المقدمة

المقدمة

تنطلق هذه الرواية من مقولة للمسيح عليه السلام في إنجيل متى (15:7-17) يقول فيها: (احترزوا من الأنبياء الكذبة، يأتونكم بثياب الحملان الوديعة، ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة.. من ثمارهم تعرفونهم، هل تجتنون من الشوك عنبا، أو من الحسك تينا.. هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا  جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارا ردية)

ولذلك هي تخاطب بالدرجة الأولى من يجمعون بين الإيمان بهذه المقولة، وبين جحود رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ذلك أنه يستحيل على رجل أمي في بيئة بدوية بعيدة عن كل منتجات الحضارة أن يخرج دينا ممتلئا بالقيم وبكل معاني الخلاص التي كانت تنتظرها البشرية، ولا زالت تتعطش إليها.

وهي تخاطب كذلك كل صاحب عقل سليم، ليجري مقارنة شاملة بين الثمار التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والثمار التي تفتخر بها سائر الأديان.. ليخرج من تلك المقارنة – على الأقل – بأن هذا الدين يحتاج إلى مزيد بحث وتأمل، وأنه لا يصح أن يستعجل العاقل في الحكم عليه ابتداء.

وبناء على هذا الهدف كانت أحداث هذه الرواية .. والتي تجري بين مبشر مسيحي – هو بطل الرواية، وهو الذي أسلم بعد ذلك، وحكى قصته للمؤلف – ومجموعة من المستشرقين المنصفين الكبار الذين بهرتهم القيم العظيمة التي جاء بها الإسلام، فشهدوا شهادات صادقة كانت أحسن رد على شهادات المجحفين والمناوئين من المبشرين والمستشرقين والمستغربين.

وتدور أحداث الرواية في جامعة السربون وما حولها.. وفيها مقارنات كثيرة بين كل ثمرة جاء بها الإسلام من خلال مصادره المقدسة، والثمار التي جاءت بها سائر الأديان والمذاهب السماوية أو الوضعية.

وهي تقر في نفس الوقت بالتخلف الذي حصل للمسلمين، والانحرافات التي شوهتهم، وشوهت دينهم.. ولكنها في نفس الوقت تقر بأن بذور الخير لا تزال في هذه الأمة ما دامت مصادرها المقدسة محفوظة.. ولذلك يمكنها أن تسترد حقيقتها، وأن تعود لأداء دورها الرسالي الذي كلفت به.

ومن أهداف الرواية أيضا إخراج القارئ من تلك التعميمات المجحفة التي ترمي جميع المستشرقين بالعمالة وعدم العلمية والنوايا الخبيثة.. بل هي تصنفهم بحسب أعمالهم وأفكارهم.. فمنهم المنصفون .. كالأبطال العشرة لهذه الرواية.. ومنهم غيرهم، والذين لم نهتم في الرواية بذكر أسمائهم.. لأن هدفنا منها هو بيان الثمار العظيمة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. والتي لم تر البشرية ثمارا مثلها في تاريخها الطويل.

وقد قسمناها – كأخواتها من الروايات – إلى عشرة فصول.. كل فصل منها يتناول ثمرة من الثمار:

وهي تبدأ بثمرة الخلاص التي جاء بها الإسلام لينقذ البشرية من الانهيارات التي مرت بها، وكادت تقضي عليها..

ثم بثمرة صمود هذا الدين ومصادره المقدسة رغم الحروب الكثيرة التي شنت عليه.

ثم بثمرة القيم الأخلاقية التي جاء بها، لا كمعان نظرية فقط، بل كتشريعات عملية لا يزال صدى الكثير منها موجودا في الواقع الإسلامي رغم انحرافه.

ثم بثمرة إنسانية الإسلام، وحفاظه على حقيقة الإنسان، وحقوقه مقارنة بغيره من الأديان والمذاهب.

ثم بثمرة روحانيته وتطلعه إلى المعارف السامية المرتبطة بحقائق الوجود الكبرى.

ثم بثمرة سلامه الشامل للكون والإنسان والحياة.

ثم بثمرة النظام العادل الذي دعا إليه..

ثم بثمرة العلوم التي جاء بها، ودعا إليها، ووضع المنهج المثالي للتوصل إليها.

ثم بثمرة الفنون والجماليات التي شجع عليها.

ثم بثمرة الحضارة التي تحافظ على رفاه الإنسان، وفي نفس الوقت تحافظ على إنسانيته.

هذه هي الفصول العشرة التي تتشكل منها الرواية، وفي كل فصل منها يلتقي بطل الرواية مستشرقا من المسشترقين ليبرهين له على كل واحد منها.

وهي – كما تحاول أن تغرس الأمل في قلوب المؤمنين بهذا الدين – إلا أنها تحذرهم من الاغترار بمجرد الانتساب إليه .. فهذا الدين هو القيم التي جاء بها .. ولا يمثله إلا من امتلأ بتلك القيم، وسار بها في الناس.. أما من شوهها، فلا يصدق عليه سوى قوله تعالى: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [الأنعام: 26]، وقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأعراف: 169]

وأحب أن أذكر في الأخير أن هذه الطبعة الجديدة تتميز باختصارها مقارنة بالطبعة السابقة، فقد حذفت الكثير من التفاصيل التي قد تجهد القارئ العادي في فهمها أو الاستفادة منها.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *