بشارات من أسفار العالم

بشارات من أسفار العالم

في اليوم العاشر، وهو اليوم الأخير من رحلتي إلى تلك البلاد المقدسة خرجت من بيتي، وقد قررت أن لا أرى أحدا، ولا أجالس أحدا.. لقد أرسلني أخي إلى هذه البلاد لأتزود من نسمات المسيح، فلم أشم فيها إلا عطر محمد.

كنت أفكر فيما سأقول له، وكيف أقابله.. وبينما أنا في هذا التفكير إذ رأيت مقهى هندية لم أشك في كونها كذلك.. فقد كانت روائح الهنود بلباسهم وموسيقاهم تفوح منها.

لست أدري كيف خطر على بالي في تلك اللحظة أن أجلس فيها، وكأني أفر من شيء يطاردني، لم أعرف في تلك اللحظة ما هو.. لكني بعد ذلك علمت أنه صار لي خوف من كل قارئ للكتاب المقدس سواء كان مسلما أو مسيحيا.. لقد حولت الأيام السابقة الكتاب المقدس بالنسبة لي كتابا للتبشير بمحمد، لا كتابنا الذي نفخر به، ونعبد الله بتلاوته.

لكني لم أنج في هذه المقهى مما لم أنج منه في غيرها.

لقد رأيت أربعة نفر من الهنود يتحدثون، ورحت كعادتي ـ من غير شعور ـ أسترق الاستماع لهم.. وهذا نص ما سمعت:

قال أحدهم: سأحدثكم بما ينقضي دون العجب.

قالوا: وما ذاك؟

قال: لقد كنت أقرأ البارحة في كتابنا المقدس (السامافيدا).. فرأيت فيه شيئا شدني.. وكأني كنت أعمى لم أره من قبل.

قالوا: وما رأيت؟

قال: لقد رأيت اسم محمد.. اسم نبي المسلمين في كتابنا.. وقد نقلت لكم النص الذي ورد فيه.. وهو من في الفقرتين 6 وَ 8 من الجزء الثاني.

أخرج ورقة من جيبه، وقال: ها هو النص.. لقد كتبته بحروفه.

راح يقرأ: (أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس)

قال الثاني: أنت تذكرني بنص قرأته قبل سنوات في كتاب (أدروافيدم أدهروويدم) وهو ـ كما تعلمون ـ كتاب مقدس عندنا معشر الهندوس.. لقد قرأت في الجزء العشرين منه، الفصل 127، الفقرة 1-3 هذا النص (أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس.. وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد)

قال الثالث: لقد ذكرني قولكما بنص ورد في (بفوشيا برانم) بهوشى برانم.. لقد قرأت في الجزء3، الفصل3، العبارة 5 وما بعدها هذا النص:(في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم، والملك يطهره بالخمس المطهرات).. فهذا نص صريح لا يمكن انطباقه إلا على محمد.

بل إن في قوله (الخمس المطهرات) إشارة إلى الصلوات الخمس التي يتطهر بها المسلم من ذنوبه كل يوم([1]).

قال الرابع: وأنا مثلكم جميعا.. لقد رأيت بعض شعائر دينه في كتاب (بفوشيا برانم)، فقد ورد فيه وصف لأصحاب محمد.. فذكر أنهم (الذين يختتنون، ولا يربون القزع، ويربون اللحى، وهم مجاهدون، وينادون الناس للدعاء بصوت عال، ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء([2]) للتطهير، بل الشهداء هم المتطهرون، ويسمون بمسلي([3]) بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل، ودينهم هذا يخرج منا، وأنا الخالق)

كان هناك رجل بعيد عنهم، وكان يتصنت لحديثهم، كما كنت أتصنت أنا، فجأة رأيته نهض، وقال: أحقا ما كنتم تتحدثون عنه؟

قالوا: ما بالك؟

قال: أنا زرادشتي..

قالوا: وما علاقة ذلك بالهندوس؟

قال: لقد وجدت في كتبنا القديمة التي سبقت محمد بقرون طوريلة مثلما وجدتم في كتبكم، لقد ورد فيها: (إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النارفي هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويومئذ يصبحون هم أتباع النبي رحمة للعالمين، وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ([4])..وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات)([5]

نظروا إلى بعضهم، وفي عيونهم حيرة شديدة، قال أحدهم: ما الذي ننتظر.. إن شمس محمد تشرق علينا.. فلم نرغب عنها؟

قالوا: صدقت.. هيا بنا نستنير بأشعتها، وننعم بدفئها..

ساروا فرحين.. وسرت خلفهم بحيرة جديد.. وببصيص جديد من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


([1]) انظر:كتاب التيارات الخفية في الديانات الهندية القديمة لمؤلفه: تى محمد.

([2]) الدرباء نبات يخرج به الهنود الدم من جسم الإنسان ويعدون هذا العمل تطهيراً من الخطايا.

([3]) أي يسمون بالمسلمين، دخل عليها شئ من التحريف.

([4]) وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم.

([5]) محمد في الأسفار العالمية: 47.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *