المقدمة

تتناول هذه الرسالة جانبا مهما من جوانب السلام وردت به النصوص المقدسة، وهو السلام مع الجسد والطين الذي خلقه الله للإنسان ليؤدي وظيفته التي كلف بها على هذه الأرض..
فالإنسان ـ كما ورد في النصوص المقدسة ـ تراب وطين وحمأ مسنون، كما أنه روح سامية نفخت فيه من الجناب المقدس..
وكما أن الإنسان مطالب بأن يسالم روحه، ويسالم كل الكون، فهو مطالب كذلك بأن يسالم جسده وطينه وحمأه المسنون، فلا يصارعه، ولا يذله، ولا يتعامل معه بما يخالف طبيعته.
وقد حاولت في هذه الرسالة أن أجمع أكبر قدر من النصوص المقدسة التي ترتبط بهذه الناحية، وأمزج بينها وبين ما يقوله العلم الحديث، وقد خرجت بحمد الله بمنظومة شاملة تكفي لتحقيق العافية التي طولبنا بأن نحرص عليها، وأن نستعمل كل ما يمكننا من أدوات لتحصيلها والحفاظ عليها.
وقد رأيت أن هذه المنظومة تتكون من أربعة أركان، خصصت كل ركن منها بحصن من الحصون:
الحصن الأول: وهو حصن الاستقامة، فالملتزم بأحكام الشريعة لا يحفظ روحه فقط، بل يحفظ جسده أيضا، فالخمر والمخدرات والفواحش وغيرها من المحرمات الظاهرة لا تؤذي الروح فقط، بل تؤذي الجسد أيضا.. وهكذا المحرمات الباطنة من الحسد والكبر وغيره من الأمراض كلها تنهك الروح والجسد.
الحصن الثاني: وهو حصن الوقاية، وقد تناولت فيه التشريعات المرتبطة بالوقاية كالصوم وتحريم الإسراف والطهارة وغيرها، فكلها لها دور مهم وفاعل في الحفاظ على الصحة، كما أن لها دورا فاعلا في الحفاظ على الروح.
الحصن الثالث: وهو حصن القوة، وقد تناولت فيه كل حاجات الجسد التي تساهم في قوته والحفاظ عليه كالتغذية والرياضة والراحة .. وقد حاولت أن أبين فيه مدى حاجة الجسم إليها جميعا، ومدى العبودية التي يتحقق بها الإنسان حين يلبي هذه الحاجات، وفق ما تقتضيه آداب الشريعة وقوانين الصحة.
الحصن الرابع: وهو حصن التواصل، وتناولت فيه المنافذ التي جعلها الله للجسد للتواصل مع العالم، من السمع والبصر والشم والذوق واللمس والاستبصار.. وكيفية الاستفادة منها في تحقيق العافية، وفي التواصل السلمي مع العالم.
وقد قاد هذه الرحلة ـ كما قاد الكثير من رسائل السلام ـ معلم السلام الذي رحل بالمؤلف إلى الحصون التي أنشأها أهل مدائن السلام للتدريب على العافية.
وقد لقي المؤلف في رحلته هذه الكثير من العلماء والخبراء .. ورأى الكثير من الأشياء العجيبة التي جعلته يحتقر ما رآه بين قومه مما كان يفخر به.
وهي تنتقد الكثير من الظواهر السلبية التي تتلاعب بالجسد والصحة في سبيل أغراض خسيسة.. وتنتقد سكوت الفقهاء على ذلك مع كونهم مطالبين بالإنكار على المنكر جملة وتفصيلا..
وهي تدعو الجميع ـ من الخبراء والفقهاء ـ إلى بذل كل الجهود لمقاومة تجار المدنية الحديثة الذين يتلاعبون بجسد الإنسان لإرضاء الشيطان الذي أخبر أنه سيبذل كل جهوده لتغيير خلق الله، كما قال تعالى: { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } (النساء: 117 – 119)