تاسعا ـ البشر

تاسعا ـ البشر

خرجت من حلب قاصدا عاصمة الشام دمشق.. تلك المدينة التي ضمت الحضارة الإسلامية قرونا طويلة..

في تلك المدينة التقيت الوارث الذي تعلمت على يده معنى قوله تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ  } (الكهف: 110).. وأيقنت أن معناها ليس محصورا فيما نفهمه من بشرية قريبة من البهيمية.. وإنما هي بشرية سامية لا يكتمل كمال الإنسان إلا بتوفرها وكمالها([1]).

سأقص عليكم القصة من البداية..

دخلت دمشق، وبالضبط إلى حي من أحيائها يسمى (الصالحية).. وقد كنت حين دخلتها ممتلئا بالمعاني السامية التي استفدتها خلال رحلاتي السابقة، ولذلك ابتدرت نفسي إلى انتقاد ما رأيته في دمشق من اهتمام كبير بالحياة الدنيا.

لقد كنت أرى أصناف المآكل التي توارثها أهل دمشق أبا عن جد.. وبجانبها أصناف الألبسة.. والرياحين.. والمراكب.. حتى المسابح التي أعدت لذكر الله كنت أراهم يتفنون في حجارتها وألوانها وزخارفها.

وقلت لنفسي، وأنا أتجول في تلك الشوارع: (أين أنت يا أويس القرني.. ويا بشر الحافي.. ويا بديع الزمان النورسي.. لتروا ما عليه هذه البلدة من خلود إلى الأرض، وسكون إلى الدنيا)

ما استتم هذا الخاطر على خاطري حتى أمسكت يد بكتفي، التفت إلى صاحبها، فإذا به رجل في منتهى الجمال والوقار والرقة.. وكأن الجمال قد صب في قالبه.. وكأن الوقار لم يتمثل إلا في شخصه.. وقد كان يرتدي ثيابا لا يرتدي مثلها إلا الأثرياء.

لما نظرت إليه لأسأله عن حاجته، بادرني بقراءة قوله تعالى:{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (لأعراف:32)

بعد أن انتهى من قراءته، قلت: هل تريد أن تبعث لي رسالة من خلال هذه الآية؟

قال: أجل.. إن ما تراه من زينة رآه قبلك بشر الحافي.. وأويس القرني.. وسعيد النورسي.. ولم ينكروه.

تعجبت من قدرته على قراءة خاطري، فقلت: أأنت كاهن أم منجم؟

قال: أنا متوسم.. ألم تسمع قوله تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (الحجر:75)؟

قلت: بلى..

قال: فأنا ـ بفضل الله ـ واحد منهم.. قد آتاني الله فراسة صادقة.. أنا من الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم: (إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم)([2])

قلت: كيف ذلك.. ولست أراك تلبس ثيابا بالية.. ولا تحمل ما يحمل الزهاد من مظاهر الذلة والانكسار؟

قال: لقد أنعم الله علي بمال.. فأحببت أن يرى أثر نعمته علي.. وأحببت أن يرى عباده ذلك أيضا.

قلت: لا أرى إلا أنك من الذين لبس عليهم الأمر.. فصاروا يحتالون على النصوص المقدسة، ليختاروا منها ما يناسب أهواءهم.

قال: لا تقل ذلك.. لقد جربت مرة أن ألبس ملابس أويس، وأنتعل حذاء بشر.. لكني لم أجد يدا تمتد إلي بالسؤال، بل وجدت الأيدي ـ على عكس ذلك ـ تمتد إلي بالعطاء.. فرحت ألبس ما تراه ليقصدني السائلون، ويطرق بابي المحتاجون.

قلت: نعمت النية نيتك.. ولكن هل ترى ذلك كافيا ليجعلك من المترفعين عن طينهم؟

قال: لقد خلق الله لنا طينا.. وطلب منا أن لا نحرمه مما يحتاجه من ماء وهواء وكساء ومأوى.. إن طيننا أمانة عندنا.. ومن التقصير العظيم أن نضيع الأمانة التي أمرنا بحفظها.

قلت: الإنسان روح لا طين.

قال: بل هو روح وطين.. ولا ينبغي للطين أن تبخس حق الروح، ولا للروح أن تبخس حق الطين..

لقد خلق الله الموازين، والكامل هو الذي راعى تلك الموازين، فلم يضيع ولم يطفف.

قلت: إن ما نطقت به حكمة لا يحق لي أن أجادلك فيها.. ولكني أسألك: كيف ظهر لك أن تخاطبني بمثل هذا؟

قال: ألست تبحث عن الإنسان الكامل؟

قلت: بلى.. وأحسبني وجدته.

قال: لن تعرفه حتى تعرف أنه بشر.. هو بشر كالبشر.. ولكنه يوحى إليه.

قلت: هل من الضروري أن يكون بشرا؟

قال: نعم.. لو لم يكن بشرا ما كان إنسانا.. ولقال آخر الناس: (إن هذا من عالم آخر، فلا يحق له أن يكون الكامل من بيننا)

قلت: وما تعني البشرية؟

قال: تعني حفظ حقوق الطين.. فالطين الذي خلقه الله لم يخلقه عبثا، بل هو طين محترم، ولا يصير الإنسان كاملا حتى يحترمه.

قلت: إنه يخوض بذلك في الدنيا خوضا.

قال: لا.. إن روحانية العارف والعابد والورع والزاهد تلطف من طينية الطين، فتحولها أنوارا خالصة.

قلت: لكأني بك صحبتني في رحلتي إلى محمد.. فمن أنت؟

قال: أنا رجل من أحباب محمد.. ومن ورثة محمد.. ملأ الله من حب محمد قلبي، فرحت أبحث في دفاتر الوراقين عن كل صغيرة وكبيرة ترتبط به لأعيشها.

قلت: سواء كانت من الدين أو من الدنيا!؟

قال: سواء كانت من الدين أو من الدنيا.. لقد قلت في نفسي: (لن يكمل في الدين إلا من كمل في الدنيا).. فلذلك سرت خلفه، وأنا أعلم أنه لن يهديني إلا إلى خير.

قلت: ولكني أراك تلبس لباسا عصريا.. ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبس قميصا، وأرى رأسك عارية، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتم بعمامة.. وأرى في يدك ساعة.. ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن في يده.. وأرى لحيتك خفيفة لا تكاد تظهر، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم كان صاحب لحية كثيفة.

قال: دعك من هذا.. فأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم  المنتجبين كان كل منهم يلبس لباسا مختلفا عن أخيه.. وله من المظاهر ما يتميز به عن غيره، ولم ينكر صلى الله عليه وآله وسلم ذلك على أحد منهم.. ولم يعتبر أن ذلك قصور منهم في محبته.

قلت: ولكنك تزعم أنك اتخذت محمدا النموذج الأكمل في حياتك..

قال: أجل.. ولن أستطيع أن أقنعك بذلك الآن.. ولذلك تعال معي، فأنا الوارث التاسع الذي كتب الله أن يعلمك معنى بشرية محمد.

قلت: من أنت؟

قال: أنا الصالحي..

قلت: أعلم ذلك.. فكل من سكن هذه الصالحية يسمى صالحيا..

قال: أنا محمد بن يوسف بن علي بن يوسف الدمشقي.

قلت: أأنت صاحب السيرة الشامية؟.. أأنت صاحب (سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد)([3])

ابتسم، وقال: ذلك جدي.. وقد سميت باسمه كما سمي آبائي بأسماء آبائه.. ولكنك مع ذلك تستطيع أن تعتبرني صاحبها، فأنا أحفظها عن ظهر قلب، وأعيشها بكل مشاعري وكياني.

مشيه:

قلت: أين بيتك؟.. بشرفني أن أزور رجلا من أحفاد الصالحي.

قال: هو قريب من هنا.. هيا بنا.

قال ذلك، ثم أخذ يمشي بسرعة، فقلت: رويدك يا صالحي.. لكأني بفعلك يخالف قولك.. فأنت دعوتني بلسانك، وفررت مني برجلك.

ابتسم، وقال: لا.. فعلي يواقف قولي.. ولكني بإسراعي أطبق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مشيه.. فقد تواترت الروايات بأن مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت أميل إلى السرعة منها إلى البطء:

لقد حدث بعض أصحابه قال: ما رأيت أحدا أسرع مشية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكأنما الأرض تطوى له: كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا وأنه لغير مكترث)([4])

ووصف آخر مشيته، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مشى مشي السوقي، ليس بالعاجز ولا الكسلان)([5])

ووصفها آخر، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل فلا يدركه([6]).

ووصفها آخر، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى كأنما يتقلع([7]) من صخرة([8]) .

وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا ([9]) كأنما ينحط من صبب([10])([11])

قلت: ألا ترى أن هذا النوع من المشي ينافي الوقار؟

قال: وهل ترى الوقار ينافي النشاط؟

قلت: لا.. للوقار محله، وللنشاط محله.

قال: فهذا من النشاط.. ولذلك كان له محله الخاص الذي لا يتنافى مع الوقار.

قلت: ألا تراه يتنافى مع مشية الصالحين.. فالصالحون في عرف الناس قوم مطأطئي الرؤوس، يمشون خاشعين..؟

قاطعني، وقال: وكيف رأيت الخشوع في المشي.. الخشوع لا يمكن رؤيته؟

قلت: هذا ما تعارف عليه الناس.

قال: وهذا خلاف ما ربانا عليه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.. لقد قال بعضهم يصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منحرفين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون)

قلت: كيف تجمع بين ما ذكرته من سرعة محمد، وشفقته على الضعيف وذا الحاجة؟

قال: ذلك أحوج إلى السرعة.. فلا يمكن أن يعين الضعيف كسلان.. ومع ذلك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخلف في السير إن رأى في ذلك مصلحة، ففي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخلف في السير فيرجئ الضيف، ويردفه ويدعو لهم([12]).

بينما كنا نسير في ذلك الشارع من شوارع الصالحية ناداه رجل، فرأيت الصالحي يلتف جميعا بكل جسمه إلى من ينادي عليه، ولا يكتفي باستراق النظر كما نفعل في العادة، وقد دعاني ذلك إلى سؤاله مازحا: أهذا أيضا من سنة محمد؟

قال: ما تقصد؟

قلت: رأيتك التفت جميعا، ولم تكتف بتحويل بصرك، كما نفعل في العادة.

قال: أجل.. هو من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لقد ورد في ذلك أحاديث:

فعن جابر  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يلتفت إذا مشى، وكان ربما تعلق رداؤه بالشجرة أو بالشئ فلا يلفت، وكانوا يضحكون، وكانوا قد أمنوا التفاته([13]).

وعن علي  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا التفت التفت جميعا)([14])

وعنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل جميعا، ويدبر جميعا)([15])

قلت: ما الحكمة التي تراها في ذلك؟

قال: كل أفعال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في منتهى الحكمة.. وقد يمن الله علينا، فندرك بعضها، وقد نقصر، فلا نعرف من ذلك قليلا ولا كثيرا.. فنكتفي بالتسليم لنبينا.

قلت: وهل فتح لك في هذا شيء؟

قال: مما فتح لي فيه أن في هذا التصرف احتراما للملتف إليه، فالله تعالى نهى عن تصعير الخد، والالتفات بمسارقة النظر نوع من التصعير.. 

وصل الرجل الذي نادى على الصالحي، فسلم عليه، ثم قال: ما السنة في التنعل؟

قال: ما تقصد؟

قال الرجل: هل السنة أن ننتعل أحذية.. أم أن نمشي حفاة؟

قال: لقد ورد الحديث بكليهما، ففي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي حافيا وناعلا([16]).

قال الرجل: فأيهما أفضل؟

قال: لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يمشي حافيا ومنتعلا، أما مشيه منتعلا فهو أكثر مشيه، وأما حافيا فيدل عليه ما ورد في حديث عيادته صلى الله عليه وآله وسلم لسعد بن عبادة، ففيه: فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشي في السباخ، وكان يماشي أصحابه فرادى وجماعة، يمشون بين يديه، وهو خلفهم ويقول: (دعوا ظهري للملائكة)([17])

قال الرجل: إلى الآن لم أخرج بشيء.

قال: السنة في كليهما بشرط أن تضعها في موضعها.

قال الرجل: كيف ذلك؟

قال: أنت أدرى بذلك..

قال الرجل: فإني أرى قوما يسيرون، يضع بعضهم يده في يد بعض..

قال الصالحي: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك، يتألف قلوب أصحابه.. فقد حدث بعض أصحابه قال: خرجت ذات يوم في حاجة، وإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يمشي بين يدي، فأخذ بيدي، فانطلقا نمشي جميعا.. فذكر الحديث([18]).

تطيبه:

انصرف الرجل، ولم نسر إلا قليلا حتى وصلنا إلى بيته.. وقد كان تحفة من تحف الجمال.. وقد وضع في بوابته بيتا من الشعر يقول:

يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل

ابتسمت، وقلت: أراك ـ بهذا البيت من الشعر ـ ترسل دعوة عامة لكل غاد ورائح.

قال: لا يمتلئ قلبي سرورا إلا بمن يدخل بيتي، ويأكل طعامي، ويتمتع بما أنالني الله من فضله.. فلا خير فيمن يأكل وحده.. لقد كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يأكل وحده)([19])

وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى:{ إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (العاديات:6) بقوله: (الكنود: الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنع رفده)([20])

دخلنا البيت، فوجدته باطنه كظاهره تحفة من تحف الجمال، وقد زين بحديقة ملأها بأنواع الورود.. وقد كانت تفوح بأجمل أريج عطر شممته في حياتي، فقلت: أراك تحب العطور؟

قال: وما لي لا أحبها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبها([21]).. وكان صلى الله عليه وآله وسلم كما وصفه الواصفون يكثر التطيب، وتشتد عليه الرائحة الكريهة، وتشق عليه([22]).

وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن حب الطيب والتطيب من سنن الأنبياء، فقال: (أربع من سنن الأنيباء: الختان والسواك والتعطر والنكاح)([23]) .. وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يرد الطيب، ويأمره بعدم رده ([24])..

سار قليلا، ثم أتاني بمسك وعنبر، وقال: خذ.. شم هذه الروائح.. متع أنفك بما تمتع به أنف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ([25]).

صورته:

بعد أن حدثني بأحاديث تطيبه صلى الله عليه وآله وسلم.. وهو حينها يملأ أنفي بكل ما يستلذه من ألوان العطور، جلس على كرسي مقابل لي، وقال: في رحلتك إلى محمد.. وفي الأحاديث التي بثت لك عنه.. ألم يخطر ببالك أن تمتع بصرك برؤيته؟

قلت: بلى.. لقد حصل ذلك كثيرا.. ولكن أنى ذلك، ولم يكن في عهد محمد ما في عهدنا من آلات التصوير.

قال: بلى.. لقد كان في عهد محمد آلات تصوير دقيقة.

قلت: ما بك يا رجل.. لقد كنت قبل حين من أعقل الناس.. فأين ذهب عقلك؟

قال: لقد كان من شدة محبة المحيطين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة ترتبط بصورته صلى الله عليه وآله وسلم إلا صوروها بألسنتهم البليغة.. ولذلك لا يصعب على خيالك أن يقرب لك صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: وما يجدي ذلك؟

قال: كل شيء يرتبط برسول الله يجدي.. لقد رأيت قوما من الذين نذروا حياتهم لسب الشمس وتشويه جمالها يرسمون صورة لشياطين نفوسهم، ثم ينسبوها إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. ويقولون للناس: هذه هي صورة محمد..

ترى لو لم يرو أولئك المحبون تلك الأحاديث التي رسمت صورته صلى الله عليه وآله وسلم.. هل في إمكان أحد في الدنيا أن يرد على أولئك الحاقدين؟

قلت: قد يرد عليهم بأنهم لم يروه، فلا يحق لهم أن يصوروه.

قال: حينذاك يكون الرد قاصرا..

قلت: كيف يكون قاصرا؟

قال: سيقول أولئك الحاقدون: إن ما نذكره احتمال من الاحتمالات، ولا يحق لكم أن تفندوه، أو أن تنكروه إنكارا كليا.. بل ربما يستندون إلى النصوص التي تدل على أن الله لا ينظر إلى أجسام العباد، بل ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم، فيستدلوا بها على أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان معقدا من صورته، فلذلك ذكر ما ذكر من شأن الصور.. ألا تراهم يستخدمون هذا المنهج في تقرير ما يريدونه من حقائق؟

قلت: صدقت.. ربما يقال ذلك.

قال: فلذلك لم يدع الله الفرصة لهؤلاء.. لقد وعد الله نبيه بأن يعصمه من الناس، وهذا من العصمة من الناس.

قلت: لقد ملأتني شوقا للتعرف على صورة محمد.. فحدثني أحاديث ذلك.

قال: لقد اتفق كل من وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنه في غاية الجمال..

لقد قال عبد الله بن رواحة  في وصفه:

لو لم تكن فيه آيات مبينة      لكان منظره ينبيك بالخبر

وقال بعض أصحابه يصفه: لم أر شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([26]).

وقال آخر: كل شئ حسن قد رأيت، فما رأيت شيئا قط أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([27]).

وقال آخر: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب([28]).

وقال آخر: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيما قسيما([29]).

وقال آخر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة إضحيان([30]) وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه والقمر فلهو أحسن في عيني من القمر([31]).

وقال آخر: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الناس صفة وأجملها([32]).

وقال آخر: ما رأيت شيئا قط أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأن الشمس تخرج من وجهه([33]).

وقال آخر: لم يقم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع شمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط، إلا غلب ضوؤه ضوء السراج([34]).

روى الصالحي هذه الأحاديث، ثم نادى ابنا له، فجاء، وهو لا يقل عن أبيه هيبة وجمالا، فسلم علي، وحياني وكأنه يعرفني من قديم، قال لي الصالحي: إن ابني هذا شاعر.. وقد آثر أن لا يمدح بشعره أحدا غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وأن لا يروي شعرا إلا في رسول الله

قال ذلك، ثم التفت إلى ابنه، وقال: أنشدنا بعض ما قيل في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد كنا نتحدث عن صورته صلى الله عليه وآله وسلم..

استغرق الابن خاشعا، وكأنه يريد أن يرى الصورة التي يريد أن يعبر عنها، ثم قال يترنم بخشوع:

لم لا يضئ بك الوجود وليله          فيه صباح من جمالك مسفر

فبشمس حسنك كل يوم مشرق  وببدر وجهك كل ليل مقمر

طربت لإنشاده، فقال: سأنشدك بعض ما قال البوصيري في جماله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد كان للبوصيري من الحس والذوق ما استطاع أن يعبر به عما قصر غيره في التعبير عنه، لقد قال:

فَهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصورَتُهُ ‏  ثم اصطفاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَم

‏‏مُنَزَّهٌ عن شريكٍ في محاسِنِهِ    فجوهر الحُسنِ فيه غيرُ منقَسِمِ

أشار الصالحي إلى ابنه بالسكوت، فسكت بأدب جم، فتوجه الصالحي إلى، وقال: لاشك أنك ككل الناس تحب التفاصيل.. فلا يكفي أن نقول عن شيء: إنه جميل.. فقد يكون جميلا في عيون، دميما في غيرها..

ولذلك سأذكر لك.. وأذكر لأولئك الحاقدين الصورة الحقيقية لجسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. والتي أرادوا تشويهها بما أوحته لهم به الشياطين.. فسلني ما بدا لأرسم لخيالك ما يريد أن يعرفه عن صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولن أذكر لك ذلك إلا مدعما بالشهود الكثيرين الذين عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو رأوه عن قرب([35]).

بادرت قائلا: أخبرني عن لونه.. فاللون هو أول ما يشد انتباه الناظر.

قال: لقد وصفه بعض الصحابة، فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزهر اللون([36])، ليس بالآدم ولا بالأبيض الأمهق([37])([38]) .. وقال آخر : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض مشربا([39]) بحمرة)([40]) .. وقال آخر : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزهر اللون، ليس بالأبيض الأمهق([41]).

التفت إلي، وقال: فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أبيض اللون، وكان بياضه مشربا بحمرة.

قلت: عرفت لونه.. فحدثني عن شعره.

قال: لقد وصفه علي وهند بن أبي هالة  فقالا: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظيم الهامة([42])، رجل الشعر([43])، إن افترقت عقيقته([44]) فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفره) ([45])

نظر إلي، وقال: فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن شعره صلى الله عليه وآله وسلم كان أسود اللون، وكان فوق الجمة([46])ودون الوفرة([47])، وكانت جمته تضرب شحمة أذنيه.

وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يجعلها إذا طال شعره ضفائر أربعا، قالت أم هانئ: (قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة قدمة، وله أربع غدائر([48]))([49]

قلت: فقد كان محمد يهتم بشعره إذن؟

نظر إلي، والابتسامة المشرقة تعلو محياه، وقال: أجل.. وذلك من دلائل كماله.. أليس الشعر أمانة من الله ائتمننا عليها؟

قلت: يمكنك أن تقول ذلك.

قال: بل هو كذلك.. فكل ما لنا من الله.. هو أمانة وهو نعمة.. والأمانة لا يصح تضييعها، والنعمة لا يصح العبث بها.

قلت: صدقت في هذا.

قال: ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يهتم بشعره.. وقد ذكر ابن عباس ذلك، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه لشئ، وكان أهل الكتاب يسدلون شعورهم، وكان المشركون يفرقون رؤسهم، فسدل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم فرق بعده([50]).

قلت: ألا يمكن أن نعتبر طريقة مشط محمد لشعره سنة من السنن؟

قال: لا.. ذلك خاضع لأعراف الناس وأذواقهم.. ولا يمكن أن نعتبر هذا سنة.

ثم التفت إلى شعره، وقال: أنت لا ترى في شعائري الضفائر الأربع.. ولو كانت الضفائر سنة لفعلتها.

قلت: وما دليلك على عدم سنيتها.. أعدم فعلك لها تعتبره دليلا؟

قال: لا.. أنت ترى في الأحاديث التي سقتها لك أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان يغير مشطة بحسب الأحوال.. فقد وافق في مشطه لشعره أهل الكتاب ثم خالفهم.. ولو كان في الأمر سنة لحث عليها، وطلب منهم التأسي بها.

قلت: فهل كان محمد يحلق شعره؟

قال: أجل.. بل إن الحلق في الإسلام من الشعائر المرتبطة بالدين والطهارة.. فلا يصح أن يترك الإنسان شعره إلى أن يؤذيه.

وقد ذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رمى جمرة العقبة نحر نسكه، ثم ناول الحالق شقه الأيمن، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، ثم ناوله شقه الأيسر، فقال: (اقسمه بين الناس)، قال الراوي: (فلقد رأيته والحلاق يحلقه، فطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعره إلا في يد رجل) ([51])

قلت: فحدثني عن جبينه.

قال: لقد وصفه بعضهم بقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسع الجبين([52])، أزج الحواجب([53]) سوابغ([54])بينهما عرق يدره([55]) الغضب)([56])

التفت الصالحي لابنه، وقال: أنشدنا يا بني ما قال الشاعر في هذا:

أخذ الابن يترنم بصوت شذي:

متى يبد في الليل البهيم جبينه  يلح مثل مصباح الدجى المتوقد

فمن كان أو من قد يكون كأحمد        نظاما لحق أو نكالا لملحد

قلت: فحدثني عن عينيه.

قال: لقد وصفهما علي  بقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدعج([57]) العينين)([58])

وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظيم العينين أهدب([59]) الأشفار([60]) ([61])

التفت الصالحي إلي، وقال: ألا ترى الجيوش المعاصرة تزود جنودها بما يحتاجونه لتيسير الرؤية في الظلام، ورؤية القريب بعيدا؟

قلت: بلى.. فما علاقة ذلك بعيني محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: لقد انتدب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأعظم وظيفة في الوجود.. وهو لذلك زود بالوسائل الكثيرة التي تعينه على ذلك.. هو بشر نعم.. ولكن له من الطاقات ما هو أعظم من سائر البشر ليستطيع أداء الوظيفة الموكلة إليه.

قلت: فهل كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يرى البعيد قريبا، ويرى في ظلام الليل الحالك؟

قال: أجل.. لقد وردت بذلك الروايات الكثيرة، فعن ابن عباس  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى بالليل في الظلمة، كما يرى بالنهار في الضوء)([62])

وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: (هل ترون قبلتي ها هنا، فوالله لا يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم من وراء ظهري)([63]

وقال: (إني لأنظر إلى ما وراء ظهري كما أنظر إلى أمامي)([64])

وقال: (أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود فإني أراكم من أمامي ومن خلفي)([65])

فهذه النصوص تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان له هذه الطاقة([66]).. كما كان له غيرها من الطاقات التي استدعتها الوظيفة الخطيرة التي أنيطت به.

قلت: حدثتني عن بصره، فحدثني عن سمعه.

قال: لقد ورد في النصوص المقدسة أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان له القدرة على سماع ما لا يسمعه الحاضرون مع سلامة حواسهم.

لقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تسمعون ما أسمع؟) قالوا: ما نسمع من شئ قال: (إني لأرى مالا ترون، وأسمع مالا تسمعون، إني أسمع أطيط السماء([67]) وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم)([68])

وحدث بعضهم قال: بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة له إذ حادت([69]) به، فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟) فقال رجل: أنا، فقال: متى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فأعجبه ذلك فقال: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عزوجل أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع)([70])

زيادة على هذا، فمن المعلوم بالضرورة أن الوحي كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيانا في مثل صلصلة الجرس ويسمعه ويعيه ولا يسمعه أحد من الصحابة.

قلت: فحدثني عن أنفه.

قال: لقد وصفه علي فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقنى([71])  العرنين([72])([73]).

قلت: فحدثني عن خده.

قال: لقد وصفه هند بن أبي هالة  فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهل الخدين([74])([75])

قلت: فحدثني عن فمه.

قال: لقد وصفه هند بن أبي هالة  فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضليع الفم([76])، أشنب([77])، مفلج الأسنان([78])، يفتر([79]) عن مثل حب الغمام([80])([81])

ووصف علي  ثناياه، فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم براق الثنايا)([82])

وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفلج الثنايا)([83])

ووصفه ابن عباس  فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفلج الثنيتين، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه)([84])

وقال أبو قرصافة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وأمي وخالتي، فلما رجعنا، قالت أمي وخالتي: يا بني ما رأينا مثل هذا الرجل، لا أحسن وجها، ولا أنقى ثوبا، ولا ألين كلاما، ورأينا كالنور يخرج من فيه([85]).

وقد اتفقت الروايات على طيب رائحة فمه صلى الله عليه وآله وسلم:

قال أنس: (شممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([86])

وقال: (بزق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بئر بدارنا، فلم يكن بالمدينة بئر أعذب منها)([87])

وقال وائل بن حجر: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدلو من ماء فشرب من الدلو، ثم صب في البئر ـ أوقال: ثم مج في البئر ـ ففاح منها مثل رائحة المسك)([88])

وقالت عميرة بنت مسعود الأنصارية: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وأخواتي، وهن خمس، فوجدناه يأكل قديدا، فمضغ لهن قديدة، ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن، فمضغت كل واحدة قطعة فلقين الله وما وجد لأفواههن خلوف([89]))([90])

وقال أبو أمامة: (جاءت امرأة بذيئة اللسان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يأكل قديدا، فقالت: ألا تطعمني؟ فناولها مما بين يديه، فقالت: لا إلا الذي في فيك، فأخرجه صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاها فألقته في فمها، فأكلته فلم يعلم منها بعد ذلك الأمر الذي كانت عليه من البذاء والذرابة ([91]))([92])

وقالت أم عاصم ـ امرأة عتبة بن فرقد ـ: كنا نتطيب ونجهد لعتبة بن فرقد أن نبلغه، فما نبلغه، وربما لم يمس عتبة طيبا، فقلنا له فقال: (أخذني البثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته، فتفل في كفه، ثم مسح جلدي، فكنت من أطيب الناس ريحا)([93])

التفت الصالحي إلى ابنه، وقال: أنشدنا ما قالت الشعراء في هذا.

قال: لقد قال بعضهم يمدح صلى الله عليه وآله وسلم بهذا:

بحر من الشهد في فيه مراشفه  ياقوت من صدف فيه جواهره

قلت: فحدثني عن لحيته.

قال: لقد وصفها علي  فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظيم اللحية)([94])

ووصفها سعد فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد سواد الرأس اللحية)([95])

قلت: لعل الذين وصفوا سواد شعره لم يدركوه، وقد بلغ الستين، تلك السن التي يشتعل فيها الرأس شيبا..

ابتسم، وقال: بل إن الشيب يبدأ دون ذلك بكثير.. ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحصل له من الشيب إلا القليل، بل إن الروايات تكاد تحصي عدد ما شاب من شعره صلى الله عليه وآله وسلم.

فعن أنس  قال: (ما كان في رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا لحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة بيضاء)([96])

وعنه قال: (ليس في شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولحيته عشرون شعرة بيضاء)([97])

قلت: فحدثني عن وجهه.

قال: لقد وصفه علي، فقال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمطهم([98]) ولا المكلثم([99])، وكان في وجه تدوير)([100])

وقال هند بن أبي هالة: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخما([101]) مفخما([102])  يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر)([103])

قال الصالحي ذلك، ثم التفت إلى ابنه، وقال له: أنشدنا بعض ما قيل في هذا، فأخذ ابنه يترنم بصوت شذي:

كالبدر والكاف إن أنصفت زائدة  فلا تظننها كافا لتشبيه

قلت: فحدثني عن صفة عنقه.

قال: لقد وصفه علي، فقال: (كأن عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبريق فضة)([104]) ، وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جليل المشاش([105]) والكتد([106])) ([107])

قلت: فحدثني عن صفة ظهره.

قال: لقد وصفه محرش بن عبد الله الكعبي  فقال: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الجعرانة ليلا، فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة)([108])

قلت: لقد سمعت بأن في ظهره ما يسمى بخاتم النبوة.

قال: أجل.. لقد تواترت بذلك الروايات([109]).

قلت: فحدثني عن صفة صدره وبطنه.

قال: لقد وصفه هند بن أبي هالة  فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عريض الصدر، سواء البطن والصدر([110])، مشيح الصدر([111]))([112])

وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنور المتجرد ([113]) دقيق المسربة موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين([114]) والبطن مما سوى ذلك أشعر([115])الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر)([116])

وقال علي: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويل المسربة)([117])

وقال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعر يجري من لبته إلى سرته كالقضيب ليس في صدره ولا بطنه شعر غيره)([118])

قلت: فحدثني عن صفة يديه.

قال: لقد وصفه علي، فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شثن الكفين([119]) سائل الأطراف([120]) سبط([121]) القصب([122]))([123])

وقال سعد: (اشتكيت بمكة فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني فوضع يده على جبهتي فمسح وجهي وصدري وبطني فما زلت يخيل إلي أني أجد برد يده على كبدي حتى الساعة) ([124])

قلت: فحدثني عن صفة رجليه.

قال: لقد وصفهما هند بن أبي هالة: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف سبط القصب خمصان الإخمصين([125])مسيح القدمين([126])ينبو عنهما الماء)([127])

التفت الصالحي إلى ابنه، وقال: أنشدنا بعض ما قيل في قدمه صلى الله عليه وآله وسلم.

أخذ ابنه يترنم بصوت عذب بقول الشاعر:

يا رب بالقدم التي أوطأتها     من قاب قوسين المحل الأعظما

وبحرمة القدم التي جعلت لها     كتف البرية في الرسالة سلما

ثبت على متن الصراط تكرما      قدمي وكن لي منقذا ومسلما

واجعلهما ذخري ومن كانا له  أمن العذاب ولا يخاف جهنما

قلت: فحدثني عن طوله.

قال: لقد وصفه علي، فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالذاهب طولا وفوق الربعة إذا جامع القوم غمرهم)([128]) .. وقال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطويل الممغط([129])ولا بالقصير المتردد كان ربعة من القوم)([130])

قلت: فحدثني عن عرقه.

قال: لقد وصفه علي  فقال: (كأن عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطيب من ريح المسك الأذفر)([131])

وقال أنس: (ما شممت ريحا قط أو عرقا قط أطيب من ريح أو عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،  ولا شممت مسكا ولا عطرا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([132])

وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ)([133])

وقال: (كل ريح طيب قد شممت، فما شممت قط أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل شئ لين قد مسست فما مسست شيئا قط ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([134])

وقال: (كنا نعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقبل بطيب ريحه)([135])

وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب فيقال مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الطريق)([136]

وقال جابر بن عبد الله: (كان في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصال: لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه أو عرفه)([137])

التفت الصالحي إلى ابنه، وقال: أنشدنا فيما قيل في هذا؟

أخذ ابنه يترنم بصوت عذب بقول الشاعر:

ولو أن ركبا يمموك لقادهم  نسيمك حتى يستدل به الركب

أكله:

بعد أن ملأ بصري بما وصف لي من صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر ابنه بأن يقدم لنا الطعام، فأسرع ابنه.. وما لبث إلا قليلا، حتى جاءنا بطعام تفوح من روائحه الطيبة، فقلت: لكأني بك علمت ما يجول في عقل بطني كما علمت ما يجول في عقل خاطري.. إن هذا الطعام الذي تقدمه أشهى طعام أحببته في حياتي.

رأيته فرح فرحا شديدا حتى كاد يستفزه طربا، وقال: بشرك الله بخير.. بشرك الله بخير.

تعجبت من موقفه هذا، فقال: لا تتعجب.. لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من وافق من أخيه شهوة غفر له)([138])

قلت: عهدي بالصالحين لا يتحدثون عن مثل هذا.. فالطعام الشهي عندهم هو الطعام الحلال، وهم لا يبالون بعد ذلك ألذ مذاقه أم خبث؟

قال: ألم يخلق الله لنا ألسنة تميز بين المطعومات.. فتستلذ طعم بعضها، وتنكر غيره؟

قلت: ذلك صحيح.. وفي ذلك بلاء عظيم..

قال: وما وجه البلاء فيه؟

قلت: هناك من يعبد ذوقه من دون الله.. فيصير تابعا لشهواته.

قال: وهناك ما يثبت أمام شهواته، فلا تغره، ولا تستعبده..

قلت: ذلك هو من يزهد فيها.

قال: وذلك هو من يتناولها بقدر، وهو يعلم حق الله فيها، ونعمة الله عليه بها.

قلت: كيف ترى البلاء نعمة؟

قال: ليس لنا من ربك إلا النعم.. ولكنا نحن الذين نحول النعم نقما، والعافية بلاء.

قلت: بالمناسبة.. حدثني عن الطعام الذي كان يشتهيه محمد؟

قال: لقد ورد في ذلك أحاديث عن جمع من الصحابة كل وصف ما عرف أو ما شاهد:

فمنهم من ذكر الثريد([139]).. فعن ابن عباس: قال: (كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس)([140])

وعن أنس  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الثفل([141])([142])

وعنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وغلام له خياط، فقدم إليه قصعة فيها ثريد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتبع الدباء.. الحديث([143]).

وعن جابر  قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقصعة من ثريد فقال: (كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها فإن البركة تنزل في وسطها)([144])

ومنهم من ذكر القرع.. فعن أنس قال: (كان القرع يعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([145])

ومنهم من ذكر الحلوى والعسل.. فعن جابر  قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عسل، فقسم بيننا لعقة لعقة فأخذت لعقي، ثم قلت: يارسول الله أزداد أخرى، قال: (أخرى؟) قلت: نعم([146]).

ومنهم من ذكر اللبن بالتمر.. فعن بعض الصحابة  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتمجع اللبن بالتمر ويسميها الأطيبين([147]).

ومنهم من ذكر القثاء([148]).. فعن جابر  قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بني أنمار، فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله هلم إلى الظل، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقمت إلى غرارة لنا، فالتمست فيها شيئا فوجدت جرو قثاء([149]) فكسرته، ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (من أين لكم هذا؟) فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة([150]).

ومنهم من ذكر الرطب والبطيخ.. فعن أنس  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجمع بين الرطب والخربز([151])([152])

ومنهم من ذكر الفلفل والزيت.. فعن عبد الله بن علي   أن جدته سلمى  أخبرته قالت: دخل علي الحسن بن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، فقالوا: اصنعي لنا طعاما مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحسن أكله فقالت للحسن: يا بني لا تشتهيه اليوم، فأخذت شعيرا ونسفته، وجعلت منه خبزة، ثم جعلته في تور، وجعلت أدمه الزيت، ونثرت عليه فلفلا، وقربته إليهم، وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب هذه، ويحسن أكلها([153]).

ومنهم من ذكر الخل.. فعن جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر به قال: فأشار إلى، فقمت إليه، فأخذ بيدي، فانطلقا حتى دخل بعض حجر نسائه، فدخل، ثم أذن لي فدخلت وعليها الحجاب، فقال: ((لأهله هل من غداء؟) قالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقراص، فوضعن على شئ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا فوضعه بين يدى ثم أخذ الثالث فكسره بالثنتين، فجعل بعضة بين يديه، وبعضه بين يدي، ثم قال: (هل من أدم؟) فقالوا: ما عندنا إلا الخل، فدعا به، فجعل يأكل، ويقول: (نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل)، قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([154]).

ومنهم من ذكر اللحم.. فعن جابر  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشترى لحما قال لأهله: (أكثروا المرق)([155])

وعن أبي ذر  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا عملت مرقة فأكثر ماءها واغرف لجيرانك منها)([156])

وفي هذا.. منهم من ذكر لحم الذراع.. فعن ابن مسعود  قال: (كان أحب العُراق([157]) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذراع ذراع الشاة، وكان يعجبه الذراع)([158])

ومنهم من ذكر لحم الظهر.. فعن عبد الله بن جعفر  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (خير ـ أو أطيب ـ اللحم لحم الظهر)([159])

ومنهم من ذكر لحم الكتف.. فعن ابن عباس  قال: (كان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكتف)([160])

ومنهم من ذكر غير ذلك.. فعن عبد الله بن محمد قال: (كان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدمها)([161])

وعن عبد الله بن مسعود  قال: (كان أحب العراق([162]) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عراق الشاة والجنب)([163])

وبعد هذا كله، وقبله.. فقد روي أن أحب الطعام إليه ما كثرت عليه الأيدي كائنا كا كان، فعن جابر  قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أحب الطعام إلى ما كثرت عليه الأيدي)([164]

قلت: هذا ما كان يشتهيه، فما هي الأطعمة التي كان يعاف أكلها؟

قال: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب الرائحة الطيبة، فلذلك كان يعاف الطعام ذا الرائحة الكريهة.. ومما يروى في ذلك  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يأكل الثوم، ولا الكراث، ولا البصل، من أجل أن الملائكة عليهم السلام تأتيه، ومن أجل أنه يكلم جبريل u)([165])

وعن أبي أيوب  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إليه بطعام يعني حضره، وفيه بصل وكراث ولم ير فيها أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبى أن يأكله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أستحي من الملائكة وليس بمحرم)([166])

وعنه  أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى بطعام أصاب منه، ثم بعث به إلينا، فبعث إلينا بطعام لم يصب منه فقلت: إن لهذا الطعام لشأنا، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له: إنه لم يكن يأتينا من قبلك شئ إلا وقد أصبت منه ما شاء الله، فقال: ((إن هذه بقلة أكرهها، ولكن كلوها)، قال: (إني أكره ما كرهت يعني الثوم)([167])

وعن سويد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقصعة فيها ثوم، فوجد ريح الثوم، فكف يده، وكف معاذ يده، فكف القوم أيديهم، فقال لهم: (ما لكم؟) فقالوا: كففت يدك، فكففنا أيدينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلوا باسم الله، فإني أناجي ما لا تناجون)([168])

هذا في الخضر.. أما اللحوم، فقد حدث عبد الله بن عباس  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره من الشاة سبعا: المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم([169]).

وعن ابن عباس  قال:ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره الكليتين لمكانهما من البول([170]).

وعن ابن عباس  قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمن وأقط وضب فأكل من السمن والأقط، قال: (الضب، هذا شئ ما أكلته قط، فمن أراد أن يأكله فليأكله)، قال: (فأكل على خوانه)([171])

قلت: حدثتني عن الطعام الذي اشتهاه، وعن الطعام الذي عافه، فحدثني عن الطعام الذي أكله.

قال: ذلك كثير..

قلت: فحدثني.. فلا يحلو الحديث عن الطعام إلا بحضرة الطعام.

قال: من ذلك طعام يسمى الدشيشة([172]).. فعن جابر  قال: (صنعنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخارة فيها دشيشة)([173])

ومنها الحريرة([174]) والعصيدة ([175]).. فعن سلمي ـ مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حريرة وقربتها إليه فأكل، ومعه ناس من أصحابه، فبقى منها قليل، فمر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أعرابي، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذها الأعرابي كلها بيده فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ضعها)، ثم قال: (باسم الله، وكل من أدناها فشبع منها، وفضل منها فضلة)([176]

ومنها خبز الشعير مع الإهالة السنخة.. فعن أنس  قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خبز الشعير وإلى إهالة سنخة)([177]

ومنها المن.. فعن أنس  أن أكيدر دومة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جرة من من، فأعطى أصحابه قطعة قطعة، ثم رجع إلى جابر فأعطاه قطعة أخرى، فقال: (يا رسول الله قد أعطيتني فقال: ((هذه لبنات عبد الله)([178])

ومنها السويق.. فعن سويد بن النعمان الأنصاري  قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر حتى إذا كنا بالصهباء أو بيننا وبينها روحة دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالزاد، فلم يؤت إلا بسويق فلاكه صلى الله عليه وآله وسلم ولكناه معه، ثم مضمض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومضمضنا معه، ثم صلى المغرب، وصلينا معه، ولم نتوضأ([179]).

ومنها التمر بالخبز.. فعن عبد الله بن سلام  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ كسرة من خبز شعير، ثم أتى بتمرة فوضعها عليها، ثم قال: (هذه إدام هذه)([180]

ومنها السمسم.. فعن أنس  قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعد بن معاذ  على أتان، فأنزله وقرب إليه شيئا من سمسم، وشيئا من تمر، حتى إذا أكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأراد أن يقوم دعا له ([181]).

ومنها السمن والأقط([182]).. فعن ابن عباس  قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمن وأقط وأضب، فأكل من السمن والأقط، ولم يأكل من الأضب تقذرا، ثم قال: (إن هذا الشئ ما أكلته قط، فمن شاء أن يأكله فليأكله)، قال: (وأكل على خوانه)([183]

قلت: فحدثني عن الفواكه التي أكلها.

قال: منها العنب، وكان يحبه.. فعن ابن عباس  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل العنب خرطا([184]))([185])

ومنها التين.. فعن أبي ذر  قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طبق من تين، فقال لأصحابه: (كلوا فلو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت هي التين، وإنه يذهب بالبواسير ينفع من النفرس)([186]

ومنها الزبيب.. فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل بيت سعد بن عبادة  فقرب إليه زبيبا، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغ قال: (أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون)([187]

ومنها السفرجل.. فعن ابن عباس  قال: جاء جابر بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسفرجلة قدم بها من الطائف فناوله إياها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه ليذهب بطخاءة الصدر([188])ويجلو الفؤاد([189])([190]

ومنها الرمان.. فعن ابن عباس  أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى برمان يوم عرفة فأكل([191]).

ومنها الكباث([192]).. فعن جابر  قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمر الظهران نجني الكباث، وهو ثمر الأراك، وهو يقول: (عليكم بالأسود منه، فإنه أطيب)([193]

ومنها الزنجبيل.. فعن أبي سعيد الخدري  قال: أهدى ملك الهند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدايا، فكان فيما أهدي له جرة فيها زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة قطعة، وأطعمني قطعة([194]).

ومنها الفستق واللوز.. فعن دحية  قال: قدمت من الشام وأهديت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك فقال: (اللهم ائتني بأحب أهلي يأكل معي)، فطلع العباس  فقال: ((ادن يا عم) فجلس فأكل([195]).

ومنها الجمار.. فعن ابن عباس  قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيته يأكل جمار، فقال: (إني لأعرف شجرة تؤتي أكلها كل حين مثل المؤمن).. الحديث([196]).

ومنها، وعلى رأسها التمر، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبه، ويأمر به، ويقول: (بيت لا تمر فيه جياع أهله، وبيت لا خل فيه قفار([197]) أهله، وبيت لا صغار فيه لا بركة فيه، وخيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)([198])

وعن علي  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل تمرا، فإذا مر بحشفة أمسكها بيده، فقال له قائل: أعطني هذه التي بقيت، فقال: (إني لست أرضى لكم ما أسخطه لنفسي) ([199])

وعن جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكل عندهم رطبا وشرب ماء وقال: (هذا من النعيم الذي تسألون عنه)([200])

قلت: أرى أن محمدا يحب الفاكهة؟

قال: أجل.. لقد حدث ابن عباس  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى بالباكورة من الثمار قبلها، ووضعها على عينيه، ثم قال: (اللهم كما أطعمنا أوله فأطعمنا آخره)، ثم يأمر به للمولود من أهله ـ وفي لفظ: أصغر من يحضره من الولدان ([201]).

قلت: فما كان موقفه من الخضراوات وما يلتحق بها؟

قال: لقد ورد في النصوص أكله صلى الله عليه وآله وسلم لها.. فعن أنس  قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البقل([202]).

ومن الخضر التي ورد في النصوص أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكلها القلقاس.. فقد روي أن أهل أيلة أهدوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم القلقاس فأكله وأعجبه، وقال: ((ما هذا؟) فقالوا شحمة الأرض، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن شحمة الأرض لطيبة)([203])

ومنها القرع.. فعن أنس  أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبزا من شعير، ومرقا فيه دباء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتتبع الدباء من حول الصحفة، فجعلت أتتبعه، وأضعه بين يديه ولا أطعمه، فلم أزل أحب الدباء من يومئذ([204])) ([205])

ومنها السلق مطبوخا مع الزيت، والفلفل، والتوابل، ودقيق الشعير.. فعن سهل بن سعد الساعدي  قال: كنا نفرح بيوم الجمعة، قلنا: لم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر عليه حبات من شعير، والله ما فيه لحم ولا ودك فإذا صلينا الجمعة انصرفنا([206]).

وعن أم المنذر  قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي  ولنا دوال معلقة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل وعلي يأكل معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (مه يا علي، فإنك ناقه) فجلس علي  والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل، فجعلت لهم سلقا وشعيرا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا علي من هذا، فأصب، فإنه أوفق لك)([207])

قلت: فما اللحوم التي أكلها؟

قال: من اللحوم التي ورد أكله لها صلى الله عليه وآله وسلم لحم الجزور.. فعن جابر  قال: كان علي  قدم بهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان الهدي الذي قدم به صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي  من اليمن مائة بدنة، فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها ثلاثا وستين، ونحر علي  سبعا وثلاثين، وأشرك عليا  في بدنة، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في در فطبخت، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي  من لحمها وشربا من مرقها([208]).

قلت: هذه الحيوانات التي أكلها.. فما الصفة التي أكلها عليها؟

قال: أكلها مطبوخة ومشوية وقديدا.. وقد حدثتك عن أكله صلى الله عليه وآله وسلم لها مطبوخة.. أما ما ورد من أكلها لها قديدا([209]).. فعن أنس بن مالك  أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لطعام صنعه، فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقرب إليه خبزا من شعير، ومرقا فيه دباء وقديد([210]).

وعن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال: سألت عائشة  عن لحوم الأضاحي، قالت: كنا نخبئ الكراع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرا ثم يأكله([211]).

وعن جابر  قال: أكلنا القديد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([212]).

ومنها أكله لها مشوية.. فعن أم سلمة  أنها قربت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنبا([213]) مشويا فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة وما توضأ([214]).

قلت: حدثتني عن الطعام الذي أكله.. فحدثني عن أصناف الشراب التي شربها.

قال: أول ذلك الماء العذب، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحبه.. فعن جعفر بن محمد  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستعذب له من بئر عرس، ومنها غسل([215]).

ومن ذلك اللبن الخالص، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحب شربه.. فعن ابن عباس  قال: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللبن([216]).

ومن ذلك شربه العسل.. فعن أنس  قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه القدح الشراب كله: العسل واللبن والماء المخلوط بالعسل([217]).

وعن عائشة  قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقدح فيه لبن وعسل فقال: (شربتين في شربة، في قدح، لا حاجة لي به، أما أني لا أزعم أنه حرام، أكره أن يسألني ربي عن فضول الدنيا، أتواضع لله فمن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن ذكر الموت أحبه الله)([218])

وعنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحلو البارد([219]).

قلت: حدثتني عن شرابه.. فحدثني كيف كان يشرب؟

قال: شرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعدا وقائما.. فعن ميسرة قال: رأيت عليا  يشرب قائما، فقلت له: تشرب قائما؟ قال: إن أشرب قائما فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشرب قائما، وإن أشرب قاعدا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشرب قاعدا([220]).

قلت: فما تقول في النصوص التي ورد النهي فيها عن الشرب قائما؟

قال: الأصل في شربه صلى الله عليه وآله وسلم هو شربه قاعدا.. وهو ما دل عليه الحديث القولي..

قلت: فعلام تحمل الأحاديث التي وصفت فعله؟

قال: يحتمل ذلك وجوها: منها أنه شرب قائما للضرورة.. ومنها أنه شرب قائما للترخيص في ذلك، ورفع الحرج على من فعله.

قلت: حدثتني عن هيئة شربه، فحدثني عن هيئة أكله.

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم الناس تواضعا.. فعن عبد الله بن بسر  أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاة، والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: (اطبخوا هذه الشاة، وانظروا إلى هذا الدقيق فاخبزوه، واطبخوا وأثردوا عليه)، قال: وكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قصعة يقال لها الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أصبح أتي بتلك القصعة، والتقوا عليها فإذا أكثر الناس حتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أعرابي ما هذه الجلسة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى جعلني عبدا كريما، ولم يجعلني جبارا عنيدا)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك لكم فيها)، ثم قال: (خذوا فكلوا فوالذي نفسي بيده لتفتحن عليكم أرض فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم الله تعالى)([221])

وكان من تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن يأكل متكئا.. فعن أبي جحيفة  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل عنده: (لا آكل متكئا) ([222])

قلت: لقد سمعت بأنه أكل متكئا في بعض المواقف.

قال: ذلك مثله شربه قائما.. فهو للضرورة، أو لرفع الحرج.. ومما روي في أكله متكئا ما حدث به خباب  قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل قديدا في طبق متكئا، ثم قام إلى فخارة فيها ماء فشرب)([223])

ومثل ذلك ما روي من أكله ماشيا.. فعن ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل حائطا لبعض الأنصار، فجعل يأكل الرطب فيأكل وهو يمشي وأنا معه([224]).

قلت: فما كانت آدابه في الأكل غير ما ذكرت؟

قال: كان صلى الله عليه وآله وسلم يبدأ بغسل يديه وفمه قبل الأكل، ويفعل ذلك بعد انتهائه منه، ويأمر به.. فعن سلمان  قال: (قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (بركة الطعام بالوضوء قبله والوضوء بعده)([225])

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يسمي الله عند إرادته الأكل، وكان يتشدد في ذلك، بل كان يقبض يد من لم يسم عند الأكل.. فعن رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قرب إليه طعامه قال: (باسم الله)([226]

وعن حذيفة  قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاما لم يضع أحد منا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيضع يده، ولقد حضرنا معه مرة طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فذهب ليضع يده في الطعام فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الشيطان يستحل الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه يستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء هذا الأعرابي يستحل بفأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع أيديهما)([227])

وكان يأكل بيمينه، ويتشدد في ذلك، فعن جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة، أو يشتمل بالعمامة أو يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه([228]).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقتصر في أكثر الأحوال على الأكل بثلاث أصابع، وكان يلعقهن إذا فرغ، ويأمر بلعق الصفحة.. فعن عامر بن ربيعة  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ويلعقهن إذا فرغ([229]).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يأكل مما يليه إذا كان جنسا واحدا، وينهى عن الأكل من وسط القصعة.. فعن عمرو بن أبي سلمة  قال: (كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا غلام سم اسم الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك)، فما زالت تلك طعمتي([230]).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يمسح يديه بالحصباء بعد فراغه من الطعام.. فعن جابر  أنه سئل عن الوضوء مما مست النار قال: (كنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقليلا ما نجد الطعام، فإذا وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ)([231])

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحمد الله بعد انتهائه من طعامه.. فعن أبي سعيد الخدري  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فرغ من طعامه ـ وفي لفظ: إذا أكل أو شرب ـ قال: (الحمد لله الذي أطعمنا وأسقانا، وجعلنا مسلمين)([232]).

وعن أبي أيوب  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أكل أو شرب قال: (الحمد لله الذي أطعم، وسقى وسوغه وجعل له مخرجا)([233])

وعن أبي أمامة  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفع مائدته قال: (الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه)، وفي رواية: (الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا)([234])

وعن رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: ((اللهم أطعمت وأسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت)([235]).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل عند أحد من الناس دعا له.. فعن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء إلى سعد بن عبادة  فجاء بخبز وزيت فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: (أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة)([236]

وعن عبد الله بن بسر  قال: (نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فذكر الحديث، وفيه فقال أبي: ادع لنا، فقال: (اللهم بارك لهم فيما رزقهم، واغفر لهم وارحمهم)([237])

قلت: هذا ما كان يفعله، فما الذي كان يكرهه، أو ينكره؟

قال: لم يكن صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في الطعام مدحا أو ذما.. بل كان يأكل ما أعجبه، ويترك ما عداه من غير أن يذمه.. فعن هند بن أبي هالة  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يذم ذواقا ولا يمدحه([238]))([239])

وكان صلى الله عليه وآله وسلم مع ذلك يأمر بإكرام الطعام، فعن عائشة  قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: (يا عائشة أحسني جوار نعم الله، فإنها قل ما نفرت عن أهل بيت فكادت ترجع إليهم)([240])

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أكرموا الخبز، فإن الله تعالى أكرمه، فمن أكرم الخبز أكرمه الله تعالى، ـ وفي رواية: فإن الله تعالى أنزله من بركات السماء وسخر له بركات الأرض ـ ومن يتبع ما يسقط من السفرة غفر له)([241])

وعن أبي الدرداء  عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه)([242])

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكره أن يشم الطعام.. فعن جابر  أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كره شم الطعام وقال: (إنما يشم السباع)([243]

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكره النفخ في الطعام والشراب، وينهى عنه.. فعن ابن عباس  قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الإناء([244]).

وكان يكره أن يأكل الطعام الحار.. فعن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أبردوا بالطعام الحار، فإن الطعام الحار لا بركة فيه)([245]

وعن ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا ينفخ في الطعام ولا في الشرب([246]).

وكان يكره القران في التمر، وينهى عنه.. ففي الحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرن الرجل بين تمرتين)([247]

وكان يكره أن يقام عن الطعام حتى يرفع.. ففي الحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقام عن الطعام حتى يرفع)([248])

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا وضعت المائدة فليأكل الرجل مما يليه، ولا يأكل مما بين يدي جليسه ولا من ذروة القصعة، فإنما تأتيه البركة من أعلاها، ولا يقوم رجل حتى ترفع المائدة، ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليعذر، فإن ذلك يخجل جليسه، فيقبض يده، وعسى أن تكون له في الطعام حاجة)([249])

وكان يكره التجشأ، وينهى عنه.. ففي الحديث: (تجشأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: (كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة)([250]

وكان صلى الله عليه وآله وسلم ـ لزهده ـ يكره الجمع بين أدمين من غير أن يحرمه.. ففي الحديث: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإناء أو قعب فيه لبن وعسل فقال: (أدمان في إناء لا آكله ولا أحرمه)([251]

وكان مع ذلك يأمر بالائتدام.. ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ائتدموا، ولو بالماء)([252]

قلت: فمع من يأكل؟

قال: مع الكل.. لم يكن صلى الله عليه وآله وسلم يتكبر عن الأكل مع أحد من الناس..

لقد أكل صلى الله عليه وآله وسلم مع المجذوم الذي يعافه الناس، ويخافون منه.. فعن جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة وقال: ((كل ثقة بالله تعالى، وتوكلا عليه([253])([254]

وأكل صلى الله عليه وآله وسلم  مع امرأة من غير زوجاته في إناء واحد على عكس المتشددين المتنطعين.. فعن أم صبية خولة بنت قيس  قالت: اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إناء واحد ([255]).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعرض الطعام على النسوة، فعن أسماء بنت يزيد بن السكن  قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطعام فقلنا لا نشتهيه، فقال: (لا تجمعن كذبا وجوعا)([256]

قلت: فحدثني عن الأواني التي استعملها، فإني أرى قوما ـ باسم السنة ـ يكرهون الأكل على الموائد.

قال: أخطأ من تكلف ذلك.. السنة ليست في الأكل على المائدة، ولا في الأكل على غيرها.. السنة أن تأكل الحلال، وتتأدب بين يدي الله وأنت تأكل رزقه.

أما الأكل على المائدة، فقد ورد في الحديث عن فرقد  قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكلت على مائدته)([257])

أما الأكل على غيرها، فقد ورد في الحديث عن أنس  قال: (ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خوان ولا في سكرجه، ولا خبز له مرقق)، قال يونس فقلت لقتادة: فعلام كانوا يأكلون؟ قال: (على هذه السفرة)([258])

قلت: فاذكر لي غيرها من الأواني.

قال: حدث عبد الله بن بسر  قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جفنة([259]) لها أربع حلق)([260])

وعن جابر  قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي إلى منزله، فلما انتهينا أخرجوا لنا طبقا عليه فلق من خبز، قال: ((ما من أدم؟) قالوا: لا شئ غير خل، قال: ((نعم الأدم الخل)، قال جابر: فما زلت أحبه منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([261]).

وعنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شعب في الجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة، فدعوناه فأكل معنا ولم يمس ماء([262]).

قلت: هذه أواني الأكل.. فما أواني الشرب التي استعملها([263]

قال: لقد شرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القوارير.. فعن ابن عباس  قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدح قوارير، فكان يشرب منه([264]).

وشرب في إناء الفخار.. فعن خباب  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل قديدا ثم يشرب من فخارة([265]).

وشرب من القربة.. فعن كبشة ـ امرأة كان في بيتها قربة معلقة ـ قالت: فشرب من القربة قائما، فعمدت إلى فم القربة فقطعتها، تتبعا لموضع بركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[266]).

وشرب من الدلو.. فعن ابن عباس  قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزلنا، فناولته دلوا فشرب، ثم مج في الدلو([267]).

ما انتهى الصالحي من رواية الأحاديث المرتبطة بأكله صلى الله عليه وآله وسلم.. والآداب المرتبطة به، حتى سمعنا دقا على الباب.. فأسرع ولده إلى الباب يفتحه، وإذا بمجموعة من أصدقاء الصالحي كلهم في مثل سمته ووقاره، وكأنهم عجنوا من طينة واحدة.

قام الصالحي إليهم بوجه بشوش يحييهم، ثم يعرفهم علي، وقد كان لهم من خفة الظل ما ملأني بالراحة والسعادة.

بعد أن ارتاحت بهم مجالسهم قام أحدهم، وقال: لقد اختلفت مع أصحابي في هيئة الاستئذان.. فلجأنا إليك لما نعلم من علمك بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

استئذانه:

ابتسم الصالحي، وقال: كيف تختلفون في الاستئذان.. وقد ورد في القرآن الكريم ذكر كيفيته والآداب المرتبطة به؟

قال الرجل: نحن لم نختلف في ذلك.. ولكنا اختلفنا في المحل الذي نجلس فيه عند الاستئذان.

قال الصالحي: فما رأيت أنت؟

قال الرجل: رأيت أنه من السنة ألا نستقبل الباب بوجوهنا، فعسانا نرى ما في الداخل بعد فتحه، وقبل أن يؤذن لنا.

قال الصالحي: فما قال أصحابك؟

قال الرجل: لقد ذكروا أن هذا اجتهاد.. ولا يصح الاجتهاد في إثبات السنة.

قال الصالحي: صدقت.. والحق معك في هذا حتى لو كان اجتهادا.. فآداب الاستئذان التي وردت في النصوص معقولة المعنى.. وهي لذلك يصح الاجتهاد فيها، والاحتياط لمراعاتها.

ومع ذلك.. فقد وردت الروايات تخبر بأن ذلك هو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يكن صلى الله عليه وآله وسلم يستقبل الباب بوجهه.. فعن عبد الله بن بسر المازني  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتي باب قوم يمشي مع الجدار، ولم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: (السلام عليكم)، فإن أذن له وإلا انصرف، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور([268]).

قالت الجماعة: بورك فيك.. فقد علمتنا ما كنا نجهله من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الرجل: بورك فيك.. فقد بنيت المسألة على مراعاة المصالح مع أن النص صريح فيها وصحيح..

قال رجل من الجماعة: أرى أننا جميعا محتاجون إلى التعرف على سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرتبطة بالاستئذان.. فهو من المسائل التي تعم بها البلوى.. والخطر في التقصير فيها عظيم.

قال الصالحي: صدقت.. فقد كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعليم الاستئذان من لا يحسنه.. ومما ورد في ذلك ما حدث به زيد بن حراش قال: جاء رجل من بني عامر فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في البيت فقال: (أألج؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخادمه: (اخرج إلى هذا، فعلمه الاستئذان، فقل له: (قل السلام عليكم أأدخل؟) فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل([269]).

قال الرجل: فما أول أدب من آداب الاستئذان المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال الصالحي: أن يعرف المستأذن بنفسه بما يمكن أن يعرف به.. فلا يصح أن يقول (أنا)، لأن (أنا) تصدق على كل فرد.. ففي الحديث عن جابر  قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر دين كان على أبي، فدفعت الباب فقال: ((من ذا؟) فقلت: أنا، فخرج وهو يقول: (أنا أنا) كأنه يكرهه([270]).

قال الرجل: عرفنا هذا.. فبورك فيك.. فحدثنا عن الثاني.

قال الصالحي: أن لا يطلع من أي منفذ على ما في داخل البيت.. فإنما شرع الاستئذان من أجل حفظ الحرمات.. ومما ورد من التشديد في ذلك ما حدث به سهل بن سعد  أن رجلا اطلع من جحر في باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدرى يحك به رأسه فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما جعل الاستئذان من أهل البصر)([271])

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن الثالث.

قال الصالحي: أن يبدأ بالسلام.. فالسلام هو رسول المستأذن إلى المستأذن عليه.. لقد حدث قيس بن سعد بن عبادة  قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منزلنا فقال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، فرد سعد ردا خفيا، قال: فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ذره يكثر علينا من السلام)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قضينا ما علينا)([272])

قال آخر: لقد اجتهدت في الهاتف اجتهادا لست أدري مدى صحته.

قال الصالحي: وما هو؟

قال الرجل: لقد استبدلت كلمة (ألو) التي لا أعرف لها أي معنى بجملة (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ليكون أول ما يسمعه مني محدثي هو السلام.

قال الصالحي: بورك فيك وفي اجتهادك.. وقد وافقت السنة في هذا الاجتهاد.. فلا فرق بين اللقاء المباشر والتحدث في الهاتف، أو التحدث في غيره.. بل إن المؤمن يبدأ رسالته بالسلام.. بل يرسل السلام لمن لم يلقه ولم يتحدث معه..

قال آخر: فحدثنا عن أدب آخر من آداب الاستئذان.

قال الصالحي: كان صلى الله عليه وآله وسلم يكتفي بالاستئذان ثلاثا.. فإن أذن له دخل، وإن لم يؤذن له رجع.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع)([273])

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: كان صلى الله عليه وآله وسلم يرد ردا جميلا على من استأذن عليه.. فعن علي  قال: (استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعرف صوته، فقال: (مرحبا([274])بالطيب المطيب)([275])

تحيته:

قال آخر: حدثتنا عن الاستئذان.. فحدثنا عن التحية.

قال الصالحي: ألا يكفيكم ما ورد في القرآن الكريم في شأتها.. لقد ذكرها الله فقال:{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} (النساء:86)، وقال تعالى:{ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (النور: 61)، وقوله تعالى في شأن إبراهيم u:{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)} (الذاريات)؟

قال الرجل: نعرف هذا.. ونعرف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرغب في السلام ويشدد فيه.

قال آخر: وقد حثنا هذا على البحث عن الآداب المرتبطة به.. فنحن نعرف أن الدين مبني على الأدب.. فلا دين لمن لا أدب له.

قال الصالحي: أول الأدب هو التعرف على الصيغة الشرعية للسلام.. فهذه الصيغة ميراث من ميراث آدم u..

قالت الجماعة بدهشة: من ميراث آدم u.. كنا نحسبها من ميراث محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الصالحي: لقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لما خلق الله آدم صلى الله عليه وآله وسلم قال: اذهب فسلم على أولئك ـ نفر من الملائكة جلوس ـ فاستمع ما يحيونك ؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله)([276])

قالوا: فما السر في كونها من ميراث آدم u؟

قال الصالحي: لقد أخبر الله عن خشية الملائكة من وقوع الصراع في الأرض، فلذلك شرع لآدم u السلام بتلك الكيفية ليكون السلام هو مبدأ الإنسان لا الصراع.

قالوا: لقد زدت في ترغيبنا فيه.. فحدثنا عن آدابه.

قال الصالحي: أول أدب من آدب السلام التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وورثته يحرصون عليها هي إشاعة السلام وإفشاؤه.. ففي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)([277]

قال رجل منهم: عرفنا هذا.. فحدثنا عن آدب آخر.

قال الصالحي: يستحب للمبتدئ بالسلام أن يقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، فيأت بضمير الجمع، وإن كان المسلم عليه واحدا، ويقول المجيب: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، فيأتي بواو العطف في قوله: وعليكم.. فبهذا وردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. ففي الحديث: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عشر) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: (عشرون)، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: (ثلاثون)([278])

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكرر السلام حتى يسمع منه.. فعن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا حتى يفهم عنه([279]).

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم على المستيقظ بحضرة النائم لم يرفع صوته حتى لا يوقظه، فعن المقداد بن الأسود  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجئ من من الليل، فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان)([280]

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: من السنة أن يحافظ على صيغة السلام وأن لا يتلاعب بها.. فعن أبي جري الهجيمي  قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: (لا تقل عليك السلام ؛ فإن عليك السلام تحية الموتى)([281])

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: من السنة أن يبلغ السلام للغائب حفاظا على المودة وإرساء لها.. ففي الحديث: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن الله تعالى يقرأ على خديجة السلام، فقالت: إن الله عز وجل هو السلام وعلى جبريل السلام ورحمة الله وبركاته)([282])

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: أن يحرص على البدء بالسلام.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)([283])

وفي حديث آخر: قيل: يا رسول الله، الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: (أولاهما بالله تعالى)([284])

قال الرجل: ولكنا سمعنا بأن من السنة أن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير.

قال الصالحي: صدقت.. وذلك هو الأصل.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير)([285])

قال الرجل: أرأيت إن كان الجلوس نساء.. هل يسلم عليهن؟

قال الصالحي: ذلك هو السنة ما لم يخش الفتنة عليهن أو على نفسه.. فعن سهل بن سعد  قال: كانت فينا امرأة ـ وفي رواية: كانت لنا عجوز ـ تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر، وتكركر([286]) حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة، وانصرفنا، نسلم عليها، فتقدمه إلينا([287]).

قال الرجل: فإن كانوا صبيانا؟

قال الصالحي: لقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإفشاء السلام مطلقا.. وخير من استفاد من السلام ومدرسة السلام الصبيان.. وقد كان ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فعن أنس: أنه مر على صبيان، فسلم عليهم، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله([288]).

قال الرجل: فهل يسلم على أهل بيته؟

قال الصالحي: هم أولى الناس بالسلام.. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله، ويحث عليه، فعن أنس  قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا بني، إذا دخلت على أهلك، فسلم، يكن بركة عليك، وعلى أهل بيتك)([289]).. بل إن الله تعالى ذكره، وأمر به، فقال تعالى:{ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } (النور: 61)

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: كان من سنتة صلى الله عليه وآله وسلم المرتبطة بإفشاء السلام إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن دخل ثم خرج ثم دخل في الحال، أو حال بينهما شجرة ونحوهما.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة، أو جدار، أو حجر، ثم لقيه، فليسلم عليه)([290])

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن أدب آخر.

قال الصالحي: كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلام إذا قام من المجلس وفارق جلساءه.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)([291])

قال آخر: بورك فيك.. فحدثنا عن المصافحة.. وهل ورد فيها شيء؟

قال الصالحي: أجل.. المصافحة من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فسلم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذ بيده إلا الله، فلا يفترقان حتى يغفر لهما)([292])

وعن حذيفة  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه مسحه ودعا له([293]).

وعن رجل من عنزة أنه قال لأبي ذر حين سير من الشام: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله قال أبو ذر: إذن أخبرك إلا أن يكون سرا، قلت: إنه ليس بسر، هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: (ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلى يوما ولم أكن في البيت فلما جئت أخبرت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته وهو على سرير، فالتزمني فكأنه تلك أجوب أجود)([294])

قال الرجل: والتقبيل.. فإنا نرى البعض يزعم أنه بدعة، وينهى عنه.

قال الصالحي: أخطأ من قال ذلك.. لقد وردت النصوص بجواز التقبيل، بل واستحبابه في مواضعه.. فقد روي أن قوما من اليهود قبلوا يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجليه([295]).

وعن عائشة  قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه حديثا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة كانت إذا دخلت عليه قام إليها ورحب بها وقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده، ورحبت به، وقبلته وأجلسته في مجلسها، فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فرحب بها وقبلها([296]).

سيرته مع المرضى:

قال رجل من الجمع: حدثنا عن السنة في عيادته صلى الله عليه وآله وسلم للمرضى.. فنحن نعلم أن عيادة المريض سنة، ولكنا لا نعرف آداب ذلك.

قال الصالحي: بوركت في ذكرك لهذه السنة العظيمة.. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من الحث عليها.. وكان يمارسها في حياته.. وقد وردت الأحاديث الكثيرة بذلك.. وسأكتفي بذكرها لكم، فهي خير معبر عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك.

منها ما حدث به جابر  قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أم السائب وهي ترفرف، فقال: ما لك؟ فقالت: الحمى ـ أخزاها الله تعالى ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسبيها فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد)([297])

وعن فاطمة الخزاعية  قالت: عاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من الأنصار وهي وجعة، فقال لها: (كيف تجدينك؟) قالت: بخير إلا أن أم ملدم قد برحت بي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اصبري فإنها تذهب خبث ابن آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد)([298])

وعن جابر  قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني ليس براكب بغل ولا برذون([299]).

وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف  أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمرضها، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم.. الحديث([300]).

وعن ابن عباس ـ   ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عاد مريضا جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات: (أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشفيك)، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه([301]).

وعن ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاد رجلا فقال: (ما تشتهي؟) قال: أشتهي خبز بر، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه)([302])

وعن سلمان  قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني فلما أراد أن يخرج قال: (يا سلمان كشف الله ضرك، وغفر ذنبك، وعافاك في دينك وأجلك في أجلك)([303])

سيرته مع الموتى:

قال رجل من الجمع: حدثتنا عن سيرته صلى الله عليه وآله وسلم مع المرضى، فحدثنا عن سيرته مع الموتى والمحتضرين.

قال الصالحي: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم الناس رحمة.. فلذلك كان يصيبه من الحزن على الموتى ما يصيب البشر منه.. ولكنه حزن واثق بالله مرتبط به، لا حزن جازع يائس..

ففي الحديث: لما جاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وابن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرف في وجهه الحزن وأنا أنظر من صائر الباب يعني شق الباب([304]).

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكتفي بالبكاء.. بل كان يضم إليه الدعاء للميت، وتسلية أهل المتوفى والتخفيف عليهم بذلك.. فعن أبي النضر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان بن مظعون، وهو يموت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثوب فسجي عليه، وكان عثمان نازلا على امرأة من الأنصار، ويقال لها: أم معاذ قالت: فمكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكبا عليه طويلا، وأصحابه معه ثم تنحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبكى، فلما بكى بكى أهل البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (رحمك الله أبا السائب)([305])

وعن أم سلمة   أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أبي سلمة يعوده فوافق دخوله عليه، وخروج نفسه فتكلم أهله عند ذلك بنحو ما يتكلم أهل الميت عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تحضر الميت فيؤمنون على دعاء أهله) فأغمضه، وقد شق بصرة، وقال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر)، ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأعظم نوره، واخلفه في عقبه)([306])، وفي لفظ (واخلفه في تركته في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)، وفي لفظ: (أوسع له في قبره)

قال الرجل: فحدثنا عن القيام للجنازة.. فقد رأينا بعضهم يذكر أن القيام لها بدعة.

قال الصالحي: بئس من قال ذلك.. كيف تكون بدعة وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فعن جابر  قال: مرت جنازة فقام لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا معه فقلنا: يا رسول الله: إنها يهودية، فقال: (إن للموت فزعا، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)([307])

وعن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد ـ ما  ـ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل يا رسول الله: إنها جنازة يهودية، فقال: (أليس نفسا؟)([308])

وعن علي  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا، يعني في الجنازة([309]).

مجلسه:

قال رجل من الجمع: ذكرني حديثك عن القيام بالجلوس.. حدثنا عن كيفية جلوسه صلى الله عليه وآله وسلم وسنته في ذلك.

قال الصالحي: لقد كانت أعظم سنة في جلوسه صلى الله عليه وآله وسلم هي جلوسه حيث انتهى به المجلس.. وذلك من تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم.. فلم يكن يخص بمجلس خاص.. فقد ورد في الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا انتهى به المجلس جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم)([310])

قال الرجل: فما كان صلى الله عليه وآله وسلم يفعل إن قام من مجلسه؟

قال الصالحي: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يختم جلسته مع أصحابه بالدعاء.. ففي الحديث: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم من مجلسه حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وبأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)([311]

وروي أن جبريل u علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك)، فقال رجل: يا رسول الله إنك تقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى؟ أكفارة لما يكون في المجلس؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (كلمات علمنيهن جبريل كفارات لخطايا المجلس)([312])

حديثه:

قال رجل من الجمع: حدثتنا عن مجالسه.. فحدثنا عن حديثه، فلا تحلو المجالس إلا بالأحاديث.

قال الصالحي: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفصح خلق الله وأعذبهم كلاما وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، حتى كان كلامه يأخذ بالقلوب، وينعش الأرواح.

قال الرجل: لقد رغبتنا فيه.. فحدثنا بالأحاديث التي وردت في صفته.

قال الصالحي: لقد اتفقت جميع الأحاديث على هذا.. فعن علي قال: ما بعث الله تعالى نبيا قط إلا بعثه صبيح الوجه كريم الحسن حسن الصوت، إن نبيكم كان صبيح الوجه كريم الحسب حسن الصوت([313]).

وكان من سنته صلى الله عليه وآله وسلم في الكلام أن يرسله واضحا مفصلا، لا يحتاج المستمع إلى عناء في سماعه أو فهمه وفعن جابر  قال: (كان كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترتيلا([314])ـ أو ترسيلا([315]) ـ)([316])

وكان من سنته صلى الله عليه وآله وسلم أن يكرر الكلام ـ إذا اقتضى المقام ذلك ـ حتى يعقل عنه.. فعن ابن عباس  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تحدث بالحديث، أو سئل عنه كرره ثلاثا ليفهم عنه)([317])

وكان صلى الله عليه وآله وسلم تأليفا لقلوب مستمعيه يجمع بين حديثه وابتسامته.. فعن أبي الدرداء  قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث حديثا إلا وهو يتبسم في حديثه)([318])

وعن ابن عباس  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تكلم يرى كالنور من بين ثناياه)([319])

وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يتكلم إلا عند الحاجة.. فعن هند بن أبي هالة  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكت([320])، يفتتح الكلام، ويختتمه بأشداقه([321])، ويتكلم بجوامع الكلم([322])، فصلا لا فضول فيه، ولا تقصير)([323]

وعن أم معبد  قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سماه وعلاه البهاء، كان حسن المنطق)([324])

قال الرجل: فهل تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير العربية؟

قال الصالحي: لم يكن قوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتكلمون إلا بالعربية.. فلذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث إليهم بلسانهم، كما قال تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (ابراهيم:4)

إشاراته:

قال رجل آخر: لقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أحاديثه يستعمل الإشارة.. فحدثنا بما ورد في ذلك.. وما سره؟

قال الصالحي: لقد عرفنا أن من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلقاء الكلام واضحا مفهوما حتى يستفيد السامع منه فائدة تامة..

قال الرجل: ذلك صحيح.. فلا دور للكلام إلا هذا.. ولا خير في كلام يساء فهمه.. ولا خير في كلام يصعب فهمه.

قال الصالحي: ولذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم ـ أحيانا، ولأجل توضيح المراد من الكلام، أو لأجل تبيين قيمته وخطره ـ يستعمل الإشارة.

ومما ورد في ذلك تحريكه يده حين يتكلم أو يتعجب.. فعن هند بن أبي هالة  قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى)([325]

وكان ربما سبح عند التعجب.. فعن أم سلمة  قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجر ـ يريد به أزواجه ـ  حتى يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)([326]

وكان ـ أحيانا ـ ينكش الأرض بعود.. فعن علي  قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فجعل ينكش الأرض بعود، فقال: (ليس منكم من أحد إلا وقد فرغ من مقره في الجنة أو النار)، فقالوا: أفلا نتكل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له:{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (الليل:5)([327])

وكان ربما مسح الأرض بيده.. فعن أبي قتادة  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كذب علي فليشهد بجنبيه مضجعا من النار) وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك، ويمسح الأرض بيده([328]).

وكان ربما أشار بأصبعيه السبابة والوسطى.. فعن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((بعثت أنا والساعة جميعا كهاتين وفي لفظ كهذه من هذه)، وجمع بين السبابة والوسطى، وأشار بهما، (وإن كادت تسبقني)([329]

وكان ربما شبك أصابعه.. فعن  سهل بن سعد الساعدي  قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فقال: (كيف ترون إذا أخرجتم في زمان حثالة من الناس قد مرجت عهودهم ونذورهم فاشتبكوا فكانوا هكذا؟) وشبك بين أصابعه، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((تأخذون ما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، ويقبل أحدكم على خاصة نفسه، ويذر أمر العامة؟)([330])

وعن ابن مسعود  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أي المؤمنين أحلم؟) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (إذا اختلفوا ـ وشبك بين أصابعه ـ  وأبرهم أبصرهم بالحق، وإن كان في عمله تقصير، وإن كان يزحف زحفا)([331])

تبسمه ومزاحه:

قال رجل من الجمع، وقد كان أظرفهم وألينهم، ولم تكن الابتسامة تغادر فمه: يا صاحبنا.. يا من شرفه الله بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. أنت تعرف طبعي، وما جبلت عليه من الفكاهة.. وقد رأيت من الناس من يعاتبني في ذلك، وهم يستدلون لذلك بما ورد في المواعظ من فضل البكاء..

قال الصالحي: للبكاء محله، وللضحك محله.. وما خلق الله لنا الضحك إلا لنضحك.. لقد قال الله تعالى يذكر ذلك:{ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (لنجم:43)

قال الرجل: هم لا يجادلونني في ذلك.. ولكنهم يعتبرون حالي حال القاصرين، لا حال العارفين العابدين الزاهدين الورعين.

قال الصالحي: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد العارفين العابدين الزاهدين الورعين ومع ذلك كان أكثر الناس تبسما.. لقد حدث الحارث بن جزء  قال: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([332]).

وعن أم الدرداء  قالت: كان أبو الدرداء  لا يحدث بحديث إلا تبسم فيه، فقلت: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحدث بحديث إلا تبسم([333]).

قال رجل من الجمع: نحن لا ننكر عليه التبسم.. ولكنا ننكر عليه الضحك.. فما كانت سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجاوز التبسم، وقد حدث هند بن أبي هالة  قال: كان جل ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام([334]).

قال الصالحي: لقد وصف ما رآه أو وصف الغالب من أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. وقد وصف غيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضحك أحيانا كما نضحك([335])..

ومن ذلك ما حدث به أبو ذر  عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني لأعلم أول رجل يدخل الجنة، وآخر رجل يخرج من النار، يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: أعرضوا عليه صغار ذنوبه، ويخبأ عنه كبارها، فيقال له: عملت كذا وكذا، وهو يقر، لا ينكر، وهو يشفق من كبارها، فيقال: أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة، قال: فيقول أي رب، إن لي ذنوبا ما أراها ههنا)، قال أبو ذر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحك، حتى بدت نواجذه)([336])

قال الرجل: هذا تبسمه وضحكه.. فحدثنا عن مزاحة وفكاهته.

قال الصالحي: لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الصفة فيه.. وأخبر أنها مقيدة بالصدق.. فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمزح، ولا يقول إلا صدقا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا)([337])

هيبته:

قال رجل من الجمع: ألم يؤثر ذلك في هيبته صلى الله عليه وآله وسلم.. فإن عهدنا سقوط الوقار ممن يمازح الناس، ويكثر من التبسم لهم؟

قال الصالحي: كلهم يمكن أن يكون كذلك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فوقاره من معرفته بربه وصلته به.. وهي لا يمكن أن يؤثر فيها شيء.

سكت قليلا، ثم قال: ما دمت قد ذكرت ذلك، فسأحدثك عن مبلغ الهيبة والوقار والتعظيم التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه وأعدائه على حد سواء..

لقد ذكرت أم معبد  صفته صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: (إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر ابتدروا إلى أمره، محفود محشود لا عابس ولا معتد)([338])

وعن هند بن أبي هالة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخما مفخما) ([339])

وعن علي  قال: من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه([340]).

وعنه  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالطويل، ولا بالقصير، من رآه هابه: أي أكبره وعظمه([341]).

وعن ابن مسعود  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ألقيت عليه المهابة([342]).

وعن سلمان  أنه كان في عصابة يذكرون الله تعالى، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام بعضهم، فجاء نحوهم قاصدا، حتى دنا منهم، فكلفوا عن الحديث إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([343]).

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يباسط من لاحظ منه ذلك، ويخفف عنه، فعن قيلة بنت مخرمة قالت: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متخشعا في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولم ينظر إلى، وأنا عند ظهره ـ: (يا مسكينة، عليك بالسكينة)، فلما قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذهب الله تعالى ما دخل قلبي من الرعب([344]).

وعن قيس بن أبي حازم، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام بين يديه، فأخذه من الرعدة شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هون عليك، فإني لست ملكا، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)([345])

غضبه:

قال رجل من الجمع: أنت تعلم يا صاحبي ما في طبعي من الحدة.. وإني أخشى أن أكون مبتدعا بذلك.. فقد ذكرت أن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي الابتسامة والمزاح والمداعبة.

قال الصالحي: أبشر.. فإنك إذا وضعت حدتك وغضبك في موضعها الصحيح كنت مستنا بسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي الغضب للحق..

قال الرجل: كيف تقول ذلك.. وقد حدثتنا عن لطفه صلى الله عليه وآله وسلم وسماحته ولينه.

ابتسم الصالحي، وقال: الكامل من الرجال هو من:

يتلقى الندى بوجه صبيح  وصدور القنا بوجه وقاح

فبهذا وذا تتم المعالي          طرق الجد غير طرق المزاح

لقد كان رسول الله هينا لينا، ولكنه كان حديدا شديدا إذا انتهكت محارم الله ([346]).

قال الرجل: فكيف كان يظهر غضبه صلى الله عليه وآله وسلم.. فإن بعضنا إذا غضب لم تطقه الدنيا، ولم يطقها.

قال الصالحي: ذلك هو الجهول.. أما محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. فلم يكن يظهر غضبه إلا على وجهه.. لقد كان وجهه كالمرآة الصافية التي يبدو عليها سروره وغضبه، ورضاه وسخطه..

لقد وصفت أم سلمة  غضبه، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غضب احمر وجهه([347]).

ووصفه هند بن أبي هالة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسع الجبينين، أزج الحواجب، في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه([348]).

***

ظلت الجماعة تسأل الصالحي إلى أن أذن العصر، حينها ابتدر بعض أفراد الجماعة مسرعا، يريد الانصراف، فنظر إليهم الصالحي مبتسما، وقال: ألم تنسوا شيئا؟

أخذوا ينظرون في أماكنهم، ثم قالوا: لا.. لم ننس شيئا.. فنحن لم نحضر معنا شيئا حتى ننساه.

ابتسم، وقال: ربما لم تحضروا.. ولكنكم أخذتم.. فلا تنسوا ما أخذتموه.

قالوا: أجل.. لقد أخذنا الكثير.. فبورك فيك..

قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو قدوتنا وأسوتنا الذي به نقتدي، ولا خير في أن نحفظ سنته، ثم نضيعها.

قالوا: فما الذي نسيناه منها؟

قال: بم كان يختم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجالسه؟

قال رجل منهم: بورك فيك.. لقد كدنا نغفل عن تلك السنة العظيمة.. نعم.. لقد حدثتنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات (إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة، وإن تكلم بشر كان كفارة له، سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك)([349])

قالت الجماعة جميعا بعدها: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.

ثم خرجوا إلى المسجد، وخرجت معهم.. وقد كان لهم من الأخلاق والأدب ما جعلني أشعر بأن العلاقات التي أسسها محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يوجد في الدنيا ما يشبهها أو يقترب منها، فهي علاقات في الله وبالله ومن الله.. وما عقده الله لا يمكن أن يحله البشر([350]).

لباسه:

بعد أن خرجنا من المسجد، قال لي الصالحي: سأذهب بك إلى سوق من أعرق أسواق دمشق، وأكثرها جمالا، وأوفرها بركات..

قلت: أنت تعرف أني لست سائحا، ولا تاجرا.. فلذلك لا رغبة لي فيما يطلبه السواح، ولا فيما تهفو إليه عيون التجار.. أنا لي مطلب واحد هو البحث عن الإنسان الكامل.

قال: والإنسان الكامل قد تجده في السوق.. إن ربك أعظم من أن يحرم السوق من عباده الكمل..

قلت: صدقت.. لقد التقيت في يوم من الأيام في سوق من أسواق بغداد وارثا لا تزال ذكراه عالقة في ذهني..

قال: ذلك الذي علمك الورع..

قلت: لكأني بك تعرفه.

قال: تقصد بشرا.. إن بشرا هو وارث من ورثة الورع النبوي.

قلت: اعذرني.. لقد نسيت أنك متوسم..

قال: فلذلك أردت أن أذهب بك إلى هذا السوق.. فالإنسان الكامل يحتاج إلى لباس يلبسه، وآداب يتحلى بها حين يلبسه.

سرت مع الصالحي إلى ذلك السوق الذي حدثني عنه.. فرأيته سوقا في منتهى الجمال والتناسق.. وقد كانت روائح الورع تفوح منه كما كانت تفوح في ذلك السوق من أسواق بغداد.

وقد كانت ذلك السوق ـ على ما يبدو منه ـ مختص في اللباس العربي القديم.. فلم أر فيه أي لباس من الألبسة التي تستعمل هذه الأيام.

سألت الصالحي، وقلت: أهذا السوق يعادي الحداثة؟

قال: وكيف عرفت ذلك؟

قلت: أرى كل الثياب المعروضة هنا من النوع العتيق الذي نفر منه الكثير من المعاصرين.. بل أنت نفسك لا أراك تلبسه.

قال: الحداثة لا ترتبط باللباس.. والحداثة لا يمكن اعتبارها قيمة تحترم بها الأشياء أو تحتقر.. فالإنسان هو الإنسان قديما أو حديثا..  في القديم كان الأولياء والأشقياء، وفي الحديث كذلك.. ولا يمكن في موازين العدل الإلهية أن يميز الناس على أساس أعصارهم.

قلت: أسلم لك بهذا.. ولكن هناك شيئا في عصرنا يسمى (الموضة) وعلى أساس يرمى الجديد الذي لم يلبس بحجة أن الزمان تجاوزه.

قال: لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فقال: (تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك([351])، فلا انتقش([352])([353])

إن هذا الحديث الشريف يدعو الإنسانية جميعا لأن تتحرر من ربقة العبودية التي يضعها فيها تجار الأزياء.. أولئك الذين يخترعون كل يوما لباسا ليستعبدوا البشر من خلاله.

قلت: أيصل الأمر إلى درجة الاستعباد؟

ربت على كتفي رجل، وقال: أجل.. الإنسان الكامل المحرر هو الذي أعتق من غير الله تعالى، فصار حراً مطلقاً، فإذا تقدمت هذه الحرية صار القلب فارغاً، فحلت فيه العبودية لله فتشغله بالله وبمحبته، وتقيد باطنه وظاهره بطاعته، فلا يكون له مراد إلا الله تعالى، ثم يتجاوز هذا إلى مقام أسمى منه يسمى (الحرية)، وهو أن يعتق أيضاً عن إرادته لله من حيث هو، بل يقنع بما يريد الله له من تقريب أو إبعاد فتفنى إرادته في إرادة الله تعالى، وهذا عبد عتق عن غير الله فصار حراً، ثم عاد وعتق عن نفسه فصار حراً، وصار مفقوداً لنفسه موجوداً لسيده ومولاه، إن حركه تحرك وإن سكنه سكن، وإن ابتلاه رضي، لم يبق فيه متسع لطلب والتماس واعتراض، بل هو بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل([354])..

قاطعه الصالحي، وقال: رويدك يا أخي.. فأنت تتحدث عن مقامات عالية لا طاقة لنا بها.

قال الرجل: ولن يكمل الإنسان إلا بها.. ولن يكون وارثا إلا بالتحقق بها.

قلت: من أنت؟.. لكأني بك أحد الورثة.

قال الرجل: أنا مثلك أجول في بلاد الله بحثا عن أهل الله من الذين تشرفوا بالسير على قدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: فما الذي جاء بك إلى هذه السوق؟

قال: لقد حدثني عنها بعض الورثة، فذكر لي حنين الورثة إلى التحلي بالحلة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فلذلك يقصدون هذه السوق المختصة فيها.. فأنا آتي كل حين لألتقي بهم، وأتشرف بالاستفادة من أنوارهم.. فهم المرائي التي تعكس أشعة شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال ذلك، ثم انصرف مسرعا، وكأنه يبحث عن شيء خاف أن يضيع منه.

دخلنا إلى محل من المحال، كان يعرض أنواعا رائعة من الثياب.. ورأيت صاحبه يحدث رجلا، ويقول: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب القميص..

قال الرجل: أعلم هذا.. وأنا لم آتك لأجل هذا.. وإنما أتيتك لتحدثني الأحاديث الواردة فيه، فلا يحلو لي لبس القميص إلا بتذكر ذلك العظيم الذي لبسه.

قال التاجر: لقد حدث ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبس قميصا وكان فوق الكعبين([355])، وكان كمه إلى الأصابع([356]).

وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول([357]).

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبس قميصا، وكان كماه مع الأصابع([358]).

قال الرجل: سأشتري هذا القميص.. فهل هناك غيره من الألبسة التي وردت فيها الآثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال التاجر: هناك الجبة.. لقد وردت النصوص في الحديث عنها.

قال الرجل: أرنيها.

قال التاجر: هناك نوعان، وكلاهما ورد ذكره في النصوص.

قال الرجل: أرني الأولى.

أراه التاجر جبة، وقال: هذه جبة رومية.. لقد ورد ذكرها في حديث لابن عمر  قال: رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم وعليه جبة شامية ضيقة الكمين([359]).

قال الرجل: ضعها لي في القفة.. أرني الجبة الأخرى.

أخذ التاجر جبة أخرى، وقال: هذه جبة من النوع الثاني.. هي جبة غير رومية.. لقد ورد ذكرها في  حديث لسهل بن سعد  قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وله جبة صوف في الحياكة([360]).

وعنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبة صوف أنمار فلبسها، فما أعجب بثوب ما أعجب به، فجعل يمسه بيده ويقول: (انظروا ما أحسنه!) وفي القوم أعرابي فقال: (يا رسول الله هبها لي، فخلعها، فدفعها في يده([361]).

وعن جابر: أن راهبا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبة سندس فلبسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أتى البيت فوضعها، وأحسن بوفد، فأمر عمر  أن يلبسها لقدوم الوفد فقال: (لا يصلح لنا لباسها في الدنيا، وتصلح لنا في الأخرة).. الحديث([362]).

قال الرجل: ضعها لي في القفة.. أرني ثوبا آخر من الثياب التي كان يلبسها حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم.

جلب التاجر مجموعة ثياب، وقال: هذه الحلة([363]) مفصلة على الهيئة التي فصلت عليها الحلة التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الرجل: فهل وردت الآثار التي تذكرها؟

قال التاجر: أجل.. ولولا ذلك ما استطعنا تفصيلها بهذه الكيفية.

قال الرجل: فهلم حدثني بها.. فما أشوقني للأحاديث المزينة بذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال التاجر: لقد حدث ابن عباس  قال: لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن ما يكون من الحلل([364]).

قال الرجل: ضعها لي في القفة.. أرني ثوبا آخر من الثياب التي كان يلبسها طبيب القلوب صلى الله عليه وآله وسلم.

أسرع التاجر، وجلب ثوبا آخر، وقال: هذه ملحفة.. وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يلبسها أحيانا.

قال الرجل: فحدثني بالأحاديث التي وردت فيها.. فلا تحلو الأشياء إلا بذكره.

قال التاجر: حدث ابن عباس  قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ملحفة متغطيا بها على منكبيه، وعليه عمامة دهماء([365]).

قال الرجل: ضعها لي في القفة.. وأرني ثوبا آخر من الثياب التي كان يلبسها نور بصري صلى الله عليه وآله وسلم.

أسرع التاجر، وجلب ثوبا آخر، وقال: هذا الإزار.. وهو مفصل على حسب الإزار الذي كان يرتديه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الرجل بلهفة: فحدثني بالأحاديث الواردة في ذلك..

قال التاجر: لقد حدث ابن عباس  فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرخي مقدم إزاره حتى تقع حاشيتاه، ويرفع الإزار مما وراءه([366]).

وعن جابر بن عبد الله  قال: دخل جرير بن عبد الله البجلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أصحابه، فظل كل رجل بمجلسه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رداءه، فألقاه إليه، فتلقاه بنحره ووجهه فقبله، ووضعه على عينيه، وقال: أكرمك الله يا رسول الله([367]).

قال الرجل: ضعه في القفة.. وأتني بثوب آخر من ثياب حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أسرع التاجر، وأحضر ثوبا آخر، وقال: هذه بردة مفصلة بحسب البردة التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الرجل: فحدثني بالأحاديث الواردة في ذلك..

قال التاجر: لقد حدث سهل بن سعد  قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببردة، قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم، هي الشملة، منسوج في حاشيتها، قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا، وإنها لإزاره، فطلبها رجل من القوم فقال: (يا رسول الله أكسنيها).. الحديث([368]).

قال الرجل: ضعها لي في القفة.. وأرني ثوبا آخر من الثياب التي كان يلبسها سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.

أسرع التاجر، وجلب ثوبا آخر، وقال: هذه شملة([369]).. وهي مفصلة على حسب الشملة التي كان يرتديها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الرجل بلهفة: فحدثني بالأحاديث الواردة في ذلك..

قال التاجر: لقد حدث جابر  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو محتب بشملة، قد رقع هدبها على قدميه([370]).

قال الرجل: ضعها لي في القفة.. وأرني ثوبا آخر من الثياب التي كان يلبسها أعرف العارفين بالله صلى الله عليه وآله وسلم.

أتى الرجل بمجموعة ثياب، وقال: هذه مجموعة ثياب وردت النصوص بذكرها.

قال التاجر: فحدثني بالأحاديث الواردة فيها.

قال الرجل: أولها هذه النمرة([371]).. وقد حدث حديثها عن سهل بن سعد قال: (حيكت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلة من أنمار من صوف أسود، وجعل لها ذؤابتان من صوف أبيض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المجلس وهي عليه، فضرب على فخذه وقال: (ألا ترون ما أحسن هذه الحلة!) فقال أعرابي: يا رسول الله ألبسني هذه الحلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سئل شيئا لم يقل لشئ يسأله لا قال: (نعم)، فدعا بقطريتين فلبسهما، وأعطى الأعرابي الحلة، وأمر بمثلها تحاك، فمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي في الحياكة([372]).

وهذه الحبرة.. وقد ورد ذكرها في الحديث: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يلبسها الحبرة)([373])

قال الرجل: ضعها جميعا في القفة.. وبورك فيك.. واطلب ما شئت من مال، فما أهون المال أمام ملابس تذكرني بالحبيب.

قال ذلك بشوق عظيم أثر في تأثيرا كبيرا، فسألت الصالحي عن حكاية هذا الرجل، فابتسم، وقال: ألم تسمع بقول الشاعر:

أمر على الديار ديار ليلى                 أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي    ولكن حب من سكن الديارا

قلت: بلى.. وقد سمعت الآخر يقول:

فيا ساكني أكتاف دجلة كلكم     إلى القلب من أجل الحبيب حبيب

قال: فهذا خير معبر عن حال هذا الرجل.. فهو رجل متيم في حب حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم، قد أفناه حبه عن كل شيء.. فهو لا يرى الدنيا إلا بمنظار حبيبه.

قلت: إني أرى السعادة تبدو في عينيه، وفي جميع ملامحه.

قال: وحق له أن يسعد.. فمن ظفر بحب كهذا الحب، فلن ينال إلا السعادة في الدنيا والآخرة.

قلت: إن من قومي من يسخر من هذا ومثله.. إنهم يعتبرونهم ـ بسلوكهم هذا ـ رجعيين.

ابتسم، وقال: ما من إنسان إلا ويحب في فترة من فترات حياته أن يكون رجعيا.

قلت: كيف ذلك؟

قال: أليس الشيخ يود أن يرجع إلى زمان شبابه؟

قلت: بلى..

قال: فزمان شباب هؤلاء هو زمن النبوة.. وهم يعتبرون ابتعادهم عنه هرما وشيخوخة تنفر نفوسهم منها.

سكت قليلا، ثم قال: هل يسخر قومك من الشباب الذي يقلد المغنين والممثلين واللاعبين؟

قلت: هل لا يفعلون ذلك.. بل إن أمثال أولئك يفعلون العجائب، ومع ذلك لا ينتقدونهم.

قال: فإن عدت إليهم، فأخبرهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه)([374])

قلت: لديهم مثله عن المسيح.. ولكنهم لا يقرؤون، ولا يسمعون.

قال: من لم يتعلم القدرة على القراءة، فليتعلم القدرة على السكوت، فلا خير فيمن يتكلم فيما لا يعلم.

قلت: اسمح لي أن أسألك عن بعض الأمور.. ولست أدري هل يصح لي أن أسألها في هذا السوق أم لا.

قال: سل ما بدا لك.

قلت: لقد روى هذا التاجر في أحاديثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبس الثياب القصيرة.. وهي قد لا تتناسب مع بعض البيئات.. وسمعت أنه حذر من الثياب الطويلة، وهي ضرورية في بيئات أخرى.

ابتسم، وقال: وكيف ترى ثيابي؟

قلت: أراها طويلة.. فهل أنت مقصر في هذه السنة؟

قال: ليست السنة في طول الثياب ولا في قصرها.. السنة في التواضع والترفع على الخيلاء والزهو.. تلك هي السنة.. أما طول الثياب وقصرها، فلكل أحد ما اختار من الثياب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أرفع من أن يصف للناس ما يلبسون.

قلت: ولكني أرى الأحاديث الصحيحة تصف ذلك، ففي الحديث الصحيح: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)([375])، وفي حديث آخر: (إزرة المؤمن إلى عضلة ساقه ثم إلى نصف ساقه ثم إلى كعبيه وما تحت الكعبين من الإزار ففي النار)([376])

قال: إن هذه الأحاديث تحمل على أحاديث أخرى تفسرها، وتبين معناها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء)([377])، فقد قيد صلى الله عليه وآله وسلم العقوبة المرتبطة بجر الثوب بارتباط ذلك بالخيلاء.. ومثله ما حدث به ابن عمر  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأذني هاتين يقول: (من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة)([378])

وفي حديث آخر عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سألت أبا سعيد عن الإزار فقال: على الخبير بها سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من ذلك فهو في النار، ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة)([379])

وفي حديث آخر: (والإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)([380])، وفي رواية: (إياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة ولا يحبها الله)

وفي حديث آخر: (يا معشر المسلمين اتقوا الله وصلوا أرحامكم فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم، وإياكم والبغي فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة البغي، وإياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إزاره خيلاء، إنما الكبرياء لله رب العالمين } الحديث([381]).

فهذه الأحاديث كلها تدل على أن المقصود من النهي هو الخيلاء، وليس تطويل الثوب بحد ذاته.

قلت: ولكن لم تقيد تلك الأحاديث التي رويتها بالخيلاء؟

قال: القاعدة عند العلماء هي حمل المطلق على المقيد.. وهي قاعدة نستعملها في حياتنا، وسأضرب لك مثالا يقرب لك هذا.

أرأيت لو أن شخصا ذهب إلى طبيب، فنهاه عن طعام من الأطعمة بسبب عدم ملاءتمه لمرضه، أترى من الحكمة أن يذهب ذلك المريض إلى الناس، ويحذرهم من ذلك الطعام بحجة عدم مناسبته للصحة؟

قلت: يصح له أن يفعل ذلك مع من كان لهم نفس مرضه، أو إن كان ذلك المرض مستشريا منتشرا.

قال: فهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. لقد كان تطويل الثياب خاصا بالمتكبرين المختالين.. فلذلك أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهيه مطلقا تارة باعتباره الحالة العامة، وقيده تارة أخرى ليحمل المطلق على المقيد.

شد انتباهي في السوق رجلين كانت سيما ورثة النبوة تلوح عليهما.. وكانا يتحدثنان بهدوء وأدب، فاقربنا منهما، وهذا بعض ما سمعته من حوارهما:

قال الأول: لا حرج عليك في أن تختار أجمل حذاء.. فقد أمرنا الله تعالى بمراعاة الزينة في ثيابنا وفي كل شؤوننا، فقال:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (لأعراف:31)، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر، فقال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: (إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، الكبر بطر الحقّ، وغمط النّاس)([382])

قال الثاني: بورك فيك يا أخي.. ولكني أسأل: هل الزينة مرتبطة بذوق الشخص في نفسه، أم بذوق المجتمع؟

قال الأول: لم تسأل هذا السؤال؟

قال الثاني: إذا كانت الزينة مرتبطة بذوق الشخص في نفسه.. فإن ذوقي هو ما ورد في النصوص من ذوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. لقد فنى ذوقي في ذوقه..

قال الأول: الزينة مرتبطة بالأمرين.. فالذوق الفردي لا بد ألا يخرق سنن المجتمع.. ولهذا حرم الشرع لباس الشهرة.. ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله تعالى يوم القيامة ثوبا مثله ثم يلهب فيه النار)([383])، وفي حديث آخر (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشهرتين: دقة الثياب وغلظها، ولينها وخشونتها، وطولها وقصرها، ولكن سداد فيما بين ذلك واقتصاد)([384]

قال الثاني: وهل ترى في مراعاة الذوق النبوي مخالفة للذوق الاجتماعي؟

قال الأول: في اللباس والتنعل هناك أشياء ترتبط بالذوق.. وهناك أشياء ترتبط بالمصلحة.. فلا يصح أن يكلف ساكن المناطق الباردة نفسه عنتا بلبس ما كان يلبسه صلى الله عليه وآله وسلم.. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان في منطقة حارة.. والملابس فيها عادة تكون خفيفة، ويقصد منها صد الشمس والحر، لا صد البرد.

قال الثاني: بورك فيك.. وقد هداني هذا إلى حيلة قد تجمع بين الأمرين جميعا.

قال الأول: ما هي؟

قال الثاني: أن أصمم من الملابس النبوية ما يصلح لجميع المجتمعات، وفي جميع المحال.

قال الأول: لك ذلك.. بشرط أن لا تفرضها على الناس باعتبارها سنة.. فالسنة النبوية هي ما ورد في النصوص التنصيص عليه.

قال الثاني: أعلم ذلك.. ولكني أرفع به الحرج عن بعض من يحب هذا النوع من اللباس حبا في المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الأول: ألا أدلك على ما هو أفضل من ذلك؟

قال الثاني: وما هو؟

قال الأول: أن تجعل من تلك الملابس الخفيفة التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملابس مرتبطة بمحال معينة كالبيت والمسجد.. أو في أوقات معينة، كالأعياد ونحوها، بحيث نجمع بين المصالح جميعا.

قال الثاني: نعم ما قلت.. وسأبدأ فورا بتنفيذه.

سرنا إلى محل آخر كان مختصا ببيع العمائم([385])، دخلنا إليه، فاستقبلنا بقوله: لدي هنا جميع أنواع العمائم التي لبسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولدي بالدكان محل خاص يعلم كيفية استعمالها على الهيئة التي استعملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الصالحي: لن نشتري منك شيئا إلا بعد أن نتأكد من علمك بما ورد في كتب الحديث والفقه عن العمائم.

قال التاجر: سل ما بدا لك.. فلولا علمي بما ورد فيها، وفي فضلها ما جعلت محلي مختصا فيها..

قال الصالحي: أول سؤال هو: هل ارتدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العمائم؟

قال التاجر: لا يشك عاقل في ذلك.

قال الصالحي: فما دليلك؟

قال التاجر: النصوص الكثيرة الواردة في ذلك.. فكلها تصفه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كان يرتدي عمامة.. ومن ذلك ما حدث به بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم جمعة إلا وهو معتم([386])، وربما خرج في إزار ورداء، وإن لم تكن عمامته وصل الخرقة بعضها على بعض، واعتم بها([387]).

قال الصالحي: فما ألوان العمائم التي اعتم بها صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال التاجر: لقد لبس صلى الله عليه وآله وسلم العمامة السوداء، والدسمة([388]) والحرقانية([389]) والصفراء.. وغير ذلك.

قال الصالحي: ومن أين لك هذا؟

قال التاجر: لقد وردت الأسانيد بهذا.

قال الصالحي: فحدثني بأحاديثها.

قال التاجر: لقد حدث ابن عباس  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معتما بعمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين يديه([390]).

وعن جابر بن عبد الله  أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء([391]).

وعن أنس  أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتم بعمامة سوداء([392]).

وعن عمرو بن حريث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء، قد أرخي طرفها بين متفيه([393]).

وعن ابن عباس  قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس وعليه عمامة دسمة([394]).

وعن جابر بن عبد الله  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء([395]).

وعنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين، ويرخيها خلفه([396]).

وعن أنس  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ وعليه عمامة مطوية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة([397]).

وعن الحسن  قال: كانت عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سوداء([398]).

وعن ابن عباس  قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه عصابة دسماء([399]).

وعن الفضل بن عباس  قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي توفي فيه، وعلى رأسه عصابة صفراء فسلمت عليه، فقال: (يا فضل)، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (اشدد بهذه العصابة رأسي)، ففعلت، ثم قعد، فوضع كفه على منكبي، ثم قام، فدحل المسجد.. الحديث([400]).

وعن عبد الله بن جعفر  قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبين مصبوغين بزعفران: رداء وعمامة([401]).

قال الصالحي: حسبك.. أخبرني عن سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في العذبة([402]).

قال التاجر: لقد حدث جابر  قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرف العذبة بين كتفيه([403]).

وعن عمرو بن أمية الضمري  قال: كأني أنظر الساعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر وعليه عمامته السوداء، قد أرخى طرفها بين كتفيه([404]).

وعن ثوبان  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه([405]).

وعن ابن عمر  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بالعمائم فإنها سيماء الملائكة، وأرخوها خلف ظهوركم)([406])

وعن أبي أمامة  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يولي واليا حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن([407]).

‏قال الصالحي: في بعض البلاد نرى المشايخ يعممون تلاميذهم أو مريديهم.. فهل في ذلك ‏أثر عن رسول ‏الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

‏قال التاجر: أجل.. وأكثر من يأتيني من هؤلاء أكثر الله منهم.. وهم على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا، فقد روي عن عن علي  قال: (عممني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم بعمامة سدلها خلفي([408]).

قال الصالحي: فما تقول في التقنع([409]

قال التاجر: لقد وردت الآثار بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له.. ومنها ما روي عن سهل بن سعد  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر القناع([410]).

وعن عبد الله بن مسعود  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه، وعرفنا ذلك منه، فتنحي منتبذا خلفنا، وجعل يغطي رأسه بثوبه، فأتانا، فأخبرنا أنه قد أنزل عليه الوحي:{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} (الفتح:1)([411])

وعن ابن عباس  قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متقنعا بثوبه فقال: (يا أيها الناس، إن الناس يكثرون، وإن الأنصار يقلون، فمن ولي منكم أمرا ينفع فيه أحد، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم)([412])

قال الصالحي: إن نفرا منا يضعون القلانس([413]) تحت العمائم.. فما تقول في ذلك؟

قال التاجر: نعم ما فعلوا.. فقد وردت الآثار بذلك.. ومنها ما روي عن ركانة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الفرق بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس)([414])

وعن ابن عباس  قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث قلانس، قلنسوة بيضاء مصرية، وقلنسوة برد([415]) حبرة([416])، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر، ربما وضعها بين يديه إذا صلى([417]).

سكت الصالحي، ثم قال: أرى أنك أهل لبيع العمائم.. فبعها.. وبعني منها مجموعة، ولتكن بنفس الألوان التي لبسها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.. فليس هناك ذوق أرفع من ذوقه.

اشترى الصالحي بعض تلك العمائم، ثم سرنا إلى محل لبيع الخواتم، فقلت: لقد نهى عن الخواتم.. فكيف يبيعها هذا الرجل؟

قال: لقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن الخواتم الذهبية ولم ينه عن غيرها.

اقترب التاجر مني، وقال: ولكن الفضة خصوصا تشرفت بتختم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها.. وسلاني عما شئتما، فإني بها خبير.

قال الصالحي: متى استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخاتم؟

قال التاجر: لقد حدث أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى أو قيصر، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما.. الحديث([418]).

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب إلى الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتما من فضة نقشه: (محمد رسول الله)، كأني أنظر إلى بصيصه([419]).

اشترى الصالحي بعض الخواتم.. ثم سار بي إلى معمل صغير للنسيج، فقلت: ما هذا المحل؟

قال: في هذا المحل تنسج الثياب التي رأيناها، وهنا تصبغ.

قلت: كنت أحسبها مستوردة.

صاح رجل من المعمل قائلا: كيف تقول هذا!؟.. أترضى للثياب التي تشرفت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنسج بأيدي غير متوضئة!؟.. إننا نتطهر طهورنا للصلاة ونحن ننسج هذه الثياب الشريفة.

رأينا عاملا يضع ثيابا في وعاء كبير يحتوي على صبغ أخضر، اقتربنا منه، فقال ـ من غير أن نسأله ـ: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب اللون الأخضر.

قال الصالحي: وكيف عرفت ذلك؟

قال الرجل: لقد حدث أنس  قال: كان أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخضرة([420]).

وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الخضرة([421]).

اقتربنا من رجل آخر كان يضع الثياب في وعاء كبير به صبغ أبيض، اقتربنا منه، فحدثنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بالثياب البيض، فألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم)([422])

اقتربنا من رجل آخر كان يضع الثياب في وعاء كبير به صبغ أسود، اقتربنا منه، فحدثنا بما روي عن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل يوم الفتح مكة، وعليه عمامة سوداء([423]).

اقتربنا من رجل آخر كان يضع الثياب في وعاء كبير به صبغ أصفر، اقتربنا منه، فحدثنا بما ورد عن عبد الله بن جعفر  قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران، رداء وعمامته([424]).

وعن أم سلمة  قالت: ربما صبغ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فميصه ورداءه وإزاره بزعفران أو ورس، ثم يخرج فيها([425]).

بينما نحن كذلك إذ دخل رجل وطلب أن يصبغ ثيابا كان يحملها باللون الأحمر، فأنكر عليه عامل من العمال، وقال: ألم تسمع ما ورد في الأحمر من النهي؟

قال: لا.. لم أسمع بذلك.

قال العامل: لقد حدث رافع بن خديج  قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى الحمرة قد ظهرت فكرهها([426]).

وعنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عهن حمر، فقال: (إن هذه الحمرة قد علتكم)، فقمنا سراها لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نفرت إبلنا، فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها([427]).

قال الرجل: ولكني ما أتيت هنا إلا بعد أن سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتدى حلة حمراء، ومعي في ذلك من النصوص ما حدث به جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبس بردة الأحمر في العيدين والجمعة([428]).

وعن عامر بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمني يخطب على بغلة، وعليه برد أحمر وعلي أمامه يعبر عنه ما يقول([429]).

وعن بعض الصحابة  أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سوق ذي المجاز، وعليه أحمران([430]).

قال العامل: صدقت في هذا.. ولكن الحمرة المرادة في هذه النصوص ليست الحمرة المحضة التي لا يخالطها غيرها، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان ‏منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط، ‏إلا فالأحمر البحت نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أشد النهي.‏. وقد ذكرت لك ما ورد فيه من النهي.

***

مكثت في صحبة هذا الرجل الفاضل مدة من الزمن، وقد ظهر لي فيها من صلاحه وتقواه وطهارة قلبه ما لا يمكن للساني أن يعبر عنه..

في أول ليلة بت فيها عنده تكسرت تلك الأوهام الكثيرة التي نشرها ما رأيته منه في النهار..

ففي النهار تصورته رجل دنيا.. لا يعرف من نبيه إلا صورته وأكله ولباسه.. وكل ما ارتبط ببشريته.. لكني في الليل رأيته بصورة أخرى مختلفة تماما.. لقد رأيت بشريته مستغرقة في أنوار جميع الورثة الذين تشرفت برأيتهم.

في تلك الليلة.. تظاهرت بأني نائم لأرقب ماذا يفعل..

رأيته يرفع الغطاء عنه بهدوء، ثم يقوم، ويتوضأ، ويستقبل القبلة بصلاة خاشعة طويلة.. ثم يرفع يديه بعدها، ويستغرق في مناجاة طويلة..

ثم رأيته يفتح الخزانة، ويلبس ثيابا مهنة بسيطة، فتعجبت من ذلك كثيرا..

ثم رأيته يخرج.. تبعته ببصري لأرى ماذا يفعل في ذلك الليل المظلم.. فإذا به يحمل قفة، ثم يخرج بها.. ولا يعود إلا بعد فترة.. ثم يعود ليحمل قفة أخرى.. وهكذا إلى أن عددت سبع مرات، وهو يفعل كل ذلك من غير كلل ولا ملل..

في المرة الأخيرة، وبعد أن خرج تبعته لأرى ماذا يفعل، فإذا به يدق على بيت من البيوت الفقيرة، ثم يضع القفة بجانب الباب، وينصرف([431]).

وقد أثار كل ذلك عجبي.. لكن الأعجب من ذلك كله أنه بعد أن انتهى من ذلك مع اقتراب بزوغ الفجر، ارتمى في فراشه، ولم ينم إلا قليلا، ثم قام وهو فزع يقول: هل أدركنا الفجر؟

قلت: لم يؤذن المؤذن بعد.

قال: الحمد لله.. لقد خشيت أن تفوتنا صلاة الفجر في المسجد.. فقد وردت الأحاديث الكثيرة في فضل ذلك.

ثم قال يخاطبني: عساك نمت نوما هادئا.

قلت: الحمد لله.. لقد نمت نوما طيبا.

قال: وأنا مثلك.. نسأل الله أن يتم علينا نعمته، وأن يغفر لنا تقصيرنا في حق الليل، فقد قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} (الفرقان:62)، نسأله ـ تعالى ـ أن يجعلنا من الذين قال فيهم:{ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (الذريات:17)

لم أخبره بما رأيت منه خشية أن أحرجه بذلك.. فقد كان يحاول ستر أحواله وأعماله، ويحاول ألا يظهر إلا بمظهر الإنسان البسيط المقصر.

في الوقت الذي قررت فيه أن أخرج من دمشق أخبرته بذلك، فقال: أرجو أن لا أكون قد قصرت في حقك.

قلت: لا.. فأنت ـ بحمد الله ـ أكرمتني غاية الكرم.

أخرج حلة كاملة من تلك الحلل التي اشتراها، وقال لي: هذه الثياب مفصلة على الثياب التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهي هدية مني لك.. ولكني لا آذن لك في لبسها إلا بعد أن تقتنع اقتناعا تاما بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هو الإنسان الكامل، وهو واسطة الهداية الأكبر بين الله وعباده، وأنه لا يمكن لأحد أن يدخل حضرة الله حتى يمر على حضرته.

قلنا للوارث: أين هي تلك الحلة؟

قال الوارث: هي هذه التي ترونني ألبسها.. إنها أعظم حلة لبستها في حياتي.

قلت: متى لبستها؟

قال: بعد أن اقتنعت اقتناعا تاما بأن محمدا هو رسول الله، وهو واسطة الهداية الأكبر بين الله وعباده، وأنه لن يدخل حضرة الله من لم يمر على حضرته.

قلت: متى كان ذلك؟

قال: سأحدثكم بحديث ذلك.


([1])   حاولنا أن نذكر في هذا الفصل ما يرتبط بسنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرتبطة ببشريته، ولم نرتبه بالترتيب المعهود إلى مباحث ومطالب تحتها من باب التيسير والاختصار، ولذلك أدرجنا في كل مطلب كل ما يرتبط به من عناصر.. وننبه إلى أنا ذكرنا في بعض المحال الروايات المختلفة في كل مسألة إما من باب التوثيق، أو من باب ذكر الخلاف بدليله إن كان هناك خلاف.

([2])   رواه الطبري والقضاعي في مسند الشهاب والطبراني في المعجم الأوسط.

([3])   هذا اسم (السيرة الشامية) للصالحي، وهي من أهم مصادر السيرة النبوية الشريفة، وقد اعتمدنا في هذه السلسلة كثيرا على ما ورد فيها من روايات.. وهي مرجعنا في أكثر الأحيان في تخريج الأحاديث المرتبطة بالسيرة والشمائل، وهو بحمد الله محل إجلال واحترام من الأمة جميعا، وله في أهل البيت خصوصا الكثير من البحوث الطيبة، ومنها جزء عنوانه (مزيل اللبس عن حديث ردّ الشمس)، وغيره.

([4])   رواه أحمد والترمذي.

([5])   رواه ابن سعد وأبو الحسن بن الضحاك.

([6])   رواه ابن سعد.

([7])  التقلع: الانحدار من الصبب، والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحالة استعجال، ومبادرة شديدة، وأراد به قوة المشي، وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا، لا كمن يمشي اختيالا، ويقارب خطوه.

([8])   رواه ابن سعد.

([9])  التكفؤ: تمايل الماشي إلى قدام كالغصن إذا ذهبت به الريح.

([10])  الصبب: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه، لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه.

([11])   رواه ابن سعد.

([12])   رواه أبو داود.

([13])   رواه ابن سعد.

([14])   رواه البخاري في الأدب، وابن سعد.

([15])   رواه ابن سعد.

([16])   رواه البزار برجال ثقات.

([17])   رواه مسلم.

([18])   رواه أحمد برجال ثقات.

([19])   رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف.

([20])   رواه ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن أبي أمامة، ورواه الطبراني في الكبير.

([21])   رواه النسائي.

([22])   رواه ابن عدي.

([23])   رواه أبو الحسن بن الضحاك عن أبي أيوب الأنصاري.

([24])   رواه البخاري والنسائي.

([25])   رواه النسائي، وابن سعد.

([26])   رواه البخاري ومسلم.

([27])   رواه ابن عساكر.

([28])   رواه البيهقي.

([29])   رواه الحارث بن أبي أسامة.

([30])  أي مقمرة مضيئة من أولها إلى آخرها.

([31])   رواه الترمذي والنسائي..

([32])   رواه أبو الحسن بن الضحاك..

([33])   رواه أحمد والترمذي وابن حبان وبقي بن مخلد.

([34])   رواه ابن الجوزي.

([35])   أفرد الحافظ أبو الخطاب ابن دحية كتابا سماه: (الآيات البينات فيما في أعضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المعجزات) وصف فيه منظره الشريف صلى الله عليه وآله وسلم.. وقد لخص هذا الكتاب الصالحي في موسوعته (سبل الهدى).. وسنلخص بدورنا مع بعض التصرف ما ذكره الصالحي.

([36])   الأزهر: الأبيض المستنير المشرق وهو أحسن الألوان أي ليس بالشديد البياض.

([37])   الأمهق: الشديد البياض الذي لا يخالطه شئ من الحمرة وليس بنير كلون الجص أو نحوه.

([38])   رواه البخاري ومسلم.

([39])   الإشراب: خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى الآخر لونه.

([40])   رواه أحمد والترمذي والبيهقي من طرق.

([41])   رواه ابن عساكر من طرق.

([42])   الهامة: الرأس.

([43])  لا شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينها.

([44])   العقيقة: بقافين على المشهور: شعر الرأس، سمي عقيقة تشبيها بشعر المولود قبل أن يحلق فإذا حلق ونبت ثانيا فقد زال عنه اسم العقيقة، وربما سمي الشعر عقيقة بعد الحلق على الاستعارة، والمراد إن انفرقت عقيقته من ذات نفسها وإلا تركها معقوصة..

([45])   رواه الترمذي عن هند بن أبي هالة والبيهقي عن علي.

([46])   الجمة – بضم الجيم وتشديد الميم -: هي مجتمع شعر الرأس وهي أكثر من الوفرة ما نزل عن ذلك إلى المنكبين.

([47])  الوفرة: ما بلغ شحمة الأذن.

([48])  الغدائر: الضفائر، وقد وصف ابن أبي خيثمة في تاريخه نواحي الجمال المرتبطة بهذا، فقال: إنما جعل شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأسه غدائر أربعا ليخرج الأذن اليمنى من بين غديرتين يكتنفانها، ويخرج الأذن اليسرى من بين غديرتين يكتنفانها، ويخرج الأذنان بياضهما من بين تلك الغدائر كأنهما توقد الكواكب الدرية بين سواد شعره.

([49])   رواه الترمذي وأبو داود بسند جيد.

([50])   رواه الستة.

([51])   رواه البخاري ومسلم.

([52])   الجبين: ما فوق الصدغ، والصدغ ما بين العين إلى الأذن، ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة.

([53])   الزجج: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد.. وقيل: الزجج دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس.

([54])  سوابغ: جمع سابغ، وهو التام الطويل، أي أنها دقت في حال سبوغها، وقد وضع الحواجب موضع الحاجبين لأن التثنية جمع.

([55])  يدره: أي يحركه ويظهره، كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلئ الضرع لبنا إذا درفيظهر ويرتفع.

([56])   رواه الترمذي.

([57])  الدعج: شدة سواد العين في شدة بياضها.

([58])   رواه أحمد ومسلم.

([59])  الأهدب: الطويل الأشفار.

([60])   الأشفار: جمع شفر وزن قفل وهو حرف الجفن الذي ينبت عليه الهدب.. قال ابن قتيبة: والعامة تجعل أشفار العين: الشعر وهو غلط، وإنما الأشفار حروف العين التي ينبت عليها الشعر.

([61])   رواه أحمد ومسلم.

([62])   رواه ابن عدي والبيهقي وابن عساكر عن عائشة، والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس.

([63])   رواه البخاري ومسلم.

([64])   رواه عبد الرزاق في الجامع وأبو زرعة الرازي في دلائله.

([65])   رواه مسلم.

([66])  حاول بعضهم تكلف سر ذلك، وهو من التكلف الممقوت، فزعم أن أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان له بين كتفيه عينان كسم الخياط يبصر بهما لا تحجبهما الثياب.وقال آخر: بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة أمثلتهم فيها فيشاهد أفعالهم.

([67])  الأطيط: صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها، أي أن كثرة ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت.

([68])   رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي ذر، وأبو نعيم عن حكيم بن حزام.

([69])  حادت: مالت عند نفارها عن سنن طريقها.

([70])   رواه مسلم.

([71])   القنى: طوله ودقة أرنبته مع ارتفاع في وسطه.

([72])  العرنين: الأنف.

([73])   رواه الترمذي وابن عساكر.

([74])  السهل الخدين: أي ليس في خديه نتوء وارتفاع، وقيل: أراد أن خديه صلى الله عليه وآله وسلم أسيلان قليلا اللحم رقيقا الجلد، كما في حديث أبي هريرة.

([75])   رواه الترمذي.

([76])   الضليع: عظيم الفم وقيل واسعه، والعرب تمدح عظم الفم وتذم صغره، قال الإمام النووي: وهذا قول الأكثر وهو الأظهر.

وقيل: الضليع: المهزول الذابل، وهو في صفته صلى الله عليه وآله وسلم ذبول شفتيه ورقتهما وحسنهما.

([77])  الشنب: البياض والبريق والتحديد في الأسنان، وقيل: هو بردها وعذوبتها.

([78])  الفلج: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات.

([79])   يفتر: أي يظهر أسنانه.

([80])  حب الغمام: البرد، شبه به ثغره في بياضه وصفائه وبرده.

([81])   رواه الترمذي وأبو الشيخ.

([82])   رواه ابن عساكر.

([83])   رواه ابن سعد وأبو الشيخ.

([84])   رواه أبو زرعة الرازي في دلائله والدارمي والترمذي وأبو الحسن بن الضحاك وسنده جيد.

([85])   رواه البيهقي.

([86])   رواه ابن سعد وأبو الشيخ.

([87])   رواه أبو نعيم.

([88])   رواه أحمد وابن ماجة، ورواه أبو الحسن بن الضحاك بلفظ: أتي بدلو فتوضأ منه فتمضمض ومج مسكا أو أطيب من المسك وانتشر خارجا منه.

([89])  الخلوف: تغير رائحة الفم.

([90])   رواه الطبراني.

([91])  الذرابة: الفحش، والبذاء في المنطق: السفه والفحش.

([92])   رواه الطبراني.

([93])   رواه البخاري في التاريخ والطبراني وأبو الحسن بن الضحاك.

([94])   رواه البيهقي وابن عساكر وابن الجوزي.

([95])   رواه ابن عساكر.

([96])   رواه ابن سعد بسند صحيح، ورواه أبو الحسن بن الضحاك بلفظ أربع عشرة بيضاء.

([97])   رواه البخاري ومسلم.

([98])   المطهم: وهو المنتفخ الوجه.

([99])  المكلثم: وهي من الوجه القصير الحنك الداني الجبهة المستدير مع خفة اللحم.

([100])   رواه البيهقي وابن عساكر من طرق.

([101])  فخما: أي عظيما.

([102])  مفخما: أي معظما في الصدور والعيون.

([103])   رواه الترمذي وغيره.

([104])   رواه ابن عساكر، وابن سعد وأبو نعيم والبيهقي.

([105])   المشاش: رؤوس العظام: كالمرفقين والكعبين والركبتين وقال الجوهري: رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها.

([106])  الكتد: مجتمع الكتفين.

([107])   رواه الترمذي.

([108])   رواه أحمد ويعقوب بن سفيان.

([109])   تحدثنا عن هذا الخاتم ودلالته على النبوة في رسالة (أنبياء يبشرون بمحمد) ورسالة (معجزات حسية)

([110])   أي مستوى البطن والصدر، أي أن بطنه غير خارج فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه.

([111])  مشيح: أي بادي الصدر غير قعس، ويروى: فسيح الصدر أي واسع الصدر.

([112])   رواه الترمذي.

([113])  أنور: من النور تريد شدة بياضة وحسنه، والمتجرد: ما جرد عنه الثوب من بدنه وهو المجدد أيضا.

([114])   عاري الثديين: أي أن ثدييه وبطنه ليس عليهما شعر سوى المسربة كما سيأتي.

([115])  الأشعر: الذي عليه الشعر من البدن.

([116])   رواه الترمذي.

([117])   رواه الترمذي وصححه.

([118])   رواه ابن سعد وابن عساكر.

([119])  شثن الكفين: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضتهم ويذم في النساء.

([120])  سائل الأطراف: من السيلان أي ممتدها، يعني أنها طوال ليست بمتعقدة ولا منقبضة، ورواه بعضهم بالنون بدل اللام فقال: سائن، قال ابن الأنباري: وهما بمعنى تبدل اللام من النون، أي طويل الأصابع.

([121])  سبط: الممتد الذي ليس فيه تعقد ولا نتوء.

([122])  القصب: جمع قصبة، وهي كل عظم أجوف فيه مخ وأما العريض فيسمى لوحا، يريد بهما ساعديه وساقيه، وفي لفظ: العصب.

([123])   رواه الترمذي.

([124])   رواه أحمد.

([125])   خمصان: الإخمص من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء والخمصان المبالغ فيه، أي ذلك الموضع من أسفل قدميه كان شديد التجافي عن الأرض جدا.

وسئل ابن الأعرابي عنه فقال: إذا كان خمص الإخمص بقدر لم يرتفع عن الأرض جدا ولم يستو أسفل القدم جدا، فهو أحسن الخمص بخلاف الأول.

([126])   مسيح القدمين: أي ملساوان لينتان ليس فيهما تكسر ولا شقاق فإذا أصابهما الماء نبا عنهما سريعا لملاستهما فينبو عنهما ولا يقف.

([127])   رواه الترمذي.

([128])   رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبيهقي.

([129])  الممغط: المتناهي في الطول، وامتغط النهار امتد ومغطت الحبل إذا مددته وأصله منمغط والنون للمطاوعة فقلبت ميما وأدغمت في الميم ويقال بالعين المهملة بمعناه.

([130])   رواه ابن عساكر.

([131])   رواه ابن سعد وابن عساكر.

([132])   رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي.

([133])   رواه أبو بكر بن أبي خيثمة.

([134])   رواه ابن عساكر.

([135])   رواه ابن سعد وأبو نعيم.

([136])   رواه أبو يعلى والبزار.

([137])   رواه البخاري في تاريخه والدارمي.

([138])   رواه الطبراني عن أبي الدرداء.

([139])  الثريد: أن يثرد الخبز بمرق اللحم، وقد لا يكون معه اللحم.

([140])   رواه أبو داود.

([141])   قيل: هو الدقيق وما لا يشرب.

([142])   رواه أحمد والحاكم والبيهقي.

([143])   رواه البخاري.

([144])   رواه ابن عدي، ورواه أبو القاسم البغوي عن ابن عباس.

([145])   رواه الحارث بن أبي أسامة.

([146])   رواه ابن ماجه.

([147])   رواه أحمد وأبو نعيم بسند حسن.

([148])   القثاء: هو اسم جنس للخيار، وبعضهم يطلق القثاء على نوع يشبه الخيار، وهو مطابق لقول الفقهاء: (لو حلف لا يأكل الفاكهة حنث بالقثاء والخيار)، وهو يقتضي أن يكون نوعا غيره، فتفسير القثاء بالخيار تسامح.

([149])  جرو القثاء: صغار القثاء.

([150])   رواه مالك.

([151])   الخربز: نوع من البطيخ الأصفر.

([152])   رواه أحمد وأبو داود والطيالسي، زاد الطيالسي: ويقول: هما الأطيبان.

([153])   رواه أبو يعلى، والطبراني بإسناد جيد، والترمذي.

([154])   رواه ابن أبي شيبة، ومسلم.

([155])   رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد والبزار، زاد أحمد والبزار (وتعاهد جيرانك)

([156])   رواه الترمذي وابن ماجه.

([157])  العراق: هو العظم إذا خلى عنه معظم اللحم.

([158])   رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل.

([159])   رواه الحميدي والطبراني.

([160])   رواه أبو نعيم.

([161])   رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب، والبيهقي عن مجاهد مرسلا، والطبراني.

([162])  العراق: جمع عرق، وهو العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم، وهو جمع نادر.

([163])   رواه النسائي.

([164])   رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ.

([165])   رواه الدارقطني في (غرائب ملك) وابن عدي.

([166])   رواه ابن سعد.

([167])   رواه ابن سعد.

([168])   رواه ابن سعد.

([169])   رواه الطبراني وابن عدي.

([170])   رواه ابن السني.

([171])   رواه ابن سعد.

([172])  الدشيشة: هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا، ثم تجعل في القدور، ويلقى عليها لحم أو تمر ويطبخ.

([173])   رواه أبو نعيم.

([174])  الحريرة: شئ يصنع من اللبن.

([175])  العصيدة: شئ يعمل من الدقيق معروف.

([176])   رواه الطبراني برجال ثقات.

([177])   رواه البخاري.

([178])   رواه ابن عدي.

([179])   رواه الحميدي والبخاري والنسائي.

([180])   رواه أبو يعلى وأحمد.

([181])   رواه أبو نعيم في الطب.

([182])  الأقط: هو شئ يتخذ من مخيض اللبن الغنمي، والمراد هنا بالثور القطعة منه.

([183])   رواه البخاري ومسلم والبرقاني وابن سعد.

([184])   أو خرصا، ومعناهما واحد، وهو أن يأخذ العنقود ويضعه في فيه ويخرطه من حبه فيأكل الحب، ويخرج العرجون عاريا.

([185])   رواه الطبراني وابن عدي وأبو بكر الشافعي بسند واه جدا، وأبو الشيخ والبيهقي،  وقال: إسناده قوي.

([186])   رواه ابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب.

([187])   رواه أحمد.

([188])  طخاءة الصدر: ثقل وغشاء، وأصله الظلمة والغنم.

([189])  تجم الفؤاد: صلاحه، ونشاطه: أي تريحه، وقيل تجمعه وتكمله.

([190])   رواه الطبراني برجال ثقات خلا على القرشي الراوي عن عمر بن دينار بنحو رجاله.

([191])   رواه ابن حبان.

([192])  الكباث: النضيج من ثمر الأراك.

([193])   رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي، زاد ابن حبان: (وإني كنت آكله، زمن كنت أرعى)، فقلت: أكنت ترعى الغنم؟ قال: (وهل من نبي إلا رعاها)

([194])   رواه الترمذي، وابن السني وأبو نعيم، وأبو سعيد بن الأعرابي والحاكم وصححه وابن عدي.

([195])   رواه ابن عساكر من طريق السبكي وسنده واه.

([196])   رواه البرقاني وأبو القاسم البغوي.

([197])  قفار: أي غير مأدوم.

([198])   رواه أبو الحسن بن الضحاك.

([199])   رواه ابن سعد.

([200])   رواه أبو داود الطيالسي وأحمد.

([201])   رواه الطبراني في الكبير والصغير من طرق، رجال طريقين منها رجال الصحيح.

([202])   رواه أبو الشيخ.

([203])   رواه الدولابي.

([204])   قال الحافظ أبو عمرو: من طريق الإيمان حب ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى أن قول أنس فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم.

([205])   رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

([206])   رواه الديلمي.

([207])   رواه الترمذي.

([208])   رواه النسائي.

([209])  القديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس فعيل بمعنى مفعول.

([210])   رواه البخاري.

([211])   رواه النسائي.

([212])   رواه أبو الشيخ.

([213])  الجنب: شق الأسنان.

([214])   رواه الترمذي وحسنه.

([215])   رواه أحمد.

([216])   رواه أبو الشيخ وأبو نعيم.

([217])   رواه مسلم والبرقاني.

([218])   رواه البرقاني برجال ثقات غير نعيم بن مورع وثقه ابن حبان، وضعفه غيره.

([219])   رواه أحمد والترمذي والحاكم، زاد ابن السني وأبو نعيم في الطب: بالعسل وقال: (إنه يبرد فؤادي ويجلو بصري)

([220])   رواه محمد بن عمر وابن أبي شيبة.

([221])   رواه أبو داود وأبو بكر الشافعي.

([222])   رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن سعد.

([223])   رواه أبو الحسن بن الضحاك.

([224])   رواه الطبراني برجال الصحيح خلا ابن لهيعة وسنده حسن.

([225])   رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

([226])   رواه أحمد.

([227])   رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

([228])   رواه مالك ومسلم واللفظ له.

([229])   رواه البزار.

([230])   رواه الستة.

([231])   رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.

([232])   رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل وابن ماجه والنسائي في عمل اليوم والليلة.

([233])   رواه أبو داود والنسائي.

([234])   رواه أحمد والبخاري ومسلم والأربعة.

([235])   رواه أحمد.

([236])   رواه أبو داود.

([237])   رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي.

([238])  أي كان لا يصف الطعام بطيب أو فساد، إن كان فيه.

([239])   رواه الترمذي في الشمائل.

([240])   رواه ابن ماجه والحكيم الترمذي، وفي روية: (عن قوم فعادت إليهم)

([241])   رواه الطبراني عن أبي سكينة والبزار والطبراني عن عبد الله بن أم حرام.

([242])   رواه البزار بسند ضعيف والطبراني، قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أحد رواته: سمعت بعض أهل العلم يفسرها، قال: (هنا تصغير الأرغفة)، وقال في النهاية: (وحكي عن الأوزاعي أنه تصغير الأرغفة)

([243])   رواه ابن عدي بسند ضعيف.

([244])   رواه الطبراني وابن ماجه.

([245])   رواه الطبراني في الأوسط والديلمي في مسند الفردوس.

([246])   رواه الطبراني.

([247])   رواه أحمد والبخاري ومسلم.

([248])   رواه ابن ماجه والبيهقي في الشعب.

([249])   رواه ابن ماجه والبيهقي في الشعب.

([250])   رواه الترمذي وابن ماجه.

([251])   رواه الطبراني برجال ثقات غير محمد بن عبد الكبير بن شعيب.

([252])   رواه الطبراني برجال ثقات غير عزيز بن سفيان.

([253])   وهذا لا يخالف ما ورد في الحديث عن الشريد بن سويد قال: (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا قد بايعناك) (رواه أحمد ومسلم والبيهقي).. فهذا مبني على التشريع ومراعاة الأسباب، وفي الطعام مبني على مراعاة التوحيد، والتوكل على الله.

([254])   رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

([255])   رواه البخاري في الأدب.

([256])   رواه ابن ماجه.

([257])   رواه البخاري في تاريخه وأبو الشيخ.

([258])   رواه البخاري.

([259])   الجفنة: كالقصعة، والجمع جفان بالكسر وجفنات بالتحريك.

([260])   رواه أبو الشيخ.

([261])   رواه النسائي.

([262])   رواه أبو داود.

([263])   بالإضافة إلى ما سنذكره هنا روي في حديث ضعيف أنه شرب في قدح من نحاس، قعن أبي أمامة  قال: كان لمعاذ بن جبل  قدح من صفر نحاس، فيه يسقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا شرب وفيه يوضئه إذا توضأ (رواه الطبراني بسند ضعيف)

([264])   رواه البزار وابن ماجه.

([265])   رواه ابن مندة.

([266])   رواه أحمد برجال الصحيح ورواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه.

([267])   رواه البزار برجال ثقات.

([268])   رواه أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب.

([269])   رواه أحمد وأبو داود.

([270])   رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

([271])   رواه البخاري في الأدب.

([272])   رواه البخاري في الأدب.

([273])   رواه البخاري ومسلم.

([274])  مرحبا: لقيت سعة.

([275])   رواه البخاري في الأدب.

([276])   رواه البخاري ومسلم.

([277])   رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

([278])   رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

([279])   رواه البخاري والترمذي.

([280])   رواه البخاري في الأدب.

([281])  رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

([282])   رواه النسائي والحاكم.

([283])   رواه أبو داود بإسناد جيد، ورواه الترمذي بنحوه وقال: حديث حسن.

([284])   رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

([285])   رواه البخاري ومسلم.

([286])   تكركر: تطحن.

([287])   رواه البخاري.

([288])   رواه البخاري ومسلم.

([289])   رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

([290])   رواه أبو داود.

([291])   رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

([292])   رواه أحمد.

([293])   رواه النسائي.

([294])   رواه أحمد.

([295])   رواه ابن ماجه.

([296])   رواه البخاري ومسلم.

([297])   رواه البخاري في الأدب.

([298])   رواه الطبراني برجال الصحيح.

([299])   رواه البخاري، وأبو داود، ورواه ابن ماجه، ولفظه (عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماشيا وأبو بكر، وأنا في بني سلمة)

([300])   رواه مالك.

([301])   رواه البخاري في الأدب، وابن حبان وأبو يعلى، برجال الصحيح.

([302])   رواه ابن ماجه.

([303])   رواه الطبراني.

([304])   رواه أحمد، والبخاري ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

([305])   رواه الطبراني مرسلا برجال ثقات.

([306])   رواه أحمد، ومسلم والأربعة، عن أم سلمة والبزار والطبراني، عن أبي بكرة ومسدد عن أبي قلابة مرسلا برجال ثقات.

([307])   رواه البخاري ومسلم.

([308])   رواه أحمد، والبخاري ومسلم، والنسائي.

([309])   رواه أحمد، ومسلم.

([310])   رواه أبو نعيم.

([311])   رواه الترمذي وحسنه وابن السني والحاكم.

([312])   رواه ابن أبي شيبة وأبو داود، والنسائي والحاكم، وابن مردويه والطبراني برجال ثقات.

([313])   رواه ابن عساكر.

([314])  الترتيل: التأني.

([315])  الترسيل: الهنة والرفق والتأني.

([316])   رواه أبو داود، وابن سعد.

([317])   رواه أبو سعد النيسابوري في شرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

([318])   رواه أبو بكر بن أبي خيثمة.

([319])   رواه البخاري.

([320])  السكت: السكون.

([321])   أراد هند بهذا أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان رحب الشدقين، أما ما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم في المتشدقين، فإنه أراد به الذين يتشدقون إذا تكلموا، فيميلون أشداقهم يمينا وشمالا، ويتنطعون في القول..

([322])   جوامع الكلم: القليلة الألفاظ، الكثيرة المعاني، جمع جامعة: وهي اللفظة الجامعة للمعاني، لا فضول فيه، والفضول من الكلام ما زاد على الحاجة وفضل، ولذلك عطف ولا تقصير.

([323])   رواه الترمذي وأبو الشيخ والبيهقي.

([324])   رواه الحارث بن أبي أسامة والبيهقي.

([325])   رواه الترمذي في الشمائل وابن سعد، والبيهقي، وفي رواية: يضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى.

([326])   رواه البخاري.

([327])   رواه البخاري، وفي لفظ: بين الماء والطين.

([328])   رواه البخاري.

([329])   رواه الطبراني وأحمد.

([330])   رواه الطبراني.

([331])   رواه ابن عساكر.

([332])   رواه الترمذي – وصححه – وابن سعد، وفي رواية ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا تبسما.

([333])   رواه أحمد.

([334])   رواه الترمذي والبيهقي.

([335])  قال أبو الحسن بن الضحاك رحمه الله تعالى: صحت الأخبار، وتظاهرت، بضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير موطن، حتى تبدو نواجذه، وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان لا يضحك إلا تبسما، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن التبسم كان الأغلب عليه، فيمكن أن يكون الناقل عنه أنه كان لا يضحك إلا متبسما لم يشاهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير ما أخبر عنه، ويكون من روى أنه ضحك، حتى بدت نواجذه قد شاهد ذلك في وقت ما فنقل ما شاهد، فلا اختلاف بينهما، لاختلاف المواطن والأوقات ويمكن أن يكون في ابتداء أمره كان يضحك حتى تبدو نواجذه في الأوقات النادرة، وكان آخر أمره لا يضحك إلا متبسما، وقد وردت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تدل على ذلك، ويمكن أن يكون من روى عنه أنه كان لا يضحك إلا متبسما شاهد ضحكه، حتى بدت نواجذه نادرا، فأخبر عن الأكثر، وغلبته على القليل النادر.

([336])   رواه أبو بكر بن أبي شيبة.

([337])   رواه الطبراني في الكبير، قال الذهبي: إسناده قريب من الحسن، ورواه الخطيب عن أنس.

([338])   رواه البيهقي.

([339])   رواه البيهقي.

([340])   رواه الترمذي في الشمائل.

([341])   رواه قاسم بن ثابت.

([342])   رواه البخاري ومسلم.

([343])   رواه الحاكم، وصححه الذهبي، وأقره.

([344])   رواه ابن سعد، وابن جرير.

([345])   رواه ابن سعد.

([346])   رواه الترمذي.

([347])   رواه أبو الشيخ.

([348])   رواه البيهقي.

([349])   رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر برجال ثقات وابن أبي الدنيا والنسائي.

([350])   سنرى التفاصيل الكثيرة المرتبطة بالسلام الاجتماعي في الإسلام في رسالة (سلام للعالمين) من هذه السلسلة.

([351])   أي أصابته شوكة أو بلية عظيمة كناية بالشوكة عنها.

([352])   أي فلا أزيلت عنه.

([353])   رواه البخاري وابن ماجة.

([354])   هذا النص منقول بتصرف من (الإحياء:4/388)

([355])  الكعب: هو العظم الخارج آخر الساق.

([356])   رواه الحاكم وصححه، ولفظ أبي الشيخ يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمين بأطراف الأصابع.

([357])   رواه ابن ماجه، وابن سعد، وابن عساكر.

([358])   رواه ابن عدي.

([359])   رواه ابن سعد.

([360])   رواه أبو داود الطيالسي.

([361])   رواه أبو الشيخ.

([362])   رواه أحمد بسند جيد.

([363])   الحلة: إزار ورداء برد أو غيره، ولا تكون حلة إلا من ثوبين، أو ثوب له بطانة.

([364])   رواه أبو داود، ورواه بقي بن مخلد بلفظ: أحسن ما يكون من اليمنية.

([365])   رواه البخاري.

([366])   رواه ابن سعد.

([367])   رواه الحاكم.

([368])   رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو بكر الإسماعيلي.

([369])  الشملة: كساء أصفر من القطيفة يتشح بها.

([370])   رواه أبو داود.

([371])  النمرة: بردة من صوف يلبسها الأعراب.

([372])   رواه الطبراني برجال ثقات عن زمعة بن صالح، وأبو نعيم، وابن عساكر.

([373])   رواه مسلم وابن عساكر.

([374])   رواه ابْنُ حِبَّانَ.

([375])   رواه البخاري.

([376])   رواه مسلم.

([377])   رواه البخاري ومسلم.

([378])   رواه مسلم.

([379])   رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان.

([380])   رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية من وثقه الجمهور.

([381])   رواه الطبراني في الأوسط.

([382])   رواه مسلم.

([383])   رواه مسلم.

([384])   رواه البيهقي.

([385])   العمائم: جمع عمامة، وهي اللّباس الّذي يلاث – يلفّ – على الرّأس تكويراً، وتعمّم الرّجل: كوّر العمامة على رأسه.

([386])   ذكر علماء الشمائل أن عمامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن بالكبيرة، التي تؤذي صاحبها، وتضعفه، وتجعله عرضة للآفات كما يشاهد من حال أصحابنا، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسطا بين ذلك.

قال الحافظ في فتاويه: لا يحضرني في طول عمامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدر محدود، وقد سئل عنه الحافظ عبد الغني فلم يذكر شيئا في فتاويه.

وقال الشيخ في ذلك لم يثبت في مقدار العمامة الشريفة حديث، ثم أورد الحديث السالف أول الباب، ثم قال: (وهذا يدل على أنها عدة أذرع، والظاهر أنها كانت نحو العشرة أو فوقها بيسير.

وقال السخاوي في فتاويه: رأيت من نسب لعائشة  أن عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر كانت بيضاء، وفي الحضر كانت سوداء، وكل منها سبعة أذرع، قال السخاوي: وهذا شئ ما علمناه.

([387])   رواه ابن عساكر.

([388])  الدسَمة: أي سوداء.

([389])  الحرقانية:: سوداء، قال الزمخشري: هي التي على لون ما أحرقته النار كأنها منسوبة إلى الحرق.

([390])   رواه الخطابي وابن عساكر.

([391])   رواه الحارث بن أبي أسامة، وأبو القاسم البغوي، وابن عدي، زاد في رواية: بغير إحرام.

([392])   رواه ابن عدي.

([393])   رواه مسلم والأربعة والترمذي في الشمائل.

([394])   رواه أحمد والترمذي.

([395])   رواه أحمد والترمذي.

([396])   رواه ابن عدي بسند ضعيف.

([397])   رواه أبو داود.

([398])   رواه ابن سعد.

([399])   رواه البخاري.

([400])   رواه البخاري.

([401])   رواه الحاكم والطبراني.

([402])   العذبة: طرف الشّيء كعذبة الصّوت واللّسان أي: طرفهما، والطّرف الأعلى للعمامة يسمّى عذبةً وإن كان مخالفاً للاصطلاح العرفيّ.

([403])   رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي.

([404])   رواه النسائي.

([405])   رواه الطبراني.

([406])   رواه الطبراني.

([407])   رواه الطبراني بسند ضعيف.

([408])   رواه أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وابن منيع والبيهقي في الشعب.

([409])   يطلق القناع والمقنّع والمقنّعة على نوع من القماش يضعه الرجل والمرأة على الرّأس، ويطلق على الخمار الّذي تغطّي به المرأة وجهها، ووصف البعض الرّجل بالتّقنّع فقال: رجل مقنّع إذا كان عليه بيضة ومغفر..

([410])   رواه الترمذي في الشمائل، وابن سعد، والبيهقي.

([411])   رواه ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير.

([412])   رواه أحمد.

([413])  القلنسوة والقلنسية: إذا فتحت ضمت السين، وإذا ضمت كسرت، غشاء مبطن يستر به الرأس، والجمع قلانس وقلانيس وقلنس، وتصغيره قلينسة وقلينيسة وقليسية وقليسية، وقلنسة وقليسته فتقلنس وتقلسى: ألبسة إياها فلبس.

([414])   رواه أبو داود والبزار بسند ضعيف.

([415])  برد: ثوب مخطط.

([416])  حبرة: عصب اليمن، وقال الداودي: الحبرة ثوب أخضر.

([417])   رواه أبو الشيخ.

([418])   رواه البخاري وغيره.

([419])   رواه أبو مسلم الكجي.

([420])   رواه البزار والطبراني برجال ثقات.

([421])   رواه بقي بن مخلد.

([422])   رواه الطبراني، والبزار، برجال ثقات.

([423])   رواه أحمد وابن أبي شيبة ومسلم والأربعة عن جابر، وابن أبي شيبة عن ابن عمر وأبو بكر بن أبي حارث عن أنس.

([424])   رواه الطبراني وأبو يعلى.

([425])   رواه محمد بن سعد والطبراني وابن حبان في الثقات.

([426])   رواه أحمد.

([427])   رواه أبو داود.

([428])   رواه مسدد والحاكم، والبيهقي، وابن سعد، وابن عساكر.

([429])   رواه مسدد برجال ثقات.

([430])   رواه مسدد وأحمد.

([431])   اقتبسنا هذا المعنى مما ورد في سيرة علي بن الحسين زين العابدين فقد روي شيبة بن نعامة قال: كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة.. وعن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم. فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.. وعن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به، ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل.. وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.. وعن ابن عائشة قال: قال أني: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *