تاسعا ـ الأصدقاء

فتحت دفتر الغريب على فصله التاسع، فوجدت عنوانه (الأصدقاء)، فقلت: ما الذي تقصده بالأصدقاء.
قال: هذا مصطلح أردت به قوما من الناس أحبوا الإسلام، أو أحبوا أشياء في الإسلام، ولكنهم قصروا عن أن يكونوا أتباعا له.
قلت: فكيف صاروا أصدقاء إذن ما داموا لم يتنعموا بنعيمه؟
قال: لقد فتح الله بسببهم عيونا عميا، وأسماعا صما، فلذلك خدموا الإسلام.. والإسلام لا يعادي من يخادمه.
قلت: ولكني عرفت أن من ركائز الإسلام ما يسمى بالولاء والبراء.. والناس بذلك إما مسلمين نكن لهم كل المودة، وإما كفار نكن لهم كل العداوة.
قال: من قال ذلك؟
قلت: كلهم يقولون ذلك.
قال: أخطأ من قال ذلك..
قلت: هم يقرؤون لذلك قرآنا.
قال: وما يقرؤون؟
قلت: يقرؤون قوله تعالى:{ لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) } (آل عمران:28)، وقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} (النساء:144)، وقبل ذلك بآيات قوله تعالى:{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138)الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139)}(النساء)، وقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ(52)} (المائدة)
قاطعني، وقال: وقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (التوبة:23)، وقوله تعالى:{ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة:22)، وقوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (الممتحنة:1)
قلت: أجل.. ألا تكفي هذه الآيات لتضع بيننا وبينهم أسوارا من العداوة لا نلتقي بعدها أبدا؟
ابتسم، وقال: أرأيت لو أن كل أولئك الذين أخبرتك عن إسلامهم لاقوا أجلافا غلاظا لا يعرفون منهم إلا العداوة.. هل تراهم يقبلون على الإسلام بذلك الشغف الذي أقبلوا به؟
سكت قليلا، ثم قال: ولماذا نذهب بعيدا.. هو ذا أنا أمامك.. لو أني لاقيت مثل هؤلاء الناس هل كان يمكن أن أسلم.. إن الحرب لا تجر إلا الحرب.. والعداوة لا تجر إلا إلى العداوة.
قلت: ولكن كيف نفعل بالنصوص التي كنا نقرؤها؟
قال: نفهمها..
قلت: على ضوء كلام المفسرين.. أم على ضوء كلام الفقهاء؟
قال: على ضوء القرآن الكريم.. فخير ما فسر القرآن القرآن.. وعلى ضوء كلام رسول الله، فخير من فهم كلام الله رسول الله.
قلت: فأين تفسير تلك الآيات؟
قال: في قوله تعالى ـ وهو يضع الضابط الذي تفسر من خلاله جميع ما يسمونه نصوص الولاء والبراء ـ:{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(9)} (الممتحنة)
فهاتان الآيتان تضعان إطار العداوة والصداقة.
قلت: ما هو هذا الإطار؟
قال: أن نصادق من صادقنا، وأن لا نوالي من يعادينا.
قلت: ما معنى عدم موالاته؟
قال: أن لا تمده بالمعونة التي تجعله يحاربك بها.. هذا هو وحده إطار البراء الذي يرسمه القرآن.. وهو لا يمنعك من أن تدعوهم، وتحب لهم من الخير ما تحبه لكل مؤمن، بل تحزن لهم إن ماتوا وهم لا يعرفون الله.
قلت: إنك تقضي بهذا على مفهوم البراء الذي ينشره كثير من قومنا.
قال: بسوء فهمهم.. وببعدهم عن القرآن.. وعن شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: ولكن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم حارب الكفار.
قال: ولكنه كان يحب لهم كل الخير.. بل يحزن عليهم.. بل كاد يقتله الحزن عليهم.. ألم تقرأ قوله تعالى:{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف:6)، وقوله تعالى:{ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:3).. وهو في حربه لهم كان يدافع عن دينه، وكم تمنى أن لا يريق دما من دمائهم.. ولولا أنهم اضطروه لذلك ما حمل عليهم سيفا.
قلت: صدقت في هذا.. وفي القرآن الآيات الكثيرة الدالة على ما ذكرت.. وفي حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النصوص الكثيرة المؤيدة لذلك.
قال: فاقتدوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم.. ولا تقتدوا بأولئك المجرمين الذي امتلأت قلوبهم ظلمة، فراحوا يرمون بها الإسلام.
قلت: عد بنا إلى الأصدقاء.. إن من قومي من يرفض هذه التسمية.
قال: عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه إلى النجاشي.. هل كان النجاشي مسلما أو كافرا؟
قلت:لم يكن النجاشي حينها مسلما.
قال: فماذا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قلت: قال لهم: (إن بها ملكاً لا يظلم الناس ببلاده في أرض صدق فتحرزوا عنده يأتيكم الله عز وجل بفرح منه، ويجعل لي ولكم مخرجاً)([1])
قال: فقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثناء حسنا، واعتبر أرضه أرض صدق؟
قلت: أجل..
قال: فاعتبروا بهذا.. وحولوا العالم كله أصدقاء لكم.. فلا خير فيمن يبحث عن العداوة، وينشر عقيدة العداوة.
قلت: اقتنعت بما ذكرت.. فهلم بنا إلى سفرك.. لتقص علي أنباء هؤلاء الأصدقاء.
قال: قبل أن أذكر لك شهاداتهم([2]) أريد أن أخبرك بأن هؤلاء صنفين:
قلت: فما الصنف الأول؟
قال: قوم امتلأوا بحب الإسلام، فلم يدعوا مناسبة يثنون بها عليه إلا فعلوا.. وهؤلاء أرى أن نكل أمرهم إلى الله.. فقد يكونون من المسلمين الذي كتموا إسلامهم، فلذلك يستحقون منا كل الاحترام.
قلت: صدقت.. فما الصنف الثاني؟
قال: قوم مذبذبون.. فمرة يغلبهم الصدق، فينطقون بالحق، شعروا أو لم يشعروا.. ومرة يحنون إلى حياتهم وأقوامهم ومذاهبهم، فينطقون بالباطل.
قلت: فهؤلاء أعداء وليسوا أصدقاء.
قال: لا.. هؤلاء أصدقاء في الحق الذي نطقوا به، ألم تقرأ قوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }(النساء:40)، وقوله تعالى:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7)
قلت: ولكن الله تعالى قال:{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:8)
قال: نحن نبحث عن الخير لنبشر به.. أما الدينونة، فندعها لله.. ألم يعلمك معلم السلام هذا؟
قلت: بلى.. جزاه الله خيرا.. وجزاك الله كل خير.. لقد أضر بنا الصراع.. فصرنا لا نرى إلا الصراع.
فتحت الدفتر.. فرأيت أسماء لدول مختلفة، فقلت: ما هذه الأسماء؟
قال: لقد وفقني الله، فقمت برحلات مختلفة إلى كثير من دول العالم، أحضر مؤتمراتها وندواتها، وقد سجلت في كل رحلة من تلك الرحلات بعض ما سمعته من شهادات.
قلت: ألم تسجل كل الشهادات؟
قال: يستحيل ذلك.. فسمعة الإسلام ـ بحمد الله ـ في قمة الطيبة بين العلماء والمثقفين رغم ما تمارسه وسائل الإعلام من حملات تشويه.
كان أول ما رأيته في هذا الفصل عنوان (أصدقاء من العرب)، فسألت الغريب قائلا: من تقصد بأصدقاء الإسلام من العرب؟
قال: رجال من أهل الكتاب، ولدوا في أرض العرب، وعاشوا بين المسلمين.
قلت: ألا تعتبر شهادة هؤلاء مرفوضة عند غير المسلمين؟
قال: لا.. بل هذه الشهادات أشرف الشهادات، لأنها جاءت من قوم معايشين للمسلمين، وبالتالي تكون أحكامهم في منتهى الوثوق والدقة.
قلت: صدقت.. فأعظم ما يدل على تسامح المسلمين هو وجود أهل الكتاب بينهم من قديم العصور.. فهم بذواتهم وبيوتهم وممتلكاتهم من أعظم الشهادات على مصداقية الإسلام ورقيه.
قال: ولهذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأهل الذمة.. وبمثل ذلك أوصى من بعده.
كان (د. فيليب حتي) ([3]) هو أول الأسماء المثبتة في قائمة العرب، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل فاضل من مسيحيي لبنان، وقد درس في كبريات جامعات العالم، وله مصنفات ترتبط بالإسلام.
قلت: فهل ستذكر لي بعض شهاداته؟
قال: شهاداته كثيرة.. وسأذكر لك منها ما تقر به عينك.
كنا في لبنان، وكان الجمع يتحدث عن اللغة العربية وأساليبها وجمالها، وفجأة نطق د. فيليب حتي يقول([4]): (إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلّد. وهذا في أساسه، هو إعجاز القرآن.. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى)([5])
ثم أضاف يقول: (إن إعجاز القرآن لم يحل دون أن يكون أثره ظاهرًا على الأدب العربي. أما إذا نحن نظرنا إلى النسخة التي نقلت في عهد الملك جيمس من التوراة والإنجيل وجدنا أن الأثر الذي تركته على اللغة الإنكليزية ضئيل، بالإضافة إلى الأثر الذي تركه القرآن على اللغة العربية. إن القرآن هو الذي حفظ اللغة العربية وصانها من أن تتمزق لهجات)([6])
وهو يعتبر القرآن الكريم السبب المباشر الذي حفظ اللغة العربية، وحفظ الأمة الإسلامية، فقال: (إن اللغة العربية هي لغة القرآن التي كانت الأساس الذي قامت عليه أمة جديدة أخرجت للناس، أمة جاءت بها بعثة محمد من قبائل متنافرة متنازعة لم يقدّر لها من قبل أن تجتمع على رأي واحد. وهكذا استطاع رسول الإسلام أن يضيف حدًا جديدًا (رابعًا) إلى المأثرة الحضارية ذات الحدود الثلاثة من الدين والدولة والثقافة، ذلك الحد الرابع الجديد كان (إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات)([7])
وفي مناسبة أخرى كان الحديث فيها عن العلاقات الاجتماعية قال: (إن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعي كان في الحقيقة عملاً جريئًا جديدًا قام به النبي العربي)([8])
وفي مناسبة أخرى تحدث ناقدا الذين يستعملون أساليب مشبوهة في تحليل شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (في الكتاب المعاصرين لنا نفرٌ يحاولون أن يكتشفوا الأعمال الباهرة (التي حققها محمد) أو أن يعالجوا حياته الزوجية على أساس من التحليل النفسي، فلا يزيدون على أن يضيفوا إلى أوجه التحامل وإلى الآراء الهوائية أحكامًا من زيف العلم)([9])
وقد أرشد إلى النظر إلى الرجوع إلى القرآن الكريم للتعرف من خلاله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالك (صفات محمد مثبتة في القرآن بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر. إن المعارك التي خاضها والأحكام التي أبرمها والأعمال التي قام بها لا تترك مجالاً للريب في الشخصية القوية والإيمان الوطيد والإخلاص البالغ وغير ذلك من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ. ومع أنه كان في دور من أدوار حياته يتيمًا فقيرًا، فقد كان في قلبه دائمًا سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة)([10])
وهو يثني ثناء عطرا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول لمن سأله عن تقييمه للدور الذي قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا نحن نظرنا إلى محمد من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ. لقد نشر دينًا هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية. وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر)([11])
وهو يثني على الإسلام ثناء عطرا، بل يعتبره منهج حياة، فيقول: (الإسلام منهج حياة. وهو – بهذا النظر – يتألف من ثلاثة جوانب أساسية، الجانب الديني والجانب السياسي والجانب الثقافي. هذه الجوانب الثلاثة تتشابك وتتفاعل، وربما انقلب بعضها إلى بعض مرة بعد مرة من غير أن نلحظ ذلك)([12])
وذات مرة سمعته مع بعض القسس يتحدث عن المقارنة بين المسيح ومحمد، وكان من ضمن أقواله هذه الشهادة: (لا سبيل إلى الموازنة بين محمد رسول الإسلام وبين عيسى مؤسس النصرانية (في رأي النصارى). إن محمدًا لم يكن فيه صفة ذاتية غير طبيعية ولا جاء مسيطرًا على البشر بقوة خارقة، ولكنه كان مبلغًا لرسالة ربه. ويجب أن نذكر أن هذا الرأي هو الرأي الشرعي العلمي في الإسلام.. من أجل هذا كله نجد المسلمين يأبون أن يسموا (محمديين) بالمعنى الذي يسمى به النصارى (مسيحيين)، وهؤلاء المستشرقون المتأخرون الذين لا يزالون يطلقون هذه التسمية غير المقبولة (الخاطئة) على المسلمين إطلاقًا هينًا يجب أن يعلموا أنه لا يحق لهم أن يسمّوا أمة باسم لا تحبه. إن المسلم، في اللغة، هو الذي (أسلم نفسه لله) (خضع لإرادة الله)، فالإسلام – من أجل ذلك – ليس دينًا محمديًا ولكنه دين التسليم بإرادة الله)([13])
وفي مناسبة أخرى جرى الحديث فيها عن مزايا الشريعة الإسلامية، قال: (الشريعة [الإسلامية] لا تفرّق بين ما هو ديني وبين ما هو دنيوي. إنها تنص على صلات الإنسان بالله وعلى واجباته نحو الله وتنظّمها كما تفعل في شأن صلات الإنسان بأخيه الإنسان. وجميع أوامر الله ونواهيه – فيما يتعلق بالأمور الدينية والمدنية وسواها – مثبتة في القرآن. وفي القرآن ستة آلاف آية أو تزيد يتعلق نحو ألف آية منها بالتشريع)([14])
وفي مناسبة أخرى جرى فيها الحديث عن مدى أصالة الفقه الإسلامي قال: (الفقه يمكن أن ينظر إليه على أنه علم إسلامي خالص. وهو – بخلاف عدد كبير من العلوم كالرياضيات والطب والفلسفة – كله نتاج البيئة الإسلامية نفسها. ثم إننا لا نكاد نلحظ في تطوره أثرًا من الفكر الهندي الإيراني أو الفكر الهندي الأوروبي. ومؤسس علم الفقه في الإسلام لم يلتفت إلى الاستعانة بالقانون الروماني ولا بالفلسفة اليونانية)([15])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (د. جورج حنا) ([16])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من مسيحيي لبنان، وهو صاحب الكتاب المعروف (قصة الإنسان).. وقد سمعت له بعض الشهادات، منها قوله: (إنه لابد من الإقرار بأن القرآن، فضلاً عن كونه كتاب دين وتشريع، فهو أيضًا كتاب لغة عربية فصحى. وللغة القرآن الفضل الكبير في ازدهار اللغة، ولطالما يعود إليه أئمة اللغة، في بلاغة الكلمة وبيانها، سواء كان هؤلاء الأئمة مسلمين أم مسيحيين. وإذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية لغة القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلاً ولا تحتمل التخطئة، فالمسيحيون يعترفون أيضًا بهذه الصوابية، بقطع النظر عن كونه منزلاً أو موضوعًا، ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة، كلما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة)([17])
ومنها قوله: (كان محمد يخرج من سويعات [لقائه مع جبريل] بآيات تنطق بالحكمة، داعيًا قومه إلى الرجوع عن غيّهم، والإيمان بالإله الواحد الكليّ القدرة، صابًا النقمة على الآلهة الصنمية، التي كان القوم يعبدونها فكان طبيعيًا أن يحقد عليه أشراف العرب ويضمروا له الشر، لما كان في دعوته من خطر على زعامتهم، وهي ما كانت قائمة إلا على التعبد للأصنام التي جاء هذا الرجل يدعو إلى تحطيمها. لكن محمدًا لم يكن يهادن في بث دعوته، ولم يكن يسكت عن اضطهاد أشراف قريش له، بل كان يتحداهم، فيزدادون حقدًا عليه وتآمرًا على حياته. فلم تلبث دعوته حتى تحولت من دعوة سلمية إلى دعوة نضالية. إنه لم يرض بأن يحوّل خدّه الأيسر لمن يضربه على خدّه الأيمن.. بل مشى في طريقه غير هيّاب، في يده الواحدة رسالة هداية، يهدي بها من سالموه، وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه. لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة، وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه من الاضطهاد والتكفير.. كان هؤلاء باكورة الديانة الإسلامية، والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد)([18])
ومنها قوله: (كان محمد في المدينة أكثر اطمئنانًا على نفسه وعلى أتباعه ورسالته مما كان في مكة.. كانت يثرب مدينة العامة التابعة، لا مدينة الخاصة المتبوعة. والعامة دائمًا أقرب إلى اقتباس كلمة الحق من الخاصة، لا سيما إذا كانت كلمة الحق هذه، تحررها من عبوديتها للخاصة)([19])
ومنها قوله: (محمد بن عبد الله كان ثائرًا، عندما أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الأصنام وفي عاداتهم الهمجية وفي مجتمعهم البربري. فأضرمها حربًا لا هوادة فيها على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم. فكفره قومه واضطهدوه وأضمروا له الموت. فهاجر تحت جنح الليل مع نفر من أتباعه، وما تخلى عن النضال في نشر دعوته، وما أحجم عن تجريد السيف من أجلها. فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع بين مئات الملايين من البشر في أقطار المعمورة)([20])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (نصري سلهب) ([21])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من مسيحي من لبنان، يتميز بنظرته الموضوعية وتحريه للحقيقة المجردة، كما عرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية في لبنان، سواء على مستوى الفكر أو على مستوى الواقع.
وعبر الستينات كتب العديد من الفصول، وألقى العديد من المحاضرات في المناسبات الإسلامية والمسيحية على السواء، متوخيًا هذا الهدف.
وقد التقيت به في بعض تلك المناسبات، وكان من شهاداته فيها قوله: (إن الآية التي أستطيب ذكرها هي التي تنبع سماحًا إذ تقول:{ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (العنكبوت: 46) ذلك ما يقوله المسلمون للمسيحيين وما يؤمنون به لأنه كلام الله إليهم. إنها لعبارات يجدر بنا جميعًا، مسيحيين ومسلمين، أن نرددها كل يوم، فهي حجارة الأساس في بناء نريده أن يتعالى حتى السماء، لأنه البناء الذي فيه نلتقي والذي فيه نلقى الله: فحيث تكون المحبة يكون الله. والواقع أن القرآن يذكر صراحة أن الكتب المنزلة واحدة، وأن أصلها عند الله، وهذا الأصل يدعى حينًا (أم الكتاب) وحينًا آخر (اللوح المحفوظ) أو (الإمام المبين)([22])
وعير عن إعجابه الشديد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (إن محمدًا كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب. فإذا بهذا الأمي يهدي إلى الإنسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به الإنسانية منذ كانت الإنسانية، ذاك كان القرآن الكريم، الكتاب الذي أنزله الله على رسوله هدى للمتقين)([23])
وقال: (في مكة.. أبصر النور طفل لم يمرّ ببال أمة، ساعة ولادته، أنه سيكون أحمد أعظم الرجال في العالم بل في التاريخ، ولربما أعظمهم إطلاقًا)([24])
وقال: (هنا عظمة محمد. لقد استطاع، خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن، أن يحدث شريعة خلقية وروحية واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة المذهلة)([25])
وقال: (هذا الرجل الذي ما عرف الهدوء ولا الراحة ولا الاستقرار، استطاع وسط ذلك الخضم الهائج، أن يرسي قواعد دولة، وأن يشرّع قوانين ويسنّ أنظمة، ويجود بالتفسير والاجتهادات.. ولم ينس أنه أب وجد لأولاد وأحفاد، فلم يحرمهم عطفه وحنانه، فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات والمؤهلات، المتعددة الأبعاد والجوانب، الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم وصفات، وبما حباها من إمكانات، كان بذلك كله، عالمًا قائمًا بنفسه)([26])
وقال: (تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن يُحيا، لا في النفوس والقلوب فحسب، بل في واقع الحياة، في ما يعاني البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات. تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس. كل سؤال له عندك جواب. كل مشكلة مهما استعصت وتعقدت، نجد لها في آثارك حلاً)([27])
وقال: (لم يكن النبي رسولاً وحسب، يهدي الناس إلى الإيمان، إنما كان زعيمًا وقائد شعب، فعزم على أن يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس. وكان له ما أراد)([28])
وتحدث عن القيم النبيلة التي يمتلئ بها الإسلام، فقال: (الإسلام ليس بحاجة إلى قلمنا، مهما بلغ قلمنا من البلاغة. ولكن قلمنا بحاجة إلى الإسلام، إلى ما ينطوي عليه من ثروة روحية وأخلاقية، إلى قرآنه الرائع الذي بوسعنا أن نتعلم منه الكثير)([29])
وقال: (انطلاقًا من وجوب قول الحقيقة، أرى لزامًا عليّ أن أعلن أننا – نحن المسيحيين بصورة عامة – نجهل الإسلام كل الجهل، دينًا وحضارة)([30])
وقال: (ليس كالإسلام دين يكرم الأنبياء والرسل الذين سبقوا النبي العربي، وهو يفرض على المؤمنين به إكرام هؤلاء والإيمان بهم، وليس كالإسلام دين يحترم الأديان الأخرى المنزلة الموحى بها التي سبقته في النزول والوحي)([31])
وقال: (الإسلام دين الأزمنة جميعها، وقد أعدّ لجميع الشعوب. فهو ليس للمسلمين فحسب، ولا لعرب الجزيرة الذين عايشوا النبي وعاصروه فحسب، وليس النبي نفسه نبي العرب والمسلمين فحسب، بل هو نبي كل مؤمن بالله واليوم الآخر والنبيين والكتب المنزلة)([32])
وقال: (في الدين الإسلامي من الشمول والرحب ما يجعله يفتح ذراعيه لجميع البشر دون أن يؤثر في قوميتهم وولائهم لأمة إليها ينتسبون)([33])
وتحدث عن القرآن وحفظ الله له، فقال: (لم يقدّر لأي سفر، قبل الطباعة، أيًا كان نوعه وأهميته، أن يحظى بما حظي به القرآن من عناية واهتمام، وأن يتوفر له ما توفّر للقرآن من وسائل حفظته من الضياع والتحريف، وصانته عما يمكن أن يشوب الأسفار عادة من شوائب)([34])
وتحدث عن القيمة البلاغية للقرآن، فقال: (تلك اللغة التي أرادها الله قمة اللغات، كان القرآن قمتها، فهو قمة القمم، ذلك بأنه كلام الله)([35])
وتحدث عن قيمة العلم في الإسلام، فقال: (أولى الآيات البيّنات.. كانت تلك الدعوة الرائعة إلى المعرفة، إلى العلم عبر القراءة.. (اقرأ).. وقول الله هذا لم يكن لمحمد فحسب، بل لجميع الناس، ليوضح لهم، منذ الخطوة الأولى، بل منذ الكلمة الأولى أن الإسلام جاء يمحو الجهل وينشر العلم والمعرفة)([36])
بعد أن أنهى الغريب حديثه عن هذا الرجل الفاضل، قلت من غير شعور: لقد أسلمت شهادات هذا الرجل..
قال: صدقت.. فلا يقول مثل هذا إلا من امتلأ قلبه بالإسلام.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (د. نظمي لوقا)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل فاضل من مسيحي من مصر، وهو يتميز بنظرته الموضوعية وإخلاصه العميق للحق.
وقد كان ـ رغم إلحاح أبويه على تنشئته على المسيحية منذ كان صبيًا ـ مقبلا إقبالا عظيما على الإسلام، ولهذا كان كثيرًا ما يحضر مجالس شيوخ المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب الله وسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره.
وقد ألف ـ نتيجة هذا الاهتمام ـ عددًا من الكتب أبرزها (محمد: الرسالة والرسول)، و(محمد في حياته الخاصة)
وقد التقيت به.. ومن شهاداته ـ التي سمعتها منه ـ والمرتبطة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (ما كان محمد كآحاد الناس في خلاله ومزاياه، وهو الذي اجتمعت له آلاء الرسل عليهم السلام، وهمة البطل، فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّي فيه الرجل)([37])
وقوله في الفرق بين نظرة المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونظرة المسيحيين إلى المسيح: (لا تأليه ولا شبهة تأليه في معنى النبوة الإسلامية.. وقد درجت شعوب الأرض على تأليه الملوك والأبطال والأجداد، فكان الرسل أيضًا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين الألوهية بسبب من الأسباب، فما أقرب الناس لو تركوا لأنفسهم أن يعتقدوا في الرسول أو النبي أنه ليس بشرًا كسائر البشر وأن له صفة من صفات الألوهية على نحو من الأنحاء. ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواترًا مكررًا في آيات القرآن، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } (الكهف: 110)، وفي تخير كلمة (مثلكم) معنى مقصود به التسوية المطلقة، والحيلولة دون الارتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوى البشرية بحال من الأحوال. بل نجد ما هو أصرح من هذا المعنى فيما جاء بسورة الشورى:{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ }(الشورى: 48)، وظاهر في هذه الآية تعمد تنبيه الرسول نفسه إلى حقيقة مهمته، وحدود رسالته التي كلف بها، وليس له أن يعدوها، كما أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها)([38])
ويتحدث بإعجاب شديد عن تواضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعبوديته، فيقول: (رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو في سريرته، قبل أن يحاربه في سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول بما أنعم من الهداية على الناس وما تم له من العزة والأيادي، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة. يطريه أصحابه بالحق الذي يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبد الله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيمًا له، فينهاهم عن ذلك قائلاً: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا)([39])
ويتحدث عن نزاهة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكونه فوق كل الشبهات التي يزعمها الزاعمون، فيقول: (ماذا بقي من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلاً قبل أن يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعًا أو شبه متوقع لذلك الداعي إلى الله في عاصمة الأوثان والأزلام.. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث آله، ولم يجعل لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها. وحرم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس في الجاهلية حتى جعل العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يمكن لنفسه ولا لذويه. وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض أي قالة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذ المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة في الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى.. وما ضلّ وما غوى.. وما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين)([40])
ويتحدث عن الأثر العظيم الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من (أبي القاسم) الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام؟)([41])
ويتحدث عن عظم شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (كان محمد يملك حيويته ولا تملكه حيويته. ويستخدم وظائفه ولا تستخدمه وظائفه. فهي قوة له تحسب في مزاياه، وليست ضعفًا يعد في نقائصه. لم يكن معطل النوازع ولكنها لم تكن نوازع تعصف به، لأنه يسخرها في كيانه في المستوى الذي يكرم به الإنسان حين يطلب ما هو جميل وجليل في الصورة الجميلة الجليلة التي لا تهدر من قدره بل تضاعف من تساميه وعفته وطهره. وبيان ذلك في أمر بنائه بزوجاته التسع)([42])
وفي مناسبة من المناسبة أساء فيها بعضهم الحديث عن الشريعة الإسلامية، وكان حاضرا، فغضب غضبا شديدا، وقال: (ما أرى شريعة أدعى للإنصاف، ولا أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول:{ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }(المائدة:8)، فأي إنسان بعد هذا يكرم نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بدين أقل منه تساميًا واستقامة؟)([43])
وقال: (عقيدة الإسلام عقيدة واحدة بسيطة يقطع الإيمان بها الطريق على كل حيرة وخوف، ويبعث الطمأنينة في كل نفس. وباب هذه العقيدة مفتوح لكل إنسان، لا يصدّ عنها أحد بسبب جنسه أو لونه.. وهكذا يجد كل إنسان له مكانًا في ظل هذه العقيدة الإلهية على أساس من المساواة العادلة، التي لا تفاضل معها إلا بالتقوى، تقوى الله رب (العالمين)([44])
ويقارن بين عقيدة المسلمين وعقيدة المسيحيين، فيقول: (كان لابدّ من عقيدة ترفع عن كاهل البشر لعنة الخطيئة الأولى، وتطمئنهم إلى العدالة التي لا تأخذ البريء بالمجرم، أو تحمّل الولد وزر الوالد، وتجعل للبشرية كرامة مضمونة. ويحسم القرآن هذا الأمر.. حين يجعل المسؤولية أساس الكرامة الإنسانية، وأساس كل حرية، وكل أخلاق ممكنة. وهذا ما قطع به الإسلام ووضع به حجر الأساس لكرامة بني آدم.. والحق أنه لا يمكن أن يقدر قيمة عقيدة خالية من أعباء الخطيئة الأولى الموروثة إلا من نشأ في ظل تلك الفكرة القاتمة، التي تصبغ بصبغة الخجل والتأثم كل أفعال المرء، فيمضي في حياته مضيّ المريب المتردّد، ولا يقبل عليها إقبال الواثق بسبب ما أنقض ظهره من الوزر الموروث. إن تلك الفكرة القاسية تسمّم ينابيع الحياة كلها. ورفعها عن كاهل الإنسان منّة عظمى، بمثابة نفخ نسمة حياة جديدة فيه، بل هو ولادة جديدة حقًا، وردّ اعتبار لا شك فيه. إنه تمزيق صحيفة السوابق، ووضع زمام كل إنسان بيد نفسه)([45])
ويتحدث عن البناء الإسلامي للشخصية الإنسانية مقارنة بغيره، فيقول: (هكذا يكون الإنسان في الإسلام متكامل الجوانب، لا يشكو فصام الروح والجسد، ذلك الفصام الذي عانى منه الكثيرون. ولا يعرف (الفصم) إلا من يكابده. وبهذا يكون الإنسان سيد الأرض حقًا، لا ينظر إلى طيّباتها نظرة الحسير، ولا يمشي في جنباتها مشية الأسير، ولا يثقل كاهله الخزي من نوازعه، في يده زمام نفسه. وقد أحل له ما لم يرد فيه تحريم، تقرّ به عينه في غير حرج ولا غضاضة)([46])
ويتحدث عن أهمية الصلاة في الإسلام، فيقول: (نظام واحد يمسك الدين والدنيا، ويسلك المعاش والعبادة والمعاد، ولهذا قلما يرد ذكر الصلاة في القرآن من غير آثارها العملية.. إن الصلاة التي تتكرر في اليوم جملة مرات، لا يلهي عنها بيع ولا شراء، سبب قوي بين الإنسان والله.. ولكن أين تكون تلك الصلاة؟ هل لابدّ فيها من وساطة رجال الدين؟ هنا تبرز خصوصية الإسلام.. فكل مكان في أرض الله الطاهرة يصلح مسجدًا ومحرابًا لا هياكل ولا كهانة ولا وسطاء بين الله والإنسان بعد اليوم! ولا وصاية على ضمائر الناس! فكلهم أمام الرحمن سواء. والصلة بينهم وبين ربهم صلة مباشرة لا أمت فيها ولا التواء.. وليس من حق أحد كائنًا من كان أن يتدخل بين المرء وربه، أو يدعي لنفسه القوامة على ضميره وعقيدته)([47])
وفي مناسبة من المناسبات جرى فيها الحديث عن المرأة، نهض يقول: (المرأة في الإسلام إنسان له حقوق الإنسان وكل تكاليفه العقلية والروحية فهي في ذلك صنو الرجل تقع عليها أعباء الأمانة التي تقع عليه، أمانة العقيدة والإيمان وتزكية النفس.. وقد نجد هذا اليوم من بدائه الأمور. ولكنه لم يكن كذلك في العالم القديم، في كثير من الأمم حيث كانت المرأة تباع أحيانًا كثيرة كما تباع السلعة.. وكانت في كثير من الأحيان منقوصة الأهلية لا تمارس التصرفات المالية والقانونية إلا عن طريق وليها الشرعي أو بموافقته، بل لم تكن تملك تزويج نفسها على الخصوص، وإنما الأمر في ذلك لوليها يجريه على هواه. وأكثر من هذا، كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد البنات كراهة لهن وازدراء لشأنهن، ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضيقًا شديدًا)([48])
وقال: (في سور القرآن أشار إلى المساواة عند الله بين الذكر والأنثى بغير تفريق في التكليف أو الجزاء، وإشارة صريحة مساواة المرأة والرجل في ثمرات الأعمال والجهود.. وفي بعض الأمم القديمة، والحديثة، كانت المرأة تحرم غالبًا من الميراث، فأبى الإسلام هذا الغبن الفاحش)([49])
وقال: (ليس الإسلام – على حقيقته – عقيدة رجعية تفرق بين الجنسين في القيمة. بل إن المرأة في موازينه تقف مع الرجل على قدم المساواة. لا يفضلها إلا بفضل، ولا يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه في غير مطل أو مراء وما من امرأة سوية تستغني عن كنف الرجل بحكم فطرتها الجسدية والنفسية على كل حال. وذلك حسب عقيدة لتكون صالحة لكل طور اجتماعي على تعاقب الأطوار والعصور، على سنة العدل التي لم يجد لها عصرنا اسمًا أوفق من (تكافؤ الفرص)، الذي يلغي كل تفريق، ويسقط كل حجة، ويقضي على كل تميّز إلا بامتياز ثابت صحيح)([50])
وتحدث عن سمو العلاقة الزوجية في الإسلام، وكما يصورها القرآن، فيقول: (العلاقة الزوجية في الإسلام ليست مسافدة حيوانية بين ذكر وأنثى، على إطلاق بواعث الرغبة والاشتهاء الغريزي بين جنسي النوع البشري. لغير هذا قامت كوابح الآداب وضوابط الشرائع والعقائد:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } (الروم:21) هكذا جاء في سورة الروم، وإني لأرى في قوله (من أنفسكم) لمسة تمس شغاف القلب وتذكر بما في الزواج من قربى تجعل الزوجة قطعة من النفس ثم أردف ذلك بالسكن، وما أقرب السكن في هذا الباب من سكنية النفس لا من مساكنة الأجساد! بدليل ما أردف بذلك من المودة والرحمة.. وتلك عليا مناعم المعاشرة الإنسانية، بما فيها من غلبة الروح على نزوات الأجساد ودفعات الرغبة العمياء. فالزواج مطلب نفسي وروحي عند الإنسان، وليس مطلبًا شهويًّا جسديًّا وإن كان له أساس جسدي)([51])
وقال: (كان لابد من إصلاح ما بين الإنسان وبين نفسه التي بين جنبيه بعقيدة موفقة بين الدين والدنيا، وقد نهض بهذا الإسلام، وكانت سنته في الزواج كفاء خطته في جوانب الهداية البشرية الفطرية، لتحرير البشر من الذعر والخزي وعقدة الإثم الشوهاء التي كبّلته ولم تزل تكبل الكثيرين عن انطلاقة الحياة وسوء الفطرة)
قلت: إن نفحات الصدق التي نطق بها هذا الرجل أعظم من أن تنحصر في كونها مجرد شهادات عالم موضوعي..
قال: أجل.. فغيرته على الإسلام وحبه له ودفاعه عنه لا يمكن إلا أن يكون من قلب ذاق طعم الإسلام، وعقل قد امتلأت به معانيه.
نظر إلي الغريب، وقال: ألم تقرأ قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (المائدة:8)
قلت: بلى.. فما فيها مما نحن فيه؟
قال: أجبني أولا.. ألم تعلن قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العداوة منذ بدأت دعوته؟
قلت: بلى.. حصل ذلك.
قال: فهل امتلأت قلوب المسلمين حقدا على كل قرشي بسبب ذلك؟
قلت: لا.. بل توجهت الأحقاد إلى المحاربين.
قال: بل لم تكن للمسلمين أحقاد أصلا، فحتى المحاربين ما إن كفوا عن حربهم حتى استقبلهم المسلمون بالأحضان.
قلت: صحيح ذلك.. ولكن..
قال: فهمت قصدك.. لا ينبغي أن ينسى العاقل عداوة عدوه.. ولكن مع ذلك لا ينبغي أن تحمله عداوة عدوه على أن يتوجه بالعداوة لغيره.. هذا ما نطق به القرآن..
قلت: تقصد أن العداوة تنحصر في الأعداء..
قال: وتنحصر في وقت العداوة.. فإن تحول العدو إلى صديق زال عنه اسم العداوة.
قلت: صدقت في هذا.. فهلم بنا إلى أصدقائنا من الفرنسيين.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (كوستاف لوبون)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا طبيب، ومؤرخ فرنسي، عني بالحضارات الشرقية، من آثاره: (حضارة العرب)([52]) (باريس 1884)، (الحضارة المصرية)، و(حضارة العرب في الأندلس) ([53])، وسأذكر لك اليوم بعض شهاداته التي نطق بها حول الإسلام.
فمنها قوله، وهو يقارن بين أصول الأخلاق في القرآن وأصولها في كتب سائر الديانات: (إن أصول الأخلاق في القرآن عالية علوّ ما جاء في كتب الديانات الأخرى جميعها، وإن أخلاق الأمم التي دانت له تحولت بتحول الأزمان والعروق مثل تحول الأمم الخاضعة لدين عيسى عليه السلام.. إن أهم نتيجة يمكن استنباطها هي تأثير القرآن العظيم في الأمم التي أذعنت لأحكامه، فالديانات التي لها ما للإسلام من السلطان على النفوس قليلة جدًا، وقد لا تجد دينًا اتفق له ما اتفق للإسلام من الأثر الدائم، والقرآن هو قطب الحياة في الشرق وهو ما نرى أثره في أدقّ شؤون الحياة)([54])
ويتحدث عن عظمة القرآن وتأثيره الممتد في التاريخ الإسلامي، فيقول: (إن هذا الكتاب القرآن تشريع ديني وسياسي واجتماعي، وأحكامه نافذة منذ عشرة قرون)([55])
وله أحاديث كثيرة طيبة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأثيره في العرب والعالم من النواحي المختلفة، منها قوله: (جمع محمد قبل وفاته كلمة العرب، وبنى منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد، فكانت في ذلك آيته الكبرى.. ومما لا ريب فيه أن محمدًا أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية ولذلك كان فضله على العرب عظيمًا)([56])
ويتحدث عن المكانة الرفيعة التي يحتلها محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين العظماء، فيقول: (إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ، وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمدًا مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله)([57])
ويتحدث عن المثل العليا التي أشاعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (استطاع محمد أن يبدع مثلاً عاليًا قويًا للشعوب العربية التي لا عهد لها بالمثل العليا، وفي ذلك الإبداع تتجلى عظمة محمد على الخصوص.. ولم يتردد أتباعه في التضحية بأنفسهم في سبيل هذا المثل الأعلى)([58])
ويتحدث عن الاستراتيجية المثلى التي استعملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في توحيد الجزيرة العربية، فقال: (لا شيء أصوب من جمع محمد لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن نقدر قيمة ذلك بنتائجه، فقد فتح العرب العالم في قرن واحد بعد أن كانوا قبائل من أشباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد)([59])
وهو يقارن مقارنة موضوعية بين الإسلام والمسيحية على المستويات المختلفة، فيقول: (إن الإسلام يختلف عن النصرانية في كثير من الأصول، ولا سيّما في التوحيد المطلق الذي هو أصل أساسي، وذلك أن الإله الواحد الذي دعا إليه الإسلام مهيمن على كل شيء ولا تحفّ به الملائكة والقديسون وغيرهم ممن يفرض تقديسه، وللإسلام وحده أن يباهي بأنه أول دين أدخل التوحيد إلى العالم. إن سهولة الإسلام العظيمة تشتق من التوحيد المحض، وفي هذه السهولة سرّ قوة الإسلام، والإسلام، وإدراكه سهل، خال مما نراه في الأديان الأخرى ويأباه الذوق السليم، غالبًا، من المتناقضات والغوامض، ولا شيء أكثر وضوحًا وأقل غموضًا من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد، وبمساواة جميع الناس أمام الله.. وأنك، إذا ما اجتمعت بأي مسلم من أية طبقة، رأيته يعرف ما يجب عليه أن يعتقد ويسرد لك أصول الإسلام في بضع كلمات بسهولة، وهو بذلك عكس النصراني الذي لا يستطيع حديثًا عن التثليث والاستحالة وما ماثلهما من الغوامض من غير أن يكون من علماء اللاهوت)([60])
وهو يتحدث عن القابلية التي يتمتع بها الإسلام، بحيث تجعل الكل مقبلا عليه، فيقول: (الإسلام يعدّ من أشد الأديان تأثيرًا في الناس، وهو مع مماثلته لأكثر الأديان في الأمر بالعدل والإحسان والصلاة.. إلخ، يعلّم هذه الأمور بسهولة يستمرئها الجميع، وهو يعرف، فضلاً عن ذلك، أن يصبّ في النفوس إيمانًا ثابتًا لا تزعزعه الشبهات)([61])
ويتحدث عن أسرار تلك القابلية، فيقول: (تأثير دين محمد في النفوس أعظم من تأثير أي دين آخر، ولا تزال الأعراف المختلفة التي اتخذت القرآن مرشدًا لها تعمل بأحكامه كما كانت تفعل منذ ثلاثة عشر قرنًا)([62])
ويقول: (ساعد وضوح الإسلام البالغ وما أمر به من العدل والإحسان كل المساعدة على انتشاره في العالم، ونفسر بهذه المزايا سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام، كالمصريين الذين كانوا نصارى أيام حكم قياصرة القسطنطينية فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام، كما نفسر السبب في عدم تنصّر أي أمة بعد أن رضيت بالإسلام دينًا، سواء أكانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة)([63])
ولهذا، فهو يشهد بأن الإسلام لم ينتشر بالقوة على عكس ما يذكر المغرضون، فيقول: (إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن، فقد ترك العرب المغلوبين أحرارًا في أديانهم، فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلام واتخذوا العربية لغة لهم فذلك لما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل)([64])
ويتحدث عن علاقة الإسلام بالعلم مقارنة بغيره من الديانات، فيقول: (الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم، ومن أعظمها تهذيبًا للنفوس وحملاً على العدل والإحسان والتسامح)([65])
ويتحدث عن الأخوة التي أشاعها الإسلام بين الشعوب المختلفة، فيقول: (ليس المسلمون أجانب في نظر بعضهم إلى بعض مهما اختلفت الشعوب التي ينتسبون إليها، ولا فرق في دار الإسلام بين الصيني المسلم والعربي المسلم في التمتع بجميع الحقوق، وبهذا تختلف الحقوق الإسلامية عن الحقوق الأوروبية اختلافًا أساسيًا)([66])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (مارسيل بوازار)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا مفكر وقانوني فرنسي معاصر، وقد أولى اهتمامًا كبيرًا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وكتب عددًا من الأبحاث للمؤتمرات والدوريات المعنية بهاتين المسألتين.
وله كتاب يسمى (إنسانية الإسلام)، وهو من أهم الكتب، ويعتبر علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام، بما تميز به من موضوعية، وعمق، وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى، فضلاً عن الكتابات الإسلامية نفسها.
ولهذا، فإن شهاداته تعد بمثابة واحدة من أكثر الشهادات الغربية عمقًا وموضوعية ووضوح رؤية للإسلام.
قلت: عرفته.. لقد سبق أن حدثتني عنه بعض من شرفني الله بالالتقاء بهم([67]).
قال: سأحدثك أنا عن بعض شهاداته الصادقة التي شهد بها للإسلام ونبي الإسلام.
فهو يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رادا على ذلك التشويه المتعمد، فيقول: (سبق أن كتب كل شيء عن نبي الإسلام، فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق تفاصيلها. والصورة التي خلفها محمد عن نفسه تبدو، حتى وإن عمد إلى تشويهها، علمية في الحدود التي تكشف فيها وهي تندمج في ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية)([68])
ويتحدث عن الأعمال التي حوتها رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقارنة بغيره، فيقول: (لم يكن محمد على الصعيد التاريخي مبشرًا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى التاريخ، وأثرت في تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق)([69])
ويتحدث عن الكثير من خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (منذ استقر النبي محمد في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان منظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام.. وكما يظهر التاريخ الرسول قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله)([70])
بل إنه لا يكتفي في ذلك، فهو يشهد لمحمد بالنبوة، رادا بذلك على من يزعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هو مجرد مصلح اجتماعي، فيقول: (لقد كان محمد نبيًا لا مصلحًا اجتماعيًا. وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات أساسية ما تزال آثارها ماثلة في المجتمع الإسلامي المعاصر)([71])
ويقول: (مما لا ريب فيه أن محمدًا قد اعتبر، بل كان في الواقع، ثائرًا في النطاق الذي كان فيه كل نبي ثائرًا بوصفه نبيًا، أي بمحاولته تغيير المحيط الذي يعيش فيه)([72])
ويعرف القرآن الكريم، ويتحدث عن مزاياه وآثاره، فيقول: (لابدّ عند تعريف النصّ القدسي في الإسلام من ذكر عنصرين، الأول أنه كتاب منزل أزلي غير مخلوق، والثاني أنه (قرآن) أي كلام حي في قلب الجماعة.. وهو بين الله والإنسانية (الوسيط) الذي يجعل أي تنظيم كهنوتي غير ذي جدوى، لأنه مرضي به مرجعًا أصليًا، وينبوع إلهام أساسي.. وما زال حتى أيامنا هذه نموذجًا رفيعًا للأدب العربي تستحيل محاكاته إنه لا يمثل النموذج المحتذى للعمل الأدبي الأمثل وحسب، بل يمثل كذلك مصدر الأدب العربي والإسلامي الذي أبدعه لأن الدين الذي أوحى به هو في أساس عدد كبير من المناهج الفكرية التي سوف يشتهر بها الكتاب)([73])
ويتحدث عن النظام الاجتماعي الذي جاء به القرآن، فيقول: (لقد أثبت التنزيل برفضه الفصل بين الروحي والزمني أنه دين ونظام اجتماعي.. ومن البديهي أن التنزيل والسبيل الذي ظن إمكان استخدامه فيه قد طبعا المجتمع بعمق)([74])
ويتحدث عن الخصائص الكثيرة للنظم التي جاء بها القرآن، والتي تنفي عنه ارتباطه بزمن معين، فيقول: (إن القرآن لم يقدّر قط لإصلاح أخلاق عرب الجاهلية، إنه على العكس يحمل الشريعة الخالدة والكاملة والمطابقة للحقائق البشرية، والحاجات الاجتماعية في كل الأزمنة)([75])
ويقول: (يخلق الروح القرآني مناخ عيش ينتهي به الأمر إلى مناغمة التعبيرات الذهنية والمساواة بين العقليات والنظم الاجتماعية بأكثر مما تفترض التصريفات السياسية والطوابع الإيديولوجية التي تسند إلى الدول. ولا يكفي قط ما يتردد عن درجة تأثير القرآن الكبرى في (الذهنية الإسلامية) المعاصرة، فهو ما يزال مصدر الإلهام الفردي والجماعي الرئيسي، كما أنه ملجأ المسلمين وملاذهم الأخير)([76])
بل إنه يصرح تصريحا خطيرا، فيقول: (إن الأدوات التي يوفرها التنزيل القرآني قادرة ولا ريب على بناء مجتمع حديث)([77])
وهو يدعو المؤرخين ـ بدل بذل الجهد في تفاصيل الأحداث ـ إلى البحث عن الأصول الحقيقية التي ينبني عليها الإسلام من خلال مصادره الأصلية ليعرف مدى انسجام الإسلام مع المعاصرة ([78]): (إن من حق المؤرخ أن يعرف أسس ثقافة دينية المرتكز وسمت تطور الإنسانية بميسمها، ولم تزل حتى اليوم مرجعًا خلقيًا وسياسيًا لملايين البشر. ومن الأهمية بمكان تحليل أفكارها الأساسية وتطور هذه الأفكار المحتمل، والكشف عن الطريقة التي حدّد بها ذلك الدين العالمي الطموح مكانة الفرد في المجتمع وتصوّر تنظيم العلاقات بين الشعوب.. إن تقديم الإسلام على أنه مجرد خصم متصارع من النظريات والبنى التشريعية المعاصرة، أمر غير معقول)([79])
ويتحدث بإعجاب عن الاقتران بين التوجيه والتشريع في الإسلام، فيقول: (لا تمييز في العقيدة الإسلامية([80]) بين الموجب القانوني والواجب الخلقي.. وهذا الجمع المحكم بين القانون والخلق يؤكد قوة النظام منذ البداية)([81])
ويتحدث ـ على عكس العلمانيين من المسلمين ـ عن واقيعة وتقديمة الشريعة الإسلامية، فيقول: (أليس من الواقعية والتقدمية أن يؤمن المرء بقيمة الإنسان وحريته وإرادته، وأن يتخيل إنشاء قانون تستطيع كل الشعوب الانضواء تحت لوائه؟ لسوف يسهم الإسلام في إنشاء ذلك القانون)([82])
ويقول: (لقد أظهرت الرسالة القرآنية وتعاليم النبي أنها تقدمية بشكل جوهري، وتفسّر هذه الخصائص انتشار الإسلام السريع بصورة خارقة خلال القرون الأولى من تاريخه)([83])
ويتحدث عن صلاحية الإسلام لكل الأزمان، فيقول: (إن القضية تتمثل في استرجاع فكرة صلاح الإسلام لكل حين من خلال تجلياته الأبدية والماضية والمستقبلية)([84])
ويرد على الغربيين الذين يرمون الإسلام بالعجز عن تنمية نظام سياسي صالح، فيقول: (من نوافل الأمور رفض الادّعاء المتكرر آلاف المرات في الغرب عن عجز الإسلام عن تنمية نظام سياسي داينامي. فالتاريخ يكذبه تكذيبًا مرًا وقاطعًا)([85])
ويتحدث عن الوظيفة التصحيحة التي جاء بها الإسلام، ومارسها مع الكتب السماوية، فيقول: (لم يكن من ضمن رسالة أن يبطل ما أنزل من قبله، بل أن يصدّقه ناقضًا ما لحق الكتب السماوية من تحريف وانتهاك. وكلف تطهير تعاليم الرسل السابقين من كل مخالفة، والتوسع فيها وتتميمها لتغدو ملائمة للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان)([86])
قلت: ما أصدق هذا الرجل.. وما أعظم فهمه للإسلام.. إن كثيرا من المسلمين يحتاجون إلى التتلمذ عليه ليعرفوا قيمة دينهم.
قال: صدقت.. لقد رأيت من المسلمين من يناقشه مناقشة شديدة، حتى خلت المسلم كافرا والكافر مسلما.
قلت: الإسلام والكفر حكمان لله.. ولعل فضل الله يكون قد تدارك هذا الرجل الفاضل ليكتب في قلبه الإيمان الذي عاش يدافع عنه.. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة)([87])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (إميل درمنغم)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا مستشرق فرنسي، عمل مديرًا لمكتبة الجزائر إبان الاستعمار، من آثاره: (حياة محمد) (باريس 1929) وهو من أدق ما صنّفه مستشرق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، و(محمد والسنة الإسلامية) (باريس 1955م)، ونشر عددًا من الأبحاث في المجلات الشهيرة مثل: (المجلة الأفريقية)، و(حوليات معهد الدراسات الشرقية)، و(نشرة الدراسات العربية) وغيرها.
ولهذا الرجل الفاضل شهادات قيمة عن القرآن والإسلام والحضارة الإسلامية سأبث لك منها ما يسمح به الوقت:
فهو يشهد بالاحترام العظيم الذي ناله المسيح في المصادر الإسلامية، وخاصة القرآن الكريم، فيقول: (للمسيح في القرآن مقام عالٍ، فولادته لم تكن عادية كولادة بقية الناس، وهو رسول الله الذي خاطب الله جهرًا عن مقاصده وحدث عن ذلك أول شخص كلمه، وهو كلمة الله الناطقة من غير اختصار على الوحي وحده.. والقرآن يقصد النصرانية الصحيحة حينما يقول: إن عيسى كلمة الله، أو روح الله، ألقاها إلى مريم وأنه من البشر.. وهو يَذمّ مذهب القائلين بألوهية المسيح ومذهب تقديم الخبز إلى مريم عبادة ثم أكله وما إلى ذلك من مذاهب الإلحاد النصرانية، لا النصرانية الصحيحة، ولا يسع النصراني إلا أن يرضى بمهاجمة القرآن للثالوث المؤلف من الله وعيسى ومريم)([88])
وهو يرد على المقولة التي كانت تردد في ذلك الوقت عن كون الدين أفيون الشعوب، بقوله: (سيكون القرآن حافزًا للجهاد يردده المؤمنون كما يردد غيرهم أناشيد الحرب، محرضًا على القتال جامعًا لشؤونه، محركًا لفاتري الهمم، فاضحًا للمخلّفين مخربًا للمنافقين، واعدًا الشهداء بجنات عدن)([89])
ويتحدث عن القرآن ومدى الجدية التي نالت حفظه، فيقول: (كان محمد يعد نفسه وسيلة لتبليغ الوحي، وكان مبلغ حرصه أن يكون أمينًا مصغيًا أو سجلاً صادقًا أو حاكيًا معصومًا لما يسمعه من كلام الظل الساطع والصوت الصامت للكلام القديم على شكل دنيوي، لكلام الله الذي هو أم الكتاب، للكلام الذي تحفظه ملائكة كرام في السماء السابعة.. ولابد لكل نبي من دليل على رسالته، ولابد له من معجزة يتحدى بها.. والقرآن هو معجزة محمد الوحيدة ([90])، فأسلوبه المعجز وقوة أبحاثه لا تزال.. إلى يومنا يثيران ساكن من يتلونه، ولو لم يكونوا من الأتقياء العابدين، وكان محمد يتحدى الإنس والجن بأن يأتوا بمثله، وكان هذا التحدي أقوم دليل لمحمد على صدق رسالته.. ولا ريب أن في كل آية منه، ولو أشارت إلى أدق حادثة في حياة الخاصة، تأتيه بما يهزّ الروح بأسرها من المعجزة العقلية، ولا ريب في أن هنالك ما يجب أن يبحث به عن سرّ نفوذه وعظيم نجاحه)([91])
ويتحدث عن مظاهر الصدق التي تدل على أن القرآن الكريم ليس افتراء من محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (كان لمحمد بالوحي آلام كبيرة.. وحالات مؤثرة كره أن يطلع الناس عليها، ولاحظ أبو بكر ذات يوم، والحزن ملء قلبه، بدء الشيب في لحية النبي فقال له النبي: (شيّبتني هود وأخواتها: الواقعة والحاقة والقارعة). وكان النبي يشعر بعد الوحي بثقل في رأسه فيطبه بالمراهم، وكان يدثر حين الوحي فيسمع له غطيط وأنين. وكان إذا نزل الوحي عليه يتحدر جبينه عرقًا في البرد)([92])
ويقول: (كان محمد، وهو البعيد من إنشاء القرآن وتأليفه ينتظر نزول الوحي إليه أحيانًا على غير جدوى، فيألم من ذلك، ويود لو يأتيه الملك متواترًا)([93])
ويتحدث عن بعض مواقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على صدقه بإعجاب، فيقول: (ولد لمحمد، من مارية القبطية ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه كثيرًا ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..)([94]) فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال)([95])
ويقول: (إن محمدًا الذي خلق القيادة لم يطلب معاصريه بغير ما يفرض عليهم من الطاعة لرجل يبلّغهم رسالات الله، فهو بذلك واسطة بين الله رب العالمين والناس أجمعين.. وكان ينهى عن عدّه ملكًا.. ولقد نال السلطان والثراء والمجد، ولكنه لم يغتر بشيء من هذا كله فكان يفضل إسلام رجل على أعظم الغنائم، ومما كان يمضه عجز كثير من الناس عن إدراك كنه رسالته)([96])
ويتحدث عن الجهد العظيم الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل نجاح الدعوة، فيقول: (تجلت بهذه الرحلة الباهرة [حجة الوداع] ما وصلت إليه من العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي الذي أنهكه اضطهاد عشر سنين وحروب عشر سنين أخرى بلا انقطاع، وهو النبي الذي جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة)([97])
ويقول: (الحق أن النبي لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطي. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا أبصر، حين أفاض من جبل عرفات، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحسّ ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية)([98])
ويتحدث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت الإسلام ينتشر بدل خرافة السيف، فيقول: (إن الذي أدى إلى تنافر الإسلام والنصرانية وتغلّب الإسلام على النصرانية هو ما كانت عليه النصرانية من الفساد في القرن السابع من الميلاد، وفرق النصرانية الضالة هي التي كان محمد شاهدًا عليها، وهو الذي لم يعرف غيرها، والمسائل المشكوك فيها الكثيرة التي مصدرها ما أدخله اليهود على التلمود وغيره)([99])
ويقول: (لم يشرع الجهاد لهداية الناس بالسيف، ففي القرآن:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } (البقرة: 256)، والقرآن يأمر المسلمين بالاعتدال وبأن لا يبدؤوا بالاعتداء)([100])
ويتحدث عن عدالة الشريعة الإسلامية ورحمتها وآثارها، فيقول: (كان للدعوة المحمدية في جزيرة العرب أثر عظيم ثابت في تقدم الأسرة والمجتمع وفي تقدم الصحة أيضًا، فقد حسن بها مصير المرأة، وحرّم بها الزنا والمتعة وحياة الغرام، ومنع بها إكراه القيان على البغاء لإثراء سادتهن. والإسلام، وإن أباح الرق، نظم أحكامه فعدّ فك الرقاب من الحسنات ومكفرًا لبعض السيئات)([101])
ويقارن بين موقف الإسلام من الغرائز مع موقف المسيحية، فيقول: (تُعارض الآداب الإسلامية بالنسك النصراني أحيانًا معارضة مصنوعة فالإسلام وإن بدا أكثر تسامحًا في الميل الجنسي، لم يكلف نفسًا إلا وسعها ويرى كمال العبادة في نيل الجسم حقه الشرعي، ولكن زهد الصوفية المسلمين يعدل زهد نساك جميع الأديان، ولكن الإسلام حرم الخمر وفرض الصوم الصارم الذي لم تعرف مثله ديانة أخرى، ولكن المسلمات ملزمات بهندام وزي يبتعدان كثيرًا عن الأزياء الأوروبية العصرية، فمن العبث إذن أن يزعم وجود فروق كبيرة بين الأدبين مع اختلاف في النظر والعمل وتباين في النظريات نفسها)([102])
ويقول: (كان كثير من المسلمين يكثرون من التوبة والاستغفار والصلاة والصوم، فرأى محمد أن القصد أولى من الإفراط. فأشار بالاعتدال في التقشف وبترك كل ما يميت النفس، وحدث أن بعضهم قادوا أنفسهم إلى الحج بربط أنوفهم بأرسان الجمال فقطع محمد هذه الأرسان لأن الله ليست له حاجة بجدع الأنوف)([103])
ويتحدث عن امتزاج الدنيا بالآخرة والعبادة بالحياة في القرآن الكريم، فيقول: (على ما تراه في دعوة النبي من المبادئ الأخروية لم يأل النبي جهدًا في تنظيم المجتمع الإسلامي تنظيمًا عمليًا، فكان القرآن كتاب شريعة كما كان مثل كتاب الزبور)([104])
قلت: ما أصدق هذا الرجل.. وما أروع شهاداته.. هذا مع تخلفنا عن ديننا.. فكيف لو عدنا إليه؟
قال: لو عدتم إليه كما طلب منكم لرأيتم العالم كله بين أيديكم يتتلمذ عليكم.
قلت: العالم الآن كله يحاربنا.
قال: لأنكم حلتم بينه وبين شمس الحقيقة.. فلذلك ترونه ينتقم منكم، وأنتم تتوهمون أنه ينتقم من الإسلام.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (الكونت هنري دي كاستري)([105])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا الرجل من من أكثر المستشرقين إنصافاً للاسلام، وله في هذا كتاب سماه (الاسلام خواطر وسوانح)، وقد ذكر في هذا الكتاب غايته من تأليفه، فقال: (إن غاية ما يرمى إليه هو إطلاع مواطنيه على صورة صحيحة للأسلام حتى يحاطوا بأصدق المعلومات عن العقيدة التي يعتنقها بعض رعاياهم في القارة الافريقية، مما يسهل لهم التفاهم معهم والسيطرة عليهم)
وقد ذكر في مقدمته الظروف التي دعته الى تأليفه، فقال: (ذات يوم عندما كنت ضابطاً في الجيش الفرنسي بالجزائر خرجت أجوب الصحراء في ولاية وهران وخلفي ثلاثون من الفرسان العرب.. وعندما حان وقت الصلاة، ترجلوا عن جيادهم واصطفوا لأداء صلاة العصر جماعة.. وجعلتُ أشاهد حركات المصلين وأسمعهم يكررون بصوت مرتفع الله أكبر، الله أكبر، فكان هذا الاسم الإلهي يأخذ من ذهني مأخذًا لم يوجده فيه درس الموحدين ومطالعة كتب المتكلمين.. وكنت أشعر بأنهم في صلاتهم تلك أرفع مني مقامًا وأعزّ نفسًا.. وهم يكررون إلى ربهم صلوات خاشعة تصدر عن قلوب ملئت صدقًا وإيمانًا.. فأحسست أنني منجذب بحلاوة الإسلام كأنني أول مرة شاهدت في الصحراء قومًا يعبدون خالق الأكوان)([106])
وقد وصف شعوره ـ عندما أضطر أن يتنحى جانباً حتى يفرغوا من أداء صلاتهم ـ فقال: (كنت أود لو أن الارض انشقت فابتلعتني، وجعلت أشاهد البرانس العريضة تنثني وتنفرج بحركات المصلين، وأسمعهم يكررون بصوت مرتفع (الله أكبر.. الله أكبر) فكان لهذا الاسم الإلهي أثر عجيب في نفسي، وكنت أشعر بحرج لست أجد لفظاً يعبر عنه بسبب الحياء والانفعال.. كنت أحس بأن أولئك الفرسان الذين كانوا يتدانون أمامي قبل هذه اللحظة، يشعرون في صلاتهم بأنهم أرفع مني مقاماً وأعز نفساً)
ثم ذكر كيف دفعته تلك الخواطر الى الاستزادة من التعرف على مبادئ الإسلام ، فكان من أهم ما لفت نظره الأسلوب الذي أنتشر به الاسلام.. وكيف قاومه العرب في البداية ، ثم استجابوا له فرادى وأفواجا، فقال: ( لو كان دين محمد انتشر بالعنف والإجبار للزم أن يقف سيره بانقضاء الفتوحات الاسلامية مع أننا لا نزال نرى القرآن يبسط جناحيه في جميع ارجاء العالم)
ثم ضرب مثلا على ذلك بوجود عدة ملايين من المسلمين في الصين، مع أن الفتوحات الاسلامية لم تبلغ تلك البلاد، كما ضرب المثل بانتشاره بين الملايين من سكان القارة الافريقية !
ثم قال: (وهكذا جلب الاسلام قسما عظيما من العالم بما أودع فيه من إعلاء شأن النفس)
وتحدث كاستري عن تعذر إخراج المسلمين عن دينهم عندما تناول الصعوبات العديدة التي اعترضت سبيل المبشرين الفرنسيين في مستعمراتهم الإفريقية ومنها الجزائر ـ لحمل المسلمين على نبذ دينهم ـ فقال: ( إن الإسلام ليس في أهله من يمرق عنه إلى غيره ، وبعيد عن فكر المسلمين تصور هذا الامر ، حتى أنهم لا يجدون لفظاً يعبرون به عن صفات من يأتيه، كما أنهم تحيروا في وصف المسلمين الذين تجنسوا بالجنسية الفرنسية ، لأن فيها معنى من معاني الردة)
بعدها قارن (كاستري) بين العجز عن حل المسلمين على ترك دينهم، ومايلقاه المسلمون – في الوقت نفسه – من يسر في أقناع غيرهم باعتناق دينهم.
ثم اختتم كاستري كتابه بقوله: (لو لم يكن للإسلام من فائدة إلا تحويل عبدة الاصنام من وثنيين إلى موحدين ، وترقية أخلاقهم ومكانتهم، لكفى بذلك داعيا إلى معاملته بسياسة التلطف والاعتدال ، جريا على قاعدة العمل بأخف الضررين)
سكت الغريب قليلا، ثم قال: هذا عرض مختصر لما جاء في كتابه، وسأذكر لك الآن بعض شهاداته التي أهلته لأن يصادق الإسلام:
فمنها شهادته عن الإعجاز القرآني، والتي يقول فيها: (إن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمي وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظًا ومعنى. آيات لما سمعها عتبة بن ربيعة حار في جمالها، وكفى رفيع عبارتها لإقناع عمر بن الخطاب فآمن برب قائلها، وفاضت “عين نجاشيّ الحبشة بالدموع لما تلا عليه جعفر بن أبي طالب سورة زكريا وما جاء في ولادة يحيى وصاح القسس أن هذا الكلام وارد من موارد كلام عيسى.. لكن نحن معشر الغربيين لا يسعنا أن نفقه معاني القرآن كما هي لمخالفته لأفكارنا ومغايرته لما ربيت عليه الأمم عندنا. غير أنه لا ينبغي أن يكون ذلك سببًا في معارضة تأثيره في عقول العرب. ولقد أصاب (جان جاك روسو) حيث يقول: (من الناس من يتعلم قليلاً من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ولو أنه سمع محمدًا يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وصوته المشبع المقنع الذي يطرب الآذان ويؤثر في القلوب.. لخر ساجدًا على الأرض وناداه: أيها النبي رسول الله خذ بيدنا إلى مواقف الشرف والفخار أو مواقع التهلكة والأخطار فنحن من أجلك نودّ الموت أو الانتصار).. وكيف يعقل أن النبي ألف هذا الكتاب باللغة الفصحى مع أنها في الأزمان الوسطى كاللغة اللاتينية ما كان يعقلها إلا القوم العالمون.. ولو لم يكن في القرآن غير بهاء معانيه وجمال مبانيه لكفى بذلك أن يستولي على الأفكار ويأخذ بمجامع القلوب)([107])
ويقول: (أتى محمد بالقرآن دليلاً على صدق رسالته، وهو لا يزال إلى يومنا هذا سرًّا من الأسرار التي تعذر فك طلاسمها ولن يسبر غور هذا السر المكنون إلا من يصدق بأنه منزل من الله)([108])
ويتحدث عن مواضع الاتفاق بين القرآن والكتاب المقدس، ويفسره التفسير الصحيح([109])، فيقول: (قد نرى تشابهًا بين القرآن والتوراة في بعض المواضع، إلا أن سببه ميسور المعرفة.. إذا لاحظنا أن القرآن جاء ليتممها، كما أن النبي خاتم الأنبياء والمرسلين)([110])
وفي موضع آخر يعلل ذلك الاتفاق بقوله: (إن دين الأنبياء كان كله واحدًا فهم متحدون في المذهب منذ آدم إلى محمد وقد نزلت ثلاثة كتب سماوية وهي الزبور والتوراة والقرآن. والقرآن بالنسبة إلى التوراة كالتوراة بالنسبة إلى الزبور وإن محمدًا بالنظر إلى عيسى كعيسى بالنظر إلى موسى، ولكن الأمر الذي تهم معرفته هو أن القرآن آخر كتاب سماوي ينزل للناس وصاحبه خاتم الرسل فلا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد ولن تجد بعده لكلمات الله تبديلاً. إذا تقرر هذا لم يعد هنالك وجه للاستغراب من وجود بعض التشابه بين القرآن والتوراة، فمحمد كعيسى قال إنه بعث ليتم رسالة من قبله لا ليبيدها فلم يكن من أمره الابتعاد عمن تقدمه ولذلك كان يصرح على الدوام بأنه يعيد على الناس ما نزل على الأنبياء من قبله.. على أن بعض المشابهات لا تحتاج إلى مثل هذا التفسير إذ نفس محمد كانت متأثرة بما تأثرت به نفوس الأنبياء من بني إسرائيل، وكان يعبد الله الذي عبدوه فلا عجب أن تشابهت ألفاظ التضرّعات وتجانست أصوات الدعاء)([111])
ويتحدث عن العقيدة الإسلامية ومدى انسجامها مع العقل، واستحالة أن يكون مصدرها يهوديا أو نصرانيا، فيقول: (لا إله إلا الله) ذلك هو أصل الاعتقاد بإله فرد ورب صمد منزه عن النقائص يكاد العقل يتصوره وهو اعتقاد قوي يؤمن به المسلمون على الدوام ويمتازون به على غيرهم من القبائل والشعوب، أولئك حقًا هم المؤمنون.. ولقد يستحيل أن يكون هذا الاعتقاد وصل إلى النبي من مطالعته التوراة والإنجيل، إذ لو قرأ تلك الكتب لردّها لاحتوائها على مذهب التثليث وهو مناقض لفطرته مخالف لوجدانه، فظهور هذا الاعتقاد بواسطته دفعة واحدة هو أعظم مظهر في حياته وهو بذاته أكبر دليل على صدقه في رسالته وأمانته في نبوته)([112])
ويتحدث عن انسجام الإسلام مع الفطرة، فبينما نرى تشدده في نواحي العقيدة نرى تساهله فيما يرتبط بالغرائز التي تقتضيها الفطرة، فيقول: (لقد كان فكر النبي في الألوهية من أرفع الأفكار وأسماها، ولكنه تسامح للناس كثيرًا في رغباتهم وما كانوا إليه يميلون. نعم يجب على الرجل أن يعتقد ويعبد الله، ولكن لا يجب عليه أن يحارب نفسه ويعذبها العذاب الأليم ليقهرها.. ومع ذلك فمن الشهوات ما نهى النبي عنه وأمر بمجاهدة النفس فيه. فقد حرم على المسلمين شرب الخمر وكل شراب يؤثر مثله، وقد بالغ المسلمون في العمل بهذا النهي، فكان من وراء ذلك أن نجت الأمم الإسلامية من مرض المسكرات وهي الداهية التي تفجع اليوم أممًا كثيرة من المسيحيين، وكانت إحدى الأسباب في اضطراب المجتمع الإنساني وظهور مذهب الفوضويين مما تجهله الأمم الإسلامية. هكذا جذب الإسلام قسمًا عظيمًا من العالم بما أودع فيه من إعلاء شأن النفس بتصور الذات الإلهية على صفات فوق صفات البشر تذكرها خمس مرات في كل يوم، وبما اشتمل عليه من الترفق بطبيعة البشر حيث أتاح للناس شيئًا مما يشتهون)([113])
ويتحدث عن العلاقات الاجتماعية التي أسسها الإسلام بين المسلمين، فيقول: (إن الرابط عند المسلمين هي أشد قوة منها لدى غيرهم من الأمم التي تدين بدين واحد، لأن القرآن شريعة دينية وقانون مدني وسياسي)([114])
ويتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة معتبرا ذلك محل اتفاق، فيقول: (إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر إلى الديانة الإسلامية ما اختص منها بشخص النبي ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولاً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية علّني أجد في هذا البحث دليلاً جديدًا على صدقه وأمانته المتفق تقريبًا عليها بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين المسيحي)([115])
ويتحدق عن أصالة رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (ثبت إذن أن محمدًا لم يقرأ كتابًا مقدسًا ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه)([116])
ويقول: (لو رجعنا إلى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل المتكلمون من المسيحيين لأمكننا الوقوف على حالة مشيد دعائم الإسلام وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين.. ومن الصعب أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل عليه السلام.. إلا أن معرفة هذه الحقيقة لا تغير موضوع المسألة لأن الصدق حاصل في كل حال)([117])
ويقول: (لا يمكن أن ننكر على محمد في الدور الأول من حياته كمال إيمانه وإخلاص صدقه، فأما الإيمان فلن يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني الدور المدني وما أُوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على الإيمان لولا أن الاعتقاد كله قد بلغ منه مبلغًا لا محل للزيادة فيه.. وما كان يميل إلى الزخارف ولم يكن شحيحًا.. وكان قنوعًا خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته.. تجرد من الطمع وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد العرب ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيرًا ولا حشما، وقد احتقر المال)([118])
ويتحدث عن الآلام الكثيرة التي تحملها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل تعليم الناس حقائق الإسلام، فيقول: (ولقد نعلم أن محمدًا مرّ بمتاعب كثيرة وقاسى آلامًا نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحّضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة الأوثان ومذهب تعدد الآلهة الذي ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنًا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيّل وقوة الإدراك.. إلا أن يقول مرارًا ويعيد تكرارًا هذه الكلمات (الله أحد الله أحد). كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد)([119])
قلت: هذه شهادات صادقة تحيل أن يكون صاحبها مجرد متحدث عن الإسلام.
قال: صدقت.. عسى الله أن ينفعه بما قال.. فالله لا يضيع عنده شيء.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (جاك. س. ريسلر)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا باحث فرنسي.. بحث في الإسلام.. وصدق فيما بحث.. فلذلك أنطقه الله بشهادات كثيرة، سأذكر لك بعضها:
منها شهادته عن لغة القرآن وجمالها، بحيث يستحيل ترجمتها، فيقول: (لما كانت روعة القرآن في أسلوبه فقد أنزل ليقرأ ويتلى بصوت عال. ولا تستطيع أية ترجمة أن تعبر عن فروقه الدقيقة المشبعة بالحساسية الشرقية. ويجب أن تقرأه في لغته التي كتب بها لتتمكن من تذوق جماله وقوته وسمو صياغته. ويخلق نثره الموسيقى والمسجوع سحرًا مؤثرًا في النفس حيث تزخر الأفكار قوة وتتوهج الصور نضارة. فلا يستطيع أحد أن ينكر أن سلطانه السحري وسموه الروحي يسهمان في إشعارنا بأن محمدًا كان ملهمًا بجلال الله وعظمته)([120])
ويتحدث عن معارف القرآن، وتأثيرها الممتد، فيقول: (كان في القرآن فوق أنه كتاب ديني خلاصة جميع المعارف.. وظل زمنًا طويلاً أول كتاب يتخذ للقراءة إلى الوقت الذي شكل فيه وحدة كتاب المعرفة والتربية. ولا يزال حتى اليوم النص الذي تقوم عليه أسس التعليم في الجامعات الإسلامية. ولا تستطيع الترجمات أن تنقل ثروته اللغوية (إذ يذبل جمال اللغة في الترجمات كأنها زهرة قطفت من جذورها) ولذلك يجب أن يقرأ القرآن في نصه الأصلي)([121])
ويتحدث عن النظام الذي جاء به القرآن، والذي يحل جميع الإشكالات التي قد تعرض للفرد والمجتمع، فيقول: (إن القرآن يجد الحلول لجميع القضايا، ويربط ما بين القانون الديني والقانون الأخلاقي، ويسعى إلى خلق النظام، والوحدة الاجتماعية، وإلى تخفيف البؤس والقسوة والخرافات. إنه يسعى على الأخذ بيد المستضعفين، ويوصي بالبر، ويأمر بالرحمة.. وفي مادة التشريع وضع قواعد لأدق التفاصيل للتعاون اليومي، ونظم العقود والمواريث، وفي ميدان الأسرة حدد سلوك كل فرد تجاه معاملة الأطفال والأرقاء والحيوانات والصحة والملبس، إلخ..)([122])
ويتحدث عن امتداد الشريعة التي جاء بها القرآن ورسوخها، فيقول: (حقًا، لقد ظلت شريعة القرآن راسخة على أنها المبدأ الأساسي لحياة المسلم ولم يتعرض ما جاء في القرآن من نظر وأخلاق ونظام لأية تغييرات ولا لتبديلات بعيدة الغور)([123])
ويتحدث عن امتداد التأثير القرآني في الحياة، فيقول: (يظل القرآن طيلة القرون الأولى للهجرة من جهة المبدأ مصدر الإلهام لكل العقلية الإسلامية فهو يضم بين طرافة الأفكار والأحاسيس الضرورية والكافية لتزويد أعظم الدراسات في الفكر)([124])
وهو يتحدث عن صعوبة فهم الغرب للروح الإسلامية، باعتبار الاختلاف في طريقة التفكير، فيقول: (إن هذا الكتاب يمكن أن يتيح لمن يتصفحونه أن يدركوا على أفضل وجه ما الروح الإسلامية، وكيف صيغت هذه الروح على مر العصور. لقد وقف الرجل الغربي تجاه العالم العربي في حيرة وكأنه أمام سرّ غامض، فلم يكن مألوفًا له أي رد فعل من ردود الفعل الإسلامية، ولم يدرك كل نهج في وجود هذه الروح وفي الإحسان بها وفي قوتها الدافقة)([125])
ويقارن بين القرآن والمسيحية، فيقول: (في سعي الإسلام إلى (المطلق) نبذ – لشدة عنايته بوحدة الله ووحدانيته – عقيدة الثالوث المقدس مبتعدًا في ذلك عن المسيحية التي كان يتهمها بنوع من الشرك لاعتقادها في ألوهية ثلاثة أشخاص. ولقد احترم الإسلام احترامًا نادر المثال تاريخ الأديان فاعترف بأن الكتب المقدسة لليهود والنصارى منزلة قبل أن يمسها التحريف.. وقد أشار النبي للدلالة على صدق رسالته إلى ما بين القرآن والكتاب المقدس من توافق وحَثّ بكل تسامح وقوة إدراك في الوقت نفسه، اليهود على إطاعة شريعتهم، والمسيحيين على إطاعة أناجيلهم، وعلى أن يرتضوا القرآن، خاتم الكتب المقدسة والدين الإسلامي خاتم الأديان المنزلة)([126])
ويتحدث عن عدم وجود كهنوت في الإسلام مثلما هو الحال في المسيحية، وهذا انسجاما مع عقيدته التوحيدية، فيقول: (الدين الإسلامي ليست له قرابين مقدسة ولا طقوس، والصلاة صلته المباشرة بين الله والمؤمنين.. وفي المسجد ينبض قلب الإسلام.. وفي أرجائه يحس المرء إحساسًا حيًا أنه بحضرة الله. الحق أنه لا شيء في المسجد إلا البساطة.. والجمال والتجانس)([127])
ويتحدث عن العلاقات الاجتماعية التي أسسها الإسلام، فانطبع بها المجتمع الإسلامي في فترات طويلة من تاريخه، فيقول: (على الرغم من تنوع الأجناس والشعوب التي تشكل الإسلام، كان المسلمون يبينون سلفًا عن خصائص متشابهة، وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يفرّق بين حضر وبدو، أغنياء وفقراء، كانوا يسلكون تقريبًا مسلكاً واحدًا. ذلك أن أية عقيدة تقوم على أسس ثابتة تحدث ردود فعل مماثلة عند أقوام متفاوتة. وقد وضع روح القرآن قواعد التصرفات اليومية للناس، وخلق الجو المعنوي للحياة، حتى تغلغل شيئًا فشيئًا في الأفكار فانتهى بتشكيل متناسق للعقليات والأخلاق. كما كان تأثير الدين عظيمًا بسبب انتشار اللغة، وبسبب نتائج السياسة الخارجية المشتركة، وكذلك بسبب نتائج نظام اجتماعي معمّم)([128])
ويتحدث عن النظام الشمولي الذي جاء به الإسلام، فيقول: (إن اسم الإسلام يمكن أن يؤخذ على ثلاثة معان مختلفة: المعنى الأول دين، والثاني دولة، والثالث ثقافة، وبالاختصار حضارة فريدة)([129])
نظر الغريب إلي، وقال: هذه بعض شهادات هذا الرجل الفاضل.
قلت: بورك فيه.. لقد قال كلاما كثيرا قد لا نجد من قومنا من يجرؤ على قوله.
قال: من رزقه الله الصدق فتح عليه من الجرأة ما يتناسب مع ذلك الصدق..
قلت: صدقت.. فبقدر الصدق تكون الجرأة.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (لويس سيديو)([130])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا مستشرق فرنسي.. له شهادات كثيرة تبين مدى صدق بحثه في الإسلام، وفي مصادر الإسلام، وسأسرد لك ـ باختصار ـ بعضه هذه الشهادات:
فمنها شهادته التي يتحدث فيها عن كون القرآن مدرسة روحية وتربوية متكاملة، فيقول: (لا تجد في القرآن آية إلا توحي بمحبة شديدة لله.. وفيه حث كبير على الفضيلة خلال تلك القواعد الخاصة بالسلوك الخلقي.. وفيه دعوة كبيرة إلى تبادل العواطف وحسن المقاصد والصفح عن الشتائم، وفيه مقت للعجب والغضب، وفيه إشارة إلى أن الذنب قد يكون بالفكر والنظر، وفيه حض على الإيفاء بالعهود حتى مع الكافرين، وتحريض على خفض الجناح والتواضع، وعلى استغفار الناس لمن يسيئون إليهم، لا لعنهم ويكفي جميع تلك الأقوال الجامعة المملوءة حكمة ورشدًا لإثبات صفاء قواعد الأخلاق في القرآن.. إنه أبصر كلّ شيء)([131])
ويتحدث عن النواحي البلاغية للقرآن، فيقول: (صلح القرآن ليكون نموذجًا للأسلوب وقواعد النحو.. فأوجب ذلك نشوء علم اللغة، فظهور علم البيان الذي درس فيه تركيب الكلام ومقتضى الحال والبديع وأوجه البلاغة، وأضحى لصناعة قراءة القرآن وتفسيره أكثر من مئة فرع، فأدى هذا إلى ما لا حصر له من التأليف في كلّ منها، واغتنت اللغة العربية بتعابير جديدة كثيرة بعيدة من الفساد بمخالطة اللغة الأخرى)([132])
ويتحدث عن تأثير القرآن في التوحيد بين شعوب وأعراق مختلفة، فيقول: (مما يجدر ذكره أن يكون القرآن، بين مختلف اللغات التي يتكلم بها مختلف الشعوب الإسلامية في آسيا حتى الهند، وفي أفريقية حتى السودان، كتابًا يفهمه الجميع، وأن يربط القرآن هذه الشعوب المتباينة الطبائع برابط اللغة والمشاعر)([133])
ويتحدث عن عبودية محمد صلى الله عليه وآله وسلم مقارنة بما ينسبه المسيحيون للمسيح، فيقول: (لم يعد محمد نفسه غير خاتم لأنبياء الله عليهم السلام وهو قد أعلن أن عيسى بن مريم كان ذا موهبة في الاتيان بالمعجزات، مع أن محمدًا لم يعط مثل هذه الموهبة([134])، وما أكثر ما كان يعترض محتجًا على بعض ما يعزوه إليه أشد أتباعه حماسة من الأعمال الخارقة للعادة!)([135])
ويتحدث عن القيم التي تحملها عقيدة اليوم الآخر التي جاء بها الإسلام، فيقول: (إن محمدًا أثبت خلود الروح.. وهو مبدأ من أقوم مبادئ الأخلاق. ومن مفاخر محمد أن أظهره قويًا أكثر مما أظهره أي مشرّع آخر)([136])
ويتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكونه قدوة صالحة جعلته يحقق كل الأهداف التي وكلت له، فيقول: (ما أكثر ما عرض محمد حياته للخطر انتصارًا لدعوته في عهده الأول بمكة، وهو لم ينفك عن القتال في واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت ثنيتاه.. وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله في معركة حنين، ومن الحق أن عرف العالم كيف يحيي قوة إرادته ومتانة خلقه.. وبساطته، ومن يجهل أنه لم يعدل، إلى آخر عمره، عما يفرضه فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض.. وكان حليمًا معتدلاً، وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه، وكان يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له.. ودلّ على أنه سياسي محنّك)([137])
ويتحدث عن تأثير محمد صلى الله عليه وآله وسلم في البيئة التي ولد فيها، فيقول: (بدت في بلاد العرب أيام محمد حركة غير مألوفة من قبل، فقد خضعت لسلطان واحد قبائل العرب الغيرى على استقلالها والفخورة بحياتها الفردية، وانضم بعض هذه القبائل إلى بعض فتألفت أمة واحدة)([138])
ويتحدث عن قيمة التوحيد وأهميته في الإسلام، فيقول: (من شأن مبدأ التوحيد الجليل، الذي نشر بين قوم وثنيين، أن يضرم الحمية في النفس المتحمسة العالية، ويسود هذا المبدأ القرآن، وإليه يعود إبداعه، ويجعل محمد هذا المبدأ أساس دينه، وإليه يرجع سبب سموّه على جميع الأديان. ويبدو هذا التوحيد المحض جازمًا تجاه علم اللاهوت الذي تورّط في الفرق النصرانية بعد أن زاد عددها بفعل البدع، ولا مراء في أن عظمة الله العلي وقدرته وحكمته وعدله وحمله أمور تستوقف أنظار ذوي النفوس المثقلة بالأباطيل، و(أحد، أحد) كان وعي المسلمين ببدر، ولا تخلو سورة في القرآن من قول:.. بالتوحيد)([139])
ويتحدث عن عقيدة القضاء والقدر، ودورها الإيجابي في الحياة، فيقول: (إن المبدأ الذي يحتويه القرآن لم يكن من نوع قضاء القدماء، ولا من نوع قدر بعض المذاهب الحديثة، فليس في القدر الإسلامي ما يميت شجاعة المسلم أو يؤدي إلى فتور همته، فهذا القدر مرادف لسنة الكون التي تهيمن على جميع الناس وتضع حدًا لأعمالنا.. وهنالك من المبادئ ما يؤدي إلى أسوأ النتائج عند سوء فهمها، فما أعظم الفرق بين تأثير مبدأ القضاء والقدر في قوم حطهم الاستعباد وتأثيره في قوم حمس مقاديم لا يبتغون غير الحرب والفتوح)([140])
ويتحدث عن الصلاة في الإسلام، وعدم حاجتها إلى وسطاء، فيقول: (الصلاة تمسك الإسلام بغير هياكل وتضمن دوامه بغير كهّان)([141])
ويقول: (لا ترى في الإسلام سلسلة مراتب ولا طوائف كهنوتية ولا طبقات ذات امتيازات)([142])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (هنري سيرويا) ([143])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من المستشرقين الذين وفقهم الله، فرأوا من معاني الصدق في الإسلام ما لم يلاحظه الكثير، ومن شهاداته التي لا أزال أحفظها وأقدرها قوله في في القرآن وما اشتمل عليه من حقائق، وما انتظم فيه من أسلوب: (القرآن من الله بأسلوب سام رفيع لا يدانيه أسلوب البشر، وهو في الوقت عينه، (ثورة عقيدية، هذه الثورة العقيدية لا تعترف – لا بالبابا ولا أي مجمع لعلماء الكهنوت والقساوسة)، حيث لم يشعر الإسلام يومًا بالخشية والهلع من قيام مبدأ التحكيم العقلي الفلسفي فإذا قارنا الإسلام باليهودية والمسيحية نجد بعض الخطوط المميزة والتي لا تبدو مطابقة تمامًا خاصة مع المسيحية.. فالنظام المسيحي اليهودي يخالف الإسلام حيث لا يوجد فراغ بين الخالق والخلق البشري، هذا الفراغ لدى اليهود والمسيحيين مليء بالواسطة.. ولا شيء من هذا يتفق مع الإسلام. فمحمد مع كون مبعوثًا ورسولاً من لدن الله لم يتظاهر بإنكار دعوات كل من موسى وعيسى، كل مجهوده انحصر في تنقيتهما على ما جاء في القرآن، الذي وضع في العام الأول مهاجمة مبدأ الثلاثية منبهًا إلى أن عيسى ليس سوى رجل ابن مريم وليس بابن الله والقول بأن الله له ولد، هذا شرك كبير تنشق له السماء وتنفتح له الأرض وتنسحق له الجبال. أما روح القدس فما هو إلا بمثابة ملاك مثل جبريل دوره هو أن ينقل إلى عيسى ومحمد الدعوة المقدسة، أما مريم فهي مريم العذراء وليست بأم الله)([144])
ويتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأثره في العقيدة والحياة، فيقول: (ومحمد لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضًا المدنية والأدب)([145])
ويتحدث عن بعض صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخلاقه العالية، فيقول: (محمد شخصية تاريخية حقة، فلولاه ما استطاع الإسلام أن يمتد ويزداد، ولم يتوان في ترديد أنه بشر مثل الآخرين مآله الموت، وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله عز وجل. وقبل مماته أراد أن يظهر ضميره من كل هفوة أتاها فوقف على المنبر مخاطبًا: أيها المسلمون، إذا كنت قد ضربت أحدًا فهاكم ظهري ليأخذ ثأره، أو سلبته مالاً فمالي ملكه. فوقف رجل معلنًا أنه يدينه بثلاثة دراهم، فردّ الرسول قائلاً: أن يشعر الإنسان بالخجل في دنياه خيرٌ من آخرته. ودفع للرجل دينه في التو. وهذا التذوق والإحساس البالغ لفهم محمد لدوره كنبي يرينا بأن (رينان) كان على غير حق في نعته العرب قبل الإسلام بأنها أمة كانت تحيا بين براثين الجهل والخرافات)([146])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (كلود كاهن)([147])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من مستشرقي فرنسا الكبار، وله شهادات صادقة جعلتني أضعه في هذا الدفتر.
قلت: فاذكر لي منها ما تراه.. فإن مثل هذه الشهادات تملأ النفس رضى، وتقرب إلينا عقولا كنا نظن أنفسنا أبعد الناس عنها.
قال: شهاداته مثل شهادات غيره ذات مناحي مختلفة.. منها ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها ما يتعلق بالإسلام وشرائع الإسلام.. ومنها ما يتعلق بالحضارة الإسلامية، والمجتمع المسلم..
قلت: فحدثني عن شهاداته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال: منها اعتباره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم الشخصيات العالمية، فقد قال: (اصطبغت شخصية محمد بصبغة تاريخية قد لا تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات الكبرى)([148])
ويذكر القيم النبيلة التي كان يتحلى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (يبدو للمؤرخ المنصف أن محمدًا كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقيًا وفكريًا، كما استطاع في الوقت نفسه أن يكيف رسالته حسب طباع الناس وتقاليدهم بمزيد من الفهم والتنظيم بحيث كفل البقاء والخلود للرسالة التي بشر بها.. وحتم علينا أن نلقى محمدًا بعواطف الإجلال والاحترام لما تحلى به من سمو الإلهام ومن قدرة على تذليل العقبات الإنسانية عامة والتغلب على مصاعبه الشخصية خاصة. وربما أثارت فينا بعض جوانب حياته شيئًا من الارتباك تبعًا لعقليتنا المعاصرة. فقد أكدت المهاترات على شهوات الرسول الدنيوية وألمحت إلى زوجاته التسع اللائي اتخذهن بعد وفاة خديجة، لكن الثابت أن معظم هذه الصلات الزوجية قد طبعت بطابع سياسي، وأنها استهدفت الحصول على ولاء بعض الأشراف وبعض الأفخاذ ([149]).. ثم إن العقلية العربية تقرّ الإنسان إذا استخدم طبيعته على نحو ما خلقها الله)([150])
ويتكلم عن بعض المنجزات الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (نشأ الرسول في مجتمع بلا دولة، فكان، على نحو لا تتبينه إلا العقول العصرية مبشرًا بدين، ومنظمًا لمجتمع دنيوي. ونتج عن ذلك أن القانون الاجتماعي صار جزءًا متماسكًا مع القانون الديني، كما كان احترام القانون الاجتماعي جزءًا مكملاً لطاعة الله تعالى. كان الوحي بذاته – إذن – هو الأساس المشترك للعقيدة وللتنظيم الزمني. فكان المجتمع نفسه هو الدولة والدين، ولم يتسنّ لأحدهما أن يبقى وحده نظامًا قائمًا بذاته.. لقد كان هذا التوجيه حاسمًا، ولم تستطع العقول أن تتخلى عنه إلى مدة غير قصيرة، وكان من نتائجه في العصور التالية أن الرجل المسلم أصبح يطلب من نظامه السياسي أن يكون على جانب من الكمال، فإن فقد ذلك فقد أيضًا مبدأ الطاعة المحتمة عليه إزاء هذا النظام)([151])
ويشيد بعلم الحديث، وقدرته التمحيصية، باعتباره العلم المصفي لكل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (الحق أننا نتجاوز النقد العلمي الصحيح إذا نحن أنكرنا على كل حديث صحته أو قدمه. ولقد باشر العلماء بمثل هذا التمحيص منذ عهد بعيد فوجدوا أن التحريف أو التلفيق قد لا يعمّان على نسق واحد واستندوا في ذلك إلى بعض الأحاديث التي يمكن اعتبارها سابقة أو حجة يعتد بها. بمعنى أن الموقف النقدي مفروض على الباحث المنصف. وفقهاء المسلمين أنفسهم هم قدوة لنا في هذا المضمار لأنهم – على طريقتهم – قد التزموا بذلك الموقف منذ العصر الوسيط)([152])
قلت: فحدثني عن شهاداته عن الإسلام.
قال: يتحدث كلود كاهن عن ميزة اجتماع الدين والدنيا في الشريعة الإسلامية، وهي الميزة التي تفتقدها سائر الأديان، فيقول (تملي شريعة الإسلام فرائض على الناس تجاه خالقهم، وتجاه أنفسهم فيما بينهم. فهي إذن – على حد تعبيرنا الحديث – شريعة دينية اجتماعية، والتمييز بين الدين والدنيا أمر غريب على الإسلام. على أن أهم فريضة تجاه الخالق هي الإيمان به والإذعان لمشيئته وذلك هو المقصود من كلمة (الإسلام). والمسلم هو من يدين بالإسلام. كذلك أوجب على الناس أعمالاً محددة لا قيمة لها إلا بالنية الحسنة)([153])
ويتحدث عن مبدأ (الحكم بالشريعة)، الذي يفرضه المجتمع المسلم على نفسه، وعلى السلطة التي تحكمه، فيقول: (من المقتضيات الأساسية للمجتمع الإسلامي إنشاء نظام اجتماعي يقوم على أساس مستمد من الشريعة الإلهية.. بمعنى أن الإسلام لم يعهد مبدئيًا ذلك المفهوم الروماني – الذي قبلت به المسيحية – قبولاً جزئيًا – والذي يعترف بشرعية دولة قائمة بحدّ ذاتها تملك القدرة على التشريع تشريعًا قيمًا مقبولاً – ولو تحت إشراف من الإله – دون اللجوء في كل حالة من الحالات إلى توجيه إلهي. فالقاعدة الثابتة – من حيث المبدأ – هي الشرع الحنيف الذي أوحي به للناس دفعة واحدة ولابد من وضعه موضع التنفيذ. بل إن الخليفة لا يملك سلطة معنوية إلا بقصد تطبيق هذا الشرع)([154])
ويتحدث عن خاصية (العقلانية) في العقيدة الإسلامية مقارنا لها بالعقيدة المسيحية، فيقول: (قد ندعو علماء الكلام المسلمين بعلماء الدين مع تحفظ واحد وهو أن ندرك أن الإيمان عند المسلم – ومن الناحية المبدئية – أمرٌ عقلي صرف، فلم يوجد إذن نظريًا انفصام يباعد بين الإيمان والعقل على نحو ما عهدته مثلاً الفلسفة المسيحية)([155])
ويتحدث عن المساواة التي فرضها الإسلام على المجتمع المسلم، فيقول: (إن الإسلام لا يعترف بأي تمييز بين الأفراد. ولا يخص المدينة – بوصفها مجموعة – بأي خاصة نوعية، كما لا يقر أي نظام لسكانها (البورجوازيين)([156])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (هنري ماسيه) ([157])، فسألت الغريب عنه، فقال: من شهادات هذا الرجل التي جعلتني أضعه هنا حديثه عن منجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكبرى، فيقول: (بفضل إصلاحات محمد الدينية والسياسية، وهي إصلاحات موحدة بشكل أساسي، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدّوا دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية)([158])
ويتحدث عن بعض صفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (كان محمد هو المشرّع الملهم والمحرك الأول للوحدة الدينية بين جميع الأقوام،.. وكان بسيطًا وحازمًا)([159])
ويتحدث عن علاقة الإسلامية بالملة الحنيفية، فيقول: (في القرآن يظهر إبراهيم عدة مرات مع عنوان الحنيف، ويبدو أن هذه العبارة السابقة لعصر محمد كانت تدل على أناس لا يعتنقون المسيحية ولا اليهودية، ويتطلعون بغموض إلى دين أكثر تجردًا من العقائد والمذاهب، إلى توحيد كامل.. ولكن محمد سينتهي إلى التوحيد، إلى دين أساسي وفطري ليست الأديان الأخرى سوى دلالات عليه، توحيد يبلور نهائيًا أحلام الحنفاء الغامضين، بحيث يجب أن نرى بهم مبشرين بمحمد([160])([161])
ويتحدث عن ربانية الإسلام، ورجوعه إلى مصادره الأصلية، فيقول: (تضاعفت فجأة أهمية النصوص المقدسة لأن دراستها لم تكن قضية تديّن فقط بل قضية تطبيق عملي. وبدأ الفقه ينتظم ولكن بوفاق تام مع القانون السماوي)([162])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (جورج مارسيه) ([163])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا مستشرق فرنسي اهتم بمدى تغلغل الإسلام في الحياة، ومن شهاداته في هذا الباب قوله: (إن الحج المتوجب على كل مسلم يستطيع إليه سبيلاً أن يؤديه مرّة في حياته، لا يقل أهمية عن المبادلات التجارية في ترابط أبعد أجزاء العالم الإسلامي.. أما الصلاة، وهي فعل العبادة وخضوع الإنسان لخالقه، فيؤديها المؤمن خمس مرات يوميًا وفي ساعات معينة بعد أن يطهر نفسه بالوضوء، متوجهًا نحو مكة المكرمة، حيث الكعبة المشرفة، مرددًا الصيغ الدينية، وهو يقوم بحركات السجود والركوع المنتظمة بدقة. ويمكن تأدية الصلاة بصورة منفردة وفي أي مكان يجد المرء نفسه فيه، على أن تكون الأرض بعيدة عن كل نجاسة، على أن صلاة الجماعة هي المستحبة.. وتكون الصلاة المشتركة في المسجد، والمسجد أساسًا هو بيت الصلاة، ومخطط بنائه منسجم مع ممارسة العبادة، فمن أجل الصلاة يقف المسلمون جنبًا إلى جنب يؤلفون جبهة عريضة وتنتظم خلف هذا الصف صفوف أخرى بنفس النظام، ويقف الإمام الذي يؤم الصلاة في مقدمة المصلين، وقد أدار ظهره لهم ووجهته ووجهة المصلين، الذين يقومون بنفس الحركات التي يقوم بها ويرددون التلاوات نفسها، هي القبلة، أي اتجاه مكة، حيث الكعبة قطب الإسلام وبيت الله على الأرض)([164])
ومنها قوله: (على أية حال، يكاد لا يوجد في البلاد الإسلامية منشآت عامة أو خاصة لا تحمل طابع الدين. فلقد تغلغل الإسلام في الحياة البيتية كما دخل حياة المجتمع وصاغت الطبائع التي نشرها شكل البيوت والنفوس)([165])
ومنها قوله: (إن العقيدة الأساسية في الإسلام هي الوحدانية المطلقة، فلا إله إلا الله ولقد ظهرت تعاليم الرسول محمد كرد فعل قوي ضد تعدّد الأرباب والأنصاب التي كان يقدسها العالم العربي، وضد الوثنية الإغريقية الرومانية ولمجابهة الثالوث الذي يؤمن به المسيحيون ليس لله شريك ولم يلد ولم يولد، لا يمكن أن يشبه بأي مظهر إنساني، ولئن كان القرآن قد حرم عبادة الأصنام بجمال، فإن الحديث الشريف (السّنّة) فعّل ذلك وتوسّع فيه.. وليس من الممكن أن ننكر أن هذا المنع احتفظ بكل قوته في تزيينات العمارة الدينية ولوازم العبادة، وأنه أثر على تطور الفن الإسلامي بأسره.. وهكذا فإن الإسلام وضع طابعه على إطار الحياة اليومية. وحتى عندما يكون الفن مطبقًا في أمور دنيوية فإن من البلاد الإسلام يبقى فنًا مسلمًا)([166])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (فولتير)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا اسم الفيلسوف الفرنسي المعروف.
قلت: لقد كنت أسمع بعداوته الشديدة للأديان، بما فيه الإسلام.
قال: ذلك صحيح.. ولكن المؤسف أن الأضواء لا تسلط إلا على أقواله الأولى، أما أقواله الأخيرة، والتي تراجع فيها عن أقواله السابقة، فتكاد لا تذكر.
قلت: هل تراجع عن تصريحاته المسيئة للإسلام؟
قلت: أجل.. لقد ذكر ذلك، فقال: (قد هدم محمد الضلال السائد في العالم لبلوغ الحقيقة، ولكن يبدو أنه يوجد دائماً من يعملون على استبقاء الباطل وحماية الخطأ)
ويقول في قاموسه الفلسفي: (أيها الأساقفة والرهبان والقسيسون إذا فُرض عليكم قانون يحرم عليكم الطعام والشراب طوال النهار في شهر الصيام.. إذا فرض عليكم الحج في صحراء محرقة.. إذا فُرض عليكم إعطاء 2،5 % من مالكم للفقراء.. إذا حُرِّم عليكم شرب الخمور ولعب الميسر.. إذا كنتم تتمتعون بزوجات تبلغ ثماني عشرة زوجة أحياناً، فجاء من يحذف أربع عشرة من هذا العدد، هل يمكنكم الإدعاء مخلصين بأن هذه الشريعة شريعة لذّات)([167])
ويقول متحدثا عن الصمود الإسلامي: (لقد قام الرسول بأعظم دور يمكن لإنســان أن يقوم به على الأرض … إن أقل ما يقال عن محمد أنه قـــد جاء بكتاب وجاهد، والإسلام لم يتغير قط، أما أنتم ورجال دينكم فقد غيرتم دينكم عشرين مرة)([168])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (لامارتين)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا اسم شاعر فرنسا الكبير، وقد قال في الإسلام: (الإسلام هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يفي بمطالب البدن والروح معاً، دون أن يُعرِّض المسلم لأن يعيش في تأنيب الضمير… وهو الدين الوحيد الذي عباداته بلا صور، وهو أعلى ما وهبه الخالق لبني البشر)([169])
قلبت بعض الصفحات من دفتر الغريب، فرأيت عنوان (أصدقاء من الإنجليز)، تحته أسماء كثيرة، فقلت: أفي الإنجليز أيضا أصدقاء لنا؟
قال: في كل بلاد الله أصدقاء للمسلمين.. العداوة ليست هي الأصل الذي يتحكم في البشرية.
قلت: ولكنهم يعمرون برنا وبحارنا وجونا بألوان العداوة؟
قال: فاعمروا قلوبهم بالإيمان والمحبة التي تحميهم من نزغات الشياطين التي توسوس لهم بحربكم.
قلت: أنى هذا.. وهم الغالبون، ونحن المغلوبون؟
قال: هذا ليس بعيدا.. ألم يتمكن المسلمون من تحويل دين الغالب إلى دين المغلوب؟
قلت: لقد حصل هذا.. وخير دليل على ذلك التتار.
قال: ما حصل من قبل يمكن أن يعاد في كل وقت..
ثم نظر إلى الأفق البعيد، وقال: إنكم إن فعلتم ذلك انتصرتم عليهم.. لا بأرواح تزهق، ولا بدماء تسيل.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (سير توماس أرنولد)([170])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من كبار المستشرقين البريطانيين، وله شهادات علمية كبرى ترتبط بانتشار الإسلام.
قلت: لقد حدثني بعضهم عنه([171]) .. فاذكر لي بعض شهاداته.
قال: من شهاداته المرتبطة بالقرآن وأسلوبه قوله: (إننا نجد حتى من بين المسيحيين مثل الفار [ الإسباني ] الذي عرف بتعصبه على الإسلام، يقرر أن القرآن قد صيغ في مثل هذا الأسلوب البليغ الجميل، حتى إن المسيحيين لم يسعهم إلا قراءته والإعجاب به)([172])
وتحدث عن توفر خصائص القدوة في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (لعله من المتوقع، بطبيعة الحال، أن تكون حياة مؤسس الإسلام ومنشئ الدعوة الإسلامية، هي الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين. وإذا كانت حياة النبي هي مقياس سلوك عامة المؤمنين، فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة الإسلام. لذلك نرجو من دراسة هذا المثل أن نعرف شيئًا عن الروح التي دفعت الذين عملوا على الاقتداء به، وعن الوسائل التي ينتظر أن يتخذوها. ذلك أن روح الدعوة إلى الإسلام لم تجئ في تاريخ الدعوة متأخرة بعد أناة وتفكر، وإنما هي قديمة قدم العقيدة ذاتها. وفي هذا الوصف الموجز سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي محمد يعد نموذجًا للداعي إلى الإسلام)([173])
ويتحدث عن استمرار الدعوة النبوية رغم التمكين الذي مكن الله به المسلمين في المدينة، وما بعدها: (من الخطأ أن نفترض أن محمدًا في المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره، انقطع عن دعوة المشركين إلى اعتناق الدين)([174])
ويتحدث عن بعض أساليب الدعوة التي مارسها المسلمون، فيقول: (إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبي واهتمامه بالنظر في شكاياتهم، والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه مألوفًا لديهم، كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه الجزيرة سيدًا عظيمًا ورجلاً كريمًا. وكثيرًا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبي بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيًا إلى الإسلام جادًا في تحويل إخوانه إليه)([175])
ويتحدث عن بعض أسباب الإقبال على الإسلام في المدينة المنورة، فيقول: (نرى من أسباب الترحيب الحار الذي لقيه محمد في المدينة أن الدخول في الإسلام، قد بدا للطبقة المستنيرة من أهالي المدينة علاجًا لهذه الفوضى التي كان المجتمع يقاسيها، وذلك لما وجدوه في الإسلام من تنظيم محكم للحياة، وإخضاع أهواء الناس الجامحة لقوانين منظمة قد شرعتها سلطة تسمو على الأهواء الفردية) ([176])
ويتحدث عن الثورة التي كان يحملها الإسلام ضد أوضاع الجاهلية، فيقول: (لا يغرب عن البال كيف ظهر جليًا أن الإسلام حركة حديثة العهد في بلاد العرب الوثنية، وكيف كانت تتعارض المثل العليا في هذين المجتمعين تعارضًا تامًا. ذلك أن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدل على مجرد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب، وإنما كان انقلابًا كاملاً لمثل الحياة التي كانت من قبل.. وأصبح النبي بذلك رمزًا لأسلوب جديد) ([177])
ويتحدث عن خاصية العقلانية التي تتميز بها العقيدة الإسلامية، فيقول: (يعبر الشطر الأول من هذه العقيدة [لا إله إلا الله، محمد رسول الله] عن مبدأ يكاد يقبله جميع الناس على أنه فرض لابد منه، على حين يقوم الشطر الثاني منها على فكرة علاقة الناس بالله وهي مسألة تكاد تكون عامة شاملة كذلك بمعنى أن الله تعالى، في فترات من تاريخ العالم، قد وهب بعض تجليه على الخلق، على لسان أنبياء ملهمين. ولا يستطيع أي فرد أن يوضح الطابع العقلي للعقيدة الإسلامية، وما جنته من هذا الطابع من الفائدة في نشر الدعوة، توضيحًا يبعث على الإعجاب، بأكثر مما وضحه البروفيسور مونتيه في العبارات التالية: (الإسلام في جوهره دين عقلي، بأوسع معاني هذه الكلمة من الوجهتين الاشتقاقية والتاريخية. فإن تعريف الأسلوب العقلي بأنه طريقة تقيم العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق، ينطبق عليها تمام الانطباق.. إن [للإسلام] كل العلامات التي تدل على أنه مجموعة من العقائد التي قامت على أساس المنطق والعقل. وتتلخص العقيدة الإسلامية من وجهة نظر المؤمنين في الاعتقاد بوحدانية الله ورسالة نبيه، أما من وجهة نظرنا نحن الذين نحلل عقائده تحليلاً لا روح فيه، فنعتقد في الله وفي الحياة الآخرة، وهذان المبدآن هما أقل ما ينبغي للاعتقاد الديني، وهما أمران يستقران في نفس الرجل المتدين على أساس ثابت من العقل والمنطق، ويلخصان كل تعاليم العقيدة التي جاء بها القرآن، وأن بساطة هذه التعاليم ووضوحها لهي على وجه التحقيق من أظهر القوى الفعالة في الدين وفي نشاط الدعوة إلى الإسلام.. وعلى الرغم من التطور الخصب، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، لتعاليم النبي حفظ القرآن منزلته من غير أن يطرأ عليه تغيير أو تبديل، باعتباره النقطة الأساسية التي بدأت منها تعاليم هذه العقيدة، وقد جهر القرآن دائمًا بمبدأ الوحدانية في عظمة وجلاء وصفاء لا يعتريه التحول، ومن العسير أن نجد في غير الإسلام ما يفوق تلك المزايا. وأن هذا الإخلاص لمبدأ الدين الأساسي، والبساطة الجوهرية في الصورة التي يصاغ فيها هذا الدين والدليل الذي كسبه هذا الدين من اقتناع الدعاة الذين يقومون بنشره اقتناعًا يلتهب حماسة وغيرة، إن هذا كله يكون الأسباب الكثيرة التي تفسّر لنا نجاح جهود دعاة المسلمين. وكان من المتوقع لعقيدة محدودة كل التحديد خالية كل الخلوّ من جميع التعقيدات الفلسفية، ثم هي تبعًا لذلك في متناول إدراك الشخص العادي، أن تمتلك – وإنها لتمتلك فعلاً – قوة عجيبة لاكتساب طريقها إلى ضمائر الناس) ([178])
ويتحدث عن الاثار السلوكية للشعائر الإسلامية، فيقول: (كذلك نجد أداء الصلوات الخمس كل يوم على جانب عظيم من التأثير سواء في جذب الناس، أو الاحتفاظ بالمسلمين منهم. وقد أحسن منتسكيو في قوله: [في كتابه المعروف: روح القوانين]: (أن المرء الأشد ارتباطًا بالدين الحافل بكثير من الشعائر، منه بأي دين آخر أقل منه احتفالاً بالشعائر، وذلك لأن المرء شديد التعلق بالأمور التي تسيطر دائمًا على تفكيره). إن دين المسلم يتمثل دائمًا في مخيلته، وفي الصلوات اليومية، يتجلى هذا الدين في طريقة نسكية خاشعة مؤثرة لا تستطيع أن تترك العابد والمشاهد كليهما غير متأثرين.. فإذا استطاع رينان أن يقول: (ما دخلت مسجدًا قط، دون أن تهزني عاطفة حادة، أو بعبارة أخرى، دون أن يصيبني أسف محقق على أنني لم أكن مسلمًا)، كان من اليسير أن ندرك كيف أن منظر التاجر المسلم في صلاته، وسجداته الكثيرة، وعبادته للإله الذي لا يراه، في سكينة واستغراق، قد يؤثر في الأفريقي الوثني الذي وهب إدراكًا قويًا للقوى الخفية.. وقد يحفز حب الاستطلاع على البحث بطبيعة الحال)([179])
ويتحدث عن علاقة الدين بالحياة، فيقول: (إن هؤلاء المسلمين يعنون بتلك الفرائض وغيرها من الشعائر الدينية ولكن من غير أن يثقلوا بها كواهلهم، أو تجعلهم مغمورين في الحياة، نجد أركان العقيدة الإسلامية تلقى دون انقطاع تعبيرًا ظاهرًا في حياة المؤمن، ومن ثم نجدها، بعد أن أصبحت متشابكة مع نظام حياته اليومية، تشابكًا لا سبيل إلى الفكاك منه، تجعل المسلم الفرد إمامًا ومعلمًا لعقيدته، أكثر إلى حد بعيد مما هي الحال مع أنصار معظم الديانات الأخرى. إن تحدد هذه الطقوس وواقعيتها ودقتها ليدع المؤمن لا يتخالج في نفسه الشك فيما هو مكلف بأدائه، فإذا أدى هذه الواجبات، اطمأن وجدانه إلى أنه قد أنجز كل أوامر الشرع. وقد نجد إلى حد بعيد، في هذه الوحدة التي تربط بين النظامين العقلي والطقسي في هذا الدين، سرّ السيطرة التي أحدثها الإسلام على عقول الناس. (فإذا أردت أن تجذب إليك جماهير كبيرة من الناس، لقنهم الحقيقة في صورة حماسية، دقيقة واضحة، وفي أسلوب مرئيّ محسن)([180])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (سير هاملتون جب)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا (سير هاملتون الكساندر روسكين جب)([181]) وهو من كبار المستشرقين الإنجليز، بل يمكنك أن تعتبره إمامهم.. وبالرغم من بعض سوء الفهم الذي عرض له، كما عرض لسائر المستشرقين نحو بعض القضايا الإسلام، إلا أن له بعض المواقف الطيبة والشهادات الصادقة، وقد قمت بتسجيل بعضها، وسأسردها عليك.
منها شهادته على ما يحويه القرآن من القيم النبيلة، قال: (إذا رأى أحد أن إلحاح القرآن على فعل الخير غير كثير أثبتنا له بالحجة القاطعة خطأه وسقنا إليه ذلك التعريف الشامل للبر في تلك الآية العظيمة:{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (البقرة: 177) فالبر إذن تاج الإيمان الحق، حين يدرك المؤمن أخيرًا أن الله شاهد أبدًا، ويستجيب لشهوده في كل أفكاره وأعماله)([182])
ومنها شهادته حول التواصل بين الدين والدنيا في الإسلام، يقول: (هذه، إذن، هي الرسالة التي بلغها القرآن إلى الجيل الأول من المسلمين وظل يبلغها إلى جميع الأجيال منذ ذلك العهد. فالقرآن سجل لتجربة حية مباشرة في ميدان الألوهية، تجربة ذات طرفين: واحد مطلق وآخر متصل بشؤون الحياة العامة، ودعوة للمخلوق كي ينظم حياته ليتمكن من الأخذ بنصيب في تلك التجربة. وحين يتبع المسلم أوامر القرآن ويسعى ليستكنه روح تعاليمه، لا بفكره فحسب بل بقلبه وروحه أيضًا، فإنه يحاول أن يستملك شيئًا من الرؤى الحدسية ومن التجربة التي كانت للرسول الحبيب. ويعظم في عينيه مغزى كل آية فيه، لإيمانه بأنه كلام الله. ولو لم يكن هذا الإيمان شعبة من عقيدته لما تناقصت قيمته لديه من حيث هو منبع حي للإلهام والاستبصار الديني)([183])
ومنها شهادته حول تميز الإسلام على غيره من الأديان، قال: (مهما يكن أمر استمداد الإسلام من الأديان التي سبقته([184]) فذلك لا يغير هذه الحقيقة أيضًا وهي: أن المواقف الدينية التي عبر عنها القرآن ونقلها إلى الناس تشمل بناء دينيًا جديدًا متميزًا)([185])
ويتحدث عن الاحترام العظيم الذي تكنه الأمة الإسلامية لنبيها من غير غلو، فيقول: (ومهما نقل في قوة النزعة الإسلامية نحو محمد وفي آثارها فإنا لا نوصف بالغلو. فقد كان إجلال الرسول شعورًا طبيعيًا محتومًا في عصره وفيما بعده، غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الإجلال. فإن العلاقات الشخصية من الإعجاب والحب اللذين بعثهما في نفوس صحابته ظل صداها يتردد خلال القرآن، والفضل في ذلك يعود إلى الوسائل التي أقرّتها الأمة لتستثير بهما مجددين في كل جيل)([186])
ويتحدث عن حب الأمة في جميع أجيالها، وتقديرها لنبيها، فيقول: (ما تزال الاحتفالات العائلية تختم بأدعية وأناشيد في تمجيد الرسول وكل الأمة تراعيها وتشهدها بحماسة في ذلك اليوم المجيد، يوم مولد النبي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول. هنالك ترى المجددين والمقلدين والصوفية والسلفية والعلماء وأفراد الجمهور يلتقون جميعًا معًا على بقعة واحدة، وقد يكون بين نزعاتهم العقلية تنوع واسع متباين، ولكنهم جميعًا وحدة متآلفة في إخلاصهم وحبهم محمد)([187])
ويتحدث عن البناء الإسلامي للمجتمع، فيقول: (كانت التعاليم الاجتماعية التي جاء بها محمد في أساسها، إعادة لإحقاق المبادئ الأخلاقية التي تشترك فيها ديانات التوحيد، فازداد ترسيخ معنى الأخوة بين جميع أفراد الجماعة الإسلامية، وأنهم سواسية من حيث القيمة الشخصية الفطرية دون نظر إلى ما في مكانتهم الدنيوية ووظائفهم وثرواتهم من تباين واختلاف. وتعمقت جميع العلائق الواجبات المتبادلة التي تستتبعها هذه المبادئ. وقد تم ترسيخ ذلك كله وتعميقه حين وضعه الإسلام على أساس من الولاء الخفي والخضوع العلني لإله واحد.. وكانت لتعاليم الرسول نتائج اجتماعية ملموسة تحدّدت صيغتها كما هو الحال في جميع الحركات الدينية بما تركته من آثار في البيئة التاريخية الواقعية)([188])
ويتحدث عن تعاون جميع أجيال الأمة، وجميع أهل الاختصاص فيها في خدمة الإسلام، واستنباط حقائقه ونظمه، فيقول: (ومظهر آخر بارز يميز التشريع الإسلامي، وهو أن مهمة التعريف والتصنيف استغرقت، خلال القرون الثلاثة الأولى، الطاقات الفكرية لدى الأمة الإسلامية، إلى حد لا نظير له. إذ لم يكن المسهمون في هذا الميدان هم علماء الكلام والمحدثين والإداريين فحسب، بل إن علماء اللغة والمؤرخين والأدباء أسهموا بأنصبة في هذه المجموعة من المؤلفات التشريعية، وفي مناقشة القضايا التشريعية، وقلما تغلغل الشرع في حياة أمة وفي فكرها هذا التغلغل العميق مثلما فعل في الأدوار الأولى من المدنية الإسلامية)([189])
ويتحدث عن أعماق التوحيد التي نادى بها القرآن، والتي تنفي كل الوسائط، فيقول: (إن المبدأ المحوري في القرآن هو – يقينًا – مبدأ وحدة لا هوادة فيها، وهو يرفض فكرة وجود وسطاء بين الله والإنسان، على الأقل في هذا العالم. فالإسلام حين وضع الإنسان أمام الله دون عناصر وسائطية روحية كانت أول شخصية أكد بالضرورة مدى التباين بين الله والإنسان. وعلى الرغم من وجود آيات قرآنية ذات حدس روحي، فإن العنصر العقائدي المستمد من القرآن لا يستطيع إلا أن يصدر من افتراض التعارض بين الألوهية والإنسانية ومن تساوي الناس جميعًا (وهذه نتيجة ضرورية للموقف الأول) في علاقتهم بالله من حيث إنهم مخلوقات. وفي هذه المفارقة الكلية يقع التوتر الديني الذي يمثل – في الواقع – المظهر الأصيل المميز للإسلام)([190])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (روم لاندو) ([191])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا مستشرق إنجليزي جمع بين الفن والاهتمام بالشرق، وقد كان له شهادات قيمة تمتلئ صدقا وإخلاصا، سأذكر لك بعضها.
منها شهادته عن جمال الأسلوب القرآني إلى درجة استحالة وجود ترجمة كاملة معبرة عن القرآن تعبيرا حقيقيا، قال: (بسبب من أن مهمة ترجمة القرآن بكامل طاقته الإيقاعية، إلى لغة أخرى، تتطلب عناية رجل يجمع الشاعرية إلى العلم، فإننا لم نعرف حتى وقت قريب ترجمة جيدة استطاعت أن تتلقف شيئًا من روح الوحي المحمدي. والواقع أن كثيرًا من المترجمين الأوائل لم يعجزوا عن الاحتفاظ بجمال الأصل فحسب، بل كانوا إلى ذلك مفعمين بالحقد على الإسلام إلى درجة جعلت ترجماتهم تنوء بالتحامل والغرض. ولكن حتى أفضل ترجمة ممكنة للقرآن في شكل مكتوب لا تستطيع أن تحتفظ بإيقاع السور الموسيقي الآسر، على الوجه الذي يرتلها به المسلم. وليس يستطيع الغربي أن يدرك شيئًا من روعة كلمات القرآن وقوّتها إلا عندما يسمع مقاطع منه مرتلة بلغته الأصلية)([192])
ومنها شهادته عن التأثير الوجداني للقرآن، قال: (إن بين آيات قصار السور ترابطًا باهرًا له تأثيره الوجداني برغم أنه ليس ثمة أيما وزن نظامي. وفي الحق إن سماع السور تتلى في الأصل العربي، كثيرًا ما يخلف في نفس المرء تأثيرًا بليغًا. لقد أريد بالقرآن.. أن يتلى في صوت جهير. ويتعين على المرء أن يسمعه مرتلاً لكي يحكم عليه حكمًا عادلاً ويقدره حق قدره.. وبوصفه كلمة الله الحقيقية، كان معجزًا لا سبيل إلى محاكاته، ولم يكن ثمة، بكل بساطة، أيما شيء من مثله)([193])
ومنها شهاداته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفاته التي لا تدل إلا على نبوته، قال: (لم ينسب محمد في أيّما يوم من الأيام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية. على العكس، لقد كان حريصًا على النص على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لإبلاغ الوحي للناس)([194])
وقال: (كان محمد تقيًّا بالفطرة، وكان من غير ريب مهيّأ لحمل رسالة الإسلام التي تلقاها.. وبالإضافة إلى طبيعته الروحية، كان في سرّه وجهره رجلاً عمليًا عرف مواطن الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي، وأدرك أن الإصلاحات الضرورية ينبغي أن تقدم إلى البدو الذين لا يعرفون انضباطًا وإلى المدنيين الوثنيين، وفي آن معًا، على نحو تدريجي. وفي الوقت نفسه كان محمد يملك إيمانًا لا يلين بفكرة الإله الواحد.. وعزمًا راسخًا على استئصال كل أثر من آثار عبادة الأصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب)([195])
وقال: (كانت مهمة محمد هائلة. كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية (وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده الشخصي، إن الإخلاص الذي تكشف عنه محمد في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، في كل عام، أتباعًا جددًا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً)([196])
وتحدث عن الثمار العظيمة التي حققها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (كانت مهمة محمد هي القضاء على النظام القبلي القوي الذي كان مسؤولاً عن اندلاع نار الحرب، على نحو موصول تقريبًا، بين العرب، والاستعاضة عنه بولاء لله يسمو على جميع الروابط الأسرية والأحقاد الصغيرة. كان عليه أن يعطي الناس قانونًا كليًا يستطيع حتى العرب المتمردون قبوله والإذعان له، وكان عليه أن يفرض الانضباط على مجتمع عاش على العنف القبلي والثأر الدموي لضروب من المظالم بعضها واقعي وبعضها متوهم. كان عليه أن يحلّ الإنسانية محل الوحشية، والنظام محل الفوضى، والعدالة محلة القوة الخالصة)([197])
وقارن بين السلوك الإسلامي المبني على مراعاة الفطرة، والسلوك المسيحي القائم على تعذيب الجسد، فقال: (أن التوكيد النصراني التاريخي على الألم وإماتة الجسد يكاد يكون مفقودًا بالكلية في الإسلام. والثنائية المسيحية، ثنائية الجسد والروح، هي في نظر المسلم شيء غير معقول، أو في أحسن الأحوال شيء غير واقعي)([198])
وتحدث عن مرونة الشريعة الإسلامية، فقال: (الإسلام في أساسه دين عملي. فالقواعد والأنظمة التي ينصّ عليها القرآن ليست جامدة، ولقد كيّفت وفقًا لما قضت به الأحوال والظروف. وهذه السياسة إنما يؤيدها كثير من المسلمين عندما يستشهدون بالآية القرآنية التي مفادها أن الله يريد أن ييسّر السبيل للناس. إن المسلم ليجد أن في ميسوره التزام أحكام دينه، وهكذا ينعم بالأمن وطمأنينة النفس.. أن هدف النصرانية الممعن في الروحية، ذلك الهدف الذي هو الانتصار على ضعف الجسد، يكاد يكون متعذر التحقيق في هذه الحياة، ولولا محبة الله إذن لكان خليقًا بحياة المسيحي أن تكون سلسلة من ضروب الإخفاق والخيبة التي لا سبيل إلى التغلب عليها. إن في إمكان المسلم أن يبلغ مثل دينه الأعلى هنا على سطح الأرض، ولكن النصراني يتطلع إلى الاتحاد بالمسيح في المستقبل بوصفه غاية الغايات في حياته الدينية)([199])
وتحدث عن الموقف الإيجابي للإسلام من العلم، فقال: (في الإسلام لم يول كل من الدين والعلم ظهره للآخر ويتخذ طريقًا معاكسة لا، والواقع أن الأول كان باعثًا من البواعث الرئيسية للثاني)([200])
وتحدث عن التكامل بين علوم الدين وعلوم الدنيا في الإسلام، فقال: (العلم الإسلامي لم ينفصل عن الدين قط. والواقع أن الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية. ففي الإسلام ظهرت الفلسفة والعلم معًا إلى الوجود لا ليحلا محل ألوهية الدين (البدائية) ولكن لتفسيرها عقليًا، لإقامة الدليل عليها وتمجيدها.. إن المسلمين وفّقوا، طوال خمسة قرون كاملة، إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين وحقائق وأنهم وجدوا في ذلك الانصهار عامل تسريع وإنجاح لا عامل تعويق وإحباط)([201])
ويقارن بين موقف الإسلام من العلم مع موقف الكنيسة، فيقول: (منذ عصر النهضة انفصل العلم في الغرب، انفصالاً أشد وضوحًا عن الدين، أو بتعبير آخر، تابع العلم سبيله غير ملتفت إلا قليلاً إلى مطالب الأخلاق وعلم الأخلاق. ففيما كان الإنسان في الغرب يكتسب معرفة متنامية أبدًا بالكون الطبيعي وسيطرة متعاظمة عليه كان تقدمه الأخلاقي يتخلف متلكئًا. وبتحرير العلم في القرون الوسطى من سلطان الكنيسة، لم يفصل الغرب العلم عن العقائد الدينية فحسب بل فصله عن مفاهيم الإيمان والقيود الأخلاقية الملازمة لها أيضًا. أما العلم الإسلامي فلم ينفصل عن الدين قط. والواقع أن الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية. ففي الإسلام ظهرت الفلسفة والعلم معًا إلى الوجود لا ليحلا محل ألوهية الدين (البدائية)، ولكن لتفسيرها عقليًا، لإقامة الدليل عليها وتمجيدها. ومن هنا فليس عجيبًا أن يكون العلم الإسلامي لم يجرّد في أيما يوم من الأيام من الصفات الإنسانية – كما حدث في الغرب – ولكنه كان دائمًا في خدمة الإنسان. وبينا أكره العلم الغربي في عهد مبكر نسبيًا على اتخاذ سبيل التخصص، بحيث أمسى كل فرع من فروعه يعمل – كثيرًا أو قليلاً – في عزلة، ظل العلم الإسلامي شموليًا، يجهد من أجل الوحدة، وهي وحدة يلعب فيها كل من الكون المادي والله والإنسان دوره الحاسم)([202])
ويتحدث عن تفوق المسلمين العلمي، فيقول: (والحقيقة التاريخية التي لا ريب فيها هي أن المسلمين وفقوا، طوال خمسة قرون كاملة، إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين وحقائقه، وأنهم وجدوا في ذلك الانصهار عامل تسريع وإنجاح، لا عامل تعويق وإحباط)([203])
قلت: إن هذا رجل فاضل حقا.. إنه يحمل تقديرا عظيما للإسلام يندر أن نجد مثله.
قال: صدقت.. ففي كلماته من نفحات الصدق ما يدل على أن علاقته بالإسلام أعمق من أن تنحصر في تلك الشهادات.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (آرنولد توينبي) ([204])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من عقلاء الغرب.. ولشهاداته قيمة عليا، باعتبارها تنبع من نظرة تاريخية عميقة، فالرجل لم يكن يسرد الأحداث فقط، أو يكتفي بتحليلها تحليلا سطحيا، وإنما يحاول سبر أغوارها.
قلت: أسمع بهذا الرجل كثيرا.. ولكني لم أكن أعلم أن له من الفهم في الإسلام ما يتيح له أن يتحدث عنه.
قال: كيف يكون لعالم بالحضارات أن لا يعرف أعمق الحضارات وأشملها وأكثرها إنسانية، وأطولها عمرا.
قلت: صدقت.. لقد بث فينا من الإحباط ما جعلنا ننزل من التواضع إلى الذلة.
قال: سأذكر لك بعض شهادات هذا الرجل.. وهي ـ كغيرها ـ يختلط فيها الحق بسوء الفهم..
فمن تلك الشهادات قوله في بيان كون النظام الإسلامي بما تميز به من شمولية هو السبب في انتشار الإسلام: (لقد كرّس محمد حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية وهما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم. وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطالسي إلى شواطئ السهب الأوراسي)([205])
وقد تحدث عن امتداد تاثير النبي صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره قدوة محبوبا في الأجيال البعيدة للأمة الإسلامية، فقال: (لقد أخذت سيرة الرسول العربي بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فآمنوا برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرًا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددًا)([206])
وتحدث عن صفاء التوحيد الإسلامي مقارنة بما حصل للمسيحية، فقال: (إن الإسلام قد أعاد توكيد وحدانية الله، في مقابل الضعف البادي في تمسك المسيحية بهذه الحقيقة الجوهرية)([207])
وتحدث عن التنوير الإسلامي المرتبط بالتوحيد، فقال: (في غضون القرن السابع الميلادي، جدّ في النقاش عامل جديد، كأنه ممثل جديد ظهر على مسرح الأحداث التاريخية على نحو رائع ومثير. فقد نشأ حينئذ دين جديد مكتمل النموّ. كان الإسلام يتعصب للتوحيد ويناهض التصوير مثلما يبتغي أي يهودي، وبفضل ما حققه أنصاره في الميدان الحربي من نجاح متوال – وبعد ذلك بقليل في المجال التبشيري كذلك – واجه المسيحيون أمرًا خطيرًا جديدًا يشغل تفكيرهم.. إن انتصارات العرب المسلمين الأولين قد ألقت وقودًا جديدًا على المجادلات التي ظلت تدور أمدًا طويلاً حول (وثنية) المسيحية)([208])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (توماس كارلايل) ([209])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا كاتب إنجليزي.. وهو أشهر من نار على علم.. وقد كتب عن رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم كلاما يستحق عليه كل الثناء.
فمن ذلك قوله في إثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهو منطق لا يقل عن منطق أي متكلم في العقيدة الإسلامية: (هل رأيتم قط.. أن رجلاً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا.. إنه لا يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذًا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن. وإني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته.. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا.. ومحنة أن ينخدع الناس شعوبًا وأممًا بهذه الأضاليل)([210])
ويقول مؤكدا عدم وجود أي مصدر يمكن أن يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مصدر الوحي الإلهي: (إن محمدًا لم يتلق دروسًا على أستاذ أبدًا وكانت صناعة الخطّ حديثة العهد آنذاك في بلاد العرب، ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمدًا لم يكن يعرف الخط والقراءة ([211])، وكل ما تعلم هو عيشة الصحراء وأحوالها وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن يشاهده بعينيه ويتلقى بفؤاده من هذا الكون العديم النهاية.. أنه لم يعرف من العالم ولا من علومه إلا ما تيسّر له أن يبصره بنفسه أو يصل إلى سمعه في ظلمات صحراء العرب، ولم يضره.. أنه لم يعرف علوم العالم لا قديمها ولا حديثها لأنه كان بنفسه غنيًا عن كل ذلك. ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر ولم يغترف من مناهل غيره ولم يك في جميع أشباهه من الأنبياء والعظماء – أولئك الذين أشبههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور – من كان بين محمد وبينه أدنى صلة وإنما نشأ وعاش وحده في أحشاء الصحراء.. بين الطبيعة وبين أفكاره)([212])
ويتحدث عن أوصاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي تحيل أن يكون مدعيا أو كاذبا، فيقول: (لوحظ على محمد منذ صباه أنه كان شابًا مفكرًا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين – رجل الصدق والوفاء – الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة. وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ.. وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهم كريمًا برًّا رؤوفًا تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجدّ مخلصًا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ البشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق.. وكان ذكي اللب، شهم الفؤاد.. عظيمًا بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غني عن ذلك.. فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء)([213])
ويتحدث عن دليل آخر لنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غاية العمق، فيقول: (ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدًا لم يكن صادقًا في رسالته.. أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة مع خديجة لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا دوي، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة.. ولم يكن إلا بعد أن ذهب الشباب وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذي كان هاجعًا وثار يريد أمرًا جليلاً وشأنًا عظيمًا)([214])
ويتحدث عن إخلاص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعفافه وزهده، وهو من أكبر دلائل صدقه، فيقول: (لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفوات العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرًا وحنانًا وبرًا وحكمة وحجى ونهى، أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه. وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين؟فبينما نرى آخرين يرضون بالاصطلاحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة. إذ ترى محمدًا لم يرض أن يلتفع بالأكاذيب والأباطيل. لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سرّ الوجود يسطع لعينيه بأهواله ومخاوفه ومباهره، ولم يكن هنالك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكأنه لسان حال ذلك السرّ يناجيه: هاآنذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس، وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية وكل القلوب واعية. وكل كلام ما عدا ذلك هباء وكل قول جفاء)([215])
وهو لا يكتفي بتلك الشهادات، بل يصرح بحبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهو يعتبر ذلك الحب ضروريا، فما في محمد صلى الله عليه وآله وسلم من صفات الكمال لا يحمل القلوب إلا على الحب، يقول: (إني لأحب محمدًا لبراءة طبعه من الرأي والتصنّع. ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقل الرأي لا يعول إلا على نفسه ولا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبرًا ولكنه لم يكن ذليلاً، فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراده، يخاطب بقوله الحرّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة. وكان يعرف لنفسه قدرها.. وكان رجلاً ماضي العزم لا يؤخر عمل اليوم إلى غد)([216])
وهو يرد بشدة وصدق وإخلاص على الذين يتصورون كذب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وأن محمدًا، وحاشاه خدّاع مزور، وأن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنًا لنحو مائتين مليون من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا. أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء، كذبة وخدعة؟أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدًا، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول، فما الناس إلا بله ومجانين وما الحياة إلا سخف وعبث وأضلولة كان الأولى بها ألا تخلق)([217])
ويتحدث عن تصوره لحقيقة الإسلام، فتجد له من فهم حقيقة الإسلام ما يملؤك بالعجب، فيقول: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له) هو الحق، وكل ما خلاه باطل، خلقنا ويرزقنا.. إن الإسلام هو أن نسلم الأمر لله، ونذعن له، ونسكن إليه، ونتوكل عليه، وأن القوة كل القوة هي في الاستقامة لحكمته، والرضا بقسمته أيًا كانت في هذه الدنيا وفي الآخرة، ومهما يصبنا به الله ولو كان الموت الزؤام فلنتلقه بوجه مبسوط ونفس مغتبطة راضية ونعلم أنه الخير وأن لا خير إلا هو. ولقد قال شاعر الألمان (غيته): (إذا كان ذلك هو الإسلام فكلنا إذن مسلمون). نعم كل من كان فاضلاً شريف الخلق فهو متخلق بأخلاق الإسلام، وإن لم يكن مسلمًا.. إن من السخف أن يجعل الإنسان من دماغه الضئيل ميزانًا للعالم وأحواله. بل عليه أن يعتقد أن للكون قانونًا عادلاً، وإن غاب عن إدراكه، وأن الخير هو أساس الكون والصلاح روح الوجود.. عليه أن يعرف ذلك ويعتقده ويتبعه في سكون وتقوى)([218])
ويتحدث عن إعجابه بالقيم التي جاء بها الإسلام، فيقول: (في الإسلام خلّة أراها من أشرف الخلال وأجلّها وهي التسوية بين الناس. وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي. فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء. والإسلام لا يكتفي بجعل الصدقة سنة محبوبة بل يجعلها فرضًا حتمًا على كل مسلم، وقاعدة من قواعد الإسلام ثم يقدرها بالنسبة إلى ثروة الرجل.. جميل والله هذا، وما هو إلا صوت الإنسانية، صوت الرحمة والإخاء والمساواة)([219])
وهو يحث قومه وغيرهم ليعرفوا قيمة الإسلام، والمعاني النبيلة التي يحملها، فيقول: (هذا الدين الإسلام فيه للمبصرين أشرف معاني الروحانية وأعلاها، فاعرفوا له قدره ولا تبخسوه حقه. ولقد مضى عليه مئتان وألف عام وهو الدين القويم الصراط المستقيم لخمس العالم. وما يزال فوق ذلك دينًا يؤمن به أهله من حبّات أفئدتهم. ولا أحسب أن أمة من النصارى اعتصموا بدينهم اعتصام المسلمين بإسلامهم، إذ يوقنون به كل اليقين ويواجهون به الدهر والأبد.. وأن كلمة التوحيد والتكبير والتهليل لترنّ آناء الليل وأطراف النهار في إرواء تلك الملايين الكثيفة. وأن الفقهاء ذوي الغيرة في الله والتفاني في حبه ليأتون شعوب الوثنية بالهند والصين والمالاي ماليزيا فيهدمون أضاليلهم ويشيدون مكانها قواعد الإسلام، ونعم ما يفعلون)([220])
ويتحدث عن الثمار العظيمة التي حققها الإسلام في فترة وجيزة، فيقول: (لقد أخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور وأحيا به من العرب أمة هامدة.. وهل كانت إلا فئة من جوالة الأعراب خاملة فقيرة تجوب الفلاة منذ بدء العالم لا يسمع لها صوت ولا تحس منها حركة فأرسل الله لهم نبيًا بكلمة من لدنه ورسالة من قبله فإذا الخمول قد استحال شهرة والغموض نباهة والضعة رفعة والضعف قوة والشرارة حريقًا، ووسع نوره الأنحاء.. وعقد شعاعه الشمال بالجنوب والمشرق بالمغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل في الهند ورجل في الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقبًا عديدة ودهورًا مديدة بنور الفضل والنبل والمروءة والبأس والنجدة، ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة. وكذلك الإيمان عظيم وهو مبعث الحياة ومنبع القوة، ومازال للأمة رقي في درج الفضل.. مادام مذهبها اليقين ومنهاجها الإيمان)([221])
أصابني انبهار شديد لما ذكره الغريب عن هذا الرجل الفاضل من هذه الشهادات، فقلت: إن هذا ليس مجرد صديق.. إنه يكاد يكون أخا لنا في الدين.. بل لا أشك أنه كذلك.. ولعله تأثر بمؤمن آل فرعون، فراح يكتم إيمانه ليتمكن من نصرة الإسلام، كما تمكن مؤمن آل فرعون من نصرة موسى.
قال الغريب: صدقت.. فهو في نصائحه لقومه يحمل أريج تلك النفحات التي تحدث بها مؤمن آل فرعون.
وقد أخبر مونتجومري وات عن تأثير تلك النصائح في الغرب، فقال: (منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد في كتابه (الأبطال وعبادة البطل) أدرك الغرب أن هناك أسبابًا وجيهة للاقتناع بصدق محمد. إذ إن عزيمته في تحمل الاضطهاد من أجل عقيدته، والخلق السامي للرجال الذين آمنوا به، وكان لهم بمثابة القائد، وأخيرًا عظمة عمله في منجزاته الأخيرة، كل ذلك يشهد باستقامته التي لا تتزعزع. فاتهام محمد بأنه دجال يثير من المشاكل أكثر مما يحلّ. ومع ذلك فليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حط من قدرها في الغرب كمحمد. فقد أظهر الكتاب الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ الأمور عن محمد وكلما ظهر أي تفسير نقدي لواقعة من الوقائع ممكنًا قبوله. ولا يكفي، مع ذلك، في ذكر فضائل محمد أن نكتفي بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه. وإذا أردنا أن نصحح الأغلاط المكتسبة من الماضي بصدده فيجب علينا في كل حالة من الحالات، لا يقوم الدليل القاطع على ضدها، أن نتمسك بصلابة بصدقه. ويجب علينا أن لا ننسى عندئذ أيضًا أن الدليل القاطع يتطلب لقبوله أكثر من كونه ممكنًا وأنه في مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه)([222])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (لايتنر) ([223])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من الباحثين الصادقين، وهو لا يقل عن صاحبنا السابق، فكلاهما انتدب ليدعو قومه إلى الإسلام.
وسأذكر لك من شهاداته ما يثبت لك ذلك:
لقد تحدث عن أصالة رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. بل هو يصرح أن ما كان يتلقاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحي يوحى، فقال: (بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباسًا بل قد (أوحي إليه به) ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، والإيمان القلوب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد وأنه قد أوحي إليه)([224])
وتحدث عن الدور التصحيحي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأديان المحرفة، فقال: (إن الديانة النصرانية التي ودّ محمد إعادتها لأصلها النقي كما بشر بها المسيح تخالف التعاليم السّرية التي أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التي أدخلها عليها شيع النصارى.. ولقد كانت آمال محمد وأمانيه أن لا تخصص بركة دين إبراهيم لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعًا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى في التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الإخاء المعمول به في دين الإسلام)([225])
ويرد بصدق وإخلاص على شبهة تعدد زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (لما بلغ السنة الخامسة والعشرين من العمر تزوج امرأة عمرها (أربعون عامًا، وهذه تشابه امرأة عمرها خمسون عامًا في أوربا، وهي أول من آمن برسالته المقدسة.. وبقيت خديجة معه عشرين عامًا لم يتزوج عليها قط حتى ماتت. ولما بلغ من العمر خمسًا وخمسين سنة صار يتزوج الواحدة بعد الأخرى. لكن ليس من الاستقامة والصدق أن ننسب ما لا يليق لرجل عظيم صرف كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف فلا ريب أن لزواجه بسن الكبر أسبابًا حقيقية غير التي يتشدق بها كتاب النصارى بهذا الخصوص، وما هي تلك الأسباب يا ترى؟ولا ريب هي شفقته على نساء أصحابه الذين قتلوا)([226])
وتحدث عن دلائل صدق النبوة، فقال: (مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذاك الوحي من وجود)([227])
وهو يدعو قومه لاحترام محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. بل الإيمان به.. فيقول: (إني لأجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى المسيح احترامًا عظيمًا وذلك باحترامهم محمدًا، ولا ريب في أن المسيحي المعترف برسالة محمد وبالحق الذي جاء به هو المسيحي الصادق)([228])
وهو يتحدث عن عدم وجود الوسائط في الإسلام بين الله وعباده، فيقول: (كل مسلم قيم ومهيمن على دينه مباح له التكلم بخصوص الأمور الدينية فليس هو رقيقًا للمشايخ. يعبد الله وحده لا يحتاج إلى وسيط، وإنما كان متى أدركته أوقات الصلاة فهنالك محل لعبادته، ولعلماء المسلمين الحرية التامة للاحتراف والاشتغال ولكن أكثر علمائهم يتعاطون تعليم الدين للناس. وأي مسلم يستطيع أن يقول: (إني بتسليم نفسي لإرادة الله) نائب عن الدين الذي علمه محمد. والحق يقال بأن كافة المسلمين في الدنيا مرشدون بهذا الهدى الاجتماعي)([229])
ويتحدث عن مزايا الشعائر الإسلامية المختلفة، فيقول: (الصلاة عمادها الطهارة والنظافة، ومعلوم أن النظافة من الإيمان والوضوء والصلاة لهما أعمال دقيقة جدًا وليس بإمكان أحد القسيسين أن يقول بحق أحد النصارى بأننا نستطيع تعلمها من أي مسلم نصادفه. وأما الزكاة فيحق لها أن تدعى (الصلاة النقدية).. ولكي تكون مقبولة عند الله فمن الواجب على المزكين أن يبيّنوا ملكيتهم لما وهبوه شرعًا ولا يجوز أن يكون فيه ما حرم كسبه.. وكل من يعطي فوق فريضة الزكاة فأجره على الله. والحج إلى مكة (المشرفة) مهم جدًا لأنه يتكون منه اجتماع المسلمين من كافة أقطار العالم ويتأتى عنه التعارف والاتحاد، وهذا شيء ليس للنصارى فيه من نصيب. وفوق هذا فإنه من أقوى العوامل والأسباب على نشر العلم والآداب.. أما الصوم فهو تمرين يعتاده الإنسان وله نفع عظيم، كما أن الطهارة والنظافة معقولان، كذلك الصوم المتمّم للأحوال الصحية التي يطلبها الطبيب)([230])
ورد على شبهة (الاسترقاق)، فيقول: (إنا نرى الأغبياء من النصارى يؤاخذون دين الإسلام كأنه هو الذي قد سنّ الاسترقاق، مع أن محمدًا قد حضّ على عتق الرقاب وهذه أسمى واسطة لإبطاله حقيقة)([231])
وتحدث عن مزايا التشريعات الإسلامية المختلفة، فقال: (الحق يقال إن الامتناع عن أكل لحم الخنزير وشرب المسكر واللحم الذي لم يحسن ذبحه، وإزالة كل مضرّ، وغير ذلك من الأشياء التي نهى عنها الإسلام، لمن أعظم الأمور النافعة للعاملين بها وليست لإتعابهم)([232])
وقال: (في المساجد ترى المساواة التامة بين المصلين فلا يوجد فيها مقاعد خاصة بأحد، وأي إمام يمكنه أن يؤم المصلين. ولا يوجد منظر أبهج من منظر جماعة المسلمين يصلون وهم خاشعون صامتون)([233])
وقال: (إن الزواج عند المسلمين يجلّ عما رماهم به كُتّاب النصارى. والقول بأنه لا يوجد حد للزواج والطلاق عند المسلمين فغير صحيح، والطلاق عندهم ليس هو بالأمر الهين، فعدا عن وجود المحكمين فعلى الرجل أن يدفع صداقها المسمى عند إجراء العقد وهذا غالبًا يكون فوق ما يقدر زوجها على إيفائه بسهولة، فمركز المرأة بالإسلام قوي مؤمّن من الطلاق. إن النصارى والبوذيين يرون الزواج أمرًا روحيًّا ومع ذلك نرى عقدة النكاح محترمة عند المسلمين أكثر مما هي محترمة في البلاد المسيحية.. ويسوءني أن أذكر ما ليس لي مناص من ذكره وهو أنني سكنت بين المسلمين أربعًا وخمسين عامًا ابتداءها سنة 1848 فمع وجود التساهل في أمر الطلاق عندهم وعسره عند النصارى، فقد وقع حوداث طلاق عند النصارى أكثر مما وقع عند المسلمين بكثير. وإني أقول الحق بأن الشفقة والإحسان عند المسلمين نحو عيالهم والغرباء والمسنّين والعلماء لمثال مجدٍ يجب على النصارى أن يقتدوا به)([234])
ويرد على شبهة تعدد الزوجات، فيقول: (أما تعدد الزوجات.. فإنّا بقطع النظر عن منافعه الحقيقية، لأنه يقلّل النساء الأماكن التي هن فيه أكثر من الرجال، وبقطع النظر عن أنه يقلل وجود المومسات وأضرارهن، ويمنع مواليد الزنا، فلا يمكننا أن ننكر بأن أكثر المسلمين ذو زوجة واحدة والسبب في ذلك هو تعليم دين الإسلام لقد أتى محمد بين أمة تعد ولادة الأنثى شرًّا عظيم عليهم وهكذا كانوا يئدونها، ولم يكن للرجال حد يقفون عنده من جهة الزواج وكانوا يعدون النساء من جملة المتاع ويرثونها من بعد موت بعلها. فجعل لهذه الحالة حدًّا فلا يقدر الرجل أن يتزوج بأكثر من أربع نساء بشرط المساواة بينهن في كل شيء حتى بالمحبة والوداد، فإن لم يكن قادرًا على كل ذلك فلا يباح له بأن يتزوج غير واحدة. ومن يتدبر شريعته يرى أنه قد حضّ على الزواج بامرأة واحدة، ولقد رفع مقام المرأة ورقاها رقيًّا عظيمًا، فإنها بعد ما كانت تعد كمتاع مملوك صارت مالكة، وحكمها مؤيد وحقوقها محفوظة)([235])
ويتحدث عن الآثار الصحية للشرائع المرتبطة بالزواج في الإسلام، فيقول: (أما بخصوص الرهبانية فليس لها وجود في الإسلام، وتكاد لا ترى امرأة غير متزوجة، وقصاص الزنا متساوٍ فيه الرجل والمرأة.. والشريعة الإسلامية لا تسمح بإهانة أولاد المملوكة، وهم يرثون أبناءهم مع أولاد السيدة.. وليس في الإسلام محلات للفاجرات ولا قانون يبيح انتشار المومسات. ومسامرات المسلمين العمومية خير مما هي في أوروبا. ومسامرات شبان المسلمين في المدارس خير وأطهر من مسامرات شبابنا.. والحق أولى أن يقال فإن كثيرًا من كلام شبان الإنكليز لو قاله أحد في بلاد المسلمين لنال قائله القصاص الصارم. وللمرأة المسلمة مركز شرعي خير من مركز المرأة الإنكليزية بكثير)([236])
سكت الغريب، فلم أملك إلا أن أقول: ما هذا إلا مؤمن آخر من آل الإنجليز يكتم إيمانه.
قال: صدقت.. فالحب الذي تمتلئ به هذه الشهادات يستحيل أن يكون منبعه اللسان المجرد.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (هربرت جورج ولز)([237])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل لا يقل عن أخويه (كارلايل) و(لابتنز) حماسة وصدقا، فقد مارس هو الآخر ما يمارسه كل متكلم مسلم من الدفاع عن نبيه وإسلامه.
فمن شهاداته قوله في بيان دليل عميق من أدلة نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هل تراك علمت قط أن رجلاً على غير كريم السجايا مستطيع أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا أكثر من غيرهم، كانوا أشد الناس إيمانًا به. وقد آمنت به خديجة كل حياته على أنها ربما كانت زوجة محبة. فأبو بكر شاهد أفضل وهو لم يتردد قط في إخلاصه. كان يؤمن بالنبي ومن العسير على أي إنسان يقرأ تلك الأيام إلا يؤمن بأبي بكر، وكذلك علي فإنه خاطر بحياته من أجل النبي في أحلك أيامه سوادًا)([238])
ومن شهاداته شهادته حول سمو القيم التي نادى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حجّ محمد حجة الوداع من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها)([239])
ومن شهاداته شهادته حول الثمار العظيمة التي حققها الإسلام على مستوى العالم أجمع: (لقد منح العرب العالم ثقافة جديدة، وأقاموا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية في العالم أما الرجل الذي أشعل ذلك القبس العربي فهو محمد)([240])
ومن شهاداته شهادته حول عملية التصحيح التي قام بها الإسلام نحو غيره من الديانات: (ناهض الإسلام مسيحية القرن السابع الفاسدة، وتقاليد المجوس الزرادشت المنحلّة.. فلا مجال هناك لإنكار أن الإسلام يتميز بصفات كثيرة نبيلة)([241])
ومن شهاداته شهادته حول مصادر قوة الإسلام مقارنا لها بغيرها من الديانات: (هذا الإلحاح على الرفق والرعاية في الحياة اليومية إنما هو واحد من فضائل الإسلام الكبرى بيد أنه ليس الفضيلة الوحيدة فيه. ويعادل هذا في الأهمية التوحيد الذي لا هوادة فيه، والذي يتجرد من كل اعتزال يهودي، وهو توحيد يدعمه القرآن الكريم. وكان الإسلام منذ البداية قوي المقاومة إلى حدّ بعيد لعمليات الصقل والتفاخر اللاهوتية التي أربكت المسيحية وفرقت كلمتها وقضت على روح عيسى وكان مصدر قوته الثالث في وصفه الدقيق لطرائق الصلاة والعبادة وبيانه الصريح عن المغزى المحدود العرفي للأهمية المنسوبة إلى مكة. وأقفل دون المؤمنين باب كل قربان، ولم يترك سم خياط مفتوحًا ينفذ منه كاهن القربان في الغفران القديم إلى مسرح العقيدة الجديدة.. ولا يزال للإسلام حتى يومنا هذا فقهاء ومعلمون ووعاظ، ولكن ليس له كهنة ولا قساوسة)([242])
ومن شهاداته شهادته حول تسامح الإسلام: (كان الإسلام مليئًا بروح الرفق والمساحة والأخوة، وكان عقيدة سهلة يسيرة الفهم.. وقد وقفت ضده اليهودية وهي التي أخذت من الرب كنزًا تكتنزه بيمينها، ثم المسيحية، وهي تتكلم وتبشر آنذاك وبلا نهاية بالتثليث والمبادئ والهرطقات التي لم يكن ليستطيع أي رجل عادي أن يميز فيها الرأس من الذنب، كما حاربته المزدكية نحلة المجوس الزرادشتيين الذين أوحوا بصلب ماني. ولم تكن كتلة الناس الذين جاءتهم دعوة الإسلام وتحديه، يهتمون إلا بشيء واحد هو أن ذلك الرب (الله) سبحانه، الذي كان يبشر به الرسول، كان بشهادة الضمير المنطوية عليه قلوبهم، رب صلاح وبرّ وأن القبول الشريف لمبادئه وطريقته يفتح الباب على مصراعيه – في عالم تقلقل وخيانة وانقسامات لا تسامح فيها – على أخوة عظيمة متزايدة من رجال جديرين بالثقة في الأرض.. وقد أوصل محمد مبادئه الجذابة إلى سويداء قلوب البشرية، دون أي رمزية مبهمة ودون أي تعتيم للهياكل ولا ترتيل للقسوس)([243])
ومن شهاداته شهادته حول صفاء التوحيد في الإسلام، وخلوه من كل شوائب الشرك: (يحتوي الإسلام.. الشيء الكثير من القوة والإلهام. فمن خصائصه التوحيد الذي لا هوادة فيه، وإيمانه البسيط المتحمّس بحكم الله للناس.. وخلوه من التعقيدات اللاهوتية. ومن خصائصه كذلك أنه منفصل تمام الانفصال عن كاهن القرابين ومعبدها، وهو بمأمن حصين من كل انزلاق نحو القرابين الدموية. والقرآن حين يذكر طبيعة الحج إلى مكة بصورة محددة واضحة الشعائر، إنما يجعلها بمأمن من كل احتمال للنزاع في شأنها. كما أن النبي اتخذ كل احتياط ليحول دون تأليهه بعد مماته. وثمة عنصر ثالث للقوة يكمن في إصرار الإسلام على أن المؤمنين جميعًا متساوون تمامًا أمام الله، مهما اختلفت ألوانهم أو أصولهم أو مراكزهم. هذه هي الأمور التي جعلت الإسلام قوة فعالة في الشئون الإنسانية)([244])
سكت الغريب، فقلت: إن هذا الرجل لا تنقصه إلا شهادة واحدة ليصبح من المسلمين.
ابتسم الغريب، وقال: ومن ذكر لك بأنه لم ينطقها.
قلت: هل أشهر إسلامه.. في أي بلد تم ذلك.. وأمام أي إمام؟
قال: قد يكون أشهر إسلامه في حقل من الحقول، أو جبل من الجبال، أو واد من الأدوية..
قلت: والإمام !؟
قال: الملائكة.. والجن الصالحون.. وكل ذرة في تراب الأرض، وفي جو السماء.. ألا يكفي هؤلاء جميعا شهودا على الإيمان؟
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (برنارد شو)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل يتربع على قمة قمم الصادقين.. وهو لذلك يحظى باحترام كبير لدى جميع المسلمين:
فمن شهاداته حديثه عن حيوية الإسلام بقوله: (لقد وضعت دائماً دين محمد موضع الاعتبار السامي بسبب حيويته العظيمة، فهو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه حائز على أهلية العيش لأطوار الحياة المختلفة بحيث يستطيع أن يكون جذاباً لكل زمان ومكان، لقد صور (أكليروس القرون الوسطى) الإسلام بأحلك الألوان إما بسبب الجهل وإما بسبب التعصب)
وتحدث متأسفاً على الأباطيل التي تنتشر بين قومه عن الإسلام، فقال: (مضت على الغرب القرون وهو يقرأ كتباً ملأى بالأكاذيب على الإسلام)
وله أحاديث عذبة صادقة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. منها قوله: (لقد درست محمداً باعتباره رجلاً عظيماً فرأيته بعيداً عن مخاصمة المسيح، بل يجب أن يدعى (منقذ البشرية)، وإنني لأعتقد أن رجلاً مثله لو تولى حكم العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة اللذين هو في أشد الحاجة إليهما، وفي الوقت الحاضر دخل كثير من أبناء قومي من أهل أوروبا في دين محمد حتى ليمكن أن يقال إن تحول أوربا إلى الإسلام قد بدأ، لقد بدأت أوروبا الآن تعشق الإسلام، ولن يمضي القرن الحادي والعشرون حتى تكون أوروبا كله قد بدأت تستعين به في حل مشاكلها)
ومنها قوله: (إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس، قلنا إن محمداً رسول المسلمين أعظم عظماء التاريخ، فقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم ديناً واضحاً قوياً، استطاع أن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم)
ومنها قوله: (لم يسجل التاريخ أن رجلاً واحداً، سوى محمد، كان صاحب رسالة وباني أمة، ومؤسس دولة … هذه الثلاثة التي قام بها محمد، كانت وحدة متلاحمة، وكان الدين هو القوة التي توحدها على مدى التاريخ)
وفي مقابل هذا تحدث عن المخاطر التي يحملها الكتاب المقدس على القيم، فقال بأسلوبه الساخر: (الكتاب المقدس من أخطر الكتب الموجودة على وجه الأرض، فاحفظوه في خزانة مغلقة بالمفتاح، احفظوه بعيداً عن متناول الأطفال)
سكت الغريب، فقلت: إني كلما قرأت كلمات هذا الرجل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشعر بأن له معه من الأحاديث ما لم تفطن لها الكتب، ولم يفطن لها المؤرخون.
قال: الأمر كذلك.. فما أكثر غفلة الكتب عن أحاديث القلوب.. وما أكثر غفلة المؤرخين عنها.
قال: وما يمنعني من ذلك؟
قلت: إن أمريكا هي السيف الذي سلط على رقاب المسلمين، وهي القنبلة النووية التي يوشك أن تبيدهم.
قال: ألم تر في ثمار النبوة صمود شجرة الإسلام؟
قلت: بلى.. ولكن الحرب التي توجه له في هذا العصر أعتى من كل الحروب.. والوسائل التي تستخدم فيها لم تحلم بها الشياطين.
قال: ومع ذلك، فسيخرج الإسلام كشأنه كل مرة مرفوع الهامة، عالي الراية.
قلت: متى ذلك؟
قال: أنتم الذين تحددون ذلك.. عندما تصدقون مع الله لن تؤذيكم بعوضة.
قلت: إن من قومنا من يحملون أسلحة كثيرة.. وهي من أعظم دلائل الصدق.
قال: الصدق لا يحتاج إلى أسلحة.. الصدق لا يحتاج إلا للقلوب الطاهرة الممتلئة بألحان السلام..
قلت: فهل في أمريكا من يسمع للسلام؟
قال: في أمريكا من يسمع للسلام وللإسلام.. وهم كثيرون.. بل لا يكادون يحصون.
قلت: لقد ذكرتني، فقد قرأت قبل فترة، في مجلة (تايم) تحقيقاً بعنوان (الأمريكيون يولون وجوههم خمس مرات نحو مكة) قالت فيه: (إن المسلمين في أمريكا أصبح صوتهم مسموعاً، وأصبحت لهم كلمة أكثر من أي وقت مضى بعد أن كان اللوبي الصهيوني له اليد العليا، وكان الأمريكيون منذ أكثر من عشرين عاماً ينظرون إلى الإسلام على أنه من الديانات المتخلفة، ولكن بعد دخول عدد كبير من المسلمين المهاجرين إلى الإسلام سواء من السود أو البيض، بدأ الأمريكيون يغيّرون نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين في أمريكا)([245])
قال: لقد بدأت النبوءة تتحقق، فقد ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أن الإسلام ينتشر بسرعة فائقة وبصورة لافتة للنظر، وأضافت أن مدن نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وديترويت أصبحت مراكز كبرى للدين الإسلامي.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا المحل اسم (ول ديورانت)([246])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا الرجل هو مؤرخ الحضارات الأكبر..
قلت: أعلم ذلك.. ولكني أسألك عن شهاداته عن الإسلام.
قال: لهذا الرجل شهادات صادقة عن الإسلام، سأذكر لك منها ما تقر به عينك.
فقد تحدث عن القيم النبيلة التي يحملها القرآن الكريم، والتي ظل تأثيرها ممتدا في جميع العهود، فقال: (ظل القرآن أربعة عشر قرنًا من الزمان محفوظًا في ذاكرة المسلمين يستثير خيالهم، ويشكل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس أسهل العقائد، وأقلها غموضًا، وأبعدها عن التقيد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحررًا من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحرّضهم على اتباع القواعد الصحية، وحرر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسّن أحوال الأرقاء، وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين.. درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض)([247])
وتحدث عن معجزة الأمية في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (يبدو أن أحدًا لم يعن بتعليم محمد القراءة والكتابة.. ولم يعرف عنه أنه كتب شيئًا بنفسه.. ولكن هذا لم يحل بينه وبين قدرته على تعرف شؤون الناس تعرفًا قلّما يصل إليه أرقى الناس تعليمًا)([248])
وتحدث عن معجزة القيادة، فقال: (كان النبي من مهرة القواد.. ولكنه كان إلى هذا سياسيًا محنكًا، يعرف كيف يواصل الحرب بطريق السلم)([249])
وتحدث عن المنجزات العظيمة التي حققها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي لم يدانيه في تحقيقها أحد من البشر، فقال: (إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقلّ أن نجد إنسانًا غيره حقق ما كان يحلم به.. ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه.. وكانت بلاد العربي لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان قليل عددها، متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينًا سهلاً واضحًا قويًا، وصرحًا خلقيًا وقوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم)([250])
وتحدث عن رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمستضعفين، فقال: (لسنا نجد في التاريخ كله مصلحًا فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد لإعانة الفقراء)([251])
وتحدث عن اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعلم، فقال: (تدل الأحاديث النبوية على أن النبي كان يحث على طلب العلم ويعجب به، فهو من هذه الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين)([252])
وتحدث عن قدرة العقيدة الإسلامية على توحيد الأمم المتباينة، فقال: (تلك بلا مراء عقيدة نبيلة سامية ألفت بين الأمم المتباينة المنتشرة في قارات الأرض فجعلت منها شعبًا واحدًا، وهي لعمري أعظم معجزة للمسيحية والإسلام)([253])
وتحدث عن الأخلاق الإسلامية، وتميزها، فقال: (إن الذين يجهلون الإسلام هم وحدهم الذين يظنون أنه دين سهل من الوجهة الأخلاقية.. وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح فيها الإسلام)([254])
وقال: (كانت مبادئ المسلمين الأخلاقية، وشريعتهم، وحكومتهم، قائمة كلها على أساس الدين. والإسلام أبسط الأديان كلها وأوضحها، وأساسه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)([255])
وتحدث عن مراعاة الإسلام للفطرة البشرية، فقال: (أُحِلّ للمسلمين أن يستمتعوا بالحلال من طيبات الحياة على شريطة ألا يسرفوا فيها. ولكن الإسلام كغيره من الأديان يدعو المسلمين إلى الصوم ليقوى بذلك إرادتهم من جهة، ولتصحّ به أجسامهم من جهة أخرى)([256])
وتحدث عن المعاني النبيلة التي ينتظمها الحج، فقال: (لفريضة الحج العظيمة أغراض وفوائد كثيرة. فهي تقوي إيمان المسلمين واستمساكهم بدينهم، وتمكن الصلة بهذا العمل العاطفي الجماعي بين المسلم ودينه وبينه وبين إخوانه المؤمنين.. فالحج وما ينطوي عليه من مناسك التقى والورع يجمع أبناء الشعوب الإسلامية كافة، يرتدون كلهم ثيابًا بسيطة واحدة، ويتلون كلهم أدعية واحدة بلغة واحدة وهي اللغة العربية، ولعل هذا هو السبب في ضعف حدة الفوارق العنصرية في الإسلام)([257])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (واشنجتون ايرفنج) ([258])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا مستشرق أمريكي، له آثار ترتبط بالإسلام والحضارة الإسلامية، وله فيها شهادات صدق يستحق عليها كل التقدير.
فقد تحدث عن شمولية القرآن وهيمنته على سائر الكتب المقدسة، فقال: (كانت التوراة في يوم ما هي مرشد الإنسان وأساس سلوكه. حتى إذا ظهر المسيح اتبع المسيحيون تعاليم الإنجيل، ثم حلَّ القرآن مكانهما، فقد كان القرآن أكثر شمولاً وتفصيلاً من الكتابين السابقين، كما صحح القرآن ما قد أدخل على هذين الكتابين من تغيير وتبديل. حوى القرآن كل شيء، وحوى جميع القوانين، إذ إنه خاتم الكتب السماوية)([259])
وتحدث عن القيم النبيلة التي جاء بها القرآن، فقال: (يدعو القرآن إلى الرحمة والصفاء وإلى مذاهب أخلاقية سامية)([260])
وتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. بل اعتبره خاتم النبيين، فقال: (كان محمد خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ليدعوا الناس إلى عبادة الله)([261])
وتحدث عن رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودلالتها على صدق نبوته، فقال: (كانت تصرفات الرسول في [أعقاب فتح] مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو)([262])
وتحدث عن الجهد العظيم الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل دعوته، وهو من أعظم دلائل الصدق، فقال: (لقي الرسول من أجل نشر الإسلام كثيرًا من العناء، وبذل عدة تضحيات. فقد شك الكثير في صدق دعوته، وظل عدة سنوات دون أن ينال نجاحًا كبيرًا، وتعرض خلال إبلاغ الوحي إلى الإهانات والاعتداءات والاضطهادات، بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعي وراء الثراء من أجل نشر العقيدة)([263])
وتحدث عن خصال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي تحيل أن يكون مدعيا، فقال: (برغم انتصارات الرسول العسكرية لم تثر هذه الانتصارات كبرياءه أو غروره، فقد كان يحارب من أجل الإسلام لا من أجل مصلحة شخصية، وحتى في أوج مجده حافظ الرسول على بساطته وتواضعه، فكان يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة، فإنها كانت دولة الإسلام، وقد حكم فيها بالعدل، ولم يفكر أن يجعل الحكم فيها وراثيًا لأسرته)([264])
وقال: (كان الرسول ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار الإسلام، وفي معاونة فقراء المسلمين، وكثيرًا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في بيت المال.. وهو لم يخلف وراءه دينارًا أو درهمًا أو رقيقًا.. وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الأرض في الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة)([265])
وتحدث عن صفاء التوحيد في الإسلام، فقال: (ينهى الإسلام عن الوثنية تمامًا في جميع صورها. فقد نهى الإسلام عن جميع الطقوس الدينية في الجاهلية التي تتعلق بالوثنية، ودعا إلى توحيد الله، ولكنه احتفظ من بين هذه الطقوس بما هو بعيد عن الوثنية، مثل الحج إلى مكة والطواف بالكعبة)([266])
وتحدث عن بعض أسرار انتشار الإسلام، فقال: (عند قدوم محمد إلى المدينة اعتنق بعض أهلها من المسيحيين الإسلام. فقد وجدوا تشابهًا بين التعاليم الإنسانية في كل من الإسلام والمسيحية، ولم يلمسوا أي تعارض بين الدينين، وبخاصة أن الإسلام يضع المسيح في مقدمة الأنبياء.. أما باقي المسيحيين فلم يُبدوا أي عداء للإسلام فقد اعتبروه أفضل بكثير من الوثنية. ولا شك أن الخلافات العديدة التي كانت قد نشبت بين الطوائف المسيحية في الشرق قد مهدت الطريق أمام المسيحيين ليعتنقوا الإسلام)([267])
سكت الغريب، فقلت: إن هذه شهادات مسلم.. لا مجرد شهادات صديق.
قال: صدقت.. فقد يسلم المرء من غير أن يشعر.. ولو أنه وجد من يأخذ بيده لكان اسمه غير اسمه.. ولكنت ذكرته في غير هذا الفصل.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (لوثروب ستودارد) ([268])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل ممتلئ صدقا، وقد تحدث بشهادات كثيرة كانت محل احترام جميع الصادقين، وسأذكر لك من شهاداته ما ينبئك عن فهمه العميق للإسلام، وحبه العظيم له.
لقد اعتبر الإسلام من أعجب حوادث التاريخ، فقال: (كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دوّن في تاريخ الإنسان. ظهر الإسلام في أمة كانت من قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان، وبلاد منمطة الشأن، فلم يمضِ على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض ممزقًا ممالك عالية الذرى مترامية الأطراف، وهادمًا أديانًا قديمة كرت عليها الحقب والأجيال، ومغيرًا ما بنفوس الأمم والأقوام، وبانيًا عالمًا حديثًا متراص الأركان، هو عالم الإسلام)([269])
وتحدث عن انتشار الإسلام من غير دعم أي سلطة غير سلطة الحق الذي يحمله، قال: (كلما زدنا استقصاء باحثين في سرّ تقدم الإسلام وتعاليمه، زادنا ذلك العجب العجاب بهرًا فارتددنا عنه بأطراف حاسرة عرفنا أن سائر الأديان العظمى إنما نشأت ثم أنشأت تسير في سبيلها سيرًا بطيئًا ملاقية كل صعب، حتى كان أن قيض الله لكل دين منها ما أراده له من ملك ناصر وسلطان قاهر انتحل ذلك الدين ثم أخذ في تأييده والذب عنه حتى رسخت أركانه.. إنما ليس الأمر كذلك في الإسلام الذي نشأ في بلاد صحراوية تجوب فيافيها شتى القبائل الرحالة التي لم تكن من قبل رفيعة المكانة والمنزلة في التاريخ، فلسرعان ما شرع يتدفق وينتشر وتتسع رقعته في جهات الأرض مجتازًا أفدح الخطوب وأصعب العقبات دون أن يكون له من الأمم الأخرى عون يذكر ولا أزر مشدود. وعلى شدة هذه المكاره فقد نصر الإسلام نصرًا مبينًا عجيبًا، إذ لم يكد يمضي على ظهوره أكثر من قرنين، حتى باتت راية الإسلام خفاقة من (البرانس) حتى (هملايا) ومن صحاري أواسط آسيا حتى صحاري أواسط أفريقيا)([270])
وتحدث عن الوحدة الإسلامية التي عمقها الإسلام في نفوس المسلمين، فلم تزدها الأيام إلا قوة، قال: (الجامعة الإسلامية بمعناها الشامل ومفهومها العام إنما هي الشعور بالوحدة العامة والعروة الوثقى لا انفصام لها في جميع المؤمنين في المعمور الإسلامي. وهي قديمة بأصلها ومنشئها منذ عهد صاحب الرسالة أي منذ شرع الرسول يجاهد فالتف حوله المهاجرون والأنصار معتصبين معه بعصبة الإسلام لقتال المشركين. وقد أدرك محمد خطورة الجامعة وعلو منزلتها في المسلمين حق الإدراك، وعلم كل العلم ما لها من عظم الشأن.. فغرس غرستها بيديه في نفوسهم، فنمت وتغلغلت وامتدت جذورها وبسقت أغصانها.. فقد كرّ عليها أكثر من ثلاثة عشر قرنًا فما أوهن كرور هذه القرون من الجامعة الإسلامية جانبًا ولا ضعضع لها كيانًا، بل كلما تقادم عليها العهد ازدادت شدة وقوة ومنعة واعتزازًا. حقًا أن الجامعة اليوم بين المسلم والمسلم لأقوى منها بين النصراني والنصراني.. ومن أحب أن يقف حق الوقوف على ما أراده الإسلام من غرض الجامعة وغايتها فلينظر إلى حال المسلمين اليوم وإلى تيار هذا التعاطف والتشاكي يعلم سرّ الجامعة ومكانتها في نفوس المسلمين وفي الواقع ليس من دين في الدنيا جامع لأبنائه بعضهم مع بعض موحد لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والاستمساك بعروقها كدين الإسلام)([271])
وتحدث عن الأخوة العميقة التي ربط الإسلام بها بين شعوب مختلفة، فقال: (ليست الولادة في البلاد ولا التجنّس على الأصول الرسمية شرطًا لمن يريد أن يكون فردًا من أفراد الأمة الإسلامية في قطر من الأقطار، متمتعًا حق التمتع بحقوق الجنسية الإسلامية. فوطن المسلم هو العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه لذلك يستطيع الهابط أية بلاد إسلامية أن ينال للحال أي وقتًا شاء حقوق الوطني المكرم ذي المقام والمنزلة بين ظهراني القوم. فالعبارة (مصر للمصريين) مثلاً لا تعني ذلك المعنى بعينه الذي نتصوره نحن في الجاري المعتاد. فإذا ما أقام مسلم جزائري أو دمشقي في القاهرة فليس هناك من حائل يحول دون تصرفه وسلوكه واعتباره (مصريًا وطنيًا حرًا) بصحيح معنى العبارة. والسبب في ذلك أن من منازع الإسلام على الدوام صيانة الوحدة بين المسلمين والوحدة الدينية والجغرافية الإقليمية. فجميع الأقطار والممالك والبلدان الإسلامية معروفة عند المسلمين (بدور الإسلام) وضدها (دار الحرب) وهي المواطن التي يقطنها مسلمون يجب عليهم باعتبارهم أمة واحدة متحدة، الذبّ عن سياجها والذود عن حياضها، وهذا هو السبب في أننا نرى أنه كلما أصاب اعتداء أجنبي طرفًا من العالم الإسلامي، هاج الطرف الآخر واضطرب وقام وقعد، على غير أن يكون هناك اشتراك في المصلحة المادية يحمله على ذلك، كأنما المعمور الإسلامي جسم واحد باعتلال عضو منه تتأثر وتعتل سائر الأعضاء)([272])
وقال: (الجامعة الإسلامية بمعناها الشامل ومفهومها العام إنما هي الشعور بالوحدة العامة والعروة الوثقى لا انفصام لها بين جميع المؤمنين في المعمور الإسلامي.. لقد كر أكثر من ثلاثة عشر قرنًا فما أوهن كرور هذه القرون من الجامعة الإسلامية جانبًا ولا ضعضع لها كيانًا، بل كلما تقادم عليها العهد ازدادت الجامعة شدة وقوة ومنعة واعتزازًا. حقًا أن الجامعة اليوم بين المسلم والمسلم لأقوى منها بين النصراني والنصراني. ولا ينكر أن المسلمين يتقاتلون بعضهم مع بعض قتالاً شديدًا، بيد أن هذا ليس له من الشأن أكثر مما ينشأ بين أفراد الأسرة الواحدة المشتبكة الأرحام، إذ لا حقد في الإسلام، فعند الشدائد تذهب الأحقاد بين المسلمين، فيعملوا على الأمر الذي فيه يختلفون ويتألبون جموعًا متراصة متماسكة لقتال العدو المهاجم وردّ الخطر الداهم. ومن أحب أن يقف حق الوقوف على ما أراده الإسلام من غرض الجامعة وغايتها فلينظر إلى حال المسلمين اليوم وإلى تيار هذا التعاطف والتشاكي كي يعلم سرّ الجامعة ومكانتها في نفوس المسلمين وفي الواقع ليس من دين في الدنيا جامع لأبنائه بعضهم مع بعض موحد لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والاستمساك بعروقها كدين الإسلام)([273])
وقال: (أي شيء أدل على هياج الإسلام وغليان مراجل عقده من ذلك الثوران الهائل الذي يقوم به السبعون مليونًا من المسلمين في الهند احتجاجًا على تجزئة الدولة العثمانية، والأمر الأخطر أن هذا الثوران الإسلامي ليس مقصورًا على الهند فحسب، بل إنه شامل المعمور الإسلامي)([274])
وقال: (لا يغرب عن البال أن الروابط الدينية والصلات الخلقية التهذيبية التي تجمع بين المسلم والمسلم ما انفكت تزيد في تواثق المسلمين وتآلفهم، وتعاطفهم وتضامنهم، كأنهم في المعمور الإسلامي أمة واحدة بعضها يغار على بعض وجانب يساند آخر. دع ما هو هناك من الأسباب الغربية للنقل والتواصل المسهلة على المسلمين القيام بالأسفار إلى كل جهة أرادوا، فازداد بذلك تعارفهم واستمسكت أواصرهم)([275])
قلت: إن كلمات هذا الرجل تكاد تسلم.
قال: بل إنها أسلمت.. فهذه الكلمات لا يقولها إلا مسلم معتز بإسلامه.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (سدني فيشر) ([276])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل من المستشرقين له شهادات صادقة:
منها شهادته حول تأثير القرآن الكريم في النفوس والأسماع، قال: (إن القرآن كلام الله يشد فؤاد المسلم، وتزداد روعته حين يتلى عليه بصوت مسموع، ولكنه لا يفهم هذه الروعة كما لم يفهمها زملاؤه الذين سبقوه إلى الاعتراف ببلاغة القرآن، واعتمادًا على أثره البليغ في قلوب قرّائه وسامعيه، ثم يقفون عند تقرير هذه البلاغة بشهادة السماع)([277])
ومنها شهادته عن القيم التي جاء بها القرآن الكريم، قال: (إن القرآن كتاب تربية وتثقيف، وليس كل ما فيه كلامًا عن الفرائض والشعائر، وإن الفضائل التي يحث عليها المسلمين من أجمل الفضائل وأرجحها في موازين الأخلاق، وتتجلى هداية الكتاب في نواهيه كما تتجلى في أوامره)([278])
وتحدث عن الجمال والمصداقية التي تتسم بها العقيدة الإسلامية، فقال: (إن الوحدانية المنزهة هي أجل مطالب الإيمان عند النبي ويوصف الإله مع الوحدانية بصفات العلم المحيط والقدرة المحيطة والرحمة والكرم والغفران.. إن توكيد صفات البأس والجبروت في كتاب الإسلام إنما تقدم في أوائل الدعوة التي واجه بها النبي جماعة الكفار الملحدين من الملأ المكي المتغطرس المستطيل بالجاه والعزة، ولكن المسلم يعلم من صفات الله أنه واسع الرحمة، وأنه أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، وأنه هو نور السماوات والأرض، وهي الصفة.. التي كان لها أبعد الأثر في اجتذاب العقول إلى معانيه الخفية)([279])
ومنها شهادته عن الثمرات العظيمة التي حققها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (إننا إذا نظرنا إلى مجال الإسلام الواسع في شؤون العقائد الدينية والواجبات الدينية والفضائل الدينية، لم يكن في وسع أحد إلا أن يحب محمدًا نبيًا مفلحًا جدًا ومصلحًا موفقًا لأنه كما قال بعض الكتاب وجد مكة بلدة مادية تجارية تغلب عليها شهوة الكسب المباح وغير المباح ويمتلئ فراغ أهلها بمعاقرة الخمر والمقامرة والفحشاء، ويعامل فيها الأرامل واليتامى وسائر الضعفاء كأنهم من سقط المتاع. فإذا بمحمد وهو فقير من كل ما يعتز به الملأ قد جاءهم بالهداية إلى الله وإلى سبل الخلاص، وغيّر مقاييس الأخلاق والآداب في أرجاء البلاد العربية)([280])
قلت: إن شهادات هذا الرجل لا تقل عن الشهادة التي ينطق بها من أسلم.
قال: صدقت.. فمثل هذه الشهادات لا يمكن إلا أن تصدر من لحظة من لحظات الإيمان الصادق.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (مايكل هارث)([281])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا كاتب منصف أراد أن يصنف الأبطال، فوجد محمدا على رأسهم، وقد ذكر سر هذا التصنيف، فقال: (إن اختياري لمحمد ليكون رأس القائمة التي تضم الأشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات، ربما أدهش كثيرًا من القراء،.. ولكن في اعتقادي أن محمدًا كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي)([282])
وقال: (لقد أسس محمد ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام. ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنًا تقريبًا على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قويًا وعارمًا)([283])
وقال: (من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو أن محمدًا كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان للمسيح)([284])
وقال: (إن محمدًا يختلف عن المسيح بأنه كان زعيمًا دنيويًا فضلاً عن أنه زعيم ديني، وفي الحقيقة إذا أخذنا بعين الاعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية، فإن محمدًا يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الأجيال)([285])
وقال: (إن هذا الاتحاد الفريد لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخول محمدًا أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية)([286])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (د. ميلر بروز) ([287])، فسألت الغريب عنه، فقال: لقد تحدث هذا الرجل عن اهتمام الإسلام بالعلم ابتداء من مصادره الأصلية.
ومن شهاداته المرتبطة بهذا ذكره لتوجيه القرآن للاهتمام بالعلوم المختلفة، قال: (إنه ليس هناك شيء لا ديني في تزايد سيطرة الإنسان على القوى الطبيعية، (هناك آية في القرآن يمكن أن يستنتج منها أنه لعل من أهداف خلق المجموعة الشمسية لفت نظر الإنسان لكي يدرس علم الفلك ويستخدمه في حياته:{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } (يونس: 5) وكثيرًا ما يشير القرآن إلى إخضاع الطبيعة للإنسان باعتباره إحدى الآيات التي تبعث على الشكر والإيمان:{ وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } (الزخرف: 13) ويذكر القرآن – لا تسخير الحيوان واستخدامه فحسب – ولكن يذكر السفن أيضًا.. فإذا كان الجمل والسفينة من نعم الله العظيمة، أفلا يصدق هذا أكثر على سكة الحديد والسيارة والطائرة؟)([288])
ومنها استنتاجه من القرآن الكريم ما يحمله العلم من نواحي النفع والضرر، قال: (إن أعظم نتائج العلم يمكن أن تستخدم في أغراض هدمية أو بنائية. وربما كان هذا هو المقصود بما ورد في القرآن خاصًا باستخدام الحديد:{ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } (الحديد: 25) وأظهر مثال من هذه الآية بالضرورة هو استخدام النشاط الذري – الذي نشطت بحوثه – لضرورة حربية)([289])
ومنها حديثه عن سبق المسلمين لأسس العلم الحديث، وحوارهم مع غيرهم من أهل الأديان، قال: (في العصر الذهبي للثقافة الإسلامية، حينما كان علماء المسلمين يفهمون أسس العلم الحديث، كان المفكرون من المسلمين والمسيحيين يبحثون معًا معضلاتهم الفلسفية واللاهوتية المشتركة، ويفيد بعضهم من بعض كثيرًا من ضروب المعرفة)([290])
ومنها حديثه عن اهتمام المسلمين بالطب، وخدمتهم له: (هل يستطيع العلم حقيقة أن يخدم أغراض الدين؟ صحيح أن العلم قد قام بنصيب كبير في إسعاد الإنسان، ويظهر هذا أكثر ما يظهر في ذلك العلم الذي خدمه علماء الإسلام خدمة ظاهرة، وهو علم الطب)([291])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (فرانز روزنثال)([292])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل اهتم بالمآثر الحضارية الإسلامية، وخاصة ما ارتبط منها بالتاريخ.
فقد أرجع اهتمام المسلمين بالتاريخ إلى توفر المادة التاريخية في القرآن، قال: (من الدوافع العملية لدراسة التاريخ توفر المادة التاريخية في القرآن مما دفع مفسريه إلى البحث عن معلومات تاريخية لتفسير ما جاء فيه. وقد أصبح الاهتمام بالمادة التاريخية، على مر الزمن، أحد فروع المعرفة التي تمت بالارتباط بالقرآن. وإذا كان الرسول قد سمع بعض الأخبار والمعلومات التاريخية، فإن هذا لا يبرر الافتراض بأنه قد قرأ المصادر التاريخية كالتوراة في ترجماتها العربية. لقد وردت في القرآن معلومات تاريخية تختلف عما يدعي اليهود وجوده في التوراة([293])، وقد ذكر الرسول أن اليهود والنصارى حرفوا التوراة، وتمسك المسلمون بما جاء في القرآن.. لقد أشار القرآن إلى كثير من الأحداث التي أحاطت بالرسول.. وكان لذلك أهمية في التاريخ الإسلامي لأن الأحداث التي أشارت إليه الآيات صارت لها أهمية تاريخية كبرى للمسلمين، واستثارت البحوث التاريخية)([294])
ومثل ذلك ما ورد في الأحاديث النبوية، فهي أيضا من دوافع الاهتمام بالتاريخ لدى المسلمين، قال: (إن أفكار الرسول التي تلقاها وحيًا أو التي أدى إليها اجتهاده نشّطت دراسة التاريخ نشاطًا لا مزيد عليه، فقد أصبحت أعمال الأفراد وأحداث الماضي وحوادث كافة شعوب الأرض أمورًا ذات أهمية دينية، كما أن شخصية الرسول كانت خطًا فاصلاً واضحًا في كل مجرى التاريخ، ولم يتخط علم التاريخ الإسلامي هذا الخط قط)([295])
بل هو ينسب تأسيس الاهتمام بالتاريخ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: (تبقى حقيقة، هي أن الرسول نفسه وضع البذور التي نجني منها اهتمامًا واسعًا بالتاريخ.. لقد كان التاريخ يملأ تفكير الرسول لدرجة كبيرة، وقد ساعد عمله من حيث العموم في تقديم نمو التاريخ الإسلامي في المستقبل، رغم أن الرسول لم يتنبأ بالنمو الهائل للمعرفة والعلم الذي سيتم باسم دينه)([296])
وتحدث عن وضوح الإسلام مقارنة باليهودية والنصرانية، قال: (عندما ظهر الرسول كانت اليهودية والنصرانية منتشرين في الجزيرة ولهما آراء متشابهة في التفسير التاريخي للحياة الإنسانية غير أن الدين الإسلامي الذي بشر به الرسول كان يتميز بالوضوح والقدرة على تفهم أسس هذا الوجود بصورة واضحة جدًا ومن غير تعسّف. والواقع أن مفاهيم الإسلام أوضح وأقل جمودًا من ناحية العقيدة، ومن مفاهيم اليهود والنصارى الدينية)([297])
قلبت بعض الصفحات، فرأيت عنوان (أصدقاء من ألمانيا)، فقلت: هذه بلدك ومسقط رأسك، وهي بلد الفلاسفة والعلوم.. وبلد القوة والبطش.. ألنا فيها أصدقاء؟
قال: أجل.. فيها أصدقاء كثيرون.. وإخوان كثيرون.. وفيها إلى جانبهم كثير من الذين ينتظرون عناوينكم ليبادلوكم الصداقة.
قلت: مرحبا بكل صديق..
قال: رحبوا بأفعالكم، لا بأقوالكم.. فقومي يؤمنون بالقوة ويدينون لها.
قلت: قوة السلاح.
قال: لا.. فتلك أضعف القوى.
قلت: فما القوة التي نحتاجها؟
قال: قوة الإيمان والصدق والإخلاص.. وقوة الحضارة والرقي.. وقوة السلوك والترفع.
قلت: هذه قوى عظيمة؟
قال: لن تنتصروا إلا بها.
كان من أول الأسماء التي رأيتها في هذا المحل (زيغريد هونكه)([298])، فقلت: هذه هي المرأة التي حدثني بعضهم حديثها([299]).
قال: أجل.. وهي صديقةطيبة، وأخت فاضلة..
قلت: أخت في الدين !؟
قال: يمكنك أن تقول ذلك ([300]).. وشهاداتها لا تنطق إلا بذلك.
قلت: فحدثني أحاديثها.. فما أعذب أحاديثها.
قال: إن معظم شهاداتها ترتبط بالثمرات العظيمة التي حققتها النبوة.. فهي من قوم يزنون النجاح والفشل بالمنجزات.
ومن ذلك مقارنتها بين دعوة الإسلام للعلم واهتمامه به، بالمسيحية التي احتقرت العلم، قالت: (لقد أوصى محمد كل مؤمن رجلاً كان أو امرأة بطلب العلم، وجعل من ذلك واجبًا دينيًا. وكان يرى في تعمق أتباعه في دراسة المخلوقات وعجائبها وسيلة التعرف على قدرة الخالق. وكان يرى أن المعرفة تنير طريق الإيمان.. ويلفت أنظارهم إلى علوم كل الشعوب، فالعلم يخدم الدين والمعرفة من الله وترجع إليه، لذلك فمن واجبهم أن يصلوا إليها وينالوها أيًا كان مصدرها ولو نطق بالعلم كافر. وعلى النقيض تمامًا يتساءل بولس الرسول مقرًا: (ألم يصف الرب المعرفة الدنيوية بالغباوة)؟ مفهومان مختلفان، بل عالمان منفصلان تمامًا، حدّدا بهذا طريقين متناقضين للعلم والفكر في الشرق والغرب وبهذا اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة والمعرفة السطحية المعاصرة في أوروبا حيث لا قيمة لمعرفة الدنيا كلها)([301])
وقالت: (لم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب، بل كانت منبرًا للعلوم والمعارف، كما ارتفعت فيها كلمات الرسول فوق مجد التديّن الأعمى. ألم يقل أقوالاً، كان يكفي لأن يقولها في روما حتى يحاكم عليها بتهمة الهرطقة؟ أو ليس هو القائل بأن حبر الطالب أقدس من دم الشهيد؟)([302])
وتحدثت عن الثراء الفكري للإسلام، والذي حصل بسبب مناقشته للأديان الأخرى، فالإسلام لم يستفد من مناظرته لمخالفيه إلا قوة، قالت: (لم تلبث الديانة الإسلامية الفتية السائرة في طريقها بعزم وثبات، أن اصطدمت بالديانات الأخرى في كل مكان. فهنا يقف رجال المذاهب المسيحية وجهًا لوجه أمام رجال المذاهب الإسلامية على أتم استعداد للمجادلة، وهنا تقسم هذه المجادلات واختلاف وجهات النظر المسلمين أنفهسم إلى مدارس ومذاهب، وكان من الممكن أن يؤدي هذا إلى نهاية النهضة العربية الإسلامية وهي في مهدها. ولكن ما حدث كان على خلاف ذلك تمامًا، فإن إكراه الإسلام للفتى على أن يجرب قواه الفكرية مع ديانات وفلسفات أخرى في محاجات فكرية وفلسفية قد أفاده أكبر إفادة وأكسبه خبرة ومرانًا)([303])
وتحدثت بإعجاب عن صفاء التوحيد في الإسلام، وخلو العبودية فيه من الاستعباد للوسائط، قالت: (الإسلام لا يعرف وسيطًا بين العبد والرب.. ولم يكن لديه طبقة من الكهنة.. وعلى العموم فإن مجال حرية الرأي كان أوسع مما هو عليه الحال في الديانات الأخرى)([304])
وقارنت في هذا المجال بين المسجد والكنيسة، فقالت: (لم يكن المسجد تقليدًا للكنيسة بالمرة، حتى ولو ارتفعت سقوفه فوق عمد، كانت يومًا ما، تحمل سقف كنيسة. فمفهوم المسجد يختلف عند المسلمين تمام الاختلاف منذ البداية عن مفهوم المسيحيين للكنيسة. فليس المسجد بيت الله المقدس الذي يتقرب فيه المؤمن من الله عن طريق وساطة الكاهن. فمن قبيل التبرك، أصبح بناء الكنيسة يرمز حرفيًا، وليس معنويًا، إلى مملكة السماء التي يحكمها المسيح وإلى البيت المقدس الذي هبط من السماء إلى الأرض. وظلت الكنيسة تحمل هذا المعنى على مر العصور.. أما المسجد فقد تحرر من تلك الأفكار، وكان هدفه بسيطًا واقعيًا. فالعالم كله مسجد كبير بني لله.. ولم يفرض عليه الإسلام ضرورة الصلاة في مسجد أو معبد. وعبادته ليست مرتبطة بوجود كاهن مبارك يمثل دور الوسيط بينه وبين ربّه، فكل إنسان في نظره عبد لله قادر على أن يؤم المصلين في المسجد.. فالجامع هو الذي يجمع المسلمين. وهو ليس بالمكان الخاص الذي يرتفع ببركاته وقدسيته، كالكنيسة، على بقية منازل الناس ومساكنهم. ولهذا لم يهتمّ المسلمون كثيرًا بمظهر المساجد الخارجي. والصلاة للجميع على قدم المساواة فيقف العالم بجوار السقاء وقائد الجيش بجوار الجندي، والإمام بملابسه العادية لا يميزه شيء عن الآخرين.. فالكل سواسية كأسنان المشط. وقد كان هذا الأساس الديمقراطي للإسلام هو الذي جعل المساجد تتسع ولا ترتفع لتضم مزيدًا من الأروقة للمؤمنين المتساوين في الحقوق والواجبات.. والمسجد لا يحاول التأثير على الفرد موضوعيًا أو حسيًا فهو بيت الله، والله واحد لا شريك له ولم يكن له كفوًا أحد)([305])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (إلس ليختنستادتر) ([306])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذه امرأة فاضلة رأيت في كلماتها نفحة من نفحات الصدق، فسجلتها.
لقد تحدثت عن عقيدة المسلمين في القرآن الكريم، فقالت: (إن المسلم العصري يعتقد أن كتابه المنزل يسمح له، بل يوجب عليه، أن يعالج مشكلات عصره بما يوافق الدين ولا يضيع المصلحة أو يصد عن المعرفة كما انتهت إليها علوم زمنه.. وإن مزية القرآن – في عقيدة المسلم – أنه متمم للكتب السماوية ويوافقها في أصول الإيمان، ولكنه يختلف عنها في صفته العامة فلا يرتبط برسالة محدودة تمضي مع مضي عهدها ولا بأمة خاصة يلائمها ولا يلائم سواها. وكل ما يراد به الدوام، ينبغي أن يوافق كل جيل ويصلح لكل أوان)([307])
وتحدثت عن دور القرآن في إشاعة القيم الفاضلة، فقالت: (إنه من الضروري لإدراك عمل القرآن من حيث هو كتاب ديني وكتاب اجتماعي أن ندرك صدق المسلم حين يؤكد أن القرآن يمكن أن يظل أساسًا لإدراك الحكم المعقدة التي تعالج مشكلات المجتمع الحديث. فإن النبي يرى أن القرآن هو حلقة الاتصال بين الإله في كماله الإلهي وبين خليقته التي يتجلى فيها بفيوضه الربانية وآيتها الكبرى الإنسان. وإن واجب الإنسان أن يعمل بمشيئة الله للتنسيق بين العالم الإلهي وبين عالم الخلق والشهادة، وخير ما يدرك به هذا المطلب أن تتولاه جماعة إنسانية تتحرى أعمق الأوامر الإلهية وألزمها وهي أوامر العدل للجميع والرحمة بالضعيف والرفق والإحسان. وتلك هي الوسائل التي يضعها الله في يد الإنسان لتحقيق نجاته، فهو ثم مسؤول عن أعماله ومسؤول كذلك عن مصيره)([308])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (آدم متز) ([309])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل فاضل من أهل بلدنا، وله شهادات طيبة ترتبط بالجانب الحضاري والأخلاقي في الإسلام رد بها على التشويه الذي يثيره بعض قومنا.
ومن ذلك شهادته بتكريم الإسلام للرقيق، قال: (جرت العادة منذ العصر الأول للإسلام بأن لا يسمى العبيد عبيدًا، بل يسمى العبد فتى والأمة فتاة؛ وقد نسب هذا – كما نسب كثير غيره إلى أمر النبي. وكان من التقوى وشرف النفس ألا يضرب الرجل عبده، ويروى عن النبي أنه قال: (شر الناس من أكل وحده ومنع رفده وضرب عبده)، وهذا الشعور نبيل عبر عنه أبو الليث السمرقندي (المتوفى سنة 387هـ-997م) بروايته هذا الحديث. وفي القرن الرابع الهجري اتخذ بعضهم من قوله تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }(الحجرات:10) نقدًا يوجهونه لمن يضرب عبده)([310])
وقال: (كان في الإسلام مبدأ في مصلحة الرقيق، وذلك أن الواحد منهم كان يستطيع أن يشتري حريته بدفع قدر من المال، وقد كان للعبد أو الجارية الحق في أن يشتغل مستقلاً بالعمل الذي يريده.. وكذلك كان من البر والعادات المحمودة أن يوصي الإنسان قبل مماته بعتق بعض العبيد الذين يملكهم)([311])
وتحدث عن الحرية التي كانت تسود الأقطار الإسلامية إبان الحكم الإسلامي، فقال: (كان المسلم يستطيع أن يرتحل في داخل حدود المملكة (الإسلامية) في ظل دينه وتحت رايته، وفيها يجد الناس يعبدون الإله الواحد الذي يعبده، ويصلون كما يصلي، وكذلك يجد شريعة واحدة وعرفًا واحدًا، وعادات واحدة. وكان يوجد في هذه المملكة الإسلامية قانون عملي يضمن للمسلم حق المواطن، بحيث يكون آمنًا على حريته الشخصية أن يمسّها أحد، وبحيث لا يستطيع أحد أن يسترقّه على أي صورة من الصور. وقد طوّف (الرحالة المعروف) ناصر خسرو في هذه البلاد كلها في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) دون أن يلاقي من المضايقات ما كان يلاقيه الألماني الذي كان ينتقل في ألمانيا في القرن الثامن عشر للميلاد)([312])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (د. ج. كامبفماير) ([313])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل عاقل من أهل بلدنا عرف قوة المسلمين وسلامهم، فلذلك خاطب فراعنة قومنا بما خاطب به مؤمن آل فرعون فرعون وزبانيته، فقال:{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } (غافر:28)
أما هذا الرجل الفاضل، فقال: (إن الاعتداء على الإسلام لا ترجى منه فائدة.. ولن يرد المسلمين عن دينهم ولن يعوق النهضة الإسلامية بل سيقوّيها)([314])
وقال: (إن في الشرق العربي الأدنى على وجه التأكيد نهضة إسلامية قوية خلقية ودينية واجتماعية، ستكون أساس الحياة القومية الجديدة، وإذا عرفنا هذا تجلت حقيقة مهمة هي أن تنصير المسلمين مستحيل الآن.. فهل سيعارض المبشرون في جعل الدين – ولو كان الإسلام – أساسًا للحياة القومية الصحيحة؟ وإذا كان تنصير المسلمين في الظروف الحاضرة مستحيلاً فلم يبق أمام هذه الشعوب الإسلامية إلا أحد أمرين: إما النهضة الإسلامية وإما المادية والفساد الخلقي.. فأيّهما خير للشعوب الإسلامية؟)([315])
وتحدث عن بعض أسباب الوحدة الإسلامية التي تجعلها جدارا حصينا ضد كل محاولات الاختراق، فقال: (إن العربية، وهي لسان الإسلام غير مدافع، تدرس وتعرف حق المعرفة في العالم الإسلامي كله من المحيط الأطلسي إلى الهند وجاوة وبذلك تسهل انتشار الحركات الروحية انتشارًا يتجاوز بكثير حدود البلاد التي تنشأ فيها ويعين على انتشارها عوامل أخرى أكبرها الصحافة العربية.. ويلعب الحج دوره أيضًا في المزج الروحي بين مختلف شعوب الإسلام، وأن تجاور البلاد في الشرق الأدنى الناطق بالضاد، وبوجه أدق في المساحة التي تشغلها مصر وجزيرة العرب والعراق وسوريا وفلسطين ورقي وسائل المواصلات إلى جانب الصحافة تعمل بوجه خاص على إنماء العواطف والأماني الإسلامية العامة)([316])
وتنبأ بنهضة الإسلام، فقال: (أستطيع أن أؤكد أن البلاد الناطقة بالضاد ولا سيّما مركزها العظيم الذي يتكون من الكتلة المتماسكة التي قوامها مصر وجزيرة العرب وفلسطين وسوريا والعراق ستلعب دورًا غاية في الأهمية وربما كان دورًا حاسمًا.. ونهضة الإسلام في هذه البلاد أمر واقع لا سبيل إلى ردّه، ولن يحدث في البلاد العربية شيء يشبه ما حدث في تركيا فلن يقطع العرب الصلة بتاريخهم الإسلامي والأدبي المجيد، بل إن ذكرى هذا الماضي من عوامل النهضة الوطنية والدينية ولن تستبدل هذه الشعوب الكتابة اللاتينية بالكتابة العربية.. ولن ينبذوا هذه الوسيلة المدهشة التي تمكنهم من الاتصال بالعالم الإسلامي كله، ولن يقوى أحد على إيقاف حركة النهضة الإسلامية في هذه البلاد لأنها الأساس الذي يحتاج إليه الناس لتقوم عليه نهضتهم الوطنية.. وستصير كل من القاهرة والقدس بالتدريج مركزًا عظيمًا للحياة الإسلامية بعد مكة وسيفد طلبة العلم (كما حدث فعلاً) من البلاد الناطقة بالضاد في المغرب شطر مصر وفلسطين.. ثم سيعودون إلى بلادهم ليزيدوا نهضة الشرق شيئًا فشيئًا وسيحدث مثل هذا الأثر في الأصقاع الأخرى من العالم الإسلامي.. ولن يقوى الانحلال السياسي على تغيير شيء من خصائص الحاجات الوطنية والدينية العامة)([317])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (رودي بارت) ([318])، فسألت الغريب عنه، فقال: لقد أنطق الله هذا الرجل بشهادات صدق، كان منها شهادته عن موقف بعض ممثلي حركة التنوير من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به)([319])
وتحدث عن بعض ثمار النبوة، فقال: (كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فسادًا. حتى أتى محمد ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس)([320])
وقال: (إن العالم الواسع المترامي الأطراف ما كان ليحس بالعرب لو لم يتحولوا بفضل صلتهم بالإسلام إلى عامل من عوامل القوة السياسية، ويصبحوا بذلك ذوي أهمية إن صح هذا التعبير)([321])
وتحدث عن شمولية الإسلام، فقال: (إن الشريعة الإسلامية بمعناها الواسع الذي يشمل تنظيم الشعائر كذلك، هي المضمون الحقيقي للروح الإسلامية الأصيلة، وهي التعبير الحاسم عن التفكير الإسلامي، إنها النواة الجوهرية للإسلام على الإطلاق)([322])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (ج. ك. بيرغ) ([323])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل فاضل من قومنا أراه الله بعض محاسن الإسلام، فراح يبشر بها.
فقد تحدث عما يختزنه النظام الإسلامية من حرية وعدالة ومساواة، فقال: (لا حاجة بنا إلى الإطناب في بيان المميزات الخاصة بالإسلام ولا في بيان اختلافه العظيم عن الهندوكية.. إن نظام الطوائف الذي تحيا به الهندوكية أو تموت لا أثر له في الإسلام، دين الديمقراطية، وقد استمد قوته على الدوام من حبّ الجماهير له حبًا حماسيًا. إن الإسلام يعرف كيف يجعل له في قلوب الناس مكانًا وأن معتنقيه ليفخرون به.. وليس هناك كاهن يشرف على الحياة الدينية. وإن إجماع المسلمين على اختلاف الرأي رحمة من الله، هذا الإجماع الذي يستلفت النظر بلينه وتسامحه ويبرهن لنا برهانًا جديرًا بالذكر على حاجة المسلمين السائدة إلى توحيد الكلمة، يؤيده عدم وجود سلطة معينة ترغم الناس على رأيها)([324])
وتحدث عن أثر الحج في وحدة المسلمين، فقال: (إن الحج المفروض على كل مسلم أن يقوم به مرة في حياته إن استطاع إليه سبيلا.. وأثر اللغة العربية في العمل على الوحدة، وتشابه طرق التعليم في كل العالم الإسلامي، كل هذه العوامل جعلت فكرة الوحدة الإسلامية باقيةً في المكان الأول، حتى بعد أن تم تمزق إمبراطورية الخلفاء إلى ولايات مختلفة)([325])
وتحدث عن الأثر العظيم الذي قام به الإسلام في التأليف بين الأمم المختلفة، فقال: (إن النزعة التي تصبغ كل شيء بصبغة الدين والتي امتاز بها الإسلام منذ أيامه الأولى، جعلته مدة تزيد على اثني عشر قرنًا دينًا متمكنًا في إمبراطوريات انمحت فيها القوميات وكان هو فيها أكبر قوة تعمل على تماسكها.. لقد حاز الإسلام فضلاً لا سبيل لإنكاره بأنه عمل على حل مشكلة التفاهم بين الأمم وهو فضل لا يجحده حتى غير المسلم ممن يتبع دينًا آخر ويعتنق فكرة أخرى في الحياة)([326])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (كويلر يونغ) ([327])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل صادق من قومنا.. وقد أنطقه الله بشهادات تمتلئ صدقا.. سأورد لك بعضها:
فمنها حديثه عن أثر الإسلام في تقدم المجتمعات البشرية، قال: (إن الإسلام قد أسهم بصفة فعالة في تقدم الجماعة الإنسانية، وقد استبدل بالنظام القبلي الذي ورثه – والذي يقوم على رابطة الدم – نظام الجماعة المشتركة في العقيدة والتي يقوم ترابطها الاجتماعي على أساس من الأخوة والمساواة)([328])
وتحدث عن ربانية الشريعة الإسلامية، فقال: (إن النظرية القانونية الإسلامية وما جرى عليه العمل في صدر الإسلام يستمد قاعدة الوحدة والنظام من الله لا من (المدينة) ولا من الدولة والمسلم إلى اليوم يحسّ إحساسًا واضحًا بحكم الله في الحياة اليومية)([329])
وتحدث عن صفاء التوحيد في الإسلام مقارنة بالمسيحية، فقال: (الإسلام يختلف عن المسيحية الرومانية في أنه لا يتخذ لنفسه نظم الكنيسة والقسيسين والقرابين. ولقد تبدو البروتستانتية الخالصة دينًا كهنوتيًا إذا وازناها بالإسلام الذي يحرص على التوحيد الخالص والذي لا يحتمل أي تدخل بين الإنسان وخالقه)([330])
وتحدث عن العقلية العلمية التي تميز بها المسلم، فقال: (إن المسلم يملك المقدرة على استعمال طريقة التجربة في كل الأوضاع الممكنة لنموذج ما، ليأخذ من الحياة أقصى ما تستطيع أن تعطيه)([331])
وتحدث عن تأثير الإسلام في البناء الحضاري، فقال: (كلمة (الإسلام) ثقافيًا تستعمل بالمعنى الواسع لتدل على تلك المدنية المتجانسة – رغم تنوعها – والتي وجهها وسيطر عليها الدين الإسلامي منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا)([332])
وتحدث عن تأثير الإسلام في الحضارة العالمية، فقال: (عندما انتقلت عاصمة الإسلام إلى بغداد في منتصف القرن الثامن الميلادي كان عصر الفتوح قد انتهى، وأصبح ما جاء به القرآن من لغة وقانون ودين يحكم من حدود الصين على أعمدة (هرقل). وفي خلال خمسمائة السنة التي حكم فيها العباسيون نمى الإسلام نظامه الفكري وثقافته المتجانسة على أساس من الإحياء البارع للمعارف الكلاسيكية في القرنين التاسع والعاشر الميلادي وهو (الرنيسانس) الشرقي. هذا الإحياء الثقافي في ذنيك القرنين – وفي القرن الذي تلاهما حيث بلغت الثقافة الإسلامية قمة تطورها – هو الذي نقل إلى العالم اللاتيني.. وأصبح أساس (الرنيسانس) الغربي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر)([333])
وقال: (كان الفارابي وابن سينا معروفين جيدًا في أوروبا، وكان (بيكون) يستشهد بأقوالهما)([334])
وقال: (ليس هناك من شك في أن روح البحث العلمي الجديد وطريقة الملاحظة والتجربة اللذين أخذت بهما أوروبا إنما جاءا من اتصال الطلاب الغربيين بالعالم الإسلامي)([335])
وقال: (لقد قدم العلم الإسلامي للإنسانية خدمات عظيمة، وأضاف إلى تراثها الثقافي القديم والكلاسيكي الشيء الكثير، وظل يلعب دوره حتى تسلّم العلم الغربي منه القيادة)([336])
وقال: (ليس من المعقول لثقافة حية كثقافة الإسلام، يدين بها ثلاثمائة مليون من الأنفس([337])، ألا يكون لها تأثير – بالفعل أو بالقوة – في الحضارة العالمية التي أخذت في الظهور والتكامل في العصر الحديث)([338])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (بارتولد شبولر) ([339])، فسألت الغريب عنه، فقال: لقد نطق هذا الرجل بالصدق عندما قال ـ متحدثا عن سماحة الإسلام مقارنة بالمسيحية ـ: (إن المسيحية والإسلام يقفان موقفين مختلفين في موضوع الأقليات الدينية. أن المسيحية لم تسمح بوجود الأديان الغريبة في أراضيها (باستثناء الدين اليهودي) أما في الإسلام فكان يوجد تبادل ثقافي بين المسلمين وغير المسلمين.. وهذا الفرق الملحوظ يمكن تفسيره بأن المسيحية شهدت قيام دين منافس لها (وهو الإسلام الذي كان ظهوره، إذا تكلمنا من الناحية الواقعية مناقضًا لادعاء المسيحية بأنها آخر وحي منزل). أما الإسلام فقد اعترف نظامه الديني منذ البداية بالعقائد الأخرى التي كانت تعيش معه جنبًا إلى جنب.. وبهذه الطريقة أصبح من الممكن أن ينقل النساطرة الثقافة الكلاسسيكية وأن يقوم اليهود بدورهم في بلاد الأندلس الإسلامية)([340])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (ارنست بانرث) ([341])، فسألت الغريب عنه، فقال: لهذا الرجل شهادات ترتبط بالحضارة الإسلامية:
منها حديثه عن موقف المسلمين من العلم، وتواصلهم مع الثقافة العالمية، وتحليهم بالمنهج العلمي، قال: (إن العرب لم يخربوا ما وجدوه من عناصر ثقافية، بل اهتموا بها وبذلوا جهدهم لهضمها ومن ثم تطويرها. ونرى هنا أن العرب فتحوا باب التعرف على الحضارة اليونانية منذ عصر الأمويين والعباسيين بواسطة المترجمين، وعلى هذه الطريقة تطورت الثقافة تحت حماية الإسلام بالعربية التي هي واسطة ممتازة للتعبير عن الأفكار العليا والتي لا تفوقها في هذا لغة من لغات الدنيا. ولا أراني بحاجة إلى ذكر أسماء الفلاسفة الذين فتحوا آفاقًا جديدة لفهم أسرار الطبيعة والوجود، وما يهمنا هنا هو استعداد العرب لاستعمال الطرق العلمية التي تعلموها من أرسطو طاليس. والتي كانت أولاها: مراقبة الطبيعة والتجربة، وثانيتها: قواعد المنطق الشديدة. ولا شك أن الحضارة الإسلامية ارتفعت في القرون الوسطى إلى علوّ لم ينته إليه قوم آخرون. ولا يخفى أن هذا الاعتلاء كان ثمرة الاجتهاد في كل نواحي الثقافة وتطبيق الطرق العلمية. وأما الغرب الأوروبي فلم يستطع حينئذ فهم الثقافة وتطويرها. وكذلك دولة بيزنطية فقد تجمدت، والآن نرى كيف تعجبت الأقوام الأوروبية من جمال الثقافة العربية التي امتدت من حدود الصين والهند إلى جبال البرانس)([342])
ومنها حديثه عن سبق المسلمين للمنهج التجريبي، وتصديره إلى أوروبا، قال: (كان أول من قلد العرب في التجربة الراهب (روجر بيكون) في إنكلترا. وحتى الآن يشكر علماء الطبيعة في أوروبا العرب على إدخال طريقة التجربة العلمية التي دلّت على التطور الحديث في جميع الميادين)([343])
ومنها حديثه عن تأثير المسلمين في الحضارة الغربية، قال: (لم يزل العلماء يواصلون الكشف عن العناصر العربية المؤثرة في الفكر الأوروبي خلال القرون الوسطى، وفي كل سنة تظهر آثار منشورة تشهد بأننا لا نقدر الآن ما أخذه الأوروبيون من العرب)([344])
وقال: (انتشرت في أوروبا الرغبة العظيمة لدراسة اللغة اليونانية منذ تعرفوا على الفلسفة اليونانية بواسطة العرب، وأدى هذا الاهتمام الجديد بالتدريج إلى تلك الحركة الثقافية في أوروبا في القرن الخامس عشر المسماة بحركة إحياء العلوم القديمة ولم يزل الاهتمام في أوروبا بعلوم العرب خلال تلك الدورة، بل لقد أدى إلى الاشتغال بالعربية من جديد في القرن السابع عشر)([345])
قلبت بعض الصفحات من دفتر الغريب، فرأيت عنوان (أصدقاء من دول شتى)، تحته أسماء دول كثيرة، فقلت: ما هذا؟.. إني أرى قاموسا لدول العالم في هذا المحل.
قال: لقد ذكرت في هذا المحل دولا كثيرة مررت بها.. وسمعت من أهلها بعض كلمات الصدق..
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (إسبانيا)، فأصابني ألم شديد، فقلت: هذه الأندلس.. وقد ضاعت من أيدينا.
قال: عندما أسأتم تمثيل الإسلام فيها ضاعت من أيديكم.. وما كان لها أن تبقى.. لقد أراد الله بفتحها عليكم أن تملأوا الأرض إيمانا وصلاحا ومحبة وسلاما.. فلما انشغلتم بأودية الهوى، وزخارف الحياة الدنيا، وتصورتموها إقطاعا من إقطاعاتكم التي تتنازعون عليها سلبها منكم.
قلت: فهل يمكن أن تعود إلينا؟
قال: لتملكوها، أم لترشدوها؟
لم أجد ما أجيب به، فقال: أما إن قصدتم ملكها، ليحكمها سلاطين بني الأحمر، فلا أرجعها الله لكم.. وأما إن أردتم أن ترشدوها، فها هي بين أيديكم.. إن لم تملكوا أن ترحلوا إليها بأجسادكم فلترحلوا إليها بالدعوة الصادقة والقدوة الطيبة.
لم أجد ما أجيبه به، فقال: يخطئ قومك حين يربطون الفتوح بالسيوف.. الفتح فتح القلوب، لا فتح السيوف، فالسيوف أضعف من أن تمتد لما تمتد له القلوب.
قلت: صدقت فقد قال الله تعالى:{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (النصر:1)، ثم عقب عليها مباشرة بقوله:{ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً) (النصر:2)
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (جون براند ترند) ([346])، فسألت الغريب عنه، فقال: لهذا الرجل شهادات صادقة ترتبط بتاريخ المسلمين وحضارتهم.
منها شهادته على تسامح المسلمين، قال: (في القرن العاشر الميلادي تردّى معظم أوروبا في همجية ووحشية مريعة، على حين أن المسلمين في إسبانيا ضربوا مثلاً رائعًا بما كفلوه لغيرهم من ذوي العقائد المخالفة لمذهبهم من سعة العيش والتسامح)([347])
وقال: (آثر الغزاة المسلمون أن يشتروا من السكان المسيحيين بقرطبة جانبًا من الكاتدرائية القديمة. ورأوا أن ذلك خير لهم من أخذها عنوة واغتصابًا، وهذا شاهد ينطق بما اشتهروا به من التسامح مع أصحاب العقائد المخالفة لعقيدتهم)([348])
وفي مقابل ذلك ما لقي العرب من غلظة وشدة من طرف المسيحيين بعد خروج المسلمين، قال: (إن العرب المتنصرين التعساء المعروفين بالموريسكو لقوا من المسيحيين من المعاملة السيئة مالا يقابله إلا ما لقيه المسيحيون من المسلمين من التسامح في مرحلة سابقة من تاريخ إسبانيا الإسلامية والمسؤول عن كل ذلك الأمر من بدايته إلى نهايته هم رجال الكنيسة)([349])
ومنها شهادته التقدم الذي وصل إليه المسلمون في الأندلس، قال: (الشيء الذي لا يمكن نكرانه هو أن عرب إسبانيا خلقوا مدنية زاهرة وأتقنوا تنظيم الحياة الاقتصادية في الوقت الذي كانت تنوء أغلب أصقاع أوروبا تحت نير الشقاء والأغلال مادية كانت أم روحية. أجل فقد لعب عرب إسبانيا دورًا خطيرًا في تقدم الفن والفلسفة والشعر حتى ارتفع تأثيرها إلى أعلى قمم الفكر المسيحي في القرن الثالث عشر بظهور توما الأكويني ودانتي)([350])
وقال: (إن قرطبة فاقت كل حواضر أوروبا مدنية أثناء القرن العاشر، كانت في الحقيقة محط إعجاب العالم ودهشته. وكان السياح القادمون من الشمال يسمعون بما هو أشبه بالخشوع والرهبة عن تلك المدينة التي تحوي سبعين مكتبة وتسعمائة حمام عمومي. فإن أدركت الحاجة حكام ليون أو النافار أو برشلونة إلى جراح أو مهندس معماري أو خائط ثياب أو موسيقي فلا يتوجهون بمطلبهم إلا إلى قرطبة)([351])
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (جوان فيرنيه) ([352])، فسألت الغريب عنه، فقال: لقد تحدث هذا الرجل عن تأثير المسلمين في الحضارة الغربية، فقال: (في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، اكتسبت حركة الترجمة قوة غير عادية، إذ أصبح عدد الكتب المترجمة في صقلية وبخاصة في إسبانيا، يثير الإعجاب، وتدفق علم الإغريق والرومان على الأديرة الأوروبية من خلال العقول العربية، وأدمجت الكشوف التي توصل إلى العرب ضمن رصيد من الثقافة الغربية.. وتوافد على (طليطلة) عدد كبير من العلماء الأوروبيين المتلهفين إلى الحصول على المعارف العلمية الشرقية.. وبالرغم من أن هؤلاء العلماء لم يعملوا معًا كأصحاب مدرسة إلاّ أن إنتاجهم المكثف والغزير قد غيّر شكل المجتمع الأوروبي لكن أولئك العلماء وإن كانوا قد استطاعوا أن يتمثلوا بسهولة النصوص التي وصلت إليهم، أخفقوا في إدخال أي تطوير يذكر عليها)([353])
وقال: (في بداية القرن العشرين بدأت حقبة جديدة من الترجمات العلمية تقدم من العالم الغربي إلى عالم الإسلام، شأنها شأن تلك الحركة التي قدمت من القرن الثاني إلى القرن الرابع الهجري (الثامن إلى العاشر الميلادي)([354])
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (إيطاليا)، وقد رأيت من الأصدقاء الذين سجلهم الغريب:
قلت: من هي (لورا فيشيا فاغليري) ([355]) ؟.. وما شهاداتها؟
قال: هذه امرأة إيطالية تمتلئ صدقا.. وتفيض محبة.. وقد دافعت عن الإسلام وكأنها أحد أبنائه.
قلت: شوقتني إليها، وإلى أحاديثها، فأخبرني عنها.
قال: لهذه المرأة الفاضلة شهادات كثيرة لا يمكنني ذكرها جميعا هنا.. ولكني سأذكر لك خمسة أنواع من الشهادات.
قلت: فما أولاها؟
قال: شهادتها المرتبطة بالقرآن الكريم.. فقد تحدثت عن القرآن الكريم بصدق عظيم، فاعتبرته معجزة بكل المقاييس، قالت: (إن معجزة الإسلام العظمى هي القرآن الذي تنقل إلينا الرواية الراسخة غير المنقطعة، من خلاله، أنباء تتصف بيقين مطلق. إنه كتاب لا سبيل إلى محاكاته. إن كلاً من تعبيراته شامل جامع، ومع ذلك فهو ذو حجم مناسب، ليس بالطويل أكثر مما ينبغي، وليس بالقصير أكثر مما ينبغي. أما أسلوبه فأصيل فريد. وليس ثمة أيما نمط لهذا الأسلوب في الأدب العربي تحدر إلينا من العصور التي سبقته. والأثر الذي يحدثه في النفس البشرية إنما يتم من غير أيما عوض عرضي أو إضافي من خلال سموه السليقي. إن آياته كلها على مستوى واحد من البلاغة، حتى عندما تعالج موضوعات لابد أن تؤثر في نَفَسها وجرسها كموضوع الوصايا والنواهي وما إليها. إنه يكرر قصص الأنبياء عليهم السلام وأوصاف بدء العالم ونهايته، وصفات الله وتفسيرها، ولكن يكررها على نحو مثير إلى درجة لا تضعف من أثرها. وهو ينتقل من موضوع إلى موضوع من غير أن يفقد قوته. إننا نقع هنا على العمق والعذوبة معًا – وهما صفتان لا تجتمعان عادة – حيث تجد كل صورة بلاغية تطبيقًا كاملاً فكيف يمكن أن يكون هذا الكتاب المعجز من عمل محمد، وهو العربي الأميّ الذي لم ينظم طوال حياته غير بيتين أو ثلاثة أبيات لا ينمّ أي منها عن أدنى موهبة شعرية؟)([356])
وهي تستدل بحفظه من التحريف على مصدره الإلهي، قالت: (لا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي في هذه الحقيقة: وهي أن نصّه ظل صافيًا غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنزيله ويوم الناس هذا، وأن نصه سوف يظل على حاله تلك من الصفاء وعدم التحريف، بإذن الله، مادام الكون)([357])
وقالت: (من حسن الطالع أن الجمود مرض لابدّ أن يزول، بل إنه في الواقع شرع يزول في ما يبدو. فإلى الكتاب العزيز الذي لم يحرّفه قط لا أصدقاؤه ولا أعداؤه، لا المثقفون ولا الأميون، ذلك الكتاب الذي لا يبليه الزمان والذي لا يزال إلى اليوم كعهده يوم أوحى الله به إلى الرسول الأمي البسيط آخر الأنبياء حملة الشرائع عليهم السلام، إلى هذا المصدر الصافي دون غيره سوف يرجع المسلمون حتى إذا نهلوا مباشرة من معين هذا الكتاب المقدس فعندئذ يستعيدون قوتهم السابقة من غير ريب. وثمة بيّنات قوية على أن هذه العملية قد بدأت فعلاً)([358])
وهي تذكر ما يتميز به القرآن الكريم من الجاذبية، فقالت: (إن هذا الكتاب، الذي يتلى كل يوم في طول العالم الإسلامي وعرضه، لا يوقع في نفس المؤمن أيما حسّ بالملل. على العكس، إنه من طريق التلاوة المكررة يحبب نفسه إلى المؤمنين أكثر فأكثر يومًا بعد يوم. إنه يوقع في نفس من يتلوه أو يصغي إليه حسًا عميقًا من المهابة والخشية. إن في إمكان المرء أن يستظهره في غير عسر، حتى إننا لنجد اليوم، على الرغم من انحسار موجة الإيمان، آلافًا من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب. وفي مصر وحدها عدد الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوروبا كلها)([359])
وهي تذكر مدى انسجام ما ذكره القرآن من الكونيات مع البحث العلمي: (فيما يتصل بخلق الكون فإن القرآن على الرغم من إشارته إلى الحالة الأصلية وإلى أصل العالم.. لا يقيم أيما حدّ مهما يكن في وجه قوى العقل البشري، ولكنه يتركها طليقة تتخذ السبيل الذي تريد)([360])
قلت: فما الثانية؟
قال: شهاداتها حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فلها ثناء عطر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعبر عما يحمله قلبها من محبة له.
قالت: (كان محمد المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة. لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعًا الأناة دائمًا اعتقادًا منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلام إلى النور.. لقد عرف جيدًا أن الله لابد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشري)([361])
وقالت: (حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله ببعض التهم المفتراة. لقد نسوا أن محمدًا كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته. ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد على تهديد الكاذبين والمرائين، في بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك وحاشاه رجلاً كاذبًا؟كيف جرؤ على التبشير، على الرغم من إهانات مواطنيه، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه، وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة، حثًا موصولاً؟كيف استطاع أن يستهل صراعًا كان يبدو يائسًا؟كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، في مكة، في نجاح قليل جدًا، وفي أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته؟كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد كان عميقًا وأكيدًا)([362])
وقالت: (دعا الرسول العربي بصوت ملهم باتصال عميق بربه، دعا عبدة الأوثان وأتباع نصرانية ويهودية محرّفتين على أصفى عقيدة توحيدية. وارتضى أن يخوض صراعًا مكشوفًا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى)([363])
وهي ترد بصدق وعلم على شبهة تعدد زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتقول: (إن محمدًا طوال سنين الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون، وعلى الرغم من أنه عاش في مجتمع كمجتمع العرب، حيث كان الزواج، كمؤسسة اجتماعية، مفقودًا أو يكاد، وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلاً إلى أبعد الحدود، لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير، هي خديجة التي كانت سنّها أعلى من سنّه بكثير، وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب، ولم يتزوج كرة ثانية، وأكثر من مرة، إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره)([364])
قلت: فما الثالثة؟
قال: شهاداتها عن الدعوة الإسلامية، وكيفية انتشار الإسلام، فقد قالت: (إن انتشار الإسلام السريع لم يتم لا عن طريق القوة ولا بجهود المبشرين الموصولة. إن الذي أدى إلى ذلك الانتشار كون الكتاب الذي قدمه المسلمون للشعوب المغلوبة، مع تخييرها بين قبوله ورفضه، كتاب الله، كلمة الحق، أعظم معجزة كان في ميسور محمد أن يقدمها إلى المترددين في هذه الأرض)([365])
وقالت: (كانت حملة كبيرة على سوريا.. رهن الإعداد، عندما أسكت الموت إلى الأبد صوت النبي الذي كان قد أحدث هذه الهزة العميقة في تلك القلوب كلها، والذي كان مقدرًا له أن يستهوي عما قريب شعوبًا أخرى تقيم في مواطن أكثر إمعانًا في البعد. وكان في السنة الحادية عشرة من الهجرة)([366])
وقالت: (إن الآية القرآنية التي تشير إلى عالمية الإسلام بوصفه الدين الذي أنزله الله على نبيه { رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (الانبياء:107) هي نداء مباشر للعالم كله. وهذا دليل ساطع على أن الرسول شعر في يقين كلّي أن رسالته مقدر لها أن تعدو حدود الأمة العربية وأن عليه أن يبلغ (الكلمة) الجديدة إلى شعوب تنتسب إلى أجناس مختلفة، وتتكلم لغات مختلفة)([367])
وقالت: (بفضل الإسلام هزمت الوثنية في مختلف أشكالها. لقد حرّر مفهوم الكون، وشعائر الدين، وأعراف الحياة الاجتماعية من جميع الهولات أو المسوخ التي كانت تحط من قدرها، وحررت العقول الإنسانية من الهوى. لقد أدرك الإنسان آخر الأمر، مكانته الرفيعة.. لقد حررت الروح من الهوى، وأطلقت إرادة الإنسان من القيود التي طالما أبقته موثقًا إلى إرادة أناس آخرين، أو إلى إرادة قوى أخرى يدعونها خفية. لقد هوى الكهان، وحفظة الألغاز المقدسة الزائفون، وسماسرة الخلاص، وجميع أولئك الذين تظاهروا بأنهم وسطاء بين الله والإنسان والذين اعتقدوا بالتالي أن سلطتهم فوق إرادات الآخرين، لقد هوى هؤلاء كلهم عن عروشهم. إن الإنسان أمسى خادم الله وحده، ولم تعد تشده إلى الآخرين من الناس غير التزامات الإنسان الحرّ نحو الإنسان الحرّ. وبينما قاسى الناس في ما مضى مظالم الفروق الاجتماعية، أعلن الإسلام المساواة بين البشر، لقد جُعل التفاضل بين المسلمين، لا على أساس من المحتد أو أي عامل آخر غير شخصية المرء، ولكن على أساس من خوف الله، وأعماله الصالحات، وصفاته الخلقية والفكرية ليس غير)([368])
قلت: فما الرابعة؟
قال: شهاداتها المرتبطة بالحضارة الإسلامية، ومن ذلك قولها: (كيف نستطيع أن نقول إن الإسلام عاق نموّ الثقافة في القرون السالفة ونحن نعلم أن بلاطات الإسلام ومدارسه كانت آنذاك منارات ثقافة لأوروبا الغارقة في ظلمات القرون الوسطى، وأن أفكار الفلاسفة العرب بلغت آنذاك منزلة رفيعة جعلت العلماء الغربيين يقتفون آثارهم، وأن هارون الرشيد أصدر أمره آنذاك بأن يلحق بكل مسجد مدرسة يتلقى فيها الطلاب مختلف العلوم، وأن المكتبات الحافلة بمئات الآلاف من الكتب كانت مشرعة الأبواب آنذاك في وجه العلماء والدارسين في طول العالم الإسلامي وعرضه؟ ألم يكن العرب أول من اصطنعوا الطرائق التجريبية قبل أن يعلن بيكون ضرورتها بزمن طويل؟ وتطور الكيمياء، وعلم الفلك، ونشر العلم الإغريقي، وتعزيز دراسة الطب، واكتشاف مختلف القوانين الفيزيائية، أليست هذه من مآثر العرب؟)([369])
قلت: فما الخامسة؟
قال: شهاداتها عن نظام الأسرة الذي شرعه الإسلام، فقد قالت: (في ما يتصل بالزواج لا تطالب السّنة الإسلامية بأكثر من حياة أمينة إنشائية يسلك فيها المرء منتصف الطريق، متذكرًا الله من ناحية، ومحترمًا حقوق الجسد والأسرة والمجتمع وحاجاتها من ناحية ثانية)([370])
وقالت: (إنه لم يقم الدليل حتى الآن، بأي طريقة مطلقة، على أن تعدد الزوجات هو بالضرورة شر اجتماعي وعقبة في طريق التقدم. ولكنا نؤثر ألا نناقش المسألة على هذا الصعيد. وفي استطاعتنا أيضاً أن نصرّ على أنه في بعض مراحل التطور الاجتماعي، عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها، كأن يقتل عدد من الذكور ضخم إلى حد استثنائي في الحرب مثلاً، يصبح تعدد الزوجات ضرورة اجتماعية والحق أن الشريعة الإسلامية التي تبدو اليوم وكأنها حافلة بضروب التساهل في هذا الموضوع إنما قيدت تعدد الزوجات بقيود معينة، وكان هذا التعدد حرًّا قبل الإسلام، مطلقًا من كل قيد. لقد شجب الإسلام بعض أشكال الزواج المشروط والمؤقت التي كانت في الواقع أشكالاً مختلفة للتسرّي الشرعي (المعاشرة من غير الزواج). وفوق هذا منح الإسلام المرأة حقوقًا لم تكن معروفة قط من قبل. وفي استطاعتنا، في كثير من اليسر، أن نحشر الشواهد المؤيدة لذلك)([371])
وقالت: (القرآن يبيح الطلاق. ومادام المجتمع الغربي قد ارتضى الطلاق أيضاً، واعترف به في الواقع كضرورة من ضرورات الحياة، وخلع عليه في مكان تقريبًا صفة شرعية كاملة ففي ميسورنا أن نغفل الدفاع عن اعتراف الإسلام به. ومع ذلك فإننا بدراستنا له، وبمقارنتنا بين عادات العرب في الجاهلية وبين الشريعة الإسلامية، نفوز بفرصة نظهر فيها أن القانون الإسلامي قد دشن في هذا المجال أيضاً إصلاحًا اجتماعيًّا. فقبل عهد الرسول كان العرف بين العرب قد جعل الطلاق عملاً بالغ السهولة.. أما القانون الإلهي فقد سنّ بعض القواعد التي لا تجيز إبطال الطلاق فحسب بل التي توصى به في بعض الأحوال.. وليس للمرأة حق المطالبة بالطلاق، ولكنها قد تلتمس فسخ زواجها باللجوء إلى القاضي، وفي إمكانها أن تفوز بذلك إذا كان لديها سبب وحيه يبرّره. والغرض من هذا التقيد لحق المرأة في المبادرة هو وضع حد لممارسة الطلاق، لأن الرجال يعتبرون أقل استهدفًا لاتخاذ القرارات تحت تأثير اللحظة الراهنة من النساء. وكذلك جعل تدخل القاضي ضمانًا لحصول المرأة على جميع حقوقها المالية الناشئة عن إنجاز فسخ الزواج. وهذه القاعدة، والقاعدة الأخرى التي تنصّ على أنه في حال نشوب خلاف داخل الأسرة يتعين اللجوء إلى بعض الموفقين ابتغاء الوصول إلى تفاهم، تنهضان دليلاً كافيًا على أن الإسلام يعتبر الطلاق عملاً جديرُا باللوم والتعنيف. والآيات القرآنية تقرر ذلك في صراحة بالغة.. وثمة أحاديث نبوية كثيرة تحمل الفكرة نفسها)([372])
وقالت: (اجتنابًا للإغراء بسوء ودفعًا لنتائجه يتعيّن على المرأة المسلمة أن تتخذ حجابًا، وأن تستر جسدها كله، ماعدا تلك الأجزاء التي تعتبر حريتها ضرورة مطلقة كالعينين والقدمين. وليس هذا ناشئًا عن قلة احترام للنساء، أو ابتغاء كبت إرادتهن، ولكن لحمايتهن من شهوات الرجال. وهذه القاعدة العريقة في القدم، القاضية بعزل النساء عن الرجال، والحياة الأخلاقية التي نشأت عنها، قد جعلتا تجارة البغاء المنظمة مجهولة بالكلية في البلدان الشرقية، إلا حيثما كان للأجانب نفوذ أو سلطان. وإذا كان أحد لا يستطيع أن ينكر قيمة هذه المكاسب فيتعين علينا أن نستنتج أن عادة الحجاب.. كانت مصدر فائدة لا تثمن للمجتمع الإسلامي)([373])
سكت الغريب، فقلت: لا أرى إلا أن هذه المرأة الصالحة امرأة مؤمنة تكتم إيمانها، فيستحيل على من يفيض قلبه بهذه الكلمات أن لا يكون قد امتلأ عشقا لهذا الدين، ولنبي هذا الدين.
قال: صدقت.. فقد يتكلف المرء كل شيء إلا في هذا.
من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (دافيد دي سانتيلانا) ([374])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل كتب له أن يعيش بين المسلمين.. وكتب لعينيه أن تكتحلا بجمال الشريعة.. ولذلك تجد في كلماته من الصدق ما يرفعه في عينك إلى مرتبة قد تخطئ في التعبير عنها.
قلت: فما شهاداته؟
قال: لقد تحدث عن قدرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تحويل الولاء للقبيلة الذي يمثل العنصرية إلى الولاء للإسلام الذي يمثل الولاء للفكرة، فقال: (ما كان من محمد إلا أن تناول المجتمع العربي هدمًا من أصوله وجذوره وشاد صرحًا اجتماعيًا جديدًا.. هذا العمل الباهر لم تخطئه عين (ابن خلدون) النفاذة الثاقبة. إن محمدًا هدم شكل القبيلة والأسرة المعروفين آنذاك، ومحا منه الشخصية الفردية Gentes والموالاة والجماعات المتحالفة. من يعتنق دين الإسلام عليه أن ينشئ روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته، إلا إذا كانوا يعتنقون دينه (إخوته في الإيمان). فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول لهم كما قال إبراهيم لأهله: (لقد تقطعت بيننا الأسباب)([375])
وتحدث عن ثمرة ذلك، فقال: (ذلكم هو شكل النظام الجديد الذي دعا إليه محمد.. ونحن نجد في ظله أن قيمة الفرد بدأت تتضح وكينونته البشرية أخذت تبرز إلى عالم الوجود فصار يستمد حقوقه وواجباته من إيمانه ويستقيها من معين دينه لا من روابطه الاجتماعية والعرفية. فمن جماعة المؤمنين هؤلاء تكون المجتمع الإسلامي)([376])
وتحدث عن الوجهة التي يتوجه إليها ولاء المؤمن، فقال: (إن أساس الوحدة الاجتماعية يمثله (الله) في الإسلام. فالله هو الاسم الذي يطلق على السلطة العاملة في حقل المصلحة العامة. وعلى هذا المنوال يكون بيت المال هو (بيت مال الله)، والجند هم (جند الله)، حتى الموظفون العموميون هم (عمال الله) وليست العلاقة بين الله والمؤمن بأقل قوة من ذلك ولا يوجد بين المؤمن وربه (وسيط)، وما دام الإسلام لا يقرّ بسلطان كنسي وكهنوتي ولا يعترف بأسرار كنيسة مقدسة، فأي فائدة ترتجى من الوسيط بين الإنسان وبين خالقه الذي كان يعرفه قبل أن يبدعه والذي هو { أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(قّ:16).. إن الله بعد أن أرسل إلى البشر خاتمة أنبيائه وكلمته النهائية، لم يعد ثم من ينطق بلسانه أو يعرف عن إرادته. الإنسان وحده ماثل أمام الله في حياته وموته وله أن يخاطبه رأسًا بلا وسيط، أو شفاعة أو (إجراءات).. والإنسان من فجر حياته حتى موته تحت أنظار الله وهو وحده يمثل أمام الله يوم الحشر.. إن اشد المذاهب البروتستانتية صرامة إنما تكاد تكون مذهبًا كهنوتيًا صرفًا إذا ما قورنت بعقيدة التوحيد الراسخة التي لا تلين ولا تتزعزع ولا تسمح بالتدخل بين الخالق والمخلوق)([377])
وتحدث عن عالمية الرسالة، فقال: (كان محمد رسول الله إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول الله إلى العرب)([378])
وتحدث عن رعاية الشريعة للمصالح، فقال: (إن مبادئ الإسلام القانونية على تعدد أشكالها، تؤول إلى غاية واحدة هي الرفاه العام (المصلحة). لذلك فليس لهذا القانون: الإلهي مصدرًا والبشري هدفًا، إلا سعادة البشر ورفاهه. والعين النافذة لا يمكن أن تخطئ رؤية هذه الغاية وإن شق عليها أن تتبينها لأول وهلة. لأن الله لا يمكن أن يعمل شيئًا لا تتجلى فيه الحكمة والرأفة اللتان هما باعثاه الأساسيان. لما كان البشر من روح وجسد فلابد أن يكون للمرء اتجاهان في الحياة: اتجاه روحي واتجاه جسدي (مادي ومعنوي) وعلى هذا الأساس كانت القواعد (الحدود) الإلهية التي وضعها الله لتدبير البشر منقسمة إلى قسمين: ما يتعلق منها بالروح وما يختص منها بالجسد. فالدين والقانون هما نظامان متباينان لكنهما متلاحمان يتم أحدهما الآخر باتحادهما في المصدر والغرض وهو سعادة البشر ورفاهه)([379])
وقال: (لما كان الشرع الإسلامي يستهدف منفعة المجموع، فهو بجوهره شريعة تطورية غير جامدة خلافًا لشريعتنا من بعض الوجوه. ثم إنها علم ما دامت تعتمد على المنطق الجدلي.. وتستند إلى اللغة.. إنها ليست جامدة، ولا تستند إلى مجرد العرف والعادة، ومدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على هذا الرأي. فيقول أتباع المذهب الحنفي أن القاعدة القانونية ليست بالشيء الجامد الذي لا يقبل التغيير. إنها لا تشبه قواعد النحو والمنطق. ففيها يتمثل كل ما يحدث في المجتمع بصورة عامة.. إن المنفعة هي مبدأ الفقهاء والمشرعين، ولقد أدرك العرب بوضوح تام سرّ هذه المرونة وهو الاستعمال بلا ريب.. أن هذا التفاعل المستمر للفقه في الحياة يمكن تتبعه في مسالك التاريخ الإسلامي)([380])
ورد على من يدعي استمداد الشريعة من القانون الروماني، فقال: (عبثًا نحاول أن نجد أصولاً واحدة تلتقي فيها الشريعتان الشرقية والغربية (الإسلامية والرومانية) كما استقر الرأي على ذلك. إن الشريعة الإسلامية ذات الحدود المرسومة والمبادئ الثابتة لا يمكن إرجاعها أو نسبتها إلى شرائعنا وقوانيننا لأنها شريعة دينية تغاير أفكارنا أصلاً)([381])
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (بلجيكا)، وقد رأيت من الأصدقاء الذين سجلهم الغريب (جورج سارتون)
قلت: من هو جورج سارتون([382]) ؟
قال: هذا رجل مهتم بتاريخ العلوم، وقد كان له من البحث الصادق ما جعله أوسع من أن ينحصر في مجال تخصصه، فلهذا عرف من الحقائق ما جعله يشهد لها.
لقد ذكر القرآن، وتأثيره في اللغة العربية، فقال: (إن لغة القرآن على اعتبار أنها اللغة التي اختارها الله جل وعلا للوحي كانت، بهذا التحديد، كاملة.. وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية إلى مقام المثل الأعلى في التعبير عن المقاصد،.. وجعل منها وسيلة دولية للتعبير عن أسمى مقتضيات الحياة)([383])
وتحدث عن صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفضله، فقال: (صدع الرسول بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة، وكان مثل إخوانه الأنبياء السابقين ولكن كان أفضل منهم بما لا نسبة فيه.. وكان زاهدًا وفقيهًا ومشرعًا ورجلاً عمليًا)([384])
بل إنه اعتبر انتصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم انتصار حققه نبي من الأنبياء، فقال: (إنه لم يتح لنبي من قبل.. أن ينتصر انتصارًا تامًا كانتصار محمد)([385])
وقال: (كان النبي محمد أشمل في دعوته وأعمق من كل من سواه من الأنبياء)([386])
وذكر اثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحضارة الإسلامية، فقال: (لم يكن محمد نبي الإسلام فحسب، بل نبي اللغة العربية والثقافة العربية ([387])، على اختلاف أجناس المتكلمين بها وأديانهم)([388])
واعتبر المنجزات التي حققها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم المنجزات في تاريخ البشرية، فقال: (ثمة حادثة واحدة من أخصب الحوادث نتائج في تاريخ الإنسانية ألا وهي ظهور الإسلام)([389])
وتحدث عن شمولية الإسلام للدين والدولة، فقال: (كانت الهجرة حدًا فاصلاً في حياة الرسول، وفي تاريخ الدين الجديد. إنها البدء الرسمي للإسلام كدين ودولة معًا)([390])
وتحدث عن مزايا التشريعات الإسلامية، ومراعاتها للفطرة، فقال: (ليس في أركان الإسلام الخمسة شيء ينفر منه غير المسلم وعلى الرغم من بساطة هذه الفروض وقلة عددها فإنه لم يكن بالإمكان إدخال إصلاح ما عليها يقود إلى أن تثبت العقيدة الإسلامية في نفسه كل مسلم أو تقوى بعد ثبوتها ثم يسهل انتشارها فوق ما ثبتت وقويت وانتشرت فعلاً. إن القيمة العملية للعقيدة الإسلامية لها دليل ذاتي من قوتها ورسوخها وانتشارها)([391])
وقال: (إن فرض الصيام في كل نهار من مطلع الفجر إلى غياب الشمس شهرًا كاملاً كان امتحانًا قاسيًا لكل مسلم.. ولكنه كان وسيلة بارعة لسبر غور الإيمان في صدر كل مسلم ولتثبيت ذلك الإيمان أيضًا.. ولقد أدرك الإسلام الحاجة إلى تنظيم شديد كيما يقوى إيمان المسلمين وتتطهر قلوبهم. من أجل ذلك كان شهر الصيام والحج من التمارين التي تحمل على هذا التنظيم وتقوم به أحسن قيام، إن كثيرًا من كنائسنا نحن قد ضعفت إلى درجة التفاهة لتساهلها ولفقدان التنظيم فيها ولقلة ما تفرضه على أتباعها. إن اتباع هذه الكنائس إذا دفعوا اشتراكاتهم (بدل جلوسهم على مقاعد الكنيسة) عدوا من المؤمنين حقًا. إن مثل هذه الكنائس قد تكون غنية، ومع ذلك فإنها، من حيث التأثير، في حكم المفقودة. فإذا كنتم تريدون أتباع كنائس ذوي إيمان فعليكم أن تفرضوا عليهم نظامًا شديدًا وأن تطلبوا منهم تضحيات حقيقية. ولقد عرف محمد ذلك جيدًا، وهذه علامة أخرى من علامات عبقرية النبوة فيه)([392])
وتحدث عن حكمة الإسلام من تحريم الخمر، فقال: (حرم الإسلام الخمر في مطلع دعوته، وها نحن اليوم بعد أن انتشرت الخمور وزادت نسبة الكحول فيها إلى درجة فتاكة ندرك حكمة الإسلام وبعد نظره)([393])
وتحدث عن سماحة الإسلام، فقال: (ما تميز به الإسلام من السماحة والبساطة والاعتدال، يسرّ لأي إنسان في أي موطن، أن يتقبله وينفذ إلى روحه وجوهره منذ اللحظة الأولى)([394])
قلت: إن شهادات هذا الرجل تنبئ عن فهم عميق للإسلام.
قال: لعل الأمر أعمق من أن يكون مجرد فهم.. فحديث هذا الرجل عن حب الله في هذا العصر لا يدل إلا على الأعماق التي جعلته يصرح بهذه التصريحات.
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (النمسا)، وقد رأيت من الأصدقاء الذين سجلهم الغريب (الكاردينال كوينج)
قلت: من هو الكاردينال كوينج([395])؟
قال: هذا رجل دين من النمسا.
قلت: كيف يكون رجل دين، ويشهد للإسلام؟
قال: ليس ذلك مستغربا.. فلابد أن يعيش الإنسان في حياته لحظة من لحظات الصدق.. وهذه اللحظات قد تنطقه بشهادة الحق التي ظل يبتعد عنها طول حياته.
قلت: فاذكر لي شهادات هذا الرجل.
قال: من شهاداته شهادته حول اهتمام القرآن بالفكر، مبينا اتفاقه مع الكتاب المقدس في هذا، قال: (يحدثنا القرآن الكريم عن الإنسان ومحاولته الوصول إلى خالقه في هذه الآيات البينات:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164)، ويحدثنا الكتاب المقدس عن هذا المعنى في هذه العبارة: (أن قدرة الله الأزلية وألوهيته منذ خلق العالم، تتجلى في مخلوقاته بنور الفكر الإنساني)([396])
وذكر اهتمام القرآن الكريم بالتوحيد، بل اعتباره الغاية الأسمى منه، فقال: (إن تاريخ الدين بوجه عام وتاريخ التوحيد على وجه خاص يظهرنا على أن الإيمان بالله وحده هو الجواب الشافي الوحيد عن كل سؤال عن أصل الكون والإنسانية والغاية من وجودهما فلا يمكن أن يكون للحياة الإنسانية من هدف إلا الله وحده وكل تديّن في الإنسان مرده في الأصل – عن إدراك أو بغير إدراك واع – إلى الإيمان بإله واحد، ولقد كان هناك توحيد حين ظهر الإسلام واتخذ الإسلام التوحيد سبيلاً لأتباعه المؤمنين. ولا شك أن الغزالي على حق يقرر أن الإيمان بالله وحده هو المقصد الأسمى للقرآن الكريم)([397])
وقال: (لنقلها إذن في صراحة ووضوح: إن التوحيد عدو لكل من نصب نفسه معيارًا للحياة الإنسانية في هذه الأرض، وهذه الحقيقة هي التي ترسم لنا حدود مسؤولياتنا.. وليكن همنا في هذه الأيام العصيبة أن نعين الناس على أن يستجيبوا لأمر الله فيقيسوا حياتهم وفق أمره ومشيئته وفي هذه الاستجابة لنداء الفطرة (كما يدعوها المسلمون) المستكنة في قلب كل بشر، جوهر الإيمان بالله الحق المبين. ولعلنا بذلك نخطو الخطوة الحاسمة في إقرار التوحيد بين البشر)([398])
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (بولونيا)، وقد رأيت من الأصدقاء الذين سجلهم الغريب (بوجينا غيانة ستشيجفسكا)
قلت: من هي هذه المرأة التي تشرفت بأن يوضع اسمها في كتاب يبحث في القلوب التي صدقت مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: هذه بوجينا غيانة ستشيجفسكا([399])، وهي باحثة بولونية معاصرة، درست الإسلام في الأزهر الشريف، وقد مكنها ذلك من أن تعرف الإسلام عن كثب، ولهذا كان لها هذه الشهادات الصادقة.
منها شهادتها حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، قالت: (إن القرآن الكريم مع أنه أنزل على رجل عربي أمي نشأ في أمة أمية، فقد جاء بقوانين لا يمكن أن يتعلمها الإنسان إلا في أرقى الجامعات. كما نجد في القرآن حقائق علمية لم يعرفها العالم إلا بعد قرون طويلة)([400])
ومنها شهادتها حول إيجابية الإيمان بالقضاء والقدر في الإسلام، قالت: (ليس معنى الإيمان بالقضاء والقدر أن يترك المسلم العمل لأن القرآن والنبي أمرا بالعمل والاجتهاد في كل شيء. وقال الله تعالى:{ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } (التوبة: 105)([401])
ومنها شهادتها حول المقصد الشرعي من الصلاة، قالت: (فرض الله سبحانه وتعالى على المسلم خمس صلوات في اليوم ليكون دائم الاتصال بالله، وقبل أن يدخل المسلم الصلاة لابدّ أن يكون طاهرًا ونظيفًا فالإسلام دين النظافة)([402])
ومنها شهادتها حول الشورى في الإسلام، قالت: (كان تاريخ التشريع في عهد الخلفاء الراشدين يعتمد على الشورى، وأساسها قول الله تعالى:{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } (آل عمران: 159)، وكذلك فعل الرسول مع أصحابه، فقد كان يستشيرهم في الأمور التي لم ينزل فيها عليه وحي)([403])
ومنها شهادتها حول أهمية الفقه، قالت: (كان الفقه مدار سياستهم وروح حياتهم وبه تدبير ملكهم. وكانت حركة الإسلام سريعة الانتشار حتى عمت المشارق والمغارب لأن الإسلام يأمر أهله بالوقوف عند حدود الشريعة وبصيانة حقوق الخلق أجمعين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. فكان للفقه (علم التشريع) زمان الخلفاء مكانة أعظم مما عليه علم الحقوق الآن عند الأمم المتمدنة، وكان الفقهاء هم أرباب الشريعة والشورى (نواب الأمة) وبيدهم تدبير كل الأمور ولا يصدر عمل عظيم أو حقير إلا وفاقًا للتشريع وعلى مقتضى الحق)([404])
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (كندا)، وقد رأيت من الأصدقاء الذين سجلهم الغريب (ولفريد كانتويل سميث)
قلت: من هو ولفريد كانتويل سميث([405]) ؟
قال: هذا باحث من كندا.. له شهادات طبية عن الإسلام تؤهله لاعتباره صديقا.
منها شهادته بالعزة التي يحملها المسلمون بسبب إسلامهم، قال: (إنه ما من دين استطاع أن يوحي إلى المتديّن به شعورًا بالعزة كالشعور الذي يخامر المسلم في غير تكلف ولا اصطناع، وأن الفخر بالعربية قد يمازج هذا الشعور أحيانًا.. ولكن اعتزاز المسلم بدينه يعم المسلمين على اختلاف القومية واللغة، وكون الإنسان مسلمًا باعث من بواعث الحمد تسمعه من جميع المسلمين)([406])
ومنها شهادته على كون الإسلام نظاما شاملا لجميع مناحي الحياة، قال: (إن الغربي لا يفهم الإسلام حق فهمه إلا إذا أدرك أنه أسلوب حياة تصطبغ به معيشة المسلم ظاهرًا وباطنًا وليس مجرد أفكار أو عقائد يناقشها بفكره أو يتقبلها بغير مناقشة، فليس التفكير بنافع شيئًا إن لم يكن مصحوبًا بتطور المعيشة وتطور أسلوب الحياة الظاهر والباطن في المجتمع الإسلامي)([407])
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (الهند)، فقلت: كيف تثبت الهند في الأصدقاء.. وأنت تعلم ما فعلت بكشمير؟
قال: ألا زلت تذكر لي الأرض.. انشغل بالسماء لتنال الأرض والسماء.. فلا خير في الأرض التي تفصلك عن السماء.
قلت: ما تقصد؟
قال: لقد كان أسلافكم أعظم أحلاما.. فلم تشغلهم العداوة عن الصداقة.
قلت: لم أفهم..
قال: ألم تر سلوك الحكمة الذي سلكه المسلمون مع المغول؟
قلت: لقد حولوه إلى دينهم.
قال: فحولوا الهند إلى دينكم.. لتتوجهوا أنتم والهند وكشمير وأهل الأرض جميعا إلى الله.
قلت: فهل نكف عن طلب حقوقنا؟
قال: لا تنشغلوا بحقوقكم عن واجباتكم.. إن الله أوجب عليكم أن تكونوا دعاة لا قتلة، فارموا أسلحتكم ليعطكم الله من أسلحة السماء ما يحميكم من أسلحة الأرض.
كان من الأسماء التي ذكرت في هذا المحل اسم (جوار لال نهرو)([408]).. فقلت: أعرف هذا الرجل.. لقد كان رئيسا لوزراء الهند.
قال: وأنا أعرف هذا الرجل لأنه شهد بعض شهادات الصدق التي لا تزول مع زوال الأيام والدول:
لقد قال مخبرا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما بثه في نفوس المسلمين من عزة قضت على الاستبداد: (لربما خامرت هؤلاء الملوك والحكام الذين تسلموا كتب الرسول الدهشة من هذا الرجل البسيط الذي يدعوهم إلى الطاعة. ولكن إرسال هذه الكتب يعطينا صورة عن مقدار ثقة محمد بنفسه ورسالته. وقد هيأ بهذه الثقة وهذا الإيمان لأمته أسباب القوة والعزّة والمنعة وحوّلهم من سكان صحراء إلى سادة يفتحون نصف العالم المعروف في زمانهم.. وقد توفي محمد بعد أن جعل من القبائل العربية المتنافرة أمة واحدة تتقد غيرة وحماسًا)([409])
وتحدث ـ في الوقت الذي غلب فيه المد الشيوعي ـ عن القيم النبيلة التي جاء بها الإسلام، فقال: (إن الإسلام هو الباعث والفكرة لليقظة العربية بما بثه في أتباعه من ثقة ونشاط.. ولقد كانت ثقة العرب وإيمانهم عظيمين. وقد أضاف الإسلام إليهما رسالة الأخوة والمساواة والعدل بين جميع المسلمين. وهكذا ولد في العالم مبدأ ديمقراطي جديد. وأية مقارنة بين رسالة الأخوة الإسلامية وحالة النصرانية المنحلّة تجعل المرء يدرك مقدار سحر هذه الرسالة وتأثيرها لا على العرب وحدهم ولكن على جميع شعوب البلدان التي وصل إليها العرب!)([410])
وقال: (كان للدين الذي بشر به محمد، بما فيه من سهولة وصراحة وإخاء ومساواة، تجاوب لدى الناس في البلدان المجاورة، لأنهم ذاقوا الظلم على يد الملوك الأوتوقراطيين والقساوسة المستبدين. لقد تعب الناس من النظام القديم وتاقوا إلى نظام جديد فكان الإسلام فرصتهم الذهبية لأنه أصلح الكثير من أحوالهم ورفع عنهم كابوس الضيم والظلم)([411])
من الدول التي رأيتها في هذا الفصل (سويسرا)، وقد رأيت فيها من الأسماء (مونته)
قلت: من هو (مونته) ([412])؟
قال: لهذا الرجل الفاضل شهادات طيبة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الإسلام.
منها قوله في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن طبيعة محمد الدينية تدهش كل باحث مدقّق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص. فقد كان محمد مصلحًا دينيًا ذا عقيدة راسخة، ولم يقم إلا بعد أن تأمل كثيرًا وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة العظيمة التي جعلته من أسطع الأنوار الإنسانية في الدين. وهو في قتاله الشرك والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه كان في بلاد العرب أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين نراهم كبارًا جدًا في تاريخ قومهم. ولقد جهل كثير من الناس محمدًا وبخسوه حقه وذلك لأنه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها)
وقوله: (كان محمد كريم الأخلاق حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ، والاقتناع التام بما يعمله ويقوله)([413])
وقوله: (لا مجال للشك في إخلاص الرسول وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره)([414])
بل إنه اعتبر ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم المنجزات في التاريخ، قال: (ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل محمد، وإن ما قام به من إصلاح أخلاق وتطهير المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للإنسانية)([415])
وتحدث عن المبادئ النبيلة التي جاء بها الإسلام، فقال: (إن الديانة الإسلامية كعقيدة توحيد، ليس فيها شيء مجهول في ديانات التوحيد الأخرى إلا أن ظهورها في جزيرة العرب بروح عربية عالية جعل لها طابعًا جديدًا باهرًا. وقد سميت الإسلام إشارة إلى تمام الانقياد لإرادة الله، وهي في هذه العقيدة مشابهة للمسيحية إلا أنها تتجلى في القرآن بقوة لا تعرفها النصرانية.. ولقد منع القرآن الذبائح البشرية، ووأد البنات والخمر والميسر، وكان لهذه الإصلاحات تأثير غير متناه في الخلق بحيث ينبغي أن يعدّ محمد في صف أعاظم المحسنين للبشرية. أن حكمة الصلاة خمس مرات في اليوم هي إبقاء الإنسان من الصباح إلى المساء تحت تأثير الديانة، ليكون دائمًا بعيدًا عن الشر، وحكمة الصيام تعويد المؤمن غلبة شهوات الجسم وزيادة القوة الروحية في الإنسان، وحكمة الحج هي توطيد الإخاء بين المؤمنين وتمكين الوحدة العربية. فهذا هو البناء العظيم الذي وضع محمد أساسه، وثبت ولا يزال ثابتًا بإزاء عواصف الدهور)([416])
وانطلاقا من هذه الشهادات دعا إلى احترام الإسلام وعقد صلات الأخوة مع معتنقيه، قال: (لما كان الإسلام دينًا من الأديان أصبح قوة أدبية عظيمة جدًا جديرة بالاحترام من وراء الغاية، ولذا تقضي الحال بأن تقوم الصِلات مع أهله على أساس الإخاء والحب، وأهم الشروط في هذه الروابط الحسنة احترام الإسلام احترامًا مطلقًا. وأن هذا الدين بفضل ما نشره بعض الباحثين من العلماء المجردين عن الأغراض، وما وقف عليه بعض أرباب الرحلات قد أصبح معروفًا في أوروبا معرفة تامة، وغدًا يقدر قدره أكثر من قبل)([417])
قلت: بورك في هذا الرجل الحكيم.. وبورك فيما دعا له.. ولا
أحسب إلا أن أيدي جميع المسلمين الصادقين ممدودة له ولأمثاله.
([1]) رواه ابن إسحق.
([2]) اعتمدنا في أكثر الشهادات الواردة في هذا الفصل الطويل على ما أعده الدكتور عماد الدين خليل من جمع للشهادات الكثيرة التي شهد بها المستشرقون وغيرهم حول القرآن والإسلام والحضارة الإسلامية، والذي جمع فيما بعد في كتاب واحد تحت عنوان (قالوا عن الإسلام)، وقد جمع هذا الكاتب الفاضل تلك النقول الكثيرة بطلب من الندوة العالمية للشباب.
وهذا الكتاب يقدم مجموعة من الشهادات المنصفة في حق الإسلام، وقرآنه الكريم ونبيه العظيم، وتاريخه وحضارته ورجاله، وهذه الشهادات صدرت عن أعلام معظمهم من غير المسلمين، فيهم السياسي والأديب والشاعر والعالم، والعسكري، والرجل والمرأة.
ومع هذه النقول الكثيرة، فإن الكاتب اقتصر على الاستشهاد بأقوال الغربيين الذين سبقوا عشر السنوات الماضية، كما اقتصر على الرجوع للترجمات العربية.
ونحب أن ننبه هنا إلى أنا سنذكر في الهوامش المصادر الأصلية التي ذكرت فيها تلك النقول ثقة منا بالذي جمعها، وقد أشرنا إلى هذا هنا حتى لا نضطر كل مرة إلى الإيعاز إليه.
([3]) د. فيليب حتى P. Hitti ولد عام 1886م، لبناني الأصل، أمريكي الجنسية، تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت (1908م)، ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا (1915م)، وعين معيدًا في قسمها الشرقي (1915-1919)، وأستاذًا لتاريخ العربي في الجامعة الأمريكية ببيروت (1919-1925)، وأستاذًا مساعدًا للآداب السامية في جامع برنستون (1926-1929م)، وأستاذًا ثم أستاذ كرسي ثم رئيسًا لقسم اللغات والآداب الشرقية (1929-1954م)، حين أحيل على التقاعد، أنتخب عضوًا في جمعيات ومجامع عديدة.
من آثاره: (أصول الدولة الإسلامية) (1916م)، (تاريخ العرب) (1927م)، (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين) (1951م)، (لبنان في التاريخ) (1961م)، وغيرها.
([4]) الشهادات المذكورة في هذا الفصل هي الموضوعة فقط بين قوسين، وما عداها تصرف من المؤلف ليقرب المعنى، وترتبط الشهادة بأحداث الرواية.
([5]) الإسلام منهج حياة، ص 62.
([6]) الإسلام منهج حياة، ص 287 – 288.
([7]) الإسلام منهج حياة، ص 19 – 20.
([8]) الإسلام منهج حياة، ص 51.
([9]) الإسلام منهج حياة، ص 54.
([10]) الإسلام منهج حياة، ص 54.
([11]) الإسلام منهج حياة، ص 56.
([12]) الإسلام منهج حياة، ص 9.
([13]) الإسلام منهج حياة، ص 53.
([14]) الإسلام منهج حياة، ص 95 – 96.
([15]) الإسلام منهج حياة، ص 100 – 101.
([16]) الدكتور جورج حنا مسيحي من لبنان، من كتبه (قصة الإنسان).
([17]) قصة الإنسان، ص 79 – 80.
([18]) قصة الإنسان، ص 76.
([19]) قصة الإنسان، ص 77.
([20]) قصة الإنسان، ص 252.
([21]) من مؤلفاته: (لقاء المسيحية والإسلام) (1970)، و(في خطى محمد) (1970).
([22]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 22.
([23]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 22.
([24]) في خطى محمد، ص 42.
([25]) في خطى محمد، ص 196.
([26]) في خطى محمد، ص 273 – 274.
([27]) في خطى محمد، ص 396.
([28]) في خطى محمد، ص 409.
([29]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 121.
([30]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 20.
([31]) لقاء المسيحية والإسلام، ص28.
([32]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 403.
([33]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 403.
([34]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 337.
([35]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 342.
([36]) لقاء المسيحية والإسلام، ص 92.
([37]) محمد الرسالة والرسول، ص 28.
([38]) محمد الرسالة والرسول، ص 85 – 86.
([39]) محمد الرسالة والرسول، ص 179 – 180.
([40]) محمد الرسالة والرسول، ص 183 – 186.
([41]) محمد في حياته الخاصة، ص 12.
([42]) محمد في حياته الخاصة، ص 39 – 40.
([43]) محمد الرسالة والرسول، ص 26.
([44]) محمد الرسالة والرسول، ص 72 – 73.
([45]) محمد الرسالة والرسول، ص 76 – 78.
([46]) محمد الرسالة والرسول، ص 84.
([47]) محمد الرسالة والرسول، ص 147 – 149.
([48]) محمد الرسالة والرسول، ص 95 – 96.
([49]) محمد الرسالة والرسول، ص 96.
([50]) محمد الرسالة والرسول، ص 100-101.
([51]) محمد الرسالة والرسول، ص 115 – 116.
([52]) نرى أن كوستاف لوبون يعبر في الشهادات التي نذكرها عن المسلمين باسم (العرب)، باعتبار أن اللقب الشائع عن المسلمين في ذلك الوقت هو العرب.. وخاصة عند الفرنسيين. وليس مقصده ـ كما قد يتوهم ـ هو نسبة الحضارة الإسلامية للعرب بدل الإسلام، بدليل ما يذكره عن الإسلام من شهادات.
([53]) انظر الحوار الافتراضي الذي أجريناه معه في رسالة (ثمار من شجرة النبوة) فصل (الحضارة)
([54]) حضارة العرب، ص 431 – 432.
([55]) النتائج الأولى للحرب (عن: محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية، 1/74)
([56]) دين الإسلام، ص 16.
([57]) حضارة العرب، ص 115.
([58]) حضارة العرب، ص 116.
([59]) حضارة العرب، ص 393 – 394.
([60]) حضارة العرب، ص 125.
([61]) حضارة العرب، ص 125 – 126.
([62]) حضارة العرب، ص 417.
([63]) حضارة العرب، ص 125
([64]) حضارة العرب، ص 127 – 128.
([65]) حضارة العرب، ص 126.
([66]) حضارة العرب، ص 389.
([67]) انظر الحوار الافتراضي الذي أجريناه معه في رسالة (ثمار من شجرة النبوة) فصل (إنسانية)
([68]) إنسانية الإسلام، ص 40 – 41.
([69]) إنسانية الإسلام، ص 42.
([70]) إنسانية الإسلام، ص 46.
([71]) إنسانية الإسلام، ص 61.
([72]) إنسانية الإسلام، ص 66.
([73]) إنسانية الإسلام، ص 52 – 53.
([74]) إنسانية الإسلام، ص 206 – 207.
([75]) إنسانية الإسلام، ص 109.
([76]) إنسانية الإسلام، ص 343.
([77]) إنسانية الإسلام، ص 345.
([78]) وهو اقتراح أصيل، وفكرة رائدة، لأنه لا ينبغي أن يحمل الإسلام مواريث الأخطاء التي ارتكبت في تاريخه الطويل.
([79]) إنسانية الإسلام، ص 14، 15.
([80]) يقصد بالعقيدة الإسلامية هنا على حسب ما يبدو الإسلام جميعا، لا عقيدته وحدها.
([81]) إنسانية الإسلام، ص 18، 19.
([82]) إنسانية الإسلام، ص 24.
([83]) إنسانية الإسلام، ص 74.
([84]) إنسانية الإسلام، ص 28.
([85]) إنسانية الإسلام، ص 365.
([86]) إنسانية الإسلام، ص 43.
([87]) رواه البخاري ومسلم، وهذه رواية من روايات الحديث.
([88]) حياة محمد، ص 131 – 132.
([89]) حياة محمد، ص 195.
([90]) وهذا لا يعني أنه ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معجزات حسية، وقد ذكرنا تفاصيل ذلك والمقارنة بين معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعجزات المسيح في رسالة ( معجزات حسية) من هذه السلسلة.
([91]) حياة محمد، ص 289 – 280.
([92]) حياة محمد، ص 283.
([93]) حياة محمد، ص 285.
([94]) رواه البخاري ومسلم.
([95]) حياة محمد، ص 318.
([96]) حياة محمد، ص 360.
([97]) حياة محمد، ص 359.
([98]) حياة محمد، ص 368 – 369.
([99]) حياة محمد، ص 137.
([100]) حياة محمد، ص 196.
([101]) حياة محمد، ص 290.
([102]) حياة محمد، ص 292.
([103]) حياة محمد، ص 297 – 298.
([104]) حياة محمد، ص 297 – 298.
([105]) الكونت هنري دي كاستري (1850-1927)، مقدم في الجيش الفرنسي، قضى في الشمال الأفريقي ردحًا من الزمن. من آثاره: (مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (1950)، (الأشراف السعديون) (1921)، (رحلة هولندي إلى المغرب) (1926)، وغيرهما.
([106]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 2 – 3.
([107]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 18 – 20.
([108]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 20.
([109]) انظر الأدلة على هذا في رسالة (كلمات مقدسة) من هذه السلسلة.
([110]) الإسلام: خواطر وسوانح ص 22 – 23.
([111]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 23 – 24.
([112]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 17 – 18.
([113]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 13.
([114]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 105 – 106.
([115]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 6.
([116]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 16.
([117]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 21.
([118]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 24.
([119]) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 16 – 17.
([120]) الحضارة العربية، ص 30 – 31.
([121]) الحضارة العربية، ص 45.
([122]) الحضارة العربية، ص 51.
([123]) الحضارة العربية، ص 75.
([124]) الحضارة العربية، ص 212.
([125]) الحضارة العربية، ص 1 (مقدمة الكتاب).
([126]) الحضارة العربية، ص 7 – 8.
([127]) الحضارة العربية، ص 36.
([128]) الحضارة العربية، ص 50.
([129]) الحضارة العربية، ص 67.
([130]) لويس سيديو ( 1808 – 1876 ) L. Sedillot مستشرق فرنسي عكف على نشر مؤلفات أبيه جان جاك سيديو الذي توفي عام 1832 قبل أن تتاح له فرصة إخراج كافة أعماله في تاريخ العلوم الإسلامية. وقد عين لويس أمينًا لمدرسة اللغات الشرقية (1931) وصنف كتابًا بعنوان (خلاصة تاريخ العرب) فضلاً عن (تاريخ العرب العام)، وكتب العديد من الأبحاث والدراسات في المجلات المعروفة.
([131]) تاريخ العرب العام، ص 89، 98 – 99، 100، 117.
([132]) تاريخ العرب العام، ص 458
([133]) تاريخ العرب العام، ص 458.
([134]) ذكرنا الرد على هذه الشبهة بالأدلة المفصلة في رسالة (معجزات حسية)
([135]) تاريخ العرب العام، ص 90
([136]) تاريخ العرب العام، ص 93.
([137]) تاريخ العرب العام، ص 102 – 103.
([138]) تاريخ العرب العام، ص 123.
([139]) تاريخ العرب العام، ص 88.
([140]) تاريخ العرب العام، ص 92.
([141]) تاريخ العرب العام، ص 104.
([142]) تاريخ العرب العام، ص 117.
([143]) هنري سيرويا: مستشرق فرنسي. من آثاره: (موسى بن ميمون: ترجمته وآثاره وفلسفته) (1921)، (الصوفية والمسيحية واليهودية)، (فلسفة الفكر الإسلامي).
([144]) فلسفة الفكر الإسلامي، ص 32 – 33.
([145]) فلسفة الفكر الإسلامي، ص 8.
([146]) فلسفة الفكر الإسلامي، ص 17.
([147]) كلود كاهن Cl. Cahen ولد عام 1909، وتخرج باللغات الشرقية من السوربون ومدرسة اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين العليا، وعين محاضرًا في مدرسة اللغات الشرقية في باريس (1938)، وأستاذًا لتاريخ الإسلام في كلية الآداب بجامعة ستراسبورغ (1945)، وفي جامعة باريس.
من آثاره: عدد كبير من الدراسات والأبحاث في المجلات الشهيرة، وحقق العديد من النصوص التاريخية المهمة، كما أنجز عددًا من المؤلفات عن الحروب الصليبية.
([148]) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1 / 14.
([149]) انظر التفاصيل المرتبطة بالرد على هذه الشبهة في رسالة (النبي المعصوم) من هذه السلسلة.
([150]) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1 / 18.
([151]) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونباوم)، ص 200 – 201.
([152]) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1 / 95.
([153]) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1 / 19.
([154]) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1 / 91.
([155]) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1 / 104.
([156]) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، 1 / 188.
([157]) هنري ماسيه H. Masse ولد عام 1886، عمل مديرًا للمعهد الفرنسي بالقاهرة، وعين أستاذًا في جامعة الجزائر (1916-1927)، وعضوًا في مجمع الكتابات والآداب وفي المجمع العلمي العربي بدمشق، وانتدبته الحكومة لعديد من المهام الثقافية واختارته اليونسكو في لجنة المستشرقين. من آثاره: نشر كتابًا عن الشاعر (سعدي) (1919)، وصنف كتابًا بعنوان: (الإسلام) (1957)، كما ترجم وحقق العديد من النصوص العربية، ونشر العديد من الأبحاث في المجلات الاستشراقية الشهيرة.
([158]) الإسلام، ص 55.
([159]) الإسلام، ص 59.
([160]) هذه الشهادة تحمل على وجوه مختلفة، وقد حملناها هنا على أحسن وجوهها، وهكذا سائر ما نذكره من شهادات.
([161]) الإسلام، ص 39 – 40.
([162]) الإسلام، ص 123.
([163]) جورج مارسيه (1905-1946) مستشرق فرنسي، كتب العديد من الدراسات والأبحاث في الشريعة واللغة، نشرها في عدد من المجلات الشهيرة مثل (المجلة الجزائرية)، و(المجلة الأفريقية)، و(حولية معهد الدراسات الشرقية)، وغيرها.
([164]) الفن الإسلامي، ص 12 – 13.
([165]) الفن الإسلامي، ص 15.
([166]) الفن الإسلامي، ص 16 – 17.
([167]) القاموس الفلسفي(6/4)
([168]) نقلاً عن (غوته والعالم العربي)كاتارينا مومزن (181و355 )
([169]) السفر إلى الشرق: لامارتين (47)
([170]) سير توماس أرنولد ( 1864 – 1930)، من كبار المستشرقين البريطانيين. صاحب فكرة كتاب (تراث الإسلام) الذي أسهم فيه عدد من مشاهير البحث والاستشراق الغربي. وقد أشرف آرنولد على تنسيقه وإخراجه. تعلم في كمبردج وقضى عدة سنوات في الهند أستاذًا للفلسفة في كلية عليكرة الإسلامية. وهو أول من جلس على كرسي الأستاذية في قسم الدراسات العربية في مدرسة اللغات الشرقية بلندن. وصفه المستشرق البريطاني المعروف (جب) بأنه “عالم دقيق فيما يكتب، وأنه أقام طويلاً في الهند وتعرف إلى مسلميها، وأنه متعاطف مع الإسلام، وكل هذه أمور ترفع أقواله فوق مستوى الشهادات” (دراسات في حضارة الإسلام ص244). ذاع صيته بكتابيه: (الدعوة إلى الإسلام) الذي ترجم إلى كثر من لغة، و(الخلافة). كما أنه نشر عدة كتب قيمة عن الفن الإسلامي.
([171]) انظر الحوار الافتراضي معه في رسالة (ثمار من شجرة النبوة)، فصل (خلاص)
([172]) الدعوة إلى الإسلام (بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية)، ص 162.
([173]) الدعوة إلى الإسلام، ص 34.
([174]) الدعوة إلى الإسلام، ص 54.
([175]) الدعوة إلى الإسلام، ص 54.
([176]) الدعوة إلى الإسلام، ص 43.
([177]) الدعوة إلى الإسلام، ص 61.
([178]) الدعوة إلى الإسلام، ص 454 – 456.
([179]) الدعوة إلى الإسلام، ص 458 – 460.
([180]) الدعوة إلى الإسلام، ص 460.
([181]) سير هاملتون الكساندر روسكين جب 1895 – 1967 يعد إمام المستشرقين الإنكليز المعاصرين، أستاذ اللغة العربية في جامعة لندن سنة 1930، وأستاذ في جامعة أكسفورد منذ سنة 1937، وعضو مؤسس في المجمع العلمي المصري، تفرغ للأدب العربي وحاضر بمدرسة المشرقيات بلندن.
من آثاره: (دراسات في الآداب العصرية) (1926)، (الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى وعلاقتها ببلاد الصين)، (رحلات ابن بطوطة)، (اتجاهات الإسلام المعاصرة)، وهو أحد محرري دائرة المعارف الإسلامية.
([182]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 254.
([183]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 254.
([184]) ذكرنا الرد على هذه الشبهة في مواضع مختلفة من هذه السلسلة، وبالنسبة لمصادر هذا الدين رددنا عليه في رسالة (الكلمات المقدسة)
([185]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 254 – 255.
([186]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 257.
([187]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 259.
([188]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 6.
([189]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 263.
([190]) دراسات في حضارة الإسلام، ص 270.
([191]) روم لاندو: نحّات وناقد فني إنكليزي، زار زعماء الدين في الشرق الأدنى (1937)، وحاضر في عدد من جامعات الولايات المتحدة (1952-1957)، أستاذ الدراسات الإسلامية وشمالي أفريقيا في المجمع الأمريكي للدراسات الآسيوية في سان فرنسيسكو (1953).
من آثاره: (الله ومغامراتي) (1935)، (بحث عن الغد) (1938)، (سلم الرسل) (1939)، (دعوة إلى المغرب) (1950)، (سلطان المغرب) (1951)، (فرنسا والعرب) (19539، (الفن العربي) (1955).. وغيرها.
([192]) الإسلام والعرب، ص 36 – 37.
([193]) الإسلام والعرب، ص 296 – 297.
([194]) الإسلام والعرب، ص 32.
([195]) الإسلام والعرب، ص 33.
([196]) الإسلام والعرب، ص 33 – 34.
([197]) الإسلام والعرب، ص 34.
([198]) الإسلام والعرب، ص 51.
([199]) الإسلام والعرب، ص 52.
([200]) الإسلام والعرب، ص 246.
([201]) الإسلام والعرب، ص 280 – 281.
([202]) الإسلام والعرب، ص 280 – 281.
([203]) الإسلام والعرب، ص 281.
([204]) آرنولد توينبي: المؤرخ البريطاني المعاصر، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها – ولا ريب – مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ. ولقد وضع المستر سومر فيل – تحت إشراف توينبي نفسه – مختصرًا في جزأين لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخدمًا عباراته الأصلية في معظم الأحيان، وحذف الكثير من الأمثلة والآراء دون إخلال بالسياق العام للكتاب، وهذا المختصر هو الذي ترجم إلى العربية في أربعة أجزاء، وهو المعتمد في هذه النقول.
([205]) مختصر دراسة للتاريخ: 10 / 381.
([206]) مختصر دراسة للتاريخ: 3 / 98.
([207]) مختصر دراسة التاريخ:3 / 164.
([208]) مختصر دراسة التاريخ:4 / 64، وانظر في هذا رسالة (ثمار من شجرة النبوة)، فصل (الخلاص)
([209]) توماس كارلايل ( 1795 – 1881 ) الكاتب الإنجليزي المعروف، من آثاره: (الأبطال) (1940)، وقد عقد فيه فصلاً رائعًا عن النبي، (الثورة الفرنسية) وغيرها.
([210]) الأبطال، ص 43.
([211]) وهي حقيقة تدل عليها كل الأدلة، فالله تعالى وصف النبي بالأمية، فقال:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157)، وقال تعالى:{ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(لأعراف: من الآية158).. ولو لم يكن صلى الله عليه وآله وسلم أميا لواجهه الجميع مكذبين هذا الزعم، وهو لم يحصل.
([212]) الأبطال، ص 5.
([213]) الأبطال، ص 50 – 51.
([214]) الأبطال، ص 51.
([215]) الأبطال، ص 51 – 52.
([216]) الأبطال، ص 64.
([217]) الأبطال، ص 42 – 43.
([218]) الأبطال، ص 53 – 54.
([219]) الأبطال، ص 65.
([220])الأبطال، ص 66.
([221]) الأبطال، ص 66 – 67.
([222]) محمد في مكة، ص 94.
([223]) هو باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها.
([224]) دين الإسلام، ص 4 – 5.
([225]) دين الإسلام، ص 5.
([226]) دين الإسلام، ص 12 – 13، وانظر تفاصيل الرد على هذه الشبهة في رسالة (النبي المعصوم) من هذه السلسلة.
([227]) دين الإسلام، ص 132 – 133.
([228]) دين الإسلام، ص 6.
([229]) دين الإسلام، ص 6.
([230]) دين الإسلام، ص 7 – 8.
([231]) دين الإسلام، ص 7، وانظر الرد المفصل على هذه الشبهة في رسالة (رحمة للعالمين) من هذه السلسلة.
([232]) دين الإسلام، ص 8.
([233]) دين الإسلام، ص 9.
([234]) دين الإسلام، ص 10 – 11.
([235]) دين الإسلام، ص 11.
([236]) دين الإسلام، ص 14 – 15.
([237]) هربرت جورج ولز (1866 – 1946) H. G. Wells الكاتب والأديب البريطاني المعروف. حصل على بكالوريوس العلوم سنة 1888، تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل (آلة الزمن) و(الرجل الخفي)، فضلاً عن رواياته النفسية والاجتماعية من مثل (ميكا فيللي الجديد) و(الزواج). ولم يغفل ولز البحث في التاريخ فأنجز عام 1920 (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) (1944). ولولز كتاب في السيرة الذاتية بعنوان: (تجربة في كتابة السيرة الذاتية).
([238]) معالم تاريخ الإنسانية، 3 / 639.
([239]) معالم تاريخ الإنسانية: 3 / 640 – 641.
([240]) موجز تاريخ العالم، ص 200 – 201.
([241]) معالم تاريخ الإنسانية، 3 / 640.
([242]) معالم تاريخ الإنسانية، ص 3 / 642.
([243]) معالم تاريخ الإنسانية، 3 / 642.
([244]) موجز تاريخ العالم، ص 202.
([245]) انظر جريدة المسلمون، العدد 279.
([246]) ول ديورانت W. Durant مؤلف أمريكي معاصر، يعد كتابه (قصة الحضارة) ذو الثلاثين مجلدًا، واحدًا من أشهر الكتب التي تؤرخ للحضارة البشرية عبر مساراتها المعقدة المتشابكة، عكف على تأليفه السنين الطوال، وأصدر جزأه الأول عام 1935، ثم تلته بقية الأجزاء، ومن كتبه المعروفة كذلك (قصة الفلسفة).
([247]) قصة الحضارة: 13 / 68 – 69.
([248]) قصة الحضارة: 13 / 21 – 22.
([249]) قصة الحضارة: 13 / 38.
([250]) قصة الحضارة: 13 / 47.
([251]) قصة الحضارة: 13 / 59.
([252]) قصة الحضارة: 13 / 167.
([253]) قصة الحضارة: 13 / 66.
([254]) قصة الحضارة: 13 / 67 – 68.
([255]) قصة الحضارة: 13 / 116.
([256]) قصة الحضارة: 13 / 123.
([257]) قصة الحضارة: 13 / 127 – 128.
([258]) مستشرق أمريكي، أولى اهتمامًا كبيرًا لتاريخ المسلمين في الأندلس. من آثاره: (سيرة النبي العربي) مذيلة بخاتمة لقواعد الإسلام ومصادرها الدينية (1849)، و(فتح غرناطة) (1859)، وغيرها.
([259])حياة محمد، ص 72.
([260]) حياة محمد، ص 304.
([261]) حياة محمد، ص 72.
([262]) حياة محمد، ص 72.
([263]) حياة محمد، ص 300.
([264]) حياة محمد، ص 302 – 303.
([265]) حياة محمد، ص 303.
([266]) حياة محمد، ص 75.
([267]) حياة محمد، ص 133 – 134.
([268]) لوثروب ستودارد Lothrop Stoddard مؤلف أمريكي يتميز بسعة اطلاعه على معطيات العالم الإسلامي الحديث. ويعد كتابه: (حاضر العالم الإسلامي) من أهم المؤلفات الحديثة التي عالجت قضايا هذا العالم ومجريات أحداثه عبر النصف الأول من هذا القرن. وقد زادته قيمة علمية، التعليقات والإضافات الخصبة التي ألحقها الأمير شكيب أرسلان بطبعته العربية.
([269]) حاضر العالم الإسلامي: 1 / 1.
([270]) حاضر العالم الإسلامي:1 / 1 – 2.
([271]) حاضر العالم الإسلامي:1 / 287 – 288.
([272]) حاضر العالم الإسلامي:4 / 122.
([273]) حاضر العالم الإسلامي، 1 / 287 – 288.
([274]) حاضر العالم الإسلامي، 1 / 324.
([275]) حاضر العالم الإسلامي، 1 / 327.
([276]) الدكتور سدني فيشر: أستاذ التاريخ في جامعة أوهايو الأمريكية، وصاحب الدراسات المتعددة في شؤون البلاد الشرقية التي يدين الأكثرون من أبنائها بالإسلام. مؤلف كتاب (الشرق الأوسط في العصر الإسلامي) والذي يناقش فيه العوامل الفعالة التي يرجع إليها تطور الشعوب والحوادث في هذه البلاد وأولها الإسلام.
([277]) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54.
([278]) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54.
([279]) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54.
([280]) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54 – 55.
([281]) الدكتور مايكل هارث: أمريكي، حصل على عدة شهادات في العلوم وعلى الدكتوراه في الفلك من جامعة برنستون، عام 1972، عمل في مراكز الأبحاث والمراصد، وهو أحد العلماء المعتمدين في الفيزياء التطبيقية.
([282]) دراسة في المائة الأوائل، ص 19.
([283]) دراسة في المائة الأوائل، ص 19.
([284]) دراسة في المائة الأوائل، ص 23.
([285]) دراسة في المائة الأوائل، ص 24.
([286]) دراسة في المائة الأوائل، ص 25.
([287]) د. ميلر بروز، هو رئيس قسم لغات الشرق الأدنى وآدابه وأستاذ الفقه الديني الإنجيلي في جامعة (ييل). وعمل أستاذًا بجامعة براون، وأستاذًا زائرًا بالجامعة الأمريكية في بيروت، ومديرًا للمدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية بالقدس.
([288]) الثقافة الإسلامية، ص 51.
([289]) الثقافة الإسلامية، ص 54.
([290]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 42.
([291]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 51.
([292]) فرانز روزنثال من أساتذة جامعة ييل، من آثاره: العديد من الدراسات والأبحاث في المجلات الشهيرة مثل (الثقافة الإسلامية)، (الشرقيات)، (صحيفة الجمعية الأمريكية الشرقية). كما ألف عددًا من الكتب من أشهرها: (مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي)، و(علم التاريخ عند المسلمين).
([293]) انظر في هذا: رسالة (الكلمات المقدسة) فصل (ربانية) من هذه السلسلة.
([294]) علم التاريخ عند المسلمين، ص 41 – 42.
([295]) علم التاريخ عند المسلمين، ص 40.
([296]) علم التاريخ عند المسلمين، ص 45.
([297]) علم التاريخ عند المسلمين، ص 39.
([298]) دكتورة زيغريد هونكه مستشرقة ألمانية معاصرة، وهي زوجة الدكتور شولتزا، المستشرق الألماني المعروف الذي تعمق في دراسة آداب العرب والاطلاع على آثارهم ومآثرهم. وقد قضت هونكه مع زوجها عامين اثنين في مراكش، كما قامت بعدد من الزيارات للبلدان العربية.
من آثارها: (أثر الأدب العربي في الآداب الأوروبية) وهو أطروحة تقدمت بها لنيل الدكتوراه من جامعة برلين، و(الرجل والمرأة) وهو يتناول جانبًا من الحضارة الإسلامية (1995)، و(شمس الله تسطع على الغرب) الذي ترجم بعنوان: (شمس العرب تسطع على الغرب)، وهو ثمرة سنين طويلة من البحث والدراسة.
([299]) أجريبا الحوار الافتراضي معها في رسالة (ثمار من شجرة النبوة)، فصل (علوم)
([300]) ذكرنا في رسالة (ثمار من شجرة النبوة) أن هناك من أخبر عن إسلامها.
([301]) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 369.
([302]) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 396.
([303]) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 372، وهذا ما يدعو إلى الاستفادة من تراث المسلمين جميعا بمدارسهم جميعا، فلا يمكن أن يمثل الإسلام في وظيفته الدعوية مدرسة واحدة، فالعقول المختلفة تستدعي تنوعا في الطرح.
([304]) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 373.
([305]) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 477 – 479.
([306]) الدكتورة إلس ليختنستادتر: سيدة ألمانية، درست العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت، ثم في جامعة لندن، وأقامت زهاء ثلاثين سنة بين بلاد الشرقين الأدنى والأوسط، وعنيت عناية خاصة بدعوات الاجتهاد والتجديد والمقابلة بين المذاهب. من مؤلفاتها (الإسلام والعصر الحديث).
([307]) الإسلام والعصر الحديث، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 19.
([308]) الإسلام والعصر الحديث، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 19.
([309]) آدم متز (1869-1917) A. Metz تخرج من جامعات ألمانيا، وعين أستاذًا للغات السامية، في جامعة بازل بسويسرا، وقد تخصص بالأدب العربي في العصر العباسي. من آثاره: (أبو القاسم وتقاليد بغداد في عصره) (1902)، (نهضة الإسلام في القرن الرابع الهجري) (1922)، وقد ترجم إلى العربية بعنوان: (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري).
([310]) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: 1 / 288 – 289.
([311]) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: 1 / 290، وسنرى التفاصيل الكثيرة المرتبطة بهذا في رسالة ( رحمة للعالمين) من هذه السلسلة.
([312]) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: 1 / 4.
([313]) د. ج. كامبفماير (1864 – 1936) تخرج باللغات الشرقية في ليبزغ، وتخصص في الإسلام الحديث والعربية المعاصرة من معهد اللغات الشرقية ببرلين (1907)، ورأس تحرير مجلة (عالم الإسلام) التي نشر فيها دراسات عن المؤلفات الحديثة في الآداب المعاصرة. من آثاره: (النصوص والأعمال في تاريخ الأمة العربية الحديثة) (1924)، (دراسات في الأدب العربي المعاصر) (1925-1926) و(شعراء العرب في العصر الحاضر).. إلخ.
([314]) وجهة الإسلام، ص 103.
([315]) وجهة الإسلام، ص 102.
([316]) وجهة الإسلام (بإشراف كب)، ص 69.
([317]) وجهة الإسلام، ص 99.
([318])رودي بارت: عالم ألماني معاصر، ولد عام 1901، درس في جامعة توبنجن اللغات السامية والتركية والفارسية في الفترة من 1920 حتى 1924وتخرج على يد المستشرق الألماني ليتمان.امضى سنتين في القاهرة (1925-1926)، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي ولكنه تحول إلى الاهتمام باللغة العربية والدراسات الإسلامية وبخاصة القرآن الكريم.
تولى العديد من المناصب العلمية منها مدرّس في جامعة توبنجن وأستاذاً بجامعة هايدلبرج ثم عاد إلى توبنجن أستاذاً للغة العربية والإسلاميات من عام 1951-1968.ومن أهم مؤلفاته (محمد والقرآن) وترجم معاني القرآن الكريم إلى الألمانية وله كتاب عن القرآن بعنوان( القرآن تعليق وفهرست)
([319]) الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ص 15.
([320]) الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ص 20.
([321]) الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ص 20.
([322]) الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ص 49، والعبارة المذكورة وردت في مقدمة كتاب جوتتهلف برحبشتر (المميزات الأساسية للشريعة الإسلامية)، (برلين، 1935م).
([323]) ج. ك. بيرغ: عمل أستاذًا في جامعة ليدن، وانصب اهتمامه على تاريخ الصوفية في الإسلام، وكتب أبحاثًا عديدة عن جلال الدين الرومي وغيره.
([324]) وجهة الإسلام ( بإشراف كب ). ص 160 – 161.
([325]) وجهة الإسلام، ص 161.
([326]) وجهة الإسلام، ص 199 – 200.
([327]) كويلر يونغ أستاذ العلاقات الأجنبية بجامعة برنستون، ورئيس قسم اللغات والآداب الشرقية بها، كان مساعد أستاذ اللغات السامية بجامعة تورنتو.
([328]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، 242 – 243.
([329]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 243.
([330]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 243.
([331]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 257.
([332]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 232.
([333]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 234.
([334]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 242.
([335]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 247.
([336]) الشرق الأدنى، ص 10.
([337]) ذلك في عصره.. أما اليوم، فيدين بالإسلام أكثر من مليار نسمة.
([338]) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 255.
([339]) بارتولد شبولر: تخرج من الجامعات الألمانية، وعين معيدًا للدراسات الإسلامية دفعة لغات الشرق الأدنى (1939) في جامعة جوتنجن، وأستاذ كرسي في جامعة ميونخ (1942) وعدد من الجامعات الأخرى كما عمل أستاذًا زائرًا في جامعتي أنقرة واستنبول (1955-1956 يجيد العديد من اللغات، وتخرج عليه عدد من المتخصصين من البلدان الإسلامية.
من آثاره: (مغول إيران) (1939) و(المغول في روسيا) (1943) و(تاريخ البلدان الإسلامية) (1952-1953).
([340]) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونباوم)، ص 239.
([341]) ارنست بانرث : ولد في مدينة ليبزج، سنة 1895، ودرس اللاتينية واليونانية ثم العربية، كما تعلم الفارسية والتركية، أسره الإنكليز في الجبهة سنة 1917، وانتقل إلى الهند فاستقر فيها حتى عام 1925، وتعلم الأردية، ثم عاد إلى ألمانيا، فتابع دروسه ونال الدكتوراه في اللغات الإسلامية من جامعة فينا. وعين أستاذًا للفلسفة والتاريخ والآداب الألمانية. وقد تولى مناصب عديدة وطوف في عدد من البلدان.
من آثاره: (الإسلام اليوم وغدًا) (1958)، (التفاهم بين الشرق والغرب) (بتكليف من اليونسكو)، وله دراسات عن الفلاسفة المسلمين، كما حقق العديد من النصوص، وكتب العديد من الأبحاث في المجلات المختلفة.
([342]) تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي، ص 8 – 9.
([343]) تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي، ص 10 – 11.
([344]) تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي، ص 11.
([345]) تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي، ص 11.
([346]) جون براند ترند (1887 – 1958) رائد من رواد تاريخ إسبانيا. أستاذ في جامعة كمبردج. قام بعدة رحلات في إسبانيا والبرتغال ومراكش ومكسيكو واشتغل في معهد الدراسات الشرقية بلندن.
من آثاره (صورة لإسبانيا الحديثة)(1921)، (موسيقى تاريخ إسبانيا) (1925)، (لغة إسبانيا وتاريخها) (1953)، وكثير من الكتب الأخرى في هذا المجال.
([347]) تاريخ العالم (نشره السير جون. أ. هامرتن)، المجلد الخامس، ص 29.
([348]) تاريخ العالم (نشره السير جون. أ. هامرتن)، 5 / 737.
([349]) تاريخ العالم (نشره السير جون. أ. هامرتن)، 5 / 755.
([350]) تراث الإسلام، ( إشراف سير توماس ارنولد )، ص 22.
([351]) تراث الإسلام، ص 27.
([352]) جوان فيرنيه :تخرج من جامعة برشلونة، وسمي أستاذًا للعربية فيها عام 1954م. من آثاره: ترجم القرآن الكريم إلى الإسبانية (1953)، و(الف ليلة وليلة)، وحقق عددًا من النصوص، كما كتب العديد من المقالات في الفلك والجغرافية.
([353]) تراث الإسلام ( تصنيف شاخت وبوزوث ) 3 / 214 – 215.
([354]) تراث الإسلام، 3/218، وعن إنجازات المسلمين في ميادين الرياضيات والفلك والبصريات، انظر: المرجع نفسه 3/168، 170، 172-174، 176-183، 188-194، 196-213، 216-218.
([355]) لورا فيشيا فاغليري : باحثة إيطالية معاصرة انصرفت إلى التاريخ الإسلامي قديمًا وحديثًا، وإلى فقه العربية وآدابها.
من آثارها: (قواعد العربية) في جزئين (1937 – 1941)، و(الإسلام) (1946)، و(دفاع عن الإسلام) (1952)، والعديد من الدراسات في المجلات الاستشراقية المعروفة.
([356]) دفاع عن الإسلام، ص 56 – 57.
([357]) دفاع عن الإسلام، ص 58 – 59.
([358]) دفاع عن الإسلام، ص 133 – 134.
([359]) دفاع عن الإسلام، ص 59.
([360]) دفاع عن الإسلام، ص 60.
([361]) دفاع عن الإسلام، ص 73.
([362]) دفاع عن الإسلام، ص 37 – 38.
([363]) دفاع عن الإسلام، ص 43.
([364]) دفاع عن الإسلام، ص 99 – 100.
([365]) دفاع عن الإسلام، ص 59.
([366]) دفاع عن الإسلام، ص 33.
([367]) عن الإسلام، ص 24 – 25.
([368]) عن الإسلام، ص 45 – 47.
([369]) دفاع عن الإسلام، ص 130 – 131.
([370]) دفاع عن الإسلام، ص 88.
([371]) دفاع عن الإسلام، ص 97 – 98.
([372]) دفاع عن الإسلام، ص 101 – 103.
([373]) دفاع عن الإسلام، 103 – 104.
([374]) دافيد دي سانتيلانا ( 1845 – 1931 ) ولد في تونس، ودرس في روما، أحرز الدكتوراه في القانون، فدعاه المقيم العام الفرنسي في تونس لدراسة وتدوين القوانين التونسية، فوضع القانونين المدني والتجاري معتمدًا بذلك على قواعد الشريعة الإسلامية ومنسقًا إياهما بحسب القوانين الأوروبية. كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكي والشافعي، وفي سنة 1910 عين أستاذًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية، وله محاضرات قيمة فيها. ثم استدعته جامعة روما لتدريس التاريخ الإسلامي.
من آثاره: (ترجمة وشرح الأحكام المالكية)، كتاب (الفقه الإسلامي ومقارنته بالمذهب الشافعي).. وغيرها.
([375]) تراث الإسلام ( إشراف سير توماس آرنولد )، ص 405 – 406.
([376]) تراث الإسلام، ص 406
([377]) تراث الإسلام، ص 409 – 410.
([378]) تراث الإسلام، ص 406.
([379]) تراث الإسلام، ص 413 – 414.
([380]) تراث الإسلام، ص 433 – 434.
([381]) تراث الإسلام، ص 431، وسنرد على هذه الشبهة في رسالة (عدالة للعالمين) من هذه السلسلة.
([382]) جورج سارتون ( 1884 – 1956 ) ولد في بلجيكا، وحصل على الدكتوراه في العلوم الطبيعية والرياضية (1911)، فلما نشبت الحرب رحل إلى إنكلترا، ثم تحول عنها إلى الولايات المتحدة، وتجنّس بجنسيتها فعين محاضرًا في تاريخ العلم بجامعة واشنطن (1916)، ثم في جامعة هارفارد (1917-1949). وقد انكب على دراسة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية ببيروت (1931-1932) وألقى فيها وفي كلية المقاصد الإسلامية محاضرات ممتعة لتبيان فضل العرب على التفكير الإنساني، زار عددًا من البلدان العربية، وتمرس بالعديد من اللغات، ومنح عدة شهادات دكتوراه كما انتخب عضوًا في عشرة مجامع علمية وفي عديد من الجمعيات العالمية، وأشرف على عدد من المجلات العلمية.
من آثاره: خلف أكثر من خمسمائة بحث، وخير تصانيفه وأجمعها: (المدخل إلى تاريخ العلم) في خمسة مجلدات (1927، 1931، 1947).
([383]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 37 – 38.
([384]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 29 – 30 – 31.
([385]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 43.
([386]) الشرق الأدنى: مجتمعه وثقافته، 140.
([387]) الثقافة العربية في مجموعها ثقافة إسلامية.
([388]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 43.
([389]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 28.
([390]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 30.
([391]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 32.
([392]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 40 – 42.
([393]) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 40.
([394]) الشرق الأدنى: مجتمعه وثقافته ( بإشراف كويلر يونغ )، ص 140.
([395]) الكاردينال كوينج Quenge رئيس أساقفة النمسا.
([396]) عقيدة التوحيد في العالم المعاصر، ص 10.
([397]) عقيدة التوحيد في العالم المعاصر، ص 15 – 16.
([398]) عقيدة التوحيد في العالم المعاصر، ص17.
([399]) بوجينا غيانة ستشيجفسكا باحثة بولونية معاصرة، درست الإسلام في الأزهر على يد أساتذة ومشرفين أخصائيين زهاء خمس سنوات (1961-1965)، تمكنت خلالها من اللغة العربية كذلك، وكانت قد أنهت دراساتها العليا في كلية الحقوق، وفي معهد اللغات الشرقية في بولونيا.
([400]) تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها، ص 17.
([401]) تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها، ص 19.
([402]) تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها، ص 20.
([403]) تاريخ الدول الإسلامية وتشريعها، ص 39.
([404]) تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها، ص 67.
([405]) ويلفرد كانتويل سميث: ولد في كندا عام 1916، درس اللغات الشرقية في جامعة تورنتو.حصل على الماجستير والدكتوراه في مجال دراسات الشرق الأدنى من جامعة برنستون. متخصص في دراسة الإسلام وأوضاع العالم الإسلامي المعاصرة وأشهر كتبه في هذا المجال( الإسلام في العصر الحديث) عمل أستاذاً في جامعة هارفرد وفي معهد الدراسات الإسلامية بجامعة مقيل بكندا. قام بتدريس الدين الإسلامي بكلية نورمان المسيحية بمدينة لاهور بباكستان 1941-1945. دعي للعمل أستاذاً زائراً في العديد من الجامعات. صدر له حديثا(1998)عدة كتب منها (نماذج الإيمان حول العالم) وكتاب ( الإيمان نظرة تاريخية) وكتاب ( الإيمان والاعتقاد والفرق بينهما)
([406]) الإسلام في التاريخ الحديث، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 78.
([407]) ما يقال عن الإسلام، ص 79.
([408]) جوار لال نهرو ولد في عام 1889، في مدينة الله آباد، في الهند، والتقى بغاندي في أوائل عام 1919، اعتقل عدة مرات، وانتخب رئيسًا لحزب المؤتمر الهندي الوطني عدة مرات، دخل الوزارة، وتولى الشؤون الخارجية، وأصبح نائبًا لرئيس المجلس التنفيذي، أول من تولى رئاسة الوزراء الهندية بعد استقلال الهند، له عدة مؤلفات في التاريخ والسياسة والشؤون الهندية، توفي عام 1964م.
([409]) لمحات من تاريخ العالم، ص 25 – 26.
([410]) لمحات من تاريخ العالم، ص 24، 26.
([411]) لمحات من تاريخ العالم، ص 27.
([412]) مونته ( 1856 – 1927 ) Montet أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف، من كتبه (محمد والقرآن)، وترجمة جيدة للقرآن، و(حاضر الإسلام ومستقبله).
([413]) محمد والقرآن، ص 18 ( عن ستودارد: حاضر العالم الإسلامي 1 / 32 )
([414]) محمد والقرآن، ص 18 ( عن ستودارد: حاضر العالم الإسلامي 1 / 67 )
([415]) محمد والقرآن، ص 18 ( عن ستودارد: حاضر العالم الإسلامي 1 / 32 )
([416]) محمد والقرآن، ص 22، (عن ستودارد: حاضر العالم الإسلامي، 1 / 32 – 33)
([417]) الإسلام، ( عن محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية 1 / 72 ).