المقدمة

المقدمة

تحاول هذه الرواية ـ بقدر الطاقة ـ أن تصور بعض نواحي الكمال التي أودعها الله في النموذج الأكمل للإنسان الذي أراده الله ورضيه، وجعله عينا من عيون رحمته، ومنبعا من منابع لطفه بعباده وعنايته بهم.. وجعله بعد ذلك مرآة لتجلي حقائق الوجود وكمالاته.. وجعله فوق ذلك كله صراطا مستقيما، من سار على هديه وصل، ومن سلك غير سبيله ضل.

هذا الكامل الذي شهد له كل شيء بالكمال، هو محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..

وبما أنه لا يمكن لبشر مهما كان أن يحيط بكمالاته صلى الله عليه وآله وسلم أو يصورها، فقد استعرنا في هذه الرواية بدله مجموعة من الورثة .. كل واحد منهم يحكي ناحية من النواحي.. فمن لا طاقة له بالنظر إلى الشمس يمكنه أن ينظر إليها من خلال صفحات الماء الصافية.

وجعلنا بطل الرواية الأساسي الذي يحكي قصة رحلته إلى [النبي الإنسان] رجلا اهتم بالبحث عن الكمال الإنساني.. وقد جعله ذلك يرحل إلى مناطق كثيرة من العالم إلى أن ظفر ببغيته في عشرة من الناس، كل واحد منهم يحدثه عن ناحية من نواحي الكمال في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..

وهذه النواحي العشرة هي:

العارف: الذي اجتمعت في عقله وقلبه حقائق الوجود الكبرى، من مصادرها المعصومة المقدسة بعيدا عن الجدل والخرافة والأسطورة وغيرها.

العابد: الذي توجه إلى الله بكل لطائفه، وبكل ألوان العبودية، ولم يخل وقت من أوقاته من وظيفة من وظائف التوجه الصادق إلى الله.

الورع: الذي لم يقرب حراما ولا شبهة من أول حياته إلى آخرها.. بل نال فوق ذلك أكمل مراتب الورع، حيث حصر همته في الله، فما زاغ بصره، وما طغى.

الزاهد: الذي تبرجت له الدنيا بكل محاسنها، فلم يلتفت لها، بل خير بين أن يكون نبيا ملكا، أو نبيا عبدا، فاختار العبودية على الملك.

العالم: الذي اجتمع له من العلوم والمعارف في جميع ميادين الحياة وتخصصاتها ما لم يجتمع لأحد قبله ولا بعده، ولا زالت آثار علومه منبعا عذبا للحقيقة تستقي منه كل الأزمنة.

الإمام: الذي استطاع إخراج البشر من الجهالة إلى العلم، ومن الجور إلى العدل، ومن البهيمية إلى الإنسانية، ولا يزال المنهج الذي جاء به سليما غضا طريا يمكنه أن يؤدي هذه الوظيفة في أي وقت، ولمن شاء.

القائد: الذي وضع منظومة سياسية وإدارية وقضائية وأمنية شاملة لكل الحالات، ممتلئة بالعدالة والقيم الصالحة لكل زمان ومكان.

الطبيب: الذي علمنا كيف نحفظ صحتنا في جميع مناحيها.. وعلمنا كيف نعالج أنفسنا بعيدا عن الدجل والخرافة التي كانت منتشرة، ووصف لنا فوق ذلك وصفات صحية غاية في النفع.

البشر: الذي اكتملت فيه نواحي البشرية جمالا وكمالا.. وأعطى في سلوكاته البشرية أحسن الأمثلة عن الإنسان في قمة كماله وجماله وأدبه.

الرسول: الذي اختاره الله من بين خلقه جميعا، ليؤدي تلك الوظيفة العظيمة، وظيفة الوساطة بين الله وخلقه.. ولذلك هيأ له من الأجواء، ووفر له من البراهين ما لا يمكن لأحد أن يقف في وجهه.

هذه هي الفصول العشرة التي تحتوي عليها هذه الرواية .. والتي أدى دور البطولة فيها ورثة صادقون مخلصون لربهم ولنبيهم.. وممتلئون فوق ذلك عشقا ومحبة أورثتهم تلك الوراثة العظيمة.

وهدفنا من هذه الرواية ليس فقط الاستدلال على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. وإن كان ذلك هدف لهذه السلسلة جميعا.. ولكن هدفنا الأكبر هو تبيان الوراثة الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. والاستنان الحقيقي بسنته.. والذي ينطلق من الحب والمعرفة.. قبل أن ينطلق من الجفاء والأهواء.

ولهذا تحاول هذه الرواية أن توضح المفهوم الحقيقي للاستنان بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي تشمل جميع نواحيه .. لا مجرد النواحي البشرية فيه.

وهي – كسائر السلسلة – تنتقد التشويه الخطير للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. والذي يقوم به الدجالون الذين ادعوا وراثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحتكاره واحتكار سنته.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *