البداية

البداية

في ذلك الصباح المبارك الذي سمعت فيه الحكاية التي سأقصها عليكم، خطر لي خاطر ملأني نشوة وسعادة وسرورا..

لقد تذكرت أن هذه الأرض التي أسير عليها هي نفس الأرض التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وأن هذه السماء التي أستظل بظلها، وألتحف غطاءها هي نفس السماء التي كانت تظلل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت تغطيه بلحافها.. وأن هذه الشمس التي تغمرني أشعتها هي نفس الشمس التي غمرت بأشعتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقلت لنفسي: أبشري يا نفس، فلربما تنعمت رئتاك بنفس الهواء الذي استنشقه رسول الله.. وربما تنعم جوفك بنفس الماء الذي شربه.. ولربما ذقت نفس الطعام الذي ذاقه، أو وطئت قدماك نفس المواطئ التي وطئتها قدماه الشريفتان.

لكن نفسي عادت لتتألم من جديد، وتقول لي، وهي تعتتصر ألما: كف عن هذه الهمة الدنية.. فالمحب لا يرضيه من الحبيب إلا كل الحبيب.. والحبيب الذي رضي من الحبيب بما ترضى لا يستحق أن يكون حبيه رسول الله.. فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحبه إلا أصحاب الهمم العالية.

قلت لها: ومن أصحاب الهمم العالية؟

قالت: أولئك الذي لم يرتضوا لننفوسهم وأرواحهم وأسرارهم اسما إلا اسم محمد.

قلت لها: فالأمر هين إذن.. سأغير اسمي ليصير كاسم الحبيب.

قالت: ليس الشأن أن تغير اسمك، ولكن الشأن أن تغير مسماك.

قلت لها: مسماي يستحيل أن يصير محمدا.. فمحمد ليس إلا واحد في هذا الوجود.

قالت: ما دمت كذلك.. فهمتك الدنية أبعد من أن تجعلك أهلا لحب الحبيب..

تألمت لهذا الجواب القاسي الذي أجابتني به نفسي.. وأيقنت مدى الانحطاط الذي كنت أعيشه حين كنت أرضى ما يرضى به كل أهل الأرض.. فكل أهل الأرض ضمتهم الأرض، وغطتهم السماء، ولفحتهم بأشعتها الشمس.

لكني رددت على نفسي.. وبقوة..: ومن له القدرة على أن يزاحم تلك الأنوار التي اجتمعت في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار شمسا لا تدانيها أي شمس.. إن من يفعل ذلك يوشك أن يحترق.

قالت لي نفسي، وبنفس القوة التي صرخت بها فيها: عالم الأنوار لا مزاحمة فيه.. ولا احتراق.. ومن ظن أن هناك مزاحمة أو أن هناك احتراقا، فهو لم يخرج من نفسه الأمارة بالسوء.

قلت: فكيف أخرج من نفسي الأمارة بالسوء لأصير محمدا؟

قالت: ذلك هو لباب العلوم وأصلها وسر أسرارها، ومن ظفر به ظفر بالإكسير الأحمر الذي ينفخ في طين الإنسان روح الإنسان.

قلت: في أي جامعة أتعلم هذه العلوم؟

قالت: هذه العلوم لا تعلم في الجامعات.. ولا في أي محل من محال الدنيا.

قلت: فكيف أصل إليها؟

قالت: بالبحث عن أهلها.

قلت: ومن أهلها؟

قالت: الورثة..

قلت: ومن الورثة؟

قالت: هم الذين لم يستظلوا في الدنيا بغير أشعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. أولئك هم الذين نفخ فيهم روح الإنسان.. خليفة الله في أرضه.

قلت: وكيف أصل إليهم؟

قالت: عندما تمتلئ شوقا إليهم ستصل إليهم.. وربما تجدهم أقرب إليك من نفسك.

***

ما استتم هذا الخاطر على خاطري حتى سمعت صوت الغريب يناديني، فأسرعت أحث خطاي إليه، فقال: لقد كنت أحسبك مشتاقا للحديث عن (النبي الإنسان)، فكيف تأخرت علي؟

قلت: لقد حبستني نفسي.. وكدرت علي صفوا كنت أجده، ونغصت نعيما كنت أتنعم به.

قال: كل صفو حبسك، فالكدورة خير منه.. وكل نعيم قيدك، فالآلام خير منه.

قلت: لم أفهم ما الذي ترمز إليه..

قال: لقد قال تعالى:{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} (الذريات: 50)، والفرار يمتنع معه القرار.

قلت: إن نفسي تطالبني أن أصير محمدا.. لكأني بها لا تعلم من هو محمد.

قال: لا يمكن للمحب أن يكتمل حبه حتى يتحول إلى حبيبه الذي أحبه.

قلت: لكأني بك تردد قولها.

قال: لقد صدقتك نفسك.. وهي لم تقل إلا الحقيقة.

قلت: أهذا خاص بمحمد، أم عام لكل محبوب؟

قال: بل هو عام لكل محبوب.. فلا يمكن أن تبقى في المحب بقية لغير محبوبه([1]).

قلت: فإن بقيت؟

قال: كان ذلك علامة عدم اكتمال الإخلاص في المحبة.. المحبة تقتضي الذوبان في المحبوب، والفناء عن الذات استغراقا في ذات المحبوب.. ألم تسمع حديث الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يارسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك)([2])

قلت: بلى.. ولكن لم كان الأمر كذلك؟

قال: لاشك أنك تعلم أن الإنسان عبارة عن مجموعة أركان.. هو مثل أي بنيان.. فهو مكون من جسد ونفس وعقل وروح وسر.. ولطائف كثيرة يكتشفها كلما ترقى في سلوكه وترفعه وسموه.. وقد لا يفطن لها، ولكنها مع ذلك موجودة فيه.

قلت: أعلم هذا.. وقد تحدث علماء النفس المسلمين عن البراهين الدالة على وجود هذه اللطائف والقوى واللبنات التي يتكون منها الإنسان.

قال: لقد جعل الله لهذه اللطائف مراتب مختلفة في التحقق والتخلق..

قلت: أعلم هذا.. وقد ذكر القرآن للنفس مراتب.. فمنها النفس الأمارة التي ذكرها الله في قوله:{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (يوسف:53).. ومنها النفس اللوامة التي ذكرها الله في قوله:{ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (القيامة:2).. ومنها النفس المطمئنة التي ذكرها الله في قوله:{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (الفجر:27)

قال: وكذلك هناك العقل الأمار المخادع.. وهناك العقل اللوام المجادل.. وهناك العقل المطمئن الموقن..

وهكذا الجسد.. وهكذا الروح.. وهكذا كل لطائف الإنسان.

قلت: وعيت هذا.. فما علاقته بما نحن فيه؟

قال: اصبر علي.. فليس من السهولة أن تفهم هذه الحقائق العالية.

سكت قليلا، ثم قال: ألا تعرف معنى قوله تعالى:{ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} (التكوير:7)؟

قلت: هذه الآية مثل قوله تعالى:{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} (الروم:14)، وقوله تعالى:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} (الروم:43)

فهذه الآيات جميعا تشير إلى أنه في القيامة يحصل تصدع عظيم بحيث يتميز كل صنف في محال خاصة به لا ينازعه فيها سائر الأصناف.

ولهذا يقال في ذلك اليوم للمجرمين الذين يطمعون أن يجالسوا المؤمنين:{ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} (يّس:59)، ويقال لهم:{ مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} (يونس: 28)

وعندما يطمع المنافقون أن يقتبسوا من أنوار المؤمنين يقال لهم:{ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد:13)

وإلى هذا التميز الإشارة بقوله تعالى:{ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} (الصافات: 22)، وبقوله تعالى:{ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} (الفرقان:13)

فقد ورد في تفسير هذه الآيات أن المراد منه الجمع بين النظراء أو الأشكال منهم كل صنف إلى صنف، وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقرن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون كعمله) ([3])

قال: بورك فيك.. فقد فهمت المراد من الآية إذن.

قلت: أجل.. ولكني أريد أن أطبقه على ما نحن فيه.

قال: أرأيت لو أن مادة من المواد تتركب من معادن مختلفة.. ففيها الذهب.. وفيها الفضة.. وفيها الحديد.. وفيها أنواع الشوائب المختلفة.. ثم قمنا بتحليل هذه المادة إلى عناصرها المختلفة.. وعرضناها على مغناطيس يجذب الحديد فقط.. فهل ستنجذب سائر العناصر؟

قلت: لا.. ستبقى في محالها.. فيستحيل أن ينجذب النظير لغير نظيره.

قال: فهكذا عالم اللطائف التي يتكون منها الإنسان..

قلت: فهمت كل ما ذكرت.. ولكني لم أفهم سر علاقة ذلك بالحب.. ثم علاقة ذلك بحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: الحب قد يكون من النفس.. وقد يكون من العقل.. وقد يكون من الروح.. وقد يكون حبا لا يتجاوز الجسد.. وقد يكون حبا طاغيا بحيث يشمل هذه اللطائف جميعا.

قلت: فالحب الحقيقي هو الحب الذي يشمل اللطائف جميعا!؟

قال: أجل.. وهو لا يمكن أن يكون إلا بعد حصول المزاوجة التامة التي ذكرها القرآن.

قلت: ولكن القرآن ذكر ذلك في الآخرة!؟

قال: عالم الآخرة هو باطن عالم الدنيا.. وعالم الآخرة هو نتيجة حتمية لعالم الدنيا.. فلا يحصل في الآخرة إلا ما حصل نظيره في الدنيا.. أليست الآخرة حصاد ما زرع في الدنيا!؟

قلت: تقصد أن الزوجية التي ذكر القرآن حصولها في الآخرة كانت قد حصلت قبل ذلك في الدنيا.

قال: أجل.. فمن اقترنت نفسه بأي نفس حشرت معها.. ومن اقترن عقله بأي عقل حشر معه.. ومن اقترنت روحه بأي روح حشرت معها.. وهكذا.

قلت: فالإنسان يتشتت بذلك إذن؟

قال: أجل.. ألم تسمع قوله تعالى:{ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} (الحجر:44)؟

قلت: بلى..

قال: فلذلك من أحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. أو تأسى به في جانب من الجوانب.. اقترن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الجانب.. وابتعد عنه في سائر الجوانب.. بل حجب عنه في سائر الجوانب..

بل قد يجتمع في الشخص الواحد عدوان لدودان.. فتكون بعض لطائفه لرسول الله، وبعضها لأبي جهل.

صحت فرحا: وجدتها.. وجدتها..

قال: ما وجدت؟

قلت: أرى كثيرا من الناس يقتنعون ببعض مظاهر السنة.. ويزعمون أن ذلك هو السنة.. فيختلف الناس بسبب ذلك في شأنهم.. أما الورعون، فيتوقفون في أمرهم خشية أن يلوموهم في بعض ما ثبتت سنيته عن رسو الله صلى الله عليه وآله وسلم..

قال: ما قلته صحيح.. ولا ينبغي للورع البارد أن يدخل هذا الباب.. فسنة رسول الله أعظم من أن يمثلها أحد من الناس..

لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ونبه عليه، بل حذر منه، فقال: (يأتي في آخر الزمان حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقولون: من قول خير البرية لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا رأيتموهم، فاقتلوهم فان قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)([4])

التفت إلي، وقال: انظر.. لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هؤلاء يقولون من قول خير البرية.. وذكر أنهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم.. ثم أمر بعد ذلك بما أمر به.

قلت: فسبب ذلك أنهم لم يتوحدوا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذن؟

قال: أجل.. لقد اكتفوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظاهره.. بلباسه، ولحيته، وقراءته.. فراحوا يعمرون بها أجسادهم.. أما قلوبهم وعقولهم وأرواحهم وأسرارهم، فقد أسلموها الأبي جهل وإخوان أبي جهل.

قلت: فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأمة إذن بأن تفنى في شخص رسولها، فلا يبقى في شخصها حظ من نفسها؟

قال: أجل.. لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو النموذج الأعلى للإنسان.. ولا يمكن لشخص أن يصل إلى الكمال في أي لطيفة من لطائفه إلا بعد أن يتحول قالبه إلى القالب الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: ألا ترى أن ما تقوله خطير أو مناف لعقيدتنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: لا.. هذا هو لب العقيدة في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فالله تعالى جعل رسوله أسوة، قال تعالى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21).. ألا ترى أن الآية جاءت مطلقة.. فلم تحدد موضع الأسوة؟

قلت: أجل..

قال: ولذلك كان من حصر التأسي في حال من الأحوال أو عمل من الأعمال بعيدا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقدر حصره وبقدر بعده.. ألم تسمع الأصوليون، وهم يرددون كل حين (لا تخصيص بدون مخصص.. ولا تقييد بدون مقيد)

قلت: بلى..

قال: فمن حصر سنة رسول الله التي تمثل شخص رسول الله في بعض الظواهر المبتورة عن الحقائق التي تنطلق منها يكون قد شوه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم تشويه.. بل هو كمن صبغ سما بصورة دواء.. فلا يزيد الناس إلا مرضا.

قلت: ولكن كيف يضع الإنسان نفسه في القالب الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: أنت تعلم أنه ليس هناك إنسان في الدنيا حفظت كل تفاصيل حياته.. بل حفظت حياة كل تفاصيل لطائفه جميعا مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد حفظ الله في القرآن والسنة والسيرة كل ما يرتبط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: أجل.. أعلم ذلك.

قال: فقد أقام الله الحجة على عباده ووضع لهم الصورة المثالية للإنسان ليعيشوها ويتقولبوا في قالبها.. ليتحقق فيهم مراد الله من خلق الإنسان.

شعرت بقناعة تغمرني لما قاله، لكني وجدتني أسأله من غير أن أشعر: لقد ذكرت لي نفسي الورثة.. فمن الورثة؟

قال: الوارث هو الذي اصطبغ بصبغة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار دليلا عليه..

قلت: هل يمكن أن يصل الشخص إلى هذه المرتبة؟

قال: أجل.. بل إن مثل هؤلاء لا يمكن أن تخلو منهم الأرض.. فالله تعالى قد جعل بحكمته ورحمته ولطفه بعباده من يمثل في كل زمن من الأزمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتحقق بذلك قوله تعالى:{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (لأنفال:33)

فقد جعل الله وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمانا للأرض.. وهكذا وجود ورثته.. ولهذا لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض (الله الله)([5])

قلت: أراك تتحدث عن حقائق عالية.. فمن علمك علومها؟

قال: الوارث.

قلت: الوارث!؟.. هل ظفرت به؟

قال: لقد أظفرني الله به.. وهداني إليه.

قلت: فحدثني حديث ذلك..

ثم استدركت أقول: نسيت.. إن حديثنا اليوم عن (النبي الإنسان).. فلذلك دعنا نؤجل الحديث عن الوارث إلى ما بعد الانتهاء من رحلتك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: لقد كان الوارث هو دليلي إلى النبي الإنسان.. كما كان الحكيم دليلي إلى النبي المعصوم.. ولذلك فإن حديثي عن الوارث لا يخرج عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. بل إن الوارث هو أعرف الناس بكمالات رسول الله.. ولذلك لا يصح أن ننال معارفنا عن رسول الله من غيره.

قلت: فحدثني حديث ذلك..

***

اعتدل الغريب في جلسته، وحمد الله، وصلى وسلم على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مستغرقا في كل ذلك، ثم قال: بعد أن امتلأت قناعة بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم يستحيل أن يكون كاذبا أو مدعيا أو خادعا أو مستغلا أو ظالما أو مستكبرا.. أو كل تلك الشبهات التي كانت تملأ أرجاء عقلي وقلبي([6])..

وبعد أن أيقنت أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هو الطهر والصفاء والسمو والرفعة رحت أبحث عنه، وقلت لنفسي: من الخطأ العظيم أن تنشغلي بكل شيء، ولا تنشغلي بالبحث عن الذي لم يتدنس بأي دنس، ولم يكدر بأي كدورة.

ولكني ـ بعد هذا اليقين ـ لم أجد السبيل التي أبحث فيها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..

وزادني ألما ما عليه المسلمون من تشويه لشخص نبيهم..

وفي ظل تلك الآلام ذهبت إلى الغابة التي كنت أذهب إليها لأمسح من آلامي ما عساه يمكن أن يمسح.. وكنت أرجو أن أجد فيها ذلك الذي لا ينطق لسانه إلا بالحكمة..

على عشب مروجها استلقيت أنظر إلى الشمس.. وأقول لنفسي: لقد كانت كل رحلتي السابقة تطوف بحثا عن الشمس.. وها أنا قد وجدت من برد اليقين ما يدل عليها.. فأنى لي أن أصل إليها لأعرف حقيقتها ودونها كل هول..

بقيت كذلك مستغرقا، إلى أن شعرت بحركة قريبة مني، فوقفت لأنظر من هو، فوجدت صاحبك معلم السلام يقف أمام بركة ماء صافية كصفاء اللآلئ، وهو يتأمل فيها مستغرقا في تأملاته.

اقتربت منه لأنظر ما الذي شغله كل ذلك الشغل، فإذا بي أراه ينظر إلى الشمس على صفحة الماء الصافية..

لم يرفع رأسه إلي، بل بقي مستغرقا في نظراته، وقال: ألا ترى كيف تحكي هذه المياه الصافية جمال الشمس؟

قلت: بلى.. بل هي تصورها تصويرا بديعا يعجز أي فنان في الدنيا على محاكاتها فيه.

أخذ حصاة صغيرة ورماها في البركة.. فأخذت الشمس التي كانت تزينها تتراقص مع الأمواج المتراقصة.

رفع رأسه إلي، وقال: ألا ترى أن الشمس التي في البركة الآن تختلف عن الشمس التي في السماء؟

قلت: بلى.. وأنت سبب ذلك.. فلو تركت للبركة صفاءها لحكت الشمس، وصح لها أن تعبر عنها، وتقرب حقيقتها.

قال: فإن أردت أن تعرف الشمس.. فابحث عن بركة صافية لم تتدنس.. فلا يمكن للمستنقعات أن ترتسم على صفحاتها الآسنة أشعة الشمس الجميلة.

قلت: أراك تنتقل من شمس السماء إلى شمس أخرى.. ما الذي تقصد؟

قال: لكل سماء شمسها.. ولكل حقيقة أشعتها.. ومن عبر الحس وصل إلى المعنى.

قلت: أنا كثيف.. ليس لي لطافة المعنى.. فحدثني بما أفهمه.

قال: كل شمس لا تطيق الوصول إليها يمكنك أن تعبر إليها من خلال من يدل عليها.

قلت: ولكني قد أقع على مستنقعات أسنة، أو بركة متراقصة، فأنى لي أن أصل إلى الشمس التي لا يمكنني الوصول إليها.

قال: إن ربك الذي خلق هذه البركة في عالم الحس لا يعجز أن يخلق مثلها في عالم المعنى.

قلت: أتقصد أن هناك من يمكن أن يمثل بصفائه وبهائه ونوره أشعة الشمس التي لا تغرب؟

قال: أجل.. فرحمة الرحيم لا تنطق إلا بذلك..

قلت: فكيف أصل إلى ذلك؟

قال: اصدق في بحثك.. فلم يصل إلا الصادقون.. ولن يصل إلا الصادقون.

قال ذلك، ثم راح يسير، كعهدي به.. ولكنه جعلني أفكر تفكيرا واقعيا في البحث عن ورثة رسول الله.. فلا يمثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ورثته.

قلت: لقد دعاك ذلك إذن إلى البحث عن ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: أجل.. لقد كنت أبحث عن الوارث الكامل الذي تجلت على مرآته شمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاملة لم يؤثر فيها كسوف، ولم يحجبها غمام.

قلت: فهل ظفرت بذلك الوارث؟

قال: قبل أن أظفر به سقطت على ورثة كثيرين.. ولكن شموس أكثرهم كانت محجوبة بغمام كثير جعل شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم تبدو في مرائيهم باهتة تكاد تحتضر.

قلت: فهل تحدثني عنهم؟

قال: هم كثيرون.. ولن تفيدك معرفتهم شيئا.. بل إنهم كانوا حجابا كثيفا وقف بيني وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم دهرا من الزمان..

قلت: فحدثني عنهم لأتقيهم، ولئلا يقفوا حجابا بيني وبين شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو حتى لا تتشوه شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما أنظر إليها من خلال مرائيهم.

ابتسم، وقال: لقد كان أولهم رجلا كان مشغوفا بمظهره.. آتاه الله بسطة في الجسم، ولكن المسكين لم يؤت مثلها في العقل.. لقد رأيته فهبته، وقلت لنفسي: لا شك أن هذا وارث لمحمد.. وسأعرف محمدا من خلاله.. وقد نشطني لصحبته أني سمعت أصحابه يذكرون أنه (السنة تمشي)..

قلت: فماذا وجدت؟

قال: وجدته لا يعرف رسول الله إلا لحية وقميصا وكحلا وخاتما.. وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء ليعلمنا كيف نلتحي، وماذا نلبس، وأين نضع الخواتم في أصابعنا.

قلت: وحقيقته التي تمثل سره.. كيف وجدتها؟

قال: لقد وجدتها مزبلة للأحقاد.. فهو حقود غليظ القلب، لا تكاد الابتسامة تخرج من فمه لأحد من الناس.

قلت: فما الذي حال بينه وبين الابتسامة، وقد كانت الابتسامة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: لقد كانت الابتسامة عنده محصورة فيمن كان له لحية كلحيته، وقميص كقميصه، وخاتم كخاتمه.. وقد رأيته مرة يهجر صاحبا له هجرا شديدا، بل يذمه ذما قبيحا، بل يحذر منه القاصي والداني، لأن صاحبه المسكين تجرأ، فقصر لحيته، وأطال قميصه.

قلت: هذا أولهم.. وأعرف أمثال هذا.. فهل هناك غيره؟

قال: كثيرون هم.. منهم رجل اتخذ سيفا.. وكان لا يحفظ من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا غزواته.. ولا يحفظ من حديثه إلا أحاديث الجهاد..  ولا يتصور شيئا في الدنيا يمكن أن يتحقق من غير قعقعة السيوف..

قلت: فهو يحمل أحقادا مثل الذي سبقه.

قال: هو لا يسميها أحقادا.. هو يسميها (ولاء لله)، و(براءة من أعداء الله)

قلت: فكيف تعرفت على هذا؟

قال: كان لي صديق رسام من الدانمارك.. كان يعرفه.. وكان يتصور أنه النموذج الأكمل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم.. وقد ذهبت معه إلى هذا الرجل لنبحث جميعا عن حقيقة محمد..

 أما أنا، فقد كان لي من العقل ما جعلني أنفر منه، وأعلم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من أن يختصر في جلبابه وسيفه.

وأما صاحبي الرسام الدانماركي، فلم يكن له من القدرة العقلية، ولا من طاقة البحث ما يجعله يتأني، فراح يستوحي من أحاديثه ومن مغازيه ما يشوه به جمال شمس محمد.

صحت: عرفت القصة إذن.. فالرسام الدانمركي المسكين لم يكن منبع رسوماته حقدا يكنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وإنما منبعه تشويه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: نعم.. هو كذلك.. ولكني مع ذلك لمته كثيرا.. فالحقيقة لا يمكن أن نعرفها من خلال كوة واحدة.

قلت: فبم أجابك؟

قال: لم يكن للمسكين قدرة كبيرة على البحث في مثل هذا.. وقد زاد في حجابه سلوك المسلمين تجاهه وهدرهم لدمه.. فصار حقده مضاعفا.. بل صارت الهستريا تصيبه كلما سمع اسم محمد، أو سمع اسم الدين الذي جاء به محمد.

قلت: فهل رأيت غير هذا الوارث؟

قال: أجل.. رأيت رجلا هو نقيض الرجل الأول..لم يكن ملتحيا، وكان يرتدي فوق ذلك بذلة عصرية.. ويمتطي سيارة فارهة.. وله مكتب مكيف.

قلت: فكيف عرفت أنه وارث.. وليس فيه من المظاهر ما يربطه بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: لقد كان زعيما سياسيا، وكان يدعو إلى تأسيس الحكومة التي يقودها محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. فقلت لنفسي: لن يدعو أحد إلى حكومة محمد إلا إذا كان محمديا.

قلت: فكيف وجدته؟

قال: لقد كان ركون المسكين للدنيا، واستغراقه فيها حجابا عظيما حال بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. فراح يعمل عقله، وأهواءه، ويصور بها محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ودين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: فكيف انصرفت عنه؟

قال: لقد قدر له أن يفوز في بعض الانتخابات، ولم يكن للمسكين من الترفع ما يجعله يزهد في تلك المكاسب المغرية التي كانت تلوح له.. ولم يكن له من المعرفة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ما يجعله يحتذي حذوه.. فلذلك راح بكل ما أوتي من نهم وجشع وحرص يملأ نفسه وأهواءه بجميع أنواع الملذات..

وقد نسي المسكين في غمرة تلك اللذات التي فتحت عليه القرآن الذي كان يحفظه، فلم يبق له منه غير قوله تعالى:{ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } (القصص: 77)، وقوله تعالى:{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (لأعراف: 32)

ولم يبق له من السنة التي كان يحفظ أحاديثها عن ظهر قلب إلا حديث واحد كان يردده في كل المجالس: (إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)([7])

قلت: فقد زهدت فيه إذن لأجل ذلك؟

قال: لم أزهد فيه أنا وحدي.. بل زهد فيه الكل.. وأول من زهد فيه المستضعفون الذين كانوا ينظرون إليه كما كان المستضعفون ينظرون إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. لكن المسكين خيب آمالهم، فشغلته نفسه عن الكل.

قلت: فهل بحثت عن وارث آخر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: أجل.. لقد رأيت رجلا سمعت أنه قطب الأقطاب، وغوث الأغواث، ووتد الأوتاد،  فهرعت إليه، وقلت: لن يفهم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يمثله إلا رجل كهذا.. فهو يتحدث في الأعماق، ولا يكتفي بالظواهر.

قلت: فكيف وجدته؟

قال: لقد كان حجابا عظيما حال بيني وبين شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: كيف ذلك.. وقد زعمت أنه قطب الأقطاب، ولن يصير المرء قطبا حتى يكون وارثا؟

قال: لقد ورث المسكين القطبية عن أبيه، وأبوه ورثها عن جده، وقد تركته يعلم ولده أسرار القطبية.

قلت: وما أسرارها؟

قال: جاه عريض، وأموال يكسبها من حلها وحرامها.. وناس يتمسحون بقدمه وحذائه وفتات خبزه.

قلت: ذلك ما ناله، فما الذي أعطاه حتى يظفر بكل هذا؟

قال: لقد صحبته مدة أبحث عن صورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في ذهنه، فوجدتها صورة مشوهة قد خنقتها الأساطير والخرافات.. بل الكون كله مشوه في ذهنه.. ولا يمكن لمن تشوشت بركته هذا التشويش أن يمثل حقيقة شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت: لقد مررت بكل هؤلاء في طريقك للبحث عن الوارث؟

قال: أجل.. ومررت بكثير غيرهم.. وقد رأيت نفرا كثيرا من المسلمين ومن قومي توقفوا عند آحادهم، ولولا أن من الله علي لكنت الآن محجوبا بالحجب التي عرضت لهم.

قلت: فهل ظفرت بالوارث الكامل؟

قال: لقد من الله علي بذلك.. وقد صحبته دهرا من الزمن.. ولا أزال إلى الآن أتزود من ثمار صحبتي له.

قلت: فهل ستحكي لي قصتك معه؟

قال: من قصتي معه ما يمكن أن يحكى، وما يمكن للسان أن يعبر عنه.. ومنها ما لا تستطيع جميع وديان البلاغة أن تعبر عنه.

قلت: فحدثني بما أطقت أن تحدثني عنه، وقرب لي ما لم تستطع التعبير عنه.

قال: بعد أن امتلأت يأسا من أن أجد الوارث الذي تتجلى في مرآته شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم كاملة غير محجوبة بشيء.. جاءني خطاب من أخي ـ الذي لا زال تترقى به الدرجات في سلم الكنيسة ـ يأمرني فيه بأن أسير إلى أرض من بلاد الله هي أشبه بلاد الله بالبلاد التي ولد فيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. اختلطت فيها الأديان والمذاهب والفلسفات حتى صارت، وكأنها متحف لها.

قلت: فما الوظيفة التي ندبك إليها في هذه البلاد؟

قال: لقد ذكر لي في رسالته أن بتلك البلاد رجل من المسلمين هو أشبه الناس بالمغناطيس الذي تنجذب له القلوب والعقول والأرواح.. مع أنه لم يكن يتكلم كثيرا.

قلت: هل أرسلك إليه لتبشره بالمسيح؟

قال: كم ود أخي أن يحصل ذلك.. ولكنه كان يعلم استحالة ذلك.

قلت: فلماذا أرسلك إذن؟

قال: أرسلني إليه لأدرسه..

قلت: لتدرسه!؟

قال: أجل.. ليعرف مواطن الجذب والتأثير التي كان يملكها.

قلت: وما الذي يفيده معرفتها؟

قال: لقد نسيت أن أذكر لك بأن وظيفة أخي في الكنيسة تشبه وظيفة المستشارين الاستراتيجيين.. وقد كان يحمل مشروعا ضخما لنشر المسيحية في جميع أقطار العالم بأساليب تختلف عن أساليبها التقليدية.. ولذلك كان يرسل من يثق فيه ليدرسوا أسباب التأثير وأساليبه ووسائله ليستفيد من كل ذلك في المشروع الذي هو بصدده.

قلت: فهل أرسلك وحدك في هذا السبيل؟

قال: لا.. أخي لا يثق في الواحد.. ولا في الاثنين..

قلت: فقد أرسل عشرة إذن؟

قال: أجل.. لقد أرسل معي عشرة من رجال العلم والدين.. كل له تخصصه الذي يتقنه غاية الإتقان، ويفنى فيه غاية الفناء.

قلت: وذهبتم إلى هذه البلاد التي هي أشبه بلاد الله ببلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: أجل.. وقد ذهبنا متنكرين في زي المسلمين.. وقد حفظنا من أساليب حياتهم ما جعلنا لا نتميز عنهم بشيء.

قلت: فحدثني كيف التقيتم به.

سكت الغريب بعد أن طلبت منه هذا.. وقد غمره نور عظيم حتى صار وكأنه قطعة من الشمس، ثم قال، وكأنه يشاهد ما يقول: في الطريق إليه كنت أتصوره رجلا مثل من ذكرت لك.. ولكني عندما رأيته لم يخطر على بالي أحد في الدنيا غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. وقد كان أشبه الناس بالحكيم الذي عرفت قصته في [النبي المعصوم]، ولذلك قلت له: ألست الحكيم الذي قامت الدنيا كلها تبحث عنه؟

قال: أنا محمد.. ولست أرى أحدا يبحث عني.

قلت: بل كلهم يبحث عن محمد.. ليصحب محمدا.. أو ليشوه محمدا؟

قال: ذاك محمد الذي يلقب برسول الله.. أما أنا، فمحمد الذي يلقب بالوارث.

قلت: الوارث!؟.. لقد ظللت زمنا طويلا أبحث عن الوارث.. لكني كنت كمن يبحث في محيط عن إبرة.

قال: ما أصعب أن يرث المرء إنسانا كاملا.. ولذلك لا تلمهم.. بل لا تلم أحدا من الناس.. فربك قسم بين خلقه مواريث أخلاقهم.. كما قسم بينهم مواريث أموالهم([8]).

قلت: فأنت تقول بالجبر إذن؟

قال: الرحيم لا يجبر أحدا على أن يعصيه.. والحكيم لا يجبر أحدا، ثم يؤاخذه.

قلت: فكيف اعتبرت الإرث قسمة كقسمة المال؟

قال: المال يقسم بأسبابه، والأخلاق تقسم بأسبابها.. وربك بكل شيء محيط، ولكل شيء مدبر..

قلت: أراك تتحدث بالحكمة.. فمن أين تراك اكتسبتها؟

قال: من لم يتعلم الحكمة من رسول الله لم تزده الأيام إلا جهلا..

قلت: فمعلمك هو محمد.

قال: محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو معلم الكل.. هو كالشمس التي تطل على الكل.. ولكن من الناس من يتعرض لها.. ومنهم من ينحجب عنها.. ومنهم من يتعرض لها، ولكنه يضع الحجب الكثيرة بينه وبينها، فلا تصله أشعتها إلا باهتة فانية ميتة.

قلت: فأنت تعرضت لها تعرضا كليا.. ولم تنحجب عنها بأي حجاب؟

قال: لا يزال الرجل عالماً ما تعلم فإذا ترك التعلم،  وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون([9]).. فمن زعم أنه كما وصفت، فهو محجوب بقدر زعمه.. ألا تعلم أنه لا مستقر إلا عند ربك؟

قلت: بلى.. ولكن كيف كان هناك ورثة إذن؟

قال:  الوارث لا يعني المورث.. الوارث سائر خلف المورث.. ومن سار خلف المورث، فلن يتخلف عن المورث.

قلت: أيمكن للشخص أن يتخلف عن مورثه؟

قال: أجل.. إن اختار أن يسير خلف غيره.. لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض أصحابه عندما رآه يحمل الصحيفة أن يوحد وجهته.. وقد أخبر الذين تربوا على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفرغهم، ثم يملؤهم.

قلت: لم؟

قال: لتصح نسبتهم إلى رسول الله.. فلا يمكن للوارث أن يرث من لم تصح نسبته إليه.

قلت: طوبى لك.. لقد ورثت الإسلام كابرا عن كابر، فلذلك أتيح لك ما لم يتح لغيرك.

قال: الإسلام لا يورث.. وإن شئت أن أحدثك عن نفسي.. فإني لم أسمع بأن أحد آبائي كان مسلما.

تعجبت كثيرا لما قال، وقلت: على أي دين كانوا؟

قال: لقد تقلبت بهم الأديان كما تقلبت بهم البلدان..

قلت: وأنت؟

قال: منذ ريعان شباني كنت أبحث عن الإنسان.. كان مطلبي الأعلى أن أتحقق بالإنسانية التي هي غاية وجودي..

قلت: على أي دين كنت؟

قال: في البدء لم أكن على أي دين من الأديان.. وقد بدأت بأقدم الأديان أبحث فيها عن الإنسان.. فمررت بها جميعا إلى أن ضمني دين الإسلام..

قلت: ألم يستطع بوذا أن يجعلك إنسانا؟

قال: لقد كان بوذا عظيما.. ولكن ما وصلنا عن بوذا لم يكف ليجعلني إنسانا.

قلت: وزرداشت؟

قال: مثله.. لقد كان عظيما.. ولكن ما وصلنا عنه لم يكف ليجعلني إنسانا.

قلت: وكونفوشيوس؟

قال: مثلهما.. لقد كان عظيما.. ولكن ما وصلنا عنه لم يكف ليجعلني إنسانا.

قلت: والمسيح.. ذلك الذي امتلأ بالطهر والكمال؟

قال: لقد كان عظيما.. ولكني لم أجد في الأناجيل ما أتمسك به لأصير إنسانا.

قلت: فلم تجد غايتك إلا عند محمد؟

قال: أجل.. لقد وجدت كل شيء عنده.. كل لطائفي غذيت بلطائفه.. وكل أسراري غذيت بأسراره..

لقد وجدت فيه العارف الذي انفتحت له مفاتيح أسرار الوجود، فهو ينهل منها، ويرتوي من عيونها.

ووجدت فيه العابد الذي ملأ كل أركانه عبادة وتسبيحا وذكرا..

ووجدت فيه الزاهد الذي راوده كل شيء عن نفسه، فلم تزع عينه ولم تطغ.

ووجدت فيه الورع الذي لم تنحرف به أهواؤه ليزاحم بها أوامر الله.

ووجدت فيه العالم الذي فقه أسرار الحياة.. كما فقه قبلها أسرار الوجود.

ووجدت فيه الإمام الذي استطاع أن يؤسس دولة الروح..

ووجدت فيه القائد الذي استطاع أن يؤسس دولة الأجساد..

ووجدت فيه الطبيب الذي يمسح عن نفوسنا آلام الكآبة، وكدورات الاضطراب.

ووجدته مع ذلك كله بشرا كالبشر يأكل ويشرب ويسير في الأسواق..

ووجدته فوق ذلك كله رسولا له من العلاقات مع السماء ما يفوق علاقاته مع الأرض.

قلت: لقد صحبت رجالا من ورثة محمد.. ولكني لم أسمعهم يذكرون ما ذكرت.

قال: الناس مختلفون في ميراثهم بقدر اختلافهم في أنسابهم.

قلت: رأيت بعضهم يركز على العرفان؟

قال: لأنهم لم يروا في رسول الله إلا العارف.. فحجبوا بالعارف عن العابد والزاهد والعالم.. والإمام والقائد.

قلت: ورأيت بعضهم يركزون على السياسة؟

قال: لقد حجب هؤلاء بالرسول القائد عن الرسول الإمام والرسول العارف.

قلت: ورأيت بعضهم يركز على مظاهر معينة يختصر فيها السنة؟

قال: فهؤلاء حجبوا بالرسول البشر عن الرسول الذي اجتمعت فيه كل خصائص الكمال الإنساني.

قلت: فهل تأذن لي في صحبتك لأتعلم منك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال: أنا أحقر من أن أمثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ما أنا إلا بركة صغيرة تريد أن تضم الشمس على صفحتها.

قلت: فأذن لي أن أتفرج من خلال صفحتك على شمس رسول الله.

قال: سر معي كما تشاء.. فلن أمنع شخصا من السير معي.. ولكني لن أرضى منك أن تقلدني في شيء.. فلذلك سلني عن كل ما أفعله، فإن كان من شمس رسول الله فعليك به، وإن كان مني فلا أنصحك به.

لقد ذكر كل ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا..

فالعارفون رددوا جميعا ما قاله أبو سليمان الداراني، حين قال: ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة.

ورددوا ما قاله أبو يزيد البسطامي حين قال: (لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود)، وحين قال: (من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط)

ورددوا ما ذكره الجنيد حين قال: (مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة)، وحين قال: (علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به)

وورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفقهاء والعلماء والحكماء رددوا هذا.. فابن عباسٍ  كان يقول: (ليس منا إلا ويؤخذ من قوله ويدع غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وقال يعاتب أصحابه: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر)

وأبو حنيفة  كان يقول: (إذا قلت قولاً كتاب الله يخالفه فاتركوا قولي لكتاب الله)، فقيل له: (إذا كان قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخالفه)، قال: (اتركوا قولي لخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)

وقال مالك: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه)، وقال: (ما منا إلا رادٌ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وآله وسلم)

وقال الشافعي: (أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد)، وقال: (إذا صح الحديث بما يخالف قولي فاضربوا بقولي عرض الحائط)

وقال أحمد: (من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال)، وقال: (لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا)

وغيرهم كثير.. كلهم ردد هذا وحث عليه([10]).

***

قلت: فقد صحبت هذا الرجل الفاضل إذن مدة من الزمن.

قال: أجل.. لقد كان من أعظم منن الله علي أن أنالني صحبة هذا الوارث.. لقد رأيت فيه من سمات ورثة النبوة ما جعلني كلما أذكره أذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولو لم تقف جميع الشياطين لتحول بين هذا الرجل وأمثاله والوصول إلى الناس لما احتاج الناس من يعرفهم برسول الله.. فيكفيهم ما يرونه منهم ليستدلوا على عظمة النبوة.

قلت: فحدثني عن صحبتك له.

قال: لن أقص عليك من صحبتي له إلا اليوم الأخير الذي أردت أن أودعه فيه..

قلت: فقصه علي.

قال: في ذلك اليوم اجتمعت به ـ مع أصحابي العشرة، ونحن في زي المسلمين ـ وفي بيته، أقبل إلينا بوجه بشوش، وقال: لعلكم لم تنزعجوا من صحبتكم لي هذه المدة.

قال أحدنا: لا.. بل لم نر منك إلا الإحسان..

قال آخر: لم نكن نتصور أن هناك بشرا يحمل من الإنسانية ما تحمل.

كان أصحابي صادقين في هذه الكلمات، فلم يكن منبعها مجاملة كاذبة، بل كان منبعها حقائق عاشوها بكل كيانهم..

لكن أحد أصحابنا.. وكان مشهورا بالفضول قال: ألا تذكر لنا سرك؟.. نحن صحبناك طول هذه المدة.. ولكنا لم نعرف عنك قليلا ولا كثيرا.. أتخشى من بث سرك لنا؟

قال الوارث: وأي سر ترون أني أكتمه؟

قال الرجل: نراك كالمغناطيس الذي تنجذب له القلوب مع أنه لا مال لك.. ولا جاه.. ولا شهرة.. ولا شيء مما يطلبه الناس من دنياهم..

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إنا نرى المسيحي الممعن في مسيحيته يترك كنيسته ليصحبك.. ونرى اليهودي يترك بيعته.. ونرى أهل الدنيا يتركون جاههم..

وأنت تستقبل الكل.. وتحمل الكل.. ولا يضيق قلبك بأحد من الناس..

فمن أنت.. وما سرك؟

قاطعت صاحبي، وقلت: أصدقك القول، نحن لسنا من المسلمين.. بل نحن من رجال الدين المسيحيين.. وقد قدمنا إلى هنا لما سمعنا عنك.. وتنكرنا في زي المسلمين لنبصر بأعيننا سر جاذبيتك([11]).

دهش أصحابي لما قلت، لكن الوارث لم يندهش، بل نظر إلينا والابتسامة لا تزال تغمر وجهه، وقال: لقد كنت أعلم ذلك.. ولكني لم أشأ أن أحرجكم..

قال بعض أصحابي: ولكنك كنت تعاملنا بخلق رفيع وأدب جم لم نجده بين إخواننا.

قال الوارث: الخلق لا ينقسم.. وصاحب الخلق لا يكيل إلا بمكيال واحد لجميع الخلق..

سكت قليلا، ثم قال: أتدرون؟.. لقد مارست دهرا من عمري ما تمارسونه أنتم اليوم.

اندهشت الجماعة من قوله، فقال: أجل.. لقد كان آخر دين استقررت فيه المسيحية.. لكني لم أجد فيها الإنسان الكامل الذي أبحث عنه.. ولذلك سرت إلى بلاد المسلمين أبحث عن الإنسان.. 

وفي ذلك البحث التقيت عشرة من المسلمين من ورثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. كل واحد منهم أمكث في صحبته زمنا إلى أن يقضي الله في أمري وأمره ما يشاء([12]).. إلى أن اكتمل لي صحبة عشرة من المسلمين من ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..

وإن شئتم قصصت عليكم حديثي معهم.. ولعل في ثناياه السر الذي جئتم تطلبونه.

سررنا كثيرا لقوله هذا..

حمد الوارث الله، وصلى وسلم على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مستغرقا في كل ذلك، ثم قال: بعد أن تاهت بي الملل والنحل بحثا عن الإنسان، سرت إلى بلاد المسلمين.. 


([1])   تحدث علماء المسلمين على ما يسمى بتوحيد الحب، والمحبوب.. فذكروا أن من شروط صدق الحب أن يتوحد الحب والمحبوب، فتوحيد المحبوب أن لا يتعدد محبوبه، وتوحيد الحب أن لا يبقى في قلبه بقية حب حتى يبذلها لمحبوبه.

وقد استوحينا هذا المعنى في هذا الحوار الذي أردنا من خلاله تبيان الأصول التي يقوم عليها الاستنان بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فالسنة ليست مجرد حركات مقلدين، وإنما هي حركات محبين فانين في حبهم عن أنفسهم.

([2])   رواه أحمد والبخاري.

([3])   انظر هذه النصوص في: الدر المنثور:8/429.

([4])   واه البخاري ومسلم.

([5])   نص الحديث: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) رواه مسلم والترمذي وغيرهما.

([6])    انظر رسالة (النبي المعصوم)

([7])   رواه الترمذي والحاكم.

([8])   أشير بذلك إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى عزوجل قسم بينكم أخلاقكم كما قسم ينكم أرزاقكم، وإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين، إلا من أحب، ومن أعطاه الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده! لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث)رواه أحمد والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود.

([9])   روي هذا عن سعيد بن جبير وغيره.

([10])   انظر (جامع بيان العلم وفضله) 2/ 132، و(إعلام الموقعين) 2/ 171.

([11])   استوحينا هذا المعنى من الحديث الذي رواه أحمد والنسائي عن أنس  قال: كنا يوماً جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة)، قال: فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم، فلما كان الغد قال صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل، وقاله في اليوم الثالث فطلع ذلك الرجل، فلما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت، فقال: (نعم)، فبات عنده ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله تعالى، ولم يقم إلا لصلاة الفجر، قال: غير أني ما سمعته يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كذا وكذا، فأردت أن أعرف عملك، فلم أرك تعمل عملاً كثيراً، فما الذي بلغ بك ذلك؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه، قال عبد الله: فقلت له هي التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.

([12])   استوحينا هذا المعنى من قصة سلمان الفارسي  وتردده بين جماعة من أحبار المسيحية.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *