المقدمة

تعالج هذه الرواية قيمة من قيم الإسلام العظمى التي تمثله في عقائده وشرائعة وأخلاقه وعلاقاته مع عوالم الأفكار والأديان والمذاهب.. وعلاقاته مع عوالم البشر والأمم المختلفة، بل والكون جميعا.. ولا يكون المسلم مسلما إلا بتحققه بها ظاهرا وباطنا.. ولا يكون المجتمع مجتمعا مسلما إلا إذا دبت فيه روحها، وكانت هي قلبه النابض، ورئته التي يتنفس بها.
وهي القيمة .. والتي جاءت بها جميع النصوص المقدسة.. ومثلتها السيرة المطهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ومثلها من بعده وورثته الطاهرون الصادقون أحسن تمثيل..
هذه القيمة العظيمة التي لا يمكن وصف أهميتها، وعلاقتها بالإسلام، وعلاقة الإسلام بها هي قيمة (الرحمة).. فالإسلام رسالة ورسولا (رحمة للعالمين).. والله رب العالمين هو الرحمن الرحيم.. والكون كله نشأ رحمة من الله.. وتحرك في طريق العبودية لله رحمة من الله.. وما ينتظره من أنواع الرحمات لا يمكن تصوره.
والرسالة التي كلف المسلم أن يتحرك بها في الأرض لينشر هداية الله تنطلق من رحمته بهم، وحرصه عليهم، ولذلك هو يسير بينهم ممثلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رحمته وسلامه وأخلاقه العالية، ليجذبهم بمغناطيس الرحمة، كما قال تعالى عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران: 159]
لكن هذه القيمة ووجهت كما ووجهت القيم الأخرى بمن يحرفها عن مسارها الصحيح، ليحول دين الرحمة إلى دين قسوة وغلظة وجفاء.. ويحول رب الرحمة إلى مخادع وماكر ومستهزئ.. ويحول شريعة الرحمة إلى شريعة استعباد واستبداد وطغيان.. ويحول رسول الرحمة إلى رسول ينشر الكراهية والأحقاد بين الأمم والمجتمعات.. ويحول رسالة الرحمة التي كلف المسلمون أن يسيروا بها في الأرض إلى جيوش ليس لها من هم إلا القتل والذبح والسبي وإحراز المغانم.
وقد استغل كل من يعادي هذا الدين تلك التشويهات الخطيرة التي أصابت هذه القيمة العظيمة في مقاتلها، فراحوا ينفرون من الإسلام، يستثمرون لذلك كل ما أفرزه الدين البشري الذي اختلط بالدين الإلهي وحرفه عن مساره الصحيح.
ولا يمكن لأي عاقل في الدنيا أن يؤمن بدين يشرع القسوة والاستبداد والعبودية والظلم.. فلذلك كان تحطيم هذه القيمة في الدين أكبر حجاب ينتصر للمشروع الشيطاني للإنسان، ويحارب المشروع الإلهي.
وبناء على هذا كانت هذه الرواية التي حاولت أن تصور عبر النماذج الكثيرة سعة الرحمة التي جاءت بها النصوص المقدسة، والتي مثلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن تمثيل.. وفي نفس الوقت حاولت أن تظهر المشاريع التي استعملت كل ما أوتيت من قوة شيطانية لتشويه هذه القيمة، وتحويل دين الرحمة إلى دين قسوة وغلظة وجفاء.
وتدور أحداثها باختصار حول مشروع يقوم به المفسدون في الأرض مستثمرين التشويهات التي حصلت في الدين عبر تاريخه الطويل لينشروا في قرية من القرى.. هي نموذج مصغر عن الأمة جميعا.. أن الإسلام دين ظلم وعدوان.. وأنه خال تماما من الرحمة والإنسانية..
لكن هؤلاء – وفي أثناء تنفيذهم لمشاريعهم – يجدون من الصالحين الذين يمثلون الدين الإلهي الصحيح من يصحح لهم تصوراتهم.. ويبين لهم الحقيقة التي اختلطت بالزيف.. والصدق الذي اختلط بالكذب.
وبناء على ذلك ينتصر المشروع الإلهي على المشروع الشيطاني.. فلا يملك أصحاب المشروع الشيطاني إلا التسليم أو الإسلام..
وفي الأخير يتجمع أصحاب المشروع الإلهي، وينتفضون على أصحاب المشروع الشيطاني..
وقد اخترت كالعادة في أمثال هذه الروايات عشرة نماذج كبرى أصابها التشويه الخطير، ابتداء من المرأة التي حولها من سرقوا الإسلام إلى مجرد أمة رقيق لا قيمة لها إلا بخدمتها لزوجها وسجودها له.. وانتهاء بالكون الذي حوله المفسدون في الأرض إلى مرتع للفساد والإفساد.
وبين ذلك تناولت رحمة الإسلام بالأطفال والعجزة والمتألمين والمحبطين والفقراء والمسضعفين والعبيد والخطائين.
وهي تتوجه كسائر هذه السلسلة لأصحاب العقل والحكمة من المسلمين وغير المسلمين، ليصححوا نظرتهم إلى دين الله.. وليأخذوه من مصادره المقدسة، لا من التراث الذي اختلط فيه دين الله بدين البشر، ولا من التاريخ الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سينحرف عن الدين الصحيح كما انحرف تاريخ سائر الأمم.
وأحب أن أذكر في الأخير أن هذه الطبعة الجديدة تتميز باختصارها مقارنة بالطبعة السابقة، فقد حذفت الكثير من الروايات والتفاصيل التي قد تجهد القارئ العادي في فهمها أو الاستفادة منها.