المقدمة

المقدمة

تهدف هذه الرواية إلى بيان أثر الاختيار الإنساني للخطيئة فيما يحصل له من مآس وآلام ومصائب.. وهي تعبر عن ذلك بتعبير رمزي عن طريق سوق ممتلئة بكل أنواع الفقر والحاجة، يراها المؤلف ـ تلميذ السلام ـ فتثور في نفسه ألوان الصراع حول سر ذلك، ومدى انسجامه مع الرحمة والعدالة الإلهية..

لكن معلم السلام، وعبر ما يرسله لتلميذه من الوسائط يبرهن له على أن كل ما حصل لأهل السوق من آلام هو ثمرة اختياراتهم.

ثم يأخذ بيده إلى مدرسة تدرب أهل السوق على التخلص من الآثام التي حالت بينهم وبين تنزل البركات عليهم.. وهناك يعرف تلميذ السلام، وأهل السوق، سبب ما حل بهم من محق وآلام.

وفي الرواية استعراض لأمهات الذنوب والخطايا أصولها وفروعها، وبيان أسبابها، وآثارها ودورها في طمس الفطرة الإنسانية.

وفيها استعراض لكم كبير من النصوص المقدسة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، حول أنواع الخطايا والذنوب وعواقبها .. باعتبار تلك النصوص المصدر الأول والأساسي للتعرف على الحقيقة الإنسانية ومنهج تطهيرها، وإعادة صياغتها لتتناسب مع الجبلة التي طبعها الله عليها.

وقد حاولنا في أكثر المحال من هذه الرواية الاكتفاء بإيراد النصوص عن إعطاء توضيحات عليها.. ذلك أن النص المقدس في تصورنا أكبر من أن يفسر أو يوضح أو يقيد بأي قيد.

وقد اكتفينا في محال كثيرة كذلك بذكر الخطايا دون ذكر تفاصيل التخلص منها، لأنا خصصنا لذلك رسائل خاصة من هذه السلسلة، بالإضافة إلى أن غرض هذه الرواية هو بيان آثار الذنوب على البركة والرزق.. وذلك وحده كاف لكثير من الناس في التنفير عنها، والتوبة منها.

وقد أشارت النصوص المقدسة الكثيرة إلى الحقيقة التي تهدف إليها هذه الرواية، ومنها قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، فإن هذه الآية الكريمة تشير إلى دور الإعراض عن ذكر الله ـ والذي هو سبب كل الذنوب والمعاصي ـ في تحقق الضنك والضيق على المعيشة.

ومثلها قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأعراف: 96]

وهكذا أخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام أنه في دعوته لقومه ربط الاستغفار بزيادة الرزق وتنزل البركات: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) } [نوح: 10-12 ]

ومثله هود عليه السلام الذي قال مخاطبا لقومه: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52]

ونحب أن نشير هنا إلى هذا ليس بعمومه، فقد يبتلي الله عباده الصالحين بما شاء وكيف شاء ليطهرهم ويرفع درجاتهم.. وليجعل الأسوة بهم، وقد ورد في الحديث أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)([1]

وقد وضحنا سنن ذلك وقوانينه في كتابنا [أسرار الأقدار] و[ابتسامة الأنين] وغيرهما من هذه السلسلة.


([1])  رواه أحمد والبخاري وابن ماجة والترمذي وابن حبان والحاكم.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *