور تخاطب الإنسان ككل، وهكذا فعل الإسلام، فقد استوى أمره لنا بعبادة الله بأمرنا بحفظ أجسادنا وقوانا.. لأنا لا نستطيع أن نعبد الله بأجسام مهزولة.

الطبيب: فعلام يعتمد الطب الوقائي الذي تعلمونه في هذا المستشفى؟

علي: على أربعة أركان لا تتم الوقاية إلا بها.

الاستقامة:

الطبيب: فما أولها؟

علي: الاستقامة.. فليس على الجسد ما هو أخطر عليه من انحراف صاحبه.. فالانحراف هو الفيروس الذي لا يفطن له الأطباء.

الطبيب: فهل فطن له نبيكم؟

علي: أجل.. ولذلك نصحنا، وبالغ في نصحنا، ولم يترك محلا من الخير لأجسادنا وأرواحنا إلا وصفه لنا.

الطبيب: فما قال لكم في هذا الباب؟

علي: لقد قال مرة يخطابنا عبر أصحابه:(يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) ([11])، فقد ربط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث بين الانحراف الجنسي، وانتشار الأمراض، وذلك دليل على أن من علل تحريم الانحراف الجنسي الحفاظ على الصحة.

الطبيب: لقد نصحكم نبيكم غاية النصح.. فليس هناك من سبب لكثير من الأمراض غير ذلك الانحراف.

لقد ظهرت بسبب هذا النوع من الانحراف الأوبئة الكثيرة التي لم تكن معهودة من قبل، وكانت الفاحشة هي السبب الأول لظهورها وانتشارها.

فأول ظهور لمرض الزهري (السفليس) الخطير كان في عام 1494 م أثناء الحرب الإيطالية الفرنسية عندما انتشر في الجنود خاصة الزنا، وسماه الإيطاليون (الداء الفرنسي) وكذلك فعل الإنجليز والألمان والنمساويون لأنه انتشر بينهم بواسطة الجنود الفرنسيين، أما الفرنسيون فقد أسموه الداء الإيطالي.

وفي العصور الحديثة ظهر مرض الهربس كوباء وهو مرض جنسي واسع الانتشار، ويبلغ معدل الإصابة به السنوية في الولايات المتحدة نصف مليون حالة.

وفي عام 1979 م ولأول مرة ظهر داء خطير جديد هو مرض فقدان المناعة المكتسب في الولايات المتحدة والمعروف باسم الإيدز، وانتشر بسرعة رهيبة في الشاذين جنسيا.

وتتحدث المراجع الطبية عن الأمراض الجنسية باعتبارها أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم.. ولقد تم التغلب على كثير من الأمراض المعدية، ورغم ذلك ظهرت الأمراض الجنسية بصورة وبائية مفزعة وخطيرة.

ويقول مرجع مرك الطبي:(إن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم، ويزداد في كل عام عدد المصابين بها، وذلك منذ عقدين من الزمن تقريبا، وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد الذين يصابون بالسيلان بأكثر من 250 مليون شخص سنويا.. كما تقدر عدد المصابين بالزهري بـ 50 مليون شخص سنويا.. ويقدر مركز أتلانتا لمكافحة الأمراض المعدية في ولاية جورجيا بالولايات المتحدة عدد المصابين بالسيلان في الولايات المتحدة بـ 3 ملايين شخص سنويا وعدد المصابين بالزهر بـ 400 ألف شخص سنويا)

علي: ولهذا تشدد الإسلام في هذا الباب، فحرم الانحراف الجنسي بجميع أنواعه([12])، بل اعتبره من أخطر المحرمات، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهومؤمن) ([13])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا تحل له) ([14]

ولم يكتف الشرع بتحريمه، بل حرم كل السبل المؤدية إليه، والتي يشير إليها قوله تعالى:{ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (الاسراء:32)، فلم تقل الآية الكريمة:لا تزنوا، بل قالت: لا تقربوا، ليحرم كل المقدمات المؤدية إليه.

الطبيب: صدق نبيكم، فلا يمكن أن يحرم مثل هذا النوع من الانحراف دون أن تحرم كل المقدمات المؤدية إليه.

علي: هذا نوع فقط من الانحرافات التي نهتنا نصوصنا المقدسة عنها بكل شدة، بل وضعت في قلوبنا من الردع ما لا تستطيع جيوش الدنيا أن تفعله.

الطبيب: صدقت في هذا.. فنحن نرى بلاد المسلمين مع ما فيها من انحرافات أفضل دول العالم من ناحية المحافظة على أعراضها، وقلة الفواحش بينها.

علي: هذا مع تخليهم عن كثير من هدي نبيهم ودينهم، ولو أنهم عاشوه كما طلب منهم لرأيت عجبا ينقضي دونه العجب.

الطبيب: فاذكر لي غير هذا.

علي: لقد حرم الإسلام الخمر، وتشدد في تحريمها، ولا شك في معرفتك بالأمراض الخطيرة التي تتسبب فيها.

الطبيب: أجل.. وقد نصحكم نبيكم غاية النصح([15]).

علي: وقد حرم الإسلام كل ما تفنن البشر فيه في هذا العصر من الدخان والمخدرات وغيرها حتى لو كان من المآكل والمشارب ما دام يحمل ضررا على الصحة، فالقاعدة في هذا ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا ضرر ولا ضرار)

الطبيب: فهل هناك غير هذا؟

علي: أجل.. وهو أول ما نبدأ به في هذا القسم من علاج.

الطبيب: فما ذاك؟

علي: الأمراض التي تمتلئ بها القلوب.. فلا ينهك البدن مثل أمراض القلوب، ولهذا ترى القرآن الكريم كثيرا ما يحدثنا عن هذا النوع من الأمراض الخطيرة:

فقد اعتبر ما يحدث في القلب من ظنون سيئة وأفكار رديئة مرضا، بل مرضا خطيرا، فقال تعالى:{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}(البقرة:10)

وهذا المرض أخطر بكثير من مرض الأجساد، لأن مرض القلب مرض للروح، ومرض الروح يمتد ليشمل كل وسائل الإدراك، قال تعالى:{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة:7)

فإذا شغل وسائل الإدراك وملأها ظلمة لم يجد معه أي علاج، فلهذا لا تنفعهم رقى القرآن الكريم التي ينتفع بها جميع الناس، قال تعالى:{ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}(التوبة:125)

الطبيب: صدق كتابكم.. فلا يضر الصحة مثل الوساوس التي تمتلئ بها القلوب، ولو زرت عياداتنا لوجدت أن أكثر من يأتينا موسوسون امتلأوا بالمخاوف، فسقتهم المخاوف من الأدواء ما عجزت عنه جميع جراثيم الدنيا.

سكت قليلا، ثم قال: أنت ترى الأمراض العصبية والنفسية تنتشر في عصرنا انتشارا شديدا متفاقما، أتدري ما أسباب ذلك؟

ثم قال: إن من الأسباب الرئيسية لهذه الأمراض الشعور بالإثم والخطيئة والحقد والقلق والكبت والتردد والشك والغيرة والأثرة والسأم.. ومما يؤسف له أن كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي قد ينجحون في تقصي أسباب الاضطراب النفسي الذي يسبب المرض، ولكنهم يفشلون في معالجة هذه الاضطرابات لأنهم لا يلجأون في علاجها إلى بث الإيمان بالله في نفوس هؤلاء المرضى.

علي: لم تكتف النصوص بذكر المرض، بل راحت تذكر أنواعها، والتفاصيل المرتبطة بعلاج كل نوع.. ولهذا فإنه يمكنك أن تستخرج صيدلية كاملة من تلك الوصفات.

الطبيب: فاذكر لي من نماذجها ما يرشدني إلى سائرها.

علي: لعل من أبرز نماذجها الحسد، وقد قال في صلى الله عليه وآله وسلم محذرا منه:( دب فيكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضة هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين، والذي نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا} ([16])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب} ([17])

الطبيب: صدق نبيكم، وهو يأكل الصحة والعافية كما تأكل النار الحطب([18])، فالحسد يؤدي إلى ظهور انفعالات نفسية عصبية كما تضطرب عنده الغدد الصماء، فيعتل جسمه ويذوب.

فالحاسد دوماً في ضيق وقلق، وهذا يصحبه الأرق، ومع استمرار الأرق يحس بالإعياء والتعب ويفقد شهيته للطعام ويتناقص وزنه ثم تظهر عنده أعراض عصبية مزعجة، كالصداع والطنين في الأذنين تمنع عنه الراحة والهدوء، وقد تظهر آلام خناقية في صدره، وكلما احتدمت نزوات حسده زاد الألم وتكررت نوباته مما يعرضه للإصابة بالذبحة الصدرية.

والحسد يهيء للإصابة بقرحة المعدة التي ثبت أنها تنشأ من الانفعالات أكثر مما تنشأ عن خطأ في التغذية، وقد يؤدي لارتفاع الضغط الدموي، والذي يتناسب ارتفاعه مع زيادة الانفعالات ويعظم خطره. ونحن نعلم أن أطباء القلب يوصون المرضى بالهدوء والراحة وترك الهواجس، ونبذ انشغال الفكر بالغير والبعد ما أمكن عن الانفعالات النفسية.

وقد يسبب الحسد مرض السوداء [ المانخوليا ] عند الحاسد وحبه للوحدة والعزلة غير ما يؤدي إليه من ارتباك العقل وعدم القدرة على التركيز، وكم سبب الحسد عند صاحبه من عقد نفسية وتركت عنده أمراضاً لا يمحى أثرها.

الطهارة:

الطبيب: عرفت الركن الأول من أركان الوقاية، فما الركن الثاني؟

علي: الطهارة.. فلا يوجد دين في الدنيا يحرص على الطهارة كما يحرص عليها الإسلام، ولا يوجد في الأرض من هو أحرص على الطهارة من المسلمين.

فقد أخبر الله تعالى عن حب المؤمنين للطهارة، وحب الله للمتطهرين، فقال تعالى:{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}(التوبة:108)

ولهذا أمر الله نبيه إبراهيم u أن يطهر بيته، لأن البيت المتنجس لا يصلح لعبادة الله، فقال تعالى:{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(الحج:26)

وأخبر عن الآثار النفسية التي تحدثها الطهارة، فقال:{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}(لأنفال:11)

ولم تكتف الشريعة بمصادرها المختلفة بالحض على النظافة، وأنواع التطهر، وإنما شرعت لذلك الشرائع المختلفة، بل ربطتها بالنواحي التعبدية، بل جعلتها مفاتيح لأنواع التعبدات.

ولهذا نجد فقه الطهارة أول ما يتعلمه طالب الشريعة، فهو أول الأبواب الفقهية، بل نجد الحض على التطهر وتشريعاته منصوصا عليه في القرآن الكريم، مع أن عادة القرآن الكريم في كثير من القضايا الإجمال لا التفصيل:

فالله تعالى ينهى عن المعاشرة الجنسية للحائض، ويعلل ذلك بالأذى الذي يتنافى مع الطهارة، قال تعالى:{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هو أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ((البقرة: 222)

الطبيب: صدق كتباكم فيما نهاكم عنه، فقد أثبت العلم الحديث الأذى الذي يلحق كلا من الرجل والمرأة عند المعاشرة الجنسية حال الحيض ([19]).

فالغشاء المبطن للرحم يقذف أثناء الحيض، وبفحص دم الحيض تحت المجهر نجد بالإضافة إلى كرات الدم الحمراء والبيضاء قطعاً من الغشاء المبطن للرحم. ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك. فهو معرض للعدوى البكتيرية.

و تقل مقاومة الرحم للميكروبات الغازية، ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهما على الرحم.. وتكون مقاومة المهبل لغزو البكتيريا في أدنى مستواها أثناء الحيض.. إذ يقل إفراز المهبل الحامض الذي يقتل الميكروبات، ويصبح الإفراز أقل حموضة إن لم يكن قلوي التفاعل..

كما تقل المواد المطهرة الموجودة بالمهبل أثناء الحيض إلى أدنى مستوى لها.. ليس ذلك فحسب ولكن جدار المهبل الذي يتألف من عدة طبقات يقل أثناء الحيض إلى أدنى مستوى لها.

وبالإضافة إلى هذا تزيد شراسة الميكروبات أثناء الحيض في دم الحيض وخاصة ميكروبات السيلان، وتنتقل الميكروبات من قناة الرحم إلى مجرى البول البروستات والمثانة.

والتهاب البروستات سرعان ما يزمن لكثرة قنواتها الضيقة الملتفة والتي نادراً ما يتمكن الدواء ـ بكمية كافية ـ من قتل الميكروبات المختفية في تلافيفها..فإذا ما أزمن التهاب البروستاتا فإن الميكروبات سرعان ما تغزوا بقية الجهاز البولي التناسلي فتنتقل إلى الحالبين ثم إلى الكلى.. وهو العذاب المستمر..حتى نهاية الأجل..

وقد ينتقل الميكروب من البروستاتا إلى الحويصلات المنوية فالحبل المنوي فالبربخ فالخصيتين.. وقد يسبب ذلك  عقماً بسبب انسداد قناة المني.

وتصاب الغدد بالتغير فتقل أفرازاتها، ويبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل.      

ولا يقتصر الأذى على الحائض بل  ينتقل الأذى إلى الرجل أيضاً.

علي: والله تعالى يذكر في القرآن الكريم كيفية التطهر التي يفعلها المسلم خمس مرات في اليوم، قال تعالى:{  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ((المائدة: 6)، وقد اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم الطهارة مفتاحا أساسيا للصلاة لا تصح إلا به، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(مفتاح الصلاة الطهور) ([20])، فلا تحل الصلاة بلا طهارة.

وبالإضافة إلى هذا النوع من الطهارة الذي يختص ببعض الأعضاء وردت النصوص المقدسة تحث على الطهارة العامة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام: يغسل رأسه وجسده} ([21])

بل إن الله تعالى شرع الغسل في المناسبات المختلفة، فزيادة على غسل الجنابة المنصوص عليه في قوله تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا }(المائدة: 6)، وغسل الحائض والنفساء المنصوص عليه في قوله تعالى:{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هو  أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222)، فقد ورد في السنة الأمر بالغسل يوم الجمعة، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من أتى الجمعة فليغتسل} ([22])  

الطبيب: لقد أكد العلم الحديث ما ذكرت مبينا آثار الغسل الوقائية في جسم الإنسان، فتراكم المفرزات العرقية والدهنية، وما ينضم إليها من الغبار والأوساخ والملوثات المهنية يؤدي إلي سد المسام الجلدية مما يعيق وظائفه([23]) ويضر بالبدن ضرراً بالغاً.

زيادة على ذلك، فإن تعرض الجلد نفسه للإتهابات الجرثومية والفطرية وانبعاث الروائح الكريهة منه، تلك الرائحة التي لا يمكن إخفاؤها بالتأنق والزينة وإنما بالنظافة التامة التي يحفظها الاغتسال المتكرر، والتي تضمن رونق الجلد ورائحته الطبيعية.

علي: ومما ورد في النصوص من أنواع الطهارة ما تسميه النصوص خصال الفطرة، ومنها ما ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:(الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط) ([24])، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم:(عشر من الفطرة: قص الشارب واستنشاق الماء والسواك وإعفاء اللحية ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقص الأظافر وغسل البراجم)، قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة) ([25])

وهي تعني تطهير كل ما تستدعيه الفطرة السليمة من إزالة قاذورات معينة في الجسم، يستقذرها الطبع السليم.

الطبيب: فما الاستحداد؟

علي: هو حلق العانة([26])، وقد وردت النصوص بالحث على التطهر بهذا النوع من الطهارة، واعتباره من سنن الفطرة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من الفطرة حلق العانة([27]) وتقليم الأظافر وقص الشارب) ([28])

الطبيب: صدق نبيكم ونصحكم، فالعانة منطقة كثيرة التعرق، والاحتكاك ببعضها البعض، فإذا لم يحلق شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق والدهن، وإذا ما تلوثت بمفرغات البدن صعب تنظيفها حينئذ، وقد يمتد التلوث إلى ما يجاورها فتزداد وتتوسع مساحة النجاسة، ومن ثم يؤدي تراكمها إلى تخمرها فتنتن، وتصدر عنها روائح كريهة جداً، وقد تمنع صحة الصلاة إن لم تنظف وتقلع عنها النجاسات.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن في حلق شعر العانة وقاية من الإصابة بعدد من الأمراض الطفيلية المؤذية: كقمل العانة الذي يتعلق بجذور الأشعار ويصعب حينئذ القضاء عليها.. كما يخفف الحلق من إمكانية الإصابة بالفطور المغبنية.

علي: ولهذا كله سنت الشريعة حلق العانة، كلما طالت تأميناً لنظافتها المستمرة، ولأنها من أكثر مناطق الجسم تعرضاً للتلوث والمرض([29]).

الطبيب: ألم تذكر في خصال الفطرة (نتف الإبط)؟

علي: أجل.. هكذا عبر نبينا عن حلق الشعر الموجود بالإبط، لأن الإبط محل للتعرق الذي تنتج عنه الروائح الكريهة.

الطبيب: لقد اختار نبيكم أحسن طريقة لإزالة هذا النوع من الشعر.. لأن النتف يضعف إفراز الغدد العرقية والدهنية، فنمو الأشعار تحت الإبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غدد عرقية خاصة تفرز مواد ذات رائحة خاصة إذا تراكمت معها الأوساخ والغبار أزنخت وأصبح لها رائحة كريهة، ولا يخفف تلك الرائحة إلا النتف.

بالإضافة إلى ذلك، فإن نتف الإبط أو حلقه يخفف من الإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب تلك المنطقة كالمذح والسعفات الفطرية والتهابات الغدد العرقية (عروسة الإبط) والتهاب الأجربة الشعرية وغيرها،  كما يقي من الإصابة بالحشرات المتطفلة على الأشعار كقمل العانة.

علي: ومن خصال الفطرة قص الشارب، فقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قص الشارب معتبرا ذلك من سنن الفطرة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من الفطرة قص الشارب) ([30])

الطبيب: صدق نبيكم،ونصحكم غاية النصح، فإن الشوارب إذا طالت لوثت بالطعام والشراب ويصبح منظرها مدعاة للسخرية، وقد تكون سبباً في نقل الجراثيم.

علي: ولكن لم لم يأت الأمر بحلق الشارب؟.. هل ترى مصلحة في ذلك؟

الطبيب: أجل.. لأن في الشوارب مصلحة للجسد، فالشارب خلق للرجل المهيأ للعمل في الأجواء المختلفة، ذلك أنه يحميه من آثارها السيئة، فهو يصفي الهواء الداخل عبر الأنف إلى الرئتين، وهو بذلك أنفع وأسلم.

علي: ومن خصال الفطرة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إعفاء اللحية، فقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى إعفاء اللحية  وعدم حلقها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( احفوا الشارب وأعفوا  اللحى) ([31])

الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح، فلهذا الأمر حكم صحية جليلة ترجع إلى ما يقتضيه عمل من كثر تعرضه لأشعة الشمس والرياح الباردة والحارة والتي تؤثر سلبياً على الألياف المرنة والكلاجين الموجودين في جلد الوجه، ويؤدي تخربهما شيئاً فشيئاً إلى ظهور التجاعيد والشيخوخة المبكرة.

ولهذا خلق الله اللحية في وجه الرجل للتخفيف من تأثير هذه العوامل، ولم يخلقها للمرأة لأنه خلقها للعمل في البيت بعيداً عن تأثير الأشعة الشمسية وتقلبات الرياح([32]).

علي: ومن خصال الفطرة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقليم([33]) الأظافر.

الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح([34])، فالأصل في الأظافر أنها تحمي نهايات الأصابع وتزيد صلابتها وكفاءتها وحسن أدائها عند الاحتكاك أو الملامسة، هذا إذا كان طولها طبيعيا.. أما إذا زادت، فإن الجزء الزائد من الظفر والخارج عن طرف الأنملة لا قيمة له، ووجوده ضار من نواح عدة:

منها تكون الجيوب الظفرية بين تلك الزوائد ونهاية الأنامل، والتي تتجمع فيها الأوساخ والجراثيم وغيرها من مسببات العدوى كبيوض الطفيليات، وخاصة من فضلات البراز والتي يصعب تنظيفها، فتتعفن وتصدر روائح كريهة، ويمكن أن تكون مصدراً للعدوى للأمراض التي تنتقل عن طريق الفم كالديدان المعدية والزحار والتهاب الأمعاء، خاصة وأن النساء هن اللواتي يحضرن الطعام، ويمكن أن يلوثنه بما يحملن من عوامل ممرضة تحت مخالبهن الظفرية.

ومنها أن الزوائد (المخالب) الظفرية نفسها كثيراً ما تحدث أذى بسبب أطرافها الحادة قد تلحق الشخص نفسه أو الآخرين، وأهمها إحداث قرحات في العين والجروح في الجلد أثناء الحركة العنيفة للأطراف خاصة أثناء الشجار وغيره.

كما أن هذه الزوائد قد تكون سبباً في إعاقة الحركة الطبيعية الحرة للأصابع، وكلما زاد طولها كان تأثيرها على كفاءة أصابع اليد أشد، حيث نلاحظ إعاقة الملامسة بأطراف الأنامل وإعاقة حركة انقباض الأصابع بسبب الأظافر الطويلة جداً، والتي تلامس الكف قبل انتهاء عملية الانقباض، وكذا تقييد الحركات الطبيعية للإمساك والقبض وسواها.

بالإضافة إلى هذا، فإن هناك آفات تلحق الأظافر نفسها بسبب إطالتها، منها تقصفها بسبب كثرة اصطدامها بالأجسام الصلبة أو احتراقها، ذلك أن طولها الزائد يصعب معه التقدير والتحكم في البعد بينها وبين مصادر النار، كما أن تواتر الصدمات التي تتعرض لها الأظافر الطويلة تنجم عنها إصابات ظفرية غير مباشرة كخلخلة الأظافر أو تضخمها لتصبح مشابهة للمخالب أو زيادة تسمكها أو حدوث أخاديد مستعرضة فيها أو ما يسمى بداء الأظافر البيضاء.

ويضاف إلى ذلك أن الأظافر الطويلة لا يمكن أن نعقم ما تحتها ولابد أن تعلق بها الجراثيم مهما تكرر غسلها، لذا توصي كتب الجراحة أن يعتني الجراحون والممرضات بقص أظافرهم دوماً لكي لا تنتقل الجراثيم إلى جروح العمليات التي يجرونها وتلوثها.

علي: ويستوي في هذه السنة عندنا الرجال والنساء.. ولذلك نحن هنا نحذر النساء من مخالفة هذه السنة هربا نحو الزينة والجمال.

الطبيب: الزينة والجمال لا تتناقضان مع الصحة والعافية، فأي زينة لأظافر هي خزان للقاذورات والأوساخ، وأي زينة لأظافر هي أذى لكل من يلامسها، وأي زينة لأظافر مهددة في كل حين بالانكسار، أو بالجيوب المؤذية.

علي: ومن خصال الفطرة التي وردت بها النصوص الختان.

الطبيب: أي ختان تقصد؟

علي: ليس في ديننا إلا ختان الذكور.

الطبيب: أما هذا النوع من الختان، فلا شك في دوره الكبير في حفظ الصحة، فقد أثبتت الدراسات من وجوه المصالح المعتبرة في الختان ما يبين قيمة هذه الخصلة العظيمة([35]):

فالختان يقي من الالتهابات الموضعية في القضيب.. فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها، إذ تتجمع فيه مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرز سطح القلفة الداخلي من مادة بيضاء ثخينة تدعى اللخن وبقايا البول والخلايا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة أو التهاب الحشفة والقلفة الحاد أو المزمن([36]).

وهو يقي من الإصابة بالتهاب المجاري البولية، إذ ثبت في عديد من الدراسات الطبية أن التهابات الجهاز البولي في الذكور، صغاراً وكباراً، تزداد نسبتها زيادة ملحوظة في غير المختونين، وأن عدوى الأمراض المنقولة جنسياً كالزهري والسيلان وعلى الخصوص مرض الإيدز تكون في غير المختونين أكبر بكثير منها في المختونين.

سكت الطبيب قليلا، وكأنه يسترجع تلك الصور التي تبثها وسائل الإعلام عن ختان الإناث، فقال: لقد ذكرت أنه ليس في دينكم إلا ختان الذكور.

علي: أجل.. وهذا ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خصال الفطرة.

الطبيب: ولكني أرى من المسلمين من لا يكتفون بختان الذكور، بل يقومون بختان الإناث، ويتسببون لذلك بأذى بالغ بهن.

علي: القول في هؤلاء مثلما قلنا في الرقاة المشعوذين وحفلات الزار.. وقد أقر المحدثون بعدم وجود حديث في هذا الباب يصح الاستدلال به، فقد قال ابن المنذر:(ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع) ([37])، وقال الإمام الشوكاني:(ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به، فهو لا حجة فيه على المطلوب) ([38])، وقال الشيخ سيد سابق:(أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء) ([39]

الطبيب: ولكن كيف انتشر هذا بين المسلمين؟

علي: هذه سنة من سنن الجاهلية ورثها المسلمون من الفراعنة القدماء.

الطبيب: الفراعنة القدماء؟! 

علي: أجل.. فقد كانت عادة الخفاض الفرعوني عند الفراعنة القدماء، وبالأخص في عصر رمسيس قبل الميلاد بأكثر من ألف سنة، ودخلت على السودان من طريق الفتوحات الفرعونية على بلاد النوبة، كما أن ملوك بلاد النوبة قد استولوا على مصر، فانتشرت عادة الخفاض الفرعونى في وادي النيل.

ولذلك هو يمارس الآن في السودان والصومال وكينيا وأجزاء من أندونيسيا، ولا يمارس في سائر البلاد الإسلامية، ولو كان سنة صحيحة لحرص عليها كما حرص على كثير من السنن.

الطبيب: فهل هناك شيء غير هذا مما جاء في دينكم عن التوقي بالطهارة؟

علي: أجل.. وهو ما فرط فيه هذا العصر حرصا على العمران، ولو على حساب الإنسان؟

الطبيب: ما تقصد؟

 علي: لم يكتف الإسلام بطهارة الإنسان، بل أمر بطهارة كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ومأوى وغذاء..

الطبيب: أفي دينكم الحديث عن كل هذا؟

علي: أجل.. وهي ليست مجرد توجيهات ومواعظ فقط، بل ترتبط بها أحكام تشريعية تحرص على تطبيقها.

الطبيب: فاضرب لي أمثلة على ذلك.

علي: أولها وأخطرها الماء، فقد أو لى القرآن الكريم أهمية كبيرة للماء، فقد ورد ذكره فيه 49 مرة، وامتن الله به على عباده ذاكرا وجوه الحكم في خلقه، ولكن كل هذه المنافع مقيدة بوصف الطهر، قال تعالى:{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً}(الفرقان: 48، 49) 

وفي ذلك إشارة إلى أن منافعه تقتضي وجود طهوريته، فإن سلبها تحول من دور الإحياء الذي نص عليه قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}(الانبياء: 30) إلى دور الإماتة.

وقد وردت النصوص التشريعية المقررة لهذا، بالحض على الحفاظ على طهارة الماء، فقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن البول في الماء الراكد، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد) ([40])

الطبيب: صدق نبيكم في هذا، ونصحكم غاية النصح، فالماء الراكد يعتبر جوا ملائما لنمو الكثير من البكتريا كالكوليرا والسالمونيلا والشيجلا والليبتوسبايرا وغيرها.

زيادة على أن كثيرا من الديدان كالزحار الأميبي والديدان المستديرة والبلهارسيا تحتاج لإكمال دورة حياتها خارج جسم الإنسان، ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الديدان وسرعة تكاثرها وانتشارها.

علي: ومن ذلك النهي عن النفخ في الشراب، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه) ([41])

الطبيب: صدق نبيكم في هذا، فنفخ الرذاذ وزفره يؤدي إلى انتقال كثير من الأمراض المعدية كالانفلونزا والقوباء وشلل الأطفال والنكاف والحصبة الألمانية والرشاح والتهابات الحلق والعنجز والسل وغيرها من الأمراض، وخاصة الفيروسية ولذلك فإنه ينصح  بعدم النفخ والتنفس في آنية الأكل والشرب.

علي: ويقاس على هذا تحريم كل ما يمكن أن يتسبب في الإضرار بطهورية الماء، لأن الله تعالى عندما امتن علينا بطهارته، طلب منا أن نحافظ على هذه الطهارة، فالحفاظ على النعمة واجب، ولذلك لا شك في حرمة كل ما يسبب تلوث المياه مما يمارسه أهل عصرنا من صناعات.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله تعالى:{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41)

الطبيب: هذه طهارة الماء، فما طهارة الهواء؟

علي: بالإضافة إلى ما نهانا عنه ديننا من الإفساد في الأرض، والذي يعني النهي عن التلوث بجميع معانيه، فقد ورد النهي عن النهي عن الهواء القريب المحيط بالإنسان، والذي قد ينقل العدوى لغيره، فقد كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم إذا عطس أن يغطي وجهه بيديه أو بثوبه ويغض بها صوته([42])، فهذا من حفظ الهواء من تلويث العطاس.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر المتثائب أن يكتم تثاؤبه، أو يضع يده على، وكان يقول:(إذا تثاءب أحدكم في الصلاة، فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل) ([43])، ويقول:(العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه) ([44])، فهذا من حفظ الجسم من تسرب الهواء الملوث إليه، فكلا النصين يشيران إلى الحماية من التلوث، أما أحدهما، فيحمي الهواء، وأما الثاني، فيحمي الإنسان.

الطبيب: صدق نبيكم غاية الصدق، ومن العجيب تفريقه بين التثاؤب والعطاس، واعتباره العطس رحمة، وأمره بكتم التثاؤب.

علي: فما سر ذلك؟

الطبيب: التثاؤب شهيق عميق يجري عن طريق الفم، فيدخل الهواء إلى الرئتين، مع أن الأصل في الهواء أن يدخل إلى الرئتين عن طريق الأنف، ليتعرض للتصفية، فإذا دخل من غير ذلك الطريق كان فيه أذى، وكان في نفس الوقت دليلا على حاجة الدماغ إلى الأوكسجين والغذاء، وعلى تقصير الجهاز التنفسي في تقديم ذلك إلى الدماغ خاصة وإلى الجسم عامة، وهذا ما يحدث عند النعاس وعند الإغماء.

زيادة على ذلك، فإن التثاؤب قد يضر بالبدن، لأن الهواء غير المصفى قد يحمل معه إلى البدن الجراثيم والهوام.

علي: لهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برد التثاؤب قدر المستطاع، أو سد الفم براحة اليد اليمنى، أو بظهر اليد اليسرى([45]).

الطبيب: بالإضافة إلى هذا، يفسر علماء النفس التثاؤب على أنه دليل على الصراع بين النفس وفعالياتها من جهة، وبين الجسد وحاجته إلى النوم من جهة أخرى.. وهو من الناحية الطبية فعل منعكس من أفعال التنفس، وهو دليل على الكسل والخمول([46])..

علي: بالإضافة إلى هذا، فإن مظهر المتثائب، وهو يكشف عن فمه مفتوحا مما يثير الاشمئزاز في نفس الناظر.

الطبيب: صدقت، ولهذا كان في هذا الهدي صحة جسدية، ومناعة نفسية، ومصلحة اجتماعية..

علي: وكذلك الحال في كل هدي نبوي … فحدثني عن العطاس، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيه:(إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك اللَّه؛ فإذا قال له يرحمك اللَّه فليقل: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم) ([47])

فما سر ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحمد عند العطاس؟

الطبيب: في العطاس مصالح صحية كثيرة([48])، فهو وسيلة دفاعية دماغية هامة لتخليص المسالك التنفسية من الشوائب، ومن أي جسم غريب يدخل إليها عن طريق الأنف، فهو بذلك الحارس الأمين الذي يمنع ذلك الجسم الغريب من الاستمرار في الولوج داخل القصبة الهوائية.

علي: كيف ذلك؟

الطبيب: إن مجرد ملامسة الجسم الغريب لبطانة الأنف، سواء كان حشرة ضارة أو ذات مهيجة وغيرها، فإن بطانة الأنف تتنبه بسرعة عجيبة آمرة الحجاب الحاجز بصنع شهيق عميق لا إرادي يتبعه زفير عنيف.. والذي هو  العطاس.. عن طريق الأنف لطرد الداخل الخطير ومنعه من متابعة سيره عبر المسالك التنفسية إلى الرئتين.

علي: أرأيت لو دخل ذلك عن طريق الفم؟

الطبيب: إذا دخل الجسم الغريب عن طريق الفم، ووصل إلى القصبة الهوئية، فإن ذلك ينبه الجهاز التنفسي محدثاً السعال لصد الخطر وطرد الجسم الغريب الداخل إلى المجرى التنفسي، ولا يحدث العطاس إلا حين دخول المواد المؤذية عن طريق الأنف.

علي: ولكن لماذا لم لم يشرع الحمد عند السعال، وشرع فقط عند العطاس؟

الطبيب: هناك فرق كبير بينهما، فالسعال لا يؤثر على الدماغ، ولا يحدث العطاس.. ولا يزال العلماء حتى اليوم يقفون حائرين أمام هذا السر المبهم، ولا يزالون عاجزين عن إيجاد أي تعليل علمي عن آلية توليد العطاس لذلك الشعور بالارتياح في الدماغ وخفة الرأس وانشراح النفس.

علي: لقد نبهت السنة المطهرة إلى الآداب التي تحفظ هذه الناحية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فمه، وخفض، أو غض من صوته، ومن السنة ـ إذن ـ أن يضع العاطس يده على فمه؟

الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح، فذلك يمنع من وصول الرذاذ إلى غيره، وهو من الآداب الرفيعة التي تتفق مع مبادئ الصحة، ذلك أنه يندفع رذاذ العطاس إلى مسافة بعيدة يمكن أن يصل معها إلى الجالسين مع العاطس، أو أن يصل إلى طعام أو إلى شراب قريب منه، وهذا يمكن أن ينقل العدوى بمرض ما، كالزكام، إن كان العاطس مصاباً به.

علي: ومن الطهارة التي أمرت الشريعة بالاعتناء بها تنظيف الأفنية والساحات المجاورة للبيوت، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود؛ فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود) ([49])

الطبيب: لا شك في أهمية طهارة المحيط القريب من الإنسان، فهو المحل الذي يعيش فيه، ويلعب فيه أولاده، ولا شك أنه لذلك محل للصحة كما أنه محل للمرض.

علي: ليس هذا فقط، بل أمرت الشريعة بتطهير جميع الأماكن العامة، وهي المحال التي يقصدها الإنسان للتعبد أو للراحة أو للعمل أو لغير ذلك من شؤون حياته.

فقد أمر الشرع بتنظيف دور العبادة، فقال تعالى مشيرا إلى ذلك:{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(البقرة: 125)

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الأجر الجزيل على ذلك، فقال:(عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أو تيها رجل، ثم نسيها} ([50])

ومن الأماكن العامة التي أمر الشرع بالحرص على نظافتها الأماكن التي يستريح فيها الناس، فقد اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم تلويتها من الأمور التي تجلب اللعنة على أصحابها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(أتقول اللاعنين) قالوا:(وما اللاعنان؟)، قال:(الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم) ([51])

الطبيب: صدق نبيكم ونصحكم، فقد بين العلم الحديث الآثار التي ينتجها تلويث مثل هذه المحال، فنص على أن المناطق الباردة الرطبة وذات الظل تعتبر جوا ملائما لنمو أغلب أنواع البكتيريا وبويضات الديدان، ويساعد في ذلك خلوها من تأثير الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم والبويضات.

فبويضات دودة الإسكارس ـ مثلا ـ يمكن أن تعيش في هذه الأجواء لمدة عامين مع بقائها معدية، وبما أن البول والبراز يعتبران من مصادر هذه الجراثيم والديدان، فإن البول في هذه المحال يعتبر من الجرائم المؤدية لذلك.

علي: ومما ورد في النصوص الأمر بتطهيره الثياب، فقد قال تعالى في أوائل ما نزل من القرآن الكريم:{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر:4)

فهذا نص صريح في الأمر بطهارة الثياب.

الطبيب: إن الذي تقوله ينفي كثيرا من الفهوم الخاطئة التي ينشرها الإعلام عن الإسلام، فهو ينقل صور المزابل والمستنقعات، ثم يكتب تحتها: هذا هو الإسلام، وهذه بيئة المسلمين.

علي: لا ينبغي للعاقل أن يخدع بمثل هذه الدعايات..

الحمية:

الطبيب: عرفت الركن الثاني من أركان الوقاية، فما الركن الثالث؟

علي: الحمية.

الطبيب: فما الحمية؟

علي: لقد أشار إليها قوله تعالى:{ وَهُوالَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأنعام:141)

الطبيب: تقصد ترك الإسراف في المأكل والمشرب؟

علي: ليس ذلك فقط.. بل الحمية في الشريعة تعني الابتعاد عن كل متعة قد تتسبب في حصول العلة.. فالإسراف في القرآن الكريم لم يقتصر ذكره على الأكل والشرب، فالله تعالى ينعت بالإسراف أقواما مختلفين، لم يكن إسرافهم قاصرا على الأكل والشرب.

ولهذا، فإن الحمية بمفهومها الحقيقي الشامل لا تقتصر على الأكل والشرب.

الطبيب: فما تعني؟

علي: تعني أن يضع المؤمن لنفسه ميزانا صحيا يتناسب مع متطلبات جسده.. وهذا الميزان الشامل([52]) هو  ما نص عليه قوله تعالى:{ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}(الرحمن: 7)، ثم نهى عن تجاوز هذا الميزان، فقال:{ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ}(الرحمن:8)

الطبيب: فتجاوزه هو  الإسراف المؤدي إلى كل العلل.

علي: أجل.. وبذلك لا تكون الشهوات هي المتحكمة في سلوكيات الحياة وأنماطها، وإنما ما تتطلبه الصحة والعافية هو  المتحكم في ذلك.

الطبيب: فما التشريعات التي وضعها الشرع لتحقيق الحمية؟

علي: كثيرة جدا لا يمكن لهذه الجلسة أن تفي بها، ولكني سأذكر لك بعضها شريطة أن تذكر لي موقف العلم منها.

الطبيب: ذلك علي.. ولكن اعلم أني صريح شديد الصراحة، فلذلك إن رأيت شيئا يخالف الحقيقة أخبرتك به.

علي: ذلك ما نريد.. فلا ينبغي لعاقل أن يبني حياته على خرافه.

الطبيب: فاذكر بعض ما يشمله هذا النوع من الوقاية.

علي: أولها الصيام ([53]).. فهو فضلا عن كونه ركنا من أركان الإسلام ركن من أركان الصحة، ولذلك فرض الله تعالى الصيام ـ كما ينص القرآن الكريم ـ علينا وعلى جميع الأمم قبلنا، قال تعالى:{ يَا أيهَا الَّذِينَ آمنوا كتِبَ عَلَيكم الصِّيَامُ كما كتب عَلَى الَّذِينَ من قَبْلكمْ لعلكم تتقون} (البقرة183)

كما أخبرنا تعالى أن الصيام ليس خيرا للأصحاء المقيمين فقط، بل هو خير أيضا للمرضى والمسافرين والذين يستطيعون الصوم بمشقة ؛ ككبار السن ومن في حكمهم، قال تعالى:{ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:184)

والخير اسم تفضيل وهو الحسن لذاته ولما يحقق من لذة أو نفع أو سعادة، فالصيام حسن لذاته، ولما يحققه للمؤمن من المنافع واللذة الروحية والسعادة في الدنيا والآخرة.

الطبيب: لقد نصحكم دينكم غاية النصح.. بل إن في اعتبار الصيام ركنا من أركان الإسلام معجزة لا تضاهيها معجزة، فلم نر دينا من الأديان يهتم بالصحة بمثل هذا القدر.

علي: حدثني بما وعدتني به من علاقات نصوص ديننا المقدسة بما ذكره العلم الحديث.

الطبيب: لقد بدأ الاهتمام بعلاقة الصوم بالصحة في أوروبا منذ عصر النهضة، فقد أخذ علماء هذه الفترة يطالبون الناس  بالحد من الإفراط في تناول الطعام وترك الانغماس في الملذات والشراب ويقترحون الصوم للتخفيف من الشهوات الجامحة.

وفي ألمانيا وجد الطبيب (فريدريك هوفمان) (1660-1842 م) أن الصوم، ويقصد به التجويع المتواصل، وهو ما يعرف بالصيام الطبي  يعين على معالجة داء الصرع والقرحة والسرطانات الدموية والساد(أ) الذي يصيب العينين وأورام اللثة ونزيفها والقرحة الجفنية، كما أعلن أنه ينصح المريض في أي مرض كان، ألا يأكل شيئا.

وفي روسيا، توصل الأطباء إلى نتيجة مماثلة، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين… فقد تقدم الدكتور (بيترفينيا مينوف) من جامعة موسكو بتقرير نشر في سنة  1769 م نصح فيه المرضى بالتوقف الكلي عن الطعام أثناء فترة المرض، وعلل ذلك بقوله :(إن الصوم يعطي المعدة فترة راحة تمكن المريض من الهضم بشكل مناسب عندما يتعافى، ويعود إلى الأكل ثانية)

بعد ذلك أعلن الدكتور(ب. ج. سباسكي) الأستاذ في جامعة موسكو، عن النجاح في معالجة (الحمى الراجعة) بالصوم، وقال:(إن الصوم يسمح بحدوث المعالجات المتزايدة في داخل الجسم، دون تدخل من الخارج، وهذا في الحقيقة علاج للأمراض المزمنة) 

وفي القرن التاسع عشر أعلن الطبيب الروسي (زيلاند) أن الصوم قد أثر إيجابيا على الجهاز العصبي للمريض، كما أثر تأثيرا لا بأس به على هضمه ودمه بوجه عام، وكتب قائلا:(إن الصوم يسمح للجسم بأن يرتاح ثم يستأنف نشاطه الطبيعي بقوة متجددة)

وفي الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الاهتمام بالصوم باعتباره علاجا للمرضى منذ القرن الماضي، فقد عالج الدكتور (إدوارد ديوي) قبل قرن بالصوم كلا من الاضطرابات المعدية والمعوية، وداء الاستسقاء، والالتهابات العديدة، بالإضافة إلى الضعف والترهل الجسدي، وكان يري أن الراحة من الطعام ـ وليس الطعام ـ هي التي ترمم الجهاز العصبي، في حين أن الطعام ـ بالنسبة للمريض ـ يسبب توترا شديدا بقدر التوتر الذي يسببه العمل المتعب، ويؤكد على أن الطعام خلال المرض، يصبح عبثا على المريض.

ولأجل هذا كله، فقد انتشرت المصحات الطبية التي تعالج الأمراض بالصوم في كثير من بلدان العالم الشرقي والغربي.

علي: هذا هو الركن الأول من أركان الحمية، وقد نظم له الإسلام مواقيت خاصة منها ما هو مفترض، ومنها ما هو من نوافل الخير.

والركن الثاني هو الابتعاد عن كل مصادر الأمراض كالعدوى وما يسببها.

وقد أمر الشرع بمكافحة الأوبئة، فلذلك نهى صلى الله عليه وآله وسلم المريض أن يرد الأماكن العامة، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا يحل الممرض على المصح، وليحل المصح حيث شاء قيل: ولم ذاك؟ قال: لأنه أذى) ([54])

وفي مقابل ذلك أمر الصحيح أن يفر من كل أسباب العدوى، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(فر من المجذوم فرارك من الأسد) ([55])

وقال صلى الله عليه وآله وسلم مرغبا في عدم الفرار بهذا الجزاء العظيم:(الطاعون كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، وإن الله جعله رحمة للمؤمنين، فليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد) ([56])

فهذه النصوص وغيرها تمنع من الدخول إلى البلد المصاب بالطاعون، كما تمنع أهل تلك البلدة من الخروج منها.

الطبيب: لقد بين الطب الحديث بعض النواحي الصحية في هذا([57])، والتي لم يتعرف عليها إلا بالوسائل الحديثة، فالمنطق والعقل يفرض على السليم الذي يعيش في بلدة الوباء أن يفر منها إلى بلدة سليمة حتى لا يصاب هو  بالوباء!!

ولكن الطب الحديث يقول: إن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب، وكثير من الأوبئة تصيب العديد من الناس، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضاً.. فكم من شخص يحمل جراثيم المرض دون أن يبدو عليه أثر من آثار المرض.

وهناك أيضاً فترة حضانة، وهي الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأمراض منذ دخول الميكروب إلى الجسم، وفي هذه الفترة يكون انقسام الميكروب وتكاثره على أشده ومع ذلك فلا يبدوعلى الشخص في فترة الحضانة هذه أنه يعاني من أي مرض.. ولكنه بعد فترة قد تطول أو قد تقصر على حسب نوع المرض والمكروب الذي يحمله تظهر عليه أعراض المرض الكامنة في جسمه.

ومن المعلوم أن فترة حضانة التهاب الكبد الوبائي الفيروسي قد تطول لمدة ستة أشهر.. كما أن السل قد يبقى كامناً في الجسم لعدة سنوات.

والشخص السليم الحامل للميكروب أو الشخص المريض الذي لا يزال في فترة الحضانة يعرض الآخرين للخطر دون أن يشعر هو  أويشعر الآخرين..  لذا جاء المنع الشديد.. بل اعتبر الفار كالهارب من الزحف.

علي: ومما يدخل في هذا الباب من الحمية نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن مخالطة الكلاب، بل أمرنا أن نحترز من الكلاب احترازا شديدا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أو لاهن بالتراب) ([58])

الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح([59])، فالكلب مصدر أمراض خطيرة، لعل أشهرها داء الكلب، وهومرض خمجيٌّ خطير ٌ ينجم عن الإصابة بحمةٍ راشحةٍ، هي حمة الكلَّب، هذه الحمة لها انجذاب عصبي في حال دخولها للجسم، كما أن نهاية المرض مميتةٌ في كل الأحوال.

وتحصل الإصابة بمجرد دخول لعاب الحيوان المصاب إلى دم الإنسان سواء بعضه أو بملامسته، أو بأن توجد سحجة ٌ، أو جرح في الجلد، وفي هذه الحالة تنجذب الحمة إلى الأعصاب ،وتنتشر في كل الجملة العصبية، مؤدية إلى التهاب دماغ مميت.

علي: فما سر أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالغسل بالتراب؟

الطبيب: إن الحمة المسببة للمرض متناهية في الصغر، وكلما قلَّ حجم الحمة ازداد خطرها، لازدياد إمكانية تعلقها بجدار الإناء، والتصاقها به، والغسل بالتراب أقوى من الغسل بالماء، لأن التراب يسحب اللعاب، ويسحب الفيروسات الموجودة فيه بقوةٍ أكثر من إمرارالماء، أو اليد على جدار الإناء، وذلك بسبب الفرق في الضغط الحلولي بين السائل (لعاب الكلب)  وبين التراب.

القوة:

الطبيب: عرفت الركن الثالث من أركان الوقاية، فما الركن الرابع؟

علي: هو ما عبر الله تعالى عنه بقوله:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُواللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ((لأنفال: 60)

ففي هذه الآية إشارة إلى استعمال كل الأساليب التي تحفظ القوى التي وهبها الله للإنسان.. ولتحقيق هذا وردت النصوص الكثيرة الحاثة على التغذية السليمة، والرياضة..

الطبيب: الرياضة.. هل هناك دين يأمر بالرياضة؟

علي: أجل.. الإسلام.. الله الذي خلق هذا الجسد يعلم حاجته إلى الرياضة، فلذلك أمرنا بها، وكما ربط الطهارة بالعبادة ربط الرياضة بها.

الطبيب: وهل الإسلام ربط الرياضة بالصلاة؟

علي: أجل.. وسأحدثك بعض ما اكتشفه العلماء الذين تتبعوا حركات الصلاة ودرسوا علاقتها بالصحة.

الطبيب: يسرني أن أسمع ذلك.

علي: إن الحركات الكثيرة التي يفعلها المصلي من رفع لليدين وركوع وسجود وجلوس وقيام وتسليم وغيره كلها حركات رياضية لها تأثيرها الكبير على الصحة([60]).

فهذه الحركات لا تختلف عن الكثير من التمارين الرياضية التي ينصح الأطباء الناس – وخاصة مرضاهم – بممارستها، ذلك لأنهم يدركون أهميتها لصحة الإنسان ويعلمون الكثير عن فوائدها.

فهي غذاء للجسم والعقل معًا، وتمد الإنسان بالطاقة اللازمة للقيام بمختلف الأعمال، وهي وقاية وعلاج؛ وهذه الفوائد وغيرها يمكن للإنسان أن يحصل عليها لو حافظ على الصلاة، وبذلك فهو لا يحتاج إلى نصيحة الأطباء بممارسة التمارين، لأنه يمارسها فعلاً ما دامت هذه التمارين تشبه حركات الصلاة.

فمن آثارها الصحية تحسين عمل القلب، وتوسيع الشرايين والأوردة، وإنعاش الخلايا، وتنشيط الجهاز الهضمي، ومكافحة الإمساك، وإزالة العصبية والأرق، وزيادة المناعة ضد الأمراض والالتهابات المفصلية، وتقوية العضلات وزيادة مرونة المفاصل، وإزالة التوتر والتيبس في العضلات والمفاصل، وتقوية الأوتار والأربطة وزيادة مرونتها، وتقوية سائر الجسم وتحريره من الرخاوة، واكتساب اللياقة البدنية والذهنية، وزيادة القوة والحيوية والنشاط، وإصلاح العيوب الجسمية وتشوهات القوام، والوقاية منها، وتقوية ملكة التركيز، وتقوية الحافظة، وإكساب الصفات الإرادية كالشجاعة والجرأة، وإكساب الصفات الخُلقية كالنظام والتعاون والصدق والإخلاص.. وما شابه ذلك.

وهي تشكل للرياضيين أساسًا كبيرًا للإعداد البدني العام، وتسهم كثيرًا في عمليات التهيئة البدنية والنفسية للاعبين ليتقبلوا المزيد من الجهد خصوصًا قبل خوض المباريات والمنافسات.

والصلاة وسيلة تعويضية لما يسببه العمل المهني من عيوب قوامية وتعب بدني، كما أنها تساعد على النمو المتزن لجميع أجزاء الجسم، ووسيلة للراحة الإيجابية والمحافظة على الصحة.

وهي تؤمِّن لمفاصل الجسم كافة، صغيرها وكبيرها، حركة انسيابية سهلة من دون إجهاد، وتؤمِّن معها إدامة أدائها السليم مع بناء قدرتها على تحمل الضغط العضلي اليومي.

وفي حركات الصلاة إدامة للأوعية الدموية المغذية لنسيج الدماغ مما يمكنه من إنجاز وظائفه بشكل متكامل عندما يبلغ الإنسان سن الشيخوخة.

والصلاة تساعد الإنسان على التأقلم مع الحركات الفجائية التي قد يتعرض لها كما يحدث عندما يقف فجأة بعد جلوس طويل مما يؤدي في بعض الأحيان إلى انخفاض الضغط، وأحيانًا إلى الإغماء.. فالمداومون على الصلاة قلما يشتكون من هذه الحالة. وكذلك قلما يشتكي المصلون من نوبات الغثيان أو الدوار.

والصلاة عامل مقوٍ، ومهدئ للأعصاب، وتجعل لدى المصلي مقدرة على التحكم والسيطرة على انفعالاته ومواجهة المواقف الصعبة بواقعية وهدوء، وهي أيضًا حافز على بلوغ الأهداف بصبر وثبات.

وهذه الفوائد لجميع فئات الناس: رجالاً ونساء، شيوخًا وشبابًا وأطفالاً، وهي فوائد عاجلة للمصلي تعود على نفسه وبدنه، فضلاً عن تلك المنافع والأجر العظيم الذي وعده الله به في الآخرة.

الطبيب: هذه فوائد عظيمة.

علي: وفوق ذلك، فقد أجريت دراسة علمية على قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين) ([61])

الطبيب: فماذا وجدت([62]

قال: لقد توصلت ـ انطلاقا منها ـ إلى نظرية جديدة عن صحة الظهر انطلاقا من ذلك الحديث.

لقد اكتشفت أنه إذا بدأ الإنسان في تليين أسفل ظهره في سن مبكرة، واستمر في هذا التمرين وحافظ عليه أثناء الكبر فإن فرصته في الإصابة بالآلام الشديدة والانزلاقات الغضروفية في أسفل الظهر ستتقلص بشكل كبير.

الطبيب: أهذا صحيح؟ وكيف توصلت إل هذا؟

قال: آلام أسفل الظهر من المشاكل الشائعة في البالغين، وغالبًا ما تظهر بسبب فقدان الليونة من الرباط الطولي الخلفي في الظهر، وكذلك النسيج الليفي الذي يشكل الطبقات الخارجية من القرص الغضروفي، وعندما تفقد هذه الأنسجة القدرة على التمغط، فإنها تتمزق عند حصول حركة خاطئة تساعد على تهتكها.. والحركة التي تضع ضغطًا على هذه الأنسجة هي ثني الظهر للأمام والركب مفردة.

وهذا التمزق نادر جدًا في الأطفال لأن أنسجتهم مرنة وتتمغط عند الانحناء.

وقد قادني هذا إلى فرضية تنص على أنه لو حافظنا على ميزة مرونة الرباط والغضاريف الموجودة في الأطفال، فهل سيقلل هذا من نسبة الإصابة بآلام أسفل الظهر والانزلاقات الغضروفية في الكبار، أم لا؟

الطبيب: فما عملت لإثبات هذه الفرضية؟

علي: لإثبات مدى صحة هذا أُجريت بحثا ميدانيا على 188 من البالغين، وقد تم سؤالهم إذا كانوا يشتكون من آلام أسفل الظهر أو عرق النسا، وعن شدة الألم إن وجد، ثم سئلوا عن صلاتهم متى انتظموا فيها، ولم يقطعوها؟

الطبيب: فما كانت نتيجة ذلك؟

علي: لقد أثبتت النتائج بشكل قاطع وملحوظ صحة هذه الفرضية واكتسب الطب هذه النظرية حيث أن 2،6 بالمائة فقط ممن يصلون قبل سن العاشرة قد عانوا من آلام قوية أسفل الظهر، بينما 70 بالمائة ممن لا يصلون إطلاقاً يعانون من آلام قوية والتفاصيل.

الطبيب: وهل قبلت هذه النظرية؟

علي: أجل.. لقد قبلت هذه الدراسة ونوقشت في المؤتمر القطري العالمي الثاني للأطفال في الدوحة في إبريل سنة 2000م وفي المؤتمر الدولي السادس لجراحة الظهر، والذي عقد في أنقرة من الرابع إلى السادس من سبتمبر عام 2002م، وذلك بإشراف نخبة من أطباء الظهر العالميين، كما نشرت في مجلة الظهر الأوروبية.

الطبيب: فما هو  التفسير العملي الذي أعطيته لذلك؟

علي: يتمتع الأطفال بلياقة كبيرة مقارنة بالبالغين، وسبب هذه اللياقة هو  أن أنسجتهم مرنة، وإذا ما حافظنا على هذه الخاصية من الطفولة، فإنه من المنطقي أن تظل هذه الأنسجة مرنة، فتقاوم الحركات الشديدة، أما إذا أهملت أو بمعنى أصح إذا حرمت من التمرين المستمر، فإنها ستتيبس عند الكبر، فإذا تعرضت لشد قوي بسبب حركات شديدة، فإنها قد تتمزق، وهذا يسبب آلامًا مبرحة.

فإذا بدأ الأولاد بالركوع مرات عديدة كل يوم ابتداءً من سن السابعة وعلى الأكثر سن العاشرة، فإن الأربطة الطولية خلف الفقرات وألياف الغضروف الخلفية تحافظ على ليونتها فيصعب تمزقها في الكبر، ويبقى الغضروف آمنًا بين الفقرات، وهكذا تتقلص مشكلة صعبة تعاني منها فئة كبيرة من الناس.

الطبيب: بورك لك ثقتك في نبيك.. فقد نفعتك كثيرا.

علي: قال: ليس هذا فحسب، فإن في دعوته صلى الله عليه وآله وسلم إلى صلاة الجماعة في المسجد، وبيانه أن في كثرة الخطا إلى المساجد الأجر الكبير، وأنه كلما كانت المسافة التي يقطعها المصلي أبعد كلما كان الأجر الذي يناله من الله أعظم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم.. والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام)([63]) فوائد صحية جليلة.

الطبيب: كيف ذلك؟

علي: لما كانت آلة الذهاب إلى المسجد هي المشي على القدمين، فإن كل مسلم مأمور أن يذهب إلى المسجد في كل يوم خمسة مرات، فكل مسلم يستغرق ذهابه إلى المسجد والعودة منه على أقل تقدير خمسة دقائق، فبعملية حسابية بسيطة نجد أن كل مسلم يمشي كل يوم ما لا يقل عن 25 دقيقة كأقل تقدير.

وقد جاءت الأبحاث العلمية بنتائج ودراسات تبين فوائد المشي الصحية، وأصبح الأطباء يدعون الناس إلى المشي كل يوم نصف ساعة للمحافظة على صحة الجسم.

الطبيب: إن كل ما تقوله صحيح.. وقد وفر لكم دينكم ما يجعلكم تمارسون هذا المشي الصحي.. وقد نصحكم بذلك غاية النصح.

العلاج المبارك

سرنا إلى القاعة الثالثة، وهي القاعة المخصصة للعلاج المبارك، فقال الطبيب: ما مرادكم بالعلاج المبارك؟

علي: نحن نؤمن بأن بينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمة المهداة، وهو المعصوم الذي لا ينطق عن هوى، وهو الناصح الذي لا يمكن أن يغشنا في نصيحته.

الطبيب: أعلم ذلك.. ولكن ما علاقته بهذا؟

علي: لقد ورد في النصوص المقدسة ذكر لوصفات علاجية شاملة أو خاصة، ونحن نسميها العلاج المبارك باعتبارها أتت من المصادر المباركة، بالإضافة إلى أنها خير محض لا شك فيه.

الطبيب: أخاف عليكم أن تقعوا في الخرافة بسبب هذا.

علي: تمهل علينا.. فلا ينبغي أن تحكم على شيء قبل أن تعرف سره.

الطبيب: فما سره؟

علي: سأذكر لك ثلاثة أدوية منها هي أصول الأدوية، لنرى مدى قربها من الخرافة، ومدى بعدها عنها، أما الباقي، فإن شئت أن تعرف أنباءها، فابق معنا في هذا المستشفى، فنحن نجري بحوثنا عليها ([64])

الطبيب: لقد ألزمتني الحجة، فاذكر ما ورد في دينك.. وسأورد لك ما تقول المخابر، وسأكون صريحا في كل ما أذكره لك.

العسل:

 علي: سأبدأ بالقرآن.. فقد وصف وصفة قال فيها:{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:68،67)

 فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أنه يخرج من بطون النحل شراب مختلف ألوانه..

قاطعه عالم الغذاء، وقال: صدق قرآنكم، فمن المتعارف عليه أن للعسل أربعة ألوان وقد أثبت العلم أن اختلاف كل من تركيب التربة والمراعي التي يسلكها النحل يؤثر تأثيراً كبيراً في لون العسل، فالعسل الناتج من رحيق أزهار القطن ـ مثلاًـ يكون قاتماً، بخلاف عسل أزهار البرسيم الذي يكون فاتح اللون، وعسل شجر التفاح ذي اللون الأصفر الباهت، وعسل التوت الأسود ذي اللون الأبيض كالماء، وعسل أزهار النعناع العطري ذي اللون العنبري، وغير ذلك.

علي: وقد ذكرت الآية الكريمة أن في العسل شفاء للناس.

الطبيب: صدق قرآنكم.. فقد توفر للعسل من الخصائص ما لم يتوفر لأي داوء آخر:

فمن خواصه أنه وسط غير صالح لنمو البكتيريات الجرثومية والفطريات.. لذلك فهو قاتل للجراثيم، مبيد لها أينما وجد..على عكس ما شاع في الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة من أن العسل ينقل الجراثيم، كما ينقلها الحليب بالتلوث.

ولقد قام طبيب الجراثيم (ساكيت) باختبار أثر العسل على الجراثيم، بالتجربة العلمية.. فزرع جراثيم مختلفة الأمراض في العسل الصافي، وأخذ يترقب النتائج، وكانت دهشته عظيمة عندما رأى أن أنواعاً من هذه الجراثيم قد ماتت خلال بضع ساعات، في حين أن أشدها قوة لم تستطع البقاء حية خلال بضعة أيام.

لقد ماتت طفيليات الزحار (الديزيتريا) بعد عشر ساعات من زرعها في العسل، وماتت جراثيم حمى الأمعاء (التيفوئيد) بعد أربع وعشرين ساعة، أما جراثيم الالتهاب الرئوي، فقد ماتت في اليوم الرابع، وهكذا لم تجد الجراثيم في العسل إلا قاتلاً ومبيداً لها.

ثم إن العسل الذي يتألف بصورة رئيسة من سكر العنب يمكن استعماله في كل الاستطبابات المبنية على الخواص العلاجية لهذا النوع من السكر، كأمراض الدورة الدموية، وزيادة التوتر والنزيف المعوي، وقروح المعدة، وبعض أمراض المعي في الأطفال، وأمراض معدية مختلفة مثل التيفوس والحمى القرمزية والحصبة وغيرها.. بالإضافة إلى أنه علاج ناجح للتسمم بأنواعه.

ويحتوي العسل على عامل فعال جداً له تأثير كبير على الخضاب الدموي (الهيموغلوبين)، وقد جرت دراسات حول هذا الأمر في بعض المصحات السويسرية أكدت التأثير الفعال على خضاب الدم حيث ازدادت قوام الخضاب في الدم من 57 بالمائة إلى 80 بالمائةفي الأسبوع الأول أي بعد أسبوع واحد من المعالجة بالعسل، كما لوحظت زيادة في وزن الأطفال الذين يتناولون العسل الزيادة في الأطفال الذين لا يعطون عسلاًَ. 

وقد ثبت لدكتور (كرينتسكي) أن العسل يسرع في شفاء الجروح.. وعلل ذلك المادة التي تنشط نمو الخلايا وانقسامها (الطبيعي)، وهو الأمر الذي يسرع في شفاء الجروح.

وقد دلت الإحصائيات التي أجريت في عام 1946 على نجاعة  العسل في شفاء الجروح، ذلك أن الدكتور: (س. سميرنوف)  الأستاذ في معهد تومسك الطبي استعمل العسل في علاج الجروح المتسببة عن الإصابة بالرصاص في 75 حالة، فتوصل إلى أن العسل ينشط نمو الأنسجة لدى الجرحى الذين لا تلتئم جروحهم إلا ببطء.

وفي ألمانيا يعالج الدكتور (كرونيتز) وغيره آلاف الجروح بالعسل وبنجاح، مع عدم الاهتمام بتطهير مسبق، والجروح المعالجة بهذه الطريقة تمتاز بغزارة افرازاتها إذ ينطرح منها القيح والجراثيم.

وينصح الدكتور (بولمان) باستعمال العسل كمضاد جراحي للجروح المفتوحة.. ويعرب عن رضاه التام عن النتائج الطيبة التي توصل إليها في هذا الصدد لأنه لم تحدث التصاقات أو تمزيق أنسجة أو أي تأثير عام ضار..

بالإضافة إلى هذا كله، فقد استعمل العسل لمعالجة أمراض الجزء العلوي من جهاز التنفس، ولا سيما  ـ التهاب الغشاء المخاطي وتقشره، وكذلك تقشر الحبال الصوتية.

وتتم المعالجة باستنشاق محلول العسل بالماء الدافئ بنسبة 10 بالمائةخلال 5 دقائق.

و قد بين الدكتور (كيزلستين) أنه من بين 20 حالة عولجت باستنشاق محلول العسل فشلت حالتان فقط في حين أن الطرق العلاجية الأخرى فشلت فيها جميعاً، وهي نسبة عالية في النجاح.

والعسل..

قاطعه علي، وقال: رويدك.. فلو ظللنا مع العسل، فلن نخرج من هنا.

الطبيب: صدقت.. وقد نصحكم قرآنكم غاية النصح.

علي: ولهذا نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصف العسل علاجا مستنبطا لذلك من القرآن الكريم، فعن أبي سعيد الخدري t أنه ذكر أن رجلاً جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:( اسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه، سقيته عسلاً، فما زاده استطلاقاً، قال:(اذهب فاسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول اللّه ما زاده إلا استطلاقاً، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم:(صدق اللّه وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلاً)، فذهب فسقاه عسلاً فبرئ([65]).

الطبيب: البحوث الحديثة لا تزال تجد كل يوم جديدا في العسل.. وكمثال على التطورات المتعلقة باستعمال العسل كمضاد حيوي أنه في سنه 1937 أظهر دولد في بحثه مفعول العسل كمضاد حيوي على سبعة عشر نوعا من مختلف الميكروبات.. وفي سنه 1944 ناقش بلاكي محتويات العسل التي قد يكون لها مفعول المضاد الحيوي.. وفي سنه 1956 استخلص فوجل مكونات العسل، بواسطة عدة مذيبات وتوصل إلى إن المواد القاتلة للميكروبات فيه موجودة في المواد القابلة للذوبان في الأثير.. وفي سنه 1958 وجدت الدراسات أن المضاد الحيوي في العسل ليس في الخمائر الموجودة فيه، وفي سنة 1958 أيضا وجد ورنك أن العسل المخفف له نفس المفعول كمضاد حيوي وانه قد يكون ذلك بسبب خميرة الانفرتيز بالعسل… وفي سنه 1960 قال ستومغاري أن تلك المادة في العسل غير معروفة وناقش كل من ستنسون سنة 1960 وجوناشن سنة 1963 المادة القاتلة للميكروبات بالعسل، وافترضوا أن تكون في حامض الجليكونيك أو في فوق اكسيد الهيدروجين.. وفي سنه1970-  وجد كافاناج في دراسة على مريضة عملت لها عمليات استئصال الرحم أن استعمال العسل موضعيا على الجرح يجعله خاليا من الميكروبات بين 3 إلي 6 أيام فقط، وان الالتئام يحدث بعد أسبوعين في المتوسط.

وهكذا لا زلنا نتيه في بحار الشفاء التي وضعها الله في صيدلية العسل.

الحجامة:

علي: ومن الأدوية المباركة التي نصحنا بها نبينا وطبيبنا الحجامة، فقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو كية نار، غير أني لا أحب أن أكتوي بالنار) ([66]) ،  وقال:(خير ما تداويتم به الحجامة) ([67])

الطبيب: لقد نصحكم نبيكم غاية النصح.. ولا أكتمك بأن قومنا كانوا في قرارة أنفسهم، بل وأمام الملأ يسخرون من حجامة المسلمين، لكنهم لما جربوها وطبقوها بطريقتها الصحيحة وجدوا فيها ما ذكره نبيكم ([68]).

ولكي نفهم الدور الصحي الذي تقوم  به الحجامة لابد أن نعرف أن الإنسان به دورة دموية شريانية ودورة وريدية ودورة ليمفاوية، ووظيفة الدورة الليمفاوية هي تصريف نواتج تكسير الخلايا وعندما يحدث بها سدد يبدأ ظهور المرض.

فالحجامة تقوم بتسليك السدد في الدورة الليمفاوية، وتبدأ الدورة الوريدية حركتها وتتصرف خلال ذلك الأخلاط المتراكمة فيزول المرض ويُشفى منه الإنسان.

علي: لقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتجم ثلاثاً، واحدة على كاهله والثانية على الأخدعين) ([69]

الطبيب: لقد عرف نبيكم كيف يختار موضع الحجامة بدقة، فالكاهل هو الجزء الذي بين الكتفين، والأخدعان هما عرقان على جانبي العنق، والأخدعين هو شعبة من الوريد واء الأذنين، وهذه المواضع هي التي ابتدأ بها الـ Fask في ألمانيا والـ Cuppingفي أمريكا.

علي: فما سر كل هذا الأثر الصحي الذي تحدثه الحجامة؟

الطبيب: لقد اختلفت المدارس الطبية في تفسير نوع تأثير الحجامة، وهناك ـ كما يذكر الباحثون ـ ثلاث نظريات لتفسير ما يحدث أثناء الحجامة وكيفية الشفاء التي تحدثه هذه العملية ولكل نظرية تفسيرها الخاص بها ودراسات عميقة عليها:

نظرية الارتواء الدموي: وهي تعتمد على مبدأ الدم المحجوم.. فعندما حلّل هذا الدم،  وجد فيه الكثير من الشوارد الضارة،  ووجد أن جميع خلايا الدم الحمراء التي كانت في الدم المحجوم هرمة وغير طبيعية الشكل،  ونسبة الهيموجلوبين كانت أقل من الدم الوريدي بنسبة الثلث إلى العشر وعليه فَإن دم الجسم قد تخلص من جزء كبير من هذه السموم التي كانت عالقة به ليصبح أداؤه في حمل الأوكسجين أكبر وكذلك توزيع الغذاء فيه أكفأ.

فعملية إزالة الدم المحتقن من موضع الحجامة أو ما يسمى بالفاسد مجازا (علما انه لا يوجد دم فاسد داخل الجسم بصورة فعلية)، يعطي الجسم المقدرة على تقوية الأعضاء الداخلية المعتلة بمدها بالغذاء وأسباب الحياة،  وبذلك يعود نشاط هذه الأعضاء إلى طبيعتها وتصبح أقدر على مقاومة المرض.

فالدم كالنهر الجاري إذا نظف ماؤه وأزيل ما فيه من شوائب دبت فيه الحياة وعاد إلى نقائه من جديد.

وأكثر من بحث في هذا المجال لهذه النظرية هو العالم الياباني (kukrecia) بعد أن ركز أبحاثه على الحجامة استنتج أن الشوائب في الدم هي السبب في إصابتنا بالأمراض المختلفة.

وقد قام فريق طبي سوري بعمل دراسة مخبريه وسريرية في عام 2000م على 330شخصاً وكذلك في عام 2001م على 300حالة فتلخصت معظم النتائج في:

اعتدال الضغط والنبض إذ أصبح طبيعياً بعد الحجامة في كل الحالات ففي حالات ارتفاع الضغط انخفض الضغط إلى الحدود الطبيعية وفي حالة انخفاض الضغط ارتفع إلى الحدود الطبيعية.

وارتفاع عدد الكريات البيض في 60% من الحالات وضمن الحدود الطبيعية.

وانخفضت نسبة السكر في الدم عند 83.75% من الحالات وباقي الحالات بقيت ضمن الحدود الطبيعية.

وانخفضت نسبة السكر في الدم عند الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري في 92.5% من الحالات.

وانخفضت كمية الكرياتينين في الدم عند 66.66% من الحالات.

وارتفاع كمية الكرياتينين في دم الحجامة في كل الحالات.أي أن الدم المحجوم كان فيه الكثير من الشوارد0

وانخفضت كمية الكرياتينين في الدم عند المصابين بارتفاعه بنسبة 78.57% من الحالات.

وانخفضت كمية حمض البول في الدم في 66.66% من الحالات.

وانخفضت كمية حمض البول في الدم عند المصابين بارتفاعه بنسبة 73.68% من الحالات.

وانخفضت نسبة الكوليسترول بالدم في 81.9% من الحالات.

وانخفضت نسبة الشحوم الثلاثية عند المصابين بارتفاعها بنسبة 75% من الحالات.

وكان تعداد الكريات البيض في دم الحجامة أقل من عشر كميته في الدم الوريدي، وهذا يدل على أن الحجامة تحافظ على عناصر المناعة في الجسم.

وكانت أشكال الكريات الحمر في دم الحجامة من منطقة الكاهل كلها شاذة وغير طبيعية.

وارتفاع مستوى الحديد وضمن الحدود الطبيعية في 66% من الحالات بعد عملية الحجامة.

والسعة الرابطة للحديد في دم الحجامة مرتفعة جداً إذ تراوحت ما بين 422- 1057بينما هي في الدم الوريدي ما بين 250- 400، وهذا يدل على أن هنالك آلية تمنع خروج الحديد من شقوق الحجامة وتبقيه داخل الجسم ليساهم في بناء خلايا جديدة.

ومنها نظرية رد الفعل الانعكاسي: وتقوم هذه النظرية على الربط بين موضع الحجامة على الجلد والعضو المراد حثه على الشفاء،  وهذه النظرية تعزى إلى تطور الجنين من طبقاته المختلفة؛ حيث نجد الربط بين خلق الجلد من طبقة والعضو المراد علاجه من هذه الطبقة نفسها،  بعملية رد فعل تسمى (رد الفعل الانعكاسي).

وفي تفسير آخر لهذه النظرية: أن المنطقة المحجمة لها تأثير غير مباشر على الأعضاء التي يغذيها العصب نفسه الذي يعطي الإحساس لتلك المنطقة من الجلد، أو المشترك في الجملة العصبية نفسها، ومثال ذلك أن الحجامة على الكاهل تشفي ألم المعدة والمرارة والحجامة على أسفل الظهر للشفاء من عرق النسا.

والحجامة وسيلة من وسائل علاج الألم القائمة على القاعدة التي يطبِّقها كلٌّ منا تلقائياً عندما يشعر بألم (حكة) في أي جزء من جلده فإنه يقوم بتدليك (هرش) المكان فلا يشعر بالألم بعد ذلك.

وتعليل ذلك يقوم على النظرية العلمية للعالم الفيزيولوجي (بافلوف) والتي تسمى (التثبيط الواقعي للجهاز العصبي)، فعندما يصل التنبيه إلى المخ عن طريق الأعصاب فإن المخ يترجم هذا التنبيه حسب مصدره ونوعه، أي يحدد نوع التنبيه، ألماً كان أو لمساً، حرارة أو برودة، ولكن إذا وصل عدد التنبيهات التي تصل إلى المخ في وقت واحد إلى عدد كبير، فإن المخ لا يستطيع التمييز بينها، فيلغي الشعور من المنطقة التي زاد فيها عدد التنبيهات. وفي حالة الحجامة تخرج التنبيهات من نهاية الأعصاب في المنطقة المحجمة بأعداد كبيرة فيقوم المخ بإلغاء الشعور من المنطقة ويزول الألم.

وهذه النظرية مطبقه على كثير من أجهزة العلاج الطبيعي، وأول من نشرها وأجرى البحوث عليها العالم(ملزاك) مع أن التسمية تختلف إذ يثبت ملزاك أن ذلك يتم على مستوى النخاع ألشوكي فيما يعرف بنظرية (بوابة الألم)

الحبة السوداء:

علي: ومن الأدوية التي ورد في نصوصنا المقدسة بركتها الحبة السوداء، فقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن بركات الشفاء التي أودعها الله فيها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام)([70])

الطبيب: صدق نبيكم، ونصحكم غاية النصح.. فقد تم نشر عشرات البحوث مؤخرًا في الدوريات العلمية المختلفة عن فوائد استخدام هذه الحبة.. وهي تؤكد جميعا الفوائد العديدة التي وصفتها النصوص.

ومعظم هذه الأبحاث يأتي من أوروبا وتحديدًا النمسا وألمانيا، والتي تأتي في مقدمة الدول الداعية لإحياء طب الأعشاب كطب بديل.

وانطلاقا من هذا ظهرت مستحضرات طبية متنوعة بين أقراص وكبسولات وأشربة وزيوت في العديد من الدول الأوربية، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بلدان العالم العربي والإسلامي.

العلاج الأرضي

سرنا إلى القاعة الرابعة، وهي القاعة التي سماها أهل هذا المستشفى بالعلاج الأرضي.

علي: في هذه القاعة نبحث للمرضى عن كل دواء يمكن أن يفيدهم، فقد أمرنا صلى الله عليه وآله وسلم بالبحث عن الدواء، وعن التدواي به، فقال:(تداووا فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله) ([71])  

الطبيب: أتعالجون بالأدوية الكيمائية في هذه القاعة إذن؟

علي: نحن لا نلجأ إلى هذا النوع من الأدوية إلا للضرورة القصوى، ثم نعتبر ذلك مرحلة نحاول العبور منها إلى الأدوية المنزلة.

الطبيب: ولم ذلك؟

علي: لعلمنا أن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواءه، والدواء المنزل مخلوق لا مصنوع.. فقد استعمل القرآن الكريم هذا المصطلح للدلالة على الخلق، كما قال تعالى:{ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (الزمر:6)

الطبيب: صدقت فيما ذكرت، وانتصحت فيما فهمت، فليس في هذه الأدوية من النفع إلا قدر ما فيها من الضر..

ولهذا، فأنا من جمعية انتشرت في العالم أجمع تحض على العودة إلى الطبيعة، فالدواء لا بد أن يكون فيها.

علي: ولهذا ترانا لا نقصر في البحث في الشعاب والقفار وبين الشعوب عن تجاربها المختلفة لنستفيد منها في ذلك..

الطبيب: ولكن.. ألا ترى أنكم بذلك ستصبحون فئران للتجارب؟

علي: لا.. لدينا ضوابطنا في ذلك.. والتي رسمها لنا الشرع، وبفضلها نحتمي من كل أذى.

الطبيب: فما ضوابط ذلك؟

الشرعية:

علي: أول ضابط لذلك هو أن يكون الدواء مباحا، فمن رحمة الله تعالى بعباده أنه لم يجعل دواءهم فيما حرم عليهم.. فالخبيث لا يؤدي إلى الطيب.. والداء لا يوصل إلى الدواء.

فقد ورد في النصوص ما يبين حرمة التداوي بالمحرمات، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(إنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاء، وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دواءً، فَتَدَاوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بِالْمُحَرَّم) ([72])

بل ورد في الحديث إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم وجود داوء في المحرمات، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(من أصابه شيء من الأدواء، فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله، فإن الله تعالى لم يجعل في شيء مما حرمه شفاء) ([73])

وسأل بعضهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخمر، فنهاه، أو كَرِهَ أن يصنَعَها، فقال: إنما أصنعُها للدواء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إنَّه لَيْسَ بِدَوَاءٍ ولكنَّهُ دَاءٌ) ([74])

الطبيب: صدق نبيكم ونصحكم، فالخمر داء لا دواء فيه.. وقد قال الدكتور أوبري لويس وهو رئيس قسم الأمراض النفسية في جامعة لندن يقول فى أكبر وأشهر مرجع طبي بريطاني([75]):(إن الكحول هو السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله، ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله.. ولهذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية، ويؤدي هو إلى اضطراب الشخصية ومرضها (Psycho-pathic Anomaly))

ثم يقول:(إن جرعة واحدة من الكحول قد تسبب التسمم وتؤدي إما إلى الهيجان أو الخمود، وقد تؤدي إلى الغيبوبة.. أما شاربو الخمر المزمنون (ch Alcoholics) فيتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون)

علي: لقد كان الأطباء يزعمون في الأزمنة الغابرة.. بل على زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. بل حتى كثيرا من عوام عصرنا أن للخمر بعض المنافع الطبية.

الطبيب: تلك أوهام كثيرة وقعوا فيها بسب الجهل.. ولما تقدمت الاكتشافات العلمية بطلت تلك المزاعم وتبين أنها مجرد أوهام.

علي: إن بعض الناس يعتبرون من منافع الخمر أنها تفـتح الشهية، وقد استخدمت الخمر كفاتح للشهية منذ أقدم العصور، واستخدمها اليونان والرومان والفرس والعرب وتفننوا فيها.. بل يستخدمها الأوروبيون اليوم وخاصة الفرنسيون وتدعى (Apenibf) أي فاتحة للشهية.

الطبيب: الخمر تكذب على أصحابها.. فهي تفتح الشهية أول الأمر، فتزيد من إفراز حامض المعدة كلور الماء (Hcl).. ولكنها بعد فترة تسبب التهاب المعدة.. وتعقب تلك المنفعة الموهومة مضرات وعواقب وبيلة وخيمة، أولها التهابات المعدة، وفقدان الشهية والقيء المتكرر وآخرها سرطان المريء.

علي: ومن المنافع التي يذكرها بعض قومي حمايتهم من البرد.. وخاصة للذين يسكنون المناطق الباردة، وقد جاء وفد اليمن ووفد من حضرموت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطلبوا منه أن يسمح لهم بشرب الخمر بحجة أن بلادهم باردة، فأبى ذلك.. فقد روي أن ديلم الحميري سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا، وإنا نتخذ من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا، وبرد بلادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(هل يسكر؟)، قال: نعم، قال:(فاجتنبوه) ([76])

علي: صدق نبيكم ونصحكم، ذلك الدفء ليس إلا وهما.. فالخمر توسع الأوعية الدموية، وخاصة تلك التي تحت الجلد، فيشعر المرء بالدفء الكاذب، كما يحصل في أعياد الميلاد في أوروبا وأمريكا حيث يسكر كثير من الناس، ويبقى بعضهم في الشوارع والحدائق يتعرضون للبرد القارس، فيموتون من البرد، وهم ينعمون بالإحساس الكاذب بالدفء.

علي: ومن المنافع التي يعتقدها قومي تأثيرها الصحي على مرضى القلب، وقد سمعت من يقول:(من أصابته أزمة قلبية، وكاد يموت فعلم أنه لو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر، فإنه يجوز له شربه)

الطبيب: هذا خطأ فاحش، بل هو وهم قاتل.. فإن الخمر لا توسع الشرايين التاجية المغذية للقلب، كما كان موهوما من قبل، وإنما تضيقها.. فالخمر تسبب في ترسيب الدهنيات والكوليسترول في جوفها، وبذلك تساعد على تسبب جلطات القلب والذبحة الصدرية، وخاصة مع التدخين.. فكلتا المادتين تساهمان في انسداد الشرايين التاجية، الأولى (أي الخمر) بترسيب الدهنيات والكوليسترول، والثانية بانقباض الشرايين وتضييق مجراها.

وليس ذلك فقط، بل إن للخمر خاصية أخرى تجعل منها داء للقلب لا دواء  له.. فهي تصيب عضلة القلب بالتسمم (Toxic Cordionyopathy)

الطبيب: فهل هناك غير الخمر مما ترونه من استعمالات الأدوية؟

علي: كل ما ذكر الشرع حرمته من المأكولات وغيرها لا نجيز استعماله في التداوي كالخنزير والنجاسات وغيرها.

الطبيب: فإن كانت هناك ضرورة للتداوي.

علي: نحن نعلم أن الله الذي خلق العلل لم يجعل فيما حرم علينا أي دواء، فالله الحكيم الرحيم لا يحرم علينا ما فيه مصالحنا.. وقد زادتنا الأيام والمعارف ثقتنا بربنا، فلذلك لم نر دواء محرما يوصف في الصباح إلا كر عليه من ينفي صحة استعماله في المساء.

الطبيب: بورك لكم ثقتكم في ربكم وفي دينكم.. ليت لنا ما لكم.

العقلانية:

علي: والشرط الثاني الذي نشترطه في استعمال كل ما في العالم من أدوية هو العقلانية.

الطبيب: ما تقصد بالعقلانية؟

علي: نحن بشر شرفنا الله بالعقول، ولا يليق بالعاقل أن يرمي عقله أحوج ما يكون إليه.

الطبيب: وما علاقة ذلك بالطب؟

علي: لقد ارتبط الطب في أحيان كثيرة بالسحر والشعوذة والكهانة والخرافة والدجل.. وقد نهانا ديننا عن كل ذلك نهيا شديدا.. فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ([77]

وهذا وحده كاف لدلالتك على صدق نبينا، فقد ظلت الأكاذيب الشائعة تمزج بقالب علمي لإقناع  الناس بوجود علم اسمه علم التنجيم طيلة قرون طويلة، حتى جاء القرن العشرين ليضع الأساس العلمي الصحيح لعلم الفلك.

الطبيب: فما موقفكم من أنواع التداوي الكثيرة المنتشرة في العالم كالطب الصيني والهندي وغيرها مما لم تعرف أسرار الاستشفاء بها.

علي: نحن نقرها، ونستعملها، ما لم يكن فيها طقوس شركية.

الطبيب: اليوغا مثلا.. فهي نوع من التعبير الذي قد تكون له علاقة بالدين، فأصحاب اليوغا الأصليين قد يعتقدون أمورا محرفة.. وقد لا يؤمنون بالله الذي تؤمنون به.

علي: لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشركين يطوفون بالكعبة، ويقولون:(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك)، فيوحدونه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم، ويجعلون ملكها بيده، وقد نص على ذلك قوله تعالى:{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}(يوسف:106)، أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي.

ولكن ذلك لم يمنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الطواف بالبيت، ولم يمنعه من التلبية.

الطبيب: فما فعل؟

علي: لقد فعل شيئا بسيطا.. أبدل التلبية الشركية بتلبية الموحدين.. فتحولت التلبية من خير مقترن بشر إلى خير محض.

الطبيب: فهل تبدلون أنتم تلبية اليوغيين ـ إن كانت لهم تلبية ـ بتلبية المؤمنين؟

علي: أجل.. نحن نستفيد من كل المعارف، ثم نربط بها تلبيتنا الخاصة..

الطبيب: ألستم تحورون الحقائق بذلك؟

علي: لسنا نحن الذين حور الخقائق، من صرفها عن الله هو الذي حورها.. لقد لقننا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا هديا مكننا من القياس عليه ما قلت.

الطبيب: وما الذي شرع لكم؟

علي: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للذين قالوا له:(يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري اذكروا اسم الله عليه أم لا؟)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(سموا الله عليه، وكلوا) ([78])

***

ما وصل علي إلى هذا الموضع من حديثه حتى أذن آذان المغرب، فاغرورقت عينا علي بالدموع، وقال: إن ربي وطبيبي يدعوني إلى عبادته والاتصال به … فأذنوا لي… فلا يحق للعبد أن يتكبر على ربه الذي لم ير الخير إلا منه.

أحسست بأنوار عظيمة تنزل على صاحبي الطبيب، وإذا به من غير شعور يتخلى عن كل تلك المواقف المشددة التي كان يبديها نحو الدين، ليقول لعلي: لقد التقيت ناسا كثيرين في حياتي من العلماء والخبراء … ولكني لم أستفد منهم مثلما استفدت من نبيكم.

إن نبيكم لا يتلقى علمه من تلك الصحراء القاحلة التي ولد فيها … ولا من أولئك البدو الذين عاش بينهم … بل إنه لو لاقى أطباء اليونان والرومان والهنود لما زاد على أن يملأ كتابكم بالخرافات التي تمتلئ بها تلك الحضارات..

إن نبيكم يتلقى الحقائق من خزائن العلوم الخالصة التي لم تمتزج بما يكدرها.

أخرج علي مصحفا من جيبه، وقدمه للطبيب، وقال: خذ هذا المصحف، فهو كلام الحقائق الأزلية، وإن شئت أن تستعمله لجروح الناس وكروبهم فستجد فيه كل ما تريد.

إن هذا القرآن صيدلية تحتاج إلى خبراء مثلك ليبرزوا منها من أدوية الله ما يداوون به خلق الله.

قال ذلك، ثم انصرف، وقد ترك من الأنوار ما ملأ أصحابي سكينة وطمأنينة.. أما أنا فقد شعرت ببصيص من النور قد نزل علي.. اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


([1]) انظر تفاصيل أقسام هذا المستشفى في (ابتسامة الأنين) من هذه السلسلة.

([2]))  الترمذي كتاب الزهد رقم (2403) عن جابر وقال هذا حديث غريب.

([3]))  ابن جرير عن أبي الدرداء.

([4]))  بفتح الراء أي الراحة وطيب النفس.

([5]))  رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي، وفيه محمد بن مروان السدي ضعيف، وفيه أيضاً عطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال: ضعفوه وموسى بن بلال قال الأزدري: ساقط. انظر: فيض القدير: 2/539.

([6]))  هذا الكلام لبول إرنست أدولف، أستاذ مساعد التشريح بجامعة سانت جونس وعضو جمعية الجراحين الأمريكية، عن كتاب « الله يتجلى في عصر العلم » جمعها:  جون كلوفر مونسما، ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان، الناشر مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع  القاهرة.

([7])) مسلم.

([8]))  نص الحديث:« إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات » رواه مالك وأحمد وابن حبان والترمذي، وقال: حسن صحيح.

([9]))  أحمد وأبو داود عن عطية السعدي.

([10]))  البخاري ومسلم.

([11]))  ابن ماجه كتاب الفتن رقم 4019 وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. ورواه الحاكم عن ابن عمر.

([12]))  انظر: الأمراض الجنسية،  الدكتور محمد علي البار، والأمراض المنتقلة بالجنس: د. عبد اللطيف ياسين   القاهرة، والأمراض الجلدية: د. مأمون جلاد، روائع الطب الاسلامي : د محمد نزار الدقر.

([13]))  البخاري ومسلم.

([14]))  ابن أبي الدنيا.

([15]) انظر أضرار الخمر في الفصل الخاص بـ (الأغذية)

([16]))  الترمذي.

([17]))  ابن ماجه كتاب الزهد – باب الحسد رقم (4210).

([18]))  هو د. حامد الغوابي، « الحسد بين الطب والإسلام » لواء الإسلام القاهرة، ع 6 المجلد 11 لعام 1957.

([19])انظر: خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد على البار.

([20]))  ابن ماجة والترمذي.

([21]))  البخاري ومسلم.

([22]))  البخاري ومسلم.

([23]))  يقوم الجلد بوظائف هامة في العضوية، فهو وما يفرزه من طلاء دهني يقي البدن ويحفظه من المخرشات الآلية والجرثومية، وهو حصن الدفاع الأول ضد الجراثيم. وفيه غدد عرقية تفرغ العرق وخاصة أيام الحر مما يعمل على التوازن الحروري في البدن ويطرح عدداً من السموم الداخلية عن طريق التعرق فيساعد بذلك عمل جهاز البول ويخفف من أعبائه، والجلد هو عضو حاسة اللمس والتي تجعل البدن على اتصال بما يحيط به.

(1)         رواه البخاري ومسلم.

([25]))  مسلم وابن خزيمة في صحيحه.

([26]))  وسمي استحداداً لاستعمال الحديد (الموسى أو الشفرة)

([27]))  وهي الشعر النابت حول الذكر أو الفرج وما يلحق به مثل الشعر حول الدبر.

([28]))  البخاري.

([29]))  د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام، دار القلم، دمشق، 1996،  د. عادل بربور وزملاؤه:  الطب الوقائي في الإسلام، دمشق 1992

([30]))  البخاري.

([31]))  البخاري.

([32]))  د. عبد الرزاق الكيلاني: الحقائق الطبية في الإسلام

([33]))  هو القطع، وهو تفعيل من القلم، وكلما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قلمته.

([34]))  د. يحيى الخواجي ود. أحمد عبد الأخر: المؤتمر العالمي الرابع للطب الإسلامي، الكويت، نوفمبر 1986.

(2)         قبسات من الطب النبوي باختصار، الأربعون العلمية، عبد الحميد محمود طهماز.

(3)         د. محمد علي البار،  الختان، دار المنار.

(2)         نقله عنه: شمس الحق العظيم آبادي في شرحه لسنن أبي داوود، 14/ 126

(2)         نيل الأوطار:1/139.

(2)         فقه السنة: 1/33.

([40]))  ابن ماجه عن أبي هريرة.

([41]))  البخاري والترمذي عن أبي قتادة.

([42]))  الترمذي.

([43]))  مسلم وأبو داود.

([44]))  الترمذي، وقال: حسن صحيح.

([45]))  د. عبد الرزاق الكيلاني:  الحقائق الطبية في الإسلام .

([46]))  د. غياث الأحمد: الطب النبوي في ضوء العلم الحديث .

([47]))  البخاري.

([48]))  د. إبراهيم الراوي: مقالته (أثر العطاس على الدماغ) مجلة حضارة الإسلام المجلد 20 العدد 5/6 لعام 1979، وانظر: الهدي النبوي في العطاس والتثاؤب، بقلم الدكتور محمد نزار الدقر.

([49]))  الترمذي وقال: غريب.

([50]))  أبو داود والترمذي.

([51]))  مسلم.

([52]))  وهذا الميزان الذي نص عليه القرآن الكريم هو الذي توصلت إليه البشرية بعد تجاربها الطويلة، متصورة أنه من مكتشفات هذا العصر، فهم يتحدثون عن  بعدين اثنين للصحة، هما بالحرف ” الميزان الصحي ” health balance  و” الرصيد الصحي “health potential”كما يطلق على السبل المتخذة للحفاظ على اعتدال الميزان الصحي اسم ” حفظ الصحة، health protection ، وعلي السبل المتخذة لزيادة الرصيد الصحي اسم ” تعزيز الصحة ” health promotion. وفى إطار هذين البعدين، صاغت منظمة الصحة العالمية قبل خمسين سنه فحسب، تعريفها للصحة على أنها ” المعافاة الكاملة، جسمياً ونفسياً واجتماعياً، لا مجرد انتفاء المرض أو العجز» نقلا عن الدكتور محمد هيثم الخياط، فقه الصحة، محاضرة ألقاها في المؤتمر الرابع للطب الإسلامي الذي عقد في كرا تشي سنة 1405 للهجرة [1984 للميلاد)، ونشرت في المجلد الذي أصدرته المنظمة الإسلامية عن المؤتمر.وقد استفدنا منها كثيرا في هذا الباب.

([53]) انظر: الصيام.. والشفاء، د. عبد الجواد الصاوي.

([54]))  البخاري ومسلم عن أبي هريرة.

([55]))  ابن جرير عن أبي هريرة.

([56]))  البخاري عن عائشة.

([57])) انظر: كتاب العدوى بين الطب وأحاديث المصطفى  الدكتور محمد علي البار.

([58]))  أحمد ومسلم.

([59]))  انظر: الإعجاز الطبي في السنة النبوية، للدكتور كمال المويل دار ابن كثير، دمشق.

([60]))  انظر: كتاب (الصلاة والرياضة والبدن) لعدنان الطرشه.

([61])  صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة. قال الترمذي: هو حديث حسن، ولفظ أبي داود:« مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه  عليها »

([62]))  بحث للدكتور. محمد وليد الشعراني استشاري جراحة المفاصل والعظام في قطر، قام بإعداد البحث والتعديل الطفيف عليه فراس نور الحق.

([63]))  مسلم.

([64]) انظر التفاصيل المرتبطة بهذه الأدوية وغيرها في الجزء الثالث من ابتسامة الأنين.

([65]))  البخاري ومسلم.

([66])أبو داود.

([67])البخاري ومسلم.

([68])قال عبد الباسط السيد: عندما كنا نتكلم عن الحجامة فيما مضى كانوا يتهموننا بالتخلف والردة الحضارية إلى أن جاء الألمان، وظهرت في ألمانيا مدرسة مشهورة تدعى Fask وجاء الأمريكان وظهرت في الولايات المتحدة مدرسة تدعى Cupping.

ومن ذلك الحين أصبح حديثنا عن الحجامة حديثاً طبيعياً طالما أن هناك مدارس طبية عالمية كبيرة تناولت الموضع بجدية، ومن الجدير بالذكر أنهم تكلموا عن شفاء كثير من الأمراض بالحجامة كما أنهم أخذوا نفس المواضع التي حددها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكروا أنهم استفادوا من التراث العربي والصيني، وفي الحقيقة إنه الإعجاز النبوي!

([69])وراه البخاري ومسلم.

([70]))  البخاري ومسلم.

([71]) مسلم.

([72])  أبو داود.

([73])  أبو نعيم في الطب  عن ابن سيرين مرسلا، وقد ورد موقوفا عن ابن مسعود t:« إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عليكم » وهو في البخاري وغيره.

([74])  مسلم.

([75])  مرجع برايس الطبي- الطبعة العاشرة.

([76])  أبو داود.

([77])مسلم.

([78])  الدارقطني.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *