المقدمة

هذا الكتاب من الكتب التي حاولت فيها – من خلال الأدلة الكثيرة – أن أبين البراهين الدالة على صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن كل ما في الكون يدل عليها.
وهي تختص بالخوارق التي خرقها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما خرقها قبل ذلك لرسله عليهم الصلاة والسلام، لتكون دليلا على توليتهم من الله تعالى لذلك المنصب الخطير الذي من خلاله يعرّفون بالله، وبالطريق إليه، وبحقائق الوجود.
وقد رجعت لإثبات ذلك إلى كل المصادر التي نقلت الخوارق المختلفة سواء لدى هذه الأمة أو لدى من قبلها من الأمم، وخصوصا اليهود والنصارى، ولهذا قارنت بين كل نوع من أنواع الخوارق مع مثيلاته لدى المسيح عليه السلام خصوصا، ولدى أنبياء بني إسرائيل عموما، وذلك لإثبات أن رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تختلف مع سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى: { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]
وقد حاولت أن أجمع أكبر قدر من الروايات الواردة عن رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم من خلال المصادر الحديثية المعتمدة، ولم أهتم كثيرا بمناقشة الروايات، باعتبارأني لا أهدف إلى إثبات كل حادثة على حدة، وإنما لإثباتها جميعا، وبالتالي تعاملت معها كما يتعامل المحدثون مع المتواتر المعنوي، لأن الغرض هو إثبات التحدي والإعجاز، لا إثبات كل معجزة على حدة.
وقد صنفت الأدلة في هذا إلى عشرة أصناف مثل سائر الروايات التي وضعتها لخدمة هذا الجانب، وتبدأ من الإرهاصات التي سبقت النبوة، وعاصرتها، وتنتهي بالتكريمات الإلهية التي كرم الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين ذلك تناولت: بركات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستجابة الله لدعائه، والنبوءات الكثيرة التي أخبر بها، والتحديات التي تحدى بها المخالفين، والثبات الذي ثبته الله به، وأصناف الحماية التي دعمه الله بها، والانتصارات التي نصره بها، والطاقات التي أعطاه الله إياها.
وهي تتوجه – أولا – لأصحاب العقل والحكمة من المسلمين وغير المسلمين، ليضموا هذا النوع من الأدلة إلى غيره من الأدلة.. ليبنوا من خلال ذلك مواقفهم من رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وهي تتوجه كذلك لأولئك الغافلين المقصرين الذين يحتقرون هذا النوع من الأدلة، أو يستهينون بها، مع أن القرآن الكريم ذكره كثيرا، ودعا أصحاب العقول إلى النظر فيه، والاهتمام به.
وهي تتوجه فوق ذلك لأولئك الحمقى والمغفلين من المسلمين الذين لم تهضم عقولهم المقيدة بداء الجهل والكبر هذا النوع من الأدلة فراحوا يردونها، ويردون الروايات الكثيرة المرتبطة بها.
وقد يستغرب البعض ذكري أنها موجهة للمسلمين.. فما حاجة المسلمين لذلك، وهم يؤمنون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصلا.. والجواب على ذلك بسيط، وهو ما نص عليه قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، ففرق كبير بين من رأى ومن سمع.
بالإضافة إلى أن هذا النوع من الأدلة يتعلق بناحية مهمة كانت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يصح لنا أن نهملها، لأن البعض يحرص دائما على أن يظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصفة البشر العادي.. ولذلك يكتم أو يتجاهل كل ما يناقض موقفه هذا.
وكسائر كتبي في هذا الجانب، فقد صغت الأدلة فيها على شكل مناقشات ومناظرات وحوارات، وعلى قالب روائي مبسط ييسر التجاوب مع ما تريد هذه الرواية تحقيقه.
ومن أبطال هذه الرواية:
الشيخ صاحب القصة: وهو شخصية مسيحية من رجال الدين، وقد كلف بمهمة تبشيرية بين المسلمين في الهند، بصحبة مبشر خبير هو [بولس]، وقد آمن بعد أن سمع الحوارات الكثيرة الدالة على رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي حكى قصته للمؤلف.
عبد القادر: وهو البطل الأساسي في الرواية، ويمثل الداعية المسلم المثقف والمؤدب، والذي حاور المبشر بكل أدب وعلم، وقد اخترت له هذا الاسم باعتباره يمثل الحديث عن القدرة الإلهية، والخوارق المرتبطة بها، ويمثل في نفس الوقت جمهور المسلمين القائلين بذلك.
عبد الحكيم: وهو صديق لعبد القادر، ولكنه لا يميل إلى الاهتمام بالمعجزات الحسية، وقد سميته بذلك باعتباره يمثل عالم الحكمة، وهو يمثل طائفة من الناس ظهرت في هذا العصر تحاول التهرب من المعجزات خشية على الدين من تلبسه بالخرافة.
بولس: وهو المبشر الذي حاوره عبد القادر في كل فصول الرواية، وقد كان له– كما تذكر الرواية – (أثره الخطير في ردة الكثير من المسلمين في إفريقيا، فله القدرة على تصوير الخوارق ببلاغة، وكأنها تحدث أمامك.. وكان له من الإخلاص والصدق بقدر ما كان له من النشاط، فلم يكن يرغب في أي مسؤولية أو وظيفة غير وظيفة التبشير)، وقد انتهى به الأمر – بعد أن سمع أخبار المعجزات الحسية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – أن يسلم في آخر الرواية.
والرواية – في الأخير – تعتبر موسوعة للكثير مما ورد من دلائل النبوة مع البراهين العقلية المرتبطة بها، وهي – طبعا – جزء يضم إلى نظيره من الأدلة التي اهتمت بها هذه الكتب.. مثل [معجزات علمية]، و[ثمار من شجرة النبوة]، و[أنبياء يبشرون بمحمد]، و[الكلمات المقدسة]، وغيرها.
وتتميز هذه الطبعة الجديدة باختصارها مقارنة بالطبعة السابقة، فقد حذفت الكثير من الروايات والتفاصيل التي قد تجهد القارئ العادي في فهمها أو الاستفادة منها.
وفي الأخير .. أشكر كل الذين نوهوا بالطبعة السابقة، أو دعوا إلى دراستها، وهي بفضل الله جديرة بذلك، فهي لا تكتفي بعرض الحقائق، بل تبين كيفية إقناع الآخرين بها، والآداب المرتبطة بكل ذلك.