المقدمة

تحاول هذه الرواية ـ بقدر الطاقة ـ أن تصور بعض وظائف الهداية التي مارسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره رسول الله وواسطة الهداية بين الله وبين عباده.
وهدفنا الأول من ورائها هو تبيان السنن الحقيقية المرتبطة بهذه الناحية العظيمة، والتي نالها من التشويه ما نال غيرها، حيث أصبحت الدعوة إلى الله حجابا من الحجب التي تحول بين البشر والتعرف على دين الله الحقيقي.. وأصبح الداعية ذلك الذي يحمل سلاح التكفير والتبديع .. ويحمل معه جميع أسلحة العنف، ليرمي الخلق جميعا في سجون الحقد والكراهية التي تعمر قلبه.
وهدفنا منها كذلك التعريف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلال القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والورثة الذي تمثلوا هذا الجانب فيه.
وهدفنا منها قبل ذلك وبعده ـ كما هو هدف هذه السلسلة ـ البرهنة على أن هذا الرجل العظيم الذي اكتنزت حياته بكل كنوز الكمال، وكان مع ذلك هاديا مهديا، يستحيل أن يكون كاذبا أو مخادعا أو مضللا، بل يجب أن يكون واسطة الهداية الربانية الأعظم، وعنوان عنايته الأكبر.
وبما أنه يستحيل على أي كان أن يصور هذه الناحية العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد استعرنا لذلك مثلما فعلنا في الرواية السابقة مجموعة من الورثة، كل وارث تمثل جانبا من جوانب الهداية في شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وراح يبشر بها، ويستعملها في هداية خلق الله.
وهذه النواحي هي:
الحكيم: فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في غاية الحكمة في دعوته.. فقد كان يراعي المخاطبين في طباعهم وقدراتهم وتوجهاتهم وحاجاتهم وأعرافهم.. وكان ينزل الناس منازلهم في الخطاب.. وكان يستعمل كل الوسائل والأساليب، ويضعها في محالها الصحيحة.
الواعظ: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واعظا مؤثرا، وقد أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارا، ولو أن أي داعية اكتفى بمواعظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته في دعوة الخلق لكفته.
المحاور: فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحاور بعلم وعقلانية من يدعوهم، وقد وضع لنا منهجا متكاملا للحوار الهادف الناجح.
المعلم: فقد وضع لنا صلى الله عليه وآله وسلم منهجا كاملا في التربية والتعليم، يمكنه أن ينهض بالمدرسة، ويحولها إلى محل لصياغة الإنسان الصالح الذي لا يكتفي بالمعرفة وحدها، بل يضم إليها جميع الآداب الإنسانية الرفيعة.
القدوة: فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم قدوة في كل شيء.. ويمكن أن يستفيد منه كل أحد.
المربي: فقد وضع لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهجا متكاملا في الترقي الأخلاقي والعرفاني، يمكن لمن سلكه أن يرقى في معارج العرفان، ويتحقق بما تحقق به أولياء الله من الورثة.
الخطيب: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا مفوها، ويمكن لمن درس خطبه أن يستفيد منها كل ما يرقى بالخطابة لتؤدي دورها الإصلاحي والتوعوي.
المفتي: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيب من سأله، ويعلمه أحكام دينه، وقد ترك للمفتين منهجا لذلك يمكنهم توظيفه لهداية خلق الله إلى شريعة الله.
المحتسب: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، وعلمنا من الآداب والأخلاق ما يمكن أن ينهض بهذه الوظيفة الخطيرة من وظائف الدين لتؤدي دورها في الإصلاح في جميع مجالاته.
الشاهد: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاهدا على أمته جميعا.. وورث ورثته هذه المسؤولية الخطيرة، وهي تعني القيام بكل ما من شأنه أن يعرض الدين عرضا صحيحا متناسبا مع القيم الجميلة التي جاء بها، حتى يدخل الخلق في دين الله أفواجا، وحتى يظهر الإسلام على الدين كله.
هذه هي النواحي العشرة التي حاولنا في هذه الرواية أن نشرحها، ونبسطها قدر الإمكان، وقد استعملنا لذلك بعض الأحداث المشوقة الرمزية التي تجمع للقارئ بين المعلومة والفكرة والمتعة..
وخلاصة أحداثها هي أن الراوي ـ وهو رجل دين مسيحي ـ يذهب إلى بعض الأدغال الإفريقية للتبشير.. وفجأة تتعطل سيارته في بعض الغابات الموحشة.. وهناك يجد شخصا يسمى محمد الهادي.. يدعوه إلى السير معه لهدايته للطريق، ويشرط عليه في كل مرحلة من المراحل أن يستمع لقصة من قصصه..
وفي الطريق يقص عليه هذه القصص العشرة التي ذكرناها في الرواية..
وفي الأخير يصل إلى محل النجاة .. وهناك تحدث أحداث أخرى .. ندعها للقارئ ليتعرف عليها.
وننبه هنا ـ كما نبهنا سابقا ـ إلى أن ما نذكره من شخصيات وأماكن وأحداث وغيرها، لا علاقة لها بالواقع إلا علاقة الرمزية التي تقتضيها الأعمال الفنية.. وما كان من ذلك منطبقا مع الواقع أشرنا إليه في الهامش.