أولا ـ النساء

أولا ـ النساء

أولا ـ النساء

في صباح اليوم الأول، سرت على غير هدى إلى أن وجدت مجلسا لنسوة مجتمعات.. وكان من فضل الله وتوفيقه أن رأيت فيهن امرأة كانت من الذين جئت لأتجسس عليهم.. وقد تعجبت عندما رأيت النسوة المجتمعات معها يطلقن عليها اسم (مريم هاري)([1]).. تصورته في البداية اسما مستعارا أرادت استخدامه لأداء الوظيفة التي كلفت بها.. لكني بعد ذلك علمت أنه اسمها الذي اختارته عن طواعية بعد ولادتها الثانية..

لن أستعجل.. سأحدثك بحديثها.. وحديث النسوة اللاتي كن معها.. واللاتي كن على حسب ما يبدو من جنسيات مختلفة([2]).. فقد كانت ألوانهن وأزياؤهن مختلفة تماما.. ولكنهن مع ذلك كن يشتركن في معرفة العربية والنطق السليم بها..

جلست في محل قريب منهن، لأتنصت عليهن من حيث أراهن ولا يرينني..

وقد عرفت من خلال أحاديثهن أن إحداهن كان اسمها (فرانسواز ساجان)([3]).. وأن أخرى كان اسمها (دانيالي كوتيدن)([4]).. وأن أخرى كان اسمها (مسز آرنون)([5]).. وأن أخرى كان اسمها (اللادي كوك)([6]).. وأن أخرى كان اسمها (بريجيت باردو)([7]).. وأن أخرى كان اسمها (الدكتورة أيبرين)([8]).. وأن أخرى كان اسمها (بيتو لاهايت)([9]).. وأن أخرى كان اسمها (بريجت أوف هاهر)([10]).. وأن أخرى كان اسمها (هيلسيان ستانسبري)([11]).. وأن أخرى كان اسمها (اللادي ماري مونتكاد)([12])..

وكان مع هؤلاء جميعا المسلمة التي حدثتك عنها (مريم هاري).. والتي رأيت من خلال حديثها أنها انقلبت على الوظيفة التي جاءت من أجلها.. فبدل أن تجلس مع مسلمات لتقنعهن بقساوة الإسلام.. صارت تجلس مع نساء من قومنا لتحدثهم عن رحمة الإسلام.. ولتحولهم من خلالها إلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

كان حديث هؤلاء النسوة الإحدى عشر هو مبعث أشعة كثيرة من نور النبوة نسخت بها تلك الظلمات التي سربها إلي أخي..

سأحدثك بما لا أزال أحفظه من حديثهن.

بدأت الحديث (فرانسواز ساجان) قائلة لمريم هاري: أنا إلى الآن لا أزال حائرة في سر إسلامك.. ألم تثنك عنه كل تلك الأحاديث التي يذيعها قومنا كل حين عن المرأة.. وعن القسوة التي عامل بها الإسلام المرأة؟

قالت مريم: لذلك قصة طويلة.. سأحكيها لكم.. ولكن بشرط واحد هو أن تخبرني كل امرأة منكن عن تجربتها في هذا..

أنا أعلم أنكن جميعا مثقفات واعيات.. وأنكن جميعا مررتن بتجارب مختلفة.. وقد مررت مثلكن بذلك..

فلذلك لن أفضي لكن بسري حتى تفضين لي بسركن..

نهضت (بيتو لاهايت)، وكانت أكبرهن سنا، وقالت: إئذن لي أن أبدأ الحديث أنا.. فأنا أكبركن سنا، وأطولكن تجربة..

لقد بدأت حياتي في أسرة مسيحية متدينة.. بل مغالية في تدينها.. وقد عرفت من خلال تأمل طويل أنه يستحيل أن يحمل دين الله أي عصبية ضد أي جهات من الجهات.. وضد أي جنس من الأجناس..

وقد دعاني هذا البحث إلى أن أبحث عن موقف المسيحية من المرأة لأعرف من خلال ذلك مدى مصداقيتها.. وقد أوصلني ذلك البحث إلى الخروج من المسيحية والارتماء بعدها في أحضان اللاشيء.. فلم يكن لدي من القدرة ما أواصل به مشوار البحث عن الحقيقة..

قالت النسوة: حدثينا عما وجدت في المسيحية عن المرأة.

قالت: لقد بدأت بالكتاب المقدس.. لقد قلت لنفسي: فلأطرح ذاتي بين يدي الله ليخبرني عن حقيقتي وعن وظيفتي.. وعن علاقتي به، وعلاقته بي..

وقد صدمت من أول نظرة.. لقد قرأت في رسالة بولس إلى أهل كورونثوس الأولى (11 /3-9): (ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح. واما رأس المرأة فهو الرجل ورأس المسيح هو الله.. كل رجل يصلّي أو يتنبأ وله على راسه شيء يشين رأسه. وأما كل امرأة تصلّي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها. وإن كان قبيحا بالمرأة أن تقص أو تحلق فلتتغط. فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي راسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل)

وقرأت في رسالته إلى أهل رومية ما يؤكد أن المرأة لا قيمة لها بدون الرجل وأن ناموسها هو زوجها، وقد سماه بولس بالناموس الحي وقال: (إن مات زوجها فقد تحررت من الناموس الحي} (رومية 7 /2-3)

وفي (رومية7 /2):(فان المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي. ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. فإذا ما دام الرجل حيّا تدعى زانية ان صارت لرجل آخر. ولكن إن مات الرجل فهي حرة من الناموس حتى أنها ليست زانية إن صارت لرجل آخر)

ورأيته في (أفسس) يأمر النساء أن يكن خاضعات للرجال كما يخضعن للرب، ويزيد في الأمر أن الرجل هو رأس المرأة مشبهاً ذلك بعبادة الرب، وأنه عقيدة فهي أقل من الرجل.. اسمعوا ما ورد في (أفسس: 5 /22-24):(أيها النساء اخضعن لرجالكنّ كما للرب لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة، وهو مخلّص الجسد، ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهنّ في كل شيء)

 ومثل ذلك قرأت في (كورنثوس1:11 /3): (ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح.. وأما رأس المرأة فهو الرجل.. ورأس المسيح هو الله)

وقرأت في (كورنثوس1:11 /7): (فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل، لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل)

وقرأت في (كورنثوس1:14 /34): (لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذونا لهنّ أن يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس أيضا، ولكن إن كنّ يردن أن يتعلمن شيئا فليسألن رجالهنّ في البيت لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة)

وقرأت في (تيموثاوس1:2 /11-13): (لتتعلّم المرأة بسكوت في كل خضوع، ولكن لست آذن للمرأة أن تعلّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت، لان آدم جبل أولا ثم حواء)

وقرأت في  (بطرس:3 /5): (فإنه هكذا كانت قديما النساء القديسات أيضا المتوكلات على الله يزيّن أنفسهن خاضعات لرجالهن)

وقرأت في (يشوع 15 /16-17) أن المرأة مجرد هدية فقط يتهاداها الرجال ففيه: (وقال كالب: من يضرب قرية سفر ويأخذها أعطيه عكسة ابنتي امرأة. فاخذها عثنيئيل بن قناز اخو كالب. فاعطاه عكسة ابنته امرأة)

وقرأت في (قضاة 19 /22-29) أن المرأة مجرد هدية قد يدفعها سيدها للزنا.. ففيه: (وفيما هم يطيبون قلوبهم اذا برجال المدينة رجال بليعال أحاطوا بالبيت قارعين الباب، وكلموا الرجل صاحب البيت الشيخ قائلين: أخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه، فخرج إليهم الرجل صاحب البيت وقال لهم: لا يا إخوتي لا تفعلوا شرا. بعد ما دخل هذا الرجل بيتي لا تفعلوا هذه القباحة. هو ذا ابنتي العذراء وسريته دعوني أخرجهما فأذلوهما وافعلوا بهما ما يحسن في أعينكم وأما هذا الرجل فلا تعملوا به هذا الأمر القبيح. فلم يرد الرجال أن يسمعوا له. فأمسك الرجل سريته وأخرجها اليهم خارجا فعرفوها وتعللوا بها الليل كله إلى الصباح وعند طلوع الفجر أطلقوها. فجاءت المرأة عند إقبال الصباح وسقطت عند باب بيت الرجل حيث سيدها هناك إلى الضوء. فقام سيدها في الصباح وفتح أبواب البيت وخرج للذهاب في طريقه واذا بالمرأة سريته ساقطة على باب البيت ويداها على العتبة)

وقرأت في (قضاة:19:29): (ودخل بيته وأخذ السكين وأمسك سريته وقطعها مع عظامها الى اثنتي عشرة قطعة وأرسلها الى جميع تخوم إسرائيل)

وقرأت في سفر (العدد30 /3-13) أن المرأة ليس لها الحق في أن تنذر للرب إلا بموافقة أبيها أو زوجها.. ففيه: (وأما المرأة فإذا نذرت نذرا للرب والتزمت بلازم في بيت أبيها في صباها وسمع أبوها نذرها واللازم الذي ألزمت نفسها به فإن سكت أبوها لها ثبتت كل نذورها. وكل لوازمها التي ألزمت نفسها بها تثبت. وإن نهاها أبوها يوم سمعه فكل نذورها ولوازمها التي ألزمت نفسها بها لا تثبت. والرب يصفح عنها لأن أباها قد نهاها. وإن كانت لزوج ونذورها عليها أو نطق شفتيها الذي ألزمت نفسها به وسمع زوجها فإن سكت في يوم سمعه ثبتت نذورها ولوازمها التي ألزمت نفسها تثبت. وإن نهاها رجلها في يوم سمعه فسخ نذرها الذي عليها ونطق شفتيها الذي ألزمت نفسها به والرب يصفح عنها. وأما نذر أرملة أو مطلقة فكل ما ألزمت نفسها به يثبت عليها. ولكن إن نذرت في بيت زوجها أو ألزمت نفسها بلازم بقسم وسمع زوجها فإن سكت لها ولم ينهها ثبتت كل نذورها. وكل لازم ألزمت نفسها به يثبت. وإن فسخها زوجها في يوم سمعه فكل ما خرج من شفتيها من نذورها أو لوازم نفسها لا يثبت. قد فسخها زوجها.والرب يصفح عنها. كل نذر وكل قسم التزام لإذلال النفس زوجها يثبته وزوجها يفسخه)

وقرأت في (تيماثوس الأولى 2 /11-15): (لتتعلّم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لست آذن للمرأة أن تعلّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت. لأن آدم جبل أولا ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي. ولكنها ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الايمان والمحبة والقداسة مع التعقل)

وقرأت في (تثنية 21 /10-14) أن المرأة تعامل كالحيوانات إن وقعت في السبي.. اسمعوا ما يقول الرب في هذا السفر: (إذا خرجت لمحاربة أعدائك ودفعهم الرب إلهك إلى يدك وسبيت منهم سبيا ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة والتصقت بها واتخذتها لك زوجة فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلم أظفارها وتنزع ثياب سبيها عنها وتقعد في بيتك وتبكي اباها وأمها شهرا من الزمان ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها فتكون لك زوجة. وإن لم تسرّ بها فأطلقها لنفسها. لا تبعها بيعا بفضة ولا تسترقها من أجل أنك قد أذللتها)

وقرأت في (لوقا 20 /29-35) أن المرأة ليست سوى ميراث للرجل.. ففيه: (فكان سبعة إخوة، وأخذ الأول امرأة ومات بغير ولد، فأخذ الثاني المرأة ومات بغير ولد، ثم أخذها الثالث وهكذا السبعة، ولم يتركوا ولدا وماتوا، وآخر الكل ماتت المرأة أيضا، ففي القيامة لمن منهم تكون زوجة، لأنها كانت زوجة للسبعة. فأجاب وقال لهم: يسوع أبناء هذا الدهر يزوجون ويزوجون، ولكن الذين حسبوا أهلا للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يزوجون ولا يزوجون)

وفي (تثنية 25 /5-6): (إذا سكن إخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يمحى اسمه من إسرائيل)

وفي نفس السفر ذكر للعقوبة التي يتلقاها إن رفض ذلك.. ففيه (تثنيه:25 /9): ( تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرح وتقول هكذا يفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه، فيدعى اسمه في إسرائيل بيت مخلوع النعل)

وقرأت في (راعوث:4/1-10): (فصعد بوعز إلى الباب، وجلس هناك، واذا بالولي الذي تكلم عنه بوعز عابر، فقال: مل واجلس هنا أنت يا فلان الفلاني فمال وجلس، ثم أخذ عشرة رجال من شيوخ المدينة وقال لهم اجلسوا هنا فجلسوا، ثم قال للولي أن نعمي التي رجعت من بلاد موآب تبيع قطعة الحقل التي لأخينا اليمالك، فقلت إني اخبرك قائلا: اشتر قدام الجالسين وقدام شيوخ شعبي، فان كنت تفكّ ففكّ، وان كنت لا تفكّ فأخبرني لأعلم لأنه ليس غيرك يفك وأنا بعدك. فقال: إني افكّ. فقال بوعز: يوم تشتري الحقل من يد نعمي تشتري أيضا من يد راعوث الموآبية امرأة الميت لتقيم اسم الميت على ميراثه. فقال الولي: لا اقدر أن أفك لنفسي لئلا أفسد ميراثي. ففكّ أنت لنفسك فكاكي لأني لا أقدر أن أفكّ، وهذه هي العادة سابقا في اسرائيل في أمر الفكاك والمبادلة لأجل إثبات كل أمر يخلع الرجل نعله ويعطيه لصاحبه. فهذه هي العادة في اسرائيل. فقال الولي لبوعز اشتر لنفسك. وخلع نعله فقال بوعز للشيوخ ولجميع الشعب أنتم شهود اليوم أني قد اشتريت كل ما لاليمالك وكل ما لكليون ومحلون من يد نعمي. وكذا راعوث الموآبية امرأة محلون قد اشتريتها لي امرأة لأقيم اسم الميت على ميراثه ولا ينقرض اسم الميت من بين إخوته ومن باب مكانه. أنتم شهود اليوم)

وقرأت في سفر (الخروج) شريعة خاصة بالعبد وزوجته جاء فيها (الخروج 21 /2-6): (إذا اشتريت عبدا عبرانيا فست سنين يخدم وفي السابعة يخرج حرا مجانا. إن دخل وحده فوحده يخرج. إن كان بعل امرأة تخرج امرأته معه. إن اعطاه سيده امرأة وولدت له بنين أو بنات فالمرأة وأولادها يكونون لسيده وهو يخرج وحده. ولكن إن قال العبد أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حرا يقدمه سيده إلى الله ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده اذنه بالمثقب.فيخدمه إلى الأبد)

وقرأت في (التكوين: 31 /11-17) قصة يعقوب وهروبه من لابان أبي زوجتيه راحيل وليئة بعد أن استولى على كل ما للرجل.. وفيها: (فأجابت راحيل وليئة وقالتا له ألنا أيضا نصيب وميراث في بيت أبينا.. ألم نحسب منه أجنبيتين. لأنه باعنا وقد أكل أيضا ثمننا. إن كل الغنى الذي سلبه الله من أبينا هو لنا ولأولادنا. فالآن كل ما قال لك الله افعل، فقام يعقوب وحمل اولاده ونساءه على الجمال.)

وقرأت في (التكوين: 36 /8-10) أن المرأة إذا ورثت تكون هي نفسها مجرد ميراث حتى لا يخرج الميراث خارج عائلتها.. ففيه: (وكل بنت ورثت نصيبا من أسباط بني إسرائيل تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها لكي يرث بنو إسرائيل كل واحد نصيب آبائه. فلا يتحول نصيب من سبط إلى سبط آخر بل يلازم اسباط بني اسرائيل كل واحد نصيبه كما أمر الرب موسى كذلك فعلت بنات صلفحاد)

وفوق ذلك كله قرأت في الكتاب المقدس عقوبات خاصة بالنساء دون الرجال.. ولم أدر سر تخصيصهن بذلك..

منها ما ورد في (تثنية: 25 /11-12): (إذا تخاصم رجلان بعضهما بعضا رجل وأخوه وتقدمت امرأة أحدهما لكي تخلّص رجلها من يد ضاربه ومدّت يدها وأمسكت بعورته (فاقطع يدها ولا تشفق عينك)

وفي الولادة البنت تنجس أمها أسبوعين بينما الولد ينجسها أسبوع (لاويين 12/6)

وهكذا..

قالت النسوة: ولكن المسيحية لا تتشكل من الكتاب المقدس وحده.. هناك رجال الكنيسة ومجامعها.. ولا يمكن أن تفهم المسيحية من دونهم؟

قالت (بيتو لاهايت): لقد بحثت في هذا أيضا..

قالت النسوة: فما وجدت؟

قالت: لم يزدني ذلك إلا بعدا عن المسيحية ونفورا منها..

قالت النسوة: فحدثينا عما وجدت في هذا.

قالت([13]): لقد أثرت تلك النصوص في رجال الكنيسة أجيالا طويلة اعتبروا خلالها المرأة مسئولة عن كل خطيئة وقعت في العالم، فلولا المرأة ماخرج آدم من الجنة.. ولهذا قرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه.. وأن الأعزب أكرم عند الله من المتزوج.. وأن السمو فى علاقة الإنسان بربه لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج.. وأن الحمل والولادة، والشهوة، واشتياق الرجل لامرأته، واشتياق المرأة لزوجها من الآثام، التى جلبت على المرأة الويل والعار على مدى التاريخ كله، وهى عقوبة الرب لحواء على خطيئتها الأزلية.

وفوق ذلك كله أعلنوا أنها باب الشيطان..

لاشك أن هذا الكلام المجمل لن يقنعكم.. فلذلك اسمحوا لي أن أسرد عليكم ما قال القديسون وآباء الكنيسة والمجامع المقدسة لتعلموا موقف جميع هؤلاء من المرأة:

لقد كتب جيروم يدعو المرأة أن تتخلص من أنوثتها ليتم خلاصها فى الآخرة.. يقول في ذلك:(بما أن المرأة خُلِقَت للولادة والأطفال، فهى تختلف عن الرجل، كما يختلف الجسد عن الروح. ولكن عندما ترغب المرأة فى خدمة المسيح أكثر من العالم، فعندئذ سوف تكف عن أن تكون امرأة، وستسمى رجلاً)([14])

وقال ممتهنا المرأة وحقوقها: (إذا امتنعنا عن الاتصال الجنسى فإننا نكرم زوجاتنا، أما إذا لم نمتنع: حسناً فما هو نقيض التكريم سوى الإهانة)

وقال القديس أوغسطين: (إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطيبة، فلقد كان من الأفضل كثيراً أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان معاً كصديقين، بدلاً من رجل وامرأة)

وقد كان توما الأكوينى متحيراً تماماً مثل سلفه أوغسطين فى سبب خلق الله للمرأة، فكتب يقول: (فبما يختص بطبيعة الفرد، فإن المرأة مخلوق معيب وجدير بالإزدراء، ذلك أن القوة الفعَّالة فى منى الذكر تنزع إلى انتاج مماثلة كاملة فى الجنس الذكرى، بينما تتولد المرأة عن معيب تلك القوة الفعَّالة، أو حدوث توعك جسدى، أو حتى نتيجة لمؤثر خارجى)

وقال تروتوليان ـ أحد أقطاب المسيحية الأولى وأئمتها ـ يبين نظرة المسيحية إلى المرأة: (إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وإنها دافعة الى الشجرة الممنوعة ناقضة لقانون الله ومشوهة لصورة الله – أي الرجل -) مستندا في ذلك إلى ما ورد في (تيموثاوس الأولى 2/ 14-15):(وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي، وَلَكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ)

أما البابا (اينوسنسيوس الثامن) فقد أعلن فى براءة (1484} (أن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين)

وقال لوثر: (المرأة كمسمار يُدَّق فى الحائط)، وقال:  (إذا تعبت النساء، أو حتى ماتت، فكل ذلك لا يهم، دعهن يمتن فى عملية الولادة، فلقد خلقن من أجل ذلك)

وقال: (كم هو شىء مرعب وأحمق تلك الخطيئة! إن الشهوة هى الشىء الوحيد الذى لا يمكن شفاؤه بأى دواء، ولو كان حتى الزواج الذى رُسِمِ لنا خصيصاً من أجل هذه النقيصة التى تكمن فى طبيعتنا)

وقالت الراهبة كارين أرمسترونج: (إن المسيحية خلقت أتعس جو جنسى فى أوروبا وأمريكا بدرجة قد تصيب بالدهشة كلا من يسوع والقديس بولس. ومن الواضح كيف كان لهذا تأثيره على النساء. فبالنسبة لأوغسطين الذى كان يناضل من أجل البتولية، كانت النساء تعنى مجرد اغراء يريد أن يوقعه فى شرك، بعيداً عن الأمان والإماتة المقدسة لشهوته الجنسية. أما كون العصاب الجنسى للمسيحية قد أثر بعمق فى وضع النساء، فهذا ما يُرى بوضوح من حقيقة أن النساء اللاتى التحقن بالجماعات الهرطيقية المعادية للجنس، وصرن بتولات، قد تمتعن بمكانة واحترام كان من المستحيل أن يحظين بهما فى ظل المسيحية التقليدية)

وقالت: (لقد كانت المسيحية مشغولة طيلة مئات السنين بجعل النساء يخجلن من أمورهن الجنسية، ولقد عرفت النساء جيداً كما قال أوغسطين ولوثر قبل عدة قرون، أن تشريع الزواج كان مجرد دواء ضعيف المفعول لمعالجة شرور الجنس)

وقالت: (لقد كان يُنظر إلى جسد المرأة باشمئزاز على نحو خاص، كما كان مصدر إرباك لآباء الكنيسة أن يسوع ولد من امرأة. فكم ضغطوا بشدة فى موعظة تلو موعظة، وفى رسالة تلو رسالة على أن مريم بقيت عذراء، ليس فقط قبل ميلاد المسيح بل وبعده أيضاً)

و كتب أودو الكانى فى القرن الثانى عشر يقول: (إن معانقة امرأة تعنى معانقة كيس من الزبالة)

وكتب أسقف فرنسى عاش فى القرن الثانى عشر يقول: (إن كل النساء بلا استثناء مومسات، وهن مثل حواء سبب كل الشرور فى العالم)

وقال الراهب البنديكتى برنار دى موريكس دون مواربة فى أشعاره: (إنه لا توجد امرأة طيبة على وجه الأرض)

وقال الراهب الانجليزى اسكندر نكهام: (أنه نظراً لأن المرأة لا تشبع جنسيا، فإنها غالبا ما تصطاد بائساً حقيراً لينام معها فى فراشها ليشبع نهمها إذا كان زوجها غير موجود فى لحظة شبقها. ونتيجة لذلك كان على الأزواج أن يربوا أطفالاً ليسوا أولادهم)

وقال القديس ترتوليان: (إن المرأة مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة للرجل)

وكتب ترتليان فى القرن الثالث رسالة تعالج زى المرأة، قال فيها: (لقد كان حريا بالمرأة أن تخرج فى زى حقير، وتسير مثل حواء، ترثى لحالها، نادمة على ما كان، حتى يكون زيها الذى يتسم بالحزن، مكفراً عما ورثته من حواء: العار، وأقصد بذلك الخطيئة الأولى، ثم الخزى من الهلاك الأبدى للانسانية. فلقد قال الرب للمرأة: (تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ) _تكوين 3: 16) ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هى حواء؟)

وقال القديس برنارد ـ الذى فعل كل ما استطاع لنشر عبادة العذراء فى الكنيسة ـ عن أخته بعد زيارتها إياه فى الدير الذى يقيم فيه مرتدية زياً جديداً: (مومس قذرة، وكتلة من الروث)

لم يقتصر الأمر على أشخاص ممتلئين حقدا على المرأة.. وإنما شمل الأمر المجامع المقدسة أيضا..

ففي القرن الخامس الميلادى اجتمع مجمع باكون وكانوا يتباحثون: (هل المرأة جثمان بحت، أم هى جسد ذو روح يُناط به الخلاص والهلاك؟)

وقد قرر هذا المجمع أن المرأة خالية من الروح الناجية، التى تنجيها من جهنم، وليس هناك استثناء بين جميع بنات حواء من هذه الوصمة إلا مريم..

كما قرر مجمع آخر، أن المرأة حيوان نجس، يجب الابتعاد عنه، وأنه لاروح لها ولا خلود، ولاتُلقن مبادئ الدين لأنها لاتقبل عبادتها، ولاتدخل الجنة، ولا الملكوت، ولكن يجب عليها الخدمة والعبادة، وأن يكمم فمها كالبعير، أو كالكلب العقور، لمنعها من الضحك ومن الكلام لأنها أحبولة الشيطان.

لقد جرت هذه الأفكار المشوهة إلى سلوكات أكثر تشويها..

لقد جعلت تلك الأفكار الكثير يفكر في السبل التي يتخلص بها من المرأة.. لأنها الجسد الشرير.. ولأنها مصدر متاعب الحياة.. ولأنها مصدر غضب الرب:

لقد كان من ثمار تلك الأفكار أن تشكل مجلس اجتماعى فى بريطانيا فى عام 1500 لتعذيب النساء، وابتدع وسائل جديدة لتعذيبهن، وقد أحرق الألاف منهن أحياء، وكانوا يصبون الزيت المغلى على أجسامهن لمجرد التسلية.

وكان من ثمارها أن ظلت النساء طبقاً للقانون الإنجليزى العام ـ حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً ـ غير معدودات من (الأشخاص) أو (المواطنين)، الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية، ولا حق فى الأموال التى يكتسبنها، ولا حق فى ملكية شىء حتى الملابس التى كنَّ يلبسنها.

وكان من ثمارها أنه كان شائعاً فى بريطانيا حتى نهاية القرن العاشر قانون يعطى الزوج حق بيع زوجته وإعارتها بل وفى قتلها إذا أصيبت بمرض عضال.. بل إن القانون الإنجليزى لعام 1801 م وحتى عام 1805 حدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة.. وقد حدث أن باع إنجليزى زوجته عام 1931 م بخمسمائة جنيه، وقال محاميه فى الدفاع عنه: (إن القانون الإنجليزى عام 1801 م يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة)، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد أُلغِىَ عام 1805 م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة سنوات.)

وكان من ثمارها أن أصدر البرلمان الإنجليزى قراراً فى عصر هنرى الثامن ملك إنجلترا يحرم على المرأة أن تقرأ (العهد الجديد)، لأنها تعتبر نجسة..

قالت الدكتورة أيبرين: أتدرين يا صديقتنا (بيتو) سر تلك التصريحات والتشريعات التي وردت في المسيحية؟

قالت بيتو: لاشك أنها أهواء المستبدين والظلمة ألبسوها بالدين وخلطوها به.

قالت الدكتورة أيبرين: لقد بحثت في ذلك.. وقد وجدت أن الكنيسة وقبلها اليهود تأثروا بما كانت عليه الشعوب المختلفة من تعاملهم مع المرأة ونظرهم لها..

فقد كانت المرأة عند الشعوب البدائية حين تبلغ طور المراهقة، تُعزَل فلا تكلم أحداً غير أمها، ولا تكلمها إلا بصوت خفيض، كما أن الولد إذا وصل إلى مرحلة البلوغ يأخذونه ليغتسل فى بعض العيون المقدسة، وذلك لكى يخلص من روائح الأنوثة التى علقت به من مصاحبته لأمه.

وكانت المرأة عند الهنود القدماء تعتبر مخلوقاً نجساً.. ولم يكن للمرأة فى شريعة مانو حق فى الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، فإذا مات هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمى إلى رجل من أقارب زوجها، وهى بذلك قاصرة طيلة حياتها، ولم يكن لها حق فى الحياة بعد وفاة زوجها، وكانت إذا مات عنها زوجها تُحرَق مع جثته بالنار المقدسة، بل إن بعض القبائل الهندية القديمة كانت لا تراها أهلاً لتُحرَق مع جثة زوجها باعتبارها المخلوق النجس، ولذلك كانوا يرون دفنها حية أو حرقها بعد موت زوجها.. فإذا كان للرجل أكثر من زوجة دُفِنَّ جميعاً أو حُرِقْنَ جميعاً.

وفى حياة الزوج كان له أن يُطلِّق الزوجة متى شاء وكيف شاء، أما هى فليس لها الحق فى أن تطلب الطلاق من زوجها مهما يكن من أمر الزوج، حتى لو أصيب بأمراض تمنع من أهليته للحياة الزوجية.

وقد لقيت الحكومات الهندية أشد الفتن من مجتمعاتها، خاصة من رجال الدين الهنود، حين حاولت القضاء على مثل هذه العادات والتى استمرت تهضم حقوق المرأة وكيانها حتى القرن السابع عشر.

وفى شرائع الهندوس أنه: (ليس الصبر المقدر، والريح، والموت، والجحيم، والسم، والأفاعى، والنار، أسوأ من المرأة)

ويذكر جوستاف لوبون أن المرأة فى الهند (تُعِّد بعلها ممثلاً للآلهة فى الأرض، وتُعَدُّ المرأة العزب، والمرأة الأيم، على الخصوص من المنبوذين من المجتمع الهندوسى، والمنبوذ عندهم فى رتبة الحيوان، والمرأة الهندوسية إذا فقدت زوجها ظلت فى الحداد بقية حياتها، وعادت لا تُعامَل كإنسان، وعُدَّ نظرها مصدراً لكل شؤم على ما تنظر إليه، وعدت مدنسة لكل شىء تلمسه، وأفضل شىء لها أن تقذف نفسها فى النار التى يحرق بها جثمان زوجها، وإلا لقيت الهوان الذى يفوق عذاب النار)

أما في الصين، فقد كانت المرأة لا تقل مهانة أو مأساة عن بقية المجتمعات، فكانت النظرة إليها واحدة، ويظهر مدى امتهان المرأة فى المثل الصينى الذى يقول: (إن المرأة كالكرة، كلما ركلتها برجلك ارتفعت إلى أعلى)

وشبهت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة التى تغسل السعادة والمال، وللصينى الحق فى أن يبيع زوجته كالجارية، وإذا ترملت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كإرث، وللصينى الحق فى أن يدفن زوجته حية.

أما المرأة الكلدانية، فقد كانت خاضعة خضوعاً تاماً لرب الأسرة، وكان للوالد الحق فى أن يبذل زوجته أو ابنته لسداد دينه، وكانت المرأة تحتمل وحدها الأعباء المنزلية، فتذهب كل يوم لجلب الماء من النهر أو البئر، وتقوم وحدها بطحن الحبوب بالرحى وإعداد الخبز، كما تقوم بغزل ونسج وحياكة الملابس. وهذا كان حالها فى الطبقات الفقيرة.

أما فى الطبقات الموسرة فكانت المرأة لا تخرج من منزلها، بل يقوم على خدمتها فى المنزل خدم وحشم. وأما نساء الملوك الكلدانيين فكان لا يُسمَح لأحد برؤيتهن ولا التحدث إليهن أو حتى التحدث عنهن.

وكان من حق الرجل طلاق زوجته متى أراد، أما المرأة فإذا أبدت رغبة فى الطلاق من زوجها طُرِحَت فى النهر لتغرق، أو طردَت فى الشوارع نصف عارية لتتعرض للمهانة والفجور.

وقد روى هيرودوت المؤرخ اليونانى القديم أن كل امرأة كلدانية كان عليها فى مدينة بابل أن تذهب إلى الزهرة الإلهة (مليتا) ليواقعها أجنبى حتى ترضى عنها الإلهة، ولم يكن من حقها أن ترد من يطلبها كائناً من كان، ما دام أول رجل يرمى إليها بالجعالة ـ المال المبذول والذى كان يُعتبر حينئذ مالاً مقدساً ـ ثم ترجع بعد ذلك إلى منزلها لتنتظر الزوج.

وكانت إذا تزوجت ولم تحمل لفترة طويلة اعتبرت أنها أصابتها لعنة الآلهة أو أصابها مس من الشيطان فتصبح فى حاجة إلى الرقى والطلاسم، فإذا ضلت عاقراً بعد ذلك فلابد من موتها للتخلص منها.

وهذا أقرب ما يكون للقانون اليهودى عند إصابة أحد بالمس فإنه يُقتَل رجلاً كان أم امرأة: (وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ} (لاويين 20: 27)

وكان معبد الإلهة (عشتروت) فى بابل القديمة يمتلىء من العاهرات اللائى يتقدمن إلى زائرى المعبد.. كما كان على كل امرأة أن تتقدم مرة على الأقل إلى معبد فينوس ليواقعها أى زائر فى المعبد.. وكانت الفتيات من الصين واليابان وغيرهما من بلاد العالم يتقدمن إلى الكهنة فى المعابد، وكان من الشرف الكبير أن يواقعها الكاهن الذى هو ممثل الإلهة على الأرض، وكان هذا النوع من البغاء يُعرَف بالبغاء الدينى، وهو قريب من قول نيكولاوس فون كليمانجيس (أحد علماء اللاهوت وعميد جامعة باريس سابقا: (أن تترهبن المرأة اليوم فمعنى هذا أنها أسلمت نفسها للعهارة)

وقد سبقه فى مثل هذا القول دومبريديجر جايلر فون قيصربرج: (إن المرأة فى الدير ليست إلا عاهرة)

وقد شاع المثل الشعبى فى العصور الوسطى القائل: (من لفت رأسها، عرت بطنها، وهذه عادة كل الراهبات)

وقد اقترح أوجستين عام 388 قانونا يمنع أن يدخل شاب على الراهبات أما العجائز المُسنَّات فيسمح لهم بالدخول حتى البهو الأمامى فقط من الدير، ولأن الراهبات كُنَّ فى حاجة إلى قسيس للصلاة بهن، فقد سمح القيصر جوستنيان فقط للرجال الطاعنين فى السن أو المخصيين بالدخول إليهن والصلاة بهن. حتى الطبيب لم يُسمَح له بالدخول إلى الراهبات وعلاجهن إلا إذا كان طاعناً فى السن أو من المخصيين. وحتى المخصيين ففقدوا الثقة فيهم، لذلك قالت القديسة باولا: (على الراهبات الهرب ليس فقط من الرجال، ولكن من المخصيين أيضاً)

وكان من يقتل بنتاً يُفرَض عليه أن يقدم ابنته لأهل القتيلة يقتلونها أو يملكونها. وإذا لم يُثمر الزواج مولوداً خلال عشر سنين يُعتبر العقد فيه مفسوخاً،. وكان للرجل حق قتل أولاده وبيعهم. ولم يحرَّم ذلك إلا فى القرن الخامس قبل الميلاد. ولم تكن المرأة لترث، فإذا لم يكن هناك ذكور من أسرة الموروث ورثوا الذكور من أسرة زوجته ولكن زوجته لا ترث.

أما عند اليونان.. فقد كانت المرأة مُحتقرة مهانة، مثل أى سلعة تباع وتُشترى، مسلوبة الحقوق، محرومة من حق الميراث وحق التصرف فى المال، بل أكثر من ذلك، فقد سموها رجساً، ولم يسمحوا لها إلا بتدبير شئون البيت وتربية الأطفال. وكان الرجل فى أثينا يُسمَح له أن يتزوج أى عدد يريده من النساء، بلا قيد ولا شرط.

ومما يُذكر عن سقراط قوله: (إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار فى العالم، إن المرأة تشبه شجرة مسمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت من فورها)

كما كان لزوجها الحق فى بيعها وأن تظل عند المشترى فترة تحت التجربة، كما كان لزوجها الحق فى قتلها إذا اتهمت، ولو بمجرد النظر إلى شخص غريب ولا مسئولية عليه فى ذلك، ومع هذا فإن له الحق فى أن يزنى فى منزل الزوجية، وليس لزوجته حق الاعتراض، كما أن حق الطلاق مكفول له متى شاء وكيف شاء. ومع ذلك فإنها تظل بعد طلاقها منه مقيدة برأيه فى زواجها لمن يريده. ويوصى عند موته بزواجها ممن يرتضيه هو وليس لها أو لأحد من أهلها حق الاعتراض.

وتذكر الأساطير اليونانية أن المرأة هى سبب الأوجاع والآلام للعالم كله، وذلك لأن الناس فى اعتقادهم كانوا يعيشون فى أفراح ولا يعرفون معنى الألم ولا الحزن، ولكن حدث أن الآلهة أودعت أحد الناس صندوقاً وأمرته ألا يفتحه، وكان له زوجة تُسمَّى (باندورا) مازالت تغريه بفتحه حتى فتحه فانطلقت منه الحشرات. ومنذ تلك اللحظة أُصيب الناس بالآلام والأحزان. فلهذا كانت المرأة سبباً فى الكوارث التى حلت بالبشرية كلها نتيجة لفضول المرأة وإغراء زوجها بالعصيان.

لعلكم تلاحظون شبهاً فى هذه الرواية بما تحدث عنه سفر التكوين من إغواء حواء لآدم بالأكل من الشجرة المحرمة بعد أن أغوتها الحية: (فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ… فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ} (تكوين 3: 6-12)

وكان أرسطو يعيب على أهل إسبرطة التهاون مع النساء ومنحهن بعض الحقوق..

وكان سقراط يعزو سقوط إسبرطة إلى منحها الحرية للنساء على الرغم من أن هذه الحرية لم تنالها النساء إلا لانشغال الرجال الدائم فى الحروب.

أما المرأة فى إسبرطة فكانت تستمتع بحرية لا يُسمَح بها للرجل، ولكنها حرية هى أقرب إلى الدعارة منها إلى الحرية، فكان لها أن تتزوج أكثر من رجل واحد فى الوقت الذى كان يُحرَّم فيه على الرجل أن يتزوج من امرأة واحدة إلا فى الحالات الضرورية جداً.

ومن الغريب أن يرى الفيلسوف اليونانى أفلاطون شيوعية النساء، وإلغاء نظام الأسرة على أن تتكفل الدولة بتربية الأبناء.

ويحدثنا التاريخ عن اليونان فى إدبار دولتهم كيف فشت فيهم الفواحش والفجور، وعُدَّ من الحرية أن تكون المرأة عاهراً، وأن يكون لها عُشَّاق، ونصبوا التماثيل للغوانى والفاجرات، وقد أفرغوا على الفاحشة ألوان القداسة بإدخالها المعابد، حيث اتخذ البغاء صفة التقرب إلى آلهتهم، ومن ذلك أنهم اتخذوا إلهاً أسموه (كيوبيد) أى (ابن الحب)، واعتقدوا أن هذا الإله المزعوم ثمرة خيانة إحدى آلهتهم (أفروديت) لزوجها مع رجل من البشر.

ولم يكن يُسمَح بتعليم المرأة اليونانية الحرة، إنما كان التعليم قاصراً على البغايا، حتى كان الرجل الذى يكره الجهل فى المرأة يلجأ إلى البغى.

أما  عند البابليين.. فقد كانت المرأة تُحسَب فى قانون حمورابى من عِداد الماشية المملوكة، وكان تشريع بابل يعطى رب الأسرة حق بيع أسرته أو هبتهم إلى غيره مدة من الزمن، وإذا طلق الزوج زوجته تُلقى فى النهر، فإذا أراد عدم قتلها نزع عنها ثيابها وطردها من منزله عارية، إعلاناً منه بأنها أصبحت شيئاً مُباحاً لكل إنسان. وقضت المادة 143 من قانون حامورابى أنها إذا أهملت زوجها أو تسببت فى خراب بيتها تُلقَى فى الماء. ومن قتل بنتاً لرجل كان عليه أن يُسلِم ابنته ليقتلها أو يمتلكها أو يبيعها إن شاء.

وقد أعطى تشريع حمورابى للمرأة بعض الحقوق، وإن كان هذا التشريع لم يمنع اتخاذ الخليلات إلى جانب الزوجات فى الوقت الذى يقرر قيه إفرادية الزوجة. وقد ظل هذا القانون يمنح الرجل السيادة المطلقة على المرأة، وإن كان قد منح الزوجة حق الطلاق إذا ثبت إلحاق الضرر بها. أما إذا طلبت الطلاق، ولم يثبت الضرر فتُطرَح فى النهر، أو يُقضى عليها بالحرق. كما أنها إذا نشزت عن زوجها بدون إشارة منه تُغرَق، والمرأة المسرفة تُطلَّق أو يستعبدها زوجها.

أما المرأة الرومانية، فقد كانت تُبَاع وتُشتَرى كأى سلعة من السلع، كما أن زواجها كان يتم أيضاً عن طريق بيعها لزوجها. وكان لهذا الزوج بعد ذلك السيادة المطلقة عليها. ولم يكن يُنظَر إلى المرأة كأنها ذو روح بل كانت تُعتَبر مخلوقاً بغير روح، ولهذا كان يُحرم عليها الضحك والكلام إلا بإذن.. كما كان بعضهم يُغالى أحياناً فيضع فى فمها قفلاً من حديد، كانوا يسمونه الموسيلير، وكانوا يحرمون عليها أحيانا أكل اللحوم كما كانت تتعرض لأشد العقوبات البدنية باعتبارها أداة للغواية وأحبولة من حبائل الشيطان، وكان للرجل أن يتزوج من النساء ما يشاء ويتخذ من الخليلات ما يريد.

وكانت الزوجة تكلف بأعمال قاسية وكان من حق الزوج بيعها أو التنازل عنها للغير أو تأجيرها، ولما اعتنق الرومان المسيحية أصبح للزوجة الأولى بعض الميراث ـ أما بقية الزوجات فكنَّ يُعتَبرن رفيقات. والأبناء منهن يُعاملن معاملة أبناء الزنا اللقطاء، ولذلك لا يرثون ويُعتبرون منبوذين فى المجتمع.

ومن عجيب ما ذكرته بعض المصادر أن ما لاقته المرأة فى العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف (ليس للمرأة روح) تعذيبها بسكب الزيت الحار على بدنها، وربطها بالأعمدة، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيول، ويسرعون بها إلى أقصى سرعة حتى تموت.

أما المرأة العربية فى الجاهلية، فقد كانت تعدُّ جزءاً من ثروة أبيها أو زوجها. وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، وكان ابن الرجل يرث أرملة أبيه بعد وفاتها.. وكانوا يرثون النساء كرهاً، بأن يأتى الوارث ويلقى ثوبه على زوجة أبيه، ثم يقول: ورثتها كما ورثت مال أبى، إلا إذا سبقت ابنها أو ابن زوجها بالهرب إلى بيت أبيها، فليس له أن يرثها. فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها بدون مهر، أو زوجها لأحد عنده وتسلَّمَ مهرها ممن تزوجها، أو حرَّمَ عليها أن تتزوج كى يرثها بعد موتها([15]).

وكان العرب فى الجاهلية يمنعون النساء من الزواج، فالابن الوارث كان يمنع زوجة أبيه من التزوج، كى تعطيه ما أخذته من ميراث أبيه، والأب يمنع ابنته من التزوج حتى تترك له ما تملكه، والرجل الذى يُطلِّق زوجته يمنع مطلقته من الزواج حتى يأخذ منها ما يشاء، والزوج المبغض لزوجته يسىء عشرتها ولا يطلقها حتى ترد إليه مهرها([16]).

وكان الرجل إذا تزوج بأخرى، رمى زوجته الأولى فى عرضها، وأنفق ما أخذه منها على زوجته الثانية، أو المرأة الأخرى التى يريد أن يتزوجها.([17])

وكانت المرأة تُعَد متاعاً من الأمتعة، يتصرف فيها الزوج كما يشاء، فيتنازل الزوج عن زوجته لغيره إذا أراد، بمقابل أو بغير مقابل، سواء أقبلت أم لم تقبل. كما كانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى، وكانوا يدفنونهن عند ولادتهن أحياء، خوفاً من العار أو الفقر.

وكان أحدهم إذا أراد نجابة الولد حمل امرأته ـ بعد طهرها من الحيض ـ إلى الرجل النجيب كالشاعر والفارس، وتركها عنده حتى يستبين حملها منه، ثم عاد بها إلى بيته، وقد حملت بنجيب!

قالت اللادي كوك: ليس الأمر قاصرا على تلك الشعوب البدائية المتخلفة.. إن هذه الحضارة المتعفنة تمارس من أساليب الإذلال للمرأة ما مارسته جميع الشعوب البدائية.. ولكنها تحتال لذلك بأنواع من الزخارف والطلاء لتموه به على الحقائق.

إن أخطر ما تمارسه هذه الحضارة هو إخراج المرأة عن فطرتها وعن وظيفتها التي هيئت لها..

إنها ترمي بها في الشارع.. لتتحول البيوت بعدها خرابا..

لقد قال العالم الإنجليزي (سامويل سمايلي) في كتابه (الأخلاق) ينبه إلى هذا الخطر الذي يحدق بالبيت وبالمرأة: (إن النظام الذي يقضي بأن تشتغل المرأة في المعامل ودور الصناعات مهما نشأ عنه في الثروة، فإن النتيجة هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان العائلة، وفرق الروابط الاجتماعية، لأن وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية، كترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات العائلية، ولكن المعامل سلختها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير المنازل، وأضحى الأولاد يشبون على غير التربية الحقيقية، لكونهم يلقون في زوايا الإهمال، وأطفئت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والقرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت عرضة للتأثيرات التي تمحو غالبًا التواضع الفكري والخلقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة)

وقد صرحت إحدى أساتذة الجامعات في بريطانيا وهي تودع طالباتها بعد أن قدمت استقالتها: (ها أنا قد بلغت سنّ الستين من عمري، ووصلت فيها إلى أعلى المراكز، نجحت وتقدّمت في كل سنة من سنوات عمري، وحقّقت عملاً كبيرًا في نظر المجتمع، لقد حصلت على شهرة كبيرة وعلى مال كثير، ولكن هل أنا سعيدة بعد أن حققت كل هذه الانتصارات؟!)

ثم  تجيب نفسها، فتقول: (لا، إن وظيفة المرأة الوحيدة هي أن تتزوج وتكوّن أسرة، وأي مجهود تبذله بعد ذلك لا قيمة له في حياتها بالذات)

أذكر أن بعض الباحثين قام على امتداد سنتين بمسح ميداني للعائلة الغربية، تنقّل فيه بين مختلف البلاد الأوربية وعبر الأطلسي إلى الولايات المتحدة وكندا، ليعود بعدها بجعبته المليئة بالأصوات التي تحذر من اتجاه العائلة الغربية نحو الانقراض([18]).

سكتت قليلا، ثم قالت: لقد كانت لي صديقة اسمها (ميريام كورفي)، وهي امرأة هولندية، وأم لثلاثة أطفال قالت لي: (زوجي يعمل من الثامنة صباحًا وحتى السادسة مساءً، وأنا أعمل من الثامنة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا، أعتقد أننا في حالة مادية معقولة، ونسكن في شقة جيدة، ويبدو أن هذا لا يكفي، فثمة تشققات هائلة داخل العائلة، لكأننا من عالم مختلف تمامًا عن عالم أطفالنا، أنا وزوجي نجتر بعض الحنين السابق وبعض التفاؤل السابق، الأمر لأطفالنا مغاير جدًا، قد أكون مخطئة لكنني أشعر بحدس الأم، إن أطفالي ملوّثون بيأس خاصّ، أعتقد أنه استوطن بقوّة في اللاوعي. إنني لا أفهم الدافع لذلك، فهم يتابعون دروسهم في مدرسة متفهمة، كما أنهم يشاهدون التلفزيون كل مساء.

لقد سألت أحد الأصدقاء وهو أستاذ في علم النفس عن هذه الحالة، فأجاب: إن ملاحظتي هذه مجرد خيال، وإن الأطفال في صحة حضارية جيدة، كلمة (حضارية) هذه هي التي أفزعتني، فأنا أعتقد أن أولادي ككل الأولاد الآخرين يعانون حصارًا ما، إنني لا أفهم، كل ما أستطيع أن أقوله هو أن الحنان الذي أقدمه لأطفالي لا يكفيهم على ما يبدو، لا يمكنني أن أقدم أكثر من ذلك، وأعتقد أننا نبني جيلاً سيكرهنا بالضرورة)

***

بعد أن انتهت النسوة من حديثهن مما ذكرت لك بعضه، فلم أحفظ جميع ما قالوا، التفتن إلى (مريم هاري)، وقلن: ها قد بحنا بما عندنا.. فهل تبوحين لنا بما عندك ؟.. ما سر لجوئك إلى الإسلام؟.. ألم تسمعي كل تلك الضجة التي أثيرت حوله.. وحول موقفه المتشدد من المرأة؟

قالت: بلى.. لقد سمعت بذلك.. بل كنت في يوم من الأيام أحد تلك الأصوات.. بل أحد تلك الأصوات الشديدة.. لقد كنت عضوا في مؤامرة لم يكن لها من هدف سوى أن ترمي دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالغلظة والقسوة والجفاء.

وقد استعملت في ذلك الأساليب المختلفة إلى أن جاء اليوم الذي أبصرت فيه الحقيقة..

سأقص عليكن القصة من البداية..

لقد رأيت بعد مشاورات طويلة أن خير ما يمكن أن يؤثر على المدى القريب والبعيد في توفير أي قناعة للرأي العام هو المؤتمرات التي نصفها بالعلمية.. فقراراتها وتوصياتها كقرارات المجامع المقدسة وتوصياتها..

ولذلك عملت مع الثلة التي معي على عقد مؤتمر في هذه البلاد يدور حول حقوق المرأة.. وكيف هضمها الإسلام..

بعد تحضيرات طويلة بدأ المؤتمر..

لقد تعمدنا أن نبدأه بالمراسيم التي تعود المسلمون أن يبدأوا بها مؤتمراتهم، فكلفنا قارئا أن يقرأ نصوصا من القرآن الكريم، انتقيناها له بدقة، فقرأ القارئ ـ وقد شغله جمال صوته عن الآيات التي انتقيناها له ـ قوله تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (النساء:34)، ثم قرأ قوله تعالى:{ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } (النساء:34))، ثم قرأ قوله تعالى:{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (النساء:3)

ثم تلوناه بخطيب مصقع زاد من صوته ما نقص من عقله، فقدم خطبة نزلت على قلوبنا كالماء البارد.. لقد بدأ خطبته بقوله: الحمد لله الذي فضل الذكر على الأنثى، فقال:{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } (النساء:11)، وقال:{ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى.. (36)} (آل عمران)

ثم أخذ يتحدث عن ضرورة طاعة المرأة لزوجها.. يأتي لذلك بما صح وما ضعف من الأخبار والآثار.. ثم يضيف إليها من تحليلاته ما ملأ قلوبنا فرحا وسرورا.. وكان من جملة ما قال:(إن تعليم النساء يفسد أخلاقهن، فإن المرأة التي لا تقرأ ولا تكتب تكون بعيدة عن متناول شياطين الإنس، فإن القلم كما لا يخفى أحد اللسانين، فبعدم معرفتها للقراءة والكتابة تأمن شر هذا اللسان وبضرب الحجاب المتين عليها تأمن شر اللسان الثاني، فيتم لها الأمن.

وكم رأينا من متعلمات لم يأتهن الشر إلا من قبل تعلمهن، وهذا في زمان الإسلام والعفاف والأنفة العربية، وأما في هذا الزمان فقد بلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع. فإن معرفة الفتاة للقراءة توصل إلى ذهنها جميع ما يقع في الدنيا من الفساد والمخادنة وتملأ فكرها بهواجس خبيثة كانت في عافية منها)

وكان من جملة الأحاديث التي رواها حديث عرفت بعد ذلك أنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أن رجلا خرج وأمر امرأته أن لا تخرج من بيتها، فمرض أبوها، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها: أطيعي زوجك فمات أبوها فاستأذنت منه صلى الله عليه وآله وسلم في حضور جنازته فقال لها: أطيعي زوجك فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها)([19])

لقد كان ما ذكره في خطبته كافية لتحقق كل الثمار التي رجوناها..

ولكنا لم نكتف بها.. لقد طمعناها بالمحاضرات التي أعددناها بدقة مؤيدة بالإحصاءات وأقوال الخبراء في كل المجالات.

انتهت الفترة الصباحية من اليوم الأول بنجاح لتبدأ الفترة المسائية، والتي خصصناها لبعض الشهادات انتقيناها انتقاء، حيث سمعنا لامرأة تشكو زوجها، وأخرى تشكو أباها، وأخرى تشكو نظرة المجتمع إليها.. وقد كان لشهاداتهن من التأثير النفسي في الحاضرين أكثر من كل المحاضرات المقدمة، فقد تعمدنا أن نختار نساء غزيرات الدمع، حلوات الحديث، قادرات على التلاعب بالعقول.

كان لهذا اليوم أن ينجح نجاحا لا نظير له، وكان له أن يترك تأثيره العميق في علاقة الناس بمحمد وبالإسلام لولا أن حدثت المفاجأة التي لم نكن نحسب لها أي حساب.

كانت هناك عجوز جالسة في الكراسي الخلفية للقاعة، ومعها أفراد من أسرتها، لم نكن نهتم بها، ولا نأبه لها، بل كنا نتصور أنها ـ في حال فهمها لما يدور في المؤتمر ـ ستكون أول الناس تأثرا بما نقول، وأنها ستتأسف على عمرها الذي قضته، وهي مهانة لا كرامة لها، ولا حقوق تنالها.

رفعت يدها بأدب لتتحدث كما تحدثت سائر الشاهدات، فلم تجد رئيسة الجلسة بدا من الإذن لها، فلم تكن تتصور أنها بحديثها ستنسخ كل ما قيل من أحاديث.

قالت: لقد تحدثتم جميعا.. وكلكم صببتم ما تملكونه من غيظ وحقد على محمد ودين محمد.. وأنا الآن أقف بينكم لا كمحامية على هذا الدين، ولا على تلك الشمس التي أنارت برحمتها العالمين، فالشمس أرفع من أن تحتاج من يدافع عنها.. ولكني أقف كشاهدة على واقع عشته في ظل رجال استناروا بأشعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

نعم لقد قرأ القارئ، وتحدث الخطيب، وهؤلاء المساكين شغلهم جمال أصواتهم عن النور الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يتفقهوا في دينه، ولم يتعلموا من هديه، فلم يعبروا إلا عن الظلام الذي ترقد فيه أرواحهم.

وتحدثت النسوة.. وهؤلاء لا أكذبهن، ولكن ما حصل لهن من عناء ثمرة للبعد عن محمد ودين محمد، وفي إمكانكم أن تسألوهن عن هؤلاء الرجال الذين أهانوهن.. وسترون أنهم لا علاقة لهم بمحمد ولا دين محمد.

ساد القاعة صمت رهيب شجع العجوز على مواصلة حديثها، فقالت: أنتم تتحدثون عن المرأة، وقد مررت بجميع مراحل المرأة التي تمر بها، كنت بنتا، ثم زوجة، ثم أما، ثم ها أنا الآن بينكم عجوز طاعنة في السن.

فلذلك سأكون ممثلة لجميع النساء.. فاسمحوا لي – أنا التي مررت بجميع هذه المراحل – أن أذكر لكم كيف كان يعاملني الرجال الذين استناروا بأشعة محمد، واهتدوا بهديه.

أقول لكم هذا لنخرج من التعميم الخاطئ الذي تقعون فيه.. فأنتم تتحدثون عن المرأة، وكأنها كائن من المريخ، مع أنها بينكم، وهي لا تخرج عن المراحل التي ذكرتها، فإن كنتم أردتم استماع الحقيقة من منابعها، فاسمعوا لي.. وإن أبيتم إلا أن تنتقوا في سماعكم فأذنوا لي في  الجلوس.

لم تجد رئيسة الجلسة بدا من الإذن لها.. فقد كنا نحب أن نظهر بمظهر الديمقراطية والحرية.

صمت الجميع، وبدأت العجوز تتحدث بلسان عذب فصيح.. قالت: ليكون كلامي علميا دقيقا.. فسأذكر لكم أربع قيم  نشرها الإسلام في المسلمين.. يمكن من خلالها أن تفسر كل المعاملات التي عامل بها الإسلام المرأة.. كل هذه القيم رحمة ولطف وشفقة وعدالة..

أما الأولى.. فهي المساواه

وأما الثانية.. فهي الكرامة

وأما الثالثة.. فهي الصيانة

وأما الرابعة.. فهي الرعاية

المساواة

قال الجمع: فحدثينا عن الأولى.. حدثينا عن المساواة.

قالت: اسمحوا لي أن أحدثكم عن تجربتي معها..  أنا رابعة أخواتي.. ولم يرزق والدي غيرنا.. فلم يكن له إلا البنات.. ولذلك، فقد سماني (رابعة)([20])

قالت لها إحدى الحاضرات: إذن كنت شؤما في البيت.

قالت: لا.. لقد استنار والدي بأشعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكسفت جميع الظلمات التي نشرتها الجاهلية.. لقد حدثتني أمي عن الفرحة العظيمة التي كانت تبدو على ملامح أبي حينما ولدت..

وقد ذكرت لي ما قال لها حينما ولدت، لقد قال لها: إن الله وهب لنا هذه البنت لتكون جوازا لنا إلى الجنة، فقد بشرنا صلى الله عليه وآله وسلم بالجزاء العظيم الذي نناله من تربية البنات، فقال:(من كانت له بنت، فأدبها فأحسن أدبها، وعلمها فأحسن تعليمها، وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له سترا أو حجابا من النار)([21])

ففي هذا الحديث إخبار بأول جزاء يناله من رزق إناثا، فأحسن إليهن، وبرهن، وهو أن هؤلاء البنات يقفن حجابا بينه وبين النار.

بل ورد  ما هو أكثر من ذلك.. ففي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة)([22])

 وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم:( من كان له ثلاث بنات، فصبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن، أدخله الله الجنة برحمته إياهن)، فقال رجل: واثنتان يا رسول الله ؟ قال: (واثنتان). قال رجل: يا رسول الله، وواحدة؟ قال: (وواحدة)([23])

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم:(من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها، ولم يؤثر ولده – يعني الذكور – عليها، أدخله الله الجنة)

بل ورد ما هو أعظم من ذلك كله، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو)([24])،  وضم أصابعه.. وهذا أعظم جزاء تهفو إليه قلوب المؤمنين.

قالت إحدى الحاضرات: ولكن.. ورد في بعض الأحاديث التي سقتها التعبير عن هبة الإناث بأنها من البلاء.. أليس ذلك احتقارا للأنثى؟

قالت: لا.. معاذ الله.. كل ما في الدنيا بلاء سواء كانت منحا أو محنا.. والبلاء لا يعني إلا الاختبار، والله يختبر بالنعمة، ويختبر بالنقمة.. ألم تسمعي قوله تعالى:{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } (الانبياء:35)؟.. فالبلاء قد يكون خيرا، وقد يكون شرا.

بل عبر الله تعالى عن نعمة الأموال والأولاد بأنها من الفتنة والبلاء، قال تعالى:{ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (لأنفال:28)، وقال تعالى معبرا بصيغة الحصر:{ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التغابن:15)

قالت إحدى الحاضرات: فلماذا لا يكون هذا من الابتلاء بالنقمة.

قالت العجوز: لأن الله عبر عنها بالهبة، فقال تعالى:{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (الشورى:49 ـ 50)

فقد عبر القرآن الكريم عن عن إعطائه الإناث بصيغة الهبة، مسويا لهم في ذلك مع الذكور.

بل إن الله تعالى قدم الإناث في الذكر على الذكور، ليبين أن رحمته بإعطاء الأنثى قد تكون أعظم من رحمته بإعطائه الذكور، لمن عرف كيف يتعامل مع هبة الله.

وفي التعبير بالهبة دلالة أخرى لها أهميتها الواقعية، وهي أن الكثير من العامة يتصورون أن جنس المولود سببه الأم، فلذلك قد يطلق الرجل امرأته إن ولدت له إناثا، فرد الله تعالى بأن جنس المولود هبة منه لا علاقة له بأحدهما.

وفي التعبير دلالة أخرى أعمق من ذلك كله لتعلقها بالجنس البشري جميعا، وهو أن الأمر لو ترك للأهواء لانقرض الجنس البشري من زمن بعيد، لأن الأهواء قد تميل إلى جنس معين مما ينشأ عنه اختلال التوازن الذي يحفظ النوع، فلذلك كان هذا هبة من الله لا اختيارا من البشر.

قالت إحدى الحاضرات: ولكن ألم تسمعي ما ورد في القرآن من الحديث عن ولادة مريم، فقد جاء فيها:{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} (آل عمران:36)، فاعتبر الذكورة خيرا من الأنوثة؟

قالت العجوز: يا ابنتي هذا فهم خاطئ لكتاب الله.. فأنت تحملين الآية ما لا تحتمل..هل قالت الآية:(الذكر خير من الأنثى) أم قالت:{ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } 

قالت المرأة: بل قالت:{ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } 

قالت العجوز: فالآية تعبر عن حقيقة.. فالذكر مختلف في نواح كثيرة عن الأنثى.. والعدالة والرحمة تقتضي أن يعامل كل جنس بما تقتضيه طبيعته.

وفي قول أم مريم دلالة على هذا، فقد نذرت هذه المرأة الصالحة مولودها لخدمة المسجد، فلما رأته أنثى لا تصلح لهذه الخدمة اعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها.

ثم كيف يفهم من كلام الله هذا، وهو الذي اعتبر تسخط البنات من الجاهلية، فقال تعالى:{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } (النحل:58 ـ 59)

فالآيات الكريمة تصف رجلا قد ترسخت فيه قيم الجاهلية وتصوراتها حتى ملأت صدره ظلمة، انبعث منها سواد كالح غمر وجهه.

وبما أن عقله قد حجب في تلك اللحظة عن النظر للحقيقة التي يرشد إليها القرآن الكريم، ويمتلئ بجمالها قلب المؤمن، بل تركه لتصورات المجتمع تنقش فيه ما تشاء، فإن تلك التصورات جعلته إنسانا سلبيا منكمشا على نفسه كظيما يكره أن يراه الناس، وكأنه قد أجرم جرما عظيما يخاف عقابه.

وهو في تلك اللحظة التي غرق فيها في بحر السواد والظلام يعيش بصحبة الشيطان الذي يملي عليه ما سيفعله { أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } (النحل:59)

وفي كلا الحالين يرضى الشيطان الذي زين له هذه التصورات ثم عذبه بها، فهو إن قتل تحمل جرم قتلها، وإن أمسكها أبقاها مهانة لا يورثها ولا يعتني بها، ويفضل أولاده الذكور عليها، ويذيقها فوق ذلك من العذاب النفسي ما يفوق قتله لها.

بهذه الصورة ترسم الآيات الكريمة كيفية استقبال الجاهلي للأنثى، وهي لا تصفه واقعا جغرافيا أو تاريخيا، وإنما تصف حالة نفسية قد تعرض في أي زمان ولأي شخص لا زال فيه حظ من الجاهلية.

قالت إحدى الحاضرات: إنك تصفين واقعنا لا واقع الجاهلية.

قالت العجوز: هذا واقع جاهلي.. والجاهلية قد تدخل المجتمع المسلم لتشوه صورة الإسلام فيه..

قالت إحدى الحاضرات: فكيف نفرق بين سلوك الجاهلية والسلوك الذي حض عليه الإسلام؟

قالت العجوز: بالرجوع إلى هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والاستنارة بأشعته.

قالت إحدى الحاضرات: فكيف كان هدي محمد مع البنات؟

قالت العجوز: لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم محبا لابنته فاطمة – سيدة نساء العالمين- عظيم الرحمة بها، لقد كان يقول عنها:(فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني)([25])

وكان يقول فيها:(فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري)

وكانت إذا دخلت على أبيها رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه.

أتدرون أيها السادة في أي مجتمع كانت هذه التعاليم؟

لقد كانت في مجتمع ينظر إلى البنات نظرة احتقار وازدراء ومهانة.. لقد كان العرب كما كان غيرهم يتشاتمون بميلاد البنات، ويضيقون بهن، حتى قال أحد الآباء – وقد بشر بأن زوجه ولدت أنثى -: (والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرها سرقة).. يريد أنها لا تستطيع أن تنصر أباها وأهلها إلا بالصراخ والبكاء لا بالقتال، ولا أن تبرهم إلا بأن تأخذ من مال زوجها لأهلها.

وكانت التقاليد المتوارثة عندهم تبيح للأب أن يئد ابنته.. يدفنها حية.. خشية من فقر قد يقع، أو من عار قد تجلبه حين تكبر على قومها.. وقد أنكر القرآن الكريم هذا إنكارا شديدا، فقال مقرعا لهم:{ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (التكوير:8 ـ 9)

وكانت بعض الشرائع القديمة تعطي الأب الحق في بيع ابنته إذا شاء.. وكان بعضها الآخر، كشريعة حمورابي، تجيز له أن يسلمها إلى رجل آخر ليقتلها، أو يملكها إذا قتل الأب ابنه الرجل الآخر.

ولهذا كان القرآن الكريم وكان هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو النور الوحيد الذي وقف مع البنات يدافع عنهن ويحميهن، فقال في القتلة الذين لا يتورعون عن قتل أولادهم إناثاً كانوا أو ذكوراً:{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (الأنعام:140)، وقال:{ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} (الاسراء:31)

ولم يكتف بذلك، بل وضع منهجا متكاملا لتربية البنات والإحسان إليهن، وضرب نموذجا للتربية الصالحة وثمراتها بمريم العذراء ـ عليها السلام ـ التي تلقت تربية صالحة جعلتها من سيدات نساء العالمين، بل أخبر الله تعالى أنه اصطفاها وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، وقد كانت أمها عندما حملت بها تتمنى أن تكون ذكراً يخدم الهيكل، ويكون من الصالحين، كما قال تعالى:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (آل عمران:35)

ولكن الله تعالى وهب لتلك الأم بتلك الفتاة الطاهرة أعظم مما تمنت، لأن أمنيتها كانت مجرد خادم يخدم الهيكل، فإذا بها ترزق بالصديقة أم المسيح، قال تعالى:{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ((المائدة:75)

صاحت امرأة من الحاضرات: فهمنا ما قلت أيتها العجوز.. ولكن ألم يقل القرآن:{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } (النساء:11)، فأي عدل هذا الذي يعطي الذكر ضعف الأنثى؟

قالت العجوز: هذا عدل الله.. فالله يعطي لكل شخص ما يتناسب مع حاجته.. هل الرضيع يأكل ما يأكله الكبير؟

قالت المرأة: لا.. وما علاقة هذا بما نحن فيه.

قالت العجوز: لأن معدة الرضيع وجهازه الهضمي لا يطيق ما يطيق الجهاز الهضمي للكبير.. بالإضافة إلى أن حاجة الرضيع من الطعام تجعله في غنى عن كثير مما يأكله الكبير.

قالت المرأة: هذا صحيح.. فهل تعتبرين المرأة رضيعا.. والرجل هو الكبير؟

قالت العجوز: نعم.. من استناروا بأشعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعتبرون المرأة في هذه الناحية كالرضيع.. فهم لا يكلفونها بالسعي على رزقها، ولا بالعمل للوفاء بمتطلبات حياتها.. فهي تعيش في كنف والديها، أو قوامة زوجها، فإذا لم يبق لها واحد من هؤلاء كلفت جماعة المسلمين بالإنفاق عليها.

فما حاجتها بعد ذلك للمال؟.. وهل ترون الرضيع ينتفع بالمال إذا ما أعطي له؟

ثم إن الشريعة التي فضلت الابن في العطاء هي الشريعة التي كلفته بالإنفاق على أخته، وهي التي كلفته بدفع المهر لمن يريد الزواج منها.. فهل تكلفه بكل هذا، ثم لا تجعل له من الحقوق ما يفي بما تتطلبه هذه الواجبات.

فلنترك كل هذا، ونسأل الواقع.. هل يتساوى الناس في أجورهم؟

قالت المرأة: لا.. بل يختلفون.

قالت العجوز: بأي درجة يختلفون؟

قالت المرأة: قد يصل الاختلاف إلى الأضعاف المضاعفة.

قالت العجوز: فواقعكم الذين تدعوننا للالتزام به يقع فيما تحذروننا منه.

قالت المرأة: نعم.. ولكن الوظائف مختلفة في يسرها ومشقتها.

قالت العجوز: إني أرى أن أكثر الوظائف يسرا أكثرها أجرا.. أليس كذلك؟

قالت المرأة: صحيح هذا..

قالت العجوز: فتعلموا العدل أولا.. ثم استدركوا على الله ما تريدون أن تستدركوا عليه.

نهض بعض الشباب الحاضرين، وقال: اسمحوا لي أن أتحدث.. فما تذكرونه الآن يتعلق بي لقد مات أبي، وتركني مع أخت لي، وقد ترك لنا ثروة مقدراها مائة وخمسين ألف دينار.. نعم هي ثروة ضخمة.. أخذت منها ضعف أختي أي أني أخذت مائة، بينما لم تأخذ أختي إلا خمسين.

بعد استلامنا الإرث تقدمت أنا للزواج.. وخطبت أختي.. أما أنا فقد كنت ملزما بأن أدفع مهراً وهدايا لخطيبتي.. وقد كان مقدارها خمسة وعشرين ألفا.. فلم يبق من تركتي إلا خمسة وسبعين ألفا

أما أختي، فقد جاءها مهر وهدايا بنفس ما مهرت وأهديت أنا لخطيبتي.. فصارت تركتها مثلي تماما..

ثم إن أختي لن تصرف من مالها شيئا إلا ما تريده لزينتها.. أما أنا فإني مكلف بالإنفاق على زوجتي..

وها هي أختي حاضرة، وهي تشهد على ما أقول.

نهضت الأخت، وقالت: صدق أخي.. وأنا لا أنظر إلى هذا من الزاوية التي تنظرون إليها.. لقد جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى قوم لا يعترفون بالمرأة ولا يورثونها، بل يرونها تورث كما يورث المتاع، فأكرمها، وأعطاه كل الفضل.. فكيف تهينون الشريعة التي حققت كل هذه العدالة؟

صاحت امرأة من الحاضرات: فهمنا هذا ووعيناه.. ولكن ألا ترين أن من الجور أن تعتبر دية المرأة نصف دية الرجل.. أليس ذلك احتقارا لها وإهانة.. أليس ذلك تشجيعا على ممارسة العدوان عليها؟

ابتسمت العجوز، وقالت: سأجيبك عن هذا من جهتين: الجهة الأولى جهة الموقف الحقيقي للشريعة من المسألة.. والجهة الثانية هي ما يمكن تمسيته بالإجابة الجدلية.. والتي تنطلق من صحة ما ذكرته من شبهة.

أما الجهة الأولى([26]).. فالآية التي أثبتت مشروعية الدية في القرآن الكريم، شملت بإجماع الفقهاء والمفسرين الرجل والمرأة على حد سواء، ولم تفرق بينهما بشيء.. فالله تعالى قال:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } (النساء:92)

ومثل ذلك ما ورد في السنة المطهرة حديث واحد صحيح صريح، يدل على تنصيف دية المرأة.

أما ما احتجوا به من حديث معاذ بن جبل، الذي يقول: (دية المرأة على النصف من دية الرجل)، فقد حكم العلماء بضعفه([27]).

ومثل ذلك الآثار الواردة عن الصحابة فليس فيها أثر واحد صحيح صريح، ينص على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل.

أما ادعاء الإجماع علي تنصيف دية المرأة، فإنما هو مجرد دعوى لا أكثر، إذ هو منقوض بعدم وجود نقل صحيح ثابت عن حصول مثل هذا الإجماع، ومتى كان وممن كان.. بالإضافة إلى تعذر إجماع الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي أواخر العصر الأول على شيء من ذلك، لكثرتهم ـ أولاً ـ ولتفرقهم في الأمصار المتباعدة ـ ثانياً ـ ولصعوبة الاتصال بهم ـ ثالثاً ـ

بالإضافة إلى أنه تبين لنا أنه لم يثبت عن بعض أفراد الصحابة أنهم قالوا بذلك، فكيف يمكن إذن أن يقال باجتماعهم جميعاً عليه؟

أما دعوى انعقاد إجماع العلماء على تنصيف دية المرأة، فليس ذلك صحيحا.. فابن حزم ومن من معه من أتباع المدرسة الظاهرية يقولون بمساواة دية المرأة بدية الرجل في النفس والأعضاء.. لأن الأحاديث الصحيحة التي وردت في الدية، إنما جاءت شاملة للرجال والنساء دون تمييز، وكذلك الأحاديث الواردة في الجراحات: (وفي النفس المؤمنة مئة من الإبل، وفي العين خمسون وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون)

فإذا كان الرجل يقتل بالمرأة، ويقاد بها عيناً بعين، وأذناً بأذن، وسناً بسن، ويقتص لها منه في كل الجراحات فما الذي يمنع من أن تكون ديتها كديته؟

هذه هي الجهة الأولى.. وهي الجهة الأساسية المعتبرة.

وأما الجهة الثانية([28]).. فأبدؤها من أن ما يتخوف منه من الاستهانة بدم المرأة لا مبرر له، لأن عقوبة القتل تنفذ في قتل الرجل والمرأة على السواء.. فتقتل المرأة بالرجل، ويقتل الرجل بالمرأة مع أنها امرأة وهو رجل، وذلك لأن المسلمين ـ ذكوراً وإناثاً ـ سواء في الإنسانية، ولهذا تتكافأ دماؤهم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:(المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم على يد مَن سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)

بالإضافة إلى هذا، فينبغي أن تعلموا أن الشريعة حرصت على دماء المرأة أكثر من حرصها على دماء الرجل.. فقد منع الإسلام قتل المرأة ـ مسلمة كانت أو غير مسلمة ـ وأمر بعدم التعرض لها، إذ جاء النهي عن قتلها عند الغزو، فقد روي أنه وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهى عن قتل النساء والصبيان، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً ولا امرأة)([29])

بالإضافة إلى هذا، فينبغي أن تعلموا أن المرأة في الشريعة لا تكلف ـ مقابل تنصيف ديتها إن فرضنا ذلك ـ بالمساهمة في أداء الدية إلى أهل القتيل، بل تكلف بها العاقلة من الرجال، والغريب أن هذا الحكم يسري حتى لو كانت هي القاتلة بخلاف الرجل، فإن القاتل كأحدهم.

بالإضافة إلى هذا، فينبغي أن تعلموا أن المرأة التي أعفيت من أداء الدية تتشارك مع العاقلة في الإرث! فترث من دية قريبها المقتول.

بالإضافة إلى هذا، فينبغي أن تعلموا أن الدية ليست تقديراً لقيمة المقتول الإنسانية إنما هي تعويض مادي لا معنوي لأهل القتيل جزاء ما لحق بهم من ضرر مادي، ونظراً لأن الرجل هو المعيل والمنفق على الأسرة فإن ديته تتضاعف على دية المرأة.

الكرامة

قالت إحدى الحاضرات: يمكنك أن تقولي هذا وغيره.. ولكنا لا نقصد الجوانب النفسية وحدها بل نقصد الحياة.. ألم يجعل محمد مستقبل البنت وحياتها بيد أبيها.. فهو وليها أمرها الذي يفترض عليها طاعته في المنشط والمكره؟

قالت العجوز: سامحك الله يا ابنتي.. لقد أسأت إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم إساءة.. وأنا أعذرك في ذلك، فالجاهلية التي قد تتسمى بالإسلام، والبدعة التي قد تتلبس لباس السنة هي التي تشوه نور محمد وجمال هديه.

أما محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهديه فهو خلاف ذلك تماما..

فهو لا يعطي للأب الذي هو أولى الأولياء بولاية ابنته أي سلطة على بناته سوى سلطة التأديب والرعاية والتهذيب الديني والخلقي، مثل إخوانها الذكور، فيأمرها بالصلاة إذا بلغت سبع سنين، ويضربها عليها إذا بلغت عشراً، ويلزمها أدب الإسلام في اللباس والزينة والخروج والكلام، وينفق عليها حتى تتزوج.

قالت المرأة: نحن لا نناقش في هذا.. ولكنا نناقش في ولاية الزواج.

قالت العجوز: لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يبطل زواج من أجبرها أبوها بمن لا ترضاه، وقد روي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه، وأنا لذلك كارهة، فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم:(أجيزي ما صنع أبوك)، فقالت:(ما لي رغبة فيما صنع أبي)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(اذهبي فلا نكاح لك.. انكحي من شئت)،  فقالت:(أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن يعلم النساء أن ليس للآباء من أمور بناتهم شيء)([30])، ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالتها.

قالت المرأة: لقد خصص الفقهاء ذلك بالثيب([31]).

قالت العجوز: لقد حملوا النصوص ما لا تحتمل.. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسأل هذه المرأة.. أهي بكر أم ثيب.. بل ورد في حديث آخر عن ابن عباس  أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له أن أباها زوجها كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال ابن القيم:(وهذه غير خنساء، فهما قضيتان قضى في إحداهما بتخيير الثيب،وقضى في الأخرى بتخيير البكر)([32])

قالت امرأة من الحاضرات: ولكن ألم تسمعي بالولاية الجبرية ([33]) ؟

قالت العجوز: ليست الولاية كما تفهمين يا ابنتي.. وليست كما يمارسها بعض الجهلة.. إنها مثل توكيل أي شخص المحامين الذي يحفظون له حقوقه.. فلو ترك الأمر للمرأة وحدها لأهينت، وربما احتال عليها من شاء من الناس.. فلذلك وكل الأمر لوليها، لا ليجبرها على الزواج بمن لا ترضى، ولا ليعضلها عمن ترضى، ولكن ليقف حائلا بينها وبين من يريد العبث بها.

والولاية بهذا لا تختلف عن توكيل المحامين الذين يحفظون الحقوق، وليس للمحامي أن يستبد، فيأخذ الحق من أهله.

قالت المرأة: أنت تخالفين الفقهاء بهذا.

قالت العجوز: لا … كل من استنار بأشعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا..

قالت المرأة: والأعراف التي نعيش في ظلها، والتي ألجأتنا إلى التبرئ من محمد ودين محمد؟

قالت العجوز: تبرأن من أعراف الجاهلية لا من محمد ودين محمد.. ثم أخبرنني يا من تحررتن عن حماية الآباء ماذا أعطت لكن هذه الحرية..

لقد كانت المرأة في بيتها ملكة يتهافت الخطاب عليها.. وهي مصونة في سترها ممتلئة كرامة.. ولكنها الآن تعرض نفسها على الرجال.. فيعبثون بها كما شاءوا ثم يرمونها إلى المزابل.

قال رجل من الحاضرين: صدقت يا أماه.. كنت في بريطانيا التي تمثل قمة من قمم هذه الحضارة.. فاسمحي لي أن أعرض لك بعض مشاهداتي فيها ([34]).. لقد كنت أستغرب عند بداية إقامتي فيها أن المرأة هي التي تنفق على الرجل، وكنت أشاهد هذه الظاهرة عندما أركب القطار أو أدخل المطعم، إذ ليس في قاموس الغربيين شيء اسمه (كرم).. وبعد حين زال هذا الاستغراب، وأخبرني المرضى عن أسباب هذه الظاهرة، وفهمت منهم بأن الرجل لا يحب الارتباط بعقد زواج، ويفضل ما أسموه [صديقة]، والمرأة تسميه [صديقاً]، وليس هو أو هي من الصدق في شيء.. والصديق عندهم يعيش مع امرأة شهوراً أو سنين، ولا ينفق عليها، بل هي تنفق عليه في معظم الحالات، وقد يغادر البيت متى شاء، أو قد يطلب منها مغادرة بيته، إن كانت تعيش معه في بيته، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف شديدين، وتخشى أن يرتبط صديقها بامرأة ثانية ويطردها، ثم لا تجد صديقاً آخر.

وسأضرب لكم مثلا على ذلك ببعض مريضاتي التي كانت تزورني في عيادتي النفسية.. لقد كانت امرأة في العشرينات من عمرها، وكانت حالتها النفسية منهارة، وبعد حين من الزمن شَعَرتْ بشيء من التحسن، وأصبحت تتحدث عن وعيٍ، فسألتها عن حياتها، فأجابت والدموع تنهمر من عينيها، قالت:(مشكلتي الوحيدة أنني أعيش بقلق واضطراب، ولا أدري متى سينفصل عني صديقي، ولا أستطيع مطالبته بالزواج منى، لأنني أخشى من موقف يتخذه، ونُصِحتُ بالعمل على إنجاب طفل منه، لعل هذا الطفل يرغبه في الزواج، وها أنت ترى الطفل، كما أنك تراني ولا ينقصني جمال، ومع هذا وذاك فأبذل كل السبل من تقديم خدمات وإنفاق مال، ولم أنجح في إقناعه بالزواج، وهذا سر مرضي، وسبب قهري أنني أشعر بأنني وحدي في هذا المجتمع، فليس لي زوج يساعدني على أعباء الحياة، ولي أهل ولكن وجودهم وعدمه سواء، وليتني بقيت بدون طفل؛ لأنني لا أريد أن يتعذب ويشقى في هذه الحياة كما تعذبت وشقيت)

التفت لبعض الحاضرات، فوجدت الدموع تسيل بغزارة من عيونهن، واصل الرجل حديثه قائلا: لا تظنوا أيها السادة أن هذه المرأة المريضة من شواذ المجتمع الغربي.. إن الشواذ هناك هم الذين يعيشون حياة هادئة.

قد تسألون عن سر ذلك.. والجواب ـ كما عشته ـ واضح:

إن هذا أثر من آثار فكرة الحرية الفردية وعلو شأنها حوالي منتصف القرن الماضي – بما تحمله تلك الكلمة من حق وباطل – فإن الوحدة الرئيسية للمجتمع لم تعد العائلة، بل صارت (الفرد) رجلاً كان أم امرأة.. ومن ثم.. وبعد أن تبدلت القيم والمفاهيم، وشاعت الحرية – صارت المرأة لا تعني الزوجة أو الأم للرجل، بل زميلة العمل أو الصديقة والخليلة، ولم يعد الرجل بحاجة إلى الزواج وإقامة العائلة كوحدة اجتماعية ـ في غالب الأحيان ـ فحاجاته الطبيعية ملباة دون مسؤوليات تلقى على عاتقه، وهو حر في التنقل بين امرأة وامرأة، كما أن المرأة حرة في التنقل بين رجل ورجل، كما تقتضيه دفعة الجسد العمياء.

وهذا كله جر عواقب وخيمة على المجتمع الغربي الذي يراد نسخ كل مجتمعات العالم على نمطه:

من أول العواقب كثرة العوانس بين الفتيات والعزاب من الشباب.. وذلك لتيسر إرواء غليل الشهوات من الطرق المحرمة بغير تحمل تبعة الزواج وبناء الأسرة، متمتعين في نفس الوقت بلذة التنويع، دون التقيد بالحياة المتشابهة المتكررة كما يزعمون، وكان من نتيجة ذلك وجود كثرة هائلة من الفتيات، تقضى شبابها محرومة من زوج تسكن إليه ويسكن إليها، إلا العابثين الذين يتخذونها أداة للمتعة الحرام، ويقابل هؤلاء الفتيات كثرة من الشباب العزاب المحرومين من الحياة الزوجية.

وقد دلت على ذلك أحدث الإحصاءات، فقد صرح مدير مصلحة الإحصاء الأمريكية في 22 من ذي القعدة 1402 هـ (الموافق 10 سبتمبر – أيلول -1982 م): أنه لأول مرة منذ بداية هذا القرن تصبح أغلبية سكان مدينة سان فرانسيسكو من العزاب.

وأوضح (بروس شامبمان) في مؤتمر صحفي نظمته الجمعية الاجتماعية الأمريكية أنه وفقا لأرقام آخر تعداد فإن 53بالمائة من سكان سان فرانسيسكو غير متزوجين، وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الأرقام يمكن أن تكون مؤشراً على أفول الأنموذج العائلي التقليدي.

وأضاف شامبمان: إن هذه التغييرات الاجتماعية ملائمة لتحقيق الرفاهية في المدينة التي زاد عدد سكانها من الشباب بين 25 و 34 سنة بمقدار (4ر40بالمائة) خلال العشر سنوات الأخيرة وقال: إن التعداد لم يشمل عدد المصابين بالشذوذ الجنسي الذين يقطنون المدينة والذين يشكلون 15 بالمائة من السكان تقريبا .

ولا عجب بعد ذلك أن نقرأ في الصحف مثل هذا الخبر:( خرجت النساء السويديات في مظاهرة عامة، تشمل أنحاء السويد، احتجاجا على إطلاق الحريات الجنسية في السويد، اشتركت في المظاهرة (000 ر100) امرأة، وسوف يقدمن عريضة موقعة منهن إلى الحكومة، تعلن العريضة الاحتجاج على تدهور القيم الأخلاقية.

ومن عواقب ذلك الانحلال الأخلاقي.. ففي أمريكا والسويد وغيرهما من بلاد الحرية الجنسية، أثبتت الإحصاءات أن السعار الشهواني لم ينطفئ بحرية اللقاء والحديث، ولا بما بعد اللقاء والحديث، بل صار الناس كلما ازدادوا منه عباً، ازدادوا عطشاً، فالأرقام والوقائع التي تفيض بها الإحصاءات والتقارير، هي التي تتكلم وتبين في هذا المجال.

قال الرئيس كنيدي في تصريح مشهور له، تناقلته الصحف ووكالات الأنباء عام 1962 🙁 إن الشباب الأمريكي مائع مترف منحل، غارق في الشهوات، وإن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين، بسبب انهماكهم في الشهوات)،وأنذر بأن هذا الشباب خطر على مستقبل أمريكا.

وفي كتاب لمدير مركز البحوث بجامعة هارفارد بعنوان (الثورة الجنسية) يقرر المؤلف، أن أمريكا سائرة إلى كارثة في الفوضوية الجنسية، وأنها تتجه إلى نفس الاتجاه، الذي أدى إلى سقوط الحضارتين الإغريقية والرومانية في الزمن القديم، ويقول 🙁 إننا محاصرون من جميع الجهات بتيار خطر من الجنس، يغرق كل غرفة من بناء ثقافتنا، وكل قطاع من حياتنا العامة)

وقد نتج عن هذا كثرة الأبناء غير الشرعيين، فقد قامت بعض المؤسسات في أمريكا، بعمل إحصاء للحبالى من طالبات المدارس الثانوية، فكانت النسبة مخيفة جداً، ولننظر ما تقوله بعض الإحصاءات بهذا الصدد حيث تقول 🙁 إن أكثر من ثلث مواليد عام 1983 في نيويورك هم أطفال غير شرعيين، أي أنهم ولدوا خارج نطاق الزواج، وأكثرهم ولدوا لفتيات في التاسعة عشرة من العمر وما دونها، وعددهم (353ر112) طفلاً أي 37 بالمائة من مجموع مواليد نيويورك)

الصيانة

بعد أن شهد الرجل شهادته، ساد صمت رهيب القاعة، قطعته امرأة سافرة، نهضت، وقالت: لقد كان أبي أحسن الناس خلقا، وأعظمهم تدينا.. ولكنه مع ذلك اضطرني إلى الفرار من بيتي اضطرارا.. لقد كان يفرض علي الحجاب.. فأي دين هذا الذي يلزم المرأة بأن تلبس ما يستر محاسنها؟.. وأي نبي هذا الذي يتدخل في الشؤون الخاصة للناس؟

التفتت إليها العجوز، وقالت: ما تقولين في ابنتي في الطبيب الذي يحذر من طعام معين مبينا خطره على الصحة.. هل هو مصيب في ذلك.. أم أنك ترينه يتدخل في حياة الناس الشخصية ليمنعهم مما تشتهيه نفوسهم من الشهوات؟

قالت المرأة: إن أثبت الدراسات والتجارب صحة ما يقوله فله الحق في ذلك.

قالت العجوز: فالأمر في اللباس لا يختلف عنه في الطعام.. فكلاهما من الشؤون الشخصية.. ولكن من الشؤون الشخصية ما يكون صالحا نافعا، ومنها ما يكون ضارا.

قالت المرأة: لا أزال لا أفهم ما تقصدين.

قال العجوز: لتفهمي هذا يا ابنتي ينبغي أن تعلمي أن الحجاب الذي دعا إليه الإسلام ليس إلا مفردة من مفردات نظام العفة الذي جاء به.

لاشك أنك ككل إنسان فاضل تدركين قيمة العفة، وأنها خلق من أخلاق الإنسان الرفيعة.. وأن المجتمع الفاضل هو المجتمع الذي تسوده العفة.

إن هذا فطرة في كل نفس إنسانية فاضلة..

فإن كنت لا توقنين بهذا، أو تشكين فيه.. فلاشك أنك لا تقبلين من زوجك أن يخونك.. ولا تقبلين من ابنتك أن تصبح لعبة بين أيدي المنحرفين.. ولا ترضين لنفسك قبل ذلك وبعده أن تدنس سمعتك أو يتكلم أحد في عرضك، أو يتخذك أحد من الناس مطية لشهواته، ثم يرميك دون اهتمام أو مبالاة.

ما دمت لا تقبلين هذا.. فإن هذا لا يعني إلا شيئا واحدا هو أنك تؤمنين في قرارة نفسك بضرورة وجود نظام يحفظ للعفة وجودها الواقعي.. ويحفظ لها كذلك استمرارها ودوامها.

ونظام العفة كأي نظام يلجم الرغبات الجامحة للنفوس يحتاج بعض القيود..

هو نفسه النظام الذي يجعلنا ننتقي ما نأكله حتى لا تصبح شهوات نفوسنا مصايد لنا..

قالت المرأة: فحدثينا عن نظام العفة الذي جاء به الإسلام وعلاقته بالحجاب([35])..

قالت العجوز: لا يمكنني في هذا المجلس أن أحدثك عن كل التفاصيل المرتبطة بهذا.. ولكني سأقرأ عليك آيات من القرآن الكريم تبين السياق الذي ورد فيه الأمر بالحجاب.. وستدركين من خلالها لم جعلت الشريعة الحجاب جزءا من منظومة العفاف التي يقوم عليها المجتمع المسلم.

قال تعالى:{ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) إِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)} (النور)

هذه الآيات الكريمة تتحدث عن المجامع التي يقوم عليها نظام الإسلام للعفة([36])..

ومقصد التشريعات الإسلامية يبدو من خلالها واضحا جليا.. فهي لا تعتمد على العقوبة في إنشاء المجتمع النظيف، إنما تعتمد قبل كل شيء على الوقاية.. وهي لا تحارب الدوافع الفطرية، ولكن تنظمها وتضمن لها الجو النظيف الخالي من المثيرات المصطنعة.

والفكرة السائدة في منهج التربية الإسلامية في هذه الناحية، هي تضييق فرص الغواية،  وإبعاد عوامل الفتنة ; وأخذ الطريق على أسباب التهييج والإثارة، مع إزالة العوائق دون الإشباع الطبيعي بوسائله النظيفة المشروعة..

ومن هنا اعتبرت الآيات الكريمة للبيوت حرمة لا يجوز المساس بها ; فلا يفاجأ الناس في بيوتهم بدخول الغرباء عليهم إلا بعد استئذانهم وسماحهم بالدخول، خيفة أن تطلع الأعين على خفايا البيوت، وعلى عورات أهلها وهم غافلون.. ذلك مع غض البصر من الرجال والنساء، وعدم التبرج بالزينة لإثارة الشهوات.

ومن هنا كذلك ييسر الزواج للفقراء من الرجال والنساء، فالإحصان هو الضمان الحقيقي للاكتفاء.. وينهى عن تعريض الرقيق للبغاء كي لا تكون الفعلة سهلة ميسرة، فتغري بيسرها وسهولتها بالفحشاء.

قالت المرأة: أنا مقتنعة بكل ما ذكرته الآيات عن التشريعات المرتبطة بالاستئذان وغيره، فهي تشريعات حضارية لا تنكرها الفطر السليمة.. ولكن الذي تنكره هو الحجاب..

قال العجوز: لا بأس.. سألتمس لإقناعك أسلوبا آخر..أنا أعلم أنّ الحديث عن الحجاب في عصرنا الذي سمّوه عصر السفور والحرية، ليس حديثاً سارّاً حيث يتصوّه الكثير أُسطورة تعود لعصور خلت.. إلاّ أنّ الفساد الذي لا حدّ له، والمشاكل المتزايدة والناتجة عن هذه الحريّات التي لا قيد لها ولاحدود، أدى بالتدريج إلى ايجاد الأُذن الصاغية لهذا الحديث:

أولا.. لا شك أنك تعلمين أن سفور النساء وما يرافقه من تجميل وتدلل ـ وما شاكل ذلك ـ يحرك الرجال ويحطّم أعصابهم، وتراهم قد غلب عليهم الهياج العصبي، وأحياناً يكون ذلك مصدراً للأمراض النفسية، فأعصاب الإنسان محدودة التحمّل، ولا تتمكن من الإِستمرار في حالة الهيجان؟

ألم يقل أطباء علم النفس بأنّ هذه الحالة من الهيجان المستمر سبب للأمراض النفسية؟

خاصّة إذا لاحظنا أنّ الغريزة الجنسية، أقوى الغرائز في الإنسان وأكثرها عمقاً، وكانت عبر التاريخ السبب في أحداث دامية وإجرامية مرعبة، حتى قيل: إنّ وراء كلّ حادثة مهمّة امرأة!.. أليس إثارة الغرائز الجنسية لعباً بالنار؟.. وهل هذا العمل عقلاني؟

الإسلام يريد للرجال والنساء المسلمين نفساً مطمئنة وأعصاباً سليمة ونظراً وسماعاً طاهرين، ولهذا دعا إلى الحجاب وألزم به، فلا يمكن أن يتحقق الاستقرار من دونه.

ثانيا.. تبين الإحصاءات الكثيرة الموثقة ارتفاع نسب الطلاق وتفكّك الأُسرة في العالم، بسبب زيادة السفور، لأنّ الناس أتباع الهوى غالباً، وهكذا يتحوّل حبّ الرجل من امرأة إلى أخرى، كلّ يوم، بل كل ساعة.

أمّا في البيئة التي يسودها الحجاب والتعاليم الإسلامية الأُخرى، فالعلاقة وثيقة بين الزوج وزوجته، ومشاعرهما وحبهما مشترك.

وأمّا في سوق السفور والحرية الوهمية، حيث المرأة سلعة تباع وتشترى، أو في أقل تقدير موضع نظر وسمع الرجال، عندها يفقد عقد الزواج حرمته، وتنهار أُسس الأُسر بسرعة كانهيار بيت العنكبوت، ويتحمل هذه المصيبة الأبناء.

ثالثا.. لا شك أنك تعلمين أن انتشار الفحشاء وازدياد الأبناء غير الشرعين يعتبران من أنكى نتائج إلغاء الحجاب، ولا حاجة إلى إحصائية بهذا الصدد، فشواهدها ظاهرة في المجتمع الغربي، واضحة بدرجة لا تحتاج إلى بيان.

فكلّما انتشر الفساد الجنسي في المجتمعات البشرية اتّسع التهديد لهذه المجتمعات وتعاظم الخطر عليها، وقد برهنت دراسات العلماء في التربية على ظهور الأعمال المنافية للعفة، وتفشّي الإهمال في العمل والتأخر، وعدم الشعور بالمسؤولية، في المدارس المختلطة والمنشئات التي يعمل فيها الرجال والنساء بشكل مختلط.

بعد هذا كله، فإن ابتذال المرأة وسقوط شخصيتها يفقدها كلّ قيمتها الإنسانية، إذ يصبح شبابها وجمالها وكأنّه المصدر الوحيد لفخرها وشرفها، حتى لا يبقى لها من إنسانيتها سوى أنّها أداةٌ لإشباع شهواتِ الآخرين، الوحوش الكاسرة في صور البشر!

كيف يمكن للمرأة في هذا المجتمع أن تبرز علمياً وتسمو أخلاقياً؟!

إنه من المؤسف أن تلعب المرأة باسم الفن، وتشتهر وتكسب المال الوفير، وتنحطّ إلى حد الإبتذال في المجتمع، ليرحب بها مسيّرو هذا المجتمع المنحط خلقيّاً، في المهرجانات والحفلات الساهرة؟!

قالت المرأة: إن كل ما ذكرته صحيح.. ولكن ألا ترين أن الحجاب يجعل النساء – اللاتي يشكلن نصف المجتمع – في معزل عن المجتمع، ويكون ذلك سبباً في تأخرهنّ الثقافي، وانعدام الإستفادة من طاقاتهن العظيمة في ازدهار الإقتصاد.. وإذا شغر مكانهنّ في المنشئات الثقافية والإجتماعية أصبحن موادَّ استهلاكيّة ليست بذات جدوى للمجتمع؟

قالت العجوز: لا.. يا ابنتي.. إن ما تقولينه غير صحيح.. فالشرع الذي حرم على المرأة أن تلبس من اللباس ما قد يؤدي إلى أي ضرر نفسي أو اجتماعي هو نفسه الشرع الذي دعا المرأة إلى أن تكون إيجابية في المجتمع.

وأدنى درجات الإيجابية أن تقوم المرأة بإدارة المنزل وتربية الأبناء الأصحّاء رجال المستقبل الذين يديرون عجلة الحياة في المجتمع.

إن الذين لا يعدّون هذه المسؤولية للمرأة أمراً ايجابياً جاهلون بحقيقة دور المرأة في الأُسرة وفي التربية، وفي بناء مجتمع سليم فعّال، بل لا يعترفون إلاّ بمغادرة الرجال والنساء المنازل صباحاً ليلتحقوا بالدوائر والمصانع. ويجعلون أبناءهم تحت رعاية الآخرين، في دور الحضانة، أو يغلقوا عليهم المنازل ليعيشوا في معتقل دون رعاية، حتى يعود الوالدان من العمل وقد أرهقهما التعب!

هؤلاء غافلون عن أنّ افتقاد الأطفال للرعاية والعطف، يؤدي إلى تحطّم شخصيتهم ويعرض المجتمع إلى الخطر.

قالت المرأة: ولكن لم كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي يفرض الحجاب من دون سائر الأديان.

قالت العجوز: ومن قال لك ذلك.. إن الحجاب الذي يعني اللباس الملتزم مكتوب في كل فطرة نبيلة، وفي كل شريعة صحيحة.. ولا تجدين دينا إلا وله أثارة لا تزال توجد فيه.

سأضرب لك مثالا على ذلك من الكتاب المقدس..

لقد ورد في رسالة بطرس الأولى (3: 1-5):(كذلك، أيتها النساء، اخضعن لأزواجكن. حتى وإن كان الزوج غير مؤمن بالكلمة، تجذبه زوجته إلى الإيمان، بتصرفها اللائق دون كلام، وذلك حين يلاحظ سلوكها الطاهر ووقارها. وعلى المرأة ألا تعتمد الزينة الخارجية لإظهار جمالها، بضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب الفاخرة. وإنما لتعتمد الزينة الداخلية، ليكون قلبها متزينا بروح الوداعة والهدوء. هذه هي الزينة التي لا تفنى، وهي غالية الثمن في نظر الله! وبها كانت تتزين النساء التقيات قديما، فكانت الواحدة منهن تتكل على الله وتخضع لزوجها)

وفي الرسالة الأولى إلى تيموثاوس (2: 9-10):(كما أريد أيضا، أن تظهر النساء بمظهر لائق محشوم اللباس، متزينات بالحياء والرزانة، غير متحليات بالجدائل والذهب واللاليء والحلل الغالية الثمن، بل بما يليق بنساء يعترفن علنا بأنهن يعشن في تقوى الله، بالأعمال الصالحة!)

وفي سفر الأمثال (31: 30):(الحسن غش والجمال باطل، أما المرأة المتقية الرب فهي التي تمدح. أعطوها من ثمر يديها، ولتكن أعمالها مصدر الثناء عليها)

وفي الرسالة الأولى إلى كورنثس (11: 1): (وأما كل امرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيىء واحــد بعينه.. إذ المرأة إن كانت لا تتغطى: فليقص شعرها)

وفي نفس الرسالة (11: 13): (احكموا في أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهي غير مغطاة؟!)

الرعاية

جلست المرأة، فقامت أخرى، وقالت: لقد حدثتنا عن الثلاث، وقد اقتنعت بما ذكرت.. فحدثينا عن الرابعة.

قال العجوز: الرابعة هي الرعاية.. فالشريعة التي أكرمت المرأة وصانتها هي نفسها التي جاءت لترعى لها كل حاجاتها الدينية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية باعتبارها كالرجل تماما([37]).

لقد وردت النصوص الكثيرة ومعها التشريعات المختلفة تؤكد ذلك وتؤسس له..

فمن ذلك رعاية حاجتها للتعليم.. فقد حثّ الإسلام على العلم ورغب فيه الرجال والنساء على السواء، وليس هناك نص واحد صحيح يحرم على المرأة أن تتعلم.. بل إن التاريخ الإسلامي مليء بمئات العاملات والأديبات، والمحدثات ممن اشتهرن بذلك ودونت سيرتهن في كتب التراجم..

ومن ذلك حقها في العمل والوظيفة.. فلا يوجد في الإسلام ما يمنع من تولي المرأة الوظائف لكمال أهليتها، ولكن يجب أن يتم ذلك وفق مبادئ الإسلام وأخلاقه، فلا يصح أن تكون الوظيفة معطلة لعمل الأم في بيتها وإشرافها على شؤون عائلتها..

وذلك ليس هو النظام الشرعي الاجتماعي فقط بل هو النظام الطبيعي، ولهذا فإن عمل المرأة لا يكون من الناحية الإجتماعية أصلاً، بل يكون استثنائياً..

ومن وجوه الاستثناء في هذا أن تكون المرأة ذات نبوغ خاص يندر في الرجال والنساء معاً، والمصلحة الاجتماعية توجب في هذه الحالة أن تعمل ليعود ذلك النبوغ على المجتمع بنفع عام، وفي هذا تترك جزء من أمومتها في سبيل المصلحة العامة.

ومن وجوهه أن تتولى المرأة عملاً هو أليق بالنساء كتربية الأطفال وتعليمهم فيكون الطفل في حضانة أمه داخل البيت، وفي عطف المرأة ورعايتها في المدرسة، ومثل تعليم الأطفال تطبيب النساء، وقد قرر الفقهاء أن بعض هذه الأعمال فرض كفاية كالقابلات فإن عملهن من فروض الكفاية.

ومن وجوهه أن تعين زوجها في ذات عمله، وهذا كثير في الريف، فالمرأة الريفية إذا كان زوجها عاملاً زراعياً، أو مالكاً غيراً، أو مستأجراً لمساحة ضئيلة تعاونه امرأته في عمله.

ومن وجوهه أن تكون في حاجة إلى العمل لقوتها، وقوت عيالها إذا فقدت العائل هي وهم، فكان لا بد أن تعمل هذه الضرورة أو تلك الحاجة الملحة.

قامت امرأة، وقالت: فما تقول الشريعة في الحقوق السياسية للمرأة.

قال العجوز: ما دامت المرأة إنسانا كالرجل.. ومسؤولة مثله عن الشؤون الاجتماعية.. فإن لها الحق مثله في جميع الحقوق السياسية..

وأولها حقها في انتخاب أولياء الأمور..

ولها حق النيابة بفروعها جميعا..

فلها الحق في تشريع القوانين والأنظمة.. فليس في الإسلام ما يمنع أن تكون المرأة مشرعة، لأن التشريع يحتاج قبل كل شيء إلى العلم مع معرفة حاجات المجتمع وضروراته التي لا بد منها، والإسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء.

ولها الحق في مراقبة السلطة التنفيذية.. بل هو واجب عليها كوجوبه على الرجل.. ذلك أن هذه الرقابة ليست سوى أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.. والرجل والمرأة في ذلك سواء في نظر الإسلام قال الله تعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} (التوبة)

وفي السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية أي السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم لديه خمسة وسبعون مسلماً من المدينة منهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وبايعوه جميعاً بيعة العقبة الثانية، وهي بيعة حرب وقتال، وبيعة سياسية، وبعد أن فرغوا من بيعته قال لهم جميعاً: (أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء)، وهذا أمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توجه للجميع بأن ينتخبوا من الجميع، ولم يخصص الرجل، ولم يستثن النساء، لا فيمن يَنتخب ولا فيمن يُنتخب، والمطلق يجرى على إطلاقه ما لم يرد دليل التقييد، كما أن العام يجري على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص.

وهنا جاء الكلام عاماً ومطلقاً، ولم يرد دليل التقيد أو التخصيص فيدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر المرأتين أن تنتخبا النقباء وجعل لكل من المرأتين حق انتخابها من المسلمين نقيبتين.

وبعد ذلك كله، فلها الحق في الشورى..

وقد روي أنه لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صلح الحديبية ولقي مقاومة عنيفة من المسلمين لشروطها، وأمرهم أن ينحروا، ويحلقوا، فرفض المسلمون جميعاً ذلك، فدخل على زوجته أم سلمة، وأخبرها بما صنعه المسلمون فأشارت عليه أن يخرج، وينحر، ويحلق، فأخذ برأيها، وفعل كما قالت له، فهبّ المسلمون ينحرون ويحلقون حتى كادوا يتذابحون لسرعتهم في التقيد بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهذا يدل على حق المرأة في الشورى، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاور النساء، ويأخذ برأيهن.. وبناء على هذا فيجوز أن تكون المرأة عضواً في مجلس الشورى لتعطي رأيها كما فعلت أم سلمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قامت أخرى، وقالت: ولكن الإسلام مع كل هذا لم يتح للمرأة أن تتولى المناصب المحترمة في الدولة؟

قالت العجوز: إن أكثر الفقهاء يرون أن المناصب الحكومية ليست ممنوعة على المرأة سوى منصب واحد – وهو ممنوع على أكثر الرجال – وهو منصب (رئاسة الدولة العليا)([38])

والسر في هذا المنع ليس عائدا إلى موقف الإسلام من إنسانية المرأة، وكرامتها، وأهليتها، وإنما هو وثيق الصلة بمصلحة الأمة وبحالة المرأة النفسية ورسالتها الاجتماعية.. فرئيس الدولة في الإسلام ليس صورة رمزية للزينة والتوقيع، وإنما هو قائد المجتمع، ورأسه المفكر، ووجه البارز، فهو الذي يعلن الحرب على الأعداء، ويقود جيش الأمة في ميادين الكفاح، ويقرر السلم والمهادنة إن كانت المصلحة فيها، أو الحرب والاستمرار فيها إن كانت المصلحة تقتضيها، وطبيعي أن يكون ذلك كله بعد استشارة أهل الحل والعقد في الأمة..

ومما لا ينكر أن هذه الوظائف الخطيرة لا تتفق مع تكوين المرأة النفسي، والعاطفي، وبخاصة ما يتعلق بالحروب وقيادة الجيوش، فإن ذلك يقتضي من قوة الأعصاب، وتغليب العقل على العاطفة والشجاعة في خوض المعارك.

قامت أخرى، وقالت: دعينا من السياسة.. فلا ناقة لنا فيها ولا جمل.. وعودي بنا إلى الأسرة.. وأجيبينا على هذا السؤال المحير.. لم جعل الطلاق بيد الرجل، ولم يجعل بيد المرأة؟

قالت العجوز: إن فصم رابطة الزوجية أمر خطير، يترتب عليه آثار بعيدة المدى في حياة الأسرة والفرد والمجتمع، فمن الحكمة والعدل ألا تعطى صلاحية البت في ذلك، وإنهاء الرابطة تلك، إلا لمن يدرك خطورته، ويقدر العواقب التي تترب عليه حق قدرها، ويزن الأمور بميزان العقل، قبل أن يقدم على الإنفاذ، بعيداً عن النزوات الطائشة، والعواطف المندفعة، والرغبة الطارئة.

والثابت الذي لا شك فيه أن الرجل في الأغلب أكثر إدراكاً وتقديراً لعواقب هذا الأمر، وأقدر على ضبط أعصابه، وكبح جماح عاطفته حال الغضب والثورة، وذلك لأن المرأة خلقت بطباع وغرائز تجعلها أشد تأثراً، وأسرع انقياداً لحكم العاطفة من الرجل، لأن وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك، فهي إذا أحبت أو كرهت، وإذا رغبت أو غضبت اندفعت وراء العاطفة، لا تبالي بما ينجم عن هذا الاندفاع من نتائج ولا تتدبر عاقبة ما تفعل، فلو جعل الطلاق بيدها، لأقدمت على فصم عرى الزوجية لأتفه الأسباب، وأقل المنازعات التي لا تخلو منها الحياة الزوجية، وتصبح الأسرة مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى.

وهذا لا يعني أن كل النساء كذلك، بل إن من النساء من هن ذوات عقل وأناة، وقدرة على ضبط النفس حين الغضب من بعض الرجال، كما أن من الرجال من هو أشد تأثراً وأسرع انفعالاً من بعض النساء، ولكن الأعم الأغلب والأصل أن المرأة كما ذكرنا، والتشريع إنما يبني على الغالب وما هو الشأن في الرجال والنساء، ولا يعتبر النوادر والشواذ، وهناك سبب آخر لتفرد الرجل بحق فصم عرى الزوجية.

إن إيقاع الطلاق يترتب عليه تبعات مالية، يُلزم بها الأزواج: فيه يحل المؤجل من الصداق إن وجد، وتجب النفقة للمطلقة مدة العدة، وتجب المتعة لمن تجب لها من المطلقات، كما يضيع على الزوج ما دفعه من المهر، وما أنفقه من مال في سبيل إتمام الزواج، وهو يحتاج إلى مال جديد لإنشاء زوجية جديدة، ولا شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على الطلاق، من شأنها أن تحمل الأزواج على التروي، وضبط النفس، وتدبر الأمر قبل الإقدام على إيقاع الطلاق، فلا يقدم عليه إلا إذا رأى أنه أمر لا بد منه ولا مندوحة عنه.

أما الزوجة فإنه لا يصيبها من مغارم الطلاق المالية شيء، حتى يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه – إن استطاعت – بل هي تربح من ورائه مهراً جديداً، وبيتاً جديداً، وعريساً جديداً.

فمن الخير للحياة الزوجية، وللزوجة نفسها أن يكون البت في مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها وأضن بها.

والشريعة لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلاق، فقد منحتها الحق في الطلاق، إذا كانت قد اشترطت في عقد الزواج شرطاً صحيحاً، ولم يف الزوج به، وأباحت لها الشريعة الطلاق بالاتفاق بينها وبين زوجها، ويتم ذلك في الغالب بأن تتنازل للزوج أو تعطيه شيئاً من المال، يتراضيان عليه، ويسمى هذا بالخلع أو الطلاق على مال، ويحدث هذا عندما ترى الزوجة تعذر الحياة معه، وتخشى إن بقيت معه أن تخل في حقوقه، وهذا ما بينه الله تعالى في قوله:{ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} (البقرة)

ولها طلب التفريق بينها وبينه، إذا أُعسر ولم يقدر على الإنفاق عليها، وكذا لو وجدت بالزوج عيباً، يفوت معه أغراض الزوجية، ولا يمكن المقام معه مع وجوده، إلا بضرر يلحق الزوجة، ولا يمكن البرء منه، أو يمكن بعد زمن طويل، وكذلك إذا أساء الزوج عشرتها، وآذاها بما لا يليق بأمثالها، أو إذا غاب عنها غيبة طويلة.

كل تلك الأمور وغيرها، تعطي الزوجة الحق في أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها، صيانة لها أن تقع في المحظور، وضناً بالحياة الزوجية من أن تتعطل مقاصدها، وحماية للمرأة من أن تكون عرضة للضيم والتعسف.

***

ما انتهت العجوز من حديثها إلى هذا الموضع حتى طلبت إحدى الشاهدات التدخل، فأذنت لها رئيسة الجلسة طمعا في أن تنقذ المؤتمر من الموقف الحرج الذي وضعته فيه العجوز.

قالت الشاهدة: لقد أدليت بشهادتي، وكنت صادقة في ذلك.. لكني كاذبة لأني لم أعط شهادتي حقها من التفصيل والتعليل.

نعم لقد أهنت وسلبت حقوقي.. ولكن الذين أهانوني وسلبوا حقوقي لم يتعرضوا في يوم واحد من حياتهم لأشعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. لقد كانت حياتهم مبنية على أعراف تعارفوها، وأفكار سرت إليهم من مجتمعات مختلفة..

لقد كان أبي شيخا جاهلا باعني كما باع بقرته.. ولو أنه استنار بهديه صلى الله عليه وآله وسلم، وتعلم من معاملته لابنته فاطمة لما فعل هذا بي..

وكان زوجي رجلا شحيحا حريصا يبيع دينه بأي شيء، فلذلك لم يكن ينظر إلي إلا كما ينظر إلى مواشيه وسلعه.. وسأفصح لكم عن سر لو أني لم أفصحه الآن لوقفت خجلة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم طول حياتي.

قالوا: وما هذا السر؟

قال: لقد سببت زوجي وأهنته، ومع ذلك سأذهب إلى بيته هذا المساء.. وسيكرمني أعظم إكرام مع ما قلت في حقه.. أتدرون سر ذلك؟

صمت الجميع محتارين، فقالت: لقد قبض زوجي مبلغا مقابل شهادتي.. لقد تآمر مع بعض المحضرين لهذا المؤتمر لأدلي بهذه الشهادة.. فهو من الناس الذين يرددون:(أعطني المال، وسمني بأي اسم شئت)

ولن أفضح زوجي أكثر من هذا.. ولكني أقول لكم: إن هذا الزوج الذي أردتم أن ترموا به محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد تخلى عن دينه إن كان له دين.. وقد التحق بركب المرتدين.. لقد ذهب إلى المسيح.. لا حبا في المسيح.. ولكن حبا في المال الذي يدر عليه من خدمة المسيح أو خونة المسيح.

جلست الشاهدة التي زادت طين المؤتمر بلة، فرفعت الشاهدة الثانية يدها، والثالثة والرابعة.. خشيت رئيسة الجلسة أن تزداد الفضائح، فرفعت الجلسة.

لقد رأيت وجه رئيسة الجلسة المتغير، لقد ارتسمت قناعات كثيرة في وجهها.. ومع أنها من دعاة التحرر إلا أني شعرت أنها قد امتلأت حياء من محمد وأشعة محمد.

لقد دعاني ما رأيت إلى البحث المستفيض عن الإسلام.. والحمد لله.. لقد دلني الله على الحقيقة التي حاول الكل طمسها وتشويهها.. ولكن أنى لهم أن يشوهوا الشمس التي جعلها الله رحمة للعالمين.

***

قالت (مريم هاري) هذا، ثم التفتت إلى صواحبها، وقالت: هذا هو حديثي.. فهل ترينني ملومة فيه؟

قالت فرانسواز: كلا.. أنا أرى بأنك اخترت الطريق الصحيح.. فأنا لم أجد طول بحثي في المذاهب والأديان دينا احترم المرأة احترام الإسلام لها.. إن احترامه ينبع من بحر عميق من الرحمة التي تفتقدها الأديان والمذاهب.

قالت دانيالي: إن حديثك هذا رغبنا كثيرا في الإسلام.. ونحن نريد منك الآن أن تكملي لنا جميلك، فتذكري لنا رحلتك في البحث عن الحقيقة.. فما أحوجنا إلى أن نسلك سلوكك.

قالت مريم: على العين والرأس.. هيا سرن معي إلى بيتي.. وسأريكن من الحقائق الجميلة التي جاء بها الإسلام ما لم ترينه طول حياتكن.

قامت مريم، وقامت معها النسوة، وقد أحسست أن أشعة كثيرة من النور تتنزل عليهن.. وقد رزقني الله بفضل الاستماع لهن بصيصا من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


([1])  أشير به إلى كاتبة فرنسية.. وقد كتبت خطابا موجها إلى النساء المسلمات في كتابها (الأحاريم الأخيرة) تقول لهن فيه: (يا أخواتي العزيزات، لا تحسدننا نحن الأوربيات ولا تقتدين بنا، إنكن لا تعرفن بأي ثمن من عبوديتنا الأدبية اشترينا حريتنا المزعومة، إني أقول لكنّ: إلى البيت، إلى البيت، كن حلائل، ابقين أمهات، كن نساءً قبل كل شيء، قد أعطاكن الله كثيرا من اللطف الأنثوي فلا ترغبن في مضارعة الرجال، ولا تجتهدن في مسابقتهم، ولترض الزوجة بالتأخر عن زوجها وهي سيّدته، ذلك خير من أن تساويه وأن يكرهها)

([2])  اخترت هنا بعض الأسماء لشخصيات نسائية معروفة استطعن بحكمتهن أن يكتشفن المغالطات الكثيرة التي تحملها الرايات التي تدعي أنها تحرر المرأة، وقد استفدت هذه الأسماء وتصريحاتهن من كتاب (معاناة المرأة في الغرب) من إعداد موقع المنبر (http://www.alminbar.net/)

وكما نبهنا مرات كثيرة، فإن ما نذكره من حديثهن هو مجرد حديث افتراضي.. أما تصريحاتهن الحقيقية التي تدل على مواقفهن، فقد ذكرناها في الهوامش.

([3])   هي كاتبة فرنسية.. وقد سئلت عن سبب سخريتها في كتابتها من حركة تحرير المرأة، فأجابت: (من خلال نظرتي لتجارب الغالبية العظمى من النساء أقول: إن حركة تحرير المرأة أكذوبة كبيرة اخترعها الرجل ليضحك على المرأة)

([4])   هي كاتبة من الولايات المتحدة الأمريكية كتبت في كتاب لها بعنوان (ما لم تخبرنا به أمهاتنا) تقول فيه: (إن الجيل الجديد من الأمهات تحت سنّ الأربعين أصبحن ضحايا للحركة النسوية، حيث دأبت هذه الحركات على تشجيع عمل المرأة والخروج من البيت وتأخير الزواج، وقلّلت من دور المرأة في تربية الأطفال ورعاية المنزل، ودعت إلى أن يقوم الرجل بذلك عملا بمبدأ المساواة المطلقة)

وتؤكّد أن عمل الحركة النسوية ومطالبتها باقتحام كلّ مجالات العمل ساهم في قطع ارتباط المرأة بالجوانب المتصلة في تكوينها النفسي والعقلي مثل غريزة الأمومة وحبّ تكوين الأسرة، وهي تدعو في المقابل أن تعود المرأة إلى البيت وأن تتزوج مبكرة وأن لا تعمل قبل أن يكبر الصغار ويدخلوا المدارس.. وتجيب عن سؤال حسّاس هو: لماذا لا يطلب من الرجل أن يبقى في البيت وتعمل الأم؟! فتقول: (إنّ الشعور بالذنب لدى المرأة لتركها الأولاد وشعورها المرتكز في فطرتها لتلبية حاجات أطفالها الأساسية يجعل قيام الأم بهذا الدور محقّقا للاستقرار الأسري)

وتشير (دانيالي) إلى أن جيلا من الأمهات بأكمله تعلّم أن يحارب الرجل وأن يلومه، وأن يطالب بالاستقلال التام بأي ثمن، والنتيجة كما تشير هذه الباحثة قلق وحيرةٌ واضطراب.. وتذكر المؤلفة أن هناك تساؤلات أصبحت تقلق المرأة الغربية المعاصرة إلى حدّ كبير، تتمثل في السؤالين التاليين: هل النزول إلى معترك العمل أهم من العناية بالأطفال؟ ولماذا لا يرغب صديقي بالزواج مني كما أرغب أنا؟

وتعترف أن لفظة (حركة نسوية) أو (اتحاد نسائي) أصبحت تثير الاشمئزاز لدى عدد لا بأس به من النساء في أمريكا، وذلك مرده إلى الطروحات المتطرّفة المتصادمة مع متطلبات الأنثى.

وتقول دانيالي في كتابها: (إن السعادة والتخلص من القلق والحيرة ممكن للمرأة المعاصرة بشرط أن تتخلى عن المقولات الرجعية التي تنادي بها الحركات النسوية الداعية إلى إشراك المرأة في كلّ مجال أو بتلك المجالات التي تحث على الحرية الجنسية التي قتلت المرأة وحولها إلى كائن لا قيمة له في المجتمع)

([5])  هي كاتبة كتبت في في جريدة (الأسترن ميل) تقول: (لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كخوادم خيرٌ وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المصانع والمحلات والمعامل. ألا ليت بلادنا كبلاء المسلمين؛ فيها الحشمة والعفاف والطهارة، فالخادمة والرقيق يتنعمان عند المسلمين بأرغد عيش، ويعاملان كما يُعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء)

([6])  هي كاتبة كتبت في بعض كتاباتها تقول: (إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا وهنا البلاء العظيم على المرأة.. أما آن لنا أن نبحث عمّا يخفّف ـ إذا لم نقل: عمّا يزيل ـ هذه المصائب العائدة بالعار على المدنية الغربية)

وتقول في موضع آخر: (يا أيها الوالدان، لا يغرنكما بعض دريهمات تكسبها بناتكما باشتغالهن في المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا. علموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد. لقد دلَّنا الإحصاء على أن البلاء الناتج من حمل أولاد الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر اختلاط النساء بالرجال، ألم تروا أن أكثر أمهات أولاد الزنا من المشتغلات في المعامل والخادمات في البيوت وكثير من السيدات المعرضات للأنظار؟! ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف ما نرى الآن، لقد أدَّت بنا هذه الحال إلى حدٍ من الدناءة لم يكن تصوُّرها في الإمكان، حتى أصبح رجال من مقاطعات من بلادنا لا يقبلن البنت زوجة ما لم تكن مجربة، أي: عندها أولاد من الزنا ينتفع بهم، وهذا هو غاية الهبوط بالمدنية)

([7])   هي ممثلة مشهورة.. من تصريحاتها قولها ـ ردا على من سألها قائلا: (لقد كنت في يوم من الأيام رمزًا للتحرير والفساد) ـ فأجابت قائلة: (هذا صحيح كنت كذلك، كنت غارقة في الفساد الذي أصبحت وقتًا ما رمزا له، لكن المفارقة أن الناس أحبوني عارية، ورجموني عندما تبت، عندما أشاهد الآن أحد أفلامي السابقة فإنني أبصق على نفسي، وأقفل الجهاز فورًا. كم كنت سافلة)، ثم تواصل قائلة: (قمة السعادة للإنسان الزواج)، ثم تقول: (إذا رأيت امرأة مع رجل ومعها أولاد أتساءل في سري: لماذا أنا محرومة من مثل هذه النعمة)

([8])  من تصريحاتها في هذا المجال قولها: (إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة، فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق)، ثم تقول: (إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه)

([9])  هي عجوز في الخامسة والسبعين، من أصل أرلندي وتعيش منذ خمسين عامًا في مدينة (أوتاوا) الكندية، صرحت تقول: (إنني لا أستطيع أن أفعل شيئًا سوى أن أرى هؤلاء الشبان الذين يرتطمون بهذا الواقع الجاف، أخشى أن يكرهنا أبناؤنا. تُرى لماذا يكرهوننا؟ لقد أرغمناهم كي يأتوا إلى هذا العالم عندما فقد هذا العالم كل سطوع وحراراة.

إنني أعيش وحيدة، أولادي وأحفادي يعيشون في (مونتريال)، أتلقى منهم الرسائل بانتظام، وأشعر أن عملية تناول الرسائل باتت ميكانيكية، لأنها خالية من الود الحقيقي، هذا ليس ذنبهم، أعود ستين عامًا إلى الوراء، عندما كانت حياتنا أشبه بالمهرجان الدائم، الآن تبدّل كل شيء، ويبدو أن الناس كلهم يسيرون في جنازة هم الأموات فيها)

([10])  هي قاضية سويدية كلفتها الأمم المتحدة بزيارة البلاد العربية للتعرف على المرأة العربية ودراسة أوضاعها الاجتماعية والقانونية، فقالت: (إن المرأة السويدية فجأة اكتشفت أنها اشترت وهما هائلاً ـ تقصد الحرية التي أعطيت لها ـ بثمن مفزع هو سعادتها الحقيقية).. وتقول عن استقبال المرأة السويدية لعام المرأة 1975م: (ولهذا فإنها تستقبل العام العالمي لحقوق المرأة بفتور مهذّب، وتحنُّ إلى حياة الاستقرار العائلية المتوازنة جنسيًا وعاطفيًا ونفسيًا، فهي تريد أن تتنازل عن معظم حريتها في سبيل كل سعادتها)

([11])  هي صحفية أمريكية، كانت تراسل أكثر من خمسين ومائتي صحيفة أمريكية، وقد زارت جميع بلاد العالم، زارت القاهرة وأمضت فيها عدة أسابيع، حيث زارت المدارس والجامعات ومعسكرات الشباب والمؤسسات الاجتماعية ومراكز الأحداث والمرأة والأطفال وبعض الأسر في مختلف الأحياء، ثم قالت: (إن المجتمع المسلم كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشباب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتم تقييد المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية التي تهدد اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا، ولذلك فإن القيود التي يفرضها مجتمعكم على الفتاة هذه القيود صالحة ونافعة، لهذا أنصحكم بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم.

امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا.

امنعوا الاختلاط، فقد عانينا منه في أمريكا الكثير، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعًا مقعدًا، مليئًا بكل صور الإباحية والخلاعة، وإن ضحايا الاختلاط والحرية يملؤون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية، إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا قد جعلت منهم عصابات أحداث، وعصابات للمخدرات والرقيق.

إن الاختلاط والإباحية والحرية في المجتمع الأوربي والأمريكي قد هدد الأسرة، وزلزل القيم والأخلاق)

([12])  هي زوجة السفير الإنجليزي في تركيا.. قالت تخاطب شقيقتها: (يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب، وهو ما أود تكذيبه، فإن مؤلفي الروايات في أوربا لا يحاولون الحقيقة، ولا يسعون للبحث عنها، ولولا أنني في تركيا وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك سبيل، ولو أنني لم أستمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق معيشتهم من سبل شتى لذهبت أصدق ما يكتبه هؤلاء الكتاب، ولكن ما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم، ولا أبالغ إذا قررت لكِ أن المرأة المسلمة وكما رأيتها في الآستانة أكثر حرية من زميلاتها في أوربا، ولعلها المرأة الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية، ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلات، ويستقبلن من يرِد من الناس)

([13])  استفدنا الكثير من النصوص الواردة هنا من كتاب (حفظ الإسلام حقوق المرأة) للأستاذ علاء أبو بكر.

([14])  انظر: تعليق جيروم على رسالة بولس إلى أهل أفسس.

([15])   وقد نص على تحريم هذا في قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) (النساء: 19)، فهذه الآية نهت عن عادة الجاهلية من إرث الرجل نساء أقربائه.

([16])  وقد حرم الإسلام هذه الأمور جميعا بقوله تعالى:{ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنّ) (النساء: 19)

([17])  وقد حرم القرآن ذلك فى قوله تعالى:{ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (النساء: 20)

([18])  جمع هذه الأصوات مع تحليل وافٍ لها (أوديل) في كتاب أطلق عليه عنوان (أنقذونا).. وتلك الأصوات عبارة عن حوارات قصيرة أجراها المؤلف مع نساء وأطفال وآباء وأجداد حول طبيعة علاقة كل واحد منهم بأفراد عائلته الآخرين، والأصوات السعيدة كانت نادرة جدًا، بل واستثنائية.

([19])   رواه الطبراني في الأوسط وفيه عصمة بن المتوكل وهو ضعيف، مجمع الزوائد:4/313.

وقد قلنا تعليقا عليها في كتاب (الحقوق المادية للزوجة) من سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية): (و لم يضعف سندا لضعف عقلا وشرعا، فإن أي مؤمن يعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما جبل عليه من رحمة حتى سماه ربه رؤوفا رحيما يحيل عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل ذلك، بل تنزيهه من ذلك كتنزيهه من المعاصي وما ينفر مما هو من خصائص الأنبياء ـ عليهم السلام ـ

والعجب أن مثل هذا الحديث يردد على المنابر، ويتناقله العامة الذي لا يحفظون حديثا صحيحا واحدا، مع أن آثاره الواقعية لا يمكن حصر خطرها، فهو كمن ضرب مائة عصفور بحجر واحد، فبهذا الحديث الواحد ضربت سماحة الإسلام وشوهت رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  التي هي أخص خصائصه ولسان رسالته، وشوهت معها شخصيته صلى الله عليه وآله وسلم، وتمردت المرأة على الرجل، بل تمردت على الأحكام الشرعية نفسها، وتجبر الرجل، وضاعت الحقوق، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلهذا نرى أن يلزم أولياء الأمور من المسلمين الأئمة وغيرهم تجنب رواية مثل هذه الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي لا تخدم الإسلام بقدر ما تخدم الخرافة والجهل وتمكن للضلال والانحراف)

([20])  أشير به إلى (رابعة العدوية) وهي رابعة بنت إسماعيل العدوية، أم الخير، مولاة آل عتيك، البصرية، صالحة مشهورة، من أهل البصرة، ومولدها بها.

لها أخبار في العبادة والنسك، ولها شعر.. ومن كلامها: (اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم) توفيت بالقدس، قال ابن خلكان: (وقبرها يزار، وهو بظاهر القدس من شرقيه، على رأس جبل يسمى الطور) وقال: (وفاتها سنة 135 كما في شذور العقود لابن الجوري، وقال غيره سنة 185.

([21])   رواه أبو نعيم.

([22])   رواه أبو داود.

([23])   رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق.

([24])   رواه مسلم.

([25])   رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

([26])  استفدنا المعلومات الواردة هنا من بحث للباحث مصطفى عيد الصياصنة بعنوان (دية المرأة، في ضوء الكتاب والسنة: تمام دية المرأة، وتهافت دعوى التنصيف)، وقد قال هذا الباحث: (من دراستنا الموسعة والمستفيضة، لمسألة دية المرأة في الكتاب والسنة، والآثار الواردة عن بعض أفراد الصحابة والتابعين، إضافة إلى معالجتنا لطبيعة دعوى الإجماع والقياس، بخصوص هذه المسألة، فإننا نستطيع القول ـ وبكل الاطمئنان والثقة ـ: إن دية المرأة على مثل دية الرجل سواء بسواء وذلك لتضافر الأدلة والمرجحات، التي تؤكد هذه الحقيقة) (دية المرأة، في ضوء الكتاب والسنة:145)

وقد لخصنا باختصار وتصرف بعض ما ذكره من أدلة هنا.

([27])  قال في نصب الراية في تخريجه: (روي هذا اللفظ موقوفا على علي، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قلت: أما الموقوف، فأخرجه البيهقي عن إبراهيم عن علي بن أبي طالب، قال: (عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس، وفيما دونها).. وقيل: إنه منقطع، فإن إبراهيم لم يحدث عن أحد من الصحابة، مع أنه أدرك جماعة منهم ؛ وأما المرفوع، فأخرج البيهقي أيضا عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دية المرأة على النصف من دية الرجل.. قال: وروي من وجه آخر عن عبادة بن نسي)

([28])  استفدنا هذه المجادلة من مقال لعابدة فضيل المؤيد، المصدر: موقع مؤسسة البلاغ.

([29])  رواه أبو داود.

([30])  رواه أحمد والنسائي.

([31])  تناولنا جميع هذه المسائل بتفصيل في كتاب (الضوابط الشرعية لحماية الزواج) من سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية)

([32])  زاد المعاد:5/95.

([33])   وهي الولاية التي تمكن صاحبها من إنشاء عقد الزواج استقلالا دون تدخل من المولى عليه،  وقد أطلق عليها بعض الفقهاء (ولاية استبدادية) لاستبداد الولي فيها إنشاء العقد دون مشاركة من المولى عليه.

([34])  د. عبد الله مبارك الخاطر، من مقال يحمل عنوان (مشاهداتي في بريطانيا ـ المرأة الغربية والزواج)، مجلة البيان، عدد: 6، شوال: 1407، ص: 59.

([35])  تحدثنا في الرسائل الماضية عن أجزاء كثيرة من هذا النظام.. وراجع بعض المقارنات في هذا خصوصا في رسالة (ثمار من شجرة النبوة) من هذه السلسلة.

([36])  رجعنا في استنباط الكثير من المعاني المرتبطة بالآيات وعلاقتها بالموضوع إلى (الظلال) لسيد، بالإضافة إلى (الأمثل) للشيرازي.

([37])  ذكرنا الأدلة المفصلة على ذلك في كتاب (الحقوق المعنوية للزوجة) من سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية)، ولذلك سنقتصر هنا على بعض الأمثلة الدالة على مجامع ذلك.. وقد رجعنا فيها إلى كتاب (حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون.. نصاً ومقارنة وتطبيقاً) للمحامي محمد عنجريني، وغيره..

([38])  ويرى الدكتور محمد سليم العوا أن الفقهاء حين تحدثوا عن منع المرأة من تولي رئاسة الدولة كان المقصود منها دولة الخلافة، أما الدولة المعاصرة فهي دولة دستورية فيها قوانين محددة لكل سلطة، وفيها فصل بين السلطات ولا يمكن أن يكون فيها اختصاصات الرئيس يعفي منها اختصاص الخليفة، فهناك منعت المرأة لماذا؟ يقول الدكتور محمد سليم العوا: لأنها لا تستطع أن تؤم الرجال بالصلاة، ورئيس الدولة الآن غير مطلوب منه أن يؤم الصلاة، وهي لا تستطيع تولي القضاء العام لأنها كانت من مهمات الخليفة أما اليوم فرئيس الدولة ليس قاضيا،ً هناك سلطة قضائية مستقلة، والخليفة كان مشرعاً، واليوم هناك فصل بين السلطات، فرئيس الدولة لا يشرع وإنما البرلمان الذي يشرع وفيه رجال ونساء، وينتهي الدكتور عوا إلى القول بأنه لا يرى مانعاً يحول دون أن تتولى المرأة أي منصب كان بما في ذلك رئاسة الدولة، ودولة الخلافة هي التي لن يصلح فيها قوم ولوا أمرهم امرأة.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *