المقدمة

المقدمة

يتناول هذا الكتاب برهانا من البراهين التي يمكن للصادقين أن ينطلقوا منها في البحث عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم والرسالة التي جاء بها.. مثله مثل [أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم]، و[ثمار من شجرة النبوة]

ويمكن صياغة هذا البرهان بطرق مختلفة منها أن الله سبحانه وتعالى ـ لعنايته التامة بخلقة، والمتجلية في كل شيء ([1]) ـ  يستحيل أن يترك خلقه هملا من دون أن يرسل إليهم من يدلهم على حقيقتهم وحقيقة الكون الذي يعيشون فيه، والمصير الذي يصيرون إليه، والتكاليف التي كلفوا بها..

وهذا الذي يرسله يحتاج – ليؤدي وظيفته التبليغية عن الله – أن يكون معلوما للخلق معروفا لخاصتهم وعامتهم.. لأنه لا يمكن أن يؤدي وظيفته التبليغية من دون أن يعرف.

ثم إن للمعرفة آثارا كثيرة قد تكون حجابا بين الخلق، وبين هذا الرسول الذي أرسله الله عناية بخلقه.. ففرعون معروف لكثير من الخلق، ولكنه معروف باستبداد وظلمه..

ولهذا كانت المعرفة الأكمل والأجمل والأكثر تأثيرا هي المعرفة التي ينشأ عنها الحب والإعجاب والتأثر..

ولمعرفة هذا نحتاج إلى القيام بمسح شامل للبشرية لنرى أكثر أسماء مدعي الرسالة ترديدا، وأكثرها تأثيرا .. وهذا لن يقودنا إلا إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. فلا يوجد في تاريخ البشرية من ولهت القلوب بمحبته، أو الإعجاب به على الأقل مثلما حصل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .

ونحن لا نقول بأن هذا الإعجاب أو تلك المحبة دليل قائم بذاته يمكن الاكتفاء به.. ولكنا نقول بأن هذا مقدمة للبحث والنظر والتأمل في حال هذا الشخص الذي هفت قلوب ملايير البشر على مدار التاريخ محبة له وشوقا إليه مع كونه كان يعيش في بيئة بدوية أمية بعيدة عن كل آثار الحضارة..

والأعجب من ذلك كله أن تلك المحبة وذلك الإعجاب لم يكن يخص بصنف من الناس دون صنف كما تعودنا في مثل هذه الأمور.. فالفيلسوف يحب الفلاسفة.. والسياسي يحب السياسيين .. والأديب يحب الأدباء وهكذا.

بل نجد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد نال محبة وإعجاب جميع أصناف الناس من عامتهم وخاصتهم.. وأدبائهم وفنانيهم.. وعلمائهم وأوليائهم.. وأحبارهم ومفكريهم.. بل حتى أولئك المستشرقين من غير أتباعه الذين أتيحت لهم الفرصة للبحث عنه والتعرف عليه، لم يملكوا إلا أن يشهدوا الشهادات الصادقة إعجابا به وتعظيما له.. بل حتى أعداءه لم يملكوا في بعض لحظات الصدق التي عاشوها إلا أن يقروا بفضله وكماله.

بناء على هذا كانت هذه الرواية التي انطلق فيها بطلها ـ رجل الدين المسيحي ـ من البحث عن القلوب التي حنت إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأحبته وتأثرت به.. فجمع لذلك الكثير من الشهادات التي سقناها في هذه الرواية، كنماذج وأمثلة فقط، لأن الاستيعاب في هذا مستحيل.

وقد جعلنا هذه الرواية مقدمة لروايات تالية تتعلق بالتعريف بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي [النبي المعصوم]، و[النبي الإنسان]، و[النبي الهادي] لتكمل الهدف الذي ترمي إليه هذه الرواية.. وهو أن هذا الذي أحبته تلك القلوب الكثيرة، وأعجبت به تلك العقول العظيمة ليس إنسانا بسيطان .. بل هو إنسان حاز كل ألوان الكمال، وظفر بكل معاني الجمال التي جعلته محبوبا لكل صاحب فطرة سليمة.


([1])ذكرنا أدلة ذلك بتفصيل في [الباحثون عن الله]

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *